🔸 كَيْفَ قرأْتُ محمَّد العَلِيَّ؟!🔹
لَمَّا أُنشِئَتْ مجلَّةُ (النَّصِّ الجديدِ) كُنْتُ أَصغرَ الأعضاءِ المُؤسِّسينَ سِنًّا.
- ١ -
طَلَبَ مِنِّي رئيسُ تحريرِها الأستاذ عليّ الدُّمينيّ - رحمه الله - كِتابةَ مقالٍ - أوْ دراسةٍ - عن الأستاذ محمَّد العليِّ - الشَّاعرِ والمثقَّف السُّعُوديِّ القديرِ -.
ولأنِّي أَعْرِفُ في نفسي الْجِدَّ والسَّهَرَ والتَّعبَ = أنشأْتُ أتتبَّعُ مقالاتِ الأستاذِ العليِّ - وهي كثيرةٌ - ومُحاضراتِهِ - وهي قليلةٌ - وأحاديثَهُ - وهي أَقَلُّ -.
وأنا أتحدَّثُ عنْ زمنِ ما قبلَ الشَّبكةِ العالميَّة ِ للمعلوماتِ؛ لِنَعْرِفَ مقدارَ الجهدِ في البحثِ عنْ مقالٍ وبحثٍ ومُحاضرةٍ لمثقَّفٍ ليس لهُ، آنئذٍ، أيُّ كِتابٍ!
قصدتُّ مركز المعلوماتِ في صحيفةِ (عُكاظ)، وكانَ مركزًا عظيمًا، يُشْرِفُ عليهِ الدُّكتور عبد الجليل طاشكنديّ، وجَمَعْتُ جمهرةً طيِّبةً مِنْ مقالاتِ الأستاذِ العليِّ الَّتي نَشَرَها في الصَّحيفةِ.
وأَفْضَلَ الأستاذُ محمَّد العَلِيُّ - حفظه الله - فأرسلَ إليَّ بالبريدِ مقدارًا طيِّبًا مِنْ مقالاتِهِ، ومُحاضراتِهِ، وأحاديثِهِ.
ومضيْتُ إلى مكتبِ صحيفةِ (اليومِ) في جُدَّةَ، وخرجْتُ مِنْ محفوظاتِها بوافرٍ مِمَّا نَشَرَهُ الأستاذُ فيها، وعلينا أن نَعرِفَ أنَّ صحيفةَ (اليومِ) جزءٌ عزيزٌ مِنْ تاريخِ الأستاذِ العليِّ وذاكرتِهِ.
ووافاني الصَّديقُ الشَّهمُ النَّبيلُ الأستاذُ عليّ العُميم - حفظه الله - بمادَّةٍ عن العَلِيِّ نشرَها في صحيفةِ (الشَّرقِ الأوسطِ) = هي تقريرٌ وحديثٌ صحفيٌّ، بمُصطلَحِ الصِّحافةِ، ومقالٌ ممتازٌ، مَعًا.
-٢-
الآنَ، صارَتِ الموادُّ جيِّدةً، وليس عَلَيَّ إلَّا أنْ أقرأَها، وأتأمَّلَها، لأخوضَ تجربةَ الكِتابةِ عنْ ناحِيَةٍ صعبةٍ مِنْ نواحي الأستاذ محمَّد العليّ!
كَتَبْتُ مقالًا مُطَوَّلًا [نُشِرَ في ٢٨ صفحةً]- أوْ بحثًا إذا أردتُّ التَّحقيقَ والتَّدقيقَ - عُنْوانُهُ (الإيديولوجيا المُرْجَأَةُ: قراءةٌ في مشروعِ محمَّد العليِّ الثَّقافيّ) [مجلَّة النَّصِّ الجديد، ١٤١٧هـ = ١٩٩٧م.
وعلينا أن نتأمَّلَ في العُنوانِ ثلاثَ كلماتٍ: "الإيديولوجيا"، ووَصْفَ الإيديولوجيا بِـ "المُرجأَة"، و"مشروع"!
أمَّا كلمةُ "مشروعٍ" فليستْ إلّّا صدًى لِمَا راجَ في أدبيَّاتِ الفكرِ العربيِّ - آنئذٍ - فزكيّ نجيب محمود له مشروعٌ، وطيِّب تزيني له مشروعٌ، ولمحمَّد عابد الجابريِّ وحسن حنفيّ وعبد الله العُرويّ مشاريعُ، ولجارِنا البحرينيِّ محمَّد جابر الأنصاريِّ مشروعٌ! وبينما كانَ لكُلِّ هؤلاءِ "مشاريعُ"، فلِمَ لا يكونُ الأستاذُ محمَّد العليُّ "مُفَكِّرًا"، ومقالاتُهُ القصيرةُ - القصيرةُ جِدًّا - تلك الَّتي يُذِيعُها في الصَّحافةِ اليوميَّةِ = لِمَ لا تكونُ "مشروعًا"!
لكنْ هذا ما ارتضيتُهُ، في ذلك الوقتِ، ولوْ رَجَعْتُ، مرَّةً ثانيةً، إلى مقالي المُطَوَّلِ، لسَمَّيْتُ ما ينشرُهُ الأستاذُ القديرُ محمَّد العليُّ "تعليقاتٍ" و"خواطِرَ" = هذه هي التَّسميَةُ الصَّادقةُ، مهما أجْلَلْتُ الأستاذَ وبَجَّلْتُهُ!
أمَّا "الإيديولوجيا" فلدَوَرَانِها وفُشُوِّها في كَلِمِ الأستاذِ، ولأنَّها مِنَ الكَلِمِ الأثيرِ المحبوبِ عندَ مُثَقَّفي "اليسارِ"، والأستاذُ محمَّد العَلِيُّ معدودٌ مِنهم.
و"المُرجأَةُ" هي خُلاصةُ ما انتهيْتُ إليهِ في تأمُّلاتي في "مشروع!" محمَّد العليِّ؛ فالكاتبُ اليساريُّ ذو نزعةٍ "طوباويَّةٍ"، مُرْجِئةٍ، مهما أكثرَ مِنَ التَّوسُّلِ بمفرداتٍ مُستقاةٍ مِنْ كيسِ الماركسيَّةِ والمادِّيَّةِ الجدليَّةِ، وسائرِ الكَلِمِ الذي يَرُوعُ ويبهرُ!
- ٣ -
وَقَّرْتُ "مشروعَ!" الأستاذ محمَّد العليِّ، ولمْ أَغْلُ في حَشْدِ الكَلِمِ الذي إنْ أَلِفَهُ معجَمُ المؤمنينَ بمنْ كانَ في أصْلِ تكوينِهِ عالِمًا دِينيًّا، تَخَرَّجَ في "الحوزاتِ"، وارتقَى فالتحقَ بِكُلِّيَّةِ الفقهِ بِـ #النَّجَفِ = فإنَّهُ لا يجوزُ في حَقِّ مُثَقَّفٍ تَمَرَّدَ عَلَى ماضيهِ، وأنشأَ ينثرُ في "تعليقاتِهِ" - أوْ "خواطِرِهِ" - نقدًا، ويَدْعُو "مُرِيديهِ" وقُرَّاءَهُ إلى اصطناعِ العقلِ والنَّقدِ مَعًا!
لكنَّني لَمَسْتُ في مقالاتِهِ وفُصُولِهِ هذا "الإرجاءَ"، وأنَّ المُثقَّفَ "اليساريَّ" لا يزالُ يُخفِي، خَلْفَ مَظْهرِهِ الحديثِ، عِمامةَ رَجُلِ الدِّينِ ويقينَهُ وطوباوِيَّتَهُ، وأنَّ "مشروعَ!" العَلِيِّ ليس سِوَى تأمُّلاتٍ قِوَامُها "المُصالَحةُ" بينَ الأفكارِ، مَهْما تضارَبَتْ، و"التَّقميشُ"، و"التَّبريرُ" - أوِ التَّسويغُ -.
- ٤ -