كُنّاشَة أبي عمر المالكي

من حماسة أبي تمام

#هو_أَوْلى_بك

قال ربنا: (النبي أَوْلى بالمؤمنين من أنفسهم)

قال أهل التفسير: '' ما أنْفَذَه فيهم من أمر فهو ماض عليهم كما يمضي حكم السيد على عبده.''

وكان ذلك لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك، وهو-صلى الله عليه وسلم-يدعوهم للنجاة.
ويؤيد هذا المعنى ويعضده =الحديث المخرج في الصحيحين عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله: (مَثَلِي ومَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أوْقَدَ نارًا، فَجَعَلَ الجَنادِبُ والْفَراشُ يَقَعْنَ فيها، وهو يَذُبُّهُنَّ عَنْها، وأنا آخِذٌ بحُجَزِكُمْ عَنِ النّارِ، وأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِن يَدِي.)

#صلوات_ربي_وسلامه_عليه

#الجناب_النبوي!

"اعلَم وفَّقنَا اللّٰه وإياكَ أنَّ جميعَ مَن سبَّ النبيَّ صَلى اللّٰه عَليهِ وسلَّم أو عابهُ أو ألْحقَ بهِ نقصًا فِي نفسِه أو نَسبِه أو دِينهِ أو خصلَةٍ من خِصالهِ أو عرَّض بهِ شُبهةً بشيءٍ علَى طريقِ السبِّ لهُ والإزدرَاء عليهِ أو التَّصغير لشأنهِ أو الغضِّ منهُ والعيبِ لهُ= فهوَ سابٌّ لهُ والحُكم فيهِ حكمُ السابِّ يُقتلُ... وهذَا كلُّه إجماعٌ من العُلماءِ وأئمَّة الفَتوى من لدُن الصَّحابةِ رِضوانُ اللّه عليهِم إلى لهُم جرَّا، قالَ أبو بكرٍ بنُ المُنذر أجمعَ عوامُّ أهل العِلم على أنَّ من سبَّ النبيَّ صَلى اللّٰه عَليهِ وسلَّم يُقتلُ ومِمن قَال بذلكَ مالكُ بن أنسٍ والليثُ وأحمدُ وإسحاقُ وهوَ مذهبُ الشَّافعي".

•| كِتاب الشِّفا بتَعريف حقوقِ المصطفى | القَاضي عيَاض السَّبتي المَغربي | صـ 541.

يا ابن أخي، خذ مني مقالة تنبئك عن آبائك:

مما فاقت به أمة العرب غيرها من كل الأمم= أنها الأقدر إعرابا عن مرادها، والأبلغ قولا عن مكنوناتها، فلم تجارِها أمة قط في قوة اللسان، ولا عظيم البيان، فكان لسانها نادرا، وبيانها ساحرا.
ثم إن النفس البشرية لو رأت الإنسان الجامع لكل صفات النقص خِلقة فاسترذلته ثم تكلم فجلّى عن مدفون النفس بلاغةً وبيانا=لاستعظمته، فكأن سحر اللسان قد أعمى بصيرة الرائي عن شَين الأركان!
وقد بلغتنا رواية الأصمعي عن عبد الملك بن عمير أنه قال:
"قدم علينا الأحنف بن قيس التميمي الكوفة مع مصعب، فما رأيت صفة تُذَمُّ إلا رأيتها فيه؛ كان:
١-ضئيلاً
٢-صعل الرأس (يعني صغير الرأس)
٣- متراكب الأسنان
٤- مائل الذقن
٥-ناتئ الوجنة
٦- باحق العين (يعني أعور العين)
٧-خفيف العارضين
٨- أحنف الرجلين (يعني اعوجت قدمه للداخل)

فكان إذا تكلم جلّى عن نفسه".

وقد بلغنا استحقار النعمان بن المنذر لضمرة بن ضمرة لمّا رأى خِلقته، فتمثل له قول العرب: تسمع بالمعيد خير من أن تراه.
فكان مما قال له ضمرة:
" إنّ الرجال لا تُكال بالقُفزان ولا تُوزن بالميزان، وليست بمُسوكٍ يستقى فيها، بل إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا قال قال بلسان، وإذا صال صال بِجَنان".
فاستعظمه النعمان لما سمع لسانه فقال: أنت أنت.
وتحت هذا الضمير المكرر ما تحته من خفايا المدح البليغ!

