رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر @risaltalminbr Channel on Telegram

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

@risaltalminbr


رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر (Arabic)

هل تبحث عن قناة تليجرام تقدم لك المحتوى الهادف والمفيد؟ إذا كانت الإجابة نعم، فإن قناة 'رسالة المنبر' هي ما تبحث عنه! هذه القناة من تأسيس الدكتور محمد سعيد بكر، وهي مخصصة لنشر المعارف والمعلومات القيمة التي تغذي عقلك وتثري معرفتك. تجد في هذه القناة مقالات مفيدة ومحاضرات توعوية تساعدك على تطوير ذاتك وزيادة معرفتك في مختلف المجالات. سارع بالانضمام إلى قناة 'رسالة المنبر' اليوم واستمتع بالتحفيز الإيجابي والمعلومات القيمة التي ستجدها هنا! فلا تضيع الفرصة لتحسين نفسك والاستفادة من تجربة فريدة على تيليجرام.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

10 Jan, 09:05


بين غزوة الأحزاب وطوفان الأقصى💥
رسالة المنبر ١٠-١-٢٠٢٥م
د. محمد سعيد بكر
🌹المحاور🌹
كان ولا يزال وسيبقى التدافع بين الحق والباطل حتى يَرث الله الأرض ومَن عليها .. فقَبْلَ غزوة الأحزاب واجه النبي صلى الله عليه وسلم المشركين الوثنيين في غزوتين اثنتين هما؛ بدر وأحُد ..
وواجه اليهود في غزوتين اثنتين هما؛ بنو قينقاع وبنو النصير.
وفي العام الخامس مِن الهجرة النبوية تآمر عدد مِن زعماء يهود بني النصير الذين تم إجلاؤهم إلى خيبر على تأليب أعداء الدعوة بهدف مُحاصرة المدينة المنورة واستباحتها ووأد مشروع الدولة الوليد فيها.
استجاب لهذا النداء الخبيث؛
👈 العرب الوثنيون (قريش بزعامة أبي سفيان ومعه ٢٠٠٠ مقاتل).
👈 والأعراب المنافقون (قبيلة غطفان ومعها ٦٠٠٠ مِن المرتزقة الذين جاءوا بقصد الحصول على نصف ثمار خيبر إنْ هم حققوا هدف استباحة المدينة).
👈 بالإضافة إلى عدد مِن اليهود ومنافقي المدينة وما حولها.
👈 ليبلغ العدد الإجمالي لجيش الأحزاب المشؤوم (١٠٠٠٠) مجرم.
عَلِمَ النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحراك الخبيث نحو المدينة، فاستشار أصحابه، ثم قام بالإعداد المناسب مِن خلال العديد مِن الخطوات البشرية قبل وأثناء الغزوة، ومِن ذلك:
1️⃣ عسكرياً؛ ساهم مع أصحابه في حفر الخندق لحماية نقطة ضعف المدينة في شَمالها.
2️⃣ أمنياً؛ أرسل عيوناً تأتيه بأخبار جيش الأحزاب.
3️⃣ اقتصادياً؛ دعا أصحابه إلى وليمة جابر التي نزلت فيها البركة فأكلوا وشبعوا.
4️⃣ نفسياً؛ رفع معنويات أصحابه وهو يبشرهم بفتح الشام واليمن والعراق.
5️⃣ سياسياً؛ فاوض قبيلة غطفان على أن يرجعوا عن قتاله مقابل منحهم ثلث ثمار المدينة.
6️⃣ تكتيكياً؛ شجع نُعيم بن مسعود رضي الله عنه على القيام بتفكيك الحلف المشؤوم ونزْعِ الثقة بين جيش الأحزاب.
7️⃣ إيمانياً؛ لم يتوقف عن الدعاء، فقد ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب دعا على المشركين فقال: "اللهم مُنزل الكتاب، سريع الحساب، اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم"، كما دعا كذلك فقال: "اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا" رواه أحمد.
هذه الأسباب البشرية وحدها لم تكن كافية لجلب النصر وصرف الأعداء .. ولكن عندما نأخذ بالأسباب البشرية (الموجودة) .. يمنحنا ربنا الأسباب الربانية (المفقودة)، فكان النصر يوم الأحزاب بجنديٍّ مِن جنود الله، قال صلى الله عليه وسلم: "نُصِرْتُ بالصَّبَا" رواه البخاري، والصبا، هي الريح العاتية التي تهبُّ من المشرق.
هذا هو مشهد غزوة الأحزاب الذي نراه يتكرر اليوم في غزة العزة، فقد سبق معركة طوفان الأقصى أربع مواجهات بيننا وبين يهووود هي:
1️⃣ معركة الفرقان عام ٢٠٠٨م.
2️⃣ معركة حجارة السجيل عام ٢٠١٢م.
3️⃣ معركة العصف المأكول عام ٢٠١٤م.
4️⃣ معركة سيف القدس عام ٢٠٢١م
حتى جاء الطوفان المبارك والذي حققت فيه المقاومة انتصاراً وسبقاً عسكرياً وأمنياً ونفسياً وإعلامياً كبيراً، مما أدى إلى تشديد الحصار القائم أصلاً منذ عام ٢٠٠٧م على غزة، وتداعي جيوش الأحزاب مُجدداً لضرب غزة واستباحتها، ولكن مع اليهوود المجرمين والأعراب المنافقين شاركت جيوش الصليبيين، في حين أن هؤلاء كانوا في الحياد عند غزوة الأحزاب، إذ بهم اليوم يشاركون ويدعمون جيش الاحتلال بالرجال والسلاح والخبرات والمعلومات.
وفي المقابل ماذا فعلت غزة ورجالها لصدِّ هذا العدوان الأثيم؟ .. قامت بالإعداد البشري الآتي:
👈 عسكرياً؛ حفرت غزة أنفاقها، وصنعت سلاحها، ودربت رجالها.
👈 أمنياً؛ حفظت غزة أسرارها، وكشفت ستر أعدائها، وحافظت على رهائنها.
3️⃣ اقتصادياً؛ أمّنت ما تستطيع مِن قُوْتها.
4️⃣ نفسياً؛ ربَّت غزة حاضنتها على اليقين الذي حقق على الرغم مِن طول المعركة ثباتها.
5️⃣ سياسياً؛ فاوضت قيادة غزة ولا تزال تفاوض دون أن تعطي الدنية في دينها ومبادئها.
6️⃣ تكتيكياً؛ تعاملت غزة مع استشهاد العديد مِن قادتها، واستخدمت استراتيجيات الكر والفر، والظهور الساطع والكُمون الممتنع.
7️⃣ إيمانياً؛ لم تتوقف غزة عن استمطار النصر، والعيش مع القرآن، والرضا عن الله على كل حال، رغم الإبادة وقسوة العدوان، فغزة تثق بوعد الله للمؤمنين، ووعيده بالمعتدين.
ومع أوجه الشبه التي تم عرضها بين المشهدين، ثمة أوجه اختلاف عديدة منها؛
1️⃣ غزوة الخندق كانت مدتها نحواً مِن شهر واحد .. أما طوفان الأقصى فزاد عن عام كامل.
2️⃣ غزوة الخندق لم يسبقها حصار المدينة، أما غزة فهي محاصرة قبل الطوفان وأثناءه.
3️⃣ غزوة الخندق وقف فيها الروم والفرس في الحياد، أما طوفان الأقصى فقد شهد مشاركة واسعة مِن خبثاء الأرض كلهم لمصلحة يهووود.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

10 Jan, 09:05


4️⃣ غزوة الخندق كان عدد شهدائها قليل ومحصور، أما طوفان الأقصى فقد أرتقى أثناءه نحواً مِن ٥٠ ألف شهيد.
5️⃣ غزوة الخندق عدد القتلى فيها مِن طرف جيش الأحزاب قليل ومحصور، وهو اليوم بفضل الله ثم ببركة مقاومة أبطال غزة كثير.
6️⃣ بركات وثمرات غزوة الخندق كبيرة، لكننا نرى اليوم امتداد بركات طوفان الأقصى وارتداداته التي استفاد منها حتى إخواننا على طريق فتحهم للشام.
🌹وختاماً🌹
بقي أن يختم الله تعالى لإخواننا في غزة كما ختم للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم الخندق؛
فقد أخذ إخواننا في غزة بالأسباب البشرية (الموجودة) .. وهم ينتظرون مِن الله القوي النصير الأسباب الربانية (المفقودة) ..
👈 وذلك بأن يُسَلِّط الله على المتآمرين عليهم جندياً مِن جنوده "وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ" (المدثر: 31)، وبه يُختم هذا المشهد العظيم مِن تاريخ الصراع الممتد .. بما فيه مِن آلام وآمال ..
👈 وبه تستعيد الأمة عافيتها ..
👈 وتشكر ربها ..
👈 ثم تُجَهِّزُ نفسها لمعركة تحرير بيت المقدس ..
👈 وذلك بعد رفع شعارٍ رفعه النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة الأحزاب .. وهو شعار:
"اليوم نغزوهم ولا يغزونا" ..
👈 ليفتح مكة بعد ثلاثة أعوام فقط مِن غزوة الأحزاب .. ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريباً.
🤲 اللهم اكتب لنا ولأبنائنا وأحبابنا شرف المشاركة في هذا التحرير العظيم 🤲

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

10 Jan, 09:04


تنويه مهم .. 💥
بعد قليل نقدم لكم خطبة الجمعة لهذا الأسبوع .. نرجو منكم حسن الاستفادة منها أو من بعضها أو من فكرتها .. ونشرها في أوسع نطاق .. والدال على الخير كفاعله.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

02 Jan, 20:10


تنويه .. 💥
سنرسل لكم ملفاً يحتوي على جميع رسائل المنبر التي تم إصدارها ونشرها خلال العام ٢٠٢٤م .. ونبيح لكم الاستفادة منها ونشرها بالطريقة التي ترونها مناسبة.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

31 Dec, 08:53


تحكيم الشريعة .. 💥
رسالة المنبر ٣١-١٢-٢٠٢٤م
د. محمد سعيد بكر
🌹المحاور🌹
كل الأفكار والمبادئ البشرية تم تجريبها في أروقة الحُكم، وفشلت في تحقيق السعادة للبشرية، وقد حُكم عليها بالفشل بعد التجريب، إلا الشريعة الإسلامية، فقد تم إقصاؤها وحكموا عليها بالفشل قبل التجريب في زماننا هذا.
منذ مائة عام .. وفي عام ١٩٢٤م تحديداً .. تآمر المتآمرون مِن اليهود والصليبيين والأعراب المنافقين .. وأسقطوا الخلافة الإسلامية العثمانية، التي كانت آخر وعاء سياسي جامعٍ لشتات الأمة، ومِن يومها ونحن مِزَقٌ وأشلاء، كالأيتام على موائد اللئام.
يتنادى المصلحون على امتداد الجغرافيا والتاريخ، ويسعون جاهدين لأجل تحكيم الشريعة السمحة، باعتبار ما فيها مِن قوانين ربانية فُصِّلَت وأُحْكِمَت لإسعاد البشرية في الدنيا والآخرة.
لقد كان تحكيم الشريعة مِن أهم أعمال الأنبياء الملوك، كداود وسليمان، قال تعالى: "يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ" (ص: 26).
وما مِن غاية تتقدم على غاية تحكيم الشريعة لشرفها وأهميتها، فقد روى النسائي بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إقامةُ حدٍّ في الأَرضِ؛ خَيرٌ لأهلِها مِن مَطرِ أربَعين ليلةً" .. وقال سبحانه وتعالى فيمن حادوا عن تحكيم الشريعة إلى أحكام الجاهلية: "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ" (المائدة: 50).
وتحكيم الشريعة والاستسلام التام لها واجب في الظروف الطبيعية والاستثنائية لقوله سبحانه: "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" (النساء: 65).
ويقابل تحكيم الشريعة، الاحتكام إلى الأهواء، قال تعالى: "فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ" (المائدة: ٤٨).
وما إن تُمْسك فئة مِن الدعاة أو المجاهدين زمام الحكم في أي بلد، إذ بعُشاق الشريعة يَعقدون آمالهم على هذه الفئة أن تبدأ بتحكيم الشريعة فوراً ودون تردد وبلا تأخير .. وهنا لابد مِن لفت الانتباه إلى أمور مهمة منها:
👈 تحكيم الشريعة هو الاختبار الأعظم لكل مَن يتولى السلطة، لاسيما بعد زوال أنظمة الكفر والعهر، قال تعالى: "قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ" (الأعراف: 129) .. ثم قال سبحانه متوعداً مَن يُسيء استخدام السلطة والولاية: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ" (محمد: 22).
👈 يجب على كل مَن تولى السلطة (توفير النية الجازمة) على تطبيق الشريعة قبل وأثناء وبعد تولي السلطة والحُكم.
👈 لابد مِن التأكيد على أن تحكيم الشريعة مِن الفرائض وليست مِن النوافل، وأن ترك الاحتكام إليها بلا سبب ولا ضرورة قاهرة، كُفر وظلم وفِسق، لقوله تعالى: "وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" (المائدة: 44).
👈 لابد مِن قراءة التحديات المُعيقة، والفرص المعينة، على طريق تحقيق هذه الغاية الشريفة، سواء ما كان منها داخلياً أم خارجياً.
👈 لابد مِن صناعة ثقافة وبيئة قابلة ومُحبة وحاضنة للشريعة السمحة.
👈 الوعي التام أن تحكيم الشريعة لا يعني مجرد إقامة الحدود فحسب؛ بل هو يشمل إقامة الدين كله في مجالات الحياة كلها .. التعبدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها.
👈 اليقين التام بأن في القرآن والسنة والسيرة ومصادر التشريع؛ أصول وفروع الحُكم الرشيد، والسياسة الشرعية التي تحفظ على الناس دينهم ودنياهم.
👈 الانتباه إلى أن تحكيم الشريعة يتطلب نزاهة وحيادية عالية المستوى، بحيث يصبح مُدراء السلطة ووزراؤها القدوة والأسوة في النزاهة والأمانة والعفة والتواضع ولين الجانب، قال صلى الله عليه وسلم في مبدأ الشفافية والعدالة: "إنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا" أخرجه البخاري.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

31 Dec, 08:53


👈 الوعي التام بأن تحكيم الشريعة يتطلب؛
1️⃣ إطعام الجائع،
2️⃣ وتأمين الخائف،
3️⃣ وتعليم الجاهل؛
وذلك لإقامة الحجة على المخالِف والمتمرد والمتردد.
فإذا ما تم لنا ما سبق مِن وعي وتوجيه ولو بشكل نسبي، فإننا نبدأ بخطواتنا المدروسة في تحكيم الشريعة بتدرُّجٍ مناسب، يسمح باعتناق أحكامها ومبادئها بهدوء؛ لأن ما فسد في دهر قد لا يصلحه عمل شهر.
فبمجرد أن استوثق الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بدأ يُصدر أحكام الدولة المتعلقة بالسياسة الداخلية والخارجية، وهذا لم يكن بمجرد دخوله المدينة .. بل كان على التراخي متابعاً التشريعات الربانية التي راعت حال الناس.
وهنا لا بد مِن التأكيد على أن التدرج المقصود ليس تدرجاً في التشريع، باعتبار أن الشريعة قد اكتملت ولله الحمد .. بل تدرُّجٌ في تطبيق التشريع الحكيم، وذلك بأن يضع الحاكم والمسؤول لوحة الدين كلها نِصْبَ عينيه، ويسعى لتنزيلها في دُنيا الناس شيئاً فشيئاً.
إن مِن واجبنا نحن المراقبين المشاهدين عن بُعد؛ أن ننصح إخواننا في أفغانستان، وسوريا، وغزة، أن يجعلوا تحكيم الشريعة مِن أهم أولوياتهم .. ومِن واجباتنا كذلك أن نعينهم وأن ندعمهم .. فنحن نعلم ماذا يعني تحكيم الشريعة في عالَم يحتكم إلى شريعة الغاب .. ونحن نعلم حجم المسافة بين الشعوب وبين شريعة الرحمن.
كما ينبغي أن نتفهم بأنه لابد لتحكيم الشريعة مِن تمكين حقيقي لا مجرد عبور سريع، لقوله تعالى: "الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (الحج: 41) .. ولا مجرد استلام بقعة جغرافية محددة ومحاصرة براً وبحراً وجواً.
كان عمر بن عبد العزيز يخطب وهو يقول: "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة" .. ألا إنها ليست على الوالي وحده، ولكنها على الوالي والمولى عليه.
ولعل سائلاً يسأل .. وما الفرق إذاً بين الأنظمة العلمانية .. والحكومات التي حُسبت على الإسلام (مصر مرسي، وغزة حماس، أفغانستان طالبان، وسوريا الجديدة) .. إذا تأخر الجميع في تحكيم الشريعة ..
والجواب هنا تفصيلاً؛
👈 ثمة فرق بين مَن لا يريد ومَن لا يستطيع.
👈 فالأنظمة العلمانية لا يتوفر لديها (مجرد النية) لتحكيم الشريعة.
👈 وهي تتربع على عرش المُلك منذ عشرات السنين.
👈 وقد سمحت لمخالب النظام العالمي أن تنغرس في أحشائها مقابل حمايتها وتثبيتها على كراسيها، في مقابل تحييد الشريعة ونبذها بل ومحاربتها أحياناً.
👈 بخلاف الحكومات الوليدة الناشئة والمحسوبة على الإسلام .. لأجل ذلك انقلبوا عليها في مصر .. وحاصروها وحاربوها في غزة .. وهم يتربصون بها في الشام وأفغانستان.
🌹وختاماً🌹
إن أبواق المنافقين لا تهدأ وهي تُحرض على حاملي لواء الإسلام، بمجرد استلامهم زمام الحكم .. فهم يُشككون الناس بقدرة الشريعة على إصلاح الفساد، ويوهمون الناس بعجز الشريعة عن تحقيق التنمية المستدامة، وصدق الله في وصف هؤلاء: "أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (النور: 50).
إننا واثقون بأن قدرة الله ومعيته تَحُفُّ كل عازم على تحكيم الشريعة، وحاشا لله أن يترك عباده وأولياءه نهباً للكائدين والمتربصين .. وعلى الرغم مِن ذلك فإن الحذر واجب ومطلوب على مستوى الفرد الذي يعزم على الاحتكام للشريعة .. فكيف بمن يعزمون على تحكيمها في بلادهم وبين شعوبهم؟!.
إن تحكيم الشريعة يتطلب عزيمة متقدمة .. وجهداً وجهاداً واجتهاداً .. ومن أجمل ما قيل في ذات السياق، ذاك النداء الواجب:
يا أُمَّةَ الإِسْلاَمِ أَيْنَ جِهَادُكُمْ
وَدِفَاعُكُمْ عَنْ حَوْزَةِ القُرْآنِ
فَكِتَابُكُمْ جَمَعَ الهِدَايَةَ كُلَّهَا
وَكَذَا العُلُومَ لِسَائِرِ الأَزْمَانِ
سيروا إِلَى الهَدْيِ العَظِيمِ بِهِمَّةٍ
وَتَسَلَّحُوا بِعَقِيدَةِ الإِيمَانِ
فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا لِكِتَابِهِ
وَهُوَ القَوِيُّ بِعِزَّةِ السُّلْطَانِ.
🤲 نسأل الله العون والسداد لكل حاملٍ لواء تحكيم الشريعة السمحة في البلاد والعباد 🤲

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

31 Dec, 08:52


تنويه مهم .. 💥
بعد قليل نقدم لكم خطبة الجمعة لهذا الأسبوع .. نرجو منكم حسن الاستفادة منها أو من بعضها أو من فكرتها .. ونشرها في أوسع نطاق .. والدال على الخير كفاعله.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

27 Dec, 05:10


تجدون في كتابنا:
خطب وعِظات للمواسم والمناسبات
خطبتين نافعتين مناسبتين لهذا الأسبوع والذي يليه وهما:
1️⃣ خطبة بعنوان:
واجبنا في نهاية كل عام
(في صفحة رقم ١٨٤ من الكتاب).

2️⃣ خطبة بعنوان:
نوايانا المجيدة في أعوامنا الجديدة
(في صفحة رقم ٦ من الكتاب).

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

27 Dec, 05:02


تنويه مهم .. 💥
بعد قليل نقدم لكم خطبة الجمعة لهذا الأسبوع .. نرجو منكم حسن الاستفادة منها أو من بعضها أو من فكرتها .. ونشرها في أوسع نطاق .. والدال على الخير كفاعله.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

19 Dec, 07:31


نظرية المؤامرة .. 💥
رسالة المنبر ١٩-١٢-٢٠٢٤م
د. محمد سعيد بكر
🌹المحاور🌹
تُسيطر على بعضِنا عُقدة أو عقلية أو نظرية المؤامرة، لدرجة أنه إذا رسب في اختبار، أو رفضته عروس، أو خسر صفقة تجارية، أو تأخرتْ طائرة سَفَره؛ ظن بأن وراء ذلك كله مؤامرة كونية، تهدف إلى إقصائه، وتدمير مستقبله، والقضاء عليه.
ومع كثرة المكائد التي شهدناها؛ أصبحنا نشكُّ ونتوجس ونخاف مِن كل إنجاز أو نصر، في المجال السياسي أو العسكري أو غيرها مِن المجالات الحياتية.
ولا ينكر عاقل أن المؤامرات والمكائد كانت، ولا تزال، وستبقى تُحاك لنا ولأمتنا المكلومة، طالما أننا أمة ضعيفة .. كيف لا ونحن أمة؛
👈 فصَلَ الأعداء المتآمرون رأسها عن جسدها (حين أسقطوا الخلافة العثمانية) ..
👈 ومزقوا جسدها إلى أشلاء (حين قسمونا إلى دويلات ومَمالك) ..
👈 وزرعوا في قلبها السرطان (حين أسسوا الكيان الغاصب).
👈 وحقنوا أَوردَتها بالسموم (حين اخترقوا جماعاتها وتياراتها وشخصياتها المؤثرة).
وعلى الرغم مِن ذلك، فإننا متفائلون، ونستشعر العلو والشموخ على كل متكبر جبار، طالما أننا مؤمنون، قال تعالى: "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" (آل عمران: 140).
إن في ديننا ما يدعونا للحذر واليقظة والانتباه .. فالمعارك لا تنتهي، حتى لو وضعت الحرب أوزارها، قال تعالى: "وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً" (النساء: ١٠٢)، وقال صلى الله عليه وسلم محذراً مِن الغفلة بعد الانتصارات: "ستُفْتَحُ علَيْكُم أرَضُونَ، ويَكْفِيكُمُ اللَّهُ، فلا يَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يَلْهو بأَسْهُمِهِ" رواه مسلم.
والظن كذلك محمود ومطلوب في بعض المواقف، لأجل ذلك لم يقل رب العزة؛ إن كل الظن إثم، بل قال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ" (الحجرات: ١٢) باعتبار أن جميع الظن ممنوع إلا نوعين اثنين مِن أنواعه وهما:
1️⃣ ظن المؤمن بأخيه المؤمن خيراً، قال تعالى: "لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ" (النور: 12).
2️⃣ الظن الداعي إلى التأكد عند ورود الشبهات في الفاجرين والكافرين والمعتدين، وفي مثل ذلك يقول الإمام الشافعي:
لا يَكُن ظَنُّكَ إِلّا سَيِّئاً
إِنَّ سُوءَ الظَنِّ مِن أَقوى الفِطَن
يقول الإمام القرطبي: "وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الظَّنَّ الْقَبِيحَ بِمَنْ ظَاهِرُهُ الْخَيْرُ لَا يَجُوزُ، وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي الظَّنِّ القَبِيحِ بِمَنْ ظَاهِره القُبْحُ.
وقد ذكر فقهاء الشافعية وغيرهم من العلماء أن الظَّنَّ في الشرع ينقسم إلى واجبٍ ومندوبٍ وحرامٍ ومباحٍ:
👈 فالواجب: حسن الظن بالله تعالى.
👈 والحرام: سوء الظن به تعالى، وبكل مَن ظاهره العدالة من المسلمين.
👈 والمباح: الظن بمن اشتُهر بين المسلمين بمخالطة الرِّيَب، والمجاهرة بالخبائث، فلا يحرم ظن السوء به؛ لأنه قد دل على نفسه، كما أن مَن يَستر على نفسه لم يُظن به إلا خيرًا، ومَن دخل مَدخل السوء اتُّهِم، ومَن هَتك نفسه ظَنَنَّا به السوء" ..
👈 فكيف نُحسن الظن باليهود والصليبيين والملحدين؟!.
لقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم علينا أن نحترس مِن الوقوع في الخطأ الواحد مرتين، فقال صلى الله عليه وسلم:
👈 "لا يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِن جُحْرٍ واحِدٍ مَرَّتَيْنِ" متفق عليه.
👈 وكان عمر رضي الله عنه يقول: "لستُ بالخِبِّ، ولا الخِبُّ يَخدعُني"
👈 وقال ابن القيم :"كان عمرُ أعقلَ مِن أن يُخدَع، وأورعَ مِن أن يَخْدَع".
👈 وقال المغيرة بن شعبة: "ما رأيتُ أحدًا أحزَمَ من عمر؛ كان -والله- له فضلٌ يَمنعه أن يَجزع، وعقلٌ يَمنعه أن يُخدع".
وهنا لابد مِن التأكيد على أن السذاجة والسطحية في تقدير الأمور لا تجوز .. مثلما أن تفعيل عقلية المؤامرة عند كل مشهد مِن مشاهد حياتنا يؤدي إلى تعطيل تلك الحياة .. ولعل مِن صور المبالغة في الحذر وسوء الظن ما يأتي:
1️⃣ التشاؤم عند كل نجاح ونصر، والتوجس مِن وجود مؤامرة خطيرة يحيكها الأعداء .. وهذا بالتالي يجعلنا نفقد الثقة بأنفسنا ومجاهدينا .. ونُعَظم من قدرة وسيطرة أعدائنا.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

