رَوْضَةُ الوِلَايَة @rawda_wilayah Channel on Telegram

رَوْضَةُ الوِلَايَة

@rawda_wilayah


🌱قَنَاةٌ وَلَائِيَّةٌ تحت إشراف سماحة الشيخ معين دقيق العامليّ.

📬 يمكنكم إرسال مقترحاتكم وأسئلتكم على هذا الرابط:

telegram.me/rawdawilaya

رَوْضَةُ الوِلَايَة (Arabic)

🌱 قَنَاةٌ وَلَائِيَّةٌ تحت إشراف سماحة الشيخ معين دقيق العامليّ. تهدف قناة "رَوْضَةُ الوِلَايَة" إلى نشر المعرفة والفهم الصحيح للفقه الإسلامي والتوجيهات الدينية من خلال دروس ومحاضرات مميزة. ستجد في هذه القناة محتوى قيم ومفيد يساعدك في فهم الدين وتطبيقه في حياتك اليومية. الشيخ معين دقيق العامليّ مؤهل ومحترف في هذا المجال، مما يجعل هذه القناة تعتبر مصدراً موثوقاً للمعرفة الدينية. 📬 يمكنكم إرسال مقترحاتكم وأسئلتكم مباشرة عبر الرابط الموجود في القناة. سيتم الرد على استفساراتكم بمهنية واحترافية لضمان استيعابكم الكامل للمعلومات المقدمة. انضم الآن واستفد من المحتوى الهادف والمميز المقدم في قناة "رَوْضَةُ الوِلَايَة" على تطبيق تيليجرام. ☘️ telegram.me/rawdawilaya

رَوْضَةُ الوِلَايَة

17 May, 18:20


_🌴_

📝 سؤالٌ في رَوْضَةِ الْفِقْهِ:

🗒 السّؤال رقم 1118:

إذا طلّق الرجل زوجته ثم راجعها في العدة، ثمّ طلقها بعد ذلك في طهر لم يواقعها فيه، وبعد انتهاء عدّتها رجع إليها بعقد منقطع، فإذا انتهت المدّة أو وهبها إيّاها، فهل يكون ذلك بمثابة تطليقة ثالثة، بحيث تحتاج إلى محلّل كما هو الحال في الطلاق الثالث. (لبنان)

✏️ الجواب: __📩_
 
☆ لا يعتبر انتهاء المدّة أو هبتها بمثابة التطليقة الثالثة، وبالتالي لا تحتاج المرأة في الفرض المزبور إلى المحلّل.
هذا والله أعلم بحقائق الأمور، وهو الموفّق للصواب، وعليه المعوّل والتكلان...

🌾 دُمْتُم بِخَيْرٍ وعَافِيَة
_📬
للمشاركة؛ يُمكنكم إرسال أسئلتكم عبر الضغط على هذا الرابط:
telegram.me/rawdawilaya

📌 رابط القناة:
https://telegram.me/rawda_wilayah

رَوْضَةُ الوِلَايَة

23 Sep, 19:32


_🌴_

📝 سؤالٌ في رَوْضَةِ الْأَدْعِيَةِ والزِّيَارَاتِ:

🗒 السّؤال رقم 1117:

ما المقصود من العبارة التالية الواردة في دعاء العهد:«وَارْحَمِ اسْتِكانَتَنا بَعْدَهُ» (لبنان)

✏️ الجواب: __📩_
 
☆ كي يتّضح المقصود من هذه العبارة لا بدّ من ربطها بالعبارة المتقدّمة عليها؛ حيث قال: «اللَّهُمَّ وَسُرَّ نَبِيَّكَ مُحَمَّداً ـ صلّى الله عليه وآله ـ بِرُؤْيَتِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى دَعْوَتِهِ وَارْحَمِ اسْتِكَانَتَنَا بَعْدَه‏». فالداعي يطلب من الله تبارك وتعالى أنْ يدخل السرور على قلب نبيّه صلّى الله عليه وآله من خلال رؤية الإمام الحجّة عليه السلام، والمقصود من الرؤية في المقام هو الظهور. وهذا في الواقع دعاء وطلب من الله تبارك وتعالى بظهوره؛ إذ إِنَّ الظهور عبارة أُخرى عن تحقّق النصر، وإرساء العدل، والقضاء على الظلم والجور، وبذلك يتحقّق الوعد المضروب للنبيّ صلّى الله عليه وآله من خلال قوله تبارك وتعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِينَ﴾ [القصص: ٥]، ولا شكّ أَنَّ هذا الأمر يوجب سرور النبيّ صلّى الله عليه وآله، بل كُلّ مؤمن بحقّ؛ ولذا قال بعده مباشرة: «وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى دَعْوَتِهِ»، أي: وسُرّ مَنْ تبع هذا الإمام عليه السلام على دعوته.

⊙ وأمّا المقطع الثاني، وهو المسؤول عنه، فهو طلبٌ آخر من العبد الداعي؛ فيطلب من ربّه تعالى أنْ يرحم استكانتا نحن التابعين له على دعوته، والمؤمنين به، والمنتظرين لظهوره. وهنا أُمور ثلاثة لا بدّ من التوقّف عندها، والتي ربّما يكون بعضها يختلج في ذهن السائل عن هذا المقطع.

⊙ الأوّل: المقصود من (الاستكانة) هي الخضوع، جاء في الخبر الصحيح عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ﴾؟ فَقَالَ: «الِاسْتِكَانَةُ هُوَ الْخُضُوعُ وَالتَّضَرُّعُ هُوَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ وَالتَّضَرُّعُ بِهِمَا». ومِمّا ينبغي أنْ يُعلم هو أَنَّ هذا الخضوع إذا كان لله تبارك وتعالى أو لغيره لكن بأمرٍ من الله، فهو العزّة الواقعيّة، وإنْ كان لغير الله وبغير أمره، فهو المذلّة الواقعيّة.

⊙ الثاني: في مرجع الضمير في قوله: «بَعْدَهُ». ويحتمل فيه بدواً احتمالان:
¤ أحدهما: أنْ يرجع إِلَى النبيّ صلّى الله عليه وآله؛ ليكون المعنى: وارحم استكانتا وخضوعنا بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله؛ حيث إِنَّنا وتبعاً لأهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام قد تآمر علينا الناس، وغصبت حقوقنا، وأصبحنا خاضعين لغير الخلفاء الحقيقيّن الَّذِين نصّبهم الله تبارك وتعالى للأمّة.
¤ ثانيهما: أنْ يرجع إِلَى الإمام عليه السلام، ويكون المراد من قوله: «بَعْدَهُ) أي: بعد غيبته؛ فإنّ شيعة أهل البيت عليه السلام؛ حيث إِنَّ إمامهم غائبٌ عنهم قد وقعوا في استضعاف واستكانة (اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنَا وَغَيْبَةَ وَلِيِّنَا وَشِدَّةَ الزَّمَانِ عَلَيْنَا وَوُقُوعَ الْفِتَنِ بِنَا وَتَظَاهُرَ الْأَعْدَاءِ عَلَيْنَا وَكَثْرَةَ عَدُوِّنَا وَقِلَّةَ عَدَدِنَا). والظاهر أَنَّ الاحتمال الثاني هو الأظهر من خلال ملاحظة السياق، ويشهد لذلك ما جاء في مصباح المتهجّد للشيخ الطوسي رحمه الله من الدعاء الَّذِي يذكر في صلاة الوتر، والذي هو مشابه لدعاء العهد في كثيرٍ من فقراته، وجاء فيه: «وَسُرَّ نَبِيَّكَ مُحَمَّداً صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ بِرُؤْيَتِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى دَعْوَتِهِ وَأَجْزِلْ عَلَى مَا رَأَيْتَهُ قَائِماً بِهِ مِنْ أَمْرِكَ ثَوَابَهُ وَأَبِنْ قُرْبَ دُنُوِّهِ مِنْكَ فِي حِمَاكَ وَارْحَمْ اسْتِكَانَتَنَا مِنْ بَعْدِه‏»؛ حيث يلاحظ أَنَّ الضمائر بين المقطعين كلّها ترجع إِلَى الإمام عليه أفضل الصَّلَاة والسلام.

⊙ الثالث: قد يقال: إِنَّ الاستكانة والخضوع بعد غيبة الإمام عليه السلام لم تكن دائمة؛ حيث إِنَّه قد مرّ على الشيعة في كثير من الأزمنة حكومات تتبّع منهج أهل البيت عليه السلام، كما هو الحال في زماننا بالنسبة للجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، وعليه فنحن لا نعيش دائماً في استكانةٍ وخضوع. والجواب عن ذلك واضح: باعتبار أَنَّ الاستكانة والخضوع ليس بلحاظ الحكم فحسب، بل بلحاظ تمام الخيرات والبركات التي تترتّب على وجود الإمام المعصوم بين ظهرانيّ الأُمّة. كما أَنَّه لو سلّمنا جدلاً أَنَّ النظر في الاستكانة والخضوع إِلَى خصوص الحكم، إِلَّا أَنَّه مع ذلك يقال إِنَّ الظاهر من المقطع الَّذِي نشرحه أَنَّ الاستكانة والخضوع بلحاظ تمام الأتباع والأُمة المنتظرة، ولم يوجد على مرّ التاريخ بعد غيبة إمامنا عجّل الله تعالى فرجه الشريف أنْ كانت يد الفقيه الجامع للشرائط مبسوطة على جميع البقاع التي يتواجد فيها أتباع أهل البيت عليه السلام.

رَوْضَةُ الوِلَايَة

23 Sep, 19:32


🌾 دُمْتُم بِخَيْرٍ وعَافِيَة
_📬
للمشاركة؛ يُمكنكم إرسال أسئلتكم عبر الضغط على هذا الرابط:
telegram.me/rawdawilaya

📌 رابط القناة:
https://telegram.me/rawda_wilayah

رَوْضَةُ الوِلَايَة

18 Sep, 06:22


_🌴_

📝 سؤالٌ في رَوْضَةِ الْفِقْهِ:

🗒 السّؤال رقم 1116:

عندي والدة مريضة وعاجزة، ونحن ثمانية أبناء، خمسة من الذكور وثلاثة من الإناث. وزّعنا أدوارنا، البنات يخدمن الوالدة داخل المنزل، والشباب يؤمّنون كلّ ما يتطلبه المنزل. وفي هذا المجال عندي الأسئلة التالية:
١) على مَنْ تجب الخدمة الشخصية للأم من غسيل وتحميم واهتمام بتطهيرها من الفضلات؟ على الذكور أو الإناث؟
٢) هل يجب على الشاب أن يأخذ فترة زمنية مماثلة للبنت رغم التفصيل الذي أوردناه سابقا؟ المباشرة في خدمة الوالدة جسديا.
٣) إذا تخلّت البنات عن الخدمة المباشرة للوالدة وأحضرنا من يرعاها، هل يجب عليهنّ المشاركة في تكاليف الخادمات دون مصاريف المنزل؟ أو كلاهما؟
٤) إذا أحضرنا خادمات للوالدة، تكلفتهن تفوق إمكانية التغطية من الشباب، فهل يجوز أنْ نبيع من ممتلكات الوالدة ونصرف منها على الخدمات من ذهب أو أرض ونحو ذلك) (لبنان)

✏️ الجواب: __📩_
 
☆ إنّ خدمة الأبوين وخصوصاً الأمّ يعدّ من أعظم القربات إلى الله تبارك وتعالى، وخصوصاً عند عجزهما كما في مفروض السؤال؛ كيف وقد قرن القرآن الكريم اسمهما باسمه تبارك وتعالى في أكثر من آية، فقال: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: ٢٣]، وقال أيضا: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: ١٤]. وجاء في رسالة الحقوق لمولانا سيّد الساجدين عليه السلام: «فَحَقّ أُمّكَ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنّهَا حَمَلَتْكَ حَيْثُ لَا يَحْمِلُ أَحَدٌ أَحَداً وَأَطْعَمَتْكَ مِنْ ثَمَرَةِ قَلْبِهَا مَا لَا يُطْعِمُ أَحَدٌ أَحَداً وَأَنّهَا وَقَتْكَ بِسَمْعِهَا وَبَصَرِهَا وَيَدِهَا وَرِجْلِهَا وَشَعْرِهَا وَبَشَرِهَا وَجَمِيعِ جَوَارِحِهَا مُسْتَبْشِرَةً بِذَلِكَ فَرِحَةً مُوَابِلَةً مُحْتَمِلَةً لِمَا فِيهِ مَكْرُوهُهَا وَأَلَمُهَا وَثِقْلُهَا وَغَمّهَا حَتّى دَفَعَتْهَا عَنْكَ يَدُ الْقُدْرَةِ وَأَخْرَجَتْكَ إِلَى الْأَرْضِ فَرَضِيَتْ أَنْ تَشْبَعَ وَتَجُوعَ هِيَ وَتَكْسُوَكَ وَتَعْرَى وَتُرْوِيَكَ وَتَظْمَأَ وَتُظِلّكَ وَتَضْحَى وَتُنَعّمَكَ بِبُؤْسِهَا وَتُلَذّذَكَ بِالنّوْمِ بِأَرَقِهَا وَكَانَ بَطْنُهَا لَكَ وِعَاءً وَحَجْرُهَا لَكَ حِوَاءً وَثَدْيُهَا لَكَ سِقَاءً وَنَفْسُهَا لَكَ وِقَاءً تُبَاشِرُ حَرّ الدّنْيَا وَبَرْدَهَا لَكَ وَدُونَكَ فَتَشْكُرُهَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ وَلَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلّا بِعَوْنِ اللّهِ وَتَوْفِيقِهِ». وعلى الرغم من صعوبة تقديم الخدمة للأبوين أحياناً؛ لعجزههما التام، إلا أنّه على كلّ تقدير هذا من التوفيق للطاعة كما أُشير إليه في الحقّ المتقدم، الأمر الذي لا يتوفّر لكثير من الناس، وأنا شخصياً أغبط السائل على هذا التوفيق وهذه النعمة؛ حيث إنّي شخصياً قد حُرمتُ من خدمة والديّ رحمهما الله؛ لكونهما قد رحلا عن هذه الدنيا في حال غيابي عنهما لطلب العلم.

⊙ ومن منطلق ما تقدّم ينبغي للسائل وإخوته أنْ يكون تقديم الخدمة لوالدتهم العاجزة ميدان سباق لفعل الخيرات عندهم، وقد قال الله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: ١٤٨]، وقال أيضا: {أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}[المؤمنون: ٦١]، والأفضل والأنسب توزيع الخدمة بينهم بالتراضي.

⊙ وأمّا في صورة وقوع الاختلاف والتشاحّ بينهم، فينبغي أنْ يعلم أنّ البرّ بالوالدين وخدمتهما ليس بالضرورة أنْ يتحقّق بالمباشرة من الأبناء، بل قد تكون المباشرة منهم أو من بعضهم متعذرة، كما لو كان أحدهم غائباً، أو كان مباشرة البنت المتزوجة يتعارض مع حقّ زوجها، أو في صورة احتياج بعض الخدمات للّمس والنظر والذي لا يجوز لغير المماثل في الذكورة والأنوثة، أو غير ذلك من الأسباب. فحينئذٍ يُصار إلى استيجار واستخدام الشخص المناسب. فإنْ كانت الأمّ في مفروض السؤال مقتدرة مالياً لنفقات هذه الخدمة، فيستأجر من مالها، وإنْ كانت فقيرة تجب نفقتها على الأولاد ذكوراً وإناثاً بلا تفاوت بينهم. نعم، لا يُلزم الأبناء - ذكورا وإناثا - بالإنفاق المالي بل يكون مخيّراً بين أنْ يخدم مباشرة مع الجواز أو يدفع سهمه من نفقة الاستخدام.
هذا والله أعلم بحقائق الأمور، وهو الموفّق للصواب، وعليه المعوّل والتكلان...

🌾 دُمْتُم بِخَيْرٍ وعَافِيَة
_📬
للمشاركة؛ يُمكنكم إرسال أسئلتكم عبر الضغط على هذا الرابط:
telegram.me/rawdawilaya

📌 رابط القناة:
https://telegram.me/rawda_wilayah

رَوْضَةُ الوِلَايَة

13 Sep, 06:23


_🌴_

📝 سؤالٌ في رَوْضَةِ الْأَدْعِيَةِ وَالزِّيَارَاتِ:

🗒 السّؤال رقم 1115:

ورد في الدعاء المشهور قراءته بعد صلاة الليل: (أُناجِيكَ يا مَوْجُودُ فِي كُلِّ مَكانٍ لَعَلَّكَ تَسْمَعُ نِدائِي)، يأتي سؤال على الذهن، مفاده: أنّ سماع الله لنداء عبده حتميّ ومفروغٌ عنه، فلماذا جاء التعبير بلعلّ التي تستعمل في مورد رجاء الحصول؟ ( سوريا)

✏️ الجواب: __📩_
 
☆  العبارة المشار إليها وردت في دعاء (الحزين) المرويّ عن الإمام السجّاد عليه السلام، وكلمة (تَسْمَعُ) في هذا السياق تتضمّن معنى الاستجابة، لا مجرّد سماع الأصوات؛ ليكون المعنى: أناجيك يا موجود في كلّ مكان آملاً منك استجابة ندائي ودعائي واستجارتي بك. والله تبارك وتعالى وإنْ قال في كتابه المجيد: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: ١٨٦]، وقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: ٦٠]، إلّا أنّه من المعلوم في تفسير مثل هذه الآيات أنّ استجابة دعاء العبد إنّما تكون حتميّة؛ نظراً لحتميّة وفاء الباري تبارك وتعالى بوعده، إذا توفّرت الشروط وارتفعت الموانع، والتي منها موانع العبوديّة له تبارك وتعالى. فمَن دعا ربّه وناداه مع تخلّف بعض الشروط أو وجود بعض الموانع، لا يكون ترك استجابته سبباً لخلف الله تعالى بوعده والعياذ بالله، وقد ذكرتُ ذلك في الجواب عن السؤال (٤١٥) فراجع. وقد كان التعبير ب(لعلّك) في دعاء الحزين للإشارة إلى تلك الحقيقة.

⊙ والحاصل: أنّ الشبهة المذكورة في السؤال تكون وجيهة فيما لو كان المقصود من (النداء) مجرّد رفع الصوت، وبالتالي يكون المقصود من (الاستماع) مجرّد سماع ذلك الصوت. وأمّا لو كان المقصود من النداء هو الطلب والدعاء والالتماس، ومن (الاستماع) الاستجابة وتحقيق الرغبة فلا مجال لهذه الشبهة أصلا.

🌾 دُمْتُم بِخَيْرٍ وعَافِيَة
_📬
للمشاركة؛ يُمكنكم إرسال أسئلتكم عبر الضغط على هذا الرابط:
telegram.me/rawdawilaya

📌 رابط القناة:
https://telegram.me/rawda_wilayah

رَوْضَةُ الوِلَايَة

21 Aug, 02:41


🌴

📝 سؤالٌ في رَوْضَةِ التَّوْجِيهاتِ وَالنَّصَائِحِ:

🗒 السّؤال رقم 1114:

نحن في زمن كثر فيه الَّذِين يتصدُّون للتبليغ الدينيّ على وسائل التواصل الاجتماعيّ، المقروء منه والمسموع، وقد أصبحت صفحات (الفيس بوك) مملؤة بالتصدّي لبعض الأفكار الخاطئة، ولكن أساليب المتصدّين مختلفة، وفي بعض الأحيان يشنّ على المتصدّي للأفكار الخاطئة حملات من التسقيط والتشهير والاستهزاء وما شابه ذلك. فهل من نصائح وتوجيهات في هذا المجال؟ (لبنان)

✏️ الجواب: _📩

الحلقة الثانية:
☆ خلاصة ما تقدّم: أَنَّ الخصلة الأُولى التي ينبغي أنْ يتّصف بها المبلّغ الدينيّ بشكلٍ عامّ، وتزداد أهميتها إذا كان ميدان التبليغ هو الفضاء الافتراضيّ، هي أنْ يكون عالماً بما ينقل للآخرين؛ لأنّ الجاهل بالشيء لا مبرّر شرعي وقانوني له للخوض به، ويكون مصداقاً للفتوى بغير علم الَّذِي دلّت الأخبار على أَنَّه مِمّن يتبوّأ مقعده من النار، ويكون مصداقاً للافتراء على الله، قال تعالى: ﴿آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس: ٥٩] من جهةٍ، ومن جهةٍ أُخرى فإنّ المرء لمّا كان عدوّ ما يجهل، فهو بالتالي يتعاطى مع الشبهة أو الفكرة من دون موضوعيّةٍ، الأمر الَّذِي يوقعه في الخطإ ومجانبة الحقيقة والصواب. ولكنّنا كثيراً ما نرى أَنَّ الجاهل يتصدّى للتبليغ إمّا ظنّاً منه بأنّه عالمٌ، وإمّا لعدم تصدّي أهل العلم والمعرفة، فينتهز الفرصة ليدلي بدلوه وإنْ كان غارقاً في جهله.

⊙ ثمّ إِنَّه لمّا كان النزاع الأساسيّ بين الناس في كثيرٍ من القضايا إنما يقع في صدق العناوين والاعتراف بها، فنرى الجاهل لا يعترف بكونه جاهلاً، بل ربما يجهل بحقيقة كونه جاهلاً، كان لا بدّ من رسم الحدود والمعالم الواضحة بين العالم والجاهل. ومن هنا نرى أَنَّ أكثر النزاعات بين الناس لا يكون مصبّها الكلّيّات والقواعد العامّة (الكبريات)، بل تلك الكلّيّات تكون في الغالب من المسلّمات بينهم، وإنّما يختلفون في مصاديقها وصغرياتها. فأصل اشتراط العلم والمعرفة في عمليّة التبليغ الدينيّ نراه من المسلّمات عند الجميع، وإنّما الكلام في تحديد مَنْ هو العالم ومَنْ هو الجاهل. فهل بمجرّد أنْ أُطالع حول موضوعٍ ما، أو أُشارك في دورةٍ أو ورشةٍ دينيّة في ذلك الموضوع، يخوّلني ذلك لأن يصدق عليّ أنّي عالمٌ بذلك الموضوع؟! وللإجابة عن هذا السؤال اذكر نظيراً واضحاً لغرض تقريب الفكرة من غير المسائل الدينيّة: كثيراً ما يكون الواحد منّا يقود سيارته إِلَى مسافةٍ ليست بالقصيرة، فيفتح المذياع بقصد التسلية في الطريق، ولنفترض أَنَّه قد فتحه على برنامج حواريّ مع طبيبٍ بارعٍ متخصّصٍ بأعصاب الوجه، وكان يتكلّم عن (العصب السابع) المسؤول عن التحكُّم في عضلات الوجه، وكيف يؤدّي التهابه إِلَى شلل نصفي في الوجه. وشرح الأسباب والأعراض وكيفيّة الوقاية والعلاج بعباراتٍ مبسّطةٍ للمستمعين. فلو ادّعى شخصٌ من خلال استماعه إِلَى ذلك البرنامج أَنَّه قد أصبح عالماً بأمراض (العصب السابع) وصار يدعو الناس إِلَى مراجعته للعلاج وما شابه ذلك، فإنّه في ادّعائه هذا لا محالة يكون مفتريّاً ومدّعياً ما ليس له به علم. وليس ذلك إِلَّا لأنّ العلم بجراحة أعصاب الوجه لا يتحصّل بمجرّد ذكر الفتاوى الطبيّة المتعلّقة بذلك في حلقةٍ عابرةٍ في المذياع. وهكذا الأمر تماماً فيما لو استمعتُ في المذياع إِلَى حديث متخصّصٍ بالشأن الدينيّ عن بعض القضايا المرتبطة بالدين، أو شاركتُ في دورةٍ ثقافيّة ترتبط بتلك القضايا.
وخلاصة الأمر: لكي يصدق على شخصٍ أَنَّه عالم في بعض القضايا الدينيّة، لا يكفي فيه مجرّد معرفته بالمصطلحات المرتبطة بتلك القضايا، والحكم العامّ الثابت لها، بل لا بدّ مضافاً إِلَى ذلك من أنْ يكون عارفاً بأدلّتها، وتمييزها عن القضايا المشابهة لها، وحدودها وقيودها وتطبيقاتها وموانعها وتخصيصاتها واستثناءاتها، و ... عشرات الأُمور التي ترتبط بها. فلماذا إذاً نسلّم بسهولةٍ بعدم صدق العالم والطبيب على مجرّد أنْ نستمع إِلَى ندوةٍ طبيّةٍ حول مسألة من مسائل الطبّ، أو نشارك في دورةٍ مختصرةٍ حول ذلك، ونرى في قبال ذلك أَنَّه عندما تطرح قضيّة دينيّة، وخصوصاً تلك القضايا الشائكة التي ترتبط بشبهاتٍ لها آثارها العقديّة، يتصدّى لها كُلّ متنطّحٍ، ويصبح الجميع من العلماء الفقهاء العرفاء والفلاسفة في شؤون الدين!؟ ضلالٌ ما بعده ضلال ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلىٰ وَجْهِهِ أَهْدىٰ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الملك: ٢٢].

⊙ الآثار السلبيّة للتصدّي مع فقدان خصلة العلم والمعرفة: تماماً كما هو الحال في كُلّ حقلٍ من حقول المعرفة يكون تصدّي مدّعي المعرفة مع عدم كونه في الواقع كذلك له آثاره السلبيّة التي تترتّب عليه، إِلَّا أَنَّ تصدّي الجاهل في حقل المعارف الدينيّة تكون آثاره وسلبيّاته أكثر من غيره، ويمكن بشكلٍ سريعٍ أنْ أشير إِلَى بعضٍ منها:

رَوْضَةُ الوِلَايَة

21 Aug, 02:41


¤ يكون المتصدّي متعرّضاً للعقوبة الإلهيّة: وليس ذلك إِلَّا لأنّ إعطاء الإنسان لرأيه في الأُمور الدينيّة يكون في الواقع ناسباً إِلَى الله ورسوله ما لا يعلمه، وبالتالي قد يقع مصداقاً لقوله صلّى الله عليه وآله: «مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقَلُّهُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار»، بل هو دائماً يكون ملعوناً ومطروداً من رحمة الله تبارك وتعالى، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: «مَنْ أَفْتَى بِغَيْرِ عِلْمٍ لَعَنَتْهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ وَمَلَائِكَةُ الْأَرْضِ وَمَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ وَلَحِقَهُ وِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِفُتْيَاهُ».
¤ كثيراً ما يؤدّي إِلَى ابتعاد الناس عن الدين أو التساهل به: وذلك لأنّ الرأي الَّذِي ينشأ عن جهل بالحقائق يكون في العادة ضعيفاً، فينعكس ضعفه في العادة على الدين عوضاً من أنْ ينعكس على المتصدّي نفسه؛ لأنّ الناس تظنّ حينئذٍ أَنَّ ما ذكره المتصدّي هو الدين في الواقع.
¤ تسقط بتصدّي الجاهل هيبة العلم وأهله: وذلك لأنّ الناس عندما تلاحظ الاختلافات الموجودة في أجوبة المتصدّين الناشئة من جهل البعض، ولا تستطيع في الوقت نفسه أنْ تفرّق بين العالم الحقيقيّ والعالم الادّعائيّ، وخصوصاً على مثل ما يُسمّى بـ (وسائل التواصل الاجتماعيّ) من ناحية عدم معرفة الشخص بعينه، أو من خلال التسويق والدعايات المغرّرة، حينئذٍ يسقط مقام الجميع عندهم، ولا يخفى النتائج المهلكة لهذا الأمر، وقانا الله شرّها.
يتبع...

🌾 دُمْتُم بِخَيْرٍ وعَافِيَة
_📬
للمشاركة؛ يُمكنكم إرسال أسئلتكم عبر الضغط على هذا الرابط:
telegram.me/rawdawilaya

📌 رابط القناة:
https://telegram.me/rawda_wilayah

رَوْضَةُ الوِلَايَة

16 Aug, 21:08


🌴

📝 سؤالٌ في رَوْضَةِ التَّوْجِيهاتِ وَالنَّصَائِحِ:

🗒 السّؤال رقم 1113:

نحن في زمن كَثُر فيه الَّذِين يتصدُّون للتبليغ الدينيّ على وسائل التواصل الاجتماعيّ، المقروء منه والمسموع، وقد أصبحت صفحات (الفيس بوك) مملؤة بالتصدّي لبعض الأفكار الخاطئة، ولكن أساليب المتصدّين مختلفة، وفي بعض الأحيان يشنّ على المتصدّي للأفكار الخاطئة حملات من التسقيط والتشهير والاستهزاء وما شابه ذلك. فهل من نصائح وتوجيهات في هذا المجال؟ (لبنان)

✏️ الجواب: _📩

الحلقة الأولى:
☆ بداية أشكر الأخ العزيز على إثارته لهذا السؤال المهمّ، والذي يقارب مسألة قد أصبحت شائعةً في زماننا، وهي التصدّي للتبليغ الدينيّ على ما يُسمّى بـ (وسائل التواصل الاجتماعيّ)، هذه المسألة التي نشهد الكثير من إيجابيّاتها، كما نشهد الكثير من الآثار السلبيّة لها، والتي في الأعمّ الأغلب تعود إِلَى شخصيّة المتصدّي وما يحمل من صفات وخصائص، وأُسلوبه في التصدّي، واللغة التي يستعملها في نقل أفكاره وآرائه. ولا ينحصر هذا التصدّي بأهل العلم والمعرفة، بل أصبحنا نرى أَنَّ الكثير من الناس يدلي دلوه في كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ من القضايا الدينيّة، ويتصدّى لإعطاء الرأي وإنْ لم يكن أهلاً له، كما نرى الكثير يتصدّى للردّ على الأفكار الخاطئة بأساليب منفّرة، تجعل الجمهور المراقب ـ خصوصاً في الفضاء المجازيّ ـ ينحاز إِلَى صاحب الفكرة الخاطئة أكثر من انحيازه للمتصدّي لتصحيحها. كلّ ذلك يُشكّل مؤشرات على ضرورة طرح هذه القضيّة، ووضع الضوابط الصحيحة لها. هذا ـ ولأهميّة هذا البحث ـ سأحاول مقاربته ضمن حلقاتٍ، أستعرض فيها جملة من الخصال التي ينبغي أنْ يتحلّى بها المبلّغ الدينيّ، خصوصاً في الفضاء المجازيّ وما يُسمّى بـ (وسائل التواصل الاجتماعيّ)، ولكيلا يكون البحث تنظيريّاً جافّاً أحاول ملامسة الواقع المعاش من خلال الإشارة إِلَى بعض التطبيقات والمصاديق الإيجابيّة والسلبية.

⊙ الخصلة الأُولى: العلم. لا أعتقد أَنَّ أحداً يمكن أنْ يرتاب في ضرورة اتّصاف المبلّغ الدينيّ بالعلم والمعرفة والإحاطة بالأفكار التي يريد إيصالها إِلَى الآخرين، مهما تعدّدت منابره من الحقيقيّة والافتراضيّة، وسواء كان له جمهوره المباشر المرئيّ، أم كان جمهوره افتراضيّاً ومن وراء الظلّ والحجاب، ومهما تعدّدت مجالات ومضمون ذلك التبليغ الديني. وهذا الأمر له مبرّراته الفقهيّة (القانونيّة) والنفسيّة. أمّا مبرّراته القانونيّة؛ فباعتبار أَنَّ التبليغ الدينيّ يندرج تحت مقولة: ﴿يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران: ١٠٤]، ومن المعلوم فقهيّاً أَنَّ شرط ذلك هو العلم بكون ما يدعو إليه خيراً، وما يأمر به معروفاً، وما ينهى عنه منكراً. وأمّا مبرّراته النفسيّة، فتشير النصوص الدينيّة إِلَى أَنَّ الجاهل بشيء يعاديه، فينطلق لمقاربته وتصحيحه من منطلق عدائه وتأثراته النفسيّة، الأمر الَّذِي يجعله يجانب الحقيقة والواقع غالبا. ففي الخبر عن أمير المؤمنين عليه السلام: «الْمَرْءُ عَدُوُّ مَا جَهِل‏» (عيون الحكم والمواعظ: ٣٩). فالنتيجة أَنَّ مَنْ يتصدّى للتبليغ الدينيّ كسائر مَنْ يتصدّى لغيره من الشؤون لا بدّ أنْ يكون متسلّحاً بالعلم والمعرفة بما يريد أنْ يتصدّى له. فكما أَنَّ المجتمع لا يقبل مِمّن لا علم له ولا معرفة بالأمراض والشؤون الصحيّة أنْ يتصدّى لمعالجة الناس وتشخيص دائهم ووصف دوائهم، بل نرى أَنَّه في الدول الَّتي يسود فيها القانون ولا تحكمها شريعة الغاب يلاحق أمثال هؤلاء، ويزجّ بهم في السجون. فكذلك لا ينبغي للمجتمع الَّذِي يحترم نفسه أنْ يسمح للجاهل بالمعارف الدينيّة أنْ يتصدّى لبثّها ونشرها بين الناس. بل نرى أنّ أولويّة محاكمة هؤلاء ومعاقبتهم أولى من سائر المجالات؛ وذلك لأنّ مدعي الطبّ مثلا يضرّ بدنيا الفرد، ومدعي المعرفة بالدين يضرّ بدنيا الأفراد وآخرتهم.

⊙ هذا كلّه مِمّا لا ينبغي أنْ يقع فيه الريب والاختلاف، ولكن مع ذلك كثيراً ما نجد أَنَّ الواقع على خلاف ذلك، فيتصدّى لنشر الأفكار الدينيّة، والجواب عن الشبهات والأفكار الضالّة والمضلّة مَنْ لا علم له ولا دراية من دون أنْ يكون هناك استنكار من أحد. ويرجع ذلك إِلَى أحد سببين:
¤ السبب الأوّل: التمويه وإيهام الناس بأنّ المتصدّي عالمٌ وعارفٌ بالموضوع الَّذِي يناقشه ويبثّه بين الناس، وهذا التمويه صار سهلاً في زمن التفجّر الإعلاميّ والتكنولوجي، وكثرة وسائل التواصل وتعدّدها؛ بل في كثير من الأحيان يكون الشخص نفسه في دائرة المموّه عليهم، بمعنى أَنَّه لا يكون مخادعاً للناس مع علمه بأنّه يفعل ذلك، بل يعتقد بمجرّد أَنَّه بحث عن الموضوع في الشبكة العنكبوتيّة مثلاً، وقرأ عنه يظنّ نفسه أَنَّه صار عالماً وخبيراً به.

رَوْضَةُ الوِلَايَة

16 Aug, 21:08


¤ السبب الثاني: تقصير أهل العلم والمعرفة وعدم تصدّيهم وقيامهم بدورهم المنتظر منهم، أو لتريّثهم بالقيام بالدور المطلوب منهم. فيستغلّ الفرصة مَن لا أهلية له ولو بحسن نيّة. وهذا ما نراه عادة في غالب مجالات المعرفة إذا واجه أهل العلم والمعرفة في ذلك المجال ظرفاً مؤثّراً أخّرهم عن التصدي. ويمكن التمثيل لذلك بما عاصرناه قريباً في بداية انتشار وباء (الكورونا)؛ حيث بتنا نرى الكثير مِمّن لا علم له ولا دراية بالأمراض والفيروسات، بل لا حظّ له من المعرفة الطبيّة ولو بأدنى مراتبها أصبح يعطي الوصفات العلاجيّة، وعوامل الوقاية من ذلك الداء، وشاهدنا بأمّ أعيننا كيف أَنَّ بعض تلك الوصفات أدّت إِلَى فاجعة عادت بالضرر على الكثير من الناس.
يتبع...

رَوْضَةُ الوِلَايَة

08 Aug, 14:07


• ثالثاً: أَنَّ ابن الأعثم نفسه نقل في تاريخه ما لفظه: «فقال له عزرة بن قيس: إنّك لم تكن عندنا من شيعة أهل البيت إنما كنت عثمانياً نعرفك‏» (الفتوح ٥: ٩٨)، وليس في نقل الفتوح لمحادثة عزرة ما يأتي فيه ما في نقل الطبريّ، فمع هذا التصريح كيف يُعتمَد على ذلك النقل الإجماليّ الَّذِي نسبه الخوارزميّ إليه.
¤ الثالثة: ذكر أَنَّ التأريخ في إطار سيرة زهير بن القين لم يُحدّثنا عن أيّ‌ واقعة أو حدث أو محاورة أو تصريح من زهير نفسه تتجلّىٰ‌ فيه هذه العثمانية التي أُلْصقت فيه! مع أنّ‌ الآخرين ممّن عُرفوا بعثمانيّتهم كانوا قد عُرفوا بها من خلال آرائهم ومواقفهم واشتراكهم في حرب أو أكثر ضدّ عليّ‌ عليه السلام (مع الركب الحسينيّ ۳ : ٢١٢). وهذه الملاحظة قد ظهر جوابها مِمّا تقدّم في الخطوة الثانية المتقدّمة، فالمعلومات التي نصّت عليها كتب التاريخ والسيرة حول شخصيّة زهير كانت قليلة جدّاً بحيث لا يكون عدمها دليلاً على عدم كونه عثمانيّاً قبل وقعة الطفّ. كما أَنَّ كون الشخص عثمانيّ الهوى لا يقتضي بالضرورة أنْ يكون قد اشترك في حرب ضدّ عليّ عليه السلام، فالتاريخ يحدّثنا عن شخصيّات كانت (عثمانيّة) وتخلّفت عن القتال مع عليّ عليه السلام ومع أعدائه، بل بعض شاركه في بعض معاركه وإنْ كان على كراهة. فالشيخ المفيد رحمه الله ينقل في كتاب (الأمالي: ١٢٩) ما لفظه: «فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو بُرْدَةَ بْنِ عَوْفٍ الْأَزْدِيُّ وَكَانَ عُثْمَانِيّاً تَخَلَّفَ عَنْهُ يَوْمَ الْجَمَلِ وَحَضَرَ مَعَهُ صِفِّينَ عَلَى ضَعْفِ نِيَّةٍ فِي نُصْرَتِه‏». وفي كتاب (الاستيعاب ٢: ٥٤) عن أبي عمر، قال: «كان عثمان يحبّ زيد بن ثابت، وكان زيد عثمانيّاً، ولم يكن فيمَن شهد شيئاً من مشاهد عليّ مع الأنصار، وكان مع ذلك يفضّل علياً ويظهر حبّه». وعليه، فمن الممكن أن تكون (عثمانيّة) زهير على تقدير ثبوتها دعته إِلَى اعتزال المشاركة السياسيّة والحربيّة، من دون أنْ يكون محارباً لعليّ عليه السلام.
¤ الرابعة: وإذا تأمّلنا جيّداً في ماقاله عزرة بن قيس لزهير وما ردّ به زهير - على ما في رواية الطبري - يتجلّىٰ‌ لنا أنّ‌ زهير بن القين لم يكن عثمانيّاً في يوم من الأيّام! ذلك لأنّ‌ زهيراً أجاب عزرة الذي اتهمه بالعثمانية فيما مضىٰ‌ قائلاً: «أفلستَ‌ تستدلُّ‌ بموقفي هذا أنّي منهم!؟» أي: من أهل هذا البيت عليهم السلام رأياً وميلاً وانتماءً. ولم يقل له مثلاً: نعم كنتُ‌ عثمانياً كما تقول، ثمّ‌ هداني اللّه فصرت من أتباع أهل هذا البيت عليهم السلام وأنصارهم، أو ما يشبه ذلك. بل كان في قوله: «أفلستَ‌ تستدلّ‌ بموقفي هذا أنّي منهم» نفيٌ‌ ضمنيٌّ‌ لعثمانيته مطلقاً في الماضي والحاضر، ثمّ‌ إنّ‌ سكوت عزرة بعد ذلك عن الردّ كاشف عن تراجعه عن تهمة العثمانيّة، فتأمّل (مع الركب الحسيني ٣: ٢١٢).
ولا يخفى ما في هذا الكلام فإنّه مضافاً إِلَى ما عرفت من أَنَّ بعض النقولات السابقة ليس فيها تلك الزيادة التي تقتضي التشكيك في عثمانيّته، كذلك لا نسلّم أَنَّ قوله: «أفلستَ‌ تستدلُّ‌ بموقفي هذا أنّي منهم!؟» ينفي العثمانية السابقة، بل غاية ما يفيد أَنّي الآن من أبتاع أهل هذا البيت عليه السلام.
¤ والخلاصة: أَنَّني لستُ في المقام بصدد إثبات أَنَّ زهيراً رضوان الله تعالى عليه كان عثمانيّاً قبل واقعة الطفّ على نحو الجزم واليقين، بل غاية ما يمكن القول: إِنَّ بعض النُّصوص التاريخيّة تثبت ذلك الأمر الَّذِي يورث لنا الظنّ بأنّه كان كذلك. وحتّى على تقدير الجزم بذلك لا ينافي أَنَّه صار من أصحاب الحسين عليه السلام المخلصين، وأنّه قضى شهيداً في هذه الدنيا على خطّ أهل البيت عليهم السلام، ويثبت له من الكرامات والمنح الإلهيّة ما يثبت لأصحاب الإمام الحسين عليه السلام، كما هو الحال مع الحر بن يزيد الرياحي. وعلى تقدير أَنَّنا سلّمنا عدم جواز الاعتماد على تلك النقولات التاريخيّة، لكن في الوقت نفسه لا نستطيع أنْ نثبت خلافها، وندّعي أَنَّه كان متخصّصاً بالأخبار التي تتحدّث عن فضائل آل البيت عليه السلام، وأنّه شارك مع أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه كما جاء في سؤال السائل.
هذا ما وصل إليه النظر القاصر على نحو العجالة، والله تبارك وتعالى أعلم بحقائق الأُمور...

🌾 دُمْتُم بِخَيْرٍ وعَافِيَة
_📬
للمشاركة؛ يُمكنكم إرسال أسئلتكم عبر الضغط على هذا الرابط:
telegram.me/rawdawilaya

📌 رابط القناة:
https://telegram.me/rawda_wilayah

رَوْضَةُ الوِلَايَة

08 Aug, 14:07


عليه السلام، وروى فضائلهم، وشارك في حروبه، لكانت الدواعي متوافرة على تكذيب تلك النقولات التي تصفه بكونه عثمانيّ الهوى، لا نقلها والمعاملة معها معاملة الحقائق الثابتة.

⊙ الخطوة التاسعة: إِنَّ كون شخصيّة مثل زهير بن القين قد مرّت في بعض مقاطع حياتها على غير ما عليه أهل الحقّ آنذاك لا يُعدّ منقصة له حتّى بعد انعطافه إِلَى الحقّ كي يُنفَى بما ورد في حقّ شهداء كربلاء رضوان الله تعالى عليهم من الفضل. وأوضح شاهد على ذلك الحرّ بن يزيد الريّاحيّ الَّذِي تكون قضيّة الجعجعة بالحسين عليه السلام وأصحابه من المسلّمات.

⊙ الخطوة العاشرة: وأخصّصها لبعض ما ذُكِر في موسوعة (مع الركب الحسينيّ من المدينة إِلَى المدينة) من المناقشات غير السنديّة في النصوص التي تدلّ على كون زهيراً عثمانيّ الهوى:
¤ الأولى: فقد ناقش فيما نقله الطبريّ في تاريخه من رواية منازل الطريق عن رجل من بني فزارة؛ بدعوى أَنَّها لا تستقيم مع الحقيقة التاريخيّة والجغرافية؛ لأنّ زهير بن القين كان عائداً من مكّة إلى الكوفة بعد الانتهاء من أداء الحجّ، فلو فرضنا أنّه قد خرج من مكّة بعد انتهاء مراسم الحجّ مباشرة؛ فإنّه يكون قد خرج منها يوم الثالث عشر من ذي الحجّة على أفضل التقادير؛ وبهذا يكون الفرق الزمنيّ بين يوم خروجه ويوم خروج الإمام عليه السلام منها خمسة أيام على الأقلّ، وإذا كان هذا فكيف يصحّ ما في متن الرواية: «كنّا مع زهير بن القين البجليّ حين أقبلنا من مكّة نُساير الحسين؟!». وفيه ما لا يكاد يخفى؛ إذ فيه:
• أوّلاً: أَنَّ كون زهير قد عاد من مكّة إِلَى الكوفة بعد الانتهاء من أداء الحجّ من الحقائق التاريخيّة لا يستقيم مع مناقشته في أسانيد تلك النقولات التاريخيّة، والمفروض أَنَّ خروجه كذلك لم يثبت من غير تلك النقولات. فكان الأولى بصاحب هذا الإشكال أنْ يذهب إِلَى تهافت النقل على تقدير ثبوته لا الإشكال بعدم الاستقامة مع حقائق التاريخ.
• وثانياً: أَنَّ المقطع المشار إليه في رواية الفزاريّ المتقدّمة «كنّا مع زهير بن القين البجليّ حين أقبلنا من مكّة نُساير الحسين» لا يدلّ بوجهٍ أَنَّ المسايرة في الطريق كانت قد بدأت من حين خروج زهير من مكّة مباشرةً كي يقال بأنّه لا ينسجم مع الفارق الزمانيّ بين وقت خروجه وخروج الإمام الحسين عليه السلام الَّذِي لم يتمّ حجّه كما هو ثابتٌ، بل من الممكن أَنَّ المسايرة كانت بعد ذلك بمدّة، ولا مانع من التحاق ركب زهير بركب الإمام الحسين عليه السلام في الطريق؛ إمّا لتسريع زهير وركبه للوصول إِلَى الكوفة، وإمّا لما هو معروفٌ من أَنَّ الركب الحسينيّ لم يكن يسير حثيثاً وبوتيرة واحدة، بل كان يعرّج في بعض الطريق لدعوة بعض الشخصيّات، الأمر الَّذِي يقتضي البطء في السير، وإمّا لكلا الأمرين معاً. وعليه، فمن الممكن أنْ يكون زهير قد لحقه في بعض الطريق، وهذا ينسجم مع رواية الفزاريّ ولا يخالفها.
• وثالثاً: على تقدير المخالفة يكون الأمر كذلك في رواية الطبريّ التي عبّرت بالمسايرة، ولا يأتي هذا الإشكال في رواية الدينوريّ التي جاء فيها: «وكان حاجّاً أقبل من مكة يريد الكوفة. فأرسل إليه الحسين، أن ألقني أكلمك...».
¤ الثانية: أَنَّ ما ذكره الطبريّ والبلاذريّ والدينوريّ من نصّ يدلّ على امتناع زهير عن لقاء الحسين عليه السلام، هذا الامتناع المفسّر على أساس عثمانيّة زهير، معارضٌ بأنّ بعض المؤرّخين روى قصّة لقاء الإمام عليه السلام بزهير من دون أنْ يرد في روايته ذكرٌ لامتناع زهير وكرهه للقائه، ومن هؤلاء ابن أعثم الكوفيّ المعاصر للطبريّ (مع الركب الحسيني ٣: ٢١١).
وهذا عجيبٌ منه؛ إذ فيه:
• أوّلاً: أَنَّ نسبة هذا الكلام إِلَى ابن الأعثم جاء على لسان الخوارزميّ في مقتله؛ حيث قال: «قال الإمام أحمد بن أعثم: ثمّ‌ مضى الحسين فلقيه زهير بن القين، فدعاه الحسين إلى نصرته فأجابه لذلك، وحمل إليه فسطاطه، وطلّق امرأته، وصرفها إلى أهلها، وقال لأصحابه: إني كنت غزوت بلنجر مع سلمان الفارسيّ فلما فتح علينا اشتدّ سرورنا بالفتح، فقال لنا سلمان: لقد فرحتم بما أفاء اللّه عليكم، قلنا: نعم، قال: فإذا أدركتم شباب آل محمّد صلّى اللّه عليه وآله فكونوا أشدّ فرحا بقتالكم معه منكم بما أصبتم اليوم، فأنا أستودعكم اللّه تعالى، ثمّ‌ ما زال مع الحسين حتّى قتل» (مقتل الإمام الحسين عليه السلام ١: ٣٢٣)، وليس لهذا الكلام عينٌ ولا أثر في كتاب الفتوح، مع ذكره لزهير بن القين فيه.
• ثانياً: أَنَّه على تقدير صحّة النسبة إِلَى ابن الأعثم، فلا ينافي ما ذكره الطبريّ إِلَّا بالإجمال والتفصيل، فابن أعثم ذكر النتيجة وهي التحاق زهير بالإمام الحسين عليه السلام بالطريق، والطبرّي ذكر تفصيل هذا الالتحاق وأنّه كان بعد الامتناع عن اللقاء.

رَوْضَةُ الوِلَايَة

08 Aug, 14:07


🌴

📝 سؤالٌ في رَوْضَةِ السِّيرَةِ وَالتَّارِيخِ:

🗒 السّؤال رقم 1112:

اتّبعتُ مذهب آل البيت عليهم السلام منذ عشرين سنة، وكنت أشارك كلّ عامّ في مجالس العزاء، وثبت في ذهني من خلال استماعي لمجالس الأصحاب أَنَّ زهير بن القين لم يكن من بداية أمره مع الإمام الحسين عليه السلام، بل كان عثمانيّ الهوى. ولكن في هذا العامّ وفي المجلس الَّذِي شاركتُ في مدينة قمّ المقدسة ذكر القارئ أَنَّ زهيراً هذا كان من خيرة الموالين لأهل البيت عليهم السلام، وكان متخصّصاً بالأخبار التي تتحدّث عن فضائلهم، وشارك مع أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه، وقد كان من أوّل الأمر قاصداً الإمام الحسين عليه السلام للقتال معه. حبّذا لو تتحفونا ببحث يبيّن لنا ما هو الصحيح في هذه المسألة؟ (سيراليون)

✏️ الجواب: _📩

☆ أسمح لي أخي السائل أنْ أُجيب عن هذا السؤال بشيء من التفصيل، مع التذكير بأنّ البحث بحاجة إلى مقالٍ موسّعٍ لعلّ الفرصة تسنح له في المستقبل. وعليه، فالجواب يكون من خلال التدرُّج في الخطوات التالية:

⊙ الخطوة الأُولى: أَنَّ الأصل في دعوى المناقشة فيما اشتهر من نسبة الشهيد زهير بن القين إِلَى كونه عثمانيّ الهوى قبل وقعة كربلاء هو ما جاء في موسوعة (مع الركب الحسينيّ من المدينة إِلَى المدينة) والتي هي لمجموعةٍ من الفضلاء والمؤلّفين؛ وذلك بدعوى أَنَّ مثل هذه التهم هي نتيجة لنيّةٍ مبيّتةٍ من قِبَل أعداء أهل البيت عليه السلام؛ غرضها الحطّ من شأنِ أصحاب الإمام الحسين عليه السلام وشهداء كربلاء في أعين الموالين له. مضافاً إِلَى أَنَّ النصوص التاريخيّة التي تفيد هذه الدعوى إمّا أَنَّها ضعيفة السند، وإمّا أَنَّها ضعيفة الدلالة.

⊙ الخطوة الثانية: ألفتُ النظر إلى أنّ الكثير من شخصيّات كربلاء في كلا المعسكرين لا يوجد لدينا معلومات كافية عنهم في كتب السيرة والتاريخ، وربما يكون هذا أمراً طبيعيّاً؛ نظراً لمعروفيّتهم بتضحيتهم في كربلاء إنْ كانوا من معسكر الإمام الحسين عليه السلام، أو معروفيّتهم بجرائمهم في كربلاء إنْ كانوا من معسكر عمر بن سعد. وبالتالي تكون الكثير من تفاصيل حياتهم، من سيرتهم وعقيدتهم وسائر شؤونهم السابقة على واقعة كربلاء خافية علينا. نعم، بعض الشخصيّات في كلا المعسكرين كانت معروفة ومشهورة قبل حادثة كربلاء، فنجد حديثاً عنها في كتب السيرة والتاريخ. هذا، وزهير بن القين من الشخصيّات التي قلّ الحديث عنها في كتب السيرة والتاريخ قبل وقعة الطفّ.

⊙ الخطوة الثالثة: إِنَّ المعلومات التي وصلت إلينا من خلال كتب السيرة والتاريخ عن حال زهير بن القين رضوان الله تعالى عليه قبل وقعة كربلاء على الرغم من قلّتها إِلَّا أَنَّه نستفيد منها بعض المعطيات، اقتصر على أربعة منها:
¤ أَنَّ زهيراً كان سيّداً في قومه وجيهاً ولم يكن شخصيّة مهملة. وهذه المعلومة وإنْ كانت غير مصرّح بها في كتب السيرة والتاريخ بشكلٍ مباشر، إِلَّا أَنَّه يمكن استفادتها من عدّة قرائن:
• منها: أَنَّه فيما نُقِل من مسايرته للحسين عليه السلام في الطريق أَنَّه كان معه ركبٌ وفسطاط من دون أنْ يكون تابعاً في هذا الركب، بل كان هو الأصل فيه.
• ومنها: ما جاء في بعض الأخبار من أَنَّه بعد التقائه بالحسين عليه السلام في الطريق، قال لأصحابه: «مَنْ أحبَّ‌ منكم أن يتبعني وإلاّ فإنّه آخر العهد»، وفيه دلالة على كونه متبوعاً لا تابعاً، وله شأنٌ ومكانة في قومه.
• ومنها: ما جاء في وصفه حين المعركة: وخرج من أصحاب الحسين عليه السلام زهيرُ بن القين على فرس له شاك في السلاح، وهذا الأمر في العادّة لا يتأتّى لِكُلّ أحد.
• ومنها: تنصيب الإمام عليه السلام له على ميمنة جيشه.
• ومنها: قيامه بوعظ معسكر الأعداء في كربلاء، وفي العادة لو كان شخصاً عاديّاً لا يكون خطيباً واعظاً من جهةٍ، ولا يسمح له الناس بالكلام من جهةٍ أخرى؛ ولذلك نرى أَنَّ الَّذِين وعظوا القوم في كربلاء كانوا في معظمهم من النخب.
• ومنها: ولعلّه من أوضحها، ما جاء في كتب التاريخ: «وبرز يسار، مولى زياد، وسالم، مولى عبيد الله، وطلبا البراز، فخرج إليهما عبد الله بن عمير الكلبيّ، وكان قد أتى الحسين من الكوفة وسارت معه امرأته، فقالا له: من أنت؟ فانتسب لهما. فقالا: لا نعرفك، ليخرج إلينا زهير بن القين، أو حبيب بن مظاهر، أو برير بن خضير».
¤ أَنَّ زهيراً وإنْ كان من أهل الكوفة وساداتها، إِلَّا أَنَّه لم يكاتب الإمام الحسين عليه السلام كما فعل الكثير من ساداتها. وهذا يستفاد صراحةٍ مِمّا نقله الطبريّ في تاريخه من محاورةٍ حصلت في كربلاء بين عزرة بن قيس وزهير بن القين عندما قام الأخير بمقاطعة خطاب حبيب بن مظاهر؛ حيث جاء في ردّ زهير على بعض كلام عزرة: «أَمَا والله ما كتبتُ إليه كتاباً قطّ، ولا أرسلتُ إليه رسولاً قطّ، ولا وعدته نصرتي قطّ» (تاريخ الطبري ٥: ٤١٧).

رَوْضَةُ الوِلَايَة

08 Aug, 14:07


¤ أَنَّ زهيراً التقى بالإمام الحسين عليه السلام في الطريق من مكّة إِلَى الكوفة صدفة، لا عن قرار من زهير بالالتحاق به لنصرته أو قتاله. وهذا الأمر كما يشعر به النصّ المتقدّم يدلّ عليه بوضوح ما جاء في تتمّة ذلك الكلام من قول زهير: «ولكن الطريق جمع بيني وبينه، فلمّا رأيتُه ذكرتُ به رسول الله صلّى الله عليه وآله ومكانه منه، وعرفت ما يقدم عليه من عدوه وحزبكم، فرأيتُ أنْ أنصره، وأنْ أكون في حزبه، وأنْ اجعل نفسي دون نفسه؛ حفظاً لما ضيّعتم من حقّ الله وحقّ رسوله‏». كما أنّ قضية طلاقه لزوجته يشعر بذلك.
¤ أَنَّ زهيراً كان قبل وقعة كربلاء عثمانيّ الهوى، أو على أقلّ التقادير لم يكن موالياً للإمام الحسين عليه السلام، وفي طريق رجوعه من مكّة إِلَى الكوفة ولقائه بالإمام الحسين عليه السلام حصل انعطافٌ في حياته فانقلب من ضفّةٍ إِلَى أخرى. ومِمّا يدلّ على ذلك النصوص التالية، أذكرها حسب التسلسل الزمانيّ:
• أنساب الأشراف للبلاذريّ (ت: ٢٧٩ه): «قالوا: وكان زهير بن القين البجلي بمكّة ـ وكان عثمانياً ـ فانصرف من مكّة متعجّلا فضمّه الطريق وحسيناً، فكان يسايره ولا ينازله، ينزل الحسين في ناحية وزهير في ناحية، فأرسل الحسين إليه في إتيانه، فأمرته امرأته ديلم بنت عمرو أن يأتيه فأبى، فقالت: سبحان الله أيبعث إليك ابن‏ بنت رسول الله فلا تأتيه؟!! فلمّا صار إليه ثمّ انصرف إلى رحله، قال لامرأته: أنت طالق فالحقي بأهلك فإنّي لا أحبّ أن يصيبك بسببي إلّا خير. ثم قال لأصحابه: من أحبّ منكم أن يتّبعني فليتبعني، وإلّا فإنّه آخر العهد». وجاء فيه أيضاً: «وقال عزرة لزهير بن القين: كنت عندنا عثمانيا فما لك؟! فقال: والله ما كتبت إلى الحسين ولا أرسلت إليه رسولا، ولكنّ الطريق جمعني وإياه فلما رأيته ذكرت به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وعرفت ما تقدّم إليه من غدركم ونكثكم وميلكم إلى الدنيا، فرأيت أن انصره وأكون في حزبه حفظا لما ضيعتم من حقّ رسول الله‏».
• الأخبار الطوال للدينوريّ (ت: ٢٨٢هـ): «ثم سار حتى انتهى إِلَى زرود، فنظر إِلَى فسطاط مضروب، فسأل عنه، فقيل له: هو لزهير بن القين. وكان حاجّاً أقبل من مكة يريد الكوفة. فأرسل إليه الحسين، أن ألقني أكلمك. فأبى أن يلقاه. وكانت مع زهير زوجته، فقالت له: سبحان الله، يبعث إليك ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله فلا تجيبه. فقام يمشى إِلَى الحسين عليه السلام، فلم يلبث أن انصرف، وقد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه فقلع، وضرب إِلَى لزق فسطاط الحسين. ثم قال لامرأته: أنت طالق، فتقدمي مع أخيك حتى تصلي إِلَى منزلك، فإني قد وطّنتُ نفسي على الموت مع الحسين عليه السلام. ثم قال لمن كان معه من أصحابه: من أحبّ منكم الشهادة فليقم، ومن كرهها فليتقدّم. فلم يقم معه منهم أحد، وخرجوا مع المرأة وأخيها حتى لحقوا بالكوفة».
• تاريخ الطبريّ (ت: ٣١٠هـ) ذكر ما تقدّم بشكل أكثر تفصيلاً: «قال أبو مخنف: فحدثني السدي، عن رجل من بني فزارة، قال: لما كان زمن الحجاج بن يوسف كنّا في دار الحارث بن أبي ربيعة التي في التمارين التي اقطعت بعد زهير بن القين، من بني عمرو بن يشكر من بجيلة، و كان أهل الشام لا يدخلونها، فكنّا مختبئين فيها، قال: فقلت للفزاري: حدثني عنكم حين أقبلتم مع الحسين بن علي، قال: كنّا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكّة نساير الحسين، فلم يكن شيء أبغض إلينا من أن نسايره في منزل، فإذا سار الحسين تخلّف زهير بن القين، وإذا نزل الحسين تقدّم زهير، حتى نزلنا يومئذ في منزل لم نجد بدّاً من أن ننازله فيه، فنزل الحسين في جانب، ونزلنا في جانب، فبينا نحن جلوس نتغدّى من طعام لنا، إذ أقبل رسول الحسين حتى سلّم، ثم دخل فقال: يا زهير بن القين، إِنَّ أبا عبد الله الحسين بن علي بعثني إليك لتأتيه، قال: فطرح كلّ إنسان ما في يده حتى كأنّنا على رؤوسنا الطير. قال أبو مخنف: فحدثتني دلهم بنت عمرو امرأة زهير بن القين، قالت: فقلت له: أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه! سبحان الله! لو أتيته فسمعت من كلامه! ثم انصرفت، قالت: فأتاه زهير بن القين، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أسفر وجهه، قالت: فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فقدّم، وحمل إِلَى الحسين، ثم قال لامرأته: أنت طالق، الحقي بأهلك، فإني لا أحبّ أن يصيبك من سببي إِلَّا خير، ثم قال لأصحابه: من أحب منكم أن يتبعني وإلا فإنه آخر العهد، إني سأحدثكم حديثا، غزونا بلنجر، ففتح الله علينا، وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان الباهلي: أفرحتم بما فتح الله عليكم، وأصبتم من الغنائم! فقلنا: نعم، فقال لنا: إذا أدركتم شباب آل محمد فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معهم منكم بما أصبتم من الغنائم، فأمّا أنا فإني استودعكم الله، قال: ثم والله ما زال في أوّل القوم حتى قتل‏».

رَوْضَةُ الوِلَايَة

08 Aug, 14:07


ونقل أيضاً حواره مع عزرة بن قيس، فقال: «قال: يا زهير، ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت، إنما كنت عثمانيا، قال: أفلستَ تستدلَ بموقفي هذا أني منهم! أما والله ما كتبت إليه كتاباً قطّ، ولا أرسلت إليه رسولاً قطّ، ولا وعدته نصرتي قطّ، ولكن الطريق جمع بيني وبينه، فلما رأيته ذكرت به رسول الله صلى الله عليه وآله ومكانه منه، وعرفت ما يقدم عليه من عدوه وحزبكم، فرأيت أن أنصره، وأن أكون في حزبه، وأن أجعل نفسي دون نفسه؛ حفظاً لما ضيّعتم من حقّ الله وحقّ رسوله‏».
• الكامل في التاريخ لابن الأثير (ت: ٦٣٠هـ): وهو معروف بالنقل عن الطبريّ، فأورد ما جاء فيه مختصراً، ولكنّه ذكر سلمان الفارسيّ بدل الباهليّ؛ حيث قال: «غزونا بلنجر ففتح علينا وأصبنا غنائم ففرحنا وكان معنا سلمان الفارسيّ فقال لنا: إذا أدركتم سيّد شباب أهل محمّد فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معه بما أصبتم اليوم من الغنائم‏».

⊙ الخطوة الرابعة: هناك قاعدة تعتبر من المسلّمات، مفادها: أَنَّه إذا كان لدينا راوٍ موصوفٌ من ناحية (علم الرجال) بالضعف، بل فرضنا أَنَّهم نصّوا على كونه كاذباً ومعروفاً بالوضع، فلا يعني ذلك بأيّ شكلٍ من الأشكال أَنَّ كُلّ ما يرويه ذلك الرواي لا محالة يكون كاذباً وموضوعاً؛ وذلك لأنّه كما قد يخطئ الصادق فلا يكون كلامه مطابقاً للواقع، قد يصدق الكاذب. ومعنى ذلك أَنَّ الكاذب والوضّاع يسقط خبره عن الاعتبار، لا أَنَّ خبره يصبح معلوم الكذب والوضع. ولا فرق في هذه القاعدة بين راوي الأحاديث الفقهيّة وراوي الأحداث التاريخيّة.

⊙ الخطوة الخامسة: هناك قاعدة في المنهج التاريخيّ الصحيح عندنا، مفادها: أَنَّه إذا كان لدينا قضيّتان متقابلتان، وكان لإحدى القضيّتين دليل، وكانت القضيّة الأُخرى خالية عن الدليل، وتبيّن لنا أَنَّ دليل القضيّة الأُولى كان ضعيفاً، فكما لا تثبت القضيّة الأولى لا يثبت ما يقابلها، بل يبقى كُلّ واحدةٍ من القضيّتين محتملة، وإنْ كانت القضيّة الأُولى أقوى احتمالاً؛ لوجود نصوص تاريخيّة تدلّ عليها، وإن كانت ضعيفة الأسانيد.

⊙ الخطوة السادسة: في المنهج التاريخيّ الَّذِي نعتمد عليه نرى أَنَّه لا يتوقّف ثبوت الحدث التاريخيّ على طريقة تصحيح الأسانيد حصراً، بل إِنَّ تصحيح الأسانيد يعتبر واحداً من الطرق التي يمكن أنْ يعتمد عليها المحلّل للأحداث التاريخيّة، وهناك طرقٌ أخرى، كالعرض على المسلّمات، وتجميع القرائن الاحتماليّة التي لها علاقة بنوعيّة الخبر والمخبر والبرهة الزمانيّة وما شابه ذلك.

⊙ الخطوة السابعة: فيما نحن فيه قد عرفتَ أَنَّ هناك نصوصاً تاريخيّة قائمة على إثبات جملة من الأمور للشهيد زهير بن القين رضوان الله تعالى عليه، والتي كان من أبرزها أَنَّه كان قبل وقعة كربلاء عثمانيّ الهوى، ولم يكن من قصده الالتحاق بالإمام الحسين عليه السلام من أوّل الأمر. غاية الأمر قد يقال عن تلك النصوص التاريخيّة إنَّها ليست قويّة من ناحية الراوي والسند، بل هي حسب التصنيف الرجالي تصنّف ضمن الروايات الضعيفة. ولنفترض ـ على أسوأ الاحتمالات ـ أَنَّ راويها موصوفٌ بالكذب والوضع، لكنّك عرفتَ أَنَّ غاية الأمر أنه لا نستطيع أنْ نبتُّ في ذلك لمجرّد وجود تلك النصوص المتقدّمة. لكن مع ذلك لا يعني ذلك أَنَّ ما يقابلها هو الَّذِي يكون ثابتاً من كونه كان موالياً قبل وقعة كربلاء، ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام والراوي لفضائلهم، وغير ذلك مِمّا أُشير إليه في سؤال السائل؛ وذلك لما عرفت من القاعدة المشار إليها في الخطوة الخامسة.

⊙ الخطوة الثامنة: قد عرفتَ في الخطوة السادسة أنّ الاقتصار على طريقة تصحيح الأسانيد لإثبات الحقائق التاريخيّة مِمّا لا نقول به، ولو فرضنا الاقتصار عليه لأدّى ذلك إِلَى إبطال الكثير من أحداث التاريخ، ولا يبقى لنا ما يمكن التعويل عليه، ولا ينحصر الأمر في قضيّة زهير هذا، فإنّ الكثير من أحداث واقعة الطفّ تصنّف ضمن الأخبار الناقلة لها بالأخبار الضعيفة إمّا بالإرسال تارة، وإمّا بمجهوليّة راويها أُخرى، وإمّا بثبوت عدم وثاقته ثالثة، والحال أَنَّ جملة كبيرة من تلك الأحداث يطمئنّ الباحث بحصولها من خلال القرائن التي تكون حافّة بتلك النقولات التاريخيّة. فهذا مقتل أبي مخنف (ت: ١٥٧هـ) الَّذِي يُعَدّ من أقدم المصادر لحوادث كربلاء، المتداول منه غير ثابتٌ، بل جملة من أحداثه ثابتة العدم، وما نقله عنه الطبريّ في تاريخه يوصف بضعف السند، والحال: أَنَّ الباحث يجزم بحصول الكثير من الوقائع الواردة فيه؛ لوجود قرائن الصحّة فيها. وتلك النّصوص المتقدّمة في حقّ زهير قد تناقلها الشيعة الأوائل من دون أيّ إنكار من أحدٍ منهم، فهذا الشَّيْخ المفيد رحمه الله (ت: ٤١٣هـ) قد نقل بعضها في كتاب (الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد)، كما أَنَّه يمكن تأييدها بعد الالتفات إِلَى ما تقدّم في الخطوة الثالثة من أَنَّ زهيراً لم يكن شخصيّة مهملة، بل كان سيّداً ووجيها في قومه، فلو كان من الموالين لأمير المؤمنين

رَوْضَةُ الوِلَايَة

04 Aug, 07:28


🌴

📝 سؤالٌ في رَوْضَةِ عِلَلِ الْأَحْكَامِ:

🗒 السّؤال رقم 1111:
أسئلة ذات صلة: 766.

هل ذكرت الشريعة علّةً لتحريم الجمع بين الأُختَيْنِ؟ (لبنان)

✏️ الجواب: _📩

☆ بداية لا بدّ من التركيز على نقطة أشرتُ إليها في جواب السؤال (٧٦٦)، وهي: أَنَّه طبقاً لعقيدتنا في المولى تبارك وتعالى، بأنّه عِلمٌ مطلقٌ، وحكمةٌ مطلقة، واستغناء مطلق، فلا يُشرّع إِلَّا ما هو مصلحة ضمن النظام الأكمل، ولا يوجد في أيّ تشريعٍ من تشريعاته ظلمٌ للعباد، أو مصلحةٌ تعود إليه. وبعد اعتقادنا بعصمة النبيّ وأولياء الأُمور من بعده صلوات الله عليهم أجمعين، وعلمهم بما ينفع العباد، فلا يمكن أنْ يأتوا بتشريعٍ وتكليفٍ يتنافى مع الحكمة والمصلحة. كُلّ ذلك يقتضي أَنَّه سواء علمنا حِكَمَ التشريعات الصادرة من المولى أم لم نعلم، لا يؤثّر ذلك على لزوم اتّباعها واعتقاد المؤمن بأنّ التشريع الإلهيّ هو التشريع الأصلح والأنفع؛ لأنّه صادرٌ من ربّ عليمٍ حكيمٍ عادلٍ، فلا بدّ على كُلّ حالٍ من الانقياد والتسليم، قال تعالى: ﴿وَمٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاٰ مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاٰلاً مُبِيناً﴾ [الأحزاب: ٣٦]، وقال أيضاً: ﴿فَلاٰ وَرَبِّكَ لاٰ يُؤْمِنُونَ حَتّٰى يُحَكِّمُوكَ فِيمٰا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاٰ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّٰا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [النساء: ٦٥].

⊙ ثمّ إِنَّ بعض ما يُذكر في الروايات مِمّا ظاهره أَنَّه علّة لبعض الأحكام الشرعيّة يرجع في الحقيقة إِلَى كونه حِكمةً لا علّة يدور التشريع مدارها وجوداً وعدماً. فالعلّة هي سبب الحكم الَّذِي يدور مداره وجوداً وعدماً، وهذا بخلاف الحِكمة فإنّها قد تشترك بين أكثر من حُكم، وقد تختلف وتتخلّف. وقد ورد في كتاب (علل الشرائع) للشيخ الصدوق رحمه الله رواية واحدة في باب (العلّة التي من أجلها حرم الجمع بين الأختين)، قال: «أَخْبَرَنِي عَلِيُّ‌ بْنُ‌ حَاتِمٍ‌ قَالَ‌ أَخْبَرَنَا اَلْقَاسِمُ‌ بْنُ‌ مُحَمَّدٍ قَالَ‌ حَدَّثَنَا حَمْدَانُ‌ بْنُ‌ الْحُسَيْنِ‌ عَنِ‌ اَلْحَسَنِ‌ بْنِ‌ الْوَلِيدِ عَنْ‌ مَرْوَانَ‌ بْنِ‌ دِينَارٍ قَالَ‌: قُلْتُ‌ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ‌ عَلَيْهِ‌ السَّلاَمُ‌ لِأَيِّ‌ عِلَّةٍ‌ لاَ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ‌ أَنْ‌ يَجْمَعَ‌ بَيْنَ‌ الْأُخْتَيْنِ‌ فَقَالَ‌ لِتَحْصِينِ‌ اَلْإِسْلاَمِ‌ وَفِي سَائِرِ الْأَدْيَانِ‌ تَرَى ذَلِك». وهذا في الواقع حكمة وليس علّة لهذا الحكم. نعم، ورد عند بعض العلماء تعليل ذلك بأنّ الإسلام يريد أنْ تقوى علاقة الأخوّة، فلو صارت الأخت ضرّةً لأختها سيؤدّي ذلك إِلَى إضعاف هذه العلاقة؛ لما هو المعروف من طبع الضرائر. ولكن بما أَنَّ الأحكام الشرعيّة توقيفيّة من ناحية عللها ومناطاتها، فلا نستطيع أنْ نجزم بأنّ ما ذُكِر هو العلّة الكاملة لذلك ما لم يُعلمنا الشارع المقدّس بذلك. نعم، يصلح أنْ يكون ما ذُكر حكمة على نحو الاحتمال، لا الجزم واليقين.
هذا، والله الموفّق للصواب، وبأحكامه نسلّم ونعمل بلا ارتياب...

🌾 دُمْتُم بِخَيْرٍ وعَافِيَة
____📬
للمشاركة؛ يُمكنكم إرسال أسئلتكم عبر الضغط على هذا الرابط:
telegram.me/rawdawilaya

📌 رابط القناة:
https://telegram.me/rawda_wilayah

رَوْضَةُ الوِلَايَة

28 Jul, 15:20


📝 سؤالٌ في رَوْضَةِ الْفِقْهِ:

🗒 السّؤال رقم 1110:

انتشر على ما يُسمّى بوسائل التواصل الاجتماعيّ أفكارٌ لبعض قرّاء العزاء، أثارت بلبلةً، وتناولها المعلّقون بين مؤيّد ومعارض، أحببتُ أنْ ألخّصها ضمن الأسئلة التالية متمنّياً على جنابكم الإجابة عنها حسماً للنزاع:
1) هل أَنَّ مبدأ ولاية الفقيه يقتضي أنْ يكون الوليّ مسدّداً من مولانا صاحب العصر والزمان، وبالتالي تكون أحكامه والقرارات الصادرة منه صحيحة ومطابقة للواقع دائماً؟
2) هل ينسحب هذا الأمر إِلَى بعض القيادات المتصدّية على الساحة الإسلاميّة مِمّن نحترم ونجلّ ونقدّر، وبالتالي يكون هؤلاء فوق حدّ الانتقاد؟
3) هل يصح أنْ ندّعي أَنَّ بعض قياداتنا المتصدّية على الساحة الإسلاميّة تتواصل مع المولى صاحب العصر والزمان بصورةٍ مباشرةٍ ومن دون واسطةٍ، وبالتالي كما يكون الإمام هو الواسطة بيننا وبين الله، تكون تلك القيادات واسطة بيننا وبين إمام زماننا عليه السلام؟
4) هل إِنَّ إطاعة الولي غير المعصوم توصل إِلَى إطاعة الوليّ المعصوم عليه السلام؟ (لبنان)

✏️ الجواب: _📩

☆ عظّم الله أجورنا وأجوركم بشهادة المولى أبي عبد الله الحسين عليه السلام. سوف أتدرّج في الإجابة عن تلك الأسئلة المتقاربة في المضمون والفكرة الرئيسيّة ضمن النقاط التالي:

⊙ النقطة الأُولى: وهي وإنْ لم تكن دخيلة في الإجابة عن الأسئلة المتقدّمة إِلَّا أَنَّه لا بدّ من التنبيه عليها؛ لأهمّيتها من جهةٍ، وكون عدم الالتزام بما فيها كثيراً ما يكون سبباً للوقوع في بعض الشبهات والأفكار التي تشغل أذهان الناس مع كون الساحة في غنى عنها من جهة ثانية، وحاصلها: أَنَّ قرّاء العزاء ـ أثابهم المولى تبارك وتعالى ـ من أهل الاختصاص في النعي وتصوير المصيبة وإثارة الدمعة على المولى أبي عبد الله الحسين عليه السلام ومَن استشهد معه في كربلاء، وبالتالي تكون وظيفتهم منحصرةً فيما هم مختصّون به؛ فإنّه «مَا جَهِلَ وَلَا ضَاعَ امْرُؤٌ عَرَفَ قَدْرَ نَفْسِه»، وَ «الْخَيْرُ كُلُّهُ فِيمَنْ عَرَفَ قَدْرَ نَفْسِهِ، وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَنْ لَا يَعْرِفَ قَدْرَ نَفْسِه» كما جاء في الأخبار.‌‏ وبناء على ذلك ليس لقارئ العزاء أنْ يحاضر في المعارف الدينيّة والمسائل التي لا يكون من أهل الاختصاص فيها. والسنّة التي كانت سائدة منذ القديم هو أنْ يتصدّى عالم الدين لأمر المحاضرة الدينيّة، ويكون النعي وقراءة المصاب من سهم قارئ العزاء. نعم، لو اجتمع الاختصاص بفنون النعي وقراءة العزاء مع العلم والخبرة في المعارف الدينيّة فلا مانع من أنْ يكون القارئ والمحاضر شخصاً واحداً، كما هو الحال عند الكثير من أهل الفضل والعلم من الَّذِين نعاصرهم. ولكن للأسف نشاهد بعض التجمّعات في أيّام مصاب أبي عبد الله الحسين عليه السلام يتصدّى فيها الروزخون (قارئ العزاء والمصاب) لدور العلماء وأهل الاختصاص في المعارف الدينيّة، الأمر الَّذِي يعرّضه للوقوع في الأخطاء المعرفية والدينية، وإثارة الشبهات في أذهان الناس.

⊙ النقطة الثانية: لا شكّ أَنَّ تصدّي الفقيه المنصوب من قِبَل المعصوم عليه السلام بالنّصب العامّ للقيام بوظائفه الشرعيّة الموكلة إليه من الإفتاء، والحكم بين الناس، وقيادتهم والأخذ بأيديهم إِلَى ما يُرضي الله تبارك وتعالى، يُعَدّ من أهمّ الوظائف الدينيّة في زمن غيبة المعصوم عليه السلام. ونظراً لأهمّيّة هذا المنصب وخطورته على مستوى حاضر الأُمّة ومستقبلها كان لا بدّ من أنْ تتوفّر شروطٌ في حقّ المتصدّي لهذا المنصب في الأبعاد المختلفة من العلميّة والمعرفيّة والسلوكيّة والأدائيّة، بل نعتقد أَنَّه ونتيجةً لأهمّيّة هذا المنصب تتدخُّل العناية الإلهيّة في كثير من الأحيان بالتسديد وعدم الاكتفاء بتوفّر تلك الشروط المشار إليها. وهناك شواهد على ذلك نقرأها في كتب السيرة والحديث في زمن الغيبة الصغرى، بل وفي بدايات الغيبة الكبرى، وقد طرح علماؤنا الأعلام بعض الإثارات عن ذلك في مباحث الإجماع من علم الأُصول. ولستُ هنا في مورد استعراض ذلك والحديث عنه، وإنّما الَّذِي يهمّني الإشارة إليه هو أَنَّ الأُمّة المرحومة والفرقة الحقّة تحت عناية الباري تبارك وتعالى ولطفه، وهذا الأمر كثيراً ما يقتضي التسديد للمتصدّين لأكابر الأُمور وأخطرها.

⊙ النقطة الثالثة: تلك العناية الإلهيّة وهذا التسديد الربّانيّ كما قد يحصل في أصل تعيّن الشخصيّة التي تتولّى مثل هذه المناصب، كذلك له مجالٌ بعد تعيّنه وتصدّيه لذلك المنصب. والذي ينبغي أنْ نلتفت إليه وله علاقة وثيقة في الأسئلة المطروحة هو أَنَّ اللطف والعناية والتسديد الإلهيّ له أشكاله المختلفة التي قد نعلم أقلّ القليل منها، ونجهل الكثير عنها.

رَوْضَةُ الوِلَايَة

28 Jul, 15:20


والذي أُريد أنْ أقوله بصريح العبارة: إِنَّ اعتقادنا نحن أهل الولاية وأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، باللطف الإلهيّ، واقتضائه لتدخّل العناية بالتسديد لمراجع الدين وولاة الأُمور، لا يعني بشكلٍ من الأشكال أَنَّ ذلك سيكون في كُلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، ولا أَنَّه إنْ حصل فلا بدّ أنْ يحصل للجميع بطريقةٍ وشكل واحدٍ.

⊙ النقطة الرابعة: إِنَّ الفقيه في مقام ممارسته لدوره، إنْ في عمليّة الإفتاء، أو الحكم بين الناس، أو التصدّي للشأن العامّ وقيادة الأُمّة، يتّبع الأدلّة الشرعيّة والأدوات المنهجيّة التي ثبت اعتبارها عند الشارع المقدّس. وهذا الفقيه كما هو معرّضٌ للخطأ في عمليّة الإفتاء، كما يشهد بذلك تبدّل رأيه في بعض الأحيان، فنراه يفتي مثلاً بطهارة شيءٍ ثمّ بعد مدّة يبدّله إِلَى الحكم بنجاسته، مع اليقين بأنّ الحكم الواقعيّ الشرعيّ واحد لا يتعدّد. كذلك أيضاً فإنّ الفقيه في مقام ممارسة دور الحكم بين الناس، وقيادة الأمّة، قد يقع أحياناً في الخطأ ومخالفة الواقع. غاية الأمر يكون الفقيه في تمام تلك الأخطاء والمخالفة للواقع معذوراً؛ لكونه قد بذل غاية جهده واتّبع الطرق التي قام الدليل عنده على اعتبارها، ومارس المنهجيّة التي يعتقد بينه وبين ربّه بصحتها.

⊙ النقطة الخامسة: بناء على ما تقدّم سوف يتّضح لنا مجموعة من الأُمور:
¤ أوّلاً: بما أَنَّ العناية والتسديد الإلهيّ لا نعلم مورده، فلا نستطيع أنْ نشير إِلَى فتوى أو حكم أو قرار ما ونقول عنه إِنَّه معصومٌ عن الخطأ وفوق النقد، ومن هنا اشتهر في الدراسات الأُصوليّة أَنَّ أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام من (المخطّئة)، أي: الَّذِين يعتقدون أَنَّ الفقيه يحكم بالأحكام الظاهريّة التي قد تصيب الواقع تارة وقد تخطئه أخرى.
¤ ثانياً: إِنَّ احتمال الخطأ في الفتوى والحكم والقرار لا يعني بشكلٍ من الأشكال عدم وجوب الطاعة والالتزام من قِبَل المكلّفين والمنضوين تحت قيادةٍ حكيمةٍ رشيدةٍ. فلو فرضنا مثلاً أَنَّ المرجع الَّذِي نقلّده كان يُفتي بوجوب جلسة الاستراحة في الصَّلَاة، وفرضنا أَنَّ فتواه هذه لم تكن مطابقةً للواقع في علم الله، فإنّ احتمال خطئها وعدم مطابقتها للواقع لا يُسقط عن المقلّد لزوم الامتثال بالفتوى كما وصلت إليه من مرجعه، وعلى ذلك فليقس الأمر في سائر مهامّ الفقيه ووظائفه.
¤ ثالثاً: إِنَّ النصح والنقد لوليّ الأمر وللقادة المتصدّين من الأمور الضروريّة واللازمة، والأئمّة المعصومون عليهم السلام على الرغم من عصمتهم وتسديدهم في جميع ما يقومون به، كانوا يتقبّلون النقد ويحثّون على تقديم النصيحة؛ تعليماً منهم للأمّة كي تتعامل مع ولاة الأمر من بعدهم كذلك، وقد جاء في النهج الشريف: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْلَا تَجْهَلُوا وَتَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا وَأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ وَالنَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ وَالْإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ وَالطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُم‏». وجاء في عهده إِلَى مالك الأشتر رحمه الله: «... فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَك‏». وجاء في الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ثَلَاثَةٌ لَا يَغُلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ إِخْلَاصُ الدَّعْوَةِ لِله تَعَالَى وَالنَّصِيحَةُ لِوُلَاةِ الْأَمْرِ فِي الْحَقِّ حَيْثُ كَان‏...». لكن لا ينبغي أنْ يخفى على أحدٍ أَنَّ النقد والنصيحة لا يكون من كُلّ أحدٍ، وبأيّ طريقةٍ، بل لذلك أهله، وله أسلوبه. مثلاً: لا يحقّ لأحدٍ أنْ ينتقد فتوى لمرجع تقليد إِلَّا إذا كان من أهل العلم والمعرفة ومطّلعاً على أدلّة الأحكام، وهذا له موضعه وزمانه المناسب. ومن هذا المنطلق نجد أَنَّ الكثير من الاعتراضات التي يقال عنها بأنّها (نقدٌ بناء)، والتي تصدر من غير أهل الاختصاص، وعلى صفحات الفيسبوك وغيره مِمّا يُسمّى بوسائل التواصل الاجتماعيّ، ترجع في الواقع إِلَى أَنَّ أصحابها يريدون من ورائها أغراضاً أُخرى غير الإصلاح وتقديم النصح، وقد تكون في بعض الأحيان لغرض تبرير المخالفة والخروج عن جادّة الحقّ والطاعة، على طريقة ما أُشير إليه في قوله تبارك وتعالى: ﴿بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَه‏﴾ [القيامة: ٥]. ومن هذا الباب أيضاً لا نقبل هذا النوع من الانتقادات التي توجّه إِلَى القادة المخلصين على مثل تلك الصفحات وبتلك الأساليب المعهودة. وإنّما النقد الصحيح والبنّاء لهؤلاء القادة أنْ نرسل إليهم النصيحة والانتقاد، ونستمع إِلَى تبريرهم الَّذِي كثيراً ما لو استمعنا إليه لزال من أذهاننا النقد، والتجربة أكبر شاهد على ذلك.

رَوْضَةُ الوِلَايَة

28 Jul, 15:20


¤ رابعاً: ما دام التسديد الإلهيّ لا نعلم كيفيّته، فقد يكون بواسطة حكمةٍ تصدر على لسان إنسانٍ مغفول عنه يقدّمها لوليّ الأمر، وقد يكون من خلال إشارةٍ ما تصدر من مخلوق ولو لم يكن إنساناً، وقد يكون من خلال تجربةٍ تحصل أمام ناظر المتصدّي فيلتفت إِلَى خطئه، وقد يكون بواسطة تدخُّل المعصوم عليه السلام نفسه إمّا بالمباشرة، وإمّا بإرسال رسول، وقد يكون بغير ذلك مِمّا لا حدّ له ولا حصر. فما دام الأمر كذلك من أين يأتينا اليقين بأنّ المرجع الفلانيّ، أو الوليّ الفلانيّ، أو القائد الفلانيّ؛ نظراً لكونه مسدّداً من قِبَل الله تبارك وتعالى، إذاً لا محالة هو يلتقي بصاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف. وبالتالي إِنَّ ما ذكره الأخ القارئ ـ جعلنا الله وإيّاه في طريق الصواب ـ من قوله: (نحن على يقين بأنّه مسدّد بعين الإمام مباشرةً وبلا واسطة... ويلتقي بهم) على الرغم من اعتقادنا بحسن نيّته، فيه مؤاخذتان:
الأولى: تعبيره بـ (نحن) إنْ كان المقصود (الخطّ الإيمانيّ الولائيّ)، فالكثير منّا من هذا الخطّ، وليس عندنا هذا اليقين، كما أَنَّه لنا أن نتساءل: مَن الَّذِي كلّفه بالحديث باسم هذا الخطّ. وإنْ كان المقصود من كلمة (نحن) هو شخصه وقد ذكره احتراماً على طريقة (نحن رئيس الجمهوريّة) فالأمر سهل.
¤ الثانية: هل هو ملتفتٌ إِلَى المقصود من اليقين، الَّذِي هو عبارة عن انكشاف الواقع انكشافاً تامّاً لا يحتمل الخلاف، فهذا تبيّن أَنَّه مجرّد كلامٍ عاطفيّ لا مستند له وإنْ كان صادراً عن حُسن نية واعتقاد حَسَنٍ بأصل بالولاية، بعدما عرفت من أَنَّ التسديد الإلهيّ لا ينحصر بطريق التواصل المباشر مع إمام الزمان عجّل الله فرجه الشريف.

⊙ النقطة السادسة: لعلّ الشيء الصحيح الَّذِي جاء في كلام القارئ المبجّل هو أَنَّ طاعة المرجع والحاكم الشرعي والقائد المشروع عمله تصبّ في خانة طاعة المعصوم عليه السلام وتجعل الإنسان الموالي معتاداً على طاعته فيما لو ظهر روحي فداه؛ إذ إِنَّ المكلّف الَّذِي يخترع لنفسه تبريرات لمخالفة الأحكام الشرعيّة والمقرّرات الدينيّة ـ في الأعمّ الأغلب ـ لا يخالفها لأجل أَنَّها لم تصدر من معصوم، بل يخالفها لهوى في نفسه، وجرأةٍ على ربّه وإنْ لم يُظهر ذلك، قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: ٦٥].

هذا، والله العالم بحقائقِ الأمور، وأولياؤه ـ صلوات الله عليهم ـ عيبة العلم المستور...

🌾 دُمْتُم بِخَيْرٍ وعَافِيَة
_📬
للمشاركة؛ يُمكنكم إرسال أسئلتكم عبر الضغط على هذا الرابط:
telegram.me/rawdawilaya

📌 رابط القناة:
https://telegram.me/rawda_wilayah

رَوْضَةُ الوِلَايَة

24 Jun, 22:20


_🌴_
📝 سؤالٌ في رَوْضَةِ النَّصَائِحِ وَالتَّوْجِيهَاتِ:

🗒 السّؤال رقم 1109:

أحد الإخوة، ومنذ فترة يشنّ حملةً شعواء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي على بعض المعاهد والكليات المعنيّة بتأهيل قرّاء العزاء من غير طلّاب العلوم الدينيّة؛ بحجّة أَنَّ قارئ العزاء من غير هؤلاء ليس لديه الموازين الشرعيّة والعلميّة للتصدّي لمثل هذا الأمر الجلل، الأمر الَّذِي يستدعي الفلتان والعشوائيّة في قراءة المجالس، وبالتالي إضعاف هذه الشعيرة المهمّة. حبّذا لو نرى منكم تعليقاً على ذلك. (قمّ المقدّسة)

✏️ الجواب: __📩_
 
☆ نعم، قد سمعتُ إثارة هذا الأمر من أكثر من شخصٍ، ولكن نظراً لكون معلوماتي مبنيّةً على السماع بالواسطة، فأريد أنْ أقارب هذه المسألة على فرض صِحّة المطروح في سؤال السائل، من دون أنْ يكون كلامي موجّهاً إِلَى شخصٍ بعينه؛ وذلك ضمن النقاط التالية:

○ الأولى: أُلْفتُ النظر إِلَى ظاهرة قد شاعت بين النخب، ومنهم طلّاب العلوم الدينيّة، وهي أَنَّهم يناقشون في جملةٍ من المسائل الدينيّة والسياسيّة والاجتماعيّة وما شابه على وسائل التواصل الاجتماعيّ ضمن مجموعات كبيرة، وكثيراً ما تؤدّي هذه الظاهرة ـ كما لمسناه في كثيرٍ من الموارد ـ إِلَى وقوع الإخوة المؤمنين في البغضاء والهجران جرّاء ما يحصل بينهم من مشاحنة في الأمر المطروح للبحث. وكثيراً ما يعود السبب في ذلك إِلَى أَنَّ وسائل التواصل الاجتماعيّ المكتوبة والمقروءة خالية عن المشاعر، وتختلف اختلافاً كبيراً عن المناقشات الحضوريّة. فقد يقرأ أحدهم كلاماً بلهجةٍ ثقيلة لفقد مؤثّرات الحوار، من لحن الصوت، ومستوى النبرة، وإشارات ملامح الوجه، وما شابه ذلك، فيظنّ أَنَّ صاحب الكلام كان قاصداً إِلَى الإهانة أو التقليل من قيمة الموضوع المطروح، والحال أَنَّ الكلام نفسه لو كان بطريقة المشافهة مع تلك المؤثّرات الصوتية والملامحيّة لحُمِل على معنى آخر، لا يتضمّن في طيّاته أيّ توهين وتحقير. ومن هذا المنطلق دائماً ما أنصح إخواني بتجنّب مثل هذه المحاورات في المجموعات الكبيرة، والتي يختلف المشتركون فيها اختلافاً شديداً، إنْ من ناحية العمر، أو العلم والمعرفة، أو التسلُّط على الموضوع المبحوث، والحال أَنَّ الكثير منّا قد اعتاد على الكلام دون الاعتياد على الاستماع، فترى كُلّ واحدٍ يريد أنْ يدلو بدلوه في كلّ مسألة تُطرح، سواء كان من أهل الاختصاص بها أم لا.

○ الثانية: إِنَّ سوء فعلٍ وقبحه تارةً يكون من ناحية نيّة الفاعل، وهذا ما يُسمّى بـ (القبح الفاعليّ)، كما لو شرب شخص سائلاً باعتقاد أَنَّه خمر فبان ماءً في الواقع؛ فإنّ الفعل في حدّ ذاته لا قبح فيه؛ إذ إِنَّه ماء، وشربه مباح، ولكنّ قبحه جاء من ناحية سوء سريرة الفاعل وقبح نيّته. وأُخرى يكون من ناحية الفعل ذاته وإنْ كان خالياً عن قبح سريرة الفاعل، وهذا ما يُسمّى بـ (القبح الفعليّ). ولا ينبغي الارتياب أَنَّ أرباب المعاهد والكليات المشار إليها في السؤال لا يوجد عندهم ـ والعياذ بالله ـ سوء قصد وسريرة سوء، بل نراهم يُقْدِمون على ذلك في الأعمّ الأغلب بنيّة تفعيل دور مجالس العزاء في المجتمع، ونيل الأهداف المرجوّة من إحياء شعيرة العزاء على سيّد الشهداء عليه أفضل الصلاة والسلام، وإنْ فُرِض وجود قبح وسوء فإِنَّما يكون في فعلهم؛ ظنّاً منهم أَنَّ ما يفعلونه هو الصّواب الَّذِي يرضى عنه الباري تبارك وتعالى. وما كان هذا شأنه على تقدير وجوده، فله على الآخرين حقّ النصح والإرشاد، وهذا لن يكون عن طريق إثارة هذا الأمر على وسائل التواصل الاجتماعيّ، الَّذِي عرفت أَنَّه في الأعمّ الأغلب لن يوصل إِلَى النتيجة المطلوبة، وإنّما أنصح إخواني من طلّاب العلوم الدينية أنْ يعقدوا جلسات مغلقة مؤلّفة من فضلائهم وأهل الباع عندهم، ويقدّموا نتائجهم التي يتوصّلون إليها للمعنيين المتصدّين لمثل هذه المعاهد والكليات، خصوصاً مع كونها تحت إشراف إخوة أفاضل نثق بدينهم وتقبّلهم للنصيحة، خصوصاً المشرفين العامّين الَّذِين هم من ورائهم. وهذا الكلام بنفسه قد ينجرّ على ذلك الشخص الَّذِي يتصدّى لانتقاد تلك المعاهد والكليات؛ فإنّ الوظيفة الشرعيّة أيضاً تقتضي أنْ نحمله ـ على تقدير خطئه في التقدير ـ على القبح الفعليّ لا الفاعليّ، وتكون الثمرة لزوم التناصح والتواصي بالحقّ، لكن مع تأكيدنا أَنَّ وسائل التواصل الاجتماعيّ بالكيفيّة المذكورة سابقاً لن تكون هي الوسيلة الصحيحة لكلا الطرفين في تقديم حقّ النصح والتناصف المطلوبين في كلمات أهل البيت عليهم السلام، فعن مولانا الصادق عليه السلام: «تَحْتَاجُ الْإِخْوَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ إِلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَإِنِ اسْتَعْمَلُوهَا وَإِلَّا تَبَايَنُوا وَتَبَاغَضُوا وَهِيَ التَّنَاصُفُ وَالتَّرَاحُمُ وَنَفْيُ الْحَسَد».

رَوْضَةُ الوِلَايَة

24 Jun, 22:20


○ الثالثة: إذا رجعنا إِلَى الموضوع المطروح للنقاش، ونظرنا إليه بعين الإنصاف، فليس فقط نراه خالياً عن شائبة المفسدة والقبح، بل قد يكون أمراً لا بدّ منه في طريق الإصلاح؛ وذلك من خلال الالتفات إِلَى المقدّمات التالية:
- إِنَّ الواقع الخارجيّ المعاش قديماً وحديثاً قائمٌ على إقبال الكثير من المؤمنين والمؤمنات على التصدّي لهذه الشعيرة المباركة، وإنْ لم يكونوا من أهل العلم والدارسين في الحوزات العلميّة، وهذا أمرٌ معهودٌ منذ القدم، وقبل وجود المعاهد التي تؤهّل قرّاء العزاء، بل كان متعارفاً في زمن الأئمّة عليهم السلام، من خلال حثّهم للشعراء وأصحاب الأصوات التي تثير العبرة وتحرّك الدمعة، ولا أقلّ من كون إطلاق كلماتهم عليهم السلام في الحثّ لها إطلاق يشمل حتّى غير طلّاب العلوم الدينية، ومع تطوّر الزمن صار عندنا (الرادود) و (قارئ العزاء)، والكثير منهم لم يكونوا من أهل العلم وطلّابه بالمعنى الأخصّ، بل قد مرّ عليّ في أوّل سنيّ الإدراك أَنَّ بعض هؤلاء القرّاء من أصحاب الأصوات الجميلة، لا يحسنون القراءة والكتابة، ولكنّهم مع ذلك يتقنون فنّ إراقة الدمعة على المولى أبي عبد الله عليه السلام. ولا نكون من المبالغين إنْ قلنا: إِنَّ الَّذِين يتقنون هذا الأمر ويمارسونه من غير طلّاب العلوم الدينية أكثر بكثير من طلّاب العلوم الدينية خصوصاً في الأزمنة الغابرة.
- لا شكّ أَنَّ ذلك الواقع الخارجي المعاش قد يترتّب عليه بعض الآثار السلبيّة، الناشئة عن جهل القارئ بالتاريخ والسيرة والموازين العلميّة لمحاكمة النصوص المنقولة، والتي فيها الغثّ والسمين، فكان لا بدّ من اتّخاذ التدابير اللازمة للتخفيف من تلك الآثار السلبيّة وتحديدها. وهذا له أساليبه المتعدّدة، لم يكن منها في وقتٍ من الأوقات هو منع غير طلّاب العلوم الدينية من ممارسة القراءة، بل من الأُمور التي مارسها علماؤنا قديماً في هذا المجال، كان عبارة عن تأليف بعض الكتب المشتملة على مجالس كاملة، يقرأها (الروزخون) أو (الرادود)، والذي يكون في الغالب من غير أهل العلم. ومن أفضل الشواهد على ذلك ما ذكره السَّيِّد محسن الأمين رحمه الله في أعيان الشيعة في سياق حديثه عن إصلاح إقامة مجالس العزاء لسيد الشهداء عليه السلام، قائلاً: «ذكر مرّة رجل وقعة الجمل، فقال: كان اسم الجمل عسكر بن مردية، فقلت في نفسي: الجمل كثيراً ما يعرف باسم، أمّا أن يقال: ابن فلان أو ابن فلانة فلم يسمع به. فسألته، فقال: هذا موجود في البحار، فراجعت البحار فإذا فيه: وكان اسم الجمل عسكراً، ثم ابتدأ بكلام جديد فقال: ابن مردويه‏». وعلى هذا الأساس، وفي سبيل الحدّ من سلبيّات هذا الأمر نراه يقول: «وهؤلاء القرّاء ليس لديهم ذرّة من علم ولا معرفة وأكثرهم من العوام، ومن كان ذا معرفة لا يتحرّى إلّا الصحيح. ومثل هذه الأمور تجري في كل فرقة وكل طائفة، فجهدتُ في تنزيه هذه الذكرى المباركة عن مثل ذلك، ونهيتُ القرّاء عن قراءة مثلها، وألّفتُ‏ كتاب لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام، وانتقيته من الكتب المعتمدة، ورتبته بأحسن ترتيب، وأردفته بكتاب أصدق الأخبار في قصّة الأخذ بالثار، وبكتاب الدرّ النضيد في مراثي السبط الشهيد، وبالنعي للشيخ محمد بن نصار وطبعته فراج ذلك رواجا تاما. ورأينا أَنَّ تدريب القرّاء على قراءة الصحيح لا يتم إِلَّا بوضع كتاب، فألّفنا كتاب المجالس السنية في مناقب ومصائب النبيّ والعترة النبوية في خمسة أجزاء».
- إِنَّه لا شكّ بأنّ من جملة ما يصّب في طريق الإصلاح والحدّ من الآثار السلبيّة، بل لعلّه من أهمّها، هو أنْ يكون ذلك عن طريق إقامة المعاهد والكلّيات؛ لتدريب القرّاء، وإعطائهم الضوابط والقواعد الصحيحة، لتنقية قراءتهم عن الأمور التي تضعف شعيرة إقامة العزاء على المولى أبي عبد الله عليه أفضل الصَّلَاة والسلام. وإذا لم تكن تلك المعاهد تقوم بهذا الأمر ـ وبعضها يقوم بذلك حسب اطّلاعي على برامجها ـ فإنّ وظيفة العلماء هو توجيه أربابها ونُصحهم، لكن بالطرق البنّاءة، لا بمجرّد الانتقاد على وسائل التواصل الاجتماعيّ، الَّذِي عرفت بما لا مزيد عليه جملة من سلبيّاته.

هذا والله أعلم بحقائق الأمور، وهو الموفّق للصواب، وعليه المعوّل والتكلان...
🌾 دُمْتُم بِخَيْرٍ وعَافِيَة
_📬
للمشاركة؛ يُمكنكم إرسال أسئلتكم عبر الضغط على هذا الرابط:
telegram.me/rawdawilaya
📌 رابط القناة:
https://telegram.me/rawda_wilayah