ربما سمعت من قبل عن أشخاص مسنين يتحدثون عن رؤيتهم لأشياء لا يراها غيرهم، أو ربما قابلت شخصًا عاش هذه التجربة بنفسه. قد يبدو الأمر وكأنهم يرون أشياء غامضة بالفعل، لكن الحقيقة وراء ذلك أكثر رعبًا مما قد تتخيل.
ما يحدث لهؤلاء الأشخاص غالبًا يكون نتيجة لحالة تُعرف باسم متلازمة تشارلز بونيت (Charles Bonnet Syndrome). هذه المتلازمة تصيب عادة كبار السن الذين يعانون من فقدان جزئي أو كلي في البصر. وليس المقصود هنا فقط ضعف النظر الذي يمكن تصحيحه بالنظارات الطبية، بل يصل الأمر أحيانًا إلى ظهور بقع سوداء في مجال رؤيتهم، أو حتى فقدان تام للرؤية في بعض المناطق. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحالة قد تصيب الشباب أيضًا.
كيف يحدث ذلك؟
العين عادةً ما تنقل كميات هائلة من المعلومات إلى مركز الإبصار في الدماغ. لكن عندما تتدهور الرؤية وتبدأ بعض أجزاء العين في التوقف عن إرسال البيانات البصرية، يجد الدماغ نفسه أمام مشكلة: هناك مناطق معتمة أو فارغة في مجال الرؤية، مما يعني أنه يستقبل مدخلات أقل بكثير من المعتاد.
ولأن الدماغ بطبيعته لا يحب الفراغ أو المعلومات الناقصة، فإنه يبدأ في محاولة تعويض هذا النقص. في البداية، يحاول تعزيز حساسية المستقبلات البصرية المتبقية في محاولة لرؤية ما وراء تلك البقع السوداء، لكن هذه المحاولات تفشل. وهنا يبدأ العقل في اتخاذ خطوة أكثر غرابة:
يبدأ في خلق صور بنفسه وملء تلك الفراغات بالمعلومات المخزنة لديه!
يستدعي الدماغ صورًا من الذكريات القديمة أو يُنشئ صورًا جديدة تمامًا، ثم يركّبها في المناطق التي لا يستطيع الشخص رؤيتها. والنتيجة؟ يبدأ المصاب برؤية أشياء غير موجودة فعليًا، لكن تبدو له حقيقية تمامًا!
هلوسات حية ومباشرة
ما يجعل الأمر أكثر رعبًا هو أن هذه الهلوسات ليست مجرد صور ثابتة، بل قد تكون مشاهد حية بالكامل. قد يرى الشخص أشخاصًا يتحدثون معه، أو حيوانات تتحرك أمامه، أو حتى يسمع أصواتًا وكأنها جزء من الواقع. والأخطر أن المصاب غالبًا لا يدرك أن هذه المشاهد غير حقيقية، لأنه يراها بشكل مباشر داخل مجال رؤيته وكأنها جزء طبيعي مما يحدث حوله.
لماذا يحدث ذلك؟
العقل البشري لا يتقبل فكرة وجود فجوات في المعلومات. لو حاولت تذكر موقف قديم ووجدت أن هناك جزءًا مفقودًا من تفاصيله، سيقوم عقلك تلقائيًا بملء هذا الفراغ بمعلومات من خياله أو من ذكرياته الأخرى، حتى لو لم تكن صحيحة. وستشعر حينها أن الذكرى مكتملة تمامًا، رغم أن بعض الأجزاء فيها قد تكون مجرد “إضافات” اخترعها عقلك بنفسه.
نفس المبدأ يحدث مع متلازمة تشارلز بونيت، لكن على نطاق أكبر وأخطر.
تجارب حقيقية للمصابين
• أحد المصابين كان يرى كل صباح أشخاصًا يعرفهم، يتحدثون معه لبضع ثوانٍ ثم يختفون فجأة.
• سيدة أخرى كانت ترى حمامة بيضاء تطير داخل غرفتها كل يومين، رغم أنها لم تكن هناك في الواقع.
هؤلاء الأشخاص ليسوا مجانين ولا يعانون من أمراض نفسية، لكن عقولهم تخدعهم بإيهامهم بأن هذه المشاهد حقيقية تمامًا، فقط لأنها لا تستطيع تقبّل وجود فراغ بصري غير مملوء بالمعلومات.
الجانب الأكثر رعبًا أنك، كقارئ لهذه السطور الآن، قد تعاني من هذه الحالة في يوم من الأيام عندما تكبر.