وغير ذاك من أخبار العرب في هذا الباب شيء كثير تتعب دونه الأنامل، وإنما المراد أن تعلم عظمة لسانك إن سلكت به مهيع آبائك، فتصرف لذلك همتك، وتقدر لغتك قدرها وتنأى بها عما يشينها.
ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون...

قصَدَ القاضيَ أبا يعلى الحنبلي شافعيٌّ لِيقرأَ عليه مذهبَ أحمدَ، فقال: إن أهلَ بلدِك كلَّهم يقرؤون مذهبَ الشافعي، فلماذا عدلْتَ أنت عنه إلى مذهبنا؟! فقال: إنما عدلتُ عن المذهب رغبةً فيك. فقال له: إن هذا لا يَصلحُ؛ فإنك إذا كنتَ في بلدك على مذهب أحمد وباقي أهل البلد على مذهب الشافعي لم تجد أحدًا يُعيد معك ولا يدارسك، وكنتَ خليقًا أن تثير خصومةً وتُوقعَ نزاعًا؛ بل كونك على مذهب الشافعي حيث أهل بلدك على مذهبه أولى، ودَلَّه على الشيخ أبي إسحاق وذهب به.

" وانظر لما قال، ولا تنظر لمن قال، تنل درجة الكمال، والحمد لله على كل حال".

كلمة رشيقة سديدة، تصلح أصلا في كافة العلوم، ختمها عليش المالكي في تقريراته على حاشية الدسوقي على شرح الدردير على خليل، قالها بعد استدراك على الدردير في تفسيره قاعدةً لخليل في ترتيب الفوائت وافقه المحشي على سهوه فيها.

قلت: وأصل ما قاله عليش المالكي ما روي عن المعصوم صلوات ربي وسلامه عليه: " الحكمة ضالة المؤمن، حيثما وجدها فهو أحق بها".
ثم انظر كم يردّ الناس اليوم من الحق، لا لجهلهم في كثير الأحيان، وإنما لنظرهم في القائل لا المقول, ومن كانت حاله كذلك فإن نبوغه في العلم بعيد المنال، شديد المحال، والله الموفق على كل حال!

#أتشكر_أم_تكفر؟
لقد أوتي الواحد من الأنبياء-عليهم السلام- ما لم يؤته أحد من بقية البشر، ومع ذلك ما كان نبيّ أن ينسب الفضل لنفسه، حاشاهم، بل ينسبونه لصاحب الفضل، لله الملك الواحد القهّار، فذاك سليمان عليه السلام، قد أوتي علما وعُلِّم منطق الطير وحُشر له جنوده من الجن والإنس والطير، حتى حُمِل له عرشُ ملكة سبأ من اليمن إلى الشام في قدر ارتداد الطرف، فما كان منه أن يقول إلا كما أخبر الله جل ثناؤه: (قال هذا من فضل ربي ليبلوَني أأشكر أم أكفر، ومن شكر فإنما يشكرُ لنفسه، ومن كفر فإن ربي غنيّ كريم).

وقد قال إمام المفسرين أبو جعفر بن جرير الطبري مفسِّرا ذلك:
"يقول: هذا البصر والتمكن والملك والسلطان الذي أنا فيه حتى حمل إليّ عرش هذه في قدر ارتداد الطرف من مأرب إلى الشام= من فضل ربي الذي أفضله عليّ وعطائه الذي جاد به علي، ليبلوني، يقول: ليختبرني ويمتحنني، أأشكر ذلك من فعله عليّ، أم أكفر نعمته عليّ بترك الشكر له".

فما عساك تقول أنت؟!

أول خطوة لنصرة أخيك أن تكفر بالحدود التي رسمها المستعمر، وتؤمن أن الولاء والبراء للمسلم من حيث كونه مسلما، لا من حيث كونه ينتمي لحدود رسمها عدوك وجعلك تردد كذبتها حتى صدقتها وآمنت بها وواليت وعاديت عليها، فإذا لم يبلغ وعيك إلى هنا وهنا أضعف الإيمان والله= فاعلم أنك استدبرت القبلة وتحسب أنك على شيء وما أنت على شيء!

