كَانَ الشَّافِعِيُّ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ الخَبَرُ قَلَّدَهُ ، وَخَيْرُ خَصْلَةٍ كَانَتْ فِيهِ لَمْ يَكُنْ يَشْتَهِي الكَلَامَ وَإنَّمَا هِمَّتُهُ الفِقْهُ.
[مناقب الشافعي لابن أبي حاتم].
روى صاحب ذم الكلام وأهله عن إسماعيل بن يحيى المزني قال : سَألْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ مَسْألَةٍ مِنَ الكَلَامِ فَقَالَ : سَلْنِي عَنْ شَيْءٍ إذَا أخْطَأتُ فِيهِ قُلْتَ أخْطَأتَ وَلَا تَسْألْنِي عَنْ شَيْءٍ إذَا أخْطَأتُ فِيهِ قُلْتَ كَفَرْتَ!. وروى ابن أبي حاتم في المناقب أن الشافعي قال : لَأنْ يُبْتَلَى العَبْدُ بِكُلِّ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ سِوَى الشِّرْكِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الكَلَامِ ، وَلَقَدِ اطَّلَعْتُ مِنْ أصْحَابِ الكَلَامِ عَلَى شَيْءٍ مَا ظَنَنْتُ أنَّ مُسْلِمًا يَقُولُ ذَلِكَ!. قال أبو القاسم الزنجاني في رائيته : «وَلَا تَسْمَعَنْ دَاعِي الكَلَامِ فَإنَّهُ .. عَدُوٌّ لِهَذَا الدِّينِ عَنْ حَمْلِهِ حَسَرْ» ، «وَأصْحَابُهُ قَدْ أبْدَعُوا وَتَنَطَّعُوا .. وَجَازُوا حُدُودَ الحَقِّ بِالإفْكِ وَالأشَرْ» .. ثم قال شارحًا : لَمْ يَزَلْ أهْلُ الدِّينِ وَالعِلْمِ مِنْ أوَّلِ الزَّمَانِ إلَى آخِرِهِ مُنْكِرِينَ لِهَذَا العِلْمِ الَّذِي يُسَمَّى الكَلَامَ وَهُوَ الجَهْلُ الصَّرِيحُ وَالمُرُوقُ مِنَ الدِّينِ مُجْمِعُونَ كُلُّهُمْ عَلَى ذَمِّهِ وَالتَّبَرِّي مِنْ أهْلِهِ وَهِجْرَانِ مَنْ عَرَفُوا أنَّهُ يَرَى ذَلِكَ دِينًا للهِ وَقُرْبَةً إلَيْهِ ... وَكَانَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ مِنْ أشَدِّ النَّاسِ ذَمًّا لِلكَلَامِ وَتَنْفِيرًا عَنْهُ وَنَهْيًا عَنْ مُجَالَسَةِ أهْلِهِ.