(مهنة عادية).
ومراتٍ يعيّرونها بمكان السكن، أنه لا يوازي مكان سكنهم الشامخ!
قلت لها مواسية: لقد سجل الله عنده كل كلمة قالوها لك تكسر الخاطر، والله يسترهم من عقوبة في الدنيا قبل الآخرة.
يا أكارم!
هل مكانة الإنسان مكانة الجدران! أو مكانته من بقعة من الأرض يسكنها مهمتها فقط أن تؤويه! أو مكانته شهادة يلصقها على الجدار، أو مكانته من قطعة قماش يرتديها وحذاء! أو لأنه من عائلة كذا!
حسنًا! بالعقل تعالوا نتفكّر:
هل الملائكة ستقف لنا على باب الجنة، تفرز العباد على النحو التالي:
أنت أين تسكن؟ ومن أي عائلة؟ وما معك من مال؟
أنت حققت الشروط؟ ممتاز تفضل تفضل طبعا للفردوس الأعلى!
أنت الآخر بسيط؟ لا لا هيا إلى النار!!
يا أكارم!
(فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ)
يوم القيامة ينتهي عهد التفاخر بالنسب!
أين قول الله تعالى:
(وكلهم آتيه يوم القيامة فردا)
وحدك ستقف لتُحاسَب، لن يشفع لك أنك من عائلة راقية، ولا كنت تسكن في بيت بمنطقة عالية، ولا أن جدك السابع كان عالما أو ذا مكانة وأنت سليط اللسان متكبر!
هل تعلمون أن الإمام النووي كان أصله من قريةٍ بسيطة في ريف الشام اسمها حوران؟
وأنّ أباه لم يكن عالمًا ولا دكتورًا ولا مشهورا، وإنما كان دكانيّ؛ (أي بقّال عنده محل بسيط يبيع فيه).
ثم خلَّفَ لنا علمًا كتب الله له القبول، من منا لا يتسابق لحفظ الأربعين النووية ورياض الصالحين للإمام النووي؟
من منا لا يحتاج لكتابه التبيان في آداب حامل القرآن، ليعرف آداب ومنهجية تعلّم وتعليم القرآن؟
إن الميزان عند الله؛ ميزان التقوى في القلب والصلاح في العمل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(...أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى...).
وقال صلى الله عليه وسلم:
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ).
متى ننفكُّ عن التعلق بالأشياء الزائلة، ونتحرر من عبادة الألقاب والتفاخر والتكاثر! لأي عائلة ومكان عمل ودراسة وموقع وأشياء ننتمي!
ولن ينزل معنا إلى القبر الحفرة الصغيرة من تراب إلا قطعة قماش بيضاء.
فعلامَ التعالي والتجريح بالكلام والتكبر على الناس؟ ونظرة الدون! وإننا سنحاسب على كل كلمة نقولها.
والله أعرف معلمة تقية، والله ذات شهادات عليا من إجازة بالقراءات، بتخصص الطب، تسكن في منطقة راقية، تنزل على بعد ساعتين تقريبا لمناطق بسيطة جدا جدا في أطراف الأرياف، لتعلّم العلم وتخدم البسطاء في المساجد.
ولقد رأيتها تجلس بين الأطفال البسطاء والفقراء في المسجد وقد أحضرت لهم ألعابًا وقد تحلّقوا حولها فرحين، توزع الهدايا عليهم، ليحبوا المسجد والدين والقرآن.
لم تقل يوما: هذا المكان ليس من مستواي، ولا هؤلاء أناسٌ لا يفهمون شيئًا باللباقة والأناقة!
حتى كلماتها مع الكبار فيهم جبرٌ على جبر، وتواضعٌ متناهٍ.
تريد رفعة؟
اخدم البسطاء، بالخفاء، بالتواضع من قلبك فعلًا لا قولًا! يرفعك الله على العالم.
الجزاء من جنس العمل.
#التقوى هاهنا...
نور عدنان الزرعي