خاطِرِيَّات حسين بافقيه @hubafagih Channel on Telegram

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

@hubafagih


خاطِرِيَّات حسين بافقيه (Arabic)

يسرنا أن نقدم لكم قناة تليجرام مميزة ومثيرة تحتوي على محتوى ثقافي وفلسفي هادف يجذب القلوب ويثري العقول. إنها قناة "خاطِرِيَّات حسين بافقيه"، التي تعتبر مكانًا مثاليًا للتفكير العميق والتأمل في أسرار الحياة والوجود

هذه القناة تديرها وتديرها حسين بافقي، وهو فلسفي وكاتب متميز يشارك تفكيره ونظرياته من خلال منشوراته ومقالاته التي تثير الفكر وتحفز على التأمل. يعتبر بافقيه شخصية مثيرة للاهتمام تحمل الكثير من الحكمة والتأمل في رؤية العالم

ما يميز قناة "خاطِرِيَّات حسين بافقيه" هو تنوع المواضيع التي تطرحها، بدءًا من الفلسفة وصولًا إلى الأدب والثقافة. ستجد في هذه القناة مقالات ملهمة ونصوص فلسفية تدفعك للتفكير بشكل عميق وتحفزك على التعلم والنمو الشخصي

إذا كنت تبحث عن مصدر للإلهام والتأمل والتفكير العميق، فإن "خاطِرِيَّات حسين بافقيه" هي القناة المثالية بالنسبة لك. انضم إلينا اليوم واستمتع بالمحتوى الثري والملهم الذي سيغير تفكيرك ويثري حياتك.

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

20 Jan, 03:19


#ذكرى

🔸 كَيْفَ قرأْتُ محمَّد العَلِيَّ؟!🔹

لَمَّا أُنشِئَتْ مجلَّةُ (النَّصِّ الجديدِ) كُنْتُ أَصغرَ الأعضاءِ المُؤسِّسينَ سِنًّا.

- ١ -

طَلَبَ مِنِّي رئيسُ تحريرِها الأستاذ عليّ الدُّمينيّ - رحمه الله - كِتابةَ مقالٍ - أوْ دراسةٍ - عن الأستاذ محمَّد العليِّ - الشَّاعرِ والمثقَّف السُّعُوديِّ القديرِ -.

ولأنِّي أَعْرِفُ في نفسي الْجِدَّ والسَّهَرَ والتَّعبَ = أنشأْتُ أتتبَّعُ مقالاتِ الأستاذِ العليِّ - وهي كثيرةٌ - ومُحاضراتِهِ - وهي قليلةٌ - وأحاديثَهُ - وهي أَقَلُّ -.

وأنا أتحدَّثُ عنْ زمنِ ما قبلَ الشَّبكةِ العالميَّة ِ للمعلوماتِ؛ لِنَعْرِفَ مقدارَ الجهدِ في البحثِ عنْ مقالٍ وبحثٍ ومُحاضرةٍ لمثقَّفٍ ليس لهُ، آنئذٍ، أيُّ كِتابٍ!

قصدتُّ مركز المعلوماتِ في صحيفةِ (عُكاظ)، وكانَ مركزًا عظيمًا، يُشْرِفُ عليهِ الدُّكتور عبد الجليل طاشكنديّ، وجَمَعْتُ جمهرةً طيِّبةً مِنْ مقالاتِ الأستاذِ العليِّ الَّتي نَشَرَها في الصَّحيفةِ.

وأَفْضَلَ الأستاذُ محمَّد العَلِيُّ - حفظه الله - فأرسلَ إليَّ بالبريدِ مقدارًا طيِّبًا مِنْ مقالاتِهِ، ومُحاضراتِهِ، وأحاديثِهِ.

ومضيْتُ إلى مكتبِ صحيفةِ (اليومِ) في جُدَّةَ، وخرجْتُ مِنْ محفوظاتِها بوافرٍ مِمَّا نَشَرَهُ الأستاذُ فيها، وعلينا أن نَعرِفَ أنَّ صحيفةَ (اليومِ) جزءٌ عزيزٌ مِنْ تاريخِ الأستاذِ العليِّ وذاكرتِهِ.

ووافاني الصَّديقُ الشَّهمُ النَّبيلُ الأستاذُ عليّ العُميم - حفظه الله - بمادَّةٍ عن العَلِيِّ نشرَها في صحيفةِ (الشَّرقِ الأوسطِ) = هي تقريرٌ وحديثٌ صحفيٌّ، بمُصطلَحِ الصِّحافةِ، ومقالٌ ممتازٌ، مَعًا.

-٢-

الآنَ، صارَتِ الموادُّ جيِّدةً، وليس عَلَيَّ إلَّا أنْ أقرأَها، وأتأمَّلَها، لأخوضَ تجربةَ الكِتابةِ عنْ ناحِيَةٍ صعبةٍ مِنْ نواحي الأستاذ محمَّد العليّ!

كَتَبْتُ مقالًا مُطَوَّلًا [نُشِرَ في ٢٨ صفحةً]- أوْ بحثًا إذا أردتُّ التَّحقيقَ والتَّدقيقَ - عُنْوانُهُ (الإيديولوجيا المُرْجَأَةُ: قراءةٌ في مشروعِ محمَّد العليِّ الثَّقافيّ) [مجلَّة النَّصِّ الجديد، ١٤١٧هـ = ١٩٩٧م.

وعلينا أن نتأمَّلَ في العُنوانِ ثلاثَ كلماتٍ: "الإيديولوجيا"، ووَصْفَ الإيديولوجيا بِـ "المُرجأَة"، و"مشروع"!

أمَّا كلمةُ "مشروعٍ" فليستْ إلّّا صدًى لِمَا راجَ في أدبيَّاتِ الفكرِ العربيِّ - آنئذٍ - فزكيّ نجيب محمود له مشروعٌ، وطيِّب تزيني له مشروعٌ، ولمحمَّد عابد الجابريِّ وحسن حنفيّ وعبد الله العُرويّ مشاريعُ، ولجارِنا البحرينيِّ محمَّد جابر الأنصاريِّ مشروعٌ! وبينما كانَ لكُلِّ هؤلاءِ "مشاريعُ"، فلِمَ لا يكونُ الأستاذُ محمَّد العليُّ "مُفَكِّرًا"، ومقالاتُهُ القصيرةُ - القصيرةُ جِدًّا - تلك الَّتي يُذِيعُها في الصَّحافةِ اليوميَّةِ = لِمَ لا تكونُ "مشروعًا"!

لكنْ هذا ما ارتضيتُهُ، في ذلك الوقتِ، ولوْ رَجَعْتُ، مرَّةً ثانيةً، إلى مقالي المُطَوَّلِ، لسَمَّيْتُ ما ينشرُهُ الأستاذُ القديرُ محمَّد العليُّ "تعليقاتٍ" و"خواطِرَ" = هذه هي التَّسميَةُ الصَّادقةُ، مهما أجْلَلْتُ الأستاذَ وبَجَّلْتُهُ!

أمَّا "الإيديولوجيا" فلدَوَرَانِها وفُشُوِّها في كَلِمِ الأستاذِ، ولأنَّها مِنَ الكَلِمِ الأثيرِ المحبوبِ عندَ مُثَقَّفي "اليسارِ"، والأستاذُ محمَّد العَلِيُّ معدودٌ مِنهم.

و"المُرجأَةُ" هي خُلاصةُ ما انتهيْتُ إليهِ في تأمُّلاتي في "مشروع!" محمَّد العليِّ؛ فالكاتبُ اليساريُّ ذو نزعةٍ "طوباويَّةٍ"، مُرْجِئةٍ، مهما أكثرَ مِنَ التَّوسُّلِ بمفرداتٍ مُستقاةٍ مِنْ كيسِ الماركسيَّةِ والمادِّيَّةِ الجدليَّةِ، وسائرِ الكَلِمِ الذي يَرُوعُ ويبهرُ!

- ٣ -

وَقَّرْتُ "مشروعَ!" الأستاذ محمَّد العليِّ، ولمْ أَغْلُ في حَشْدِ الكَلِمِ الذي إنْ أَلِفَهُ معجَمُ المؤمنينَ بمنْ كانَ في أصْلِ تكوينِهِ عالِمًا دِينيًّا، تَخَرَّجَ في "الحوزاتِ"، وارتقَى فالتحقَ بِكُلِّيَّةِ الفقهِ بِـ #النَّجَفِ = فإنَّهُ لا يجوزُ في حَقِّ مُثَقَّفٍ تَمَرَّدَ عَلَى ماضيهِ، وأنشأَ ينثرُ في "تعليقاتِهِ" - أوْ "خواطِرِهِ" - نقدًا، ويَدْعُو "مُرِيديهِ" وقُرَّاءَهُ إلى اصطناعِ العقلِ والنَّقدِ مَعًا!

لكنَّني لَمَسْتُ في مقالاتِهِ وفُصُولِهِ هذا "الإرجاءَ"، وأنَّ المُثقَّفَ "اليساريَّ" لا يزالُ يُخفِي، خَلْفَ مَظْهرِهِ الحديثِ، عِمامةَ رَجُلِ الدِّينِ ويقينَهُ وطوباوِيَّتَهُ، وأنَّ "مشروعَ!" العَلِيِّ ليس سِوَى تأمُّلاتٍ قِوَامُها "المُصالَحةُ" بينَ الأفكارِ، مَهْما تضارَبَتْ، و"التَّقميشُ"، و"التَّبريرُ" - أوِ التَّسويغُ -.

- ٤ -

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

20 Jan, 03:19


دَفَعْتُ المقالَ المُطَوَّلَ إلى رئيسِ التَّحريرِ الأستاذ عليّ الدُّمينيّ - رحمه الله - فلمَّا قَرَأَهُ هَتَفَ بي مِنَ الشَّرقيَّةِ [مِنَ الهاتفِ، قبلَ أن نعرفَ الجوَّالَ!] مُغْضَبًا: "كيفَ تقولُ عن الأستاذ كَيْتَ وكَيْتَ"! فأجبْتُهُ: هذا رأيي الذي هَدَاني إليهِ الدَّرْسُ والتَّأمُّلُ، وهذا الذي أعرِفُهُ مِنَ لُغةِ البحثِ. وأدركْتُ أنَّ أبا عادل - غفر الله له - ما هانَ عليهِ أن يُوْصَفَ محمَّد العليَّ - وهو المثقَّفُ اليساريُّ الواقعيُّ - بصاحِبِ "الإيديولوجيا المُرْجأَةِ"، وبِـ "اليقينِ" - وهو ذُو العقلِ الجدليِّ"! وبِـ "الطُّوباوِيَّةِ"، وهو الماركسيُّ المادِّيُّ الْجدليُّ!

- ٥ -

مَرَّتِ السِّنونَ، وكانَ عليّ الدُّمينيُّ، فيما كَتَبَ وحَدَّثَ وتَحاوَرَ، كُلَّما جاءَ اسْمُ محمَّد العليِّ = يتذكَّرُ مقالَةَ صاحِبِ هذهِ السُّطُورِ، ويُتْبِعُها بوصفينِ: بِـ "المقالةِ الضَّافِيةِ"، وبأنَّني "سَخِرْتُ فيها مِنَ العَلِيِّ"؛ حِينَ دَعَوْتُهُ "طوباوِيًّا"، "يقينيًّا"، "مُرْجِئًا"!!

#حسين_بافقيه

#جُدَّة ٢٠ رجب ١٤٤٦هـ

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

16 Jan, 08:39


#كُنَّاشة_حسين_بافقيه

🔹 چ 🔸

مِمَّا اقتنيْتُ قديمًا كِتابُ (البِنَى النَّحويَّةِ) لِـ نعُّوم تشومسكي، وترجمةِ الدُّكتور يوئيل عزيز.

