يعد تفسير الإمام ابن جرير الطبري (ت310هـ) أجلّ كتاب في تفسير القرآن العظيم تقعيداً وتحقيقاً.
وقد تأسس هذا الكتاب النفيس على منهج كلي محكم في تقرير معاني آيات الكتاب العظيم واستنباط الأحكام والأخلاق والقواعد الشرعية والهدايات منها.
جزء من معالم ذلك المنهج الكلي قد أبان عنه رحمه الله في مقدمته الجليلة على التفسير، ولكن الجزء الأهم من معالم منهجه في ذلك تجده مبثوثاً منثوراً في مواضع كثيرة جداً من الكتاب، ولا يكاد يخلو منه تفسير سورة من السور، تارةً ينبه عليه، وتارةً تراه يسلكه مع الإيماء إليه.
وهذا المنهج الكلي في تقرير معاني القرآن العظيم واستنباط الأحكام والأخلاق والقواعد الشرعية والهدايات منها قد حظي بدراسات جادة كثيرة من المتخصصين في علوم القرآن الكريم، إلا أن جانباً من جوانب الإفادة من هذا الكتاب النفيس الزاخر بالفقه المنهجي الكلي يحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة والاستقراء من الباحثين في الفقه وأصوله، وهو (الفكر المقاصدي عند ابن جرير الطبري)، الذي يعد من أهم روافد مشروعه العلمي في تفسير القرآن، ذاك أن الطبري رحمه الله في كثير من المواضع يقعد للمقاصد، وينبه إليها وإلى مراتبها، ويرجح في التفسير والفقه بناء عليها.
فتجده -مثلاً-في آية الصدقات يقول:(والصواب من القول في ذلك عندي: أن الله جعل الصدقة في معنيين: أحدهما: سد خلة المسلمين، والآخر: معونة الإسلام وتقويته، فما كان في معونة الإسلام وتقوية أسبابه فإنه يعطاه الغني والفقير، لأنه لا يعطاه من يعطاه بالحاجة منه إليه، وإنما يعطاه معونة للدين..)
جامع البيان 11/ 523
وقد أحصيت له أكثر من 40 موضعاً متفرقاً في ذلك دون أن أقصد الاستقراء، ووقع حينها في ذهني على إثر النظر في مجموع ذلك =ترابط قوي بين ما يقعد له ابن جرير في المقاصد، وما يقرره ويوسع الكلام عنه الشاطبي في الموافقات، وكأن ابن جرير يعد أحد أساتذة الشاطبي الكبار الذين أخذ عنهم العلم بمقاصد الشريعة، وقد نقل عنه الشاطبي في مواضع من كتاب الموافقات، وصرح في موضعين منها بنسبة الكلام إليه، كما في مبحث الإحكام والنسخ، وفي كتاب الاجتهاد.
ولهذا فإنه من المستحسن إذا لم تسجل رسالة سابقة بهذا العنوان أن يبادر باحث أو أكثر إلى تسجيله، وهو جدير بالبحث والاستقراء تأصيلاً وتطبيقاً.
وقد رجعت إلى (دليل الأعمال والدراسات العلمية المتعلقة بتفسير الطبري) الصادر عن معهد الإمام الشاطبي الذي اشتمل على ذكر بيانات (236) كتاباً وبحثاً تناول بالدراسة تفسير الطبري، فلم أجد من بين تلك الدراسات التي اشتملها عليها الدليل ما يختص ببحث الجانب المقاصدي عند ابن جرير، مع ضرورة التنبه إلى أن الدليل قد صدر عام (1438هـ).