أما الإنسان، فمعظم البشر ينمو لديهم عشرون سنًا في مرحلة الطفولة (الأسنان اللبنية)، والتي تُستبدل لاحقًا باثنين وثلاثين سنًا دائمة، تتراص بشكل محدد وتختلف في أشكالها وأحجامها بشكل نسبي، وهذه النقطة لها أهميتها.
السبب الظاهر هو أن الشفرات الجينية للإنسان تدعم نمو الأسنان مرتين فقط: مرة في الطفولة (الأسنان اللبنية) ومرة أخرى في مرحلة الصبا (الأسنان الدائمة). ولكن أي تلف أو كسر يصيب الأسنان الدائمة لن يتم تعويضه من قبل الجسم.
أما السبب العميق الذي يعود لأصل الموضوع، فيتطلب منا العودة بالزمن 320 مليون سنة، إلى اللحظة التي انفصل فيها مسار تطور الزواحف عن مسار تطور الثدييات. ما حدث هو أن الزواحف لديها طريقة غذاء تضمن لها البقاء، وهي لا تتطلب أشكالًا وأحجامًا مختلفة لصفوف أسنانها. لذلك، نجد أن الخلايا الجذعية المسؤولة عن إنتاج الأسنان في الزواحف تبقى وتؤدي دورها بشكل متتالي دون الحاجة إلى إنماء أسنان بأشكال مختلفة أو ترتيب محدد.
أما الثدييات، فتنوع نظامها الغذائي بين أكل العشب، ونهش اللحم، وطحن الحبوب، وقضم المواد الصلبة، أدى إلى ضغوط تطورية تدفع نحو اختيار تنوع أشكال الأسنان وأحجامها وترتيبها بما يتناسب مع نظام الغذاء الخاص بكل نوع. هذه الضغوط التطورية استمرت لصالح بقاء صف الأسنان بعد ترتيبه، بدلًا من استبداله بأسنان جديدة، لأن السن الجديد قد لا يتناسب في ترتيبه أو حجمه مع الأسنان الموجودة، وهذا قد يؤثر سلبًا على كفاءة الحصول على الطعام.
وبما أن الإنسان من الثدييات، فقد ورث نفس الجينات التي تبدلت وتغيرت على مدى 320 مليون سنة، لتؤدي إلى ما نحن عليه الآن فيما يتعلق بأسناننا. ورغم ما نتعرض له من متاعب وآلام وتقويم للأسنان وتركيبات صناعية وزراعة أسنان، إلا أن هذا النظام كان في الأصل الأفضل لبقاء نوعنا، مثل أغلب أنواع الثدييات الأخرى.