وأثارَ استغرابي أنَّ المترجمَ العراقيَّ أَثْبَتَ اسْمَ المؤلِّفِ هكذا "جومسكي" - بالجيم المنقوطةِ نُقطةً واحدةً - لا "تشومسكي"، كما هو شائع!

ولمْ يتبيَّنْ لي وجهُ ذلك إلَّا عندما أُتِيحَ لي القراءةُ في كُتُبِ التَّعريبِ، فاهتديْتُ إلى أنَّ مُشكلةً في حُرُوفِ الطِّباعةِ أَحَلَّتِ الجيمَ (ج) مَحَلَّ الصَّوْتِ الأعجميِّ (ch)، الذي يُرْمَزُ لهُ، عادةً، بالجيم المُثلَّثة (چ)، وأنَّ العراقيِّينَ - وعربًا آخرينَ في سوريةَ والخليج - يستعملونَ هذا الحرفَ، ولعلَّهم، للتَّخَفُّفِ، لا يثبتونَ النِّقاطَ الثَّلاثَ، وبدا لي أنَّ "چومسكي" أقربُ إلى ما اصطلحَ عليهِ النَّقَلةُ العربُ قديمًا مِنْ "تشومسكي".

ولأشقَّائنا في مِصْرَ تَعَصُّبٌ صوتيٌّ لحرفِ الجيمِ (ج) القاهريَّةِ؛ فـ "جميلٌ"، عندهم، كأنَّما هو "گميل"، بالكافِ الفارسيَّةِ، أوْ بالقافِ الذي ينطقُها عَرَبُ الجزيرةِ العربيَّةِ (القافِ المُضَريَّةِ - البدويَّةِ - اليابِسةِ - المعقودةِ - المشقوقةِ - التَّميميَّةِ - الحضرميَّةِ..!): "قَمِيل"!

أمَّا جيهان - بجيمِنا المعتادةِ - فهي عند المصريِّينَ "چيهان"، يقابلونَ بها حرفَ J اللَّاتينيّ، وهذا اصطلاحٌ حديثٌ لا قديمٌ؛ ذلك أنَّ الشَّاعرَ المصريَّ الكبيرَ أحمد شوقي أشارَ في مُقدِّمةِ الطَّبعةِ الأولى لِـ (الشَّوقيَّاتِ) - ١٣١٦هـ = ١٨٩٨م - أنَّهُ اجتمعَتْ فيهِ أربعةُ أعراقٍ؛ فهو عربيٌّ، تُركيٌّ، يونانيٌّ، چركسيٌّ [بالجيم المُثَلَّثة: شركسيّ]!

وبينما يقرأُ عَرَبٌ عُنوانَ ديوانِ الشَّاعرِ العراقيِّ الكبيرِ بدر شاكر السَّيَّاب (شناشيل ابنةِ الچلبيّ) بالجيم (الجلبيّ) = يقرأُ العراقيُّون وعربٌ آخرونَ الچلبي كما يُنْطقُ الصَّوتُ الأعجميُّ (ch): التَّشلبي!

عَلَى أنَّ هذا الصَّوتَ وأصواتًا أخرى مِمَّا لَمْ ينطِقِ العربُ = إنَّما هي اصطلاحاتٌ خاصَّةٌ تُعُورِفَ عليها قديمًا وحديثًا، وحَيَّرَتِ المؤلِّفينَ والمترجمينَ في العصرِ الحاضرِ، وللمجامعِ اللُّغويَّةِ - ومنها المَجْمَعُ المصريُّ - كلامٌ نافِعٌ يوافِقُ ما استقرَّ عند أسلافنا = وفي مُقدِّمةِ (الأعلامِ) للخيرِ الزِّرِكْليِّ كلامٌ نفيسٌ عنِ الأحرُفِ الأعجميَّةِ التي لا مُقابِلَ لها عندنا، وما اصطلحَ عليهِ في جمهرتِهِ الفاخرةِ!

وسأُشيرُ، في خاتمةِ كلامي، إلى أنَّ التَّعصُّبَ للحروفِ ليس شأنًا مِصريًّا خالصًا؛ فالسُّعُوديُّونَ اصطلحوا، فيما بينهم، عَلَى أن يرسموا الحرفَ الأعجميَّ (G) قافًا بدويَّةً يابسةً؛ فإذا رأيتَ سُعُوديًّا يكتبُ (قوقل)! فاعلَمْ أنَّهُ إنَّما يريدُ (جوجل)، عند المصريِّ، و(گوگل)، عندَ العراقيِّ، و(ڤوڤل)، عند المغربيِّ، ولوْ كان في جهازي كافٌ فوقها ثلاثُ نِقاطٍ لأثبتُّها!

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

13 Jan, 17:43


#الخاطِرِيَّات

🔹 النَّقدُ الأدبيُّ أَسْتَرُ! 🔸

نَصَحَني صديقي الأستاذ عليّ العُميم، قبلَ سنواتٍ، بقراءةِ مَقالٍ رَاعِبٍ نَشَرَهُ العَلَّامةُ الشَّيخُ محمود محمَّد شاكر، قديمًا، في مجلَّةِ (العربيّ) الكويتيَّةِ = في الرَّدِّ عَلَى الشَّاعرِ والأستاذِ الجامِعيِّ اليَمَنيِّ الدُّكتور عبد العزيز المُقالح - رَحِمَ اللهُ الجميعَ -

وكانَ المُقالِحُ نَشَرَ مقالًا في (العربيِّ) عنْ طه حسين، وما دعاهُ هجمةً عَلَى حركةِ التَّنويرِ، في كلامٍ يَرُوعُ…! وإليكَ عُنوانَهُ "دفاعٌ عنِ العقلِ والضَّميرِ العربيَّينِ: طه حسين، والشَّكُّ على الطَّريقةِ الأزهريَّةِ"! [تستطيعُ أنْ تقرأَ رَدَّ الشَّيخِ محمود شاكر في صفحةِ الأستاذِ محمَّد صالح فرحات، وهو مُتاحٌ، كذلكَ، في #المكتبةِ_الشَّاملةِ].

وأغلَبُ الظَّنِّ أنَّ الأستاذَ المُقالحَ - وهو إنسانٌ فاضلٌ - كانَ، كعادةِ الأساتذةِ، لا يُكَلِّفُ نفسَهُ التَّثَبُّتَ مِمَّا يَسُوقُهُ، وكانَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بنَفْسِهِ، فأَنْشأَ، فِي كلامٍ سائبٍ، يتَّهِمُ الشَّيخَ محمودًا [الأزهريَّ!! 😂] الذي هَجَمَ عَلَى العميدِ المستنيرِ، وزَجَّ، في ثِقةِ الأستاذِ المُطمَئنِّ، كِتابَ (المُتنبِّي) للشيَّخِ محمود شاكر، وزادَ، في هُدُوءٍ عجيبٍ، فقالَ: لقدْ كان طه حسين زميلًا لمحمود شاكر في الجامِعِ الأزهرِ، سَبَقَهُ إلى الدِّراسةِ فيهِ!

وقالَ المُقالحُ كلامًا مِنْ ذلك الوادي الذي اعتدناهُ مِنَ المُثَقَّفينَ العربِ "الحداثيِّين" عنِ "التنويرِ"، و"الظَّلامِ"…!

ولعلَّهُ حَكَّ في صدرِ الشَّاعرِ والأستاذِ الجامعيِّ أنَّهُ قالَ قولًا جامِعًا، وأنَّهُ أَجْهَزَ على الشَّيخِ محمود شاكر ومُريدِيهِ!

لعلَّهُ كان يَظُنُّ ذلك! وما درى المُقالِحُ - رحمه الله - أنَّهُ وَرَّطَ نفسهُ - وهو الأستاذُ الجامِعيُّ - فكَتَبَ مِنْ رأسِهِ كلامًا سائبًا، إنْ جازَ أن يُقالَ أمثالُهُ في نَقْدِ الأدبِ، فيُهَلِّلَ لهُ الأحبابُ والأصحابُ = فلا يَجُوزُ ذلك في لُغةِ الدَّرْسِ والبحثِ والحِجَاجِ!

وما ظَنَّ المُقالِحُ أن سيرُدُّ عليهِ محمود شاكر، وأنْ سيتلعَّبُ بهِ، وأنَّهُ سيسوقُ مِنْ مقالِ المُقالِحِ عِباراتٍ لا تُقْبَلُ مِنْ طالبٍ في أوَّلِ عهدِهِ بالجامعةِ! فما ظنُّكَ بأستاذٍ جامعيٍّ يُعَلِّمُ طُلَّابَهُ كيفَ يَكُونُ العِلْمُ، وكيف يكونُ المنهجُ؟!

وفي رَدِّ محمود شاكر - الذي يُتَعَلَّمُ مِنهُ - كثيرٌ مِمَّا يُقْتَبَسُ، وحَسْبي أنْ أسُوقَ تَهَكُّمَهُ بقولِ المُقالِح: إنَّ محمود شاكر كان زميلًا لطه حسين في الجامِعِ الأزهرِ! 😂

يقولُ محمود شاكر:

"فالذي يقول مثل هذا الخلط، لا يمكن أن يكون قرأ ما كتبتُ ولم يفهمه، ولا أن يكون فهم شيئا عن طريق التوهم ولا عن طريق الاستنباط، لأنى قصصت في خلال كلامي عن "التفريغ" جزءا من تاريخ حياتى، منذ كنت طالبا صغيرا في مدارس دنلوب، ثم في القسم العلمي حتى نلت شهادة البكالوريا (الثانوية العامة)، ثم دخلت الجامعة، ثم فارقتها، وفارقت أرض مصر مدة سنتين، ثم عدتُ لأسير سيرتى التي أنا فيها من يومئذ إلى الآن، فهل هذا هو "الأزهر"؟ ولا أستطيع أن أتوهم أن حاملا للدكتوراه لا يستطيع أن يفرق بين "مدارس دنلوب" التي فرغتنى وفرغت جيلى، وبين لفظ "الأزهر" 😂

لنْ أُطِيلَ في الاقتباساتِ، ولنْ أَشُقَّ عَلَى نفسي وعليكَ، ومجلَّةُ (العربيّ) الكويتيَّةُ عَلَى طَرَفِ الثُّمَامِ = ولكنَّني - وأنا مُحِبٌّ للدُّكتور عبد العزيز المُقالِح - لمْ أَكُنْ لأتمنَّى أن يَسْقُطَ هذا السُّقُوطَ، وأن يتلعَّبَ بِهِ محمود شاكر - وهو مُحِقٌّ - ويسخَرَ مِنْ أستاذيَّتِهِ ودُكتوريَّتِهِ، وليتَ المُقالِحَ - وغيرَهُ مِنْ مُدَرِّسي النَّقدِ في الجامعاتِ - لمْ يركبوا مركبَ البحثِ، واكتفَوْا بلُغةِ النَّقدِ السَّائبةِ التي إنْ خَيَّلَتْ لفِئَةٍ مِنَ القُرَّاءِ بالعِلْمِ = فلنْ تَثْبُتَ عند أوَّلِ فَحْصٍ!

#حسين_بافقيه

#جُدَّة في ١٣ رجب ١٤٤٦هـ

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

10 Jan, 03:00


#يوميَّات_مِصْريَّة

🔹 دَرْسٌ في فِقْهِ اللُّغةِ 🔸

أُحِبُّ أنْ أقطعَ المسافةَ، في سيَّارةِ الأُجرةِ "الأوبر" الَّتي تُقِلُّني، بالحديثِ مع السَّائقِ، ويَغْلِبُ أن يَكُونَ مُوَظَّفًا حُكُومِيًّا أوْ أهليًّا، ومِنهُمْ مَنْ كانَ عَلَى حَظٍّ طيِّبٍ مِنَ الثَّقافةِ.

