قال الإمام النووي، رضي الله عنه:
" قَوْلُهُ ﷺ: (وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)
هَذَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ، وَالْمُرَادُ: غَالِبُ الْبِدَعِ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: هِيَ كُلُّ شَيْءٍ عُمِلَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ.
قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْبِدْعَةُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ؛ وَاجِبَةٌ وَمَنْدُوبَةٌ وَمُحَرَّمَةٌ وَمَكْرُوهَةٌ وَمُبَاحَةٌ، فَمِنَ الْوَاجِبَةِ: نَظْمُ أدلة المتكلمين لِلرَّدِّ عَلَى الْمَلَاحِدَةِ وَالْمُبْتَدِعِينَ وَشِبْهُ ذَلِكَ، وَمِنَ الْمَنْدُوبَةِ: تَصْنِيفُ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبِنَاءُ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَمِنَ الْمُبَاحِ: التَّبَسُّطُ فِي أَلْوَانِ الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَالْحَرَامُ وَالْمَكْرُوهُ ظَاهِرَانِ.
وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْمَسْأَلَةَ بِأَدِلَّتِهَا الْمَبْسُوطَةِ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ.
فَإِذَا عُرِفَ مَا ذَكَرْتُهُ عُلِمَ أَنَّ الْحَدِيثَ مِنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ، وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ، وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ: قَوْلُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التَّرَاوِيحِ: (نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ).
وَلَا يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِ الْحَدِيثِ عَامًّا مَخْصُوصًا قَوْلُهُ: (كُلُّ بِدْعَةٍ) مُؤَكَّدًا بِكُلِّ، بَلْ يَدْخُلُهُ التَّخْصِيصُ مَعَ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ}".