إذا فُقدت التأمل= فقد فقدت الوجود!
إذا لم تتدبر ما حولك، فبالله ما صنعتك؟ فبالله إلى أين ترمي نفسك؟ إذا مر أمامك جلاجل الأمور وعظامها، وقرأت من الكلمات والنفائس أعبرها، ورمتك الدنيا بأدوائها، ثم لم تقف لشيء من ذلك وقفة تأمل وتفكر= فأنت الميت لا أهل القبور، وأنت العاري ولو كستك الدثور، وأنت الصفر ولو جمعت ما جمعت من الندور!

السعي-وإني لا أحدثك عن سعي في بناء دنياك وجمع حطامها وفتاتها فمثلك لا أخاطب-أقول إن ذاك السعي هو قيمتك إن كنت ذا مبدأ لا يتزحزح، وهمّ راسخ لا يتأرجح، فإن أدركك الموت وأنت ساع، فإن سعيك سوف يرى، ثم تُجزاه الجزاء الأوفى، فليس للإنسان إلا ما سعى، أخبر بذلك الله جل وعلا، وإن الجبال من الحصى، والبحار من الندى، وقليل دائم خير من كثير منقطع، ومن صبر ظفر!

#الزواج
لا ينقضي عجبي من قوم أبعدوا النكاح عن مفهوم قول النبي-صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثة حقٌّ على الله عونهم) وذكر منهم: (الناكحُ يبتغي العفاف). بل إن منطوق القرآن الحكيم مصرّح بأن الله-جل ثناؤه-قد وعد المتزوجين أن يغنيهم من فضله بعد أن أمر بتزويج العزاب، فقال: (وأنكِحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم، إن يكونوا فقراء يُغنِهم الله من فضله، والله واسع عليم). والأيامى: العزاب.

ولقد تعجب الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-ممن يبتغي رزقا في غير النكاح، فبلغنا قولُه: "عجبتُ لمن لم يلتمس الغنى في النكاح". ثم تلا الآية: (إن يكونوا فقراء يُغنِهم الله من فضله).
وقد بلغنا قولُ الصدِّيق أبي بكر رضي الله عنه: "أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح= يفِ لكم ما وعدكم من الغِنى". ثم تلا الآية: (إن يكونوا فقراء يُغنِهم الله من فضله).
وقد بلغنا قولُ حَبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما: "أمر الله سبحانه بالنكاح، ورغَّبهم فيه، وأمرهم أن يزوّجوا أحرارهم وعبيدهم، ووعدهم في ذلك الغنى". ثم تلا الآية: (إن يكونوا فقراء يُغنِهم الله من فضله).
والآثار الواردة في هذا الباب أكثر من أن تُحصى!
فدع عنك تلك الشِنشنة، ولا تجعل يقينك بكلام الناس أعظم من يقينك بوعد الله، ومن أصدق من الله حديثا!

وإننا ما زلنا نرى إخوة قد فقهوا هذه المعاني وأدركوا عظيم هذه المباني، فنبذوا وراء ظهورهم ما كان للناس من أماني، وأقبلوا على وعد الله يتراءى لهم كما تتراءى الشمس في كبد السماء، لا يخالجهم في ذلك مرية، فصدقهم الله وعده، لصدق نياتهم، فتكاثرت عليهم البركات والمسرات والأرزاق من حيث لا يحتسبون، وعدَ الله حقا ومن أصدق من الله قيلا.
ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون...

نصائح للرؤية الشرعية:

١. أنصح بطلب أكثر من جلسة.

٢. لابد من الحد الأدنى من القبول الشكل عند الطرفين ( بعض البنات تتنازل هنا حتى لو كرهت شكله وهذا خطير).

٣. لا تكثر من الأسئلة المباشرة.

٤. الخجل طبيعي في اللقاءات الأولى.

٥. سلاسة الكلام مع الجلسة الثالثة علامة صحية للإكمال.

٦. إذا تم الإتفاق أنصح بفترة أقلها ثلاثة شهور قبل كتب الكتاب تحت إشراف الأهل ودون خروج طبعاً.

٧. كلما كان تعامل الشخص مع أهله جيداً كان تعامله مع زوجته جيداً في المجمل.