- ١ -

سَمِعَني السَّائقُ، وأنا أُحَدِّثُ ابنتي نَوَار، عنْ أنواعِ الدِّثارِ الذي علينا أنْ نشتريَهُ، قبلَ أن يشتدَّ البردُ، واستجلَبَ سَمْعَهُ جَمْعي "البَطَّانِيَّةَ" عَلَى "بَطَّانيَّاتٍ"؛ فقالَ، مِنْ فَوْرِهِ: "بطاطِين"!

وجَمْعُ بطَّانيَّةٍ عَلَى بطَّانِيَّاتٍ غريبٌ عَلَى أُذُنِ المصريِّ، كما أنَّ بطاطينَ وَقْعُها غريبٌ عَلَى أُذُنِ السُّعُوديِّ!

وطابَ لي - والحديثُ شُجُونٌ - أنْ أُبَيِّنَ لهُ أنَّ كِلا الجَمْعَينِ صحيحٌ، وبينما آثرْنا في المملكةِ - وفي نواحٍ أُخرَى مِنَ العالَمِ العربيِّ - جَمْعَ المؤنَّثِ السَّالِمِ "بطَّانِيَّاتٍ"، اختارَ المِصريُّونَ جَمْعَ التَّكسيرِ "بطاطين"!

وقُلْتُ لِمُحَدِّثي: إنَّنا نَجْمَعُ "عِمَارة" جَمْعَ تكسيرٍ : "عَمائِر"، وتَجْمعُونَها في مِصْرَ جَمعَ مُؤنَّثٍ سالِمًا: "عِمارات"!

- ٢ -

وأَوْضَحْتُ، مَرَّةً، لسائقِ "الأوبر"، وكانَ عَلَى شيءٍ مِنَ المعرفةِ = أنَّ في اللُّغةِ ما هو أشدُّ وأدهَى مِنَ التَّبايُنِ في هذهِ الكلمةِ أوْ تلك، ورويْتُ لهُ أنَّني اختلفْتُ إلى حانُوتٍ لبيعِ خِزَاناتِ الملابسِ "الدَّواليب" - وكانَ معي صديقي عبد الله الطَّيَّاريّ - ولاحظَ البائعُ أنَّهُ كُلَّما وَصَفَ بابَ الخِزانةِ السَّحَّابَ بِـ "الْجَرَّار" = ضَحِكْنا! فلمَّا تَكَرَّرَ الموقفُ شَرَحْنا لهُ أنَّ كلمةَ "جَرَّار" - أجارَكُمُ اللهُ - لها معنًى قبيح - بلْ قبيحٌ جِدًّا - في لَهْجَتِنا، وأنَّ اسْمَ البابِ المتحرِّكِ هذا لدينا هو "باب سحَّاب" - لا جَرَّار! - وأنَّ مِنْ عادةِ المتكلِّمينَ باللُّغةِ أن يَتَلَطَّفُوا لضُرُوبٍ مِنَ الكلماتِ المحظورةِ "اللَّا مِسَاس"، ويتوسَّلُوا إليهِنَّ ببدائلَ، متى أحسُّوا أنَّها تنطوي عَلَى معنًى قبيحٍ أوْ ما يُشْبِهُ ذلك، وقُلْتُ: إنَّ مِنْ أهلِ المدينةِ النَّبويَّةِ المنوَّرةِ، قديمًا، مَنْ كانَتْ مِهْنَتُهُ إرشادَ زُوَّارِ القبرِ الشَّريفِ إلى الأمكنةِ المأثورةِ فيها، وأنَّ تِلْكَ الفئةَ مِنَ المَدَنيِّينَ كانُوا يُدْعَوْنَ "مُزَوِّرِينَ"! - اسْم فاعِلٍ مِنَ الفِعْلِ زَوَّرَ فلانًا المَشاهِدَ الشَّريفةَ، وأنَّ التَّسميَةَ هذه لمْ تَكُنْ مُستهجَنَةً، لكنَّ الكلِمةَ، اليومَ، لُطِّفَتْ، فإذا هُمْ يُسَمَّوْنَ "الأدِلَّاءَ"، جَمْعَ "دَلِيلٍ" [يَدُلُّ الزَّائرينَ ويُزِيرُهُمْ - يُزَوِّرُهُمُ الأمكنةَ الشَّريفةَ]، واطُّرِحَتِ التَّسميةُ القديمةُ لِلَّذي داخَلَها مِنْ مَعانٍ سيِّئةٍ جِدًّا!

- ٣ -

وفي مُجَمَّعٍ تسويقيٍّ "هايبر"!، قَصَدْتُّ قِسْمِ الدَّوَاجِنِ، ورَجَوْتُ البائعَ، بعامِّيَّتي، أن يَزِنَ لي "كيلوين مِنْ صُدُورِ الدَّجاج" - أوِ الفِراخ، كما صِرْتُ أقولُ! - فابتسمَ البائعُ وقالَ: "اتنين كِيلو!"، ولولا أنَّ النَّاسَ مُجتمِعةٌ، ولولا أنَّ الزِّحامَ شديدٌ، لَخُضْتُّ مَعهُ في حديثٍ في فِقْهِ العربيَّةِ، ولأَبَنْتُ لهُ عِلَّةَ اختلافِ لهجتِي عنْ لهجتِهِ، وأنَّنا حاولْنا إساغةَ هذهِ الموازينِ والمقاييسِ الأعجميَّةِ الجديدةِ، وأشهرُهُنَّ كَلِمةُ "الكيلو"، وأنَّ العُجمةَ مَسَّتْنا جميعًا، غَيْرَ أنَّ العربيَّةَ الحديثةَ لاءَمَتْ بينَ شُرُوطِها ومُواضعاتِ التَّحديثِ، وأنَّهُ كانَ واجِبًا علينا أنْ نَصْطَنِعَ هذا التَّعبيرَ الصَّحيحَ مَهْما كانَ غريبًا: "كيلُوغرامان - كيلُومتران"! وأنَّ العُجْمةَ القبيحةَ - يا بائعَ الدَّجَاجِ أوِ الفِرَاخِ - تَسَرَّبَتْ إلى كلامِنا دُونَ تفرِقةٍ؛ ذلك أنَّنا نقولُ في العامِّيَّاتِ العربيَّةِ: "جا واحِد رِجَّال"! - وهذا أُسلوبٌ في العُجْمةِ قبيحٌ! - ونقولُ في عامِّيَّةِ البلدينِ: "ثلاثة رِيَال"! و"أربعة جنيه"! والصَّوابُ: "ثلاثة رِيالاتٍ"! و"ثلاثة جُنيهاتٍ"!

- ٤ -

ورَكِبْتُ، مَرَّةً، سيَّارةَ "أوبر"، ولَمَّا عَرَفْتُ أنَّ السَّائقَ مِنْ صِغارِ المُقاوِلينَ، وأنَّهُ يُوَرِّدُ الدِّهاناتِ إلى المصانِعِ = قُلْتُ لهُ: "يعني تِضربُوا المصانع بُويَات - أيْ: دِهانات -؟"، فأجابَني مستغرِبًا: "كيف نضرب المصنع؟"! وأدركْتُ أنَّني وَقَعْتُ في اختلافٍ في الفَهْمِ، وأنَّ المُقاوِلَ الصَّغيرَ فَهِمَ الفعلَ "ضَرَبَ" بمعناهُ الأَوَّليِّ الشَّائعِ، فلمَّا أَطنبْتُ في الشَّرحِ لِيَفْهَمَ ما أقصِدُهُ = قالَ: "آه، تقصِد: ندهن المصانِع"، فقُلْتُ، فَرِحًا: "نَعَمْ.. نَعَمْ! تِدْهنُوها"!

#حسين_بافقيه

#القاهرة في ١٠ مِنْ شهر رجب ١٤٤٦هـ

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

09 Jan, 13:35


لكنَّني، في المقابلِ، كُنْتُ ألتقي أناسًا أُشهِدُ اللهَ أنَّني لمْ أَرَهُمْ، يومًا مَّا، في مجلسِ الأستاذِ، وليس لهم مِنْ صنعةٍ إلَّا أن يختلِقُوا الأكاذيبَ عنْ تاريخٍ اخترعوهُ، ومواقفَ انتحلوها، ونِضالٍ توهَّموهُ، وعَلَيَّ أنْ أقولَ، وقدْ عَرَفْتُه مِنْ كَثَبٍ، واتَّصَلْتُ بكُتُبِهِ ومقالاتِهِ وخَبَرْتُ أطرافًا مِنْ تاريخِهِ: إنَّ الأستاذَ عبدَ الله عبد الجبَّار كان مثقَّفًا وطنيًّا عُرُوبيًّا؛ كان يحبُّ وطنَهُ، ولمْ يشأْ لأحدٍ، في أثناءِ مُقامِهِ في القاهرةِ، زمنَ عبد النَّاصر، أن ينالَ مِنْ وطنِهِ، ولَمَّا ضاقَتْ مصرُ بهِ، وفكَّرَ في مغادرتِها، مُكْرَهًا، أشارتْ عليهِ إحدى صديقاتِهِ، وكانتْ زوجةً سابقةً لزعيمٍ عربيٍّ وأُمًّا لابنتِهِ، أن تَذْكُرَهُ عند ذلك الزَّعيمِ وتَسْعَى في أمرِهِ = ليقيمَ في ذلك البلدِ بعدَ مصرَ، لكنَّهُ أبَى، حتَّى لا يكونَ ذلك ذريعةً للإساءةِ إلى وطنِهِ، في يومٍ مَّا، فطارَ إلى لندنَ، وعرفَهُ المبتعثونَ السُّعوديُّونَ والعربُ بمدرسةٍ – والأصحُّ: بشِبْهِ مدرسةٍ – يدرِّسُ فيها أبناءَ المبتعثينَ وبناتِهم اللُّغةَ العربيَّةَ والدِّينَ الإسلاميَّ، حتَّى عادَ، معزَّزًا مكرَّمًا، إلى بلادِهِ، في مستهلِّ حُكْمِ الملِكِ خالد بن عبد العزيز – رحمه الله –

ومِمَّا رواهُ لي أحدُ الثِّقاتِ أنَّ الأستاذَ كان يدرِّسُ ابنةَ أميرةٍ عربيَّةٍ (ليستْ سعوديَّةً) اللُّغةَ العربيَّةَ والدِّينَ الإسلاميَّ، مقابلَ مبلغٍ شهريٍّ، ثُمَّ قدَّرَتِ الأميرةُ أنَّ ابنتَها يكفيها دَرْسٌ واحدٌ مِنَ الدَّرسينِ؛ دونَ أن ينزلَ الرَّاتبُ المقرَّرُ عمَّا كانَ، فأبَى الأستاذُ إلَّا أن يتسلَّمَ نصفَ المبلغِ المقرَّرِ ما دامَ يدرِّسُ درسًا واحدًا، مع شِدَّةِ حاجتِهِ إلى النُّقُودِ!

