كناشة | محمد برّى علي

باسمِ الله.

هذا نظمُ (التَّحبيب) المسمى (تحبيبُ الصِّغَار للنبيِّ المختار)، يقع في أربَعِين بيتاً، قصدتُ منه: إظهارَ الحبُّ النَّبويِّ للنَّاشئة، ومُعاملتِه لهم.
وشرحُ ذلك لهم سببٌ لزِيادَةِ محبَّةِ هذا النَّبي الكريم -بإذن الله-، نفعني الله والمسلمينَ به.

تقييداتٌ وخواطِر [١]

أ- تقييد:

الدلالةُ لا بِشرطِ الإيصالِ هِدايَةُ دَلالَة، وبِه إرشاد، وفي الأوَّل حصَر مدلولَ (الهِدايةُ) الأشعريَّة في المشهُور عنهم، ونُقض بـ(إنك لا تهدِي من أحببتَ)، وفي الثاني المُعتزلة، ونُقض بـ(وأما ثمودُ فهَديناهُم).

ب- تقييد:

قولُ صاحِب الهَمزِيَّة: (ومِن شِدَّةِ الظُّهور الخفاءُ)، بليغٌ؛ فإنَّ الأمر كلما اشتدَّ جَلاءً وظهورا ازداد خفاءً واستتاراً؛ ولذا ذهب كثيرٌ من النُظار إلى ترك تعريفِ الجليَّات كالعلمِ، والعقلِ، ونحوهما؛ لأنَّ التعريفَ للتوضيح، وتوضيح الواضِح لا يزيدُه إلا خفاءً وتعقيداً.
وقد عكس السَّكندرِي العبارة في معرض حديثه عن ذات الله -تعالى-، فقال ما معناه: (ومن خفائه شِدَّةُ ظُهورِه)، فالله -تعالى- أخفى عنا ذاته في هذا الكون، ولكنَّه -بآياته- أشدُّ ظُهوراً من كل الجليَّات؛ ولهذا جعل أهل السنَّة معرفة الله: فِطريَّةً، وجعلوا الاستدلال لها مما قد يزيد في ذهن المتلقي خَفاءً.

ج- تقييد:

(وسُنَّ لقويٍ أذن له إمامٌ مبارزَةٌ)
هذا النصُّ من منهج الطلاب، ينبه على حكم مخالطَة أهل البدع، ومناظرتِهم، والتعرض لشبههم المكتوبة والمسموعة.
وطريق التنبيه: الأولوية.
وقد أشار لهذا المعنى بعبارات لطيفة أخاذة الغزالي في الإحياء فقال: (ومنع المبتدئ عن الشُّبه يُضاهي منعَ الحديثِ العهدِ بالإسلام عن مخالطة الكفار، وندب القوي إلى النظر في الاختلافات يضاهي حثَّ القويِّ على مخالطة الكفار، ولذلك يُمنع العاجزُ عن التهجُّم على صف الكفار، ويُندب الشجاع له).

د- تقييد:

واقعتان بهما اعتبار:
لقِيت قبل أيامٍ طالباً يحفظ ١٨ عشر كتاباً من كتب الحديث، هي: الصحيحان، والسنن الأربعة، وبقية الصحاح، والمعاجم، والمسانيد، كمسند أحمد.
وصليتُ قبل ليالٍ خلف شيخٍ عُمره دون المئةِ بقليل، أعمى، حريصٍ على أن يؤم بالناس، ويصلي واقفاً في صلاتِه، مع اشتغاله بأمور علمية أخرى، وحرصه على إفادة الطلاب، فاحرصوا على الخيرِ رعاكم الله.

هـ- تقييد

من القواعد السُّلوكيَّة:
١- أصل الورع مبني على الأوهام، كما قال عز الدين بن عبد السلام.
٢- اللهُ يُطلَب على قدرِ العظمَة (عظمتِه) لا على قدرِ الحاجَة.
٣- الغزالي: (المستمع ينزل كل ما يسمعه على ما يستولي على قلبه) الإحياء.
٤- المجاهدة مفتاح الهداية (الإحياء).
٥- لا يكفي في كون الشخص مطيعاً كون فعله من جنس الطاعات، ما لم يُراع فيه الوقت والشرط والترتيب). الإحياء، ومثَّله بمن توجه عليه ردُّ وديعة في الحال، فأحرم بصلاة، فإنه يعصي.
٦- (مهما توزَّعت الفكرة.. قصُرت عن درك الحقائق) الإحياء.

