«غريبُ السجايا ما تزالُ عقولنا
مدلّهةً في خلّةٍ من خلالهِ..»
جمع أبو إبراهيم ما يصعبُ جمعه في رجلٍ واحد؛ الذكاء، الحنكة، الأدب، الشجاعة، الكاريزما، البساطة والتعقيد وأكثر من هذا بكثير، فكان رجلًا تصلحُ فيه كلّ المدائح والمراثي..
افتح باب رثاءٍ من أيّ ديوان شعرٍ تجد رثاء الأخِ أخاه، الأمّ ابنها، البنت أبيها، رثاء الفارس، السيّد، الشهيد.. كلّه ممّا يُتمثّل به في بكاءِ أبي إبراهيم..
-
تأمّل كلّ هذه المقطوعات والأبيات تجد يحيا حيًّا فيها:
-منصور النميريّ:
فإن يكُ أفنته الليالي وأوشكت
فإنّ له ذكرًا سيُفني اللياليا..
-الطرمّاح:
فتًى لو يُصاغُ الموتُ صيغَ كمثلهِ
إذا الخيلُ جالَت في مساجلها قدما
ولو أنّ موتًا كان سالمَ رهبةً
من الناسِ إنسانًا؛ كان له سِلما..
-ماوية بنت الأحت ترثي بنيها:
أبوا أن يفرّوا والقنا في نحورهم
وأن يرتقوا -من خشيةِ الموتِ- سلّما
ولو أنّهم فرّوا لكانوا أعزّةً
ولكن رأوا صبرًا على الموتِ أكرما..
-فارعة:
شهّادُ أنديةٍ، رفّاعُ ألويَةٍ
سدّادُ أَوهيَةٍ، فتّاحُ أسدادِ
نحّارُ راغيةٍ، قتّالُ طاغيةٍ
حلّالُ رابيةٍ، فكّاكُ أقيادِ
قوَّالُ محكمَةٍ، نقّاضُ مبرمةٍ
فرّاج مُبهمَةٍ، طلّاعُ أنجادِ..
-امرأة من كندة:
أنعى فتى لم تذرِ الشمسُ طالعةً
يومًا من الدهرِ إلّا ضرّ أو نفعا..
-عاتكة بنت زيد:
فللهِ عينا من رأى مثله فتى
أكرّ وأحمى في الهياجِ وأصبرا
إذا شرعت فيهِ الأسنّةُ خاضها
إلى الموتِ حتَى يترُك الموتَ أحمرا..
-الشمردَل اليربوعيّ:
لعمرُك إنّ الموتَ منّا لمولعٌ
بمَن كان يُرجى نفعهُ ونوائله
فعينيّ؛ إن أبكاكُما الدهرُ فابكيا
لمَن نصرُه قد بان عنّا ونائلُه..
-
أبو إبراهيم أمّةٌ وحده، روحٌ وريحان وربٌّ راضٍ غيرُ غضبان يا سيّدي.