كان الأستاذُ مِنْ رُوَّادِ التَّعليمِ في المملكةِ العربيَّةِ السُّعُوديَّةِ؛ دَرَّسَ في المعهدِ العلميِّ السُّعُوديِّ ومدرسةِ تحضيرِ البعثاتِ في مكَّةَ المكرَّمةِ، وكان مِنْ تلاميذِهِ مَنْ أصبحوا، فيما بَعْدُ، وزراءَ ورجالَ دولةٍ كبارًا، ويكفي أنْ أذكرَ منهم عبدَ العزيز الخويطر، وأحمد زكيّ يمانيّ، وإبراهيم العنقريّ – رحمهم الله – كانوا يعرفونَ للأستاذِ قَدْرَهُ ومكانتَهُ، ويزورونَهُ متى كانوا في جُدَّةَ، وكان الأستاذُ في ضائقةٍ، لكنَّهُ كان عفيفَ النَّفسِ، وكان أولئك النَّفرُ الكرامُ مِنْ رجالاتِ الدَّولةِ ينقلونَ إلى وَلِيِّ الأمر [الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله] رجاءَهم: أنْ لوْ ساعدتِ الدَّولةُ – وهي سخيَّةٌ مع أبنائِها – الأستاذَ عبدَ الله عبد الجبَّار. كانوا يقولونَ ذلك مِنْ ورائِهِ ومِنْ دُونِ عِلمِهِ، وكان أولو الأمرِ – وهذه سجيَّةٌ معروفةٌ فيهم – لا يتردَّدونَ، قَطُّ، في البذلِ والعطاءِ، فوقَّعَ الملكُ فهد بن عبد العزيز – رحمه الله – شيكًا بمبلغٍ ضخمٍ كبيرٍ [خمسة ملايين ريال سُعُوديّ!]، مساعدةً – مِنْ مالِهِ الخاصِّ - لزميلِهِ القديمِ في وزارةِ المعارفِ، وما كان الأستاذُ لِيَكْفُرٍ بِيَدٍ كريمةٍ معطاءَ، فَنَقَلَ إلى المليكِ – رحمه الله – شُكْرَهُ، وأبقى "الشِّيكَ" كما هو، لمْ يصرفْهُ، ولمْ تَمْسَسْهُ يدٌ، على ضِيقِ ذاتِ يَدِهِ، وشِدَّةِ حاجتِهِ، في حادثةٍ سجَّلَ وقائعَها الدُّكتور عبَّاس طاشكنديّ في صحيفةِ عكاظ، وكان الأستاذُ نبيلًا كريمًا، فحَفِظَ لوليِّ الأمرِ معروفَهُ، وإنْ لمْ ينتفِعْ بـ"الشِّيك" الَّذي عادَ إلى وَرَثَةِ المليكِ العظيمِ بَعْدَ وفاةِ الأستاذِ – رحمهما الله -

لماذا أقولُ ذلك؟

لأدفعَ أوهامًا وكلامًا تافهًا كان بعضُ الطَّغامِ يَدُورونَ به في هذا المجلسِ أوْ ذاك، مِنْ أنَّ الأستاذَ فعلَ بالشِّيكِ كَيْتَ وكَيْتَ، ينسجونَ حولَهُ "حكاياتٍ" متوهَّمةً، ونِضَالًا رخيصًا لا يَصْدُر عنْ رَجُلٍ حُرٍّ كريمٍ نبيلٍ، عاشَ مخلصًا لوطنِهِ، مُحِبًّا لأُولي الأمرِ فيهِ، وليسَ مَنْ رأى كمنْ سمِع!

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

09 Jan, 13:35


#ما_رأيتُ_وما_سَمِعْتُ

🔸حكايةٌ لمْ يَرْوِها الأستاذ!🔹

مِنْ أعظمِ ما أكرمَني به اللهُ – تبارك وتعالَى - معرفةُ الأستاذِ الجليلِ عبد الله عبد الجبَّار – رحمه الله – (1336-1432هـ = 1918-2011م). واليومَ إذْ أتأمَّلُ صِلتي المباركةَ به أخرجُ بنتائجَ تسرُّني كثيرًا، أهمُّها أنَّني عَرَفْتُهُ في زمنٍ كُنْتُ أبحثُ فيه عنْ قدوةٍ، بعد أنْ بَهَتَتِ الأسماءُ في عيني، وفَقَدَتْ نضارتَها = وأنَّهُ خَصَّني، وأنا الشَّابُّ الصَّغيرُ، بمعاملةِ النِّدِّ للنِّدِّ، وبينما كان أستاذُ الأجيالِ، يَعُدُّني مثقَّفًا ناضجًا، كان نفرٌ مِنْ أساتذتي في الجامِعةِ، يرونني تلميذًا، وكان الأستاذُ يأنسُ بجلوسي في حضرتِهِ، في دارتِهِ الَّتي أشتاقُ إليها، في حيِّ الأميرِ فوَّاز، بجنوبيِّ جُدَّة، وكان مساءُ الثَّلاثاءِ لا يشبهُهُ أيُّ مساءٍ، ومركبتي تَعْبُرُ بي الطَّريقَ السَّريعَ إلى بيتِ (الأستاذ)، وإذا قيلَ: (الأستاذ)، آنئذٍ، فيعرفُ الجميعُ؛ أمِّي وإخوتي وزوجتي، ومِنْ بَعْدُ ابنتي خالِدة، أنَّني أعني الأستاذَ الكبيرَ عبد الله عبد الجبَّار.

كُنْتُ أجلسُ في مجلسِ الأستاذِ ساعاتٍ مديدةً، وكان يستبقيني للعَشاءِ، [والحَقُّ أنَّني لمْ أَعْرِفْ مأكولاتِ مطعمِ يلدزلارد الفَخْم إلَّا في بيتِهِ!] وإذا حانَ موعدُ انصرافي يفاجئُني بأنَّهُ أَفْرَدَ عشاءً جديدًا فاخرًا مِنَ المطعمِ نفسِهِ لزوجتي وابنتي! فإذا اعتذرْتُ، يقولُ بلهجةٍ كُلُّها عطفٌ وحُبٌّ: "أين ستجدُ لهما مطعمًا في هذا الوقتِ المتأخِّرِ مِن اللَّيلِ!".

كُنْتُ أزورُ الأستاذَ، كُلَّ أسبوعٍ، وكُنْتُ أَعْرِفُ أصدقاءَهُ المقرَّبينَ الَّذين يجتمعونَ بهِ، وما مِنْهم إلَّا مَنْ كان الأستاذُ صديقًا لأبيهِ، في المملكةِ، أوْ في مهجرِهِ الاختياريِّ في القاهرةِ، فإذا انصرفوا إلى بُيُوتِهِمْ كُنْتُ أجلسُ وحيدًا إلى الأستاذِ أحاوِرُهُ فيما يَجِدُّ في حياتِنا الأدبيَّةِ، أوْ يحدِّثُني في موضوعاتٍ ثقافيَّةٍ هو الَّذي يختارُها، أوْ يُطْلِعُني على قُصاصاتٍ قديمةٍ مِمَّا يحلو له أن يدوِّنَهُ في مسائلَ مختلفاتٍ في اللُّغةِ والأدبِ والثَّقافةِ.

على أنَّني كُنْتُ أشتاقُ إلى أمرٍ آخَرَ؛ أن يحدِّثَني الأستاذُ عنْ حياتِهِ في القاهرةِ، فيأبَى أن يحدِّثَني إلَّا عمَّا يراهُ متاحًا ومقبولًا، والمتاحُ والمقبولُ لديهِ هُما ما لا يُظْهِرُهُ في مظهرِ المغرورِ أو المُدَّعي، وكان يطيبُ لهُ أن يحدِّثَني عنْ أساتذتِهِ في مدرسةِ دارِ العلومِ في القاهرةِ، قبلَ أن يتحوَّلَ اسمُها إلى كُلِّيَّةِ دارِ العلومِ؛ كان يقولُ لي: إنَّ حركاتِ أستاذِهِ العَلَّامةِ زكيّ المهندس تشبهُ حركاتِ ابنِهِ الممثِّلِ الكبيرِ فؤاد المهندس! وكان يفخرُ بشيوخِهِ عليّ عبد الواحد وافي، وعليّ العنانيّ، وحامد عبد القادر، ويَذْكُر لي زميلَهُ محمَّد غنيمي هلال الَّذي أصبحَ، فيما بَعْدُ، رائدَ الأدبِ المقارنِ = وعنْ أصدقائِهِ في رابطةِ الأدبِ الحديثِ، ولا سِيَّما مصطفى عبد اللَّطيف السَّحرتيّ ومحمَّد عبد المنعم خفاجيّ، وزملائِهِ في معهدِ الدِّراساتِ العربيَّةِ العاليةِ، وأبرزُهُمُ النَّاقدُ الكبيرُ محمَّد مندور، أمَّا ما سوى ذلك فكنتُ أجتهدُ في معرفتِهِ مِنَ الكُتُبِ والمذكِّراتِ الَّتي أنشأَها أصدقاؤهُ وتلاميذُهُ.

اهتديْتُ إلى طَرَفٍ نفيسٍ مِنْ أخبارِهِ في دارِ البعثاتِ السُّعُوديَّةِ، إبَّانَ الطَّلبِ في دارِ العُلُومِ، مِنْ مذكِّراتِ زميلِهِ القديمِ الشَّيخ حمد الجاسر، أمَّا سنواتُهُ الَّتي أمضاها مُدَرِّسًا ومديرًا في المعهدِ العلميِّ السُّعُوديِّ، ومدرسةِ تحضيرِ البعثاتِ = فمِمَّا كَتَبَهُ طُلَّابُهُ، وأَخُصُّ مِنْهم عبد العزيز الخويطر، وعابد خزندار، وعبد الرَّزَّاق حمزة. ولمْ تَسْتَبِنْ لي حادثةُ اعتقالِهِ في مصرَ، في عهدِ عبد النَّاصر، إلَّا مِنْ مذكِّراتِ صديقِهِ الأديبِ والمؤرِّخِ والنَّاقدِ الأزهريِّ محمَّد عبد المنعم خفاجيّ، ومقالاتٍ كتَبهنُّ صديقُهُ النَّاقد عليّ شلش، ومِنْ هذا الأخيرِ ومِنْ نُتَفٍ كتبهنَّ تلميذُهُ عابد خزندار، وأسامةُ ابنُ الشَّاعرِ السُّعوديِّ إبراهيم فلاليّ، وعبدُ الرَّزَّاق حمزة عرفتُ قدرًا صالحًا عنْ صالونِهِ الأدبيِّ آنذاك - أشهرِ صالونٍ أدبيٍّ سعوديٍّ في القاهرةِ - وعنِ الرُّوَّادِ الَّذين يختلفونَ إليهِ، والقضايا الَّتي تثارُ فيهِ، أمَّا الأستاذُ فلمْ يَكُنْ يحبُّ أن يَظْهَر بمظهرِ المتحدِّثِ عنْ نفسِهِ، تواضُعًا وترفُعًا عنْ تلك (الأنا) الإبليسيَّةِ البغيضةِ.

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

09 Jan, 13:35


المُرَبِّي والنَّاقدُ السُّعُوديُّ الكبيرُ الأستاذ عبد الله عبد الجبَّار - رحمه الله -

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

07 Jan, 04:08


قالَ الدُّكتور الغذَّاميُّ ذلك: لقدْ تَغَيَّرْتَ يا حُسَين!وأَتَمَّ حديثَهُ: ولوْ أنَّكَ طلَبْتَ أنْ أُشْرِفَ عليكَ فلنْ أَقْبَلَ!

ولكنْ كيفِ لي أنا الذي تَغَيَّرَ، وأعلَنَ اختلافَهُ عنْ أستاذِهِ = أنْ أَعُودَ، كما أرادَهُ أستاذُهُ، "واحِدًا مِنْ شُرَّاحِهِ"!

إنَّ ذلك لا يستقيمُ في ثقافةٍ أَخَذَ بها الأساتذةُ في الجامِعةِ: أن يَكُونَ الأستاذُ أستاذًا والطَّالبُ طالبًا، مَهْما تَغَيَّرَ مِنْ حالِ الطَّالبِ ما تَغَيَّرَ!

ولا يستطيعُ الدُّكتور الغذَّاميُّ - ولَوْ خُيِّلَ لَهُ ولَنا - أن يَخْرُجَ عَلَى ثقافةٍ قِوَامُها الأستاذُ المُلْقِي والطَّالبُ المُتَلَقِّي.. إنَّها لَأخلاقٌ في الْمَشْيَخةِ والأستاذيَّةِ لا يُطِيقُها أيُّ أَحَدٍ! أستغفِرُ اللهَ إلَّا ما عُهِدَ عنْ شَيْخِ الأُمناءِ أمين الخوليِّ - رحمه الله - مِنْ دَفْعِ تلاميذِهِ إلى أن يُخالِفُوهُ ويختلفوا عنه!