المُوفَّق من حفِظَها، ووعَاها، وشرع مِن يومِه هذا في وضعِ خطَّة إنجازِها -كلّها- في حياتِه، ثم هو أحدُ رجلين:
- واصلٌ، فأنعِم به.
- ومُنتَهٍ أجلُه دونَها، أو دُون بعضِها، فله أجرُ العَزمِ، والنِّيَّة، واللهُ يُعطي بهما ما يفُوق الوصف.

قد يُوحِشُ اللَّفظُ وكُلُّهُ وُدْ
ويُكرَهُ الشَّيءُ وليس منهُ بُدْ

بديعُ الزمان الهمذاني.

أفادَ عددٌ من الأفاضِل أنَّ (الفُصول البديعَة في أصول الشريعَة) لمحمود أفندِي، مُختصَرُ جمع الجوامِع للتاجِ، والصَّحيحُ أنَّ الفُصُول أوسَعُ من الجمعِ، فهو كالتقريبِ لعِبارتِه، مع التنكيت من شرحِ المحلِّي، ويدُلُّ عليه استخدامُه للفظ (التلخيص) وهو التبيينُ والتقريب، كما في اللِّسان، ويطلق أيضاً على الاختصار، لكنَّ المراد هنا الأول لما عرَفت.

تفسير الإمام ناصر الدين البيضاوي (ت: ٦٩١هـ) -رحمه الله- (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) ظلّ زمنًا طويلًا رهين طبعات رديئة، ثم ظهر محقَّقًا في ثلاث طبعات متتالية الصدور، وهي على حسب ترتيب ظهورها:
١- طبعة دار اللباب، في خمسة أجزاء بتحقيق وتعليق: ماهر أديب حَبُّوش، ومحمد خَلُّوف العبد الله، ومحمد عبد الحليم بَعّاج.

٢- طبعة مؤسسة الرسالة في خمسة أجزاء، بتحقيق: فادي المغربي.
ومعه: "الإتحاف بتمييز ما تبع فيه البيضاوي صاحب الكشّاف" لشمس الدين محمد بن يوسف الصالحي (ت: ٩٤٢هـ).

٣- طبعة مركز تفسير، في سبعة أجزاء، بتحقيق: مركز علم لإحياء التراث، وإشراف ومراجعة: أ.د. عبد الرحمن الشهري، و د. عبد الرحمن بن حسن قائد.
وفيها مقدمة بعنوان: المآخذ العقدية على تفسير البيضاوي.

ويرى أ.د. عبد الرحمن الشهري في مقدمته لطبعة مركز تفسير أن هذه الطبعة انتقت عيون حواشي تفسير البيضاوي لتكون مغنية عن مطالعتها.
وقد لا يبدو ذلك واضحًا لقارئ الكتاب، وقد صرّح المحققون للكتاب بأنه لا تغني حاشية من حواشي البيضاوي عن حاشية أخرى عند التحقيق، وأن في بعض الحواشي من الفوائد ما ليس في غيرها. (انظر: ١/ ١٧٥).
فلا يستقيم مع ذلك أن تكون حاشية مركز تفسير مغنية عن مطالعة حواشي الكتاب، والله أعلم.

https://t.me/DHalshamrani

منظومة (بداية الطلاب في الفقه على مذهب الإمام الشافعي).

قراءة الفاضل: عبد الرحمن علي ديرشى -نفع الله به-.

لمن شارك معنا مجلس الليلة، هذا ما يتعلق بنظم بداية الطلاب:

الليلة.

عبر هذا الرابط: https://t.me/AsfarAcademy

من التصانيف الجديدة القديمة:
جمع الأركان والشروط والموانع والمبطلات على أحد المذاهب.
واشتهر عندنا فيه كتاب: (الياقوت النفيس) للعلامة الشاطري.
ومن جديد ما صُنف فيه كتاب (لباب الفقه على مذهب الإمام أحمد) للشيخ عبد الله المزروع.
وقد يظن البعض أن التصنيف في هذا الباب جديد عصري، والواقع أن التأليف فيه قديم جدا، ومن أشهر الكتب المصنفة فيه (لباب اللباب في بيان ما تضمنته أبواب الكتاب من الأركان والشروط والموانع والأسباب) للقاضي ابن راشد البكري القفصي (ت 736).
وقد أفردت قبله مصنفات كثيرة أيضا؛ وكانوا يسمون هذا الضرب من التصنيف بكتب (الخصال). ومن أشهر المصنفات فيه: (الخصال) لابن كاس، و(الخصال) لابن زرب، و(الخصال الصغير) لابن الصواف، وغيرهم.
وأول من أفرد هذا النوع بالتصنيف هو الإمام الرباني محمد بن الحسن الشيباني في كتابه (الخصال)؛ وكان يُظن أن كتابه مفقود. لكن منَّ الله علي بنسخة فريدة له وحققته عليها منذ سنوات، ولعل الله ييسر طباعته قريبا.

