معلوم لدى المحصلين الخلاف بين المتقدمين والمتأخرين في اتحاد التصور والتصديق واختلافهما نوعًا.
وترتب على ذلك القولُ بنسبتين عند المتأخرين.
وكان بعض الأصحاب يسأل: ما الداعي للمتأخرين إلى مخالفة القدماء؟
وهو سؤال طال الشوق لمعرفة جوابه.
الآن وجدتُ العلامة الگلنبوي تـ١٢٠٥ يشير لما قد يكون سببًا لذلك الخلاف.
وحاصله:
أن الجهل المركب يُتوهَّم خروجه من تعريف العلم بقولنا: (حصول صورة الشيء..) بإضافة الصورة للشيء.
لماذا يتبادر خروجه؟
لأن المتبادر من الإضافة أنها إضافة لامية، فتكون صورة المعلوم مطابقة له في نفس الأمر.
والجهل المركب لمَّا لم يوجد مدلوله في نفس الأمر لم تطابقه الصورة في نفس الأمر؛ ضرورة أن المطابقة نسبة بين أمرين، ووجودها في نفس الأمر يقتضي وجود المنتسبين فيه.
فقولنا مثلا: (قدم العالم تطابقه الصورة في نفس الأمر) موجبة يقتضي صدقُها تحقق الموضوع في ظرف الثبوت والاتصاف، ولما كان ذلك الظرف هو نفسَ الأمر وجب تحقق الموضوع فيه، ولما لم يوجد في نفس الأمر لم توجد المطابقة فيه بالضرورة.
نعم الصورة مطابقة لقدم العالم وبها نميزه عن حدوثه، ولكن قدم العالم هذا الذي الصورة مطابقة له .. مفهوم تصوري، وجميع المفهومات التصورية متساوية الأقدام في أنها موجودة في نفس الأمر.
وكلامنا كان في المفهوم التصديقي، أعني نسبة القدم إلى العالم بحيث يتعلق بها الإدراك الإذعاني، والمصدق به ليس متحققا في نفس الأمر فلا تتحقق المطابقة فيه كما مر.
هذا ما حققه العلامة الدواني تـ٩٠٧ في حواشي شرح التجريد.
وبعده نقول: يرد عليه أن التصور يتعلق بما يتعلق به التصديق، فيلزم تحقق نسبة القدم إلى العالم تارةً ونفيها أخرى، والشيء الواحد لا يجوز كونه موجودا ومعدوما باعتبارين مختلفين، ولا يؤثر العلمان في وجوده وعدمه.
نعم لو كان متعلَّق التصور مغايرًا لمتعلَّق التصديق يزول الإشكال الوارد على تحقيق الدواني.
وهذا الذي قد يكون باعثًا لمذهب المتأخرين، ويبقى عليه إشكال بعدُ.
قال العلامة الگلنبوي بعد تفصيل ما مضى:
"وقد حقق الشارح المحقق ذلك في حاشية التجريد، فتأمل فيه إذ يتجه عليه:
أن التحقيق أن التصور يتعلق بما يتعلق به التصديق كما سيأتي فيلزم تحقق نسبة القدم إلى العالم فى نفس الأمر من حيث كونها متعلَّقة للتصور وعدم كونها متحققة في نفس الأمر من حيث يتعلق بها التصديق.
[يلزم عليه أحد أمرين]:
-فإما أن يلزم تحقق النسبة المصدق بها.
-وإما أن يلزم عدم تحقق النسبة المتصورة.
[دليل لزومهما]
للقطع بأن:
-تعلق العلمين بشيء لا يؤثر في وجوده وعدمه.
-وأن الشيء الواحد لا يجوز أن يكون موجودا و معدوما باعتبارين مختلفين كما لا يخفى.
نعم لو كان النسبة المتصورة غير النسبة المصدق بها لم يتجه ذلك وهو ظاهر.
ولعله هو الباعث لما ذهب إليه المتأخرون من أن التصور لا يتعلق بما يتعلق به التصديق.
لكن لا يخفى أن الشك يتعلق بالوقوع واللاوقوع اللذين يتعلق بأحدهما التصديق قطعا، وهذا إشكال صعب على مذهب المتقدمين والمتأخرين فتأمل فيه جدا"اهـ