○ تصنيف المقال: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
○ عنوان المقال: الابتسامة سُنَّةٌ نبوية
الابتسامة هي البَشاشة وطلاقة الوجه، وتظهر في ملامح الوجه وحركة الشِفاه، كما تبدو في التبسط والتحبب، ومحاولة التقارب وروعة الاستهلال، وهي ـ الابتسامة عامة وعند اللقاء خاصة ـ أسرع طريق إلى القلوب، وأقرب باب إلى النفوس، وهي مِنَ الخصال المُتَّفَق على استحسانها وامتداح صاحبها، وقد فَطر الله تعالى الخَلْقَ على محبة صاحب الوجه البسَّام، وهي مع ذلك كله سُنَّة نَبَوية.. فالابتسامة كانت إحدى صفات النبي صلى الله عليه وسلم التي تحلّى واتصف بها، يُدرِك ذلك كل مَنْ صاحبه وخالطه، كما قال عبد الله بن الحارث بن حزم رضي الله عنه: (ما رأيتُ أحدا أكثر تبسّما من رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه الترمذي. وقال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: (ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك) رواه مسلم. وفي رواية: (ولا رآنِي إلا تبسَّمَ أو ضحك).. وقال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الْبِشْرِ، سهل الخُلُق، لَيِّنَ الجانب". قال القاري: "(البِشْر) بالكسر، وهو طلاقة الوجه والبشاشة وحُسْن الخُلُق مع الخَلْق، وفي التعبير بكان ودوام البِشر إشعار بأن حُسْن خُلُقه كان عاما غير خاص بجلسائه، وفيه إيماء بأنه كان رحمة للعالمين"..
صفة ابتسامته وضحكه صلى الله عليه وسلم:
الابتسامة والتبسم: انبساط الوجه، وتحريك الشفتين، والضَّحِكُ بقَدْر ما تظهر الثنايا وهي الأسنان الأربع بمقدَّم الفم، وكان هذا جُلَّ ضَحِكِه صلى الله عليه وسلم. عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا حتى أرى منه لهواته (اللحمة التي في أعلى الحنجرة)، إنما كان يتبسم) رواه البخاري.
وعن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: ( ما كان ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسما) رواه الترمذي. وبالنظر في كتب السُنة والسيرة النبوية نجد أن أكثر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم هي الابتسامة، وفي بعض الأحيان كان يزيد على ذلك فيضحك باعتدال، دون إكثارٍ منه أو علوّ في الصوت، وهذه هي سنة الأنبياء كما قال الزجّاج: "التبسّم أكثر ضحك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام".
وقال ابن حجر: "والذي يظهر من مجموع الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يزيد في معظم أحواله عن التبسّم، وربما زاد على ذلك فضحك، والمكروه في ذلك إنما هو الإكثار من الضحك أو الإفراط، لأنه يُذهب الوقار".. وقد جمع الإمام البخاري أحاديث كثيرة للنبي صلى الله عليه وسلم وبوَّب لها: "(باب التبسم والضحك)، وكذلك جمع الإمام مسلم في صحيحه أحاديث بوَّب لها النووي في شرحه فقال في كتاب الفضائل: "(باب تبسمه وحُسن عشرته صلى الله عليه وسلم)".. والسيرة النبوية مليئة بالمواقف التي ذُكرت فيها طلاقة وجه النبي صلى الله عليه وسلم وابتساماته، ومِن ذلك:
مع زوجاته:
1 ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت: (خرجتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وأنا جارية (صغيرة) لم أحمل اللحم ولم أبدُن (لم يزد وزني)، فقال للناس: تقدموا، فتقدموا، ثم قال لي: تعالِي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته، فسكت عني، حتى إذا حملت اللحم وبدنتُ ونسيتُ خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا، فتقدموا، ثم قال: تعالِي حتى أسابقك، فسابقتُه فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: هذه بتلك) رواه أحمد. (فجعل يضحك وهو يقول: هذه بتلك) أي: سَبَقتُكِ كما سَبَقْتِني مِن قَبْل، فأصبَحْنا مُتساوِيَيْن في ذلك، وهذا مِن جميلِ مُعاشَرته صلى الله عليه وسلم لأزْواجه. وفي الحديث: تَواضع النَّبي صلى الله عليه وسلم ولُطْفه مع أَهْلِه، وبيان ما كان عليه مِنْ حُسْنِ الخُلُق وضحكه ومزاحه صلى الله عليه وسلم مع أهله..
2 ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، أو خيبر، وفي سهوتها ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لِعب، فقال: ما هذا يا عَائشة؟! قالت: بناتي، ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع، فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس، قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان، قال: فرس له جناحان؟! قالت: أما سمعتَ أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه (أواخر أسنانه)) رواه أبو داود.
مع أصحابه:
1 ـ عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (وقع عليَّ من الهمّ ما لم يقع على أحد، فبينما أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ قد خفقت برأسي من الهمّ، إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرك (فَرَك) أذني وضحك في وجهي، فما كان يسرني أن لي بها الخلد في الدنيا، ثم إن أبا بكر لحقني فقال: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: ما قال لي شيئا، إلا أنه عرك أذني (فرَكَها بيدِه)، وضحِكَ في وَجْهي (سُرورًا)، فقال: أبْشِر) رواه الترمذي.