٨. عدم الصلاة قادح في الإكمال.

٩. العمل الربوي قادح أيضاً.

١٠. حتى وإن تم الاتفاق ليكثر الطرفين من الدعاء؛ فهذا طريق عظيم للتيسير.
-عمار سليمان-

المبالغة تُشوِّش الحقائقَ وتُبلبِلُها؛ لأن من سجايا البشر مزْجَ الخيال بالحقيقة عن طريق الميل إلى الاستزدادة في الكلام فيما يُلتذُّ به، والانجذابِ إلى المبالغة فيما يُحكى.
وبهذه السجية يكون الإحسان كالإفساد، ومن حيث لا يُعلَم يَتولَّدُ النقصان من الزيادة، ويَنجُم الفساد من حيث يُظَنُّ الإصلاح، ويَنشأ الذمُّ من المدح، ويَتولَّد القُبح من حيث يُراد الحُسن.
وذلك كله بسبب عدم المعرفة بالحُسن الذي ينبغي أن يكون ناشئا من الاعتدال والتوازن.
.
.
.
- الأستاذ الحكيم بديع الزمان سعيد النُّورْسي-

إنك لا تعرف الناس ما كانوا في عافية، فإذا نزل بلاء صار الناس إلى حقائقهم، صار المؤمن إلى إيمانه
والمنافق إلى نفاقه!
.
.
.
-الحسن البصري-

وقاتل قطز قتالاً عجيباً، ثم صوب أحد التتار سهمه نحو قطز فأخطأه ولكنه أصاب الفرس فمات، فترجل السلطان وظل يقاتل على الأرض وقاتل ماشياً لا خيل له وما تردد لحظة وما نكص على عقبيه وما حرص على حياته، ورآه أحد الأمراء وهو يقاتل ماشياً فجاء إليه مسرعاً، وتنازل له عن فرسه إلا أن قطز رفض ذلك، وقال: ما كانت لأحرم المسلمين نفعك! وظل رحمه الله يقاتل ماشياً إلى أن أتوه بفرس من الخيول الاحتياطية، وقد لامه بعض الأمراء على ذلك، وقالوا له: لمَ لم تركب فرس فلان؟ فلو أن بعض الأعداء رآك لقتلك وهلك الإسلام بسببك. قال السلطان رحمه الله: "أمَّا أنا فكنت أروح إلى الجنة، وأما الإسلام فله ربٌّ لا يضيعه، قد قُتل فلان وفلان وفلان، حتى عدَّ خلقًا من الملوك، فأقام الله للإسلام مَن يحفظه غيرهم، ولن يضيع الإسلام".

ابن كثير: البداية والنهاية 13/261.

أظن أن لو قيل لروائي: اصطنع مشهدا لاستشهاد أبي إبراهيم، لعجز عن إخراجه هكذا.. بسيطا ساذجا، حافلا بالتفاصيل معًا!!

المشهد بسيط غير معقد، ساذج غير مُثَقَّل، وهو مع ذلك بسيط.. ثوانٍ معدودة، وأربعة صور لا غير!! ثم هو مع ذلك حافل بالمعاني زاخر بالتفاصيل!!

. مقاتل يقاتل فوق ظهر الأرض، بنفسه!
. أشعث أغبر باذل كل جهده، كما يحب ربنا ويرضى
. وحيد بعد تفرق صحبه، أو هلاكهم معه أو دونه!
. صامد صلب حتى اللحظة الأخيرة! لم يجد إلا العصا فقذف بها يقاتل!
. ملثم حَرَمَ العدو أن يتعرف عليه لئلا يُعتقل فتكون مذلة ومهانة!
. جريح ينزف، لكنه ربط ذراعه الجريح بفمه ويده الأخرى، بحبل ليحول دون استمرار النزيف!
. لا هو في نفق (وليس عيبا لو كان) ولا متدرعا بالأسرى (وليس عيبا لو فعل)
. يصطحب عدته في القتال: سلاح.. ومعها عدته الروحية: كتاب في الأدعية، ورقة في الأذكار، مسبحته.. وحبَّاتٌ يستعملها الناس لتعطير الفم، فلا تدري أكانت له لذلك الغرض فتكون دليلا على نظافة وطيب، أم كانت له غذاء ضعيفا لم يجد سواه، إذ هو مقاتل محاصر؟!