#حسين_بافقيه

#القاهرة في ٧ مِنْ شهر رجب ١٤٤٦هـ

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

07 Jan, 04:08


لكنَّ طالبَ الأمسِ في قِسمِ اللُّغةِ العربيَّةِ وآدابِها بِجُدَّةَ = ليس هو الطَّالبَ الذي اختلفَ إلى برنامجِ الدِّراساتِ العُليا بالرِّياضِ!

تَخَرَّجَ في جُدَّةَ سَنَةَ ١٤٠٩هـ، والتحقَ ببرنامجِ الدِّراساتِ العُليا بالرِّياضِ سنةَ ١٤١٨هـ. كانَ لونُ الأشياءِ مِنْ حَوْلِهِ، يَوْمَ أَمَّ الرِّياضَ، شاحِبًا، وقدْ كانَ في جُدَّةَ، أوَّلَ عهدِهِ بالطَّلَبِ، ورديًّا، وما كانَ يخطُو خُطْوَةً، منذُ احتازَ الإجازةَ الجامِعيَّةَ بتقديرِ (مُمتاز) = إلَّا وألوانُ كريهةٌ مِنَ الوقيعةِ والمكايِدِ تعترِضُ سبيلَهُ، وكأنَّما عَزَّ عَلَى كارِهِيهِ أن يَسْعَدَ مَعَ طُلَّابِهِ في المدرسةِ الثَّانويَّةِ، بَعْدَ أنْ حِيلَ بينهُ وبَيْنَ الجامِعةِ التي يَحْلُمُ بها، وكُتِبَ عليهِ أن يُمْضِيَ سنواتِهِ في التَّدريسِ مُلاحَقًا مِنْ قَوْمٍ اتَّخذُوا الدِّينَ قِناعًا، وما فَتِئُوا يُدَبِّرُونَ لمُدَرِّسٍ شابٍّ لَمْ يَبْلُغِ الثَّلاثينَ كُلَّ ما استطاعُوا بُلُوغَهُ مِنْ ألوانِ الْخِسَّةِ والقذارةِ، وائتمَرَ القومُ، وكانَ لَهُمْ حَوْلٌ وقُوَّةٌ، للإضرارِ بِهِ، {ويَمْكُرُونَ ويَمْكُرُ اللهُ واللهُ خيرُ الماكِرِينَ}! [الأنفال: ٣٠]

- ٥ -

كأنَّما كانَ التحاقي ببرنامجِ الدِّراساتِ العُليا في الرِّياضِ = انتصارًا لنفسي! كأنَّما كانَ مُوَاجَهَةً لتلك الحربِ القذرةِ الَّتي لَحِقَتْنِي أينما اتَّجَهْتُ؛ فِي جُدَّةَ، أوَّلًا، وفي الرِّياضِ آخِرًا، وما عَلِمَ أولئكَ الَّذينَ لا يجرؤونَ عَلَى مُكاشفتي بِما دَبَّرُوهُ أنَّ لي نَفْسًا جَبَلَها اللهُ - تبارَكَ وتعالَى - عَلَى تَحَدِّي الصِّعابِ، فلا تستخذي ولا تَلِينُ، ولا ترجِعُ عنْ خُطَّةٍ استبانَ لي أنَّ فيها الحَقَّ الَّذي أسعَى إليهِ.

لَمْ يَقِلَّ اجتهادي في الماجستير عمَّا كُنْتُ عَلَيْهِ في الإجازةِ الجامِعيَّةِ، وإنْ فَتَرَتْ حَمَاسَتي للجامِعةِ، لَوْلا أنَّني لَقِيتُ بعضَ العزاءِ في دُرُوسِ أُستاذَيَّ الجليلَيْنِ الدُّكتور نذير العظمة - رحمه الله - في "الأدبِ المُقارَنِ"، و"الأجناسِ الأدبيَّةِ" = والدُّكتور عبد العزيز المانع - حفظه الله - في دَرْسِ "تحقيقِ المخطوطاتِ"، وما كانَ مِنْ عَيْبٍ في دُرُوسِ الأساتذةِ [أستثني دَرْسَيْنِ لأستاذَيْنِ!]، وإنَّما إلى ما أصابَ الْجامِعةَ - أيَّ جامِعةٍ - مِنْ جُرثُومةِ التَّّقليدِ، وما طُبِعَتْ عليهِ مُؤسَّسةُ التَّعليمِ الجامِعيِّ مِنْ صُوَرٍ مَملُولةٍ للأستاذِ المُلْقِي والطَّالبِ المُتلقِّي، ثُمَّ إنَّني تَغَيَّرْتُ كثيرًا، وما تَقَبَّلْتُ أنْ أتلقَّى دُونَ اعتراضٍ، ولا أن يُمْلَى عَلَيَّ، دُونَ رأْيٍ، وتَكَشَّفَ لي في دُرُوسِ الأساتذةِ أنَّهُ ما كانَ لي أنْ أغادِرَ ما اختارَهُ اللهُ لي، وبِتُّ لا أُسِيغُ دُرُوسَهُمْ؛ فلا جديدَ عندهُمْ أبتغيهِ، وما أَشَقَّ الرُّجُوعَ، بَعْدَ أنِ استتبَّ لي كُلُّ شيءٍ، إذنْ فلْأَصْبِرْ، ما استطعْتُ إلى الصَّبرِ سبيلًا، ولَوْلا أنَّني لقيتُ في الجامِعةِ مَنْ صاروا، بَعْدَ ذلك، أعزَّ صاحِبٍ وأزكى صديقٍ = لنالَني الإخفاقُ، وإنْ كُنْتُ في دُرُوسي متقدِّمًا.

- ٦ -

أَحَسَّ أستاذي الدُّكتور عبد الله الغذَّاميُّ أنَّ طالبَ جُدَّةَ غيرُ طالبِ الرِّياضِ، وما أخطأَ إحساسُهُ، والْحَقُّ أنَّي أَجَمْتُ ما لدى الأستاذِ القديرِ، ولمْ أستطِعْ أنْ أكتُمَ ما انتهيْتُ إليهِ، وما استطعْتُ أنْ أُطِيلَ صبري، فخالفْتُ أستاذي في دُرُوسِهِ، ونَسِيتُ، لطُولِ ما ابتعدْتُّ عنْ تقاليدِ الجامِعةِ، أنَّني طالبٌ في حُجْرةِ الدَّرْسِ، وأنَّ الدُّكتور الغذَّاميَّ أستاذٌ، وظَهَرَ لي أنَّهُ أَخْلَدَ، دُونَ أن يدريَ، إلى سَطْوَةِ الأستاذِ وسُلْطانِهِ، وما احتمَلَ أن يُقابِلَ الطَّالبُ أستاذَهُ باعتراضٍ، ولوْ قُدِّمَ إليهُ بالشَّاهِدِ والدَّليلِ، ولَمَّا أَحَسَّ الأستاذُ أنْ لا أَمَلَ في تلميذِ الأمسِ = أنهَى الدَّرْسَ، قَبْلَ وقتِهِ المُقَدَّرِ لهُ، وقامَ مُغْضَبًا، وقالَ، بلهجةٍ واثقةٍ: أنا الأستاذُ وأنتَ التِّلميذُ!

وأنا لا ألومُ نَفْسي عَلَى أنْ تَصَوَّرْتُ أنَّ لي الْحَقَّ فِي أنْ أُظْهِرَ رأيًا تَخَمَّرَ في عقلي، ولا في أنْ أُعارِضَ قَوْلًا رآهُ أستاذي = وأنا، كذلك، لا أَلُومُ أستاذي الغذَّاميَّ، فنحنُ، شِئْنا أَمْ أَبَيْنا، أَسْرَى نُفُوسِنا، وما طُبِعْنا عَلَيْهِ، ولَعَلَّهُ تَصَوَّرَ أنَّني أَضْرَرْتُ بِهِ، وهو الأستاذُ، في حُجْرةِ الدَّرْسِ، فإنْ تَصَوَّرَ شيئًا مِنْ ذلكَ، فلا لَوْمَ عَلَيهِ إنْ غَضِبَ مِنْ تلميذِهِ الذي تَغَيَّرَ كثيرًا!

لكنَّ الدُّكتور الغذَّاميَّ غَلَبَهُ ما فيهِ مِنْ نُبْلٍ، فلَمْ يَضُرَّ تلميذَهُ ولمْ يُؤْذِهِ، ودَلَّهُ ذلك الحادثُ عَلَى ما لَمْ يَتَنَبَّهْ إليهِ مِنْ قَبْلُ: أنَّ تلميذَهُ الَّذي كانَ، بالأمسِ، مُدَلَّلًا، قَدْ تَغَيَّرَ!

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

07 Jan, 04:08


#ذكرى

🔹عنْ أستاذي النَّبيلِ الدُّكتور عبد الله الغذَّاميِّ.. والْجامِعةِ الَّتي طالَما تَمَنَّيْتُها!🔸

- ١ -

تأخَّرْتُ كثيرًا في الالتحاقِ ببرنامجِ الماجستير، فسنةُ تخرُّجي في الجامِعةِ هي ١٤٠٩هـ، وسنةُ التحاقي ببرنامجِ الماجستير هي سنةُ ١٤١٨هـ.

كانَتْ غايتي، يومَ التحقْتُ بقسمِ اللُّغةِ العربيَّةِ وآدابِها بجامِعةِ الملِكِ عبدِ العزيز بِـ #جُدَّة = محصورةً في أنْ أحصُلَ عَلَى تقديرِ (مُمتاز)، وأنْ أُعَيَّنَ مُعيدًا، وأكونَ أستاذًا جامِعيًّا.

والحمدُ للهِ أنَّني تَخَرَّجتُ بالتَّقديرِ الذي رَجَوْتُهُ، لكنَّني لمْ أُعَيَّنْ، مَعَ ذلكَ، مُعِيدًا، ولمْ يَسْعَ أساتذتي، كما سَعَوْا، بعدَ ذلك، ليكونَ أصحابٌ وأحبابٌ مُعِيدِينَ ومُحاضِرِينَ! وسألتمِسُ لهمُ الأعذارَ؛ فأنا لَمْ أَعرِفْ في نفسي، منذُ أيَّامِ الطَّلَبِ، إلَّا الاستقلالَ بالرَّأْيِ، وإلَّا الاعتزازَ بالنَّفسِ، وما حابَيْتُ ولا صانعْتُ، وهي صِفاتٌ، مهما تَكُنْ حميدةً، لا يقبلُها عامَّةُ الأساتذةِ مِنْ طالبٍ كُلُّ ما عليهِ أن يُحْسِنَ التَّلقِّي، وأن يُبالِغَ في تبجيلِهِمْ، وما كانَ الأساتذةُ الكرامُ لِيَقْبلُوا مِنْ طالبٍ أن يُحَدِّثَهُمْ، آنئذٍ، في مسائلَ غضَّةٍ في الثَّقافةِ والفكرِ مِمَّا شاعَ في كُتُبِ محمَّد عابد الجابريِّ ومَنْ إليهِ، عَلَى نَدْرتِها في مكتباتِ ذلك الزَّمانِ، وعَلَى ما في هذا الضَّرْبِ مِنَ الحديثِ مِنْ تُهْمةِ التَّعَصُّبِ لحركةِ الحداثةِ، وما يتَّصِلُ بها مِنْ تيَّاراتٍ يَخافُها أساتذتي ويتَّقوها، عَلَى أنَّهُمْ قومٌ طيِّبُونَ لا يكادُونَ يَعْرِفُونَ مِنَ الكُتُبِ إلَّا ما كانَ مُقَرَّرًا عَلَى طُلَّابِهِمْ، وإلَّا ما ينتهي إلى أسماعِهِمْ مِنْ فُتَاتِ ما يَلُوكُهُ الحداثيُّونَ وأشباهُ الحداثيِّينَ!

