من الوعد المشئوم إلى قرار التقسيم ضاعت فلسطين! (99)
مصطفى إنشاصي
مع وصول الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور إلى الحكم مع بدايات عام 1953م، بدأت تتضح معالم السياسة الأمريكية نحو العدو الصهيوني والأمة والوطن أكثر، وبقيت منها مبادئ وممارسات ثابتة في هذه السياسة حتى اليوم، رغم استحداث الإدارات الأمريكية اللاحقة لبعض المبادئ أو المسميات. وقد ركزت سياسته نحو الصراع العربي – الصهيوني بشكل خاص، قبل العدوان الثلاثي على مصر، وقبل إعلان مبدأ أيزنهاور – دالاس على نقطتين هما:
- الأولى : دفع العرب واليهود لحل مشكلاتهم والانخراط معاً في تحالف واسع ضد الشيوعية، وهو ما حاوله سلفه ترومان. وهذا ما تضغط لتحقيقه الولايات المتحدة اليوم، بدعوى محاربة الإرهاب.
- الثانية: العمل على توطين اللاجئين وتحسين شروط الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة، كأسلوب لزرع الاستقرار ومنع الطبقات المسحوقة من الثورة والتمرد. وهذا ما استفتح به بوش خطابه الذي أعلن فيه عن مشروعه للشرق الأوسط الجديد.
ولقد مارس الرئيس الأمريكي أيزنهاور الذي خلف ترومان نفس السياسة تجاه اللاجئين بوضوح أكبر وشمول أوسع إلى درجة أن أعلن فيها وزير خارجيته جون فولتر دالاس:
"إن الآباء والأجداد يموتون، والأبناء والأحفاد ينسون" وها قد كذب الأبناء والأحفاد توقعات دالاس.
لذلك تعارض الولايات المتحدة حل الصراع العربي - الصهيوني طوال عقود النكبة. وقد كان أشهر المواقف التي كشفت ذلك، موقف هنري كيسنجر عام 1970م عندما وافق الرئيس المصري (جمال عبد الناصر) على مشروع روجرز، وقد كان في ذلك الوقت مستشار للرئيس نيكسون، اتصل بغولدا مائير رئيسة وزراء العدو الصهيوني وطلب منها الحضور إلى واشنطن، وأن تبدأ بالهجوم على أمريكا ومشروع روجرز حتى يتم إفشاله. لأن المشروع أكد على العودة لحدود عام 1967، وعلى حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. وهذين الأمرين لا يريدهما اليهود في داخل فلسطين المحتلة أو خارجها. وهذا نفسه الذي جعل كيسنجر والعدو الصهيوني يرفضان مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية في مؤتمر جينف بعد حرب رمضان عام 1973.
لذلك كانت مدريد 1991م بالإكراه أو الرضا، على أساس قراري مجلس الأمن "242، 338"، اللذان يصادران حق الوجود للشعب الفلسطيني، ويفرضان عليه التفريط في أهم حقوقه. ثم كان عقد اتفاق المبادئ الفلسطيني - الإسرائيلي مع ياسر عرفات 1993م لإضعاف موقف المفاوض العربي على المسارات الأخرى، وإتباعه بالاتفاق الأردني - الإسرائيلي عام 1994م.
ومنذ تولى الرئيس جورج بوش اتخذت واشنطن منعطفاً ومنطقاً مغايراً لفحوى القرار (194) وروحه، فقد أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية "مارجريت تتوايلر" أن موضوع اللاجئين مسألة تقتضي التفاوض بشأنها بين الفلسطينيين و(إسرائيل)!
كما أكد "دينس روس" مساعد وكيل الخارجية في عهد إدارة بوش، أن الولايات المتحدة "لا تنوي المساهمة في وضع القرار 194 موضع التنفيذ!
كما أكد وزير الخارجية السابق "جيمس بيكر" عدم الخوض في أي حديث عن حق اللاجئين في العودة أثناء مداولات مجموعة عمل اللاجئين (المتعددة الأطراف) والتي كانت تجري في عاصمة كندا ( أوتاوا )، على اعتبار أن المجموعة تبحث الأمور "الفنية" لا القضايا السياسية!
ونحن هنا لسنا في حاجة إلى التذكير أن أمريكا هي رائدة حملة الإكراه للعرب والفلسطينيين لقبول هذا السلام المذل للأمة، وما يترتب على ذلك من مشاريع إقليمية لدمج الكيان الصهيوني في نسيج المنطقة وشعوبها كعضو أصيل فيها، بل وقائداً ورائداً وشريكاً في كل شيء.