وخرير الماء أضحى مهده
ولعل الوقت كان فجرا والناس -بعد- نيام، وفي هذه الحال خرجت أم موسى وفي يديها الصندوق الذي أخفت فيه ولدها موسى، فاتجهت نحو النيل وأرضعت موسى حتى ارتوى، ثم ألقت الصندوق في النيل فتلقفته الأمواج وأخذت تسير به مبتعدة عن الساحل، وكانت أم موسى تشاهد هذا المنظر وهي على الساحل .. وفي لحظة أحست أن قلبها انفصل عنها ومضى مع الأمواج، فلولا لطف الله الذي شملها وربط على قلبها لصرخت ولانكشف الأمر واتضح كل شيء .. ولا أحد يستطيع أن يصور -في تلك اللحظات الحساسة- قلب الأم بدقة.
لا يستطيع أي أحد أن يصور حال أم موسى وما أصابها مع الهلع والفزع ساعة ألقت طفلها في النيل .
ألم يكن عمل موسى هذا مخالفا للعصمة!
للمفسرين أبحاث مذيلة وطويلة في شأن المشاجرة التي حدثت بين القبطي والإسرائيلي وقتل موسى للقبطي.
وبالطبع فإن أصل هذا العمل ليس مسألة مهمة .. لأن الظلمة الأقباط والفراعنة المفسدين الذين قتلوا آلاف الأطفال من بني إسرائيل ولم يتأبوا يحجموا عن أية جريمة ضد بني إسرائيل، لم تكن لهم حرمة عند بني إسرائيل.
إنما المهم عند علماء التفسير هو تعبيرات موسى (ع) التي ولدت إشكالات عندهم.فهو تارة يقول: ﴿هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾.
وفي مكان آخر يقول: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي﴾.
فكيف تنسجم أمثال هذه التعابير مع عصمة الأنبياء حتى قبل بعثتهم ورسالتهم.
ولكن هذه الإشكالات تزول بالتوضيح المتقدم في تفسير الآية الآنفة، وهو أن ما صدر من موسى (ع) هو من قبيل "ترك الأولى" لا أكثر، إذ كان عليه أن يحتاط قبل أن يضرب القبطي، فلم يحتط، فأوقع نفسه في مشاكل جانبية، لأن قتل القبطي لم يكن أمرا هينا حتى يعفو عنه الفراعنة.
ونعرف أن ترك الأولى لا يعني أنه عمل حرام ذاتا، بل يؤدي إلى ترك عمل أهم وأفضل، دون أن يصدر منه عمل مخالفةمناف لذلك العمل!.
يتبع ...
📚 قصص القرآن مقتبس من تفسير الأمثل ،آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
https://t.me/taalibalelm