- ٢ -

ومِمَّا أذكرُهُ ولسْتُ أنساهُ أنَّ أستاذي الدُّكتور عَلِيّ البطل - رحمه الله - زَيَّنَ لي التَّقَدُّمَ إلى جامِعةِ (…)؛ فالمُهِمُّ أنْ ألتحِقَ ببرنامِجِ الدِّراساتِ العُليا، مَهْما كانَتِ الجامِعةُ ضيَّقةَ الصَّدرِ، مُوْلَعةً بالتَّصنيفِ والإقصاءِ والمُجاهرةِ بالعداوةِ لما خالَفَ ما تأخذُ بهِ، ونَزَلْتُ عَلَى نصيحةِ أستاذي، بعدَ تأَبٍّ، واشترطَتِ الْجامِعةُ - الَّتي صارتْ منذُ زمنٍ "حداثيَّةً"، وسُبحانَ مُغَيِّرِ الأحوالِ ! - أن أُطِيلَ لِحْيَتي وأُقَصِّرَ ثوبي، لِأَكُونَ مِنَ المَرْضِيِّ عنهُمْ! فما كانَ مِنِّي إلَّا أنْ رَجَعْتُ إلى جُدَّةَ، واخترْتُ التَّدريسَ ورضِيتُ بِهِ!

لكنَّني لَمْ أَحْزَنْ ولمْ أُحْبَطْ، واخترْتُ أنْ أَكُونَ مُثقَّفًا، وأنْ أصيرَ كاتبًا حُرًّا مستقِلًّا، يُقَدِّمُهُ إلى القُرَّاءِ اجتهادُهُ وتَعَبُهُ، لا لَقَبٌ عِلْميٌّ يسبقُ اسْمَهُ ولا جامِعةٌ ينتسِبُ إليها، ومَضَتْ عَلَيَّ سنواتٌ عَرَفَني القُرَّاءُ في بلادي كاتِبًا حديثَ السِّنِّ، في ساحةٍ ثقافيَّةٍ ملأى بالكُهُولِ، وقُدِّرَ لي أنْ أنشُرَ في الصَّفحاتِ الأدبيَّةِ التي كانَتْ حِكْرًا عَلَى عددٍ مِنَ الأساتذةِ، وكانَ كاتِبُ هذهِ السُّطُورِ وعَلِيّ العُمَيم، وجاسر الجاسر، ومحمَّد الدُّبيسيّ = أصغرَ كُتَّابِ المملكةِ ومُثقَّفيها سِنًّا!

- ٣ -

وكُنْتُ في ذلك العهدِ الطَّالِبَ المُدَلَّلَ لأستاذي الدُّكتور عبد الله الغذَّاميّ، قبلَ أن يَتَوَحَّشَ ما بيننا! ولْأَقُلْ، كذلكَ: إنَّني كُنْتُ أَسْلُكُ، فِي ذلك الزَّمنِ القديمِ، طريقًا، أَعْلَى ما يُمْكِنُني بُلُوغُهُ، هو أنْ أصيرَ واحدًا مِنْ "شُرَّاحِ" الغذَّاميِّ، ليس لي مِنْ مُهِمَّةٍ - كما هي مُهِمَّةُ أساتذةٍ وأصحابٍ وأحبابٍ! - إلَّا أنْ أُطْنِبَ في مديحِ كِتابٍ وَضَعَهُ، أوْ فَصْلٍ نَشَرَهُ، أوْ حديثٍ أذاعَهُ، والحمدُ للهِ عَلَى أنَّني انصرفْتُ عنْ تلك المُهِمَّةِ الهزيلةِ، وأنَّني رَضِيتُ بما عندي:

فَإِنَّ الدِّرْهَمَ الْمَضْرُوبَ بِاسْمِي

أَحبُّ إِلَيَّ مِنْ دِينارِ غَيْرِي!

لكنَّ خِلافي لأستاذي لا يمنعُني مِنْ أنْ أسكُتَ عنْ فضْلِهِ عَلَيَّ ولا أنْ أَطوِيَهُ؛ فالغذَّاميُّ هو الأستاذُ الوحيدُ - مِنْ أساتذتي السُّعُوديِّينَ - الَّذي لمْ يَنْسَ تِلميذَهُ، وبينما سَكَتَ أساتذةٌ اعتادُوا أن يقابلوني بِحُلْوِ الكلامِ، وعساهُمْ يُضْمِرُونَ ما لا يُعْلِنُونَ = إذا بالغذَّاميِّ الَّذي غادَرَ جُدَّةَ إلى الرِّياضِ هو الَّذي شَمِلَ تلميذَهُ بشيءٍ مِنَ الرِّعايةِ، وما انفكَّ يُلِحُّ عليهِ بإتمامِ دراستِهِ العاليةِ، حتَّى إذا صَحَّ عَزْمي عَلَى ذلك، بَذَلَ جاهَهُ ومقامَهُ لدى وزيرِ المعارِفِ، آنئذٍ، الدُّكتور محمَّد الأحمد الرَّشيد - رحمه الله - لِأُنقَلَ إلى ديوانِ الوزارةِ بالرِّياضِ، فإذا تَمَّ ذلك، أَذِنَ لي بالاختلافِ إلى برنامجِ الدِّراساتِ العُليا بجامِعةِ الملك سُعُود.

- ٤ -

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

05 Jan, 15:08


#كِتاب

عَلَّمَتْني مُقدِّمةُ العَلَّامةِ يوسف العُش - رحمه الله - لكِتابِ (تقييد العِلْم) = الكثيرَ؛ لذا أُحِبُّ قراءتَها، حِينًا بعد حِينٍ 😍😍😍

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

31 Dec, 15:38


🔹 هكذا يَكُونُ الشِّعْرُ الذي يُمَجِّدُ البُطُولاتِ! 🔸

أُحِبُّ قصيدةَ "عَرُوس المَجْدِ" للشَّاعرِ العظيمِ #عُمَر_أبوريشة:

مِنْ هُنَا شَقَّ الهُدَى أَكْمَامَهُ

وَتَهَادَى مَوْكِبًا فِي مَوْكِبِ

وَأَتَى الدُّنْيَا فَرَقَّتْ طَرَبًا

وَانْتَشَتْ مِنْ عَبْقِهِ المُنْسَكِبِ

وَتَغَنَّتْ بِالْمُرُوءَاتِ الَّتي

عَرَفَتْهَا فِي فَتَاهَا الْعَرَبِي

أَصْيَدٌ ضَاقَتْ بِهِ صَحْرَاؤُهُ

فَأَعَدَّتْهُ لِأُفْقٍ أَرْحَبِ

هَبَّ لِلْفَتْحِ فَأَدْمَى تَحْتَهُ

حَافِرُ الْمُهْرِ جَبِينَ الْكَوْكَبِ

وَأَمَانِيهِ انْتِفَاضُ الأَرْضِ مِنْ

غَيْهَبِ الذُّلِّ وَ ذُلِّ الْغَيْهَبِ

وَانْطِلَاقُ النُّورِ حَتَّى يَرْتَوِي

كُلُّ جَفْنٍ بِالثَّرَى مُخْتَضِبِ


خاطِرِيَّات حسين بافقيه

25 Dec, 14:29


🔹 في العِلْمِ ومنهجِهِ 🔸

#في_رأيي أنَّهُ ليس شرطًا أن نأخذَ العِلْمَ بحركةٍ أوْ فكرةٍ أوْ مذهبٍ في الدِّينِ أو الأدبِ أو الفلسفةِ أو السِّياسةِ… = مِنَ المتحمِّسِينَ لها، ونَصُدَّ عنْ قولِ النَّاقِدِينَ والمُعترِضِينَ.

ما المشكلةُ في أن أرجِعَ إلى الفيلسوفِ الشُّيُوعِيِّ غارودي في البينيويَّةِ، ما دامَ عالِمًا بها، مُقتدِرًا عليها، حُجَّةً في الفلسفةِ والأفكارِ.

الدُّكتور محمَّد مصطفى بدويّ مرجِعٌ وإمامٌ في الأدبِ الغربيِّ - والإنگليزيِّ خاصَّةً - عالِمٌ بالنَّقدِ، مُحِيطٌ بالأدبِ العربيِّ الحديثِ، ورأيُهُ في البنيويَّةِ هو رأيُ النَّاقدِ لها، المعترِضِ عليها، فهلْ أَصُدُّ عنهُ لأنَّهُ ليس مِنْ دُعاتِها؟

والدُّكتور عليّ جَوَاد الطَّاهر إمامٌ علَّامةٌ في الأدبِ العربيِّ القديمِ والحديثِ، سُوربونيٌّ، عالِمٌ بالمذاهبِ الأدبيَّةِ والنَّقديَّةِ، وموقفُهُ مِنَ البنيويَّةِ هو موقفُ النَّاقِمِ عليها، الرَّافضِ لها، فهلْ أُعْرِضُ عنهُ لأنَّهُ أبَى البنيويَّةَ وأنكرَها؟

وما لي لا أذكرُ النَّاقدَ الكبيرَ الدُّكتور شكري عيَّاد! وهلْ بالمستطاعِ أن نسكُتَ عنْ سُوءِ ظنِّهِ بالبنيويَّةِ، لأنَّهُ لَمْ يُسِغْها، ولا نرتضيهِ حَكَمًا؟!

لماذا أقولُ ذلك؟

لأنِّي لا أرى بأسًا في أن يرجعَ كاتبٌ أوْ دارِسٌ إلى شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّةَ متى أرادَ أن يَدْرُسَ هذا المذهبَ أوْ تِلْكَ النِّحلةَ، ما دامَ ابنُ تيميَّةَ - وهو هو - عالِمًا بالموضوعِ الذي يَدْرُسُهُ، حُجَّةً فيهِ، مُتَوَسِّلًا بأدواتِ الحِجَاجِ والمُناظَرَةِ، مهما كانَ ناقدًا مُفَنِّدًا.

واللهُ أَعْلَمُ!

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

24 Dec, 11:44


#يوميَّات_مِصريَّة

استغربْتُ لهجةَ سائقِ سيَّارةِ الأُجرةِ (الأوبر)، وسألتُهُ: أنتَ لستَ مِصريًّا.. أليسَ كذلك؟

قال مستنكِرًا: أنا مِصريٌّ وآبائي وأجدادي مِصريُّون!

قُلْتُ، باستغرابٍ: حَسِبْتُكَ شامِيًّا!

فقالَ: يا أخي، أنا مِنَ العريش!

وأَحبَبْتُ الحديثَ معَ وحيدٍ - وهذا اسْمُهُ - واسترسَلَ في كلامِهِ، وعَرَّفَني أنَّهُ عَرَبِيٌّ بدويٌّ مِنْ عَرَبِ العريشِ، ورَغِبْتُ في إثارتِهِ، فقُلْتُ ولكنَّني ظَنَنْتُكَ غيرَ مِصريٍّ!

وكأنَّني - وأنا أستمِعُ لِلَهْجَةِ وحيدٍ وطريقتِهِ في الحديثِ - إنَّما أستمِعُ إلى رَجُلٍ أَعْرِفُهُ مِنْ باديةِ الحجازِ، لَمْ تُغْوِهِ المُدُنُ فاطَّرَحَ لهجتَهُ، ولا فَرَّطَ فيما اعتادَهُ مِنْ مأثورِ الآباءِ والأجدادِ.

وكأنَّ القاهرةَ - بعالَمِها الفسيحِ - لَمْ تستطِعْ أنْ تُغَيِّرَ لُغَةَ هذا العربيِّ البدويِّ القادِمِ مِنَ العريشِ، أمَّا أنا فلا تسألْني عنِ استطابتِي لحديثِهِ الْحُلْوِ الحبيبِ، ولا هِزَّةِ الشَّوقِ إلى نَسِيمِ بِلادي، وأنا أسمعُ وحيدًا ابنَ العريشِ، يُحَدِّثُني بلسانٍ عربيٍّ كريمٍ، قائلًا: "حِنَّا" [أي: نحنُ]، وزادَ طَرَبي حِينَ قالَ عِبارةً طالَما سَمِعْتُها في باديةِ الحجازِ: "كُلّ ابوهُمْ"! [يَعْنِي: كُلّهُمْ]!