راجعتُ كتابَ الأحمري الجديد (التزلف بالتسلُّف)؛ لغرضٍ، فكان هذا العرض الغريب أول ما وقفت عليه منه، الرَّجل هنا مع غفلتِه الظاهرة عن ثبوت هذه السنَّة التي يستنكرُها عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلَّم، وتدوينها في أكثر كتب الحديث والفقه.. يذهب إلى أبعد من ذلك فيحفرُ أخادِيدَ قلبِ الرَّجل ليستخرِج منها هذا المعنى الَّذي يريد أن يستنبط منها حالةً وظاهرةً تدلُّ على ما سماه الابتسار!

لا أريد أن أصِل إلى تقييمٍ ما للكتاب من خلال هذا الأمر، ولكنه تنبيه على عدم الاغترار بالأسماء الرنَّانة دون فحص وتمحيص.

•|| دعاء الجويني تـ438هـ .

[ اللهم لا تعقنا عن العلم بعائق ، ولا تمنعنا عنه بمانع ] .

•قلت :
ذكر إمام الحرمين الجويني تـ478هـ -كما في [ طبقات الشافعية الكبرى ] ( 5 / 75 )- عن والده الإمام عبد الله الجويني تـ438هـ أنه كان يدعوا به في قنوت الصبح -دائما- .

وكان جمعٌ من أئمة الشافعية يدعوا به في القنوت كـ أبي حامد الإسفراييني تـ604هـ ، وأبي القاسم إسماعيل بن أحمد السياري تـ478هـ .

فـ الطالب المفتقر لـ مرقاة النجاة ، الساعي في فكاك نفسه -قبل دخول رمسه- يتنزه عن مماشاة البطالين ، ومجالسة العاطلين ، والأنس بالغافلين ، من شيوخ القمراء ، وندماء الخضراء ، ويعتاد -في كل أمره- إظهار الحاجة إلى سيده ومولاه ، والرغبة بتوفيقه وعطاياه ؛ فما جاء ولا راح لولاه .
وإلا أخذته كلاليب الموانع ، وأضلته غياهب المراتع ، وهزته أراجيف المحن القواطع ، وأقحم -وايم الله- مزالق المصارع !

ومن لطيف النصائح :
ما أورده الرافعي تـ623هـ في [ التدوين في أخبار قزوين ] ( 3 / 348 ) عن شيخ أشياخه : القاضي علي بن الحسن المحكمي الأسدآبادي تـ470هـ شكايته لـ أبي القاسم القشيري تـ465هـ الانقطاع عن تحصيل العلوم والنظر في الرسوم ، فقال :
[ كنتُ أتفقه بنيسابور فعرض لي عارض منعني من التفقه والتعلم، فذكرته للأستاذ أبي القاسم القشيري رحمه الله تعالى، فقال لي: "ادع الله بهذا الدعاء: اللهم لا تعِقْنا عن العلم بعائق، ولا تمنعنا بمانع، واختم لنا بخير، واجعل عواقب أمورنا كلها إلى خير، واكفنا هموم الدنيا وأحزان الآخرة" ] .