ثم خذ مع هذا أيضا:

. مزيد فضح للعدو المجرم الذي يضرب بقذيفة الدبابة مقاتلا جريحا ليس بيده إلا العصا!
. مزيد فضح للعدو الجبان الذي يتخوف من مقاتل واحد فيرسل بطائرة مسيرة تستكشف شأنه!
. مزيد فضح للعدو المرعوب الذي قضى يوما قبل أن يجرؤ على اقتحام المنزل المتهدم فوق المقاتل الوحيد الذي فرغت جعبته!

ثم تذكر:

. كل هذا لم يسع هو في تصويره ولا في بثِّه، إنما تكفل العدو له بهذا.. ترى هل كانت له مناقب أخرى حجبها العدو وكتمها؟!

ألا صدق القائل: علوٌّ في الحياة وفي الممات .. لَحَقٌّ أنت إحدى المعجزات

وصدق القائل: فتىً مات بين الضرب والطعن ميتةً .. تقوم مقام النصر إن فاته النصرُ

وصدق القائل:
دعتهم ثغور العز من كل موطن .. فطاروا سراعا ما لهم دونها صبر
أبوا أن يعيشوا كالعبيد بعالَمٍ .. تحكّم فيه الظلم واستحكم الكفر
فليست تطيق الكفر نفس أبيه .. ولا يقبل الإذلال في دينه حرّ
ففي الأرض منأى للكريم عن الأذى .. وفي الموت منأى عنه إن لزم الأمر
وكم من غريب في بلاد غريبة .. وفي الملأ الأعلى له الشأن والذكر
-إلهامي-

"وثبت يوم اليرموك يزيد بن أبي سفيان، وقاتل قتالا شديدا، وذلك أن أباه -أبا سفيان- مر به فقال له: يا بني، عليك بتقوى الله والصبر؛ فإنه ليس رجل بهذا الوادي من المسلمين إلا محفوفا بالقتال، فكيف بك وبأشباهك الذين ولوا أمور المسلمين؟ أولئك أحق الناس بالصبر والنصيحة، فاتق الله يا بني، ولا يكونن أحد من أصحابك بأرغب في الأجر والصبر في الحرب، ولا أجرأ على عدو الإسلام منك. فقال: أفعل إن شاء الله. فقاتل يومئذ قتالا شديدا، وكان من ناحية القلب رضي الله عنه".
.
.
-البداية والنهاية-

عن مالك: أنه بلغه عن أهل العلم، أنهم كانوا يقولون: الشهداء في سبيل الله لا يغسلون، ولا يصلى على أحد منهم، وإنهم يدفنون في الثياب التي قتلوا فيها.
قال مالك: وتلك السنة فيمن قتل في المعترك، فلم يدرك حتى مات. قال: وأما من حمل منهم فعاش ما شاء الله بعد ذلك، فإنه يغسل ويصلى عليه، كما عمل بعمر بن الخطاب. (الموطأ)

الخور والضعف والوهن والجبن وبُنيّاتها مما في باب الخوف وحب الدنيا، كل ذلك صار ينادى به في أمة الإسلام تحت كلمة "حفظ الدماء من مقاصد الشريعة"،
فالخائر يريد الخلق كلهم مثله، يجزي من ظلم أهل الظلم =مغفرة، ومن إساءة أهل السوء =إحسانا، كأن ربك لم يخلق لخشيته سواه!
وليت الجبان عريض القفا ارعوى ههنا لقلنا أنوك جاهل لو بذل عمره لما فقه أن هناك مقامات تحفظ فيها الدماء، وهناك مقاما تبذل له الدماء، بل سلط لسانه على أضداد ذلك، فأمست المعرة كل المعرة أن تكون شجاعا، جلدا، قويا، باذلا، مضحيا، حاملا اللواء، قاهرا الأعداء، كل ذلك وأخواتها مما في باب ذروة سنام الإسلام= صار معرة، وأي معرة، ولكن المؤمن الحر لا يرى إلا أوداج العدو مغنما، يصدق فيه قول ذاك:
قوم إذا الشرّ أبدى ناجذيه لهم*** طاروا إليه زرافات ووحدانا

وقول ذاك:
فوارس لا يملون المنايا***إذا دارت رحى الحرب الزبون
ولا تبلى بسالتهم وإن هم***صلوا بالحرب حينا بعد حين

«باب من الحُب»

قال أنس رضي الله عنه: «أول حب كان في الإسلام حب النبي ﷺ لعائشة رضي الله تعالى عنها».

وكانت رضي الله عنها تعلم هذا من النبي صلى الله عليه وسلم، فتستوثق من ذلك؛ فعن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: قلت: يا رسول الله: كيف حبك لي؟
قال: «كعُقْدة الحبل».
فكنت أقول: كيف العقدة يا رسول الله؟
قال: فيقول: «هي على حالها».

وكان صلى الله عليه وسلم يجهر بهذا، ويشيعه، فحين سأله عمرو بن العاص عن أحب الناس إليه؛ لما رأى من حسن خلقه صلى الله عليه وسلم في الإقبال عليه: من أحب الناس إليك؟
قال: عائشة.

وقد ذهبت فاطمة عليها السلام مرة تذكر عائشة عند رسول الله ﷺ فقال: «يا بُنيةُ، حبيبةُ أبيك».

وقد كانت زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمن ذلك ويدرينه، فأذنّ له أن يُمرَّض في بيتها لما لحق صلى الله عليه وسلم بربه.

ولما سمعت أم سلمة الصَّرخة على عائشة رضي الله عنها أرسلت جاريتها تعلم الخبر، فقالت لها: قد قضت.
فقالت أم سلمة: «يرحمها الله؛ والذي نفسي بيده؛ لقد كانت أحب الناس كلهم إلى رسول الله ﷺ إلا أبوها».

وكان مسروق حين يحدث عنها رضي الله عنها، يقول: حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة في كتاب الله.

قال رسول الله ﷺ: «ثلاثةٌ أُقسِم عليهن، وأحدِّثُكم حديثا فاحفظوه:

• ما نَقَصَ مالُ عبدٍ مِن صدقة.
• ولا ظُلِم عبدٌ مَظلمَة فصبر عليها إلا زاده الله عِزًّا.
• ولا فَتَح عبدٌ بابَ مَسألة إلا فَتَح الله عليه بابَ فَقر. أو كلمة نحوها.

- وأُحدِّثُكم حديثا فاحفظوه:
إنَّما الدنيا لأربعة نفر:

• عبد رزقه الله مالا وعلما، فهو يتِّقي فيه ربه، ويَصِل فيه رَحِمَه، ويَعلَم لله فيه حقا، فهذا بأفضل المنازل.

• وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا، فهو صادق النية، يقول: لو أنَّ لي مالا لَعمِلتُ بعمل فلان، فهُو بنِيَّتِه. فأجرهما سواء.

• وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما، فهو يَخبِط في ماله بغَير علم، لا يتَّقي فيه ربَّه، ولا يَصل فيه رَحِمَه، ولا يَعلم لله فيه حقا، فهذا بأخبث المنازل.

• وعبد لمْ يَرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو أنَّ لي مالا لعمِلتُ فيه بعمل فلان، فهو بنِيَّته. فوزرُهما سواء».

رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

#الكتاب_يتلى_عليهم
حفظ المسلمين كتاب الله بالسند المتصل إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-عن جبريل عن رب العزة=إعجاز قائم ليوم القيامة، بل إنها معجزة تفوق معجزات كثيرة من الأنبياء عليهم السلام؛ ووجه التفوق أن هذا القرآن الكريم منتشر في الآفاق والأزمان المختلفة والمواطن المتعددة حتى إنه لا يختص بإدراكه جماعة معينة في زمن معين على خلاف تلك المعجزات الشريفة التي اختص إدراكها بزمن معين وقوم معيّنين، وزد على ذلك أن القرآن يُتلى فيُدرك عقليا وفكريا مما يجعله أعلى من المدركات الحسية الزائلة مما يجعل إدراك إعجازه باقيا مخلدا، وكل ذلك- وأكثر مما يضيق له المقام- قد استنبطه علماؤنا من قوله جل وعلا: "أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يُتلى عليهم، إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون".

وقد سألني أخ نصراني اليوم في نقاش لطيف: كيف تثق أن هذا القرآن الذي عندكم هو نفسه الذي أنزل على نبيك؟ صلوات ربي وسلامه عليه.

