المصدر: تشارلز ليستر - معهد الشرق الأوسط
الرئيس المنتخب دونالد ترامب أعلن عن رغبته في انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، لا تأتي هذه المشاعر مفاجئة إلى حد كبير، نظرًا لأن ترامب حاول سحب القوات الأمريكية من سوريا مرتين خلال إدارته الأولى، وجرى التراجع عن كلا التوجيهين لاحقًا، لكن انخفض الوجود الأمريكي في شمال شرق سوريا من حوالي 2500 جندي إلى 900.
إذا كانت إدارة ترامب القادمة تفكر في الانسحاب من سوريا، فيجب أن تأخذ الوقت الكافي لإجراء تحليل موضوعي للتكلفة والفائدة.
كان للقوات الأمريكية أثر كبير في تدريب وتجهيز 225000 من شركاء قوات الأمن لمواجهة تنظيم الدولة وإبعادها عن الأراضي التي انتزعت منها، وذلك بمشاركة ما لا يقل عن 30 دولة بقوات على الأرض، كجزء من تحالف يضم الآن 87 عضوًا. كانت الهزيمة الإقليمية لتنظيم الدولة انتصارًا تاريخيًا، لكنها لم تمثل نهاية التحدي. بل على العكس من ذلك.
نفَّذ تنظيم الدولة 53 هجومًا فقط في العراق حتى الآن في عام 2024، لكنه نفَّذ في المقابل أكثر من 600 هجوم في سوريا، ففي الوقت الحالي، يضاعف تنظيم الدولة وتيرة هجومه في جميع أنحاء سوريا مقارنة بعام 2023.
إن تعافي تنظيم الدولة في سوريا نتيجة جزئية لعدة سنوات من إعادة البناء في الصحراء الوسطى حيث يسيطر بشار الأسد ونظامه، الذي يفتقر إلى الإرادة والقدرة على معالجة المشكلة على نحوٍ فعال، واستفاد تنظيم الدولة أيضًا من آثار 209 هجمات لجماعات موالية لإيران استهدفت القوات الأمريكية في العراق وسوريا حيث اضطرت القوات الأمريكية إلى البقاء في قواعدها لعدة أشهر في كل مرة نتيجة لذلك - ما أدى إلى خفض عدد مقاتلي التنظيم الذين قتلوا وأسروا في العمليات الأمريكية بنسبة 72٪ .
تعمل القوات الأميركية الآن على زيادة جهودها ضد تنظيم الدولة، حيث سجلت 95 عملية ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا في شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2024 وحدهما. لكنها ستستغرق بعض الوقت لإحداث تأثير، وتبقى قدرة تنظيم الدولة على إعادة تشكيل نفسها والظهور من جديد في مناطق النظام في سوريا مشكلةً شائكة، ونظرًا للفوضى السائدة في جميع أنحاء سوريا وعجز النظام عن التعامل مع تنظيم الدولة، فقد باتت القوات الأميركية الغراء الذي يتماسك به الكيان الوحيد الذي يمنع عودة تنظيم الدولة فعلياً.
إن إبقاء القوات الأمريكية في سوريا ليس قرارًا مكلفًا، حيث بلغ إجمالي ميزانية عملية العزم الصلب للعراق وسوريا لعام 2023 نحو 5.5 مليار دولار. بينما تستهلك مهمة سوريا ما يقرب من 0.2٪ من إجمالي ميزانية الدفاع الأمريكية. كما أصبحت مهمة مكافحة تنظيم الدولة في سوريا والعراق أكثر كفاءة من حيث التكلفة، حيث أصبحت الميزانية الإجمالية اليوم أقل بنسبة 60٪ مما كانت عليه في عام 2019.
وبعيدًا عن التكاليف المالية، فإن نشر 900 جندي في سوريا ليس سوى قطرة في بحر التدخل العسكري الأمريكي في العالم - تمثل 0.5٪ فقط من 168000 جندي في الخارج في الخدمة الفعلية، و 2٪ من 43000 حاليا في الشرق الأوسط، فإن فكرة وجود القوات في سوريا يضغط بطريقة أو بأخرى على قدرة أمريكا على العمل في الخارج منفصلة عن الواقع.
يشكِّل وجودنا على الأراضي السورية مصدر إزعاج لنظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، إلا أن هذا ليس سبباً للتنازل والانسحاب، وترجع معارضة خصومنا لوجودنا إلى المهمة التي يؤديها جنودنا البالغ عددهم 900، وهذا يجعل مهمتنا في سوريا جزءاً لا يتجزأ من موقفنا الأوسع في إطار المنافسة بين القوى العظمى. إن وجودنا في ربع أراضي سوريا يخلق نفوذاً جيوسياسياً كبيراً للولايات المتحدة في المنطقة ويمثِّل ثقلاً موازناً لخصوم أميركا.
إذا كان الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر قد علمنا شيئاً واحدًا، فهو أن ترك الأزمات غير المحلولة لتتفاقم لا يؤدي إلا إلى اندلاع أعمال عنف مُفاجِئَة ورهيبة. ولا يختلف الأمر في سوريا وتحدي تنظيم الدولة. فالأمر ليس خاليا من المخاطر؛ خسر الجيش الأميركي 10 جنود فقط في القتال في سوريا خلال 9 سنوات، في حين تطلبت الحروب في أفغانستان والعراق مئات الآلاف من القوات وبلغت تكلفتها 100 مليار دولار سنوياً لكل منهما، فإن مهمة مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا لا تكلف سوى جزء ضئيل من ذلك ــ 2% على الأكثر. ومن المهم أن نلاحظ أن المهمة في سوريا لم تنته بعد.
إن التخلي عن المهمة الآن لن يجلب أي فائدة حقيقية للولايات المتحدة، لكن من شأنه أن يعزز بسرعة وعلى نحو كبير من قوة أعداء أميركا، مثل تنظيم الدولة وإيران، وروسيا، ونظام الأسد.
▪️الخطابي: تيلغرام | فيسبوك | تويتر | ويب | يوتيوب | واتساب
_