- عن المروذي قال: كنت يومًا قاعدا على قنطرة التبانين، فإذا أنا برجلين يقدمان رجلًا بدويا على قعود له، إذ وقفوا علي وقالوا: هو ذا، هو جالس، فقال لي البدوي: أنت أحمد بن حنبل؟
فقلت له: لا، أنا صاحبه، أذكر حاجتك، فقال: أريده.
قلت: أدلك عليه؟ قال: إي واللَّه.
فمضيت بين يديه حتى أتيت باب أبي عبد اللَّه، فدققت الباب فقالوا: من هذا؟ فقلت: أنا المروذي، قالوا: ادخل.
قلت: أنا ومن معي؟
قالوا: أنت ومن معك، فأناخ الأعرابي ناقته وعقلها، ودخلت ودخل معي، فلما رأى أبا عبد اللَّه، قال الأعرابي: إي واللَّه، ثلاث مرات! فسلم عليه، فقال له: ما حاجتك؟
فقال: أنا رسول رسول اللَّه إليك. قال: ويحك ما تقول؟
قال: إني رجل بدوي بين حيي والمدينة أربعون ميلًا، أوفدني أهلي المدينة أمتار لهم برًّا وتمرًّا، فأتيت المدينة فابتعت ما عهدوا إلي من ذلك، وجنَّني المساء، فصليت في مسجد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عشاء الآخرة، واضطجعت، فبينا أنا نائم إذ أتاني محرك فحركني، وقال لي: أتمضي لرسول اللَّه في حاجة؟
فقلت: إي واللَّه، فقبض بيده اليمنى على ساعدي اليسرى وأتى بي حائط قبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوقفنى عند رأسه، فقال: يا رسول اللَّه، فسمعت من وراء الحائط قائلا يقول: أتمضي لنا في حاجة؟
فقلت: إي واللَّه، إي واللَّه، إي واللَّه، ثلاثًا.
فقال: تمضي حتى تأتي بغداد، أو الزوراء -الشك من المروذي- فإذا أتيت بغداد فسل عن منزل أحمد بن حنبل، فإذا لقيته فقل: النبي يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن اللَّه مبتليك ببلية. وممتحنك بمحنة، وقد سألته لك الصبر عليها، فلا تجزع.
قال المروذي: وكان إذا قال له رجل: (وحملك) يا أبا عبد اللَّه في السوط؟ يقول: قد تقدمت المسألة.
قال أبو بكر: وكان بين منصرف الأعرابي وبين المحنة خمسة وعشرون يومًا.
| المحنة - رواية المقدسي|