لطيفة :
ذكر أبو إسحاق إبراهيم الصريفيني الحنبلي تـ641هـ في [ المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور ] ( 156 ) في ترجمة : إسماعيل بن أحمد السياري تـ478هـ -المتقدم ذكره- كان من أصحاب عبد الله الجويني تـ438هـ .
وكان يقلده في هذا الدعاء على ما ذكره التاج السبكي تـ771هـ في [ طبقات الشافعية الكبرى ] ( 5 / 75 ) فأنكر عليه إمام الحرمين الجويني تـ478هـ ، فقال : [ يوما اقتدى بوالدي في صلاة الصبح ، وقد سبق بركعة ؛ فلما قضاها ، قال في دعاء القنوت هذا الدعاء ، فقلت له : لا تقل هذا في دعاء القنوت ، فقال : أنت تخرج على كل أحد حتى على أبيك ] .
قال التاج السبكي تـ771هـ : [ قلت : كان إمام الحرمين يرى أن الاعتدال ركن قصير فلا يزاد فيه على المأثور ؛ لأنه يطول به ] .
ثم حكى خلاف الأصحاب في المسألة ، واستغرب اختيار الجويني تـ478هـ ، فقال : [ بل بالغ الإمام أي إمام الحرمين ، فقال : في قلبي من الطمأنينة في الاعتدال شيء ، وأشار غيره إلى تردد فيها ، والمعروف الصواب وجوبها ] .

واعتمد السبكي تـ771هـ عبارة [ الروضة ] ( 1 / 252 ) لـ النووي تـ676هـ .
وقول إمام الحرمين تـ478هـ تراه في [ نهاية المطلب ] ( 2 / 161 ) .
وتعقبه الحافظ ابن حجر العسقلاني تـ852هـ في [ التلخيص الحبير ] ( 2 / 733 ) واعتبرها من : [ المواضع العجيبة التي تقضي على هذا الإمام بأنه كان قليل المراجعة لكتب الحديث المشهورة فضلا عن غيرها ] .

إيقاظ :
وقول السياري تـ478هـ لـ إمام الحرمين تـ478هـ : [ أنت تخرج على كل أحد حتى على أبيك ] يأتي -لاحقا- بيان ما يتعلق به في مقالة أخرى ضمن (أئمة ردوا على آبائهم) .



محمود أبو حيان
————
•كناشة المنهوم المستهام
https://t.me/abo7eean

•رفادة الإفادة.
https://t.me/retadat

https://youtu.be/59ixm2-9bGg

حُفاظ الشَّريعة- أوَّل الغيثِ قطرة، وسينتهي هؤلاء وغيرهم من طلاب البرنامج من حفظ (عمدة الأحكام) قريباً إن شاء الله.

عظم اعتناءُ متأخري شافعية مصر بمنهج الطلابِ وشرحه، وأكثروا عليه من الحواشي، بعضها كتبه المُحشّي بنفسه، وبعضها جُرّد من خطه على نسخته.

فعليه حواشٍ لعَميرة وابن قاسم العباديّ والزياديّ والحلبي والشوبري وعبد البر الأجهوريّ والمزاحيّ والشبراملسيّ والعناني والبرماويّ والإطفيحي وعيسى البراويّ ومصطفى العزيزيّ وإسماعيل البلبيسي وعطية الأجهوري والجمل والبجيرميّ، ووضع الطلّاوي والمرصفيّ تقريرين على حاشية البجيرميّ.

ولم تكثر حواشيهم على كتابٍ فقهيّ لشيخ الإسلام زكريّا الأنصاريّ - رحمه الله - كما كثرت على شرح منهج الطلاب، وقرئ على المشايخ، وكان بعضُ المشايخ يدوّن على هامش نسخته عدد الدروس وسنة الإقراء.

ورأيتُ في نسخة لفتح الوهاب عليها قيدُ تملّك للجوهري الصغير، والظاهر أنه خطه، أنّ عدد دروس الكتاب في إحدى مرّات إقرائه ثلاثمائة وأربعون درسًا: خطبة الكتاب في ثلاث، وربع العبادات في خمسة وثمانين درسًا، وربع المعاملات في تسعة وسبعين درسًا، وربع الأنكحة وما يتبعها في خمسة وثمانين درسًا، وربع الجنايات في ثمانية وثمانين درسًا، وكانت مدة دراسته سنتين، وفيها إثبات إقرائه في مائة وسبعين درسًا.

وفي ترجمة الشيخ سلطان المزّاحيّ أنه كان يختم المنهج مع شرحه في ثمانية أشهرٍ، وكان رحمه الله يختم عشرة كتب في علوم مختلفة كلّ سنة، ويقول: من أراد أن يصير عالمًا فليحضر درسي.

وكان الشيخ محمد التلباني يختم المنهج كلّ سنة، وقد تلقاه الشيخ محمد بن سلامة الفارسكوري الدّمياطيّ عنه تسع مرّات في تسع سنين.

أجزل الله مثوبتهم، وجزاهم الله عنّا خير الجزاء.