19 Dec, 07:31


2️⃣ التشاؤم مِن كل عطاء ومنح وعمل طيب .. باعتبار أن وراءه مصالح كامنة .. فتجد البعض يرتاب مِن مجرد أن يتلقى تحية أو سلاماً مِن أي أحد .. ظناً منه بأنه ما طُرح عليه السلام إلا لغرض أو مصلحة، ستظهر ولو بعد حين.
إن المنافقين أشد الناس حذراً وخوفاً وتربصاً، لأنهم لا يثقون بقدرة الله ونصره، قال تعالى مبيناً شدة فزعهم وخوفهم مما يجري حولهم: "يحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ" (المنافقون: ٤).
والأمة الحية الفاعلة تطلب القوة وتسعى لها وتُعِدُّ أبناءها وتجهزهم .. وتثق بنفسها وتتوكل على ربها .. وتدخل غمار المعارك والمعامع وتنتزع حقها بالقوة .. وإن حصل لها نصر سهل أو شاق فهي تحمد الله عليه .. وتحذر أشد الحذر مِن أي التفافةٍ تشبه التفافة خالد رضي الله عنه على تلة الرماة يوم أحُد .. أو تشبه التفافة مجرمي مصر على زعيمها الرجل القرآني (محمد مرسي) رحمه الله تعالى.
إننا إذا فتحنا باب نظرية المؤامرة على مصراعيه فإننا لاشك سنتساءل عن سبب الإنتصار السهل الذي حققه النبي صلى الله عليه وسلم على قريش ودخل فاتحاً مكة بهدوء .. مكة التي كنا نظن بأن الدماء عندها ستسيل حَدَّ الرُكَب، إذ بها تُفتح بسرعة فائقة وبهدوء تام؟! .. وننسى بذلك معية الله وقدرته .. بل ننسى أن هذا الفتح جاء نتيجة تراكم جهادي وإعداد وتخطيط طويل.
كما أننا إذا قلنا بنظرية المؤامرة فإننا سنتساءل ونَشُكُّ ونرتاب؛ كيف لدولة بحجم دولة الروم أن تصاب بالرعب مِن دولة ناشئة في المدينة، فلا تَحضُر للمواجهة يوم تبوك؟!.
نحن أمة تثق بوعد الله ووعيده .. وتأخذ بالأسباب الموجودة فيمنحها الله تعالى الأسباب المفقودة .. وأعداء الإسلام ضعفاء وجبناء .. لاسيما إذا واجهوا أمة موحَّدة موحِّدة، ولا داعي لتفعيل عقلية المؤامرة، مع ضرورة ووجوب الحذر .. لأن هذه العقلية المجردة تصطدم بقوله تعالى: "كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ" (البقرة: 249)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ ، ولو اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ" رواه الترمذي وهو صحيح.
إننا بتفعيل عقلية ونظرية المؤامرة نطعن في جهود الدعاة والمصلحين .. وفي تضحيات الشهداء والمجاهدين .. ونعظِّم مِن قدرات الطغاة والغاصبين .. والصحيح أن نصر الله قريب مِن المتقين .. وخذلانه حق للكائدين والمتآمرين، وصدق رب العزة إذ يقول: "وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ" (ابراهيم: 47).
إن مِن الواجب علينا أن نتوقع أسوأ الاحتمالات، مع ضرورة العمل لتحقيق أفضل النتائج .. ونحن بذلك نعصم أنفسنا من الوقوع في مفاجأة مُربكة.
إننا نعطي الباطل أكبر مِن حجمه حين نراه وحشاً كاسراً أو بطلاً لا يُغلَب .. وقد رأينا كيف أن الإشاعة الغالبة حول جيش الكيان الغاصب بأنه الجيش الذي لا يُقهر، صنعتْ منا جيوشاً وأنظمة وشعوباً مِن الخانعين والكسالى والمهزومين سلفاً .. حتى جاء الطوفان الذي كسر الله به إرادة العدوان .. وجعله يبدو كالقزم المتهالك .. ومَرَّغ الله به أنف يهووود ومَن يقف وراءهم في السر والعلن.
وعلى الرغم مِن بركة هذا الطوفان .. وعلى الرغم مِن كون المعركة لا تزال مستمرة، والصمود الأسطوري لإخواننا لا يزال قائماً؛ إلا أن ثمة مَن يُشكك ويزعم أن وراء هذا الثبات ما وراءه .. فالمقاومة عميلة مُتآمرة! .. وهي صنيعة أمريكا وبريطانيا! .. فهل بعد هذا القذف للمجاهدين مِن قذف .. وهل بعد هذا الادعاء الباطل مِن إدعاء؟!!.
إن في نظرية المؤامرة الغالبة على عقول البعض شكل مِن أشكال الهزيمة النفسية .. فالأعداء يُطلقون إشاعات تُظهر قدراتهم الخارقة، فيزعمون أن لديهم القدرة على سماع ورؤية كل شيء .. بل لديهم القدرة على الوصول إلى أي شيء .. فلا داعي لأن نحاول مجرد محاولة للتخلص مِن استعبادهم لنا واستبدادهم بنا .. ولا داعي للتفكير بالتحرر مِن هيمنتهم على مقدراتنا ومقدساتنا! .. وهذا مِن أسوأ نتائج هيمنة تلك العقلية المتشائمة.
🌹وختاماً🌹
إن حجم المؤامرات التي حيكت على شرائح أبناء الأمة عظيمة .. ولعل مِن أشدها فتكاً؛ تلك التي استهدفت الشباب .. فالشباب عماد الأمة ونقطة قوتها .. وهذا يذكرنا بما كنا نردده في شبابنا على سبيل التحذير والتنبيه:

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

19 Dec, 07:31


مؤامرة تَدورُ على الشبابِ
ليُعرض عن مُعانقة الحرابِ
مؤامرة تَدورُ بكل بيتٍ
لتجعله رُكاماً مِن ترابِ
مؤامرة تقولُ لهم تعالَوا
إلى الشهواتِ في ظلِّ الشرابِ
مؤامرةٌ مَراميها عِظامٌ
تُدبرها شياطينُ الخرابِ
شُيعيونَ جذرٌ مِن يهودٍ
صليبيونَ في لؤم الذئابِ
تفرَّق شملهم إلا علينا
فَصِرنا كالفريسة للكلابِ
لقد أثبتت الأيام والتجارب والجبهات المباركة في أفغانستان وفلسطين والشام وغيرها مِن بلاد الله الطيبة؛ أن بيت الأعداء أوهى مِن بيت العنكبوت، وأن أحلافهم أوهن مما نظن، وصدق رب العزة، إذ يقول: "حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (يونس: 24).
إن من الواجب دراسة أنواع وأحجام المؤامرات التي تُحاك لأمتنا .. ومعرفة تاريخها وامتدادها الجغرافي، ومَن يقف وراءها، ومَن يساهم في تمكينها وتنفيذها .. دراسة موضوعية حيادية، لا مبالغة فيها ولا تهوين .. دراسة تُراعي المستجدات والفرص والتحديات.
ولابد أن ندرك بأنه يجري على الأمم ما يجري على الأفراد؛ فهي تشيخ وتهرم وتفقد السيطرة، والظلم والاستبداد لا يدوم، ورب العزة يُملي الظالم ويُمهله، فإذا أخذه لا يُفلته.
ولنا عبرةٌ (سمعناها) في طواغيت الزمن الأول كفرعون وهامان وقارون ..
وعبرة (شَهِدناها) في طواغيت زماننا كذلك .. فالحمد لله على نعمة مَا رأيناه وشَهدناه .. ونؤمن بما أخبرنا به وسمعناه .. وصدق ربنا تعالى: "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (الأنعام: 45).
اللهم كما أنعمتَ فتَمِّمْ ..
اللهم كما أنعمتَ فتَمِّمْ.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

19 Dec, 07:29


تنويه مهم .. 💥
بعد قليل نقدم لكم خطبة الجمعة لهذا الأسبوع .. نرجو منكم حسن الاستفادة منها أو من بعضها أو من فكرتها .. ونشرها في أوسع نطاق .. والدال على الخير كفاعله.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

11 Dec, 09:10


خطبة الجمعة - اسطنبول - من ربك؟
٦/ ١٢/ ٢٠٢٤م

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

11 Dec, 09:04


الخطبة ستكون لهذا الأسبوع من على منبر أحد المساجد في تركيا .. حيث أكرمني الله بها يوم الجمعة الماضية .. سيتم نشر فيديو الخطبة وملخص سريع لأهم ما جاء فيها .. لا تنسونا من دعواتكم الطيبة.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

11 Dec, 09:02


تنويه مهم .. 💥
بعد قليل نقدم لكم خطبة الجمعة لهذا الأسبوع .. نرجو منكم حسن الاستفادة منها أو من بعضها أو من فكرتها .. ونشرها في أوسع نطاق .. والدال على الخير كفاعله.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

03 Dec, 09:38


أيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟!💥
رسالة المنبر ٣-١٢-٢٠٢٤م
د. محمد سعيد بكر
🌹المحاور🌹
روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "بيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في المَسْجِدِ، دَخَلَ رَجُلٌ علَى جَمَلٍ، فأناخَهُ في المَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قالَ لهمْ: أيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ والنبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتَّكِئٌ بيْنَ ظَهْرانَيْهِمْ، فَقُلْنا: هذا الرَّجُلُ الأبْيَضُ المُتَّكِئُ. فقالَ له الرَّجُلُ: يا ابْنَ عبدِ المُطَّلِبِ فقالَ له النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قدْ أجَبْتُكَ. فقالَ الرَّجُلُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنِّي سائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ في المَسْأَلَةِ، فلا تَجِدْ عَلَيَّ في نَفْسِكَ. فقالَ: سَلْ عَمَّا بَدا لكَ فقالَ: أسْأَلُكَ برَبِّكَ ورَبِّ مَن قَبْلَكَ، آللَّهُ أرْسَلَكَ إلى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فقالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قالَ: أنْشُدُكَ باللَّهِ، آللَّهُ أمَرَكَ أنْ نُصَلِّيَ الصَّلَواتِ الخَمْسَ في اليَومِ واللَّيْلَةِ؟ قالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قالَ: أنْشُدُكَ باللَّهِ، آللَّهُ أمَرَكَ أنْ نَصُومَ هذا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ؟ قالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قالَ: أنْشُدُكَ باللَّهِ، آللَّهُ أمَرَكَ أنْ تَأْخُذَ هذِه الصَّدَقَةَ مِن أغْنِيائِنا فَتَقْسِمَها علَى فُقَرائِنا؟ فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. فقالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بما جِئْتَ به، وأنا رَسولُ مَن ورائِي مِن قَوْمِي، وأنا ضِمامُ بنُ ثَعْلَبَةَ أخُو بَنِي سَعْدِ بنِ بَكْرٍ".
كثيرة هي الفوائد والدروس التي يمكننا اشتقاقها واستنباطها من هذا المشهد المبارك، ومن ذلك ما يأتي:
👈 المسجد ملتقى الأحبة وميدان العبادة والإرشاد والتربية والتعليم، ودار استقبال الوفود والباحثين عن الحقيقة.
👈 سهولة الدخول على القائد والمعلم المربي، وامتناع الحواجز الفاصلة.
👈 أخذ بعض الفقهاء طهارة بول الإبل من هذا الحديث؛ باعتبار أن ضمام أناخ الجمل في المسجد.
👈 تواضع القائد؛ حتى إنه لم يُعرف بشيء يميزه الناظر الغريب .. بما يغنيه عن السؤال (أيكم محمد؟!) .. فلا لباس ولا مجلس ولا هيئة تميزه دون أصحابه.
👈 عفوية السائل وشجاعة قلبه ورغبته الصادقة في الوصول إلى الجواب.
👈 جواز الاتكاء في بيوت الله، وهو دليل الأريحية بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام.
👈 بيان صفة بياض النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ليس بياضاً خالصاً بل مُشرباً بحُمرة كما هو معلوم.
👈 جواز نسبة الرجل إلى جده، لاسيما إن كان هذا الجد علَماً مشهوراً .. وكأن في قوله (يا ابن عبد المطلب) تذكير له بشرف جده، وحثٌ له على الصدق في الجواب لحفظ هذا الشرف الرفيع.
👈 ضرورة إظهار الاهتمام لطلبة العلم، لاسيما مَن كان جاداً منهم في السؤال (قد أجبتك).
👈 ضرورة استئذان السائل، بل واعتذاره سلفاً، لاسيما عند وجود شيء غريب أو مختلف في سؤاله (إني سائلك ومشدد عليك .. فلا تَجِد (تعتب ولا تغضب) عليَّ).
👈 ضرورة إظهار سعة الصدر، لاسيما لمن قدَّم عذره سلفاً (سل عما بدا لك) وكان صادقاً في الطلب، متلهفاً لمعرفة الحق.
👈 أهمية أخذ اليمين المغلظ عند رغبة الوصول إلى الحقيقة من المسؤول عنها (أسْأَلُكَ برَبِّكَ ورَبِّ مَن قَبْلَكَ .. أنْشُدُكَ اللَّهِ).
👈 في قوله (ورب من قبلك) تأكيد ضمني على وحدة الرسالات.
👈 أسلوب التكرار في مفتاح السؤال للمزيد من التأكيد على صدق الجواب.
👈 أسلوب الإجمال قبل التفصيل (آللَّهُ أرْسَلَكَ إلى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟) .. وفي ذلك تأكيد عالمية الرسالة النبوية.
👈 أسلوب الرد اللائق بالسؤال .. فقد نشد الرجل النبي صلى الله عليه وسلم بالله وكان بإمكان النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول نعم .. لكنه قال: (اللهم نعم) بما يشبه اليمين بالله.
👈 أسلوب التفصيل في استعراض أبرز أركان الإسلام .. والاستغناء عن بعضها عند حصول السكينة المطلقة .. فهو لم يسأل عن الحج مثلاً .. أو لأن الحج شُرع متأخراً، (وإن كان السبب الثاني يبطله رواية الإمام مسلم التي أثبت فيها ضمام كذلك سؤاله عن الحج).
👈 الخضوع المطلق وبلا تردد لمجرد أن لامس الإيمان قلب ضمام؛ يدل على أنه كان جاداً في البحث عن الحقيقة .. والاكتفاء بأخذ هذه الأيمان من النبي صلى الله عليه وسلم دليل على ثقته بصدق النبي صلى الله عليه وسلم .. فهو لم يطلب معجزة بقدر ما أخذ منه اليمين واكتفى.
👈 أسلوب التحول الفوري من دائرة الصلاح الشخصي إلى دائرة الدعوة والإصلاح للأهل والعشيرة.
👈 أسلوب تأخير التعريف بالذات على اعتبار أن الحقيقة التي جاء يسأل عنها أكبر بكثير من ذاته الصغيرة .. وإن كان زعيماً مقدراً محترماً في قومه وعشيرته (وأنا ضمام ..).

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

03 Dec, 09:38


👈 وفي طبيعة أسئلة ضمام ما يدل على بلوغه الرسالة ومعرفته بشيء من تفاصيلها سلفاً .. لكنه جاء ليتأكد .. (لأجل ذلك نجد في بعض الروايات قول ضمام: زعم رسولك كذا وكذا).
👈 لم يمنح ضمام نفسه فحسب في هذا اللقاء السريع جرعة من اليقين والثقة بمصدرية، وأركان الاسلام العظيم .. بل زاد حتى من يقين الصحابة الكرام الحاضرين .. ومنحنا نحن كذلك هذا الخير العميم.
أيكم محمد .. أيكم محمد .. نقولها ونكررها ليسمع كل ملك وزعيم ووزير ومسؤول .. إنها قمة التواضع .. فلا داعي لكثرة الحواجز طالما توفرت المحبة .. ولا يمنع من ذلك وجود حراسات للضرورة على مَن يمكن أن يتعرض لتهديد .. فسياسة الباب المفتوح والصدر المنشرح واجبة ومطلوبة .. ولا يفعل ذلك إلا الكبار والنبلاء.
أيكم محمد .. أيكم محمد .. نقولها للعلماء والدعاة والأئمة والمعلمين والمربين .. فلا تكثروا الحواجز بينكم وبين طلابكم وأبنائكم .. بداعي طلب المهابة .. فالمهابة مِنحة من الله يمنحها لأصفيائه بلا تكلف .. حتى إنك إذا رأيت الواحد منهم؛ هِبته وفي الوقت ذاته أحببته.
إنه التواضع الذي ينشأ عن معرفتنا بقدر أنفسنا فلا نتكبر نحن الضعاف الفقراء المحاويج على الخالق القوي القدير النصير .. ولا نتكبر على بعضنا فكلنا مخلوق من ضعف وفي كبد .. وكلنا له بداية تدل على ضعفه ونهاية تحكي منتهى عجزه.

🌹وختاماً🌹
فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛
👈 أينا .. وأيكم محمدٌ في صفاته الكريمة وأفعاله العظيمة ..
👈 أيكم محمد في رحمته بالمؤمنين وشدته على المعتدين ..
👈 أيكم محمد في إشفاقه على العصاة والكافرين ..
👈 أيكم محمد في لينه وتواضعه للضعفاء والمساكين ..
👈 أيكم محمد في سرعة استجابته وإنابته لله رب العالمين ..
👈 أيكم محمد في نخوته وشهامته ونجدته للمستضعفين ..
👈 أيكم محمد في همه وهمته لدينه وأمته ..
👈 أيكم محمد في بره وصلته وحيائه وعفته ..
👈 أيكم محمد في صبره على البلاء وعند مواجهة الأعداء والمنافقين الخبثاء ..
👈 أيكم محمد في الولاء والبراء وعدم التلون، ووضوح الانتماء ..
👈 أيكم محمد في الغيرة على الأسرى والمسرى والثأر لدماء الشهداء ..
👈 أيكم محمد في إعداده للجهاد .. وبعثه للسرايا .. وتربصه بالأعداء ..
👈 أيكم محمد في إيثاره وتقديمه لأمته على نفسه في عطائه ودعائه ..
👈 أيكم محمد في نسبة الفضل لربه وشكره على جمائله ونعمائه ..
كلنا بعون الله محمد .. ونقتدي بمحمد .. ونفتدي بالغالي والنفيس محمد .. ونرتوي من عطر سنة وسيرة محمد .. ونذب وندافع عن صحابة محمد .. ونرجو من الله الكريم أن نحشر في صحبة الحبيب محمد؛ صلى الله وسلم وبارك على شفيعنا وحبيبنا وقرة عيوننا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
وما أجمل ما قاله الشاعر في نهاية الأرب في فنون الأدب:
يا جاعلاً سُننَ النبي
شعارَهُ ودثارَهُ
متمسكاً بحديثهِ
متتبعاً أخبارَهُ
سنن الشريعة خذ بها
متوسماً آثارَهُ
وكذا الطريقة فاقتبس
في سُبْلها أنوارَهُ
قد كان يُقري ضيفه
كرماً ويحفظ جارَهُ
ويجالس المسكين يُؤثر
قُربه وجوارَهُ
الفقر كان رداءَهُ
والجوع كان شعارَهُ
يلقي بغرة ضاحك
مستبشراً زوارَهُ
بسط الرداء كرامةً
لكريمِ قومٍ زارَهُ
ما كان مختالاً ولا
مَرِحاً يجر إزارَهُ
قد كان يركب بالرديف
مِن الخضوع حمارهُ
في مهنة هو أو صلاةٍ
ليله ونهارَهُ
فتراه يحلب شاة مَنزله
ويوقد نارَهُ
ما زال كهف مهاجريه
ومكرماً أنصارَهُ
بَراً بمحسنهم مُقيلاً
للمسيء عِثارَهُ
يَهبُ الذي تحوي يداهُ
لطالبٍ إيثارَهُ
زكّى عن الدنيا الدنية
ربه مقدارَهُ
جعل الإله صلاته
أبداً عليه نثارَهُ
فاختر من الأخلاق ما
كان الرسول اختارَهُ
لِتُعَدَّ سُنِّيَّاً وتوشكُ
أن تُبوّأ دارَهُ
🤲 اللهم إننا آمنا به؛ فأعنا على الاقتداء بسنته، وأدخلنا مُدخله، واحشرنا في زمرته 🤲

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

03 Dec, 09:24


تنويه مهم .. 💥
بعد قليل نقدم لكم خطبة الجمعة لهذا الأسبوع .. نرجو منكم حسن الاستفادة منها أو من بعضها أو من فكرتها .. ونشرها في أوسع نطاق .. والدال على الخير كفاعله.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

26 Nov, 07:32


3️⃣ سلامة البيت النبوي من التفكك يوم حادثة الإفك على الرغم من شدة البلاء فيه، قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ" (النور: ١١).
إن سلامة الأولياء والأنبياء والصالحين وغيرهم من أصحاب الذمة الإلهية من الشرور والعلل والبلاءات يعني؛ أنهم سينالون الدرجات الرفيعة دون اختبارات .. وهذا غير منطقي في ميزان العدل الإلهي .. لأجل ذلك وبالرغم من كونهم في ذمة الله ورعايته إلا أنهم يدخلون أشد الابتلاءات والمحن فيعينهم الله عليها .. ويُسلِّم لهم قلوبهم وعقولهم .. وببركة ذاك النجاح والتفوق في تلك الاختبارات ينالون أعلى الدرجات.
🌹وختاماً🌹
وفي زماننا هذا فإننا نثق قطعاً .. ولا نشك مطلقاً؛ بذمة الله ورعايته ومعيته وحفاظته لكل من تمسك بما يأتي من أعمال، على الرغم من شدة الظروف وكثرة الكيد وبُعد الشُّقة، وهذه الأمور الشريفة التي نراها تستجلب ذمة الله لأصحابها في زماننا ما يأتي:
1️⃣ الحرص على تزكية النفس وتهذيبها وتجديد الإيمان والتوبة.
2️⃣ الحرص على الجمعة والجماعة واجتناب الفتن ما ظهر منها وما بطن.
3️⃣ الولاء لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعموم المؤمنين .. والبراء مما سواهم من الكافرين والمعتدين.
4️⃣ طلب العلم وتحصيل المعرفة بقصد عبادة الله وإعمار الأرض.
5️⃣ الدعوة والنصيحة والصدع بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
6️⃣ الإعداد والرباط والجهاد بصوره وأنواعه.
والعبد لا ترتفع عنه ذمة الله بمجرد وقوعه في الخطأ والإثم .. لاسيما إن تاب وأناب .. فالتائب حبيب الرحمن .. وحاشاه سبحانه أن يكشف ستر رحمته وعنايته عمن جاءه خاضعاً منيباً معترفاً بخطيئته.
إن غزة وأهلها وسائر ثغور الأمة الصابرة المصابرة اليوم في ذمة الله .. ولولا تلك الذمة الشريفة لأبيدت غزة عن بكرة أبيها .. كيف لا .. وهي تواجه النظام العالمي الخبيث؛ فتقف بشموخ أمام غطرسة الصهاينة المعتدين، والصليبيين الحاقدين، والأعراب المنافقين .. فلك يا غزة .. ويا شام .. ويا مصر .. ويا كشمير .. ويا أرض الحجاز .. ويا أمة الإسلام من الله الذمة والحفاظة والسلام .. وللطغاة والمجرمين والمفسدين اللعنة وسوء المقام وقبح الختام.
حتى أولئك الذين يقضون نحبهم شهداء .. أو يموتون لأسباب أخرى وهم على بيعتهم مع الله الرحيم ورسوله الكريم .. فهم كذلك في ذمة الله .. لأجل ذلك أجاز العلماء إطلاق جملة "في ذمة الله" على موتى المسلمين من باب الرجاء والأمل بالله أن يقابلهم سبحانه؛ ليكونوا "فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ" (القمر: 55).
🤲 نسأل الله أن يجعلنا نحن ووالدينا وأولادنا وعموم أحبابنا في ذمة الله ومعيته 🤲