فلما سقت له سندا متصلا مرورا بأكثر من أربعين رجلا إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-عن جبريل عن رب العزة =صعق الرجل، ثم قلت له: فما رأيك لو قلت لك إن ملايين المسلمين اليوم من الزمن النبوي إلى يومنا هذا=يحفظون القرآن بأسانيد متصلة إلى رسولهم عليه وعلى كل الأنبياء أفضل الصلاة والسلام؟ ثم ما رأيك أن القرآن الذي جاء به رسولنا-صلوات ربي وسلامه عليه-هو هو بحروفه وحركاته وسكناته وترتيبه محفوظ في صدور المسلمين من غير أن يزيد أحدهم حرفا أو ينقص؟فهل هذا النقل المتواتر المستفيض يمكن أن تعرِض له شبهة كذب؟
وإنك لو أوقفت مسلما يحفظ كتاب الله في القطب الشمالي المتجمد وسألته عن آية= لقرأها لك كما أقرأها لك الآن كأنك تقول أنت هو!
وإن ربي ليقول في الكتاب الذي جاء به محمد-صلى الله عليه وسلم: "أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يُتلى عليهم، إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون".
ثم فارقت الرجل وقد أُسقط في يديه ولم يتحرك منه ركن من إعجاز ما رأى، وقد تمثلت قول ربنا: "إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون".
والحمد لله رب العالمين...

{ وَیُسۡقَوۡنَ فِیهَا كَأۡسࣰا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِیلًا (١٧) عَیۡنࣰا فِیهَا تُسَمَّىٰ سَلۡسَبِیلࣰا (١٨) ۞ وَیَطُوفُ عَلَیۡهِمۡ وِلۡدَ ٰ⁠نࣱ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَیۡتَهُمۡ حَسِبۡتَهُمۡ لُؤۡلُؤࣰا مَّنثُورࣰا (١٩) وَإِذَا رَأَیۡتَ ثَمَّ رَأَیۡتَ نَعِیمࣰا وَمُلۡكࣰا كَبِیرًا (٢٠) عَـٰلِیَهُمۡ ثِیَابُ سُندُسٍ خُضۡرࣱ وَإِسۡتَبۡرَقࣱۖ وَحُلُّوۤا۟ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةࣲ وَسَقَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ شَرَابࣰا طَهُورًا (٢١) إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمۡ جَزَاۤءࣰ وَكَانَ سَعۡیُكُم مَّشۡكُورًا (٢٢) إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ تَنزِیلࣰا (٢٣) }
[سُورَةُ الإِنسَانِ: ١٧-٢٣]

العلم وحده لا يكفي، وأغلب ما ترونه من سقطات وبلايا من بعض حملة العلم، سببه أنه لم يُقرَن العلم بالإيمان، ولا العلم بالعقل، ولا العلم بالحكمة، وفي القرآن: {وقال الذين أوتوا العلم والإيمان}، { وكلاً آتيناه حكماً وعلماً} {ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً}، حكماً أي: حِكمة، قال الرازي في هذه الآيّة: إشارةٌ إلى استكمال النّفس في قوّتها العمليّة والنظريّة، والله أعلم.
-الصاعدي-

"هجران الأحمق قربة إلى الله".
.
.
.
-الحسن البصري-

قلت: وجه ذلك أن هجرانه سلامة لدينك ودنياك، لا سيما أن مدخله ومخرجه عليك شين لازم لك، وأنت مأمور أن تحفظ نفسك مما يعيب، وكما أن مخالطة العقلاء تزيد في العقل فكذلك الضد، وقد كانت الفرس إذا أرادت أن تعاقب عاقلا سجنته مع أحمق، فإنه هلاك لعقل العاقل.
واعلم أنه إذا فسد العقل فسد الدين غالبا، ولذلك جاء في أثر ضعيف معناه صحيح: "لا يعجبنكم إيمان الرجل حتى تعلموا ما عقدة عقله".

فإن قلت: فإصلاح الأحمق؟
قلنا: ممتنع أبدا؛ فإن الأحمق كالثوب البالي الخَلِق الذي اتسع خرقه على راقعه، فكلما رقعه من محل خرقه الريح من آخر. وقد سئل ابن هبيرة يوما عن حد الحمق فقال: " لا حد له".
والله المستعان وعليه التكلان...

اعلم أن الخير ليس بكثرة المال والولد، ولكن الخير أن يعظُم حلمُك، وأن ينفعك علمُك، وإن الأرض لا تعمل لأحد، اعمل كأنك ترى، واعدُدْ نفسك من الموتى.
.
.
.
جواب سيدنا سلمان الفارسي على رسالة سيدنا أبي الدرداء-رضي الله عنهما، وفيها أنه رُزق مالا وولدا ونزل الأرض المقدسة.

تصوير الحياة الزوجية المستقرة على أنها امرأة طيعة تحسن التبعل، وتتقن إدارة بيتها، ومعه مشاعر زوجها؛ يبقى منقوصا ما لم يشفع بالحديث، في المقابل، عن زوج مسؤول، قوام، رحيم، متفهم، معترف بما تبذله من جهد لأجله، غير غامط لحقها.
حصر خطاب الاستقرار والسكينة والهناء فقط في دور المرأة، وجعلها وحدها المسؤول عن هذا الاستقرار = غير مسلم به، وليس وحده ما تبنى به البيوت الآمنة، ما لم يتوجه إلى الرجل أيضا من باب تعريفه بواجبه، من جهة للإسهام في هذا البناء الذي لا يكتمل إلا بهما معا، ومن جهة لحثه وتعليمه كيف يحافظ على المكتسبات من الضياع بسبب اللامبالاة أو الجحود أو غمط الحقوق أو التملص من المسؤوليات.

وصال تقة

إلهي، ما أضيَق الطريقَ على مَنْ لم تكُن دليلَه، وأوحشُه على مَنْ لم تكُن أنيسَه !

لا يجعلنك عظم البلاء المتسلط عليك معتقدا أنه لم يرم سهامه على سواك، فقد أقسم ألا يدع إنسانا إلا وينهش منه ما شاء، فكلّ مبتلى، وكل مقروض، ورُبّ مظهر عافية غارق في البلاء، والنفوس تفاوتت بين شاكٍ وسالٍ!

اعلم رحمك الله أن ضربك ولدك إنما يجوز شرعا إذا ظننت أنه لا وسيلة سواها لإصلاحه، أي أنك تدرجت معه أولا بالنصح والتبيان، فإذا لم يمتثل فبالتهديد والوعيد، فإذا لم يمتثل فهنا يجوز الضرب بشرط أن تكون ظانا أنه ينفع، وإلا بأن ظننت أن الضرب لا ينفع فلا يحل شرعا أن تضربه، واعلم أن ضرب كثير من الآباء أولادهم لمجرد الانتقام= حرام شرعا.
فهذا باب يجب التفقه فيه وإلا كنت آثما أيها الولي!
.
.
.
تنبيه: حيث قلنا بجواز الضرب فشرط ذلك أيضا ألا يكسر عظما ولا يشين بدنا!

الزواج أشبه بأن تضع يدك في حقيبة مملوءة بالثعابين آملًا أن تُخرج سمكةً.

- ليوناردو دافنشي

الحمد لله آب الحظ وانفرجتْ *** مفاتحُ النُّجْحِ بالخيرات إقبالا

الحمد لله آتاني الهداية *** والإيمان والدين إحسانا وإجمالا

الحمد لله إذ لم يأتني أجلي *** حتى لبست من الإسلام سربالا
.
.
.
-لبيد بن ربيعة رضي الله عنه...

«وكلُّ قَلبٍ لا يَقْرَعُه التردُّدُ، فإنما يَظهَر فيه التقليدُ والجُمودُ على ما يُقال له ويَسمَع مِن غيرِه».
.
.
.
-القاضي ابن عقيل-

فمن طلبَ النحوَ واللغةَ على نيةِ إقامةِ الشريعة بذلك، وليَفهمَ بهما كلامَ اللهِ تعالى وكلامَ نبيِّه، وليُفهِمَه غيرَه، فهذا له أجر عظيم ومرتبة عالية.
.
.
.
-ابن حزم-

خاطرة صباحية في مجمع من الناس، عنوانها:
ولا تؤمنوا حتى تحابوا