Postagens do Canal منصور الحذيفي

أتصور أن الأديب الكاتب الذي صار له شأنٌ عظيم في فنه، كان قارئاً عادياً مثلَنا، لكنه كان إلى ذلك يعيش الأدب، ويأخذه على محمَل الجِدّ، لم يتخذه ملهاةً فقط، أو يكتفي باللذة الفنية العابرة التي يجدها كلما قرأ، بل أحبّ أن يُعلِّل تلك اللذة، وأن ينهض بمهمة الأدب الجليلة، وأن يخوض غماره، ويُسهم -بحسب جهده وملَكته- في عطاياه الكريمة.

لم أجد الجمالَ والنقاء إلا نَمّاماً على نفسه.. فأنت تتلمّحه بين الجُمل، وفي انتقاء الكلمات، وفي نبرة الصوت وتقاسيم الوجه والتنهدات أثناء الحديث، وفي وداعة العين والتماعاتها.. بل حتى في زلّات اللسان والبَنان..
فما يكون له أن يحتجِب مهما احتجَب!

اللئيم يكره النُّبل والكرم ولا يفهم دوافعهما.. لخلوِّه من تلك المعاني، ويشوِّه النبلاء والكرماء ويطعن في نياتهم ويحسدهم على مكانتهم في قلوب الناس ومحبة الناس لهم.

حتى الكتاب الذي يحتوي تجربةً قاسية أو أحداثاً حزينة= يقدم لك السلوى والعزاء ويصغّر لديك ما تراه كبيراً من همومك ومشكلاتك..
الذي ينبغي علينا أن نحذر منه هو الكتب أو الكتّاب الذين ديدنهم التشاؤم، أولئك الذين يُلبسونك -دون أن تشعر- نظارةً سوداء فلا ترى إلا الوجه القبيح من الأشياء والأحداث.
وجُل ما تستفيده من هذا الكاتب هو أن ترى كيف ينظر بعض الناس لهذه الحياة، وكيف يبدعون في خلق الكآبة واختراع الأحزان!

إننا لَنأنس ببعض العابرين في حياتنا، ونُلاقيهم دون أن يعلموا، في المسجد، أو المقهى، أو على قارعة الطريق.. كم نقبس من تلك الأرواح النقية من بعيد، من ضحكاتهم الطفولية البريئة، وعباراتهم الحانية، وتفقّدهم للأحوال، وأُنسهم ببعض.. كم يمنحوننا من العطايا، ويضيئون دروبنا وهم لا يشعرون!

لُقيا الأصدقاء عُمران الروح..
الصداقة الحقيقية لا تمُتّ للمادة بسبب.. تعلقها دائما بالروح، كم نلقى أصحابنا الأوفياء الأنقياء فنَغنى بهم ونتجدد!

"لم أكن من جُناتِها علمَ اللهُ
وإني بِحَرِّها اليومَ صالِ".

الحارث بن عباد

لم يكن من جُناة الحرب، وكم سعى في الصلح بين بكر وتغلب، حتى ذهب ابنه بُجير ضحيةً لمساعيه، على يد المهلهل..

الشعر الخالد يعبر عن وجدان الإنسان في كل زمان ومكان، فها نحن نرى كيف يتجنب العاقل من الناس المشكلات، ويسعى في الإصلاح ورأب الصدع، ولا يَلبث أن يصلى النارَ التي لم يُوقدها، بل التي جاهدَ كثيراً في أن يُطفئها!

يا أيها البعيد عما يليق به، المُقارف لما يَعيبه ويسوؤه في دنياه وأُخراه، إني لأعرفك مَلولاً، لا تلبث أن تسأم المُداومةَ على العمل، ولو كان نافعاً، أفلا تنزِع عما تدأَبُ فيه من المَخازي ولو من باب الملل؟

على مرّ الدهور وتعاقب الأجيال، كان الوعيُ والعلمُ شيئاً، والعمل بمقتضى ذلك الوعي والعلمِ شيئاً آخر..
‏هناك غالباً حالة انفصام بين العلم والعمل، بين المثال والتطبيق، بين الخيال أو الأحلام والواقع.. ربما عند أكثر الناس! ما أكثر ما تقف بين هذا وذاك: الأهواءُ والرغبات المُلِحّة والولَع باللذة العاجلة والضعف أمام المغريات.
‏
‏ولقد جاء الدين بجَسْر هذه الهُوَّة..
‏والفضلاء من الناس هم الذين يحاولون دائماً ألّا يسقطوا في تلك الهُوّة السحيقة.. وأن يقاوموا جاذبيتها الجارفة، هم الذين أكّدَتْ أعمالُهم أقوالَهم، وصدّقَ سلوكُهم اعتقاداتِهم ومبادئهم.. وتلك هي المجاهدة التي قال عنها العليم الخبير سبحانه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).

أظن هذا ينتشر في بعض النساء البعيدات عن التقوى والعلم الشرعي ومعاني الإيمان والرضا بالقضاء ونحو ذلك، وأظنه يُلِمّ ببعض التقيّات المؤمنات، بسبب الطبيعة العاطفية الحالمة لدى المرأة، لكنه قد يأتيهن على هيئة وسواس يدافعنه ويتعوذن منه فيخنس..
وما أكثر ما تخرب البيوت بمثل هذا الملل وكفران النعمة والمثالية الزائفة والنَّهَم المبالغ فيه للمشاعر، ولعل للثقافة المعاصرة الغالبة والمسلسلات الوردية الكاذبة والإعلام الاستعراضي الجديد= أثراً كبيراً في ذلك، أليس كذلك؟