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

26 Nov, 07:32


في ذمة الله .. 💥
رسالة المنبر ٢٦-١١-٢٠٢٤م
د. محمد سعيد بكر
إننا على كثرة البلاءات والمحن نواسي أنفسنا بذمة الله الكريم الرحيم، ومن أروع ما قيل في مواساة النفس عند فقد الأحباب:
"في ذِمَّةِ اللهِ" ما ألقَى وما أجِدُ
أهذِهِ صَخرةٌ أمْ هذِه كبِدُ
قدْ يقتُلُ الحُزنُ مَنْ أحبابهُ بَعُدوا
عنه فكيفَ بمنْ أحبابُهُ فُقِدوا
إنّا إلى اللهِ ! قولٌ يَستريحُ بهِ
ويَستوي فيهِ مَن دانوا ومَن جَحدوا
يتكرر إطلاق جملة "في ذمة الله" على الألسنة، لاسيما عند الإعلان عن حالة وفاة .. فما هي ذمة الله؟ .. ومَن هم أسعد الناس بتلك الذمة الشريفة؟! .. وهل يجوز إطلاق هذه الجملة على الأموات؟! .. ومَن هم الذين برئت منهم ذمة الله .. وهل ذمة الله تقتضي الحماية مِن كل داء وبلاء واعتداء؟!.
الذمة في العموم: مصطلح يراد به مطلق العهد، أو الأمان، أو الكفالة، ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المؤمِنونَ تكافَأُ دماؤُهمْ، وهُم يدٌ على مَن سِواهمْ، ويسعى بذمَّتهِم أدناهُم" رواه أبو داود وهو صحيح .. أي إذا أعطى أحدٌ مِنَ المسلمين عهْدًا وذِمَّةً لغيرِ مسلمٍ ولو كان ذلك من عبْدٍ أو أَمَةٍ وَجَبَ على باقي المسلمين أنْ يُوفُوا له عهْدَه، وفي قولِه: أدناهم إشارةٌ إلى التَّقليلِ من شأنِ مَنْ يُعطي العهْدَ، وعلى المسلمين أنْ يُكبِّروه في ذلك العهْدِ ويحترموه فيه.
وبالتالي فإن الذمة تطلق على الحقّ والحُرمة، وتُميّز عند الفقهاء بأنها الحالة التي يصبح فيها الإنسان أهلاً لوجوب الحق له أو عليه كأن يُقال: "في ذمَّتي كذا.
ويقال في قواميس اللغة: هُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ: أيْ فِي كَنَفِهِ وَجِوَارِهِ.
وذمَّةُ اللهِ: عهدُه، وميثاقُه، وأمانُه، وضمانُه، ورعايتُه، وحِفظُه، وحمايتُه، وهي ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالأحاديثِ الصَّحيحةِ.
قال ابنُ حَجَرٍ: "ذمة اللهِ: أي: ضَمانُه، وقيل: الذِّمامُ: الأمان".
وقال السندي: "قَوْلُهُ: (فِي ذِمَّتِكَ) أَيْ: فِي أَمَانَتِكَ وَعَهْدِكَ وَحِفْظِكَ.
وأشهر الأحاديث في باب الذمة هو ما روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن صَلَّى الصُّبْحَ فَهو في ذِمَّةِ اللهِ، فلا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِن ذِمَّتِهِ بشَيءٍ، فيُدْرِكَهُ، فَيَكُبَّهُ في نَارِ جَهَنَّمَ" وزاد ابو نعيم وغيره بسند صحيح "في جماعة".
قال الإمام النووي رحمه الله في تعليقه على هذا الحديث الخطير: "وكَلامُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم هنا يَحتمِلُ مَعنيَينِ؛
👈 الأولُ: أنَّ مَن صلَّى الفَجْرَ فقدْ أخَذَ مِنَ اللهِ أمانًا؛ فلا يَنبغِي لأحدٍ أنْ يُؤذيَهُ أو يَظلِمَه، فمَن ظلَمه أو آذاهُ فإنَّ اللهَ يُطالِبُه بذمَّتِهِ.
👈 الثَّاني: لا تَترُكوا صَلاةَ الصُّبحِ، فيُنتَقَضَ بذلكَ العَهدُ الَّذي بيْنكُم وبيْنَ ربِّكُم فيَطْلُبَكم بهِ؛ فمَن فعَلَ ذلكَ يُدرِكُه اللهُ، ويَكبُّه في نارِ جهنَّمَ.
وقال الإمام القرطبي رحمه الله: "في ذمّة الله؛ أي: في أمان الله، وفي جواره؛ أي: قد استجار بالله تعالى، والله تعالى قد أجاره، فلا ينبغي لأحد أن يتعرض له بضر أو أذى، فمن فعل ذلك فالله تعالى يطلبه بحقه، ومن يطلبه لم يجد مفرًّا ولا ملجأ، وهذا وعيد شديد لمن يتعرض للمصلين، وترغيب في حضور صلاة الصبح.
فهل نحن في ذمة الله كعباد له طائعين خاضعين .. وهل نحن في ذمة بعضنا كإخوة في الله متحابين متعاضدين .. أسأل الله أن لا يحرمنا شرف هذه الذمة المباركة.
أما أهل الذمة؛ فهو مصطلح أطلقه الفقهاء المسلمون على غير المسلمين من أصحاب الديانات الأخرى مثل النصارى واليهود والمجوس والصابئة وغيرهم من الذين يعيشون تحت الحكم الإسلامي، والمقصود بأنهم أهل ذمة هو؛ كونهم قبلوا أن يدفعوا "الجزية" وأصبحوا بالتالي تحت مسؤولية وحماية الدولة الإسلامية، فلا يجوز إيذاؤهم طالما التزموا بشروط الذمة .. وإلا فلا ذمة لغاصب ولا معتدٍ ولا خارج عن قانون دولة الإسلام.
وفي الوقت الذي يأمرنا فيه الإسلام برعاية حقوق أهل الذمة؛ فإنه يكشف عن سوء أخلاق فئات وأقوام لا يرحمون أمة الإسلام ولا يرعون لها عهداً ولا قرابة .. لاسيما إذا كانت الصولة والجولة لهم، قال تعالى: "كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ" (التوبة: ٨) .. وقال تعالى: "لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ" (التوبة: ١٠).
ومما جاء في ذمة الله في السُّنة المطهرة ما يأتي:
1️⃣ ذِكرُ بعض شروط تحصيل ذمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن صلَّى صلاتَنا، واستقبَلَ قِبلتَنا، وأكَلَ ذبيحتَنا، فذلك المُسلِمُ الَّذي له ذِمَّةُ اللهِ وذِمَّةُ رسولِه، فلا تُخفِروا اللهَ في ذمَّتِه" رواه البخاري.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

26 Nov, 07:32


2️⃣ انتفاع المسلم بذمة الله في حياته وبعد وفاته، فعن وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ قَالَ: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّ فُلاَنَ بْنَ فُلاَنٍ فِى ذِمَّتِكَ، وَحَبْلِ جِوَارِكَ، فَقِهِ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَأَنْتَ أَهْلُ الْوَفَاءِ وَالْحَمْدِ، اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" رواه أبو داود وهو صحيح.
وفي بعض الأعمال والجرائم ما يحرم المسلم من ذمة الله ورعايته وحمايته .. فمما ورد في ذلك ما يأتي:
1️⃣ إعانة الظالمين ودعمهم وحراستهم والتزلف لهم؛ قال صلى الله عليه وسلم: "من أعانَ ظالِمًا لِيُدْحِضَ بباطِلِهِ حقًّا، فَقَدْ بَرِئَتْ منه ذمَّةُ اللهِ ورسولِهِ" أخرجه ابن حبان وهو صحيح.
2️⃣ المغامرة والمخاطرة بلا حساب ولا حذر؛ قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَن باتَ على ظهرِ جدارٍ وليسَ ما يدفعُ رجلَيْهِ، فوقعَ فماتَ؛ فقد برِئتْ منهُ الذِّمَّةُ، ومَن ركِبَ البحرَ في ارتجاجِهِ فغرِقَ؛ فقدْ برِئتْ منهُ الذِّمَّةُ" ورد في صحيح الترغيب والترهيب وهو حسن.
3️⃣ ترك الصلاة عمداً؛ قال صلى الله عليه وسلم: "لا تشركْ باللهِ شيئًا، وإِنَّ قُطِّعْتَ، وحُرِّقْتَ، ولا تترُكْ صلاةً مكتوبَةً متعمدًا، فمن تركَها متعمِّدًا فقدْ برِئَتْ منه الذِّمَّةُ، ولا تشربِ الخمرَ، فإِنَّها مفتاحُ كلِّ شَرٍّ" ورد في صحيح الجامع وهو صحيح.
4️⃣ الأنانية وفقدان الشعور؛ قال صلى الله عليه وسلم: "أَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ؛ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى" رواه أحمد وهو ضعيف، لكن معناه يوافق الصحيح.
ولما لذمة الله من شأن وخطورة؛ فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الغزاة عن معاهدة الناس على ذمة الله ورسوله، وأوصاهم بالمعاهدة على ذمتهم، لأن عدم الوفاء بعهد الله أشد خطورة من عدم الوفاء بعهودنا، قال صلى الله عليه وسلم: "وإذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فأرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لهمْ ذِمَّةَ اللهِ، وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فلا تَجْعَلْ لهمْ ذِمَّةَ اللهِ، وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لهمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ؛ فإنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِن أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ رَسولِهِ" رواه مسلم.
وبين يدي هذا الموضوع المهم لابد أن نسأل:
👈 هل يشتمل معنى "في ذمة الله" على سلامة البدن من العلل والأمراض، ونجاته من الأقدار، وعدم تعرضه للمحن والابتلاءات؟!.
👈 ولماذا وقع الأذى على الأنبياء والأولياء طالما أنهم في ذمة الله ورعايته؟! .. لاسيما النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان معصوماً بعصمة الله له من الناس.
والذي أجمع عليه أهل العلم أن الذمة بمعنى الحماية والحفاظة لمن نالهم شرف استحقاقها من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين تشمل التفصيل الآتي:
1️⃣ سلامة قلوبهم وعقولهم من الشهوات والشبهات التي تفتن أصحابها وتحرمهم شرف حسن الخاتمة.
2️⃣ لطف الله تعالى بما يقع عليهم من أقدار مكتوبة، فتأتيهم خفيفة، أو متفرقة.
3️⃣ صرف قلوب أعدائهم عن إيقاع كثير مما يمكرون بهم، فيقع ضرر المكر أقل أو أخف .. على خلاف ما يريد الماكرون.
4️⃣ تعويضهم بشكل مادي أو معنوي يجعل نار البلاء والأذى والكيد عليهم برداً وسلاماً حتى يقال لأحدهم: هل لقيت بؤساً أو شراً أو أذىً قط؟ فيقول: لا وعزتك يا رب.
5️⃣ يحميهم من لهيب يوم الحشر حين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله .. ويحميهم من الجحيم "يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" (الشعراء: 89).
ولك أن تنظر في ثلاثة مواقف من مواقف السيرة لتدرك معانيَ وأبعاد ذمة الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، وهذه المواقف هي:
1️⃣ سلامة النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبا بكر رضي الله عنه من أذى المشركين وهما في الغار .. على الرغم من شدة الموقف عليهما، قال تعالى: "إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا" (التوبة: ٤٠).
2️⃣ سلامة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام يوم الخندق على الرغم من شدته عليهم، قال تعالى: "إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (الأحزاب: ١٠).

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

26 Nov, 02:56


تنويه مهم .. 💥
بعد قليل نقدم لكم خطبة الجمعة لهذا الأسبوع .. نرجو منكم حسن الاستفادة منها أو من بعضها أو من فكرتها .. ونشرها في أوسع نطاق .. والدال على الخير كفاعله.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

25 Nov, 11:28


صحيح أن معظم أصدقائي لا يقرأون رسالة المنبر التي أواظب على كتابتها إسبوعياً .. وقد بلغت بفضل الله المئات .. وذلك بسبب طولها .. لكنني أسجل فيها معظم ما أفكر به وأكتب فيها نواياي ومقاصدي وطموحاتي وتوجيهاتي ونصائحي ومعتقداتي .. فإن نفع الله بها الخلق في حياتي فهذا محض كرمه سبحانه .. وإلا فإنها وصاياي أكتبها لكم لعلكم تسترشدون ببعض سطورها بعد وفاتي .. والله أسأل السداد والقبول.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

18 Nov, 06:08


يخسى الذيب ..!!💥
رسالة المنبر ١٨-١١-٢٠٢٤م
د. محمد سعيد بكر
🌹المحاور🌹
من المؤسف حقاً أننا لا نعرف عن عالم الذئاب سوى حكاية ليلى والذئب؛ تلك التي نسجها خيال الأدب الفرنسي عام ١٦٩٧م على لسان ليلى .. وأصبحت دارجة في ثقافتنا .. ولربما ظُلم فيها الذئب .. لأجل ذلك كان لابد من سماع الحكاية بلسان الذئب (المسكين) لتكتمل الحقيقة .. ونستطيع الحكم!!
كشفت حكاية يوسف عليه السلام أن في عالمنا نحن البشر، من هو أشد حقداً ولؤماً وغدراً من الذئاب .. وأنه لا يجوز اتهام الشرير لمجرد كونه شريراً في كل مرة بلا أدلة .. فلربما كان في هذه المرة بريئاً، كبراءة الذئب (الشرير) من دم يوسف عليه السلام.
كانت العرب تلقب الذئب؛ بالملك غير المُتوَّج .. لما يمتلكه من صفات استثنائية .. ومن المعلوم أن الذئب الرمادي أشهر أنواع الذئاب وأكبرها.
وقد أودع الله تعالى في الذئاب قدرات خَلقية لافتة منها:
👈 حاسة الشم: حيث يمتلك الذئب حوالي 200 مليون خليّة شمّ داخل أنفه، مما يعني أنّ حاسة الشمّ لديه أقوى بنحو 100 مرّة من حاسة الشمّ لدى الإنسان.
👈 حاسة البصر: تتميّز الذئاب بحاسة بصرٍ قوية، فعلى سبيل المثال تستطيع الذئاب شم ورؤية فرائسها عن بعد ميل واحد.
قال تعالى: "هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ" (لقمان: 11).
وقد جاء ذكرُ الذئب في القرآن والسُّنة والسيرة والشعر والأمثال الشعبية العربية والعالمية .. مما يدعو الباحثين عن الحكمة أن يبحثوا في حياة الذئاب وعالمهم .. لينهلوا من معين غير العقلاء ما فاتهم أن يجدوه في عالم العقلاء .. فالحكمة ضالة المؤمن؛ أنَّا وجدها فهو أحق بها.
أما في القرآن الحكيم؛ فقد ذُكر الذئب في سورة يوسف عليه السلام حصراً ثلاث مرات؛ قال تعالى:
👈 "قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ" (يوسف: ١٣).
👈 "قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ" (يوسف: ١٤).
👈 "قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ" (يوسف: ١٧) .. والذئب بريء من دم يوسف عليه السلام.
قال الإمام القرطبي: "وإنما خاف الذئب؛ لأنه أغلب ما يُخاف في الصحاري، والذئب مأخوذ من تذاءبت الريح إذا جاءت من كل وجه .. والذئب مهموز لأنه يجيء من كل وجه، وقرأ ورش عن نافع "الذيب" بغير همز.
أما حضور الذئاب في السنة النبوية، فَمِما ورد في ذلك:
👈 شهادة الذئب على حدوث يوم القيامة؛
قال صلى الله عليه وسلم: "وبيْنَما رَجُلٌ في غَنَمِهِ إذْ عَدَا الذِّئْبُ، فَذَهَبَ منها بشَاةٍ، فَطَلَبَ حتَّى كَأنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا منه، فَقالَ له الذِّئْبُ هذا: اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي، فمَن لَهَا يَومَ السَّبُعِ، يَومَ لا رَاعِيَ لَهَا غيرِي؟! فَقالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ، قالَ: فإنِّي أُومِنُ بهذا أنَا، وأَبُو بَكْرٍ، وعُمَرُ" أخرجه البخاري.
🌿 ويوم السَّبُعِ؛ هو يوم يأتي في آخر الزمان، حين تقع الفتن ويكثر البلاء، فيذهل الناس عن مصالح دنياهم، وتترك الأنعام هملاً لا راعي لها، فتعدو عليها الذئاب والسباع.
👈 وشهادة الذئب ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد جاء في رواية أخرى: قال الراعي .. يا عجبي ذئب يكلمني كلام الإنس! فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟ محمد بيثرب يُخبر الناس بأنباء ما قد سبق، قال: فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى رسول الله فأخبره فأمر رسول الله فنودي: الصلاة جامعة ثم خرج فقال للراعي: أخبرهم فأخبرهم، فقال رسول الله: ”صدق والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى يُكلم السباع الإنس، ويُكلم الرجل عذبة سوطه، وشراك نعله، ويُخبره فخذه بما أحدثه أهله بعده” رواه أحمد وهو صحيح.
👈 الذئب والغنم القاصية؛ قال صلى الله عليه وسلم: "ما مِن ثلاثةٍ في قريةٍ ولا بدوٍ لا تقامُ فيهمُ الصَّلاةُ إلَّا قدِ استحوذَ عليْهمُ الشَّيطانُ، فعليْكم بالجماعة؛ فإنَّما يأْكلُ الذِّئبُ القاصيةَ" رواه النسائي وهو صحيح.
👈 ولما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضالة الغنم قال: "هي لك أو لأخِيكَ أوْ لِلذِّئْبِ" رواه البخاري.
👈 وفي باب التبشير والأمان قال النبي صلى الله عليه وسلم: "واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ" البخاري.
👈 وفي ضرب المثل بالذئب يقول صلى الله عليه وسلم: "ما ذِئبانِ جائعانِ أُرْسِلا في غنَمٍ، بأفسدَ لَها من حِرصِ المَرءِ علَى المالِ والشَّرَفِ لدينِهِ" رواه أحمد والترمذي وهو صحيح.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

18 Nov, 06:08


وأما في الأشعار فيقول الشاعر:
نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا
وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا
وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ
وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا
وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍ
وَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضاً عَيانا
وفي الأمثال الشعبية يقال:
👈 المرأة تجمع صفات الذئب والثعلب والشاة .. فلها من الذئب؛ افتراسها لزوجها المسكين .. ولها من الثعلب؛ مكرها بزوجها الظالم .. ولها من الشاة؛ وداعتها مع زوجها الحازم.
👈 إن مجتمعاً من الخراف، يخلق دائماً حُكاماً من الذئاب.
👈 إذا لم تكن ذئباً بين الذئاب؛ أكلتك الذئاب.
👈 الذئب الذي يجوع لا يستشير الراعي.
👈 لا يمكن خداع الذئب مرتين .. وهو هنا كالمؤمن، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِن جُحْرٍ واحِدٍ مَرَّتَيْن" رواه البخاري.
👈 يمدحون الذئب وهو خطر عليهم، ويحتقرون الكلب وهو حارس لهم.
👈 من الأفضل أن تمشي مثل الذئب المنفرد في الاتجاه الصحيح، بدلاً من اتباع القطيع في الاتجاه الخاطئ.
👈 في عالم الذئاب؛ الثقة تساوي الموت، كن مع الجميع، ولكن لا تثق في أحد.
👈 ربما يكون الأسد أقوى من الذئب، لكن الذئب لا يعمل في السيرك!
👈 ذئاب الغابة لها أسنان حادة ومخالب طويلة، لكن الذئب الذي بداخلها هو الذي يمزقك.
👈 في الليل المعتم، حيث الذئاب صامتة؛ يكون الخوف أشد.
👈 نظرة الذئب تخترق أرواح أكثر الناس شجاعة.
ولعل من أبرز الصفات الإيجابية لدى الذئاب والتي ينبغي الاستفادة منها وتحتاج منا نحن البشر إلى تدبر ونظر ما يأتي:
👈 أن حرية الذئب أهم من حياته؛ لأجل ذلك فإنه قد يأكل نفسه عند الأسر، أو يموت كمداً .. فلا نامت أعين الجبناء.
👈 أن أنثى الذئب تتحول إلى أخطر حيوان على الإطلاق؛ عندما يريد أحدهم الاقتراب من أولادها أو جُحرها ووكرها .. فأين غيرة رجالنا والنساء على أولادهم والغرباء في العالم الافتراضي يختطفونهم.
👈 لا تأكل الذئاب الجيف، وتأنف عن أكل ما لا تصطاده بنفسها .. فأين منا المتعففون .. ورحم الله عبداً أكل من عمل يده.
👈 الذئاب حيوانات اجتماعية تُفضّل العيش ضمن قطيع، ويتكوّن القطيع من عائلة ممتدّة تكوّنت عبر عمليّات التكاثر .. فلماذا التوحد وإلى متى العزلة والأنفراد؟!.
👈 يمتلك الذئب الذكاء والحكمة ويعمل لمصلحة قطيعه .. في حين أن بعضنا يعيش ويموت في سبيل مصلحته.
يمتلك الذئب العديد من القيم اللازمة لنا نحن البشر ومن ذلك:
🌿 قيمة الشرف وعزة النفس؛ فهو لا يخون ولا يختلط نسبه ولا يتزوج من أرحامه ويعرف أبناءه .. فليت دعاة التحلل والتحرر والانفلات يفهمون.
🌿 قيمة البر؛ فهو بار بوالديه، لا يتخلى عنهما عند كبرهما وعجزهما .. وكأنه يستجيب لما أُمر به البشر من واجب إحسان الصحبة والبر والصلة.
🌿 قيمة الرحمة؛ فهو رحيم بأولاده يلاعبهم ويطعمهم .. في حين أن بعضنا نزع الله الرحمة من قلبه.
🌿 قيمة الوفاء؛ فهو وفيٌّ بزوجته، فلا يتزوج عليها في حياتها، وقد يبكي لوفاتها أو يعوي عاماً كاملاً على فراقها .. فأين منا الأوفياء من الرجال والنساء.
🌿 قيمة التنظيم؛ فالذئاب منظمة، وعندها قائد هو (الألفا) الذي يمتلك الزعامة باستحقاق تام؛ بسبب خبرته أو كبر سنه، لا بالمحسوبية .. ونحن نرى في عالم البشر مسؤولون لا يستحقون حمل مسؤولية أنفسهم، فضلاً عن توليهم شؤون البلاد والعباد.
🌿 قيمة التواصل؛ فالذئاب اجتماعية تتواصل بلغة الجسد والعيون والعواء والأصوات المناسبة لكل موقف .. ونحن نتواصل بشكل افتراضي، ونعبر عن مشاعرنا ب(الايموجيات)، فتواصلنا هذا يقرب البعيد، لكنه يبعد القريب.
🌿 قيمة الشجاعة؛ فالزعامة المستحقة للقائد تفرض عليه أن يبدأ الهجوم على الفريسة .. ثم يتبعه الفريق ضمن مهام محددة .. نعم .. نعم .. فإذا كنت إمامي فكن أمامي.
🌿 قيمة الاحترام؛ فالقائد يأكل أولاً .. واحترام من يفرض احترامه على الآخرين واجب .. لا أن تكون آخراً في المواقف وأولاً في المكاسب!!.
🌿 قيمة التأقلم والتكيف؛ فالذئاب لا تأكل الجيف، لكنها إذا جاعت قد تأكل القوارض والأفاعي والفواكه .. وهكذا الحرة لا تأكل بثدييها .. وعزيز النفس لا يهون .. والذئب يعيش في بيئات مختلفة، ومنها؛ الصحاري، المساحات الخضراء المفتوحة، الغابات، المناطق الباردة التي تحوي على بعض النباتات .. فوطن الذئب حيث يجد رزقه.
🌿 قيمة التحالف؛ يمكن أن يتحالف الذئب مع قطعانٍ من أبناء جنسه أو غيرهم، حتى مع الغراب؛ فالغراب يدله على الفرائس، والذئب يسمح له بالأكل منها .. ولا ضير في حلف ينفع ولا يضر.
🌿 قيمة النخوة؛ فجميع الذئاب على استعداد للتضحية بأنفسها من أجل بقاء أحد أفراد القطيع على قيد الحياة .. في حين أن أنظمة زماننا على استعداد للتضحية بشعب كامل مقابل الحفاظ على كرسي لا يدوم.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

18 Nov, 06:08


🌿 قيمة الصبر والمتابعة، فالذئاب ليست أسرع من الأسود والفهود، لكنها تستطيع تحمُّل الركض لمسافات طويلة مع الحفاظ على وتيرة سرعتها بلا كلل .. لأجل ذلك أوصانا ربنا جل جلاله بالمصابرة التي هي فوق الصبر؛ لنتغلب بها على صبر الأعداء عند قوله سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (آل عمران: 200).
🌿 قيمة الاحتياط؛ إذ يمكن للذئاب أن تأكل كمية ضخمة تصل إلى (9) كغ خلال وجبة واحدة فقط، وهو تكتيك للبقاء على قيد الحياة لأنها لا تعرف أبداً متى ستكون وجبتها التالية، وغالباً ما تمر أيام قبل أن تأكل مرة أخرى .. فالاحتياط والحذر واجب.
🌿 قيمة الاستعصاء على الترويض؛ وهي من أفضل القيم وأنبلها .. فمن المستحيل رؤية الذئاب في أحد عروض السيرك، على الرغم من كوننا قد نرى الأسود والفهود والدببة، وذلك لصعوبة ترويض الذئاب .. وعدم القدرة على توقع سلوكها .. في حين أن الفاسدون المفسدون يعملون على ترويض أسود بشرية، طالما صبرت على ألم الشدة إذا بها تسقط في وحل الرخاء أو العكس.
🌹وختاماً🌹
وحتى لا نتطرف في محبة الذئاب؛ نروي لكم قصة حكاها الشاعر الأصمعي، عن أعرابي كان يرعى شاةً، يقتات على لبنها، وقد وجد جرو ذئب حديث الولادة فعطف عليه، وأخذه معه إلى بيته، وجعله يتغذى على لبن تلك الشاة، فصارت كأنها أمه .. ومع مرور الأيام كَبُر الذئب .. وذات يوم رجع الأعرابي إلى بيته فوجد الذئبَ قد هاجمَ الشاة وأكلها قبل عودته، فحزن وتألم على فقد الشاة وخيانة الذئب، ثم أنشد يقول:
بَقرتَ شُويْهَتي وفَجعتَ قلبي
وأنتَ لِشاتِنا ولدٌ رَبيبُ
غُذيتَ بِدُرها ورَبيتَ فينا
فَمنْ أنباكَ أنّ أباكَ ذيبُ
إذا كان الطباعُ طباعَ سوءٍ
فلا أدبٌ يفيدُ ولا أديبُ
ولا يخفى غدر الذئب ومكره وتلونه وتحايله وكيده .. ولكن حتى هذه فمطلوبة عند القتال "لأن الحرب خدعة" متفق عليه .
وهو في خداعه ومكره مَبدئيٌّ نبيل .. فهو لا يخون ولا يغدر أبناء جلدته .. في حين نرى من البشر من يضع يده بأيدي الأعداء ويحرسهم ويحميهم، ويستقوي بهم على أهله ووطنه .. ثم يكسو خيانته بثياب المصلحة الوطنية والحكمة والفهلوانية .. شاهت وجوه إخوان أبي رغال .. وأحفاد ابن سلول.
أما جملة: "لك أو للذيب" فهي تُستخدم عادة لطلب المساعدة من شخص آخر، أما أصلها فيقال إنه كان من عادة بعض القبائل العربية أن ترسل الشخص المتقدم للزواج مع مجموعة من الماشية إلى صحراء فيها الذئاب، فإما أن يعود الشخص بالماشية ويعلقها وسط القرية، وإما أن يعود خالي الوفاض، فيُسأل: لك ولا للذيب.
فإذا كان الجواب: "يخسى الذيب" تبدأ مراسم حفل الزفاف، أو أن يقول: "الذيب أسرع" فيبقى في سجن العزوبية .. باعتبار أنه من لم يستطع حماية خرافه لن يستطيع حماية زوجه وعياله.
🌿 وإخواننا في فلسطين اليوم يستصرخوننا ويستنجدوننا .. فهل نقول لهم: يخسى الذيب .. أم نخسى نحن ونخيب؟!.
ولعل أهل غزة حملوا كثيراً من القيم والصفات سالفة الذكر .. واستعانوا بربهم .. ثم أحسنوا التكيف والتعايش مع الظروف الصعبة، ما جعلهم يثبتون في معارك سابقة ويحققون رسوخ القدم وثباتها في طوفان الأقصى .. فنسأل الله لهم التمام على خير.
وفي الصراعات الممتدة .. لابد من حركة الذئاب المنفردة .. لاسيما عند تقييد الأعمال الجماعية .. فهي الذئاب البشرية الفدائية المبادِرة المضحية .. ولها حق الزعامة والقيادة؛ لأن الخير فيمن سبق وصدق .. ثم تتبعها مجموعات صادقة منتمية .. تليها جيوش عزيزة تأنف الهوان وتأبي المذلة .. وعندها يأتي النصر والتمكين .. ويسألونك متى هو؟! قل عسى أن يكون قريباً.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

18 Nov, 06:05


تنويه مهم .. 💥
بعد قليل نقدم لكم خطبة الجمعة لهذا الأسبوع .. نرجو منكم حسن الاستفادة منها أو من بعضها أو من فكرتها .. ونشرها في أوسع نطاق .. والدال على الخير كفاعله.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

14 Nov, 07:19


فَتَزِلَّ قَدَمٌ بعد ثبوتها💥
رسالة المنبر ١٤-١١-٢٠٢٤م
د. محمد سعيد بكر
🌹المحاور🌹
إنها آية مرعبة تحكي الانقلاب العظيم الذي يمكن أن يتعرض له أي منا من بعد طول تعب وعناء في بلوغ الثبات العزيز.
يقول سبحانه وتعالى مبيناً خطورة التلاعب والمخادعة بالأيمان: "وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (النحل: 94).
يقول سيد قطب: "واتخاذ الأيمان غشاً وخداعاً يزعزع العقيدة في الضمير، ويشوه صورتها في ضمائر الآخرين، فالذي يقسم وهو يعلم أنه خادع في قسمه، لا يمكن أن تثبت له عقيدة، ولا أن تثبت له قدم على صراطها .. وهو في الوقت ذاته يشوه صورة العقيدة عند من يقسم لهم ثم ينكث، ويعلمون أن أقسامه كانت للغش والدخل؛ ومن ثم يصدهم عن سبيل الله بهذا المثل السيء الذي يضربه للمؤمنين بالله".
قال صاحب تفسير الكشاف: فإن قلت؛ لم وُحدت القدم ونُكرت؟ قلت: لاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق، بعد أن ثبتت عليه، فكيف بأقدام كثيرة؟!.
وقال صاحب التحرير والتنوير:" وزلل القدم تمثيل لاختلال الحال والتعرّض للضرّ، لأنه يترتّب عليه السقوط أو الكسر، كما أن ثبوت القدم تمكّن الرّجل من الأرض، وهو تمثيل لاستقامة الحال ودوام السير .. وزيادة {بعد ثبوتها} مع أن الزّلل لا يتصوّر إلا بعد الثبوت لتصوير اختلاف الحالين، وأنه انحطاط من حال سعادة إلى حال شقاء ومن حال سلامة إلى حال محنة .. وقد عصم الله المسلمين من الارتداد مدة مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، وما ارتدّ أحد إلا بعد الهجرة حين ظهر النفاق، فكانت فلتة عبد الله بن سعد بن أبي سرح واحدة في المهاجرين، وقد تاب وقبل توبته النبي صلى الله عليه وسلم".
ولعل من أسباب الزلل بعد الثبات ما يأتي:
1️⃣ وجود فتنة تحوس في النفس مبكراً .. ولا تزال تزيد وتكبر وتتعاظم حتى تجد فرصة السقوط المريع؛ فتهوي .. ولن ينفعك ندمك إذا زلت قدمك.
2️⃣ طروء ما يدعو إلى السقوط ولو بعد طول ثبات .. إما بضغط الترهيب والترغيب الذي يتعرض له بعض أهل الاستقامة لينحرفوا .. وإما بسبب ضغوط الحياة عموماً .. أو لشهوة غالبة وهوى مسيطر.
وإلا ما الذي يجعل حافظاً للقرآن أو داعياً أو مجاهداً أن يتحول إلى دائرة الفساد ويسقط في براثن الخيانة والعمالة أو الفجور والإلحاد .. نعوذ بالله من الانتكاسة.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم عند سفره يدعو بدعاء الثبات وعدم الانتكاسة والرجوع فيقول: "اللهم إني أعوذ بك من الحوْرِ بعدَ الْكوْرِ" رواه الترمذي وهو صحيح، والمعنى: مِنَ النُّقصانِ بعدَ الزِّيادةِ وتَغيُّرِ الحالِ مِنَ الطَّاعةِ إلى المَعصيةِ .. لأنه ليس أسوأ من الزلل ولا أثقل من انقلاب الحال.
أما العوامل المساعدة على الثبات فهي كثيرة منها ما يأتي:
1️⃣ ذكر الله تعالى والدعاء؛ فقد كانَ أَكْثرُ دعائِهِ صلى الله عليه وسلم: "يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ، قالت أم سلمة: يا رسولَ اللَّهِ ما أكثرُ دعاءكَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ ؟ قالَ : يا أمَّ سلمةَ إنَّهُ لَيسَ آدميٌّ إلَّا وقلبُهُ بينَ أصبُعَيْنِ من أصابعِ اللَّهِ ، فمَن شاءَ أقامَ ، ومن شاءَ أزاغَ . فتلا معاذٌ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا" رواه الترمذي وهو صحيح.
2️⃣ العيش مع القرآن الكريم؛ تلاوة وتدبراً وحفظاً وتطبيقاً وتبليغاً، قال تعالى:" كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا" (الفرقان: 32).
3️⃣ الصحبة الطيبة؛ قال تعالى: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" (الكهف: 28).
4️⃣ الصدق والحذر من مصائد شياطين الإنس والجن؛ وهذا هو الذي عصم كعب بن مالك رضي الله عنه من السقوط في حبائل النفاق أو الارتداد عن الإيمان، لاسيما بعد أن جاءه رسول مَلك غسان وقال له: "إلحق بنا نواسك" رواه البخاري.
5️⃣ الصدقة بنية حفظ القلب والجوارح عن أسباب السقوط.
هذا وأشكال السقوط وصوره متعددة منها ما يأتي:
1️⃣ الردة الكاملة عن دين الله، وفيها يقول سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ" (المائدة: ٥٤).
2️⃣ السقوط الأخلاقي من دائرة الهداية إلى دائرة الفسق والفجور.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

14 Nov, 07:19


فَتَراهُمُ وكَأَنَّ ذاكَ المَأْتَمُ
وإذا شَرِيعَةُ ربِّنا قَد حُكِّمَتْ
هاجُوا كأَنَّ النَّارَ فِيهِمْ تُضرَمُ
واسْتَرسَلُوا في ذا العَدَاءِ، وأَشْعَلُوا
نارَ الضَّغائنِ في الصُّدُورِ فَأَجرَمُوا
وتَفَلُّتٌ قدْ أَعلَنُوهُ تحَرُّراً
ودُعاتُهُ في كُلِّ شرٍّ قُوَّمُ
نَصَبُوا شِراكَ ضَلالِهمْ لِشَبابِنا
مدُّوا مَوائدَهُمْ علَيهِ وأَولَمُوا
وحِجابُنا قالُوا علَيهِ: تَخلُّفٌ
والعُريُ قالُوا: نَهضَةٌ وتقَدُّمُ
وعِراقُنا فيهِ الدِّماءُ رَخِيصةٌ
ونُواحُ أَطفالٍ بغَزَّةٍ يُتِّمُوا
كمْ قَتِّلُوا باسمِ العَدالَةِ واشْتَكَوا
أنَّ الذَّبِيحَ بِجُرحهِ يتأَلَّمُ
ومَنابرٌ باتَتْ تَخُونُ وتَفتَرِي
مِن أَجلِ دُنيَا بِيعَ دِينٌ قيِّمُ
عُلماؤنا شَرِبُوا الهَوانَ وأُسكِتُوا
والجَاهلُونَ بكُلِّ نادٍ كُرِّمُوا
زَمنٌ العَجائبِ لَم يزَلْ يُبدِي لَنا
في كلِّ يَومٍ ما يَغُمُّ ويُؤلِمُ
وحَياتُنا قد عزَّ فِيها سَعدُنا
ونَعِيمُنا بالحُزنِ صارَ يطَعَّمُ
واللهِ رَغمَ اللَّيلِ لَستُ بِيائسٍ
فالنُّورُ آتٍ لا مَحَالةَ قادِمُ
خَيرُ الشَّمائلِ لَم تزَلْ مَحفُوظةً
في أُمَّةِ المُختارِ دَوماً، فاعْلَمُوا
وغَداً يدُورُ الخَيرُ في أَفلاكِهِ
مِن بَعدِ ذاكَ الشَّرِّ كَي لا تَألَمُوا
ويَعودُ للدُّنيَا رَبيعٌ غَائبٌ
وتهُبُّ في وهَجِ الحَياةِ نَسائمُ
وعَبيرُ نَصرِ اللهِ سَوفَ يَعُودُنا
بضِيائهِ سَيُضيءُ قَلبٌ مُظلِمُ
ويَعودُ للشَّمسِ الحَزينةِ نُورُها
وشُعاعُها بالدِّفءِ حَتماً يَنعَمُ
هذا أَوانُ الحقِّ دَقَّ طُبولَهُ
والعَدلُ جاءَ لِيَستَقِيمَ المَنسِمُ
فمَتى تُواتِي يا زَمانُ هَناءنَا
فلقدْ دَعوتُ وَكمْ يُجِيبُ المُنعِمُ
🌹وختاماً🌹
إن لنا رباً غفوراً رحيماً يقبل منا إن رجعنا إليه ولو بعد طول غياب .. فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له .. حتى من بلغت به المعصية حد الردة .. فلو أنه يعود يجد رباً كريماً لا يوصد أبوابه .. فعنْ عَبْدِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ قَالَ:
كُنّا نَقُولُ: مَا اللهُ بِقَابِلٍ مِمَّنْ افْتُتِنَ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا وَلَا تَوْبَةً؛ قَوْمٌ عَرَفُوا اللهَ ثُمّ رَجَعُوا إلَى الْكُفْرِ لِبَلَاءٍ أَصَابَهُمْ!
قَالَ: وَكَانُوا يَقُولُونَ ذٰلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ.
فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ؛ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَىٰ فِيهِمْ وَفِي قَوْلِنَا وَقَوْلِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ:
"قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)" (سورة الزُّمَر).
نسأل الله الثبات ..
نسأل الله الثبات ..
نسأل الله الثبات ..

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

14 Nov, 07:19


3️⃣ تنكب طريق الدعوة والدعاة، والالتحاف بلحاف الفاسدين المفسدين، فتجد بعض المصلحين يلاحظون على ثياب إخوانهم البيضاء بعض نقاط (بشرية) سوداء .. فيهجرونهم ثم يلتحفون بألحفة سوداء (شيطانية) لا تكاد تجد فيها بعض نقاط بيضاء .. ولا تفسير لهذه الظاهرة سوى اتباع الهوى .. وإن غلفوه بأغلفة الحكمة والفهم والمسايرة للفاسدين.
4️⃣ الاختراق الفكري الذي يصيب عدداً من الصالحين ويستدرجهم ليصيروا أبواقاً للمجرمين عن غير شعور ولا قصد.
لقد خدع شياطين الإنس والجن بعضنا فزلت أقدامهم بعد ثبوتها .. فكم حافظ للقرآن وعالِم وداعية انقلب على وجهه، نسأل الله العفو والعافية، قال تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ" (الحج: 11).
إن أعظم كرامة يمنحها الله لعبده المؤمن أن يقبض روحه موحداً مسلماً .. وأن يرزقه الوفاة على الإيمان، لأجل ذلك كان الأنبياء يركزون توجيههم ووصاياهم على حسن الخاتمة، قال تعالى: "وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ" (البقرة: 132).
إن في كتاب الله تعالى منهاج وقاية وعلاج من الفتن والتيه والسقوط .. فمثلاً؛ جاء الأمر بغضِّ البصر من باب الوقاية .. وجاء الأمر بالتوبة وإقامة الحدود من الزنا عند وقوعه من باب العلاج .. وهذه كلها هي العواصم من قواصم السقوط المريع وخسران الدنيا والآخرة.
لقد صرنا إلى زمان كثرت فيه المواعظ .. وزادت في المقابل الفتن .. ولا نجاة من تلك الفتن بمجرد سماع المواعظ؛ بل باتباع أحسن ما جاء فيها، قال تعالى: "وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا" (النساء: 66).
لقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن حجم الانقلابات التي نراها في زماننا فقال صلى الله عليه وسلم محذراً: "بادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا" رواه مسلم.
إن بعض الأقدام لم تثبت أصلاً حتى يقال بأنها زلت بعد ثبوتها .. وإن كانت تمثل مشهد الثبات فيما يبدو للناس .. نعوذ بالله من منافق مخادع، عليم اللسان، خبيث القلب والجنان، يخون ويغدر ويطعن في الظهر، ففيه وفي أمثاله يقول صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ عَمَلَ أهلِ الجَنَّةِ فيما يَبْدو لِلنَّاسِ وهو مِن أهلِ النَّارِ" رواه البخاري.
لقد حكى لنا عمر بن عبد العزيز سر ثباته حين قال: "لو فارق ذكرُ الْمَوْت قلبِي ساعة لفسد" .. فذكرُ الموت على الرغم من كونه ينغص الحياة؛ إلا أنه يضبط القلب فلا يبتعد عن خالقه ورازقه ومحييه ومميته.
إن من أعظم اختبارات الثبات في زماننا؛ قياس مدى انتمائنا وانحيازنا لجراح وقضايا أمتنا الساخنة .. فمنا من لزم مواقع ومواقف الدفاع والنصرة لدينه وإخوانه ومقدساته .. فثبته الله بالقول والفعل الثابت .. ومنا من لا يزال يروغ روغان الثعالب، أو يعلن بكل وقاحة انحيازه للقتلة والمجرمين.
ولعل من أجمل ما قيل في مواساة النفس وتثبيتها والتفاؤل والاستبشار على الرغم من كثرة الفتن والابتلاءات قول ذاك الشاعر:
العَدلُ يُظلَمُ والفَضائلُ تألمُ
وزمانُنا فِيهِ الفُسوقُ يُعَلَّمُ
وَمكارمُ الأخْلاقِ يُهتَكُ عِرضُها
وفَسادُنا أَمسَى يُعَزُّ ويُكرَمُ
ومَناصبٌ أَضحَى النِّفاقُ سَبِيلَها
إنْ لَم تُنافقْ قَد تَهُونُ وتُظلَمُ
ومَكائدٌ صارَتْ تُحاكُ لِدِينِنا
نَهشَتْ عقِيدَتنا الكِلابُ الحُوَّمُ
عَجباً لأَمرِ الخَلقِ! كَيفَ يَرُوقُهمْ
رِيحُ المَعاصِي أو يَطِيبُ المَغرَمُ؟
وتملُّقٌ مَلأَ الحناجِرَ فَاعتَرَى
آذانَنا بِمَدِيحِ قَولٍ يُسْأمُ
ورُوَيبِضٌ ملأَ الفضاءَ سَفاهةً
في كلِّ أَمرٍ لَم يزَلْ يتكلَّمُ
ورِباً دعَوهُ فَوائداً مَشرُوعةً
وحُقوقُنا أضْحَتْ تُرامُ وتُهضَمُ
ودَعارةٌ بالفَنِّ تُعرَفُ بَينَهُمْ
وفُنونُهمْ صارَتْ تُصانُ، تعَظَّمُ
وعلَى الإلهِ المُلحِدونَ تجَرَّؤوا
وعَليهِمُ الرَّحمنُ يَصبِرُ، يَحْلُمُ
وتَديُّنٌ قدْ قِيلَ عَنهُ: تشَدُّدٌ
كذَبُوا وأَوحَوا لِلعُقُولِ وأَوهَمُوا
كَم أرجَعُوا لِلدِّينِ كُلَّ نَقِيصَةٍ
والدِّينُ رِفعَتُنا، فمَن ذا يَفهَمُ؟
وإذا رَأَيتَ الدِّينَ يَعلُو صَوتُهُ

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

14 Nov, 07:19


تنويه مهم .. 💥
بعد قليل نقدم لكم خطبة الجمعة لهذا الأسبوع .. نرجو منكم حسن الاستفادة منها أو من بعضها أو من فكرتها .. ونشرها في أوسع نطاق .. والدال على الخير كفاعله.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

05 Nov, 10:52


👈 فنفرح معاً .. ونحزن معاً ..
👈 ونشبع معاً ونجوع معاً ..
👈 ونعيش حياة عز معاً ونموت في جبهة واحدة ميتة إباءٍ معاً.
إن أعظم ما ينبغي علينا تحصين جبهتنا الداخلية منه ما يأتي:
1️⃣ أسباب الإلحاد والشذوذ والعصيان.
2️⃣ أسباب الظلم والاستبداد.
3️⃣ أسباب العدوان والاحتلال.
4️⃣ أسباب الجهل والتخلف.
5️⃣ أسباب الجوع والفقر.
6️⃣ أسباب الخوف والحزن.
ولابد للتحصين من ركنين أساسيين هما:
1️⃣ ركن الوقاية .. وهو تعني تحصين قَبلي يتطلب إحتياطاً وحذراً من مستوى المحافظة على فطرة الأطفال قبل تلوثها إلى مستوى أخذ الحذر المفضي إلى منع أي عدو يحاول أن يخترق جبهتنا من قريب أو بعيد.
2️⃣ ركن العلاج .. ونلجأ إليه حال وقوعنا بما سبق من أمراض .. ولا شك أن الوقاية وإن كانت مكلفة ومتعبة إلا أنها خير من العلاج.
وهذا التحصين بركنيه يتطلب وعياً وإرادة، وهمة وإدارة .. وإلا فإننا لن نستطيع أن نمنع تفكك واختراق وضعف وانهيار جبهتنا الداخلية .. لأجل ذلك تكمن أخطر مشكلاتنا في ضعف أو خبث رؤسائنا وزعمائنا ومدرائنا، ومن هنا يقول الشاعر ابن التعاويذي:
وَقالوا اِستَبانَت يا اِبنَ عُروَةَ إِبنَتُك
فَقُلتُ لَهُم ما ذاكَ في حَقِّهِ نَقصُ
إِذا كانَ رَبُّ البَيتِ بِالدُفِّ مولعاً
فَشيمَةُ أَهلِ البَيتِ كُلِهِمِ الرَقصُ
الجبهة الداخلية .. الجبهة الداخلية .. تركيب لغوي يكثر بعض الكتاب المأجورين والمطبلين المنافقين الدندنة حوله بهدف صرف الناس عن هموم أمتهم ومصاب إخوانهم .. على الرغم من أننا كلنا على مرمى نظر وكيد أعدائنا؛ فهم اليوم يغتصبون ويحتلون فلسطين ولن يتوقفوا عندها .. وللاحتلال صور وأشكال؛ فمنها ما هو عسكري وسياسي وفكري وثقافي واقتصادي .. وظاهر معلوم ومستتر خفي!!.
كما أننا نسأل؛ ومتى كانت بلاد الشام منفصلة .. ومتى كانت أمة الإسلام مبعثرة ممزقة؟! .. ألم تكن جبهتنا واحدة .. أم أننا رضينا بالأمر الواقع .. وهل يمكن أن يتحقق إصلاح للأردن مثلاً بلا تحرير لفلسطين .. أو تحرير لفلسطين بلا إصلاح للأردن؟!! .. واهمٌ من يظن أن ذلك ممكناً.
إن كل مسلم لا يعتبر المسجد الأقصى وفلسطين وعموم بلاد الشام من جبهته الداخلية لا يمكن أن يكون أميناً على مكة والمدينة .. ولا على مقدرات الأمة وممتلكاتها وتاريخها وحضارتها ومستقبلها.
إن من الواجب إدراكه أنه لم يسلم حتى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من محاولات اختراق وخنق جبهته الداخلية بصورها وأشكالها ..
👈 فقد حاول المشركون الطعن في (ذاته) حين اتهموه بأنه مجنون وكاهن وساحر ..
👈 وحاولوا الطعن في (أسرته) حين رموا زوجه الطاهرة عائشة رضي الله عنها بالإفك ..
👈 وحاولوا ضرب (عشيرته) حين حاصروه معهم؛ مسلمهم وكافرهم، في شِعب عمه أبي طالب ..
👈 وحاولوا ضرب (دعوته) حين أخرجوه وأصحابه من مكة ..
👈 وحاولوا ضرب (دولته) حين تكالبوا على مدينته يوم الأحزاب ..
فمن يسلم من كيد الخبثاء طالما أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لم يسلم من مكائدهم الخبيثة؟!.
ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سلبياً، يكتفي بالدعاء في باب تحصين جبهته الداخلية .. بل كان يأخذ بأسباب السلامة وقاية وعلاجاً .. فقد عمل عليه الصلاة والسلام على تحصين جبهة المدينة وفق خطوات محددة، منها ما يأتي:
1️⃣ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار .. وذلك ليتحمل الأنصاري مهمة إطعام وإيواء أخيه المهاجر .. ويتحمل المهاجر مهمة تعليم وتربية أخيه الأنصاري .. وحتى لا يسمح للعنصرية الجوفاء أن تتسرب بفعل المنافقين إلى النفوس.
2️⃣ بناء المسجد النبوي ومتابعة التشريع والتربية والتوجيه .. وذلك لتوحيد مصادر التوجيه والتوعية والمعرفة .. فالمسجد دار عبادة وميدان علم ومصدر شحذ للهمم.
3️⃣ تأسيس السوق وذلك لوقاية المجتمع المسلم من غش يهوود.
4️⃣ كتابة وثيقة المدينة .. وذلك لضبط النظام والقانون بين أهل المدينة على اختلاف مشاربهم معتقداتهم.
5️⃣ بعث السرايا وبث العيون .. وذلك لضبط الأمن ومنع استهداف المدينة من أعدائها.
6️⃣ معرفة الخصوم والأعداء وترتيب إجراءات التعامل معهم .. فهم "ليسوا سواء" وإن كانوا كلهم أعداء .. ومن هؤلاء الأعداء:
👈 اليهود على اختلاف قبائلهم.
👈 المنافقون على اختلاف درجات نفاقهم.
👈 المشركون والوثنيون.
وقد كانت محاولة هؤلاء وغيرهم يوم الأحزاب في استهداف واستنزاف الجبهة الداخلية خطيرة جداً قال في توصيفها رب العزة: "إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا" (الأحزاب: 11) .. ولكن الله تعالى أعان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على تحصين الجبهة الداخلية حينئذ بما يأتي من إجراءات:

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

05 Nov, 10:52


1️⃣ إجراء عسكري: حفر الخندق وحراسته.
2️⃣ إجراء أمني: تحسس أخبار الأعداء حين أرسل إليهم حذيفة والزبير رضي الله عنهما.
3️⃣ إجراء اقتصادي: توفير المؤونة عند الحصار من خلال وليمة جابر رضي الله عنه.
4️⃣ إجراء نفسي: بث الأمل والاستبشار حين بشرهم بفتح اليمن والعراق والشام.
5️⃣ إجراء هجومي: محاولة اختراق جبهة الخصوم من خلال نعيم بن مسعود رضي الله عنه.
ومن هؤلاء الأعداء؛ مشركو مكة والطائف والقبائل الموالية لهم؛ فهم وإن لم يكونوا ضمن خصوم الجبهة الداخلية في المدينة إلا أنهم يشكلون خطراً قريباً؛ لأجل ذلك واجههم عليه الصلاة والسلام في بدر وأحد، وقضى على شرورهم يوم فتح مكة وحنين.
وأما الصليبيون الروم؛ فإنهم وإن لم يكونوا ضمن خصوم الجبهة الداخلية في المدينة كذلك إلا أنه احتاج لإيقافهم عند حدهم أن يبعث جيش مؤتة، وأن يخرج هو بنفسه لملاقاتهم على رأس جيش تبوك.
كل هذه الإجراءات الاحترازية لم تمنع من حدوث خروقات للجبهة الداخلية .. فكيف لو أنه عليه الصلاة والسلام ترك الأمر بلا تحصين؟! .. لما قامت للدعوة ولا للدولة قائمة.
🌹وختاماً🌹
إن عيوننا ينبغي أن تظل مفتوحة، فالمتربصون كثر، والغفلة لا تليق بأمة الحبيب صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: "وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ" (الأنعام: 55).
أن أكبر خطر يواجه الجبهة الداخلية هم المنافقون الذين لا يمكن لغاصب ولا محتل أن يخترق البلاد وأن يحطم نفوس العباد إلا بمساعدتهم .. فهم وجع المجتمع .. ويبقى المجتمع مهدداً بوجودهم .. فلا بد من محاصرتهم تشديد الرقابة عليهم.
إنه لن يهدأ للأعداء بال ولن يسكن لهم حال حتى يخترقوا جبهتنا الداخلية .. فإذا عجزوا (لكنهم لم يعجزوا للأسف) عن إسقاط الزعماء والرؤساء والقادة؛ فلن يتوقفوا عن اصطياد الأفراد .. وإلا كيف عرف ملك غسان النصراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قد منع حديث المجتمع مع كعب ابن مالك رضي الله عنه لتخلفه عن تبوك، فبعث إليه ليستميله إلى جانبه بقوله: "أمَّا بعدُ فإنَّه بلَغني أنَّ صاحبَك قد جفاك وأقصاك، ولسْتَ بدارِ هوانٍ ولا مَضيعةٍ، فالحَقْ بنا نواسِكَ"؟! رواه البخاري.
إننا إذا كنا صادقين مخلصين في دعوى تحصين جبهتنا الداخلية وبلا مزاودة على بعضنا، فإننا لابد أن نسير وفق الخطوات الآتية:
👈 توسيع مفهوم الجبهة الداخلية، وعدم حصره في إطار ضيق محدود.
👈 توحيد الجهود وتكاتفها، طالما أننا كلنا مُستهدَفون من أعداء لا يرحمون.
👈 إطلاق المصلحين من العلماء والدعاة وتقديرهم، وتمكينهم من منابر التوجيه والتوعية، ومنع المنافقين وحاشية السوء من ذلك.
👈 حصر الأعداء، ومعرفة أسباب وحجم وتاريخ وأشكال عداوتهم.
👈 الإعداد والتعبئة ورفع الجاهزية وترك الغفلة .. وذلك على مستوى الدولة، وإلا فالجماعات الكبرى، وإلا فالمجموعات الصغرى، وإلا فكل فرد مطلوب منه أن يجهز نفسه تجهيزاً إيمانياً، فكرياً، جسدياً، تخصصياً، مهارياً .. ولا يسمح للآخرين أن يستبيحوا عقله وقلبه ولا أهله وأسرته ولا وطنه وأمته.
👈 التفكير في الهجوم .. وعدم اعتماد مبدأ الدفاع في كل مرة... فخير وسيلة للدفاع الهجوم.
👈 الاستعانة بالله تعالى .. فهو الأقدر سبحانه على رد خصومنا، وكشف أعدائنا، وتحصين جبهاتنا .. إنه نِعم المولى ونِعم النصير.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

05 Nov, 10:52


نحن والجبهة الداخلية .. 💥
رسالة المنبر ٥-١١-٢٠٢٤م
د. محمد سعيد بكر
🌹المحاور🌹
تتحمل أي دولة بكل مكوناتها مسؤولية تحصين جبهتها الداخلية .. فما المقصود بالجبهة الداخلية وما حدودها .. وما صور وأبعاد هذا التحصين المنشود ..؟!.
يضيق مفهوم الجبهة الداخلية ويتسع .. وبين التضييق والتوسيع تداخل لا ينكره العقلاء .. فمما يتضمنه ويشمله معنى الجبهة الداخلية ما يأتي:
1️⃣ النفس والذات (العقل والقلب والجسد) للفرد الواحد.
2️⃣ الأسرة الصغيرة والعشيرة الممتدة.
3️⃣ المجموعة أو الجماعة ذات الأفكار المشتركة.
4️⃣ المجتمع الذي يضمه الوطن الواحد.
5️⃣ الأمة التي يجمع شتاتها الدين والعقيدة.
هذه كلها مما ينبغي العمل على تحصينها .. وهذا يتطلب تكاتف الجهود .. لا أن يُرمى الحمل على جهة أو فئة .. فنحن كلنا في مركب واحد .. ومشمولون بحديث السفينة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مثلُ القائِمِ علَى حُدُودِ اللَّهِ والواقِعِ فيها، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا علَى سَفِينَةٍ، فأصابَ بَعْضُهُمْ أعْلاها وبَعْضُهُمْ أسْفَلَها، فَكانَ الَّذِينَ في أسْفَلِها إذا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا علَى مَن فَوْقَهُمْ، فقالوا: لو أنَّا خَرَقْنا في نَصِيبِنا خَرْقًا ولَمْ نُؤْذِ مَن فَوْقَنا، فإنْ يَتْرُكُوهُمْ وما أرادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وإنْ أخَذُوا علَى أيْدِيهِمْ نَجَوْا، ونَجَوْا جَمِيعًا"رواه البخاري.
إن ما يعيشه البعض من عزلة وتوحد؛ بحجة اهتمامه بجبهة ذاته وخاصته، لا يزيد على كونه يمارس نوع أنانية وانسحاباً من الجبهة الأوسع وفراراً من زحف المواجهة، لاسيما وهو يرى أمواج الباطل والفساد تحطم وتخترق جبهة أسرته وعشيرته وجماعته ومجتمعه وأمته.
وتكمن المشكلة في أمثال هؤلاء أنهم يستدلون بأحاديث العزلة التي لا يحين زمانها طالما أننا لازلنا نجد على الحق أعواناً، فقد روى البخاري عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "كان النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّا كُنَّا في جَاهِلِيَّةٍ وشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بهذا الخَيْرِ، فَهلْ بَعْدَ هذا الخَيْرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلتُ: وهلْ بَعْدَ ذلكَ الشَّرِّ مِن خَيْرٍ؟ قالَ: نَعَمْ، وفيهِ دَخَنٌ، قُلتُ: وما دَخَنُهُ؟ قالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بغيرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ منهمْ وتُنْكِرُ، قُلتُ: فَهلْ بَعْدَ ذلكَ الخَيْرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ: نَعَمْ، دُعَاةٌ إلى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَن أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا؟ فَقالَ: هُمْ مِن جِلْدَتِنَا، ويَتَكَلَّمُونَ بأَلْسِنَتِنَا، قُلتُ: فَما تَأْمُرُنِي إنْ أَدْرَكَنِي ذلكَ؟ قالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وإمَامَهُمْ، قُلتُ: فإنْ لَمْ يَكُنْ لهمْ جَمَاعَةٌ ولَا إمَامٌ؟ قالَ: فَاعْتَزِلْ تِلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، ولو أَنْ تَعَضَّ بأَصْلِ شَجَرَةٍ، حتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وأَنْتَ علَى ذلكَ".
أما أولئك الذين يكتفون بمتابعة شؤون جبهة أسرهم الصغيرة ولا يسألون عن الجبهات الداخلية الأوسع؛ فهم باجتهادهم مشكورون مأجورون .. ولكن كيف ينجوا القارب الصغير وحده في لجة أمواج مضطربة .. وكم خسر بعض الصالحين أولادهم وأزواجهم بعد طول جهد في التربية والتوعية بل وتحفيظ القرآن .. كل ذلك بسبب كونهم يعيشون في بيئات منحرفة، أو لأنهم لم يأبهوا إلى شرور قنوات التواصل المختلفة، تلك التي من المعلوم؛ أن أسوأ ما فيها أنها أبعدت القريب (الحبيب) .. وقربت البعيد (الغريب).
وحتى أولئك الذين ركزوا الجهد في جماعاتهم وتركوا مجتمعاتهم .. أو سعوا في إصلاح مجتمعاتهم وأوطانهم القُطرية التي رسمها الاستعمار كإطار سياسي لهم، ولم يأبهوا لآهات وثغرات وأزمات جيرانهم ولم يستشعروا خطورة استباحة أمتهم .. فهؤلاء لم ينتبهوا إلى شرف الاجتماع الأكبر على أساس العقيدة والدين وما فيه من قوة .. فسقطت جماعاتهم ومجتمعاتهم وأقطارهم في أوحال خبث الأنظمة العالمية.
إن من معالم توسيع نطاق جبهة المسلمين في ديننا الحنيف وعدم حصرها في نطاق ضيق ما رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. وشَبَّكَ أصَابِعَهُ" .. وروى كذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولَا يُسْلِمُهُ، ومَن كانَ في حَاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حَاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ" .. وهذا يتطلب تحصين جبهة الأمة حيث كان امتداد أبنائها؛

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

05 Nov, 10:31


تنويه مهم .. 💥
بعد قليل نقدم لكم خطبة الجمعة لهذا الأسبوع .. نرجو منكم حسن الاستفادة منها .. ونشرها في أوسع نطاق .. والدال على الخير كفاعله.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

31 Oct, 16:18


إننا في مقابل لوحة الشرف وقوافل المجد والعز لابد أن نتناول سجل الخزي والعار .. وهو سجل مؤلم ومحزن في الوقت ذاته .. مؤلم لحجم ما تسبب به هؤلاء المجرمون المفسدون من أذى وقهر وجور؛ حيث طغوا في البلاد وقهروا العباد .. ومحزن لما آلت وستؤول إليه أحوالهم من عقاب الدنيا وعذاب السعير، يوم يصرخ الواحد منهم ولا مجيب: "مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ" (الحاقة: 29).
إن في كتاب الله تعالى أسماء محفورة في أذهاننا وعقولنا .. نتذكر جحودها وإفسادها وظلمها لنفسها كلما مررنا بها .. ومن تلك الأسماء التي سجلها القرآن الكريم في سجل العار ما يأتي:
1️⃣ فرعون الطاغية المستبد.
2️⃣ هامان الوزير المجرم.
3️⃣ قارون الجاحد المتكبر.
4️⃣ أبو لهب اللعين.
👈 وغيرهم ممن جمع الله صور عذابهم بقوله سبحانه: "فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ" (العنكبوت: 40).
أما خبثاء زماننا فالقائمة تطول بذكرهم .. ونخشى من تفويت بعضهم، لأجل ذلك نذكر صفاتهم وعلاماتهم، ولكم أن تعرفوهم في صريح قولهم أو لحنه، وقبيح فعلهم الظاهر وحقدهم وبغضهم لأهل الإيمان .. ومن هؤلاء:
1️⃣ اليهود الملاعين.
2️⃣ الصليبيين المعتدين.
3️⃣ المستبدين الظالمين.
4️⃣ الملحدين الجاحدين.
5️⃣ الروافض الحاقدين.
6️⃣ المنافقين المطبلين.
👈وصدق ربنا حين كلفنا بالإعداد لمواجهة هؤلاء الخبثاء، والقضاء على رؤوسهم وزعمائهم، حيث قال جل جلاله: "وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ" (التوبة: 12).
كما أخبرنا سبحانه عن صنف خطير، خفي علينا فلا نعرفه، لكنه سبحانه بقدرته وعلمه يعرفه، قال تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ" (الأنفال: ٦٠).
إن على أهل كل بلد أن يجهروا بكشف وتعرية كل خبيث عميل فاسد مفسد .. وذلك بعد استيفاء دعوته ونصحه وتوجيهه .. فقد مضى زمان طويل من الغش والخداع والتزوير .. أدى إلى أن يصير هؤلاء في عيون الضعفاء والبؤساء؛ سادة وأشراف وقدوة وقادة .. ولا سيد إلا من سيده الشرع .. ومن سيده الشرع تواضع .. ومن تواضع لله رفعه.
إنه قد يخفى من قوائم وسجلات العار أسماء .. وقد لا يُعرفون في الدنيا .. لكن رب العزة لهم بالمرصاد .. ولن يسلموا من فضيحة يوم العرض والنشور .. إنهم الجواسيس والعيون التي تتبع حراك الطيبين وكلمات المصلحين .. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الغادِرَ يَنْصِبُ اللَّهُ له لِواءً يَومَ القِيامَةِ، فيُقالُ: ألا هذِه غَدْرَةُ فُلانٍ" رواه مسلم .. وقد روى البخاري عن تابعي جليل قال: "كُنَّا جُلُوسًا مع حُذَيْفَةَ (بن اليمان) في المَسْجِدِ، فَجاءَ رَجُلٌ حتَّى جَلَسَ إلَيْنا فقِيلَ لِحُذَيْفَةَ: إنَّ هذا يَرْفَعُ إلى السُّلْطانِ أشْياءَ فقالَ حُذَيْفَةُ إرادَةَ أنْ يُسْمِعَهُ: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتّاتٌ (نمام ومُخبِر وجاسوس)".
🌹وختاماً🌹
إن فكرة لوحات الشرف وسجلات العار تقوم على مبدأ تكريم من أكرم نفسه بتتبع أوامر ربه واجتناب نواهيه وعدم الخضوع لسواه .. وإهانة وتعرية من أهان نفسه فسلك مسالك الفاسدين المفسدين، قال تعالى:" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ" (الحج: 18).
إننا في الظروف الطبيعية المعتادة الروتينية لا نستطيع معرفة من يمكنه أن ينال مرتبة رفيعة في لوحة الشرف .. أم منزلة وضيعة في سجل العار .. لأجل ذلك يأتي الامتحان والاختبار .. وصدق رب العزة وهو يكشف نتائج التدافع والصراع بين الخير والشر والحق والباطل: "مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ" (آل عمران: ١٧٩) .. وقال سبحانه: "وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ" (الأنفال: 42).

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

31 Oct, 16:18


لوحةُ الشرف .. ⬆️
وسجِلُّ العار .. ⬇️
رسالة المنبر ٣١-١٠-٢٠٢٤م
د. محمد سعيد بكر
🌹المحاور🌹
يكتب التاريخ عند كل مفصل من مفاصله لوحة شرف، وسجل عار .. وهذه اللوحة وذاك السجل لا يُعتمد فيهما على إعلام مغشوش ولا على أبواق نفاق فاسدة .. بل يشهد عليها رب العزة .. ويُشهد عليها ملائكته الأبرار الأطهار.
لقد شهد رب العزة على لوحة الشرف لأولئك النفر الكرام الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الموت بيعة الرضوان فقال سبحانه: "لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا" (الفتح: 18) .. وشهد على لوحة الشرف التي جمعت كل مهاجر وأنصاري ومن تبعهم بإحسان، فقال سبحانه: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ" (التوبة: ١٠٠).
مثلما شهد العلماء وكُتاب السيرة بشكل تفصيلي لقائمة الشرف التي حازها من شارك في الغزوات الأولى، فهذا الإمام البخاري يترجم (يضع عنواناً) لأحد أبوابه فيقول:
بَابُ تَسْمِيَةِ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ؛ النَّبِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الهَاشِمِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِيَاسُ بْنُ البُكَيْرِ، بِلاَلُ بْنُ رَبَاحٍ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ القُرَشِيِّ، حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيُّ، حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ، حَلِيفٌ لِقُرَيْشٍ، أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ القُرَشِيُّ، حَارِثَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ، قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ، كَانَ فِي النَّظَّارَةِ ... هلال بْنُ أُمَيَّةَ الأَنْصَارِيُّ" رواه البخاري .. فهنيئاً لقوم قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: "لَعَلَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ" رواه البخاري.
إن قوائم الشرف تزخر بأسماء رجال ونساء على امتداد الجغرافيا والتاريخ .. تركوا بصمات عظيمة .. ودفعوا كلفاً باهظة في خدمة دينهم وأمتهم والبشرية جمعاء .. ومن نماذج هؤلاء النبلاء كتب الإمام الذهبي كتابه المبارك "سير أعلام النبلاء" ذكر فيها لوحة شرف كبيرة لعدد كبير من العلماء والمجاهدين .. ونحن بحاجة في كل زمان إلى مثل هذا السفر العظيم؛ ليكون التأريخ لهؤلاء الكرام حاضراً على سبيل الاقتداء بهم لا مجرد تداول أسمائهم.
ولا ننسى أعظم لوحة شرف سجلها القرآن الكريم لعدد من أنبياء الله تعالى، ومن ذلك قوله سبحانه: "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا" (النساء: 164).
إننا إذ نضع في لوحة الشرف إسم مجاهد هنا أو عالم وداعية كبير هناك فإننا لا نتآلى على الله تعالى، باعتبار أننا لا نعلم طوايا وخفايا النفوس .. فنحكم بناء على ما ظهر لنا ولا نزكي على الله أحداً .. فممن نشهد لهم ونحسبهم والله حسيبهم من أهل العلم والدعوة والجهاد في الأزمنة السابقة:
1️⃣ شيخ الإسلام ابن تيمية.
2️⃣ الإمام العز بن عبد السلام.
3️⃣ الإمام أحمد بن حنبل.
4️⃣ صلاح الدين الأيوبي.
5️⃣ محمد الفاتح.
👈 رحمهم الله وغيرهم الكثير.
وأما في زماننا فنشهد لقائمة الشرف (الفلسطينية) الآتية .. نحسبها والله حسيبها ولا نزكي على الله أحداً:
1️⃣ الشيخ أحمد ياسين.
2️⃣ الدكتور عبد العزيز الرنتيسي.
3️⃣ الدكتور نزار ريان
4️⃣ الشيخ عماد عقل.
5️⃣ المهندس يحيى عياش.
6️⃣ الشيخ صلاح شحادة.
7️⃣ الشيخ صالح العاروري.
8️⃣ الشيخ اسماعيل هنية.
9️⃣ الشيخ يحيى السنوااار.
🔟 البطل مااهر الجازي (وحُق لمن أضافته المقاومة إلى طوفانها أن ينتسب إليها .. فهو أردني النسب والدماء .. فلسطيني الهوى والفداء).
👈 رحمهم الله وغيرهم الكثير.
قد نختلف ونتفق في ذكر أو ترتيب هذا أو ذاك .. وفي الجملة لا يمكن أن نحكم على أحد بالكمال .. ولكن نحن شهداء الله في أرضه فمن غلب على ظننا تزكيته زكيناه .. والله وليه ومولاه.
إن من واجب أهل كل مِصر وبلد أن يكتبوا لوحة شرف تحكي علماء بلادهم ودعاتها ومجاهديها .. وأن يفرضوا ذكرهم والترويج لهم والتعريف بهم في قنوات الإعلام والتوعية فرضاً .. لاسيما ونحن نرى المناهج تخلو من ذكرهم وتذهب بعيداً عنهم إلى مَن هم دونهم .. ولا غرابة فقد صرنا في زمن التفاهة .. ونطق في الناس الرويبضة .. وصار التافه نجماً يُقتدى به.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

31 Oct, 16:18


لقد كشفت لنا آية من سورة النساء عن لوحة الشرف العليا، قال تعالى: "وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (69).
وقبل أن تبحث وتفتش في أهل زمانك عمن يمكن أن يكونوا هنا أو هناك ..
إسأل نفسك أولاً ..
👈 هل أنا يا نفس في طرف أهل الحق والخير والعدالة والإيمان .. أم إنني في طرف أهل الفجور والفسق والإفساد والعصيان .. أم إنني وبعد كل هذا التدافع والظهور والبيان لا أعرف ولم أحدد مكاني بعد .. وبالتالي ضيعت مكانتي ..
👈 اسأل نفسك واحرص على أن تكون رأساً في الحق والخير، وإن كلفك ذلك الحال والمال .. أو في أي ركن من أركانه .. فصحبة الكرام ترفع المقام ..
👈 أما أن تكون ذيلاً أو رأساً في الباطل؛ فهذا سيجعلك في سجل العار .. والتاريخ لا ينسى ورب العزة لا يسهو ولا ينام.
ولعل من أجمل ما قيل في بيان لوحة الشرف وسجل العار؛ ما قاله ذاك الشاعر عن الشهداء والخبثاء:
يومَ الشَهيد: تحيةٌ وسلامُ
بك والنضالِ تؤرَّخُ الأعوام
بك والضحايا الغُرِّ يزهو شامخاً
علمُ الحساب، وتفخر الأرقام
بك والذي ضمَّ الثرى من طيبِهم
تتعطَّرُ الارَضونَ والأيام
بك يُبعَث "الجيلُ " المحتَّمُ بعثُه
وبك "القيامةُ " للطُغاة تُقام
وبك العُتاة سيُحشَرون، وجوهُهُم
سودٌ، وحَشْوُ أُنوفهم إرغام
صفاً إلى صفٍّ طغاماً لم تذُقْ
ما يجرَعون من الهَوان طَغام
ويُحاصَرون فلا "وراءُ " يحتوي
ذَنباً، ولا شُرُطاً يحوز " أمام"
وسيسألون مَن الذين تسخَّروا
هذي الجموعَ كأنها أنعام
ومَن استُبيح على يَديهم حقُّها
هدراً ، وديست حرمةٌ وذِمام
ومَن الذين عَدَوا عليه فشوَّهوا
وجهَ الحياة فكدَّروا وأَغاموا
سيُحاسَبون، فان عَرتْهم سَكْتَةٌ
من خيفةٍ فستنطِقُ الآثام
سيُنكِّسُ المتذبذبون رقابَهم
حتى كأنّ رؤوسَهم أقدام
إننا في هذا المقام نسأل: ما الذي يدفع إنساناً محترماً أمضى شطراً من عمره في سبيل الله ومع ركب الطيبين، حتى صار على لوحة الشرف .. أن يصبح منافقاً وبوقاً ينعق بالفتنة، وينهي حياته في سجل العار؟! .. كيف يعمل بعمل أهل الجنة، ثم يختم حياته في صحبة أهل النار .. نعوذ بالله من الحوَر بعد الكور.
👈 إنها شهوة الزعامة والمنصب والمال .. أو الخوف على نقص في هذه الدنيا الفانية.
👈 وماذا بعد؟
يسقط هذا المنتكس من عين الخالق ومن عيون الخلق .. ولا يناله من رزقه إلا ما قُسم له .. ويوم القيامة يجد جزاءه المُستحَق.
نسأل الله العفو والعافية .. فالعاصم من القواصم هو ربنا الكريم الرحيم، لأجل ذلك نكثر ونكرر دعاء موسى عليه السلام: "رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا (عوناً وعيناً) لِّلْمُجْرِمِينَ" (17).
🤲 ونسأله تعالى أن يكتب مقامنا عنده في عليين .. وأن لا يردنا إلى أسفل السافلين 🤲

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

31 Oct, 16:16


تنويه مهم .. 💥
بعد قليل نقدم لكم خطبة الجمعة لهذا الأسبوع .. نرجو منكم حسن الاستفادة منها .. ونشرها في أوسع نطاق .. والدال على الخير كفاعله.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

24 Oct, 15:36


السنوااار ليس معصوماً .. فالعصمة لا تجوز إلا للأنبياء .. ولكنه على ضعفه البشري وبعض أخطائه في الإدارة أو التكتيك؛ إلا أنه تفوق على غيره .. بل تفوق على ذاته فكان عنواناً من عناوين التحدي والعزة والشموخ.
إننا في الوقت الذي نفخر فيه ونعتز بالصورة والهيئة التي ارتقى فيها السنوار .. إلا أننا لن ننسى ذاك العدو الغادر .. وسيبقى الثأر يحدونا حتى النهاية .. وهنا يذكرنا ربنا بكراهية الظلم وأهله وهو يحكي لنا عن اصطفاء الشهداء .. قال تعالى: "وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" (آل عمران: 140).
إننا اليوم وغداً وبعد غدٍ سنظل نقول لأنفسنا وابنائنا بكل فخر:
كن كالسنوااار .. كن كالسنوااار
"رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا".

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

24 Oct, 15:36


كن كالسنوااار .. 💥
رسالة المنبر ٢٤-١٠-٢٠٢٤م
د. محمد سعيد بكر
🌹المحاور🌹
بقدر ما نعتز ونفخر برجال من الجيل الأول كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وحمزة ومصعب وعمار وبلال .. وغيرهم من كبار الصحابة رضي الله عنهم .. وبقدر ما يشكل هؤلاء بالنسبة لنا ولأبنائنا النموذج والأسوة والقدوة في الشجاعة والعزة والثبات واليقين والصدق .. فإننا لن نعجز عن إيجاد أشباه لهم في زماننا الصعب.
إنه ما من شك أن الاقتداء بالأوائل مطلوب .. ولكن اختلاف الزمان والمكان وبُعدنا عن النبع الصافي جعل البعض يستنكر ويستبعد أن يكون ثمة إمكانية للتشبه بهم .. لأجل ذلك صار من واجبنا أن نبحث عن قدوات زماننا .. وأن يظل مصنع انتاج القدوات يعمل دون توقف.
لقد كلف الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ الأسوة والقدوة من إخوانه الأنبياء حين عرض له جانباً من قصصهم مع أقوامهم ثم قال له: "أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ" (الأنعام: ٩٠) .. وقال له: "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ" (الأحقاف: ٣٥).
ونحن مكلفون بحسن الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام .. ولكل من ترك في الأمة بصمة وبسمة .. لأجل ذلك ختم الله تعالى صفات من أنعم عليهم بالثناء على من كان حسَن الصحبة والاتباع لهم، فقال تعالى: "وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا" (النساء: 69).
إن أفضل وأشرف من ينبغي علينا متابعتهم والسير على نهجهم وحسن الوفاء لهم أولئك المجاهدون والشهداء .. كيف لا .. وهم الذين حملوا ذروة سنام الإسلام وقدموا أغلى ما يملكون في سبيل دينهم ومقدساتهم وأوطانهم .. فلا أشرف ولا أجمل من السير على خطاهم؛ لعلنا ننال بركة الشفاعة، ومن هنا يقول الشاعر السهروردي في صحبة الأخيار والاشتياق لهم:
أَبداً تَحنُّ إِلَيكُمُ الأَرواحُ
وَوِصالُكُم رَيحانُها وَالراحُ
وَقُلوبُ أَهلِ وِدادكم تَشتاقُكُم
وَإِلى لَذيذ لقائكم تَرتاحُ
وَا رَحمةً للعاشِقينَ تَكلّفوا
سرّ المَحبّةِ وَالهَوى فَضّاحُ
بِالسرِّ إِن باحوا تُباحُ دِماؤُهم
وَكَذا دِماءُ العاشِقينَ تُباحُ
وَإِذا هُم كَتَموا تَحَدّث عَنهُم
عِندَ الوشاةِ المَدمعُ السَفّاحُ
أَحبابنا ماذا الَّذي أَفسدتمُ
بِجفائكم غَير الفَسادِ صَلاحُ
خَفضَ الجَناح لَكُم وَلَيسَ عَلَيكُم
لِلصَبّ في خَفضِ الجَناح جُناحُ
وَبَدَت شَواهِدُ للسّقامِ عَلَيهمُ
فيها لِمُشكل أمّهم إِيضاحُ
فَإِلى لِقاكم نَفسهُ مُرتاحةٌ
وَإِلى رِضاكُم طَرفه طَمّاحُ
عودوا بِنورِ الوَصلِ مِن غَسَق الدُّجى
فَالهَجرُ لَيلٌ وَالوصالُ صَباحُ
صافاهُمُ فَصَفوا لَهُ فَقُلوبهم
في نُورِها المِشكاةُ وَالمِصباحُ
وَتَمَتّعوا فَالوَقتُ طابَ لِقُربِكُم
راقَ الشّراب وَرَقّتِ الأَقداحُ
يا صاحِ لَيسَ عَلى المُحبِّ مَلامَةٌ
إِن لاحَ في أُفق الوِصالِ صَباحُ
لا ذَنبَ لِلعُشّاقِ إِن غَلَبَ الهَوى
كِتمانَهُم فَنما الغَرامُ فَباحوا
سَمَحوا بِأَنفُسِهم وَما بَخِلوا بِها
لَمّا دَروا أَنّ السَّماح رَباحُ
وَدعاهُمُ داعي الحَقائقِ دَعوة
فَغَدوا بِها مُستَأنسين وَراحوا
رَكِبوا عَلى سنَنِ الوَفا وَدُموعهُم
بَحرٌ وَشِدّة شَوقهم مَلّاحُ
وَاللَّهِ ما طَلَبوا الوُقوفَ بِبابِهِ
حَتّى دعوا فَأَتاهُم المفتاحُ
لا يَطربونَ بِغَيرِ ذِكر حَبيبِهم
أَبَداً فَكُلُّ زَمانِهم أَفراحُ
حَضَروا وَقَد غابَت شَواهِدُ ذاتِهم
فَتَهَتّكوا لَمّا رَأوه وَصاحوا
أَفناهُم عَنهُم وَقَد كشفَت لَهُم
حجبُ البقا فَتَلاشتِ الأَرواحُ
فَتَشَبّهوا إِن لَم تَكُونوا مِثلَهُم
إِنَّ التَّشَبّه بِالكِرامِ فَلاحُ
لقد أكرم الله أمة الإسلام على امتداد الجغرافيا والتاريخ بسلسلة مباركة من القدوات الكرام العظام .. فمنهم العلماء والزعماء والشهداء .. ولعل في الشام وفلسطين والقدس وغزة وغيرها من بلاد الله ما يملأ السمع والبصر .. فهذا الشيخ عز الدين القسام والشيخ الياسين والشيخ الرنتيسي والعاروري وهنية ثم السنوار .. وغيرهم وغيرهم من فرسان الجهاد والاستشهاد .. وهم على تعدد وتنوع مواقفهم وصور استشهادهم إلا أنه يجمعهم صفات مشتركة منها:
1️⃣ الصبر والمصابرة واليقين .. فبها تحصل القيادة والزعامة في الدين.
2️⃣ الثبات والشجاعة بالرغم من شدة التحديات وكثرة المنزلقين والمتساقطين.
3️⃣ الذكاء والفهم والوعي والحكمة والبصيرة.
4️⃣ اللين والرحمة والرقة والرأفة بالمؤمنين.
5️⃣ روح التحدي والشعور بالمسؤولية حتى الرمق الأخير.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

24 Oct, 15:36


وكما أن ثمة صفات مشتركة إلا أننا قد نجد شيئا من الفروقات التي تميز بها بعضهم عن سواه .. فقد تميز الشيخ القائد الشهيد بإذن الله يحيى السنوار بصفات نحسبه فيها - والله حسيبه - طليعياً متقدماً ومن ذلك:
1️⃣ قدرته على تحويل التحدي إلى فرصة .. فسجنه الطويل لما يقارب ٢٣ عاماً كان فرصة لاكتساب لغة وثقافة ومهارات وعلاقات مميزة.
2️⃣ رؤيته الثاقبة التي تجاوزت زمانه ومكانه لتؤسس إلى هذا الطوفان المبارك.
3️⃣ قدرته الفائقة على الزعامة والقيادة والادارة ليقود تنظيماً متناغماً .. ويدير حالة تنظيمات وفصائل شتى.
4️⃣ قدرته الفائقة على الجمع بين العمل السياسي والعسكري، والعمل العام والخاص، والعمل تحت الارض وفوقها، وفي مختلف الظروف.
5️⃣ قدرته الفائقة على إدارة الأزمات .. والادارة بالازمات حين بدأ يفكر لا بمجرد الخروج من أزمة الحصار، بل بمحاصرة الكيان الغاصب وكسر إرادته.
6️⃣ قدرته الفائقة على التخفي ومنع العدو من تحقيق نشوة كشفه والتعرف عليه وأسره.
7️⃣ امتلاكه للأمل وسعيه للعمل حتى وهو في حالة إعاقة وشلل .. فقد رمى عصاه لتعزيز قيمة الفسيلة التي طلب النبي صلى الله عليه وسلم أن نزرعها وإن قامت قيامتنا.
لقد كان السنوار مثل موسى عليه السلام الذي نشأ وترعرع في بيت فرعون .. ثم أصبح له عدواً وحزَناً.
وكان مثل نوح عليه السلام في صناعة سفينة المقاومة والناس يسخرون منهم، إذا بها سفينة النجاة بعون الله تعالى عند قيام الطوفان.
وكان مثل ابراهيم "وهو أبو ابراهيم" وهو يحطم أصنام الصهيوأمريكية العالمية .. ولا يأبه بالنار التي ألقوه فيها .. فهي بعون الله برد وسلام عليه وعلى إخوانه.
وكان مقتدياً بنبيه وحبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم لاسيما في غزواته وسراياه ومن صور ذاك الاقتداء:
👈 الدخول المبارك يوم ٧ أكتوبر ومحاولة أخذ عدد محدود من الأسرى اليهود لمبادلتهم بأسرانا عندهم .. وهو يشبه ما جرى من محاولة أخذ تجارة قريش قبيل غزوة بدر .. حيث أراد النبي صلى الله عليه وسلم العير لكن قرر الله عليه النفير .. "وإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ" (الأنفال: 7).
👈 الصبر والثبات عند تكالب الخبثاء من كل حدب وصوب سواء أكانوا من الصليبيين الحاقدين أم من الأعراب المنافقين لنصرة يهود الغاصبين .. وهذا يشبه غزوة الأحزاب التي حوصر فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبلغت القلوب الحناجر .. وقد أخذ الصحابة بالأسباب البشرية الموجودة فنصرهم الله بالأسباب الربانية المفقودة (بالريح).
👈 اللحاق بمن سبقه من القادة الكبار في الطوفان وقبله .. وهذا يشبه غزوة مؤتة التي استشهد فيها زيد وجعفر وابن رواحة رضي الله عنهم حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله .. فأعاد ترتيب الصفوف والانسحاب الهادئ والتعبئة من جديد .. ليأتي بعد ذلك بسنة الانتصار بالرعب على ذات العدو في تبوك.
👈 استبشاره وتبشيره بالفتوحات الكبرى وهو في أحلك الظروف .. وهذا يشبه تبشير النبي صلى الله عليه وسلم بالفتوحات أثناء غزوة الأحزاب والمسلمون في كرب وقد زلزلوا زلزالاً شديداً.
لقد كان الشيخ السنوااار رأساً من رؤوس الطائفة المنصورة والفرقة الناجية بعون الله تعالى، وهذا يعني أنه كان يتمتع بصفاتها فمن تلك الصفات الشريفة:
👈 القيام بأمر الله بلا كلل: فعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك".
👈 الظهور على الحق: فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة".
👈 الظهور على الناس: فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزال من أمتي قوم ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله".
👈 القتال على الحق حتى الرمق الأخير: فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوأهم، حتى يقاتل آخـرهم المسيح الدجال".
🌹وختاماً🌹
إننا إذ نكتب ونتحدث عن السنوااار .. فإننا نعلم أنه لم يكن وحده .. بل كان يدير فريقاً من الأشاوس الأبرار .. كما نعلم أنه ما كان الأول ولن يكون الأخير على طريق التغيير والنصر والتحرير .. وهكذا كان صلاح الدين الأيوبي وغيرهما من الزعماء والقادة .. ولكن لولا روح المغامرة أو المبادرة والثقة المطلقة واليقين الراسخ والإعداد المستمر ما كان لهؤلاء أن يكونوا رموزاً وأيقونات فخر لأمة تفتقد للزعماء والقدوات والقادة.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

24 Oct, 15:36


تنويه مهم .. 💥
بعد قليل نقدم لكم خطبة الجمعة لهذا الأسبوع .. نرجو منكم حسن الاستفادة منها .. ونشرها في أوسع نطاق .. والدال على الخير كفاعله.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

17 Oct, 09:07


1️⃣ مرة لأنه اختارها لتجاهد "وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ" (الحج: ٧٨).
2️⃣ ومرة لأنه اختار منها شهداء "وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ" (آل عمران: ١٤٠).
3️⃣ ومرة لأنه أهدى الشفاعة لمن بقي من أهلها من الأحياء.
٢٢👈 رفع الطوفان معنويات الأمة كلها .. وحرك في أحرار العالم كله الشوق إلى الانعتاق من أسر المستبدين والمحتلين.
٢٣👈 جعل بعض من يعيشون في دول الطوق وغيرهم يفكرون في الإعداد للنصرة الحقيقية والمشاركة الفعلية الالتحامية في جولات وصولات قادمة .. لا مجرد مشاركات رمزية عاطفية.
٢٤👈 عمق الشرخ في المجتمع اليهودي، بل والمجتمع الدولي، وذلك على الحقيقة تصديقاً لقوله تعالى: "بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ" (الحج: 14).
٢٥👈 زاد من حجم إساءة الوجه لليهوود أمام أنفسهم .. وأمام كل من كان يرى فيهم قوة أو حضارة، وأظهرهم على حقيقتهم التي كشفها القرآن وبينتها السنة والسيرة النبوية.
٢٦👈 زاد من شعبية المقااااومة لدى كل متعطش للعدالة والحرية والانعتاق من الاستبداد والاحتلال.
٢٧👈 فتح أبواب المساهمة للجهااااد بالمال والكلمة والموهبة والموقف، وغيرها من صور النصرة المتاحة.
٢٨👈 حرك الشوارع العربية .. بل وشوارع العالم كله، وأنطقها بعض صمتها المريب.
٢٩👈 أثبت جدارة وفعالية المقاطعة للصهاينة .. وفتح آفاق توفير البديل المغني عنهم.
٣٠👈 فضح نوايا المنافقين والمخذلين، وحقق أوصاف كتاب الله فيهم.
٣١👈 زاد من يقين المسلمين بكتاب الله الذي يحكي تفاصيل ما يجري .. كذاك الوصف الذي حكته سورة الأحزاب .. وقوله سبحانه في سورة المائدة: "ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ" (المائدة: ٢٣).
٣٢👈 أوقف دواليب الخبث المتسارعة (نسبياً) فيما يتعلق بالشذوذ والمثلية والنسوية .. وغيرها من العناوين التي وجد الخبثاء ما هو أهم لينشغلوا به عنها.
٣٣👈 ألهم أصحاب العقول المبدعة والمفكرين لإنتاج مبادرات يمكن أن تصب في خدمة القضية.
٣٤👈 رد على الذين زعموا بأن الفلسطيني باع أرضه، وأثبت بأنه شجاع مقدام يفدي أرضه وعرضه ودينه ومقدساته.
٣٥👈 أسقط جميع الحسابات المادية وأثبت قدرة الله الغيبية، وتأييده لعباده وأوليائه.
٣٦👈 كشف عن امتلاك المقاومة لإرادتها وإدارتها وعدم سقوطها في حبائل الداعمين والمانحين لها.
٣٧👈 رفع سقف الشعارات والتغريدات والمقالات والأعمال المنتمية لهذا الطوفان الهادر .. وتجاوزت بذلك قوانين الجرائم الإلكترونية والتجمعات العامة والإرهاب وغيرها من القوانين المقيدة.
٣٨👈 أوقع الطوفان العاجزين القاعدين في حرج الانفصام بين الاعتراض على كل مدح يصدر عن المقاومة لقوم دعمونا في فلسطين وإن كانوا قد قتلونا في الشام واليمن والعراق .. وبين السكوت تفهماً لحال اضطرار المقاومة وخذلاننا لها .. وهذا الانفصام جعلنا نخجل من تقصيرنا .. وحرك فينا الشعور بواجب تخليص إخواننا من كل شائبة دعم مشبوه من قريب أو بعيد.
٣٩👈 كشف عن قبح المستعمرين الأوائل وشؤم أفعالهم، والتي من أقبحها تلك الحدود التي رسموها بيننا وجعلونا عاجزين عن نصرة إخواننا.
٤٠👈 أثبت الطوفان أن المساعدات والمعونات والتبرعات بأنواعها تصل إلى إخواننا .. ولولا وصولها ما كان الطوفان ليقوم ولا لغزة أن تثبت.
٤١👈 كشف الطوفان عن قدرة الله في صناعة نماذج أمثال الشهداء؛ ماهر الجازي من الأردن ومحمد صلاح من مصر وحسن سكلانان من تركيا وغيرهم من أبطال السنة في لبنان واليمن والعراق .. ويستبدل بهم من قعد وخنع.
٤٢👈 فشل المحتل وأعوانه وحراسه من تحقيق غاياتهم المعلنة .. فلم يتخلصوا من المقاومة، ولم يحرروا سوى بعض الجثث .. وفشلُ المحتل صورة ظاهرة من صور انتصار المقاومة.
٤٣👈 أدرك العالم كله ببركة طوفان الأقصى أن غزة ومقااااومتها رقم صعب وفكرة لا يمكن تجاوزها .. وأن القضاء عليها وعلى مقاومتها وهمٌ لا يمكن تحققه.
٤٤👈 تبين للقاصي والداني أن مقاومة غزة تمتلك بفضل الله إرادتها وتُحكم إدارتها، وأن اضطرارها للتحالف مع غيرها لم يفقدها البوصلة ولم يسلبها أغلى ما تملك.
٤٥👈 أثبت أن عنصر المفاجأة كان ولا يزال وسيبقى يخفي ما يؤلم ويزعج ويخيف كل مستبد ظالم ومحتل خبيث.
٤٦👈 إن حجم ما صب على غزة من كيد وخبث وصواريخ ومتفجرات لو صب على بقعة أخرى لا تحظى بمعية الله ورحمته ولطفه لما بقي لها وجود على سطح الأرض .. فغزة منصورة محفوظة بحفظ الله وكتاب الله وأولياء الله.
٤٧👈 لقد ضاعفت غزة من حجم نفسها ببركة الطوفان مضاعفة مادية ومعنوية .. أما المضاعفة المادية فببركة الأنفاق التي هي بمثابة طوابق أرضية تحت غزة وعلى امتدادها .. وأما المضاعفة المعنوية فغزة التي لا تكاد تظهر في خارطة العالم صارت حديث العالم كله ومحل إعجاب الدنيا كلها.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

17 Oct, 09:07


٤٨👈 تفوقت غزة عسكرياً بما نصبت من كمائن وما جربت من خطط .. وسياسياً في جولات المفاوضات العنيد والتواصل المفيد .. وإعلامياً في تصوير وتسويق وتقريب المشاهد .. وثقافياً بتمسكها بقواعد الحرب الشريفة وإعادة القضية إلى مكانتها الطبيعية .. ونفسياً بشعورها بالعزة والأنفة والشموخ رغم الألم والجروح.
٤٩👈 لربما لم يكن في نية المقاومة توسيع المعركة .. أو أنها كانت تنوي خطف بعض الجنود للمساومة عليهم فحسب .. ولكن حكمة الله كان لها تدبير آخر .. ولاشك أن تدبيره للمؤمنين المجاهدين أشرف وأبرك وأنفع .. وهذا يشبه ما حصل يوم بدر؛ حيث طلب المسلمون العير، فكتب الله عليهم النفير .. فكان في ذلك خير وفير .. قال تعالى: "وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ" (الأنفال: 7).
٥٠👈 لقد كشف الطوفان بركات العمل الدعوي التربوي في المساجد ومراكز التحفيظ .. وبركات جهد النساء في تربية الأبناء على أشرف وأسمى قيم العزة والإباء .. فطوبى لمن كان له سهم ولو بكلمة مسموعة أو مرئية أو مكتوبة .. وهنيئاً لمن قدم شيئاً من ماله وجهده وعصارة تجربته .. وما أسعد مَن قدم روحه في سبيل هذا المشروع الكبير.
🌹وختاماً🌹
إن أكثر من يدرك حجم وثمرات الانتصار الذي حققته غزة وحاضنتها ومقاومتها؛ هم الصهاينة أنفسهم .. كيف لا؟!
👈 وهم أدرى الناس بالألم الذي أصابهم .. وهم أقدر الناس على إحصاء عدد قتلاهم وجرحاهم والهاربين والمعاقين منهم ..
👈 وحجم المليارات والكلف التي يحتاجونها لإعادة ترميم صورتهم القبيحة.
👈 وصدق ربنا وهو يحثنا ويحرضنا على غزوهم ودحرهم ورد عدوانهم: "وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا" (النساء: 104).
🤲 ربنا لا تحرمنا شرف المشاركة بسهم عظيم في هذا الطوفان الكبير .. إنك نِعم المولى ونِعم النصير 🤲

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

17 Oct, 09:07


ثمرات الطوفان .. 💥
رسالة المنبر ١٧-١٠-٢٠٢٤م
د. محمد سعيد بكر
🌹المحاور🌹
هل صحيح أن مصلحة الطوفان أعظم بكثير من مفاسده؟.. وهل حجم ثمراته يزيد على حجم التضحيات والآلام المترتبة عليه؟.
👈 الجواب تفصيلاً:
لقد كان في السيرة النبوية منعطفات خطيرة تسببت بجراح وآلام عميقة وممتدة .. ولعل من أخطرها؛ استراتيجية الجهر بالدعوة التي كلف الله الحكيم الرحيم اللطيف بها نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وذلك لما في (مآلاتها) من خير يُظهر الله به الإسلام ويُعز به المؤمنين .. فمن (آلالامها):
1️⃣ تشريد عدد من الصحابة إلى الحبشة مرة أو مرتين.
2️⃣ قتل عدد من الصحابة في مكة.
3️⃣ حصار الباقي مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعض آله في شِعب أبي طالب.
4️⃣ الدفع باتجاه رحلة الطائف المؤلمة.
5️⃣ اضطرار الاحتماء ببعض المشركين.
6️⃣ اضطرار الهجرة القسرية إلى المدينة.
فهل قال أحد لرب العزة؛ لماذا كلفتنا بما فيه آلامنا .. وهل اعترض أحد بتلك الآلام فامتنع عن المجاهدة والمصابرة .. وماذا لو اعترضوا؟! .. ستبقى الآلام ويخسرون أجرها وبركتها.
إننا ندرك أن دماء الشهداء أغلى الدماء .. ومصيبة الفقد أعظم المصائب .. وحجم الدمار في غزة كبير وعظيم وعميق وممتد .. ولكن بالنظر إلى النتائج والمآلات نقول؛ بأن ما تحقق في هذا الطوفان المبارك لا سابق له ولا مثيل .. فلا يندم على يوم الدخول المبارك إلا مكلوم لم يستفق بعدُ من صدمته .. أو جبان لم يستوعب فكرة الطوفان من شدة خنوعه وهوانه وعبوديته .. أو عميل منافق باع آخرته بدنياه ودنيا أسياده.
وقد انتصرت غزة قبل خوضها طوفان الأقصى بعون الله تعالى انتصارات عديدة منها:
1️⃣ انتصار الثبات على ألم الاحتلال والحصار الطويل.
2️⃣ وانتصار خوضها لأربع معارك سابقة للطوفان دون كسر لإرادتها ولا قضاء على مقاومتها.
3️⃣ وانتصار نماء مشروع الإعداد وتطوره فيها على الرغم من خنقها.
4️⃣ وانتصار قدرتها على الجمع بين التفوق العسكري والأمني والعلمي والسياسي والاعلامي والقرآني ... ألخ.
5️⃣ وانتصار امتلاكها لارادتها وتعمية عيون الحاقدين عنها.
6️⃣ وانتصار ضبطها لإيقاع المجااهدين والمقاومين على تعدد وتنوع توجهاتهم.
ولم تذهب غزة للطوفان اختياراً .. بل هو الاضطرار الذي نتج عن احتلالٍ وحصار طويل مع كيد كبير وخطير .. وتخاذل شنيع ومُهين .. فكان لابد من الإعداد، والتوكل، ثم تربص الوقت المناسب لإغراق العدو ومن يدعمه ويحرسه بهذا الطوفان المبارك.
أما انتصار غزة في طوفان الأقصى ثمرات الطوفان فلا نستطيع تعداد أبعادها وصورها لعظمها .. ولعل من أهم تلك الصور والأبعاد والثمرات ما يأتي:
١👈 جعل الطوفان بفضل الله من غزة أسطورة مُلهِمة تضاف إلى أساطير التاريخ الحقيقية.
٢👈 حقق الطوفان هدف التوغل في المحتل، وكسر وهْم الجدار الذكي.
٣👈 كسر هيبة المحتل الأمنية وجعلها في التراب.
٤👈 حصلت غزة على أسرى بعدد وفير يمكنها من أخذ أسرار عميقة والتفاوض عليهم لمصلحة أسراها عندهم.
٥👈 قتلت المقااومة الآلاف من جنود المحتل ومرتزقته.
٦👈 أعطبت ودمرت المئات من دباباته وآلياته.
٧👈 أرغمت أنف كل من يقف وراء المحتل ويحرسه من الأنظمة الظاهرة والعملاء المستترين.
٨👈 قلبت حسابات المحتل وأعوانه .. وحطمت أحلامهم في استباحة غزة وفلسطين وتحقيق صفقات القرن وأوهام السلام الخانع.
٩👈 عطلت أحلام المحتل ومكائده حول المسجد الأقصى المبارك.
١٠👈 جربت أسلحة جديدة وخطط هجوم ودفاع متقدمة.
١١👈 كلفت المحتل كلفاً مادية باهظة بسبب تعطل الحياة وارتباكها لديهم.
١٢👈 أربكت الحالة النفسية لدى المستوطنين وأفقدتهم الثقة بجيشهم وحكوماتهم.
١٣👈 عطلت السياحة لدى المحتل وجعلت الكثير من المستوطنين ومزدوجي الجنسية يفكرون بالهجرة .. بل ويهاجرون.
١٤👈 أفقدت المحتل ثقته بعملائه وجعلته يخاف من نفسه.
١٥👈 كشفت عن تمايز الرايات والمواقف على مستوى الدول والجماعات والشعوب والأفراد.
١٦👈 أعادت لمصطلحات الجهااااد والرباط والشهادة مكانتها بعد أن حوربت ومنعت طويلاً.
١٧👈 منح الطوفان بإذن الله رجال غزة صفة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة التي لا يضرها من خذلها .. وغيرها من الصفات الشريفة.
١٨👈 دخل ببركة الطوفان عدد غفير من غير المسلمين في الإسلام .. واهتدى ببركته عدد كبير من المسلمين.
١٩👈 كشف الطوفان عن اختلال المعايير الدولية فيما يتعلق بحقوق الطفل والمرأة والإنسان .. وحتى الحيوان.
٢٠👈 أظهر تماسك المجتمع الغزي والحاضنة الشعبية والتفافها حول مقاااااومتها على الرغم من شدة الألم والثمن الذي تدفعه.
٢١👈 جعل الطوفان غزة محل اصطفاء الله بعونه سبحانه ثلاث مرات؛

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

17 Oct, 09:06


تنويه مهم .. 💥
بعد قليل نقدم لكم خطبة الجمعة لهذا الأسبوع .. نرجو منكم حسن الاستفادة منها .. ونشرها في أوسع نطاق .. والدال على الخير كفاعله.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

14 Oct, 14:36


سؤال مهم .. 🌹
كيف يمكننا الاستفادة من رسائل المنبر؟
إذا كنت خطيباً يمكنك أخذ الرسالة التي ننشرها أسبوعياً .. وتقديمها كلها أو بعضها من خلال منبرك.
وإذا لم تكن خطيباً يمكنك الاستفادة الشخصية منها .. ويمكنك أن تشارك بنشرها .. أو نشر ما تراه مناسباً منها.
كما يمكنكم الرجوع إلى الرسائل السابقة وأخذ الفوائد ونشرها كذلك.
ويمكنكم تطوير بعض الأفكار الواردة في بعض الرسائل وتحويلها إلى مبادرات وبرامج عمل.
والأهم من هذا وذاك تحضير نوايا ثلاث بين يدي مطالعة أي رسالة .. وهذه النوايا هي:
👈 نية التعلم
👈 نية التطبيق
👈 نية التبليغ
وبذلك يثبت العلم ويتحقق النفع من الوعظ، وصدق الله: "وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا" (النساء: 67).

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

11 Oct, 04:11


الدَّوَاءُ المُرُّ .. 💥
رسالة المنبر ١١-١٠-٢٠٢٤م
د. محمد سعيد بكر
🌹المحاور🌹
إن امراضنا نحن البشر واحدة من الابتلاءات والاختبارات التي قررها رب العزة علينا لينظر سبحانه وتعالى في سلوكنا وهو العليم بحالنا ومآلنا.
وإن أول خطوة في علاج أي مرض عضوي أم نفسي .. فردي أم جماعي هي؛ اعتراف المريض بأنه مريض .. ثم سعيه للأخذ بأسباب الشفاء .. ولعل من أبرز تلك الأسباب:
1️⃣ الثقة واليقين التام بقدرة الله الشافي.
2️⃣ استشارة الطبيب الخبير الناصح.
3️⃣ الاستجابة الصادقة للتشخيص الكاشف.
4️⃣ تناول العلاج والدواء مهما كان مكلفاً أو مُراً .. وبحسب ترتيب الطبيب، لا بحسب مزاج المريض.
5️⃣ مراعاة الزمن .. فالزمن جزء من العلاج؛ إذا سرنا وفق خطة ومنهاج.
والعلاج قد يكون مُسكِّناً .. أو مضاداً حيوياً .. أو دواء كيماوياً .. أو جراحة عميقة .. وقد يتطلب الأمر بترَ عضو من الأعضاء .. فالدواء في الغالب ثقيل ومكلف ومُر .. ولكن للضرورة أحكامها .. وقد يزداد الأمر سوءاً بلا علاج وبالتالي تزيد الكلفة.
وأسوأ ما في الأمر أن نجتنب الدواء لمرارته وكلفته وصعوبته .. أو لطول المدة اللازمة لتعاطيه .. ونحن نعلم أن ما فسد في دهر قد لا يصلحه عمل شهر .. فنقطع الدواء ونحتاج في كل مرة إلى البدء من نقطة الصفر في رحلة العلاج الطويلة.
لقد أصيبت أمتنا بعلل وأدواء مستعصية .. وهي تتطلب عمليات جراحية متتابعة .. ومن تلك الأدواء والأمراض المستعصية والتي تتطلب دواءً مراً بصورة دماء تسيل وبيوت تهدم وجراح وأسر وشتات وإبادة، وإن كنا نسأل الله السلامة والعافية ونطلب الخلاص بلا كُلَف ما يأتي:
1️⃣ الطغيان والاستبداد.
2️⃣ الاحتلال.
3️⃣ الإلحاد والفجور.
4️⃣ النفاق.
5️⃣ المادية الطاغية.
وهذه الأمراض والعلل لا يمكن أن تنتهي وتزول من خلال مسكنات وعظية وكلمات نصح عابرة .. بقدر ما تحتاج إلى كلف باهظة ضمن برنامج علاجي مكثف ومكلف يحتوي على ما يأتي من خطوات:
1️⃣ التوعية والوعظ والانذار والتحذير.
2️⃣ بيان خطورة هذه الأمراض على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة.
3️⃣ محاربة هذه الأمراض والتصدي بحزم لها .. وعدم تركها بحجة العجز .. لأنها بالتالي ستزيد وتتضاعف.
لقد جربت أمتنا طويلاً أسلوب المهادنة والتسكين والقول اللين؛ فما زاد ذلك منظومة الطغيان وعصابة الاحتلال ومافيات الإلحاد والشذوذ إلا إجراماً وتوغلاً في ضروراتنا الخمس (الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال)، قال تعالى: "وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا" (الإسراء: ٦٠).
لقد دفع أبو جهل ماله وروحه في سبيل الباطل الذي تصدى للدفاع عنه .. فماذا قدمنا نحن لنصرة ديننا ومقدساتنا وإجابة استغاثات إخواننا وأخواتنا في غزة وسائر فلسطين وفوق كل أرض وتحت كل سماء؟!.
مثلما دفع أهل الباطل أثماناً باهظة لبلوغ غاياتهم في عالمنا العربي والإسلامي؛ فمن حيث المال؛ انفقوا أموالهم للصد عن سبيل الله .. ومن حيث التخطيط والكيد؛ مكروا الليل والنهار .. ومن حيث المتابعة بلا يأس لبلوغ غاياتهم القبيحة قال تعالى: "وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ" (ص: 6).
لقد كان القرآن صريحاً في بيان مرارة الجهاد بمجرد كتابته على المؤمنين وتشريعه، قال تعالى: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (البقرة: 216).
كما كان صريحاً في التعبير عن شدة الألم المترتب عليه في مقابل ما يترتب على الأعداء من آلام، قال تعالى: "وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا" (النساء: 104).
ولكن هذا التشريع الاضطراري ما كان ليكون لمجرد رغبة المشرع سبحانه في جلب الألم لأحبابه وأوليائه، بل لحكم كثيرة ذكر منها رب العزة ما يتعلق بسنة التدافع حين قال: "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ" (البقرة: 251).
فأهل غزة اليوم يتجرعون مرارة دواء شفاء الأمة كلها من داء الذل والهوان والاستكانة والاستضعاف .. وهذا وإن كان في ظاهره ابتلاء، إلا أنه في الوقت ذاته تكريم واصطفاء، ولا نامت أعين الخبثاء والجبناء.
لقد اختار يوسف عليه السلام الدواء المر على أن يقع فريسة الفاحشة، قال تعالى: "قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ" (يوسف: 33).

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

11 Oct, 04:11


إن مرارة الدواء أحياناً لا تدل على كونه مراً بقدر ما تكشف عن شدة المرض، لدرجة أن يصبح الشراب الحلو مراً في حلق المريض، ومن هنا يقول المتنبي:
ومَنْ يَكُ ذَا فَمٍ مُرٍّ مريضٍ
يَجِدْ مُرّاً بِهِ الْمَاءَ الزُّلَالَا
إنه لا يتناول الدواء إلا مضطر .. فكيف إن كان الدواء مراً علقماً .. إنها الضروريات التي تبيح المحظورات، فكيف لنا أن نعتب على من دعته الضرورة لارتكاب محظور .. لاسيما إن كنا نحن جزء من مشكلته ومصابه .. وهذا حالنا مع إخواننا الذين دفعتهم الضرورة لأخذ دواء مر من قوم لا يجمعنا بهم سوى المصلحة .. وزادت مرارة الدواء حين بدأوا بالثناء والمديح على هؤلاء .. فمن يسعى لتخليص إخوانه خير ممن يكتفي باللوم والعتاب.
لقد كان مُراً على قلب النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل ثلاثة آلالاف رجل من خيرة أصحابه إلى مؤتة ليواجهوا جيشاً منظماً يزيد على مئتي ألف مقاتل، ولكنها الرسالة التي أراد أن يوصلها بالدم، وقد قُطعت ومُنعت من الوصول حين كُتبت بالقلم، وصدق الشاعر في باب الاضطرار إلى ركوب الأهوال:
وإنْ لم يكن إلا الأسِنَّة مَركبٌ
فلا رأي للمضطر إلا ركوبها
لقد عانت غزة طويلاً من داء الاحتلال .. وشدة الحصار .. وتتابع الحروب .. وظلم القريب .. وتواطؤ الخبثاء .. فما كان أمامها من خيار .. بل هو الاضطرار لركوب موجة الدخول المقدس يوم السابع من اكتوبر عام ٢٠٢٣م .. وهي ترى في هذا الدخول دواء مراً مكلفاً لدائها وداء الأمة كلها بعد مصابنا بهذا العدو الغاصب ومن يقف معه في السر والعلن .. فلا أقل من تحقيق واجب النصرة والدعم والإسناد لإخوة لا يزالون يتجرعون المرارات ويقدمون التضحيات.
🌹وختاماً🌹
إننا نغامر وندفع الكلف لأجل الدنيا الفانية ومتطلباتها وأساسياتها أو حتى كمالياتها .. فما بالنا نتردد ونطيل التأمل والتفكير والحساب في باب الإنفاق والبذل والجهاااد لأجل رضوان الكريم المنان .. فنزهد فيما أعد لنا من نعيم وجِنان؟!
إنه لا قيمة لدواء رخيص قد يشفيك من مرض ويصيبك بأمراض .. وكأني به داء في ثوب دواء .. وقد جربت أمتنا جميع أنواع الأدوية والعلاجات الرخيصة الفاسدة فما زادتها إلا وهناً على وهن ومرضاً على مرض.
إن في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة صيدلية متكاملة لعموم أمراضنا .. قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ" (يونس: 57).
ولكن في الناس من ينكر ويجحد هذا الدواء .. وفيهم من يؤمن به ولكن يجده مُراً وصعباً وثقيلاً .. فأما الجاحدون المنكرون فليس لهم إلا أن يموتوا بغيظهم مع كل علو وسمو ونهضة يرونها لدين الله في الحياة .. وأما المستثقِلون المستصعبون؛ فنقول لهم .. ستجدون مع كل جرعة من جرعات هذا الدواء الرباني حلاوة ولذة غير مسبوقة .. وما الصعوبة والمرارة إلا بسبب طول جفوتكم وابتعادكم عنه .. فأقبلوا عليه وتزودوا منه وثقوا بقدرته الفائقة على شفائكم من عموم بلائكم .. والله الهادي إلى سواء السبيل.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

11 Oct, 04:11


تنويه مهم .. 💥
بعد قليل نقدم لكم خطبة الجمعة لهذا الأسبوع .. نرجو منكم حسن الاستفادة منها .. ونشرها في أوسع نطاق .. والدال على الخير كفاعله.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

01 Oct, 20:13


إن من الواجب استمرار الدعاء، والتوعية، والدعم، والمسيرات، والمقاطعة للعدو .. فكل ذلك نافع ومفيد .. وإن كان التفكير بوسائل أكثر وأعمق وأجدى هو واجب الوقت.
رحم الله القادة والجنود .. ونعاهدهم أننا كلنا على ذات الشوكة سائرون .. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
لقد أدرك المتشوقون المتحرقون لنصرة إخوانهم شؤم تلك الحدود والسدود المانعة لهم .. كما أدركوا كيف أن الذنوب حبستهم عن بلوغ شرف النصرة والجهاااد .. فهل عملوا على الخلاص .. وهل بدأوا بواجب الإعداد ..؟!
🤲نسأل الله العون والتوفيق والسداد🤲

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

01 Oct, 20:13


👈 وغيرها من الآيات التي تواسينا وتثبت قلوبنا، وصدق ربنا جل جلاله: "وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا" (النساء: 104).
إننا بعد عام كامل من ثبات ورسوخ أقدام المجااهدين والمرابطين في غزة ندرك تماماً كيف أن الله تعالى يمنح الأسباب المفقودة ويُسخِّر جنده الذين لا يعلمهم إلا هو لقوم مؤمنين أخذوا بالأسباب الموجودة .. فأعدوا واستعدوا وثبتوا .. قال تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ" (الأنفال: 60).
لقد أدركنا مدة هذا الطوفان العظيم حجم خيبتنا وعجزنا وتقاعسنا، وذلك بسبب انصرافنا عن الأولويات واشتغالنا بالسفاسف والثانويات .. حتى إننا لم نشارك سوى مشاركات عاطفية لا ترقى إلى مستوى الالتحام .. وتركنا قوماً أوغلوا في تحريف ديننا والطعن في أصحاب رسولنا صلى الله عليه وسلم وقتل إخواننا بالأمس في الجوار .. ثم جاءوا اليوم بصورة أنصار لنا يدافعون عن إخواننا في فلسطين .. كل ذلك بسبب تنكبنا عن منهج الإعداد الكريم .. وخذلاننا لإخواننا المجاااهدين، وصدق الله: "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ" (التوبة: 46).
لقد ألهم الطوفان بعض الكرام خارج فلسطين؛ فجادوا بأرواحهم وأموالهم وقدموا أغلى ما يملكون نصرة لإخوانهم .. فرحم الله الجندي محمد صلاح من مصر .. وسائق الشاحنة ماهر الجازي من الأردن .. والشيخ إمام المسجد حسن ساكلانان من تركيا ورجال المقاومة (السُّنية) من لبنان واليمن والعراق .. فنحن أمة واحدة، إذا اشتكى منها عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
لقد أبهر إخواننا في غزة العالم بقدرتهم الفائقة على إدارة معركة طويلة وهم محاصرون في الأنفاق؛
👈 فكان التكتم الشديد الذي جعل من مقاومتهم وأنفاقهم صندوقاً أسوداً أعجز أدوات التجسس الإلكتروني والبشري عن بلوغه وإدراك كُنهه ..
👈 وكان الخطاب الإعلامي المُحرِّض على الجهاااد، المطمئن للصديق، المربك للعدو ..
👈 وكانت جولات المفاوضات السياسية المكوكية الراسخة دون كلل ولا ملل ..
👈 وبقيت ولا تزال الحاضنة الشعبية تلتف بحنان وحب حول رجالها ومجاهديها بالرغم من حجم الألم وضيق الأفق واستعصاء الحلول البشرية ..
فبارك الله في غزة وأهلها ومقاومتها وحاضنتها والداعمين المساندين بإخلاص لها.
لقد وقع الكيان الغاصب ومن يقف معه ويسنده في فخ غرورهم وكبريائهم وعلوهم وإفسادهم .. فهاهم عالقون في غزة لا يستطيعون الخروج منها ولا البقاء فيها بسهولة .. وقد عجزوا عن تحقيق غاياتهم بها .. ولا يزالون يبحثون عن مَخرج .. فيا ربنا لا ترفع لهؤلاء المفسدين في الأرض راية .. ولا تحقق لهم في بلادنا غاية .. واجعلهم يا مولانا عبرة وآية.
إن طوفان الأقصى فرصة تاريخية استثنائية لأصحاب المشروع النهضوي الكبير .. فهم يساهمون به، ويستثمرون فيه، ويبنون عليه .. في حين لا يراه العابثون الحالمون الخائفون المرتعشون سوى تحدي يستنزف مصالحهم، قال تعالى في بيان صفة هؤلاء الجبناء: "فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ" (المائدة: 52).
🌹وختاماً🌹
إن ثمرات الطوفان لا تعد ولا تكاد تحصى .. وكل ثمرة منها تعادل حجم التضحيات التي قُدمت في سبيلها .. فالبناء يعوض بإعادة الإعمار .. والشهداء لهم أجرهم ونورهم .. وللأحياء المجد والعزة والكرامة ببركة كونهم رأس حربة الأمة في مواجهة تحالف الإجرام والخبث العالمي، وصدق ربنا الكريم الرحيم: "لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ" (الزمر: 10).
لقد فتح الطوفان شهية أحرار العالم وألهمهم للتحرر من ربقة الغاصبين .. كيف لا .. وغزة المحاصرة منذ أكثر من ١٨ عاماً تصنع بقدرة الله وتوفيقه معجزة عجزت عنها أنظمة وجيوش .. فطوبى لرجال غزة ونسائها وأطفالها وشيبها وشبابها .. طوبى لمن صنعوا للعالم من الليمون الحامض شراباً حلواً .. طوبى لهم وحسن مآب.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

01 Oct, 20:13


عام على الطوفان .. 💥
رسالة المنبر ١-١٠-٢٠٢٤م
د. محمد سعيد بكر
🌹المحاور🌹
عام كامل مضى على يوم الدخول الشجاع المبارك .. يوم استجاب كِرامنا وكبارنا لذاك النداء الخالد: "ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" (المائدة: 23).
فتحقق الوعد .. وكانت الغلبة على أشد الناس عداوة للمؤمنين .. حيث أثخن رجال الله في العدو؛ فقتلوا منه وأسروا .. وكسروا هيبته ومرغوا أنفه في التراب.
لقد تعددت صور الانتصار في يوم السابع من أكتوبر من عام ٢٠٢٣م .. فكان بحق يوماً من أيام الله التي ينبغي على الأمة استجلاء بركاته والتذكير به في كل عام .. كيف لا .. وفي ذاك اليوم رأينا انتصاراً عسكرياً أمنياً سياسياً إعلامياً نفسياً ثقافياً استراتيجياً .. من فتية توكلوا على ربهم .. وأعدوا الإعداد المستطاع .. وصبروا وصابروا ورابطوا طويلاً.
لم يكن ذاك اليوم يوماً عادياً .. بل كان بداية تحول وتمايز صريح للرايات؛ بين من يقف مع العدو الغاصب ويدعمه بالمال والرجال والسلاح والتصريحات السياسية والمد القانوني والخبراتي والأمني، تصديقاً لقوله تعالى: "وإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ" (الأعراف: 202) .. وبين من يقف مع المقاومة ويدعم إخوانه المجاااهدين بالمتاح من أسباب الدعم والإسناد.
لقد استنفر خبثاء الأرض طاقاتهم كلها بعد ذاك اليوم المبارك .. وأعلنوا تحالفهم المشؤوم .. وجعلوا لهم هدفين اثنين هما:
1️⃣ القضاء على المقااومة واجتثاثها وتجفيف منابعها.
2️⃣ استعادة اسراهم (الرهائن) وهم على قيد الحياة
👈 فهل نجح الحلفاء الخبثاء في تحقيق أهدافه؟! .. كلا .. بل خابوا وخسروا .. ولا تزال المقااومة تبهر العالم بقوتها وتماسكها وثباتها .. ولم يستنقذ العدو من رهائنه سوى بعض الجثث .. لأجل ذلك صبوا جام غضبهم على الأطفال والنساء والشيوخ والمساجد والمستشفيات والمدارس .. فقتلوا أكثر من ٤٣ ألف إنسان برئ على سمعٍ وبصرٍ من العالم المنافق المتواطئ الجبان.
إننا إذ نكتب ونتكلم في ذكرى انطلاق الطوفان لا ننسى أن هذا الطوفان لم يهدأ بعد؛ بل هو ذا لا يزال يفور .. ولا يزال التدافع قائماً .. بل إنه يتسع ولا يضيق ليشمل فلسطين كلها .. ويمتد إلى لبنان .. فأطماع العدو لا حدود لها .. ويبدو أنه وقد فشل في غزة أراد أن يُظهر نجاحاً بضرب أهداف معلومة في المحيط ضمن بنك أهدافه التي يوفرها له العملاء والدخلاء والخبثاء من أبناء جلدتنا وغيرهم.
ومع مرور عام كامل على انطلاقة الطوفان وجدنا ورأينا تحقق كثير من الآيات التي زاد بها إيماننا ويقيننا بربنا ومن تلك الآيات:
1️⃣ آية تحكي ثبات الرجال؛ قال تعالى: "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" (الأحزاب: 23).
2️⃣ آية تحكي شدة عداوة يهووود وحلفائهم؛ قال تعالى: "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا" (المائدة: ٨٢).
3️⃣ آية تحكي خبث المنافقين؛ قال تعالى: " قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ۖ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ" (الأحزاب).
4️⃣ آية تحكي قدرة الله وحكمته؛ فبدء المعركة وختامها مرتبط بقدرته وحكمته، قال تعالى: "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا" (الطلاق: 3).
5️⃣ آية تحكي شدة المكر والكيد، ولطف الله بعباده؛ قال تعالى: "اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا" (فاطر: 43).
6️⃣ آية تحكي مآلات تقاعسنا عن نصرة إخواننا؛ قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (التوبة: 39).

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

01 Oct, 20:13


تنويه مهم .. 💥
بعد قليل نقدم لكم خطبة الجمعة لهذا الأسبوع .. نرجو منكم حسن الاستفادة منها .. ونشرها في أوسع نطاق .. والدال على الخير كفاعله.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

25 Sep, 19:40


شرف الحضور .. 💥
رسالة المنبر ٢٥-٩-٢٠٢٤م
د. محمد سعيد بكر
🌹المحاور🌹
كثيرة هي الواجبات أو المناسبات أو الملتقيات أو المواقف التي يُدعى لها الإنسان .. فمنها ما يجيبها فيحضر، ومنها ما يغيب عنها أو يتأخر.
ولا يعرف شرف وقيمة حضور المناسبات وتلبية الواجبات إلا من وجد بركتها وفضلها بين الحين والآخر.
وقد يدعونا بعض الكرام لحضور عرس أو وليمة أو مناسبة نجاح أو غير ذلك .. فنعتذر لضيق الأوقات .. ولو أن الداعي يخصنا ونحبه ويحبنا لوجدنا من الأوقات ما يمنعنا عن الغياب لا عن الحضور .. لاسيما وأن إجابة الدعوة من حقوق الأخ على أخيه، فقد روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ".
وفي بعض ما ندعى له من مجالس العلم والفكر والذكر، أو من المسيرات والاعتصامات المناهضة للباطل والداعمة للحق والخير ما يستحث بنا الخطى نحو المشاركة بلا تأخر لنيل الأجر والبركة والثواب؛ كيف لا وفي كل خطوة نخطوها في سبيل الله أجر، قال تعالى: "وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" (التوبة: 120).
ويختلف حكم المشاركة فيما ندعى إليه بحسب حجم الحاجة والضرورة إليه؛ من كون الإجابة للدعوة واجبة أم مندوبة أم مكروه أم حرام.
وفي السيرة النبوية دروس كبيرة تظهر شرف الحضور، ومشكلة الغياب عن بعض المواطن ومن ذلك:
1️⃣ شرف حضور غزوة بدر الكبرى .. تلك التي ندب النبي صلى الله عليه وسلم المشاركة إليها ولم يعزم في ذلك باعتبار أنها لم تكن بقصد النفير وإنما لطلب العير .. ففاز من حضر .. ومَن مثل أهل بدر، يقول صلى الله عليه وسلم: "لَعَلَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَّكُمْ" رواه البخاري.
2️⃣ شرف حضور غزوة تبوك التي تأكد شرف حضورها بحجم العقوبة التي وقعت على المخلفين عنها، قال تعالى: "وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ" (التوبة: ١١٨).
3️⃣ شرف الحضور للبيعات التي حصلت في السيرة النبوية؛ ومنها: بيعة العقبة الأولى والثانية وبيعة الرضوان .. ولا أدل على شرف حضور بيعة الرضوان من مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان غيابياً، فقد روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ".. وكانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوانِ بَعْدَما ذَهَبَ عُثْمانُ إلى مَكَّةَ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيَدِهِ اليُمْنَى: هذِه يَدُ عُثْمانَ. فَضَرَبَ بها علَى يَدِهِ، فقالَ: هذِه لِعُثْمانَ".
إن بعضنا لا يشارك في شيء ولا يحضره إلا إذا كان مُقدَّماً فيه أو له فيه مصلحة .. ومن التواضع والشعور بالمسؤولية عدم الغياب عن مواطن الحاجة .. فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه قد حضر يوم مؤتة ولم تكن لديه أي شهوة للزعامة والقيادة فيها لاسيما وقد عين النبي صلى الله عليه وسلم لها ثلاثة قادة .. ولكن يأبى الله إلا أن يقع اختيار المسلمين عليه ليكون المدير المدبر لعملية حقن دماء المسلمين بعد استشهاد القادة الثلاثة، فقد روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أخذ الراية زيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أخَذَهَا عبدُ اللَّهِ بنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أخَذَهَا خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ عن غيرِ إمْرَةٍ فَفُتِحَ عليه".
إن ثمة من يحضر جسدياً ولكنه يغيب نفسياً ووجدانياً .. فالمنافقون كانوا يحضرون مجالس النبي صلى الله عليه وسلم لكنهم ليسوا منه ولا معه، بل ضده وعليه .. وهذا حالهم في كل زمان ومكان، قال تعالى: "وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ" (محمد: 16).
وعلى النقيض من ذلك ثمة حضور إيجابي فاعل .. وهو الحضور القاصد للخير .. والذي يسبقه تحضير بقصد التعلم والتطبيق والتبليغ.
إن من المَواطن ما يستدعي قضاء حضورها لشرفها عند الغياب عنها .. لأجل ذلك عزم أنس بن النضر رضي الله عنه على قضاء غزوة بدر، فقد روى البخاري على لسان ابن النضر قال: "غِبْتُ عن أوَّلِ قِتَالِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لَئِنْ أشْهَدَنِي اللَّهُ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ ما أُجِدُّ، فَلَقِيَ يَومَ أُحُدٍ، فَهُزِمَ النَّاسُ، فَقالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أعْتَذِرُ إلَيْكَ ممَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ، يَعْنِي المُسْلِمِينَ وأَبْرَأُ إلَيْكَ ممَّا جَاءَ به

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

25 Sep, 19:40


المُشْرِكُونَ فَتَقَدَّمَ بسَيْفِهِ فَلَقِيَ سَعْدَ بنَ مُعَاذٍ، فَقالَ: أيْنَ يا سَعْدُ، إنِّي أجِدُ رِيحَ الجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ، فَمَضَى فَقُتِلَ، فَما عُرِفَ حتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بشَامَةٍ أوْ ببَنَانِهِ، وبِهِ بضْعٌ وثَمَانُونَ مِن طَعْنَةٍ وضَرْبَةٍ ورَمْيَةٍ بسَهْمٍ".
إن في حضور بعض المجالس بركة حتى وإن غابت نية صاحبها عن مقصدها العظيم، فقد روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لِلَّهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ في الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أهْلَ الذِّكْرِ، فإذا وجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنادَوْا: هَلُمُّوا إلى حاجَتِكُمْ قالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بأَجْنِحَتِهِمْ إلى السَّماءِ الدُّنْيا، قالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ -وهو أعْلَمُ منهمْ- ما يَقولُ عِبادِي؟ قالوا: يَقولونَ: يُسَبِّحُونَكَ ويُكَبِّرُونَكَ، ويَحْمَدُونَكَ ويُمَجِّدُونَكَ، قالَ: فيَقولُ: هلْ رَأَوْنِي؟ قالَ: فيَقولونَ: لا واللَّهِ ما رَأَوْكَ، قالَ: فيَقولُ: وكيفَ لو رَأَوْنِي؟ قالَ: يقولونَ: لو رَأَوْكَ كانُوا أشَدَّ لكَ عِبادَةً، وأَشَدَّ لكَ تَمْجِيدًا وتَحْمِيدًا، وأَكْثَرَ لكَ تَسْبِيحًا، قالَ: يقولُ: فَما يَسْأَلُونِي؟ قالَ: يَسْأَلُونَكَ الجَنَّةَ، قالَ: يقولُ: وهلْ رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لا واللَّهِ يا رَبِّ ما رَأَوْها، قالَ: يقولُ: فَكيفَ لو أنَّهُمْ رَأَوْها؟ .. قالَ: فيَقولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أنِّي قدْ غَفَرْتُ لهمْ، قالَ: يقولُ مَلَكٌ مِنَ المَلائِكَةِ: فيهم فُلانٌ ليسَ منهمْ، إنَّما جاءَ لِحاجَةٍ، قالَ: هُمُ الجُلَساءُ لا يَشْقَى بهِمْ جَلِيسُهُمْ".
إن غيابنا عن الحضور والمشاركة في ثغور الأمة القائمة اليوم بغزة وسائر فلسطين وفوق كل أرض وتحت كل سماء كل ذلك يُعرِّضنا لخطر كبيرة الفرار من الزحف .. فنكسب الآثام ونخسر الأجور .. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
إن للحضور الشريف صور عديدة تثبت وجودنا وتحقق غاياتنا، ولعل أبرز هذه الصور تلك الصورة التقليدية التي نحضر فيها وجاهياً بأرواحنا وأجسادنا وبها نقدم وسعنا ... ومن تلك الصور للحضور الشريف إن تعذرت تلك الصورة التقليدية الوجاهية ما يأتي:
1️⃣ المتابعة الحثيثة والسؤال المستمر عن بُعد، عبر وسائل وقنوات التواصل الكثيرة.
2️⃣ الدعاء .. فنحن بالدعاء نحضر ونشارك لاسيما إن كان الدعاء مستمراً بلا كلل ولا ملل.
3️⃣ بعث البديل من جنس الأصيل .. فقد ترسل ولدك مندوباً عنك ليشارك ويحضر .. وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمه جعفر رضي الله عنه ليسد مكانه في الحبشة وفي مؤتة بعدها.
4️⃣ إرسال المال دعماً وإسناداً وتبرعاً فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن تجهيز الغزاة لا يقل رتبة عن حضور الغزوات حين قال جازماً: "مَن جَهَّزَ غَازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ فقَدْ غَزَا، وَمَن خَلَفَ غَازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ بخَيْرٍ فقَدْ غَزَا" رواه البخاري.
إن تقصيرنا وغيابنا عن حضور المناسبات الاجتماعية أدى إلى تقطيع الأواصر والأرحام وشيوع الغيبة والنميمة وتفويت فرص الدعوة والإصلاح وتصدر الرويبضة .. وفي المقابل فإن حضورنا السلبي لا يجوز .. ومن هنا يقول سبحانه في وجوب ترك بعض المجالس: "وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ" (النساء: ١٤٠).
إن من الواجب كذلك الالتزام بآداب الحضور لأي مكان .. فالأمر يتطلب الاستئذان، وغض البصر، وحسن البيان، ومعرفة شرف الزمان والمكان.
إن اعتقاد البعض بأن ثمة من يسد عنه إذا غاب؛ يعرضه لفوات الأجور، لا سيما إن كان في الحضور فضيلة أكثر من كونها فريضة .. فمن حضر صلاة الجنازة مثلاً ليس كمن غاب عنها .. ولا يسد من حضر عمن غاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى على جِنَازة فله قِيراط، ومن قَعَد حتى يُدفن فله قيراطان، قالوا يا رسولَ اللهِ مِثلُ قراريطَنَا هذهِ؟ قالَ لا بلْ مثلُ أُحُدٍ أو أعظَمُ مِن أُحُدٍ" رواه أحمد وهو صحيح.
إن حضور الضعفاء والفقراء مجالس أو مواقف الأشراف يمنحهم قوة ورزقاً، وعند الغياب يندم من فاتته الفوائت، قال تعالى: "وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا" (النساء: 8).
إن في حسن الاصغاء عند حضور مجالس العلم والذكر مع توفير نية الانتفاع والتبليغ ما يرفع شأن صاحبه، قال تعالى: "وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ" (الأحقاف: ٢٩).

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

25 Sep, 19:40


إن أجمل الحضور هو الحضور الخفيف اللطيف .. حضور الأولياء الأنقياء .. يقول عمر رضي الله عنه: "إنَّ اللهَ يُحِبُّ الأَبرارَ الأَتقياءَ الأَخفياءَ الَّذينَ إذا غابوا لَم يُفتَقَدوا، وإِنْ حَضَروا لَم يُدْعَوْا ولَم يُقرَّبوا، قُلوبُهم مَصابيحُ الهُدى، يَخرُجونَ مِن كُلِّ غَبْراءَ مُظلِمَةٍ".
🌹وختاماً🌹
إن في الحضور المصلحي نزع للبركة ومحق للثواب والأجر .. فبعض الناس لا يحضر إلا إذا كان له مصلحة .. أو يرجو بحضوره حضور الآخرين إن دعاهم .. وكأنه يكافئ الحضور بالحضور أو ينتقي من المواقف والمجالس ما به يزيد من ماله أو جاهه وسلطانه!!.
إن حضور الجمعة والجماعة يزيد من قوة الأمة المسلمة فضلاً عن تعظيمه لأجر وثواب صاحبه؛ لأجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أدُلُّكُمْ علَى ما يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا، ويَرْفَعُ به الدَّرَجاتِ؟ قالُوا بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: إسْباغُ الوُضُوءِ علَى المَكارِهِ، وكَثْرَةُ الخُطا إلى المَساجِدِ، وانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ" رواه مسلم.
إنه لابد من الإعداد والتحضير كلما كان الحضور صعباً وثقيلاً .. ومن صور الحضور الثقيل؛ حضور الامتحانات والمشاهد والغزوات، لأجل ذلك طلب الله منا أن نُعد ما استطعنا من قوة لنشارك بكل ما نملك من قوة، وصدق الله في عتاب من يزعم نيته الحضور وهو لا يأبه للإعداد والتحضير: "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ" (التوبة: 46).
🤲 نسأله تعالى أن يبارك لنا في الحضور وأن يعيننا على التحضير .. إنه على كل شيء قدير 🤲

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

25 Sep, 19:39


تنويه مهم .. 💥
بعد قليل نقدم لكم خطبة الجمعة لهذا الأسبوع .. نرجو منكم حسن الاستفادة منها .. ونشرها في أوسع نطاق .. والدال على الخير كفاعله.

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

16 Sep, 14:40


جينات البطولة والنذالة💥
رسالة المنبر ١٦-٩-٢٠٢٤م
د. محمد سعيد بكر
🌹المحاور🌹
يسأل البعض حول الصفات الإيجابية كالشجاعة والشهامة والكرم .. أو حتى الصفات السلبية كالنذالة والوقاحة والفجور .. هل هي صفات وراثية يرثها الإنسان عن آبائه وأجداده .. أم هي كسبية يكتسبها من البيئة والصحبة والعلاقات القريبة والبعيدة؟!
والجواب على هذا السؤال يحتمل الأمرين معاً .. فالمرء مفطور على الأخلاق الحميدة التي أساسها الإسلام والعقيدة السليمة، وذلك لقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأشَجِّ عَبدِ القَيسِ رَضِيَ اللهُ عنه: "إنَّ فيك خَلَّتَينِ يُحِبُّهما اللهُ: الحِلمُ والأناةُ، قال: يا رَسولَ اللهِ، أنا أتَخَلَّقُ بهما أم اللهُ جَبَلني عليهما؟ قال: بل اللَّهُ جَبَلك عليهما، قال: الحَمدُ للَّهِ الذي جَبَلني على خَلَّتَينِ يُحِبُّهما اللهُ ورَسولُه" رواه أبو داود وهو صحيح .. ومثله حديث ولادة الإنسان على الفطرة.
والأخلاق الإيجابية أو السلبية كذلك تُكتسب بفعل التربية والصحبة، لأجل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يطلب من الله أن يُكسبه الأخلاق الكريمة، فقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو بدُعاءِ الاستِفتاحِ: "اللَّهمَّ اهدِني لأحسَنِ الأخلاق، لا يهدي لأحسَنِها إلَّا أنتَ، واصرِفْ عنِّي سَيِّئها، لا يَصرِفُ عنِّي سَيِّئَها إلَّا أنتَ" رواه مسلم.
والغالب الأعم في مسألة الأخلاق والصفات أنها مكتسبة، بفعل التربية والعِشرة والصحبة والبيئة .. لأن المرء لا يؤاخَذ إلا على كسبه .. وذلك حتى لا يكون لأصحاب الأخلاق القبيحة حجة على الله بفعل الوراثة التي طغت عليهم، فجعلتهم لا يملكون انفكاكاً عن الخيانة والنذالة والعمالة والفجور بسبب كون أجدادهم كانوا يحملون تلك الصفات القبيحة.
وقد رأينا بالفعل أحفاداً يتمثلون ويحملون صفات إيجابية عن أجدادهم، وكذلك هنالك مَن أخذ صفات سلبية عن أجداده .. وعند البحث والتفتيش تجد أن هذا في الغالب لم يكن بالوراثة بقدر ما كان بفعل التربية والمشاهدة والقدوة القريبة؛ فالحفيد يرى ويسمع عن كرم وشهامة وشجاعة وتضحية أجداده عبر والديه فتعتنق روحه تلك الصفات الكريمة .. وكذلك الأنذال يتأثر بنذالتهم أولادهم وأحفادهم بالعِشرة والمشاهدة.
ومن نماذج حمل الصفات الإيجابية كابراً عن كابر مثلاً؛ صفة التضحية والثقة واليقين التي حملها إسماعيل عن والده إبراهيم عليهما السلام، وقد تجلى ذلك حين ضحى الوالد فلبى نداء ربه الذي كلفه بذبح ولده .. وحين استجاب الولد بلا تردد .. في مشهد سجله القرآن بمداد من نور، قال تعالى: "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ" (الصافات: 102).
ومن تلك النماذج في حمل الصفات الإيجابية كذلك ما ورثه يوسف عن والده يعقوب عليهما السلام من صفات التسامح وكظم الغيظ على الرغم من الاستفزاز الشديد، حيث قال تعالى في شدة صبر وكظم وتسامح يعقوب عليه السلام: وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ" (يوسف: 84) .. ثم قال وهو يصف تلك الصفات الراسخة في يوسف عليه السلام: "قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ" (يوسف: 77).
وفي حياة الصحابة الكرام وجدنا مَن حمل صفات إيجابية كريمة عن والده ومن ذلك:
1️⃣ صفة الحزم والعزم؛ حملها عبد الله بن عمر عن والده عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
2️⃣ صفة البطولة والشجاعة؛ حملها عبد الله بن الزبير عن والده الزبير بن العوام رضي الله عنهما.
3️⃣ صفة البذل والسخاء والكرم؛ حملها عدي بن حاتم رضي الله عنه عن والده حاتم الطائي.
ولابد من التأكيد هنا على أن هذه الصفات الإيجابية ما كانت لتنتقل بين الآباء والأولاد إلا بأسباب كسبية في الغالب، منها:
1️⃣ الدعاء؛ فدعاء الوالد لولده مبارك مستجاب، وقد امتدح الله تعالى عباد الرحمن حين وصفهم بالحرص على أن يخرج من أصلابهم قادة وزعماء في الخير، قال تعالى: "وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا" (الفرقان: 74).
2️⃣ القدوة؛ فالأولاد يتأثرون ويتطبعون بفعل آبائهم وسلوكهم قبل قولهم وتصريحهم.
3️⃣ الوعظ والتوجيه؛ وفي قصة لقمان الحكيم يقول رب العزة: "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" (لقمان: 13).

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

16 Sep, 14:40


4️⃣ المعاتبة والتحفيز؛ وهما يتطلبان متابعة حثيثة .. فعند سلوك الخير لابد من التعزيز ولو بكلمة طيبة وثناء حسن، وعند مواقف السوء لابد من المعاتبة والتعنيف إن لزم الأمر.
5️⃣ توفير البيئة الكريمة؛ من الأقارب والأصحاب والجيران.
وفي المقابل نلاحظ كيف تجلت عناية الله في فئة من الناس، فلم تأخذ عن آبائها وأجدادها صفات السوء والقبح، ومن ذلك:
1️⃣ لم يأخذ إبراهيم عليه السلام صفات والده القبيحة، ومنها العناد في الباطل والعزة بالإثم.
2️⃣ ولم يأخذ موسى عليه السلام عن فرعون اللعين صفات الكبر والغرور والسفه والطيش، وقد تربى في حجره وترعرع في قصره.
3️⃣ ولم يأخذ عبد الله بن عبد الله بن سلول رضي الله عنه عن والده عبد الله بن سلول صفات النفاق والنذالة والتلون.
4️⃣ ولم يأخذ عكرمة رضي الله عنه عن والده أبو جهل عناده الذي أورده المهالك، فختم الله له عمله بتوبة صادقة وصحبة نافعة للحبيب صلى الله عليه وسلم.
فالبيئة والصحبة والجوار والقرابة جارفة، والعاصم الحامي هو الله الكريم، وفي قصة الولد المنحرف لنوح عليه السلام لنا عبرة .. وقد بين الله تعالى امتناع نقل الشرف كابراً عن كابر بلا جهد ولا بذل وتضحية يتحملها كل جيل على حِده، وذلك عندما رد سبحانه وتعالى طلب ابراهيم عليه السلام في قوله: "وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة: 124).
إن جينات البطولة والشهامة والشجاعة والكبرياء التي ينقلها الأجداد إلى أولادهم وأحفادهم في ثغور الأمة كلها هي التي حفظت أمة الإسلام من الضياع وحرست بالدماء المقدسات والأعراض .. فجزى الله الأجداد والآباء على ما بذلوه وقدموه فصاروا خير مُلهِم لأبناء الأمة كلها في حمل هذه الصفات الكريمة.
إننا اليوم نرى أبناء وأحفاد عز الدين القسااام وأحمد الياسين وعمر المختار وعبد القادر الحسيني وغيرهم من المجاهدين والشهداء لا يزالون يرفعون اللواء في غزة وغيرها من الثغور .. وفي بعض العشائر الأردنية والفلسطينية والمصرية والعراقية والسورية واليمنية وغيرها سمات الرجولة والشهامة لا تخفى .. وصدق من قال:
هذا الشبل من ذاك الأسد
وقال أبو العباس الجراوي:
ولم تزلْ في الشِّبلِ تظهر شِيمةُ الضّرغام
🌹وختاماً🌹
إن للوالد والجد دَور عظيم وخطير في نقل صفات الرجولة والبطولة .. كيف لا .. وهم بذلك يوردون فلذات أكبادهم المهالك، لاسيما وهم يوصونهم بوصية لقمان الحكيم لابنه بالصبر على تبعات الدعوة الشديدة: "يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" (لقمان: 17) .. ولأجل ذلك صار لهم عند ربهم أجر كثير ووفير .. وفي دَور الآباء يقول أبو العلاء المعري:
وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنَّا
عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
وَما دانَ الفَتى بِحِجىً وَلَكِن
يُعَلِّمُهُ التَدَيُّنَ أَقرَبوهُ
وإن للأم كذلك دور كبير في غرس وسقاية تلك الجينات، إن هي كانت واعية لدورها، قريبة من أبنائها، حريصة على بناء عقولهم وقلوبهم كحرصها على كسوة أبدانهم وإشباع بطونهم .. تُقوِّم إعوجاج ألسنتهم وسلوكهم .. ولا تقبل لهم أن يُظلموا ولا أن يَظلموا .. لأجل ذلك يقول حافظ إبراهيم:
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها
أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا
بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ
الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى
شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ
إن جينات البطولة والشجاعة والشهامة لا تثمر في ميادين العز والإباء إلا بوجود نماذج مُلهِمة .. فالمرء على دين خليله .. والصاحب ساحبٌ للخير أو للشر .. ولا يدفع العقلاء أثماناً باهظة لسلعة رخيصة .. فسلعة الله غالية .. وإنما هي إحدى الحسنيين؛ نصر عزيز أو شهادة فيها السعادة والشفاعة.
🤲 نسأل الله تعالى أن يخرج من أصلابنا صالحين مصلحين، علماء عاملين، مجاهدين مرابطين 🤲

رسالة المنبر || د. محمد سعيد بكر

16 Sep, 14:37


تنويه مهم .. 💥
بعد قليل نقدم لكم خطبة الجمعة لهذا الأسبوع .. نرجو منكم حسن الاستفادة منها .. ونشرها في أوسع نطاق .. والدال على الخير كفاعله.

2,360

subscribers

95

photos

1

videos