أعجبَنِي في وحيد أنَّهُ لَمْ يَذُبْ في المُدُنِ، ولمْ تَبْتَلِعْهُ القاهرةُ، ولا يزالُ - وهو يَجَّوَّلُ بمركبتِهِ في شوارِعِها - مسكونًا بالعريشِ وعُلُومِ العربِ الأوَّلِينَ!

تَحِيَّةٌ لوحيدٍ ابنِ العريشِ الذي أسعدَني بأَرْيَحِيَّتِهِ العربيَّةِ الكريمةِ 🙏🏼🌺🌺🌺

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

22 Dec, 05:18


#كِتاب

هذا الكِتابُ مُهِمٌّ ومُفيدٌ، ولَوْلا غُمُوضٌ فيهِ وإلغازٌ لكانَ تأثيرُهُ أوْسَعَ وأَشْمَلَ!

ولمْ أقرأْ - قبلَ هذا الكِتابِ - نَقْدًا جذريًّا لمُعالَجةِ #مصطفى_ناصف في (الصُّورةِ الأدبيَّةِ)، و #جابر_عصفور في (الصُّورة في التُّراثِ النَّقديِّ والبلاغيِّ)، وعِزّ الدِّين إسماعيل في (التَّفسيرِ النَّفسيِّ للأدبِ).

وفي الكِتابِ تأصيلٌ للبلاغةِ العربيَّةِ [وبخاصَّةٍ بلاغةُ عبدِ القاهرِ] = جديرٌ بالنَّظرِ والتَّأمُّلِ.

ولوْ أنَّ الدُّكتور محمَّد الوليّ أعطَى البلاغةَ العربيَّةَ بعضَ ما أعطاهُ للتَّرجمةِ، والكِتابةِ في "البلاغةِ الجديدةِ" = لَرَبِحَتْ بلاغتُنا فارسًا مِنْ فُرسانِها!

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

21 Nov, 01:10


🔸 العَلَّامةُ الدُّكتور حَسَن حَبَشِيّ (١٣٣٣-١٤٢٦هـ = ١٩١٥-٢٠٠٥م) 🔹

لمْ يَغِبْ عنْ ذاكرتي، وعنْ عقلي ووجداني، اسْمُ الدُّكتور حَسَن حَبَشِيّ - رحمه الله - وقدْ طالما استعدْتُّ اسْمَهُ كُلَّما عاوَدَني الحنينُ إلى سنواتِ النَّشأةِ؛ تلك التي تَلَقَّيْتُ فيها ألوانًا مِنَ التَّثقيفِ، مِنْها الكِتابُ والصَّحيفةُ والمجلَّةُ، ومِنها الإذاعةُ والتِّلفازُ.

وعَلَى أنَّ الظَّفَرَ بكِتابٍ يُثْرِي العقلَ ويُلْهِبُ الوجدانَ محفوفٌ بالمُصادفاتِ، فإذا فُزْتُ بكِتابٍ معدودٍ في الكُتُبِ القيِّمةِ، فأغلبُ الظَّنِّ أنْ سيَشُقُّ عَلَيَّ فَهْمُ مَقاصِدِهِ، وأنا حديثُ عهدٍ بالكِتابِ والمعرفةِ والثَّقافةِ، فكانَ العِوَضُ مِنْ تعاصِي الكِتابِ لا يُكَلِّفُني إلَّا أنْ أرفعَ سمعي إلى برامجَ في الإذاعةِ، أوْ أنْ أترقَّبَ هذا البرنامجَ أوْ ذاك في التِّلفازِ، فأُحِسَّ أَثَرَ الثَّقافةِ، وأذوقَ طَعْمَ المعرفةِ، ويُصِيبَني ما يُشْبِهُ العَدْوَى، وأَظْفَرَ - دُونَ أنْ أتكلَّفَ مَشقَّةً - بمقدارٍ طيِّبٍ مِنَ التَّاريخِ، والأدبِ، والأخبارِ، والنَّوادِرِ، مِمَّا رأيتُهُ وسَمِعْتُهُ مِنْ أشياخِ الأدبِ والثَّقافةِ في الإذاعةِ والتِّلفازِ السُّعُوديِّيْنِ، وأقربُهُمْ إلَيَّ الشَّيخانِ الجليلانِ عَلِيّ الطَّنطاويّ ومحمَّد حسين زيدان - رحمهما الله -

وأنا لا أَرُدُّ تنشئتي الثَّقافيَّةَ إلى الكِتابِ وَحْدَهُ؛ فالتِّلفازُ مُكَوِّنٌ والإذاعةُ مُكَوِّنٌ، بلْ لعلَّهما يَفُوقانِ أَثَرَ الكِتابِ؛ لِلَّذي مَرَّ مِنْ حداثةِ التَّجربةِ، وتَعَاصِي مَقاصِدِهِ عَلَى تلميذٍ في الابتدائيَّةِ وطالِبٍ في المتوسِّطةِ والثَّانويَّةِ، وإنَّني لَأَرُدُّ إلى برنامجِ "مُسابقةِ رمضان" في القناةِ السُّعُوديَّةِ الأُولَى = فضلَ تعريفي بالسِّيرةِ النَّبويَّةِ الشَّريفةِ وسِيَرِ الصَّحابةِ الكرامِ - رضوانُ اللهِ عليهم - ومَهْما تَثَقَّفْتُ، بعدَ ذلكَ، ومَهْما تَعَلَّمْتُ، فليس شيءٌ يُدَانِي ذلك البرنامجَ الحبيبَ القريبَ، ويُضارِعُهُ في التَّأثيرِ أنَّ وزارةَ المعارِفِ كانتْ قَدْ قَرَّرَتْ عَلَى طَلَبَةِ المرحلةِ المتوسِّطةِ كِتابَ (صُوَر مِنْ حياةِ الصَّحابةِ)، وشقيقَهُ (صُوَر مِنْ حياةِ التَّابعينَ) كِلاهُما للدُّكتور عبد الرَّحمن رأفت الباشا - رحمه الله - وكانَ البرنامجُ وكانَ الكِتابُ عالَمًا بديعًا يَضُوعُ نُورًا، وصِلَةً مُباركةً لي أنا الطَّالبَ في التَّعليمِ العامِّ = بتاريخي وحضارتي وتُراثي، فإذا بالمَعاني الحميدةِ الَّتي انطوَيَا عليها يتسرَّبانِ إلَيَّ، ويَصنعانِ مِنِّي إنسانًا آخَرَ.

وأذكُرُ، مِنْ ذلك الزَّمنِ الوَضِيءِ، برنامجًا تَبَثُّهُ "إذاعةُ نِداءِ الإسلامِ" مِنْ مكَّةَ المكرَّمةِ، أَلِفْتُ أنْ أستمِعَ إليهِ. كانَ اسمُهُ "قِصَّة إسلام صَحابِيٍّ"، يُعِدُّهُ ويُقَدِّمُهُ الدُّكتور حَسَن حَبَشِيّ، وشَدَّني إليهِ أنَّ البرنامجَ القصيرَ جَمَعَ فأَوْعَى، وأنَّ صَوْتَ الأستاذِ القديرِ الَّذي ما كُنْتُ أَعرِفُهُ مِنْ قَبْلُ؛ كانَ صوتًا مُختلِفًا ذا نَبْرةٍ خاصَّةٍ، وكأنَّما كانَ يُحَدِّثُ مَن يستمِعُ إليهِ، بِلُغةٍ عَذْبةٍ بليغةٍ فصيحةٍ مُعْرَبةٍ، يَبْلُغُني أثرُها وفائدتُها، ويستولِي عَلَيَّ موضوعُها الَّذي اختِيرَ اختيارًا ذكيًّا، غايتُهُ التَّأثيرُ والتَّربيةُ، وإنَّني، بعدَ ذلك العهدِ البعيدِ، أُعِيدُ إلى الدُّكتور حَسَن حَبَشِيّ، وإلى برنامجِهِ الحبيبِ القريبِ أنَّهُ صاغَنِي لِأَكُونَ قريبًا مِنْ ذلك العصرِ النَّبوِيِّ المُبارَكِ، وكأنَّما كانَ هذا البرنامجُ القصيرُ، وبرامجُ أُخرَى تُشْبِهُهُ في السَّمْتِ والغايةِ = حِصْنًا يَحُولُ دُونَ أنْ تَصُدَّني أفكارٌ عَرَفتُها، بعدَ حِينٍ، عنْ تاريخٍ هو تاريخي، وتُراثٍ هو تُراثي، مَهْما تَعَمَّقْتُ تلك الأفكارَ والتَّيَّاراتِ، وما زادتْني القراءةُ لتاريخِ الصَّدرِ الأوَّلِ شيئًا ذا بالٍ يَفُوقُ ما سَمِعَتُهُ في ذلك البرنامجِ الحبيبِ القريبِ، وبَلَغَ مِنْ تَعَلُّقي بهِ أنَّني لَمَّا اختلفْتُ إلى الجامِعةِ = أَظْهَرْتُ لصديقي عايض الزَّهرانيّ [الدُّكتور في التَّاريخِ فيما بعدُ] ما أُكِنُّهُ للبرنامجِ وصاحِبِهِ الدُّكتور حَسَن حَبَشِيّ، وسَرْعانَ ما قالَ لي: إنَّهُ كانَ أَحَدَ أساتذتِهِ أيَّامَ اختلافِهِ إلى قِسمِ التَّاريخِ بجامِعةِ الملِكِ عبدِ الديزِ بجُدَّةَ، وسَرَّني ما سَمِعْتُ وغَبطتُ صديقي عَلَى تلمذتِهِ للأستاذِ القديرِ!

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

21 Nov, 01:10


لمْ يَغِبِ الدُّكتور حَسَن حَبَشِيّ عنْ ذاكرتي، وكُنْتُ، مَهْما تَقَدَّمْتُ في العُمْرِ، ومَهْما تَغَيَّرَتِ الأفكارُ = أَدِينُ لبرنامجِهِ ذلك الحبيبِ القريبِ بالفضلِ، وأَعْزُو إليهِ تثقيفَ العقلِ، وتهذيبَ الوجدانِ، عَلَى أنَّني بِتُّ أُطالِعُ اسْمَهُ، حينًا بعد حينٍ، في جمهرةٍ مِنْ كُتُبِ التَّاريخِ، وراعَني أنَّ ذلك الأستاذَ المُعَلِّمَ المُهَذِّبَ المُرَبِّيَ معدودٌ في الأساتذةِ الأعلامِ في التَّأريخِ للحُرُوبِ الصَّليبيَّةِ، وأنَّ هذا الأستاذَ الَّذي بَثَّ في وجداني حُبَّ الجيلِ الأوَّلِ للإسلامِ إنَّما هو مُؤرِّخٌ عَلَّامةٌ في تاريخِ بيزنطةَ! يُؤلِّفُ في تاريخِها، ويُتَرْجِمُ، فلمَّا وَقَعَ بَيْنَ يَدَيَّ مَعْلَمةُ (إنباءِ الغُمْر بأبناءِ العُمْر) للعَلَّامةِ ابنِ حَجَر العسقلانيِّ، وتحقيقِ صاحِبِ برنامجي الحبيبِ القريبِ = إذا بي أَقِفُ عَلَى ضَرْبٍ مِنَ التَّحقيقِ، هو إلى الشَّرحِ والإضافةِ والتَّحشيَةِ أدنَى مِنْهُ إلى المألوفِ في تحقيقِ التُّراثِ ونَشْرِهِ، وشارَفْتُ شيئًا مِنْ تَعَبِ العَلَّامةِ الجليلِ في ضبطِ المَتْنِ، حتَّى إذا تَمَّ لهُ ذلك عادَ فأشبعَ الحاشيةَ بالجليلِ والمُفيدِ مِنَ التَّعليقاتِ، وكُنْتُ، كُلَّما مَضَيْتُ في قراءةِ هذا الأثرِ العظيمِ، أَعُودُ إلى ذلك الزَّمنِ البعيدِ، وأستذكِرُ برنامجَ "قِصَّةِ إسلامِ صحابيٍّ"، ومُؤلِّفَهُ العَلَّامةَ الجليلَ الدُّكتور حَسَن حَبَشيّ 😍😍😍

#حسين_بافقيه

#القاهرة في ١٩ جمادَى الأُولَى ١٤٤٦هـ

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

18 Nov, 21:01


#عصر_النَّهضة

لمْ يَكُنْ كِتابُ (دور العمائم في تاريخ مِصْر الحديث) للرَّائدِ النَّهضويّ فتحي رضوان - رحمه الله - = كِتابًا قُرِئَ ثُمَّ نُسِيَ، ولكنَّهُ كانَ أوَّلَ مَن نَّبَهَني وأَخَذَ بيدي إلى عصرِ النَّهضةِ العربيَّةِ في مِصْرَ، وإذا بهذا الكِتابِ الصَّغيرِ اللَّطيفِ يُزَيِّنُ لي قراءةَ ما انتهَى إليَّ مِن نبأِ ذلك العصرِ، وإذا بي أسعَى - وأنا حديثُ عهدٍ بالإجازةِ الجامعيَّةِ (١٤٠٩هـ = ١٩٨٩م) - إلى كُتُبٍ أُخرَى لهذا الأستاذِ القديرِ، حتَّى تَيَسَّرَ لي، بعدَ مُكابَدةٍ، أنْ أَظْفَرَ بكِتابِهِ الفخمِ (عَصْر ورِجال).

اختصَرَ كِتابُ (دور العمائمِ..) عُهُودًا مختلفةً، وتيَّاراتٍ متبايِنةً، وأنشأتُ، بسببِهِ، أطلبُ المزيدَ، فوجدتُّ ضالَّتي في كُتُبِ أنيسِ الخوريّ المقدسيّ، وألبرت الحورانيّ، ومجيد خدُّوريّ، ومحمَّد محمَّد حسين، ومحمَّد الكتَّانيّ، وأنور الجنديّ، وجورج أنطونيوس، ويوسف عِزّ الدِّين السَّامرَّائيّ، ومحمَّد كامل الخطيب…

إنَّني أَدِينُ لهؤلاء المؤلِّفينَ - بعد الله - في مُشارَفتي لعصرِ النَّهضةِ العربيَّةِ، والوُقُوفِ عَلَى ما اضطرَبَ فيهِ مِنْ تيَّاراتٍ 🙏🏼🌺🌺🌺

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

12 Nov, 15:29


🔹 أشرف سالِم الَّذي غادَرَ دُنيانا الفانِيَةَ! 🔸

لا أَعْرِفُ أَحَدًا تَعَلَّقَ قلبُهُ بأنديةِ الأدبِ، ودواوينِ الثَّقافةِ تَعَلُّقَ الدُّكتور أشرف سالم - رحمه الله - بها، وأستطيعُ أنْ أَرْقَى بذلكِ إلى زمنٍ ضارِبٍ في القِدَمِ، أَلِفْتُ أنْ ألقاهُ في مُحاضراتِ نادي جُدَّةَ الأدبيِّ، لا تَنِدُّ عنهُ مُحاضرةٌ أوْ أُمسيَّةٌ، مهما يَكُنِ الضَّيْفُ، فإذا أقامَ النَّادي ندوتَهُ السَّنويَّةَ "قِراءةَ النَّصِّ" لمْ يتخلَّفِ الدُّكتور أشرف عنْ واحدةٍ مِنْ جلساتِها، يستوي في ذلك تلك الَّتي تُعْقَدُ في الصَّباحِ الباكِرِ، أوْ تلك الَّتي كُنَّا نَغْشاها مُتثاقِلينَ، بين صلاتَيِ العصرِ والمغربِ، فلمَّا بَثَّ النَّادي في أروقتِهِ ندواتٍ أسبوعيَّةً وشهريَّةً كانَ الرَّاحِلُ الكريمُ مِنْ أبرزِ شُهُودِها، وهكذا كانَ دأْبُهُ في مُنتدياتِ جُدَّةَ على اختلافِ ما بينها، وهو دائمُ الحُضُورِ في "اثنينيَّةِ" عبد المقصود خوجه، وفي منتدياتٍ أُخرى سبتيَّةٍ وأَحَديَّةٍ ورَبُوعيَّةٍ وخميسيَّةٍ.

وكان الدُّكتور أشرف سالِم سَمْحًا، طَيِّبَ القلبِ، أنيقًا، جريئًا مِقدامًا، يتعشَّقُ الأدبَ والثَّقافةَ، ويَنْظِمُ الشِّعْرَ، وهو فيهِ مِنَ المُكْثِرِينَ، لا تَفُوتُهُ حادِثةٌ مِنْ حوادثِ الأُمَّةِ - وما أكثرَها - إلَّا ولهُ فيها قصيدةٌ، فإن لَمْ تَكُنْ قصيدةٌ فمقالةٌ، واختصَّ المملكةَ العربيَّةَ السُّعُوديَّةَ الَّتي أَحَبَّها كأبنائِها بفَيْضِ قريحتِهِ، لا تَمُرُّ بِنا وبِهِ مُناسبةٌ وطنيَّةٌ إلَّا كانَ فارسًا مِنْ فُرْسانِ الشِّعْرِ، فإذا كُرِّمَ بعضُ الصَّديقِ حَيَّاهُ بمُطَوَّلةٍ مِنْ مُطَوَّلاتِهِ، وإنِ اختطفَ الموتُ أَخًا أوْ رفيقًا رثاهُ وبكاهُ، حتِّى لَتَكادُ أيَّامُهُ وليالِيهِ، وهو المُوَظَّفُ رَبُّ الأُسرةِ المُغترِبُ عنْ وطنِهِ مِصْرَ = تَخْلُصُ للثَّقافةِ والأدبِ ومَحَبَّةِ النَّاسِ، خالَطَ الأدباءَ والمُثَقَّفينَ السُّعُوديِّينَ، وأساتذةَ الجامِعاتِ، والصَّحفيِّينَ، واتَّصَلَ بطبقاتِ المُجتمَعِ كافَّةً، الأعيانِ والعامَّةِ، ويلقَى الجميعَ بِوَجْهٍ طَليقٍ وكلامٍ لَيِّنٍ.

تَوَثَّقَتْ بيني وبينَ الدُّكتور أشرف سالِم عُرَى الأُخُوَّةِ والمَحَبَّةِ في اللهِ؛ إذْ مَرَّ عَلَيَّ زمنٌ كُلَّما اختلفْتُ فيهِ إلى منتدَى أستاذِنا الدُّكتور عبد المحسن القحطانيِّ = أَلْفَيْتُ الدُّكتور أشرف مِنْ فُرسانِ ذلك المُنتدَى وأعلامِهِ، فإذا تَغَيَّبْتُ عنِ المُنتدَى، وطالما تَغَيَّبْتُ! = تَمَنَّى عَلَيَّ أن لَّوْ حَضَرْتُ؛ فالمُهِمُّ عِندَهُ لُقيا الأحبَّةِ والأصحابِ - وقدْ صَدَقَ! -

وكان مِنْ عادتِهِ أن يَصِلَ إلى منتدَى عبد المحسن القحطانيِّ مُبكِّرًا، فإذا أَتَمَّ المُحاضِرُ حديثَهُ قامَ فعَلَّقَ تعليقًا مبسوطًا مُرَتَّبًا، بلسانٍ فصيحٍ، وصوتٍ واضِحٍ، وحماسةٍ لا تَخفَى، ثُمَّ يُرْسِلُ إلى الصِّحافةِ إيجازًا نافعًا مُصَوَّرًا عنِ الأُمسيَّةِ، وعساهُ يفعلُ ذلك في منتدياتٍ أُخرَى، تَطَوُّعًا مِنْهُ ومَحبَّةً، وحَسْبُهُ أنَّهُ يهوَى الثَّقافةَ ويتعشَّقَ الأدبَ ويلتقي الأصحابَ والأحبابَ، وهكذا خَلَصَتْ حياتُهُ، أوْ أوشكَتْ، للأدبِ والثَّقافةِ. عَلَى أنَّهُ، في كُلِّ أحوالِهِ، كانَ يكفيهِ مِقعدُ المستمِعِ والمُعَلِّقِ، لا يَعنيهِ أن يَستبدِلَ بمِقعدِهِ مِقعدَ المُحاضِرِ - وهو مُستطيعٌ لوْ أرادَ - كما يفعلُ آخرونَ هُمْ دُونَهُ ثقافةً، ولا يَبْلُغُونَ شأْوَهُ في التَّضَلُّعِ مِنَ اللُّغةِ، ولا يمتلِكُونَ بعضَ موهبتِهِ في الخطابةِ واعتلاءِ المَنابِرِ!

#حسين_بافقيه

#القاهرة في ٩ جُمادَى الأُولَى ١٤٤٦هـ

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

09 Nov, 12:49


هذا كِتابٌ قَيِّمٌ.. قَيِّمٌ جِدًّا 😍😍😍

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

08 Nov, 16:58


أقرأُ هذا الكِتابَ الكبيرَ جِدًّا وأُحِبُّ السَّاعةَ التي أخلُو فيها إليهِ، وكُلَّما مَضَيْتُ فيهِ تَعَلَّمْتُ جديدًا لمْ أَكُنْ لِأَعلَمَهُ مِنْ قَبْلُ، وأَكْسَبَني صاحِبُهُ نَظَرًا في النَّقدِ والبحثِ والتَّأليفِ، وبَصَرًا في الوُقُوفِ عَلَى مَضَايِقِ الشِّعرِ..

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

04 Nov, 12:07


🔸 الأثرُ الذي تركه فِيَّ الأديبُ الكبيرُ حجاب الحازميّ 🔹

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

03 Nov, 17:11


🔸 كيف انتقلتِ الكُتُبُ مِنْ مكَّة المكرَّمة إلى المغرب والأندلس؟ 🔹

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

02 Nov, 14:01


رجاء النَّقَّاش وموقفٌ نبيلٌ لا أنساه 😍😍😍

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

30 Oct, 17:21


اللِّقاء كاملًا: 🔶 في مكتبة حسين بافقيه 🔷

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

30 Oct, 17:21


https://x.com/maqamatsa/status/1851659524861550626

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

28 Oct, 14:31


قريبًا - بمشيئة الله - في #مقامات

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

26 Aug, 01:25


#سنوات_الطَّلَب

🔹 المذهبُ الرُّومنسيُّ 🔸

كانَ "المذهبُ الرُّومنسيُّ" أوَّلَ مادَّةٍ أَتَلَقَّاها مِنْ مَوَادِّ قِسْمِ اللُّغةِ العربيَّةِ وآدابِها، قَبْلَ أنْ يُقَيَّدَ اسْمِي في طُلَّابِهِ.

وكُنْتُ، لَمَّا أَتْمَمْتُ دراستي الثَّانويَّةِ عامَ ١٤٠٤هـ = ١٩٨٤م في الثَّانويَّةِ التِّجاريَّةِ بِجُدَّةَ، قدْ أَجْمَعْتُ عَزْمِي عَلَى دِراسةِ اللُّغةِ والأدبِ، لا الاقتصادِ والإدارةِ، كما تُمْلِيهِ طبيعةُ دراستي، لكنَّني لمْ أستطِعْ صَبْرًا، فاخترْتُ "المذهبَ الرُّومنسيَّ" مادَّةً اختياريَّةً، فعسَى أنْ أكونَ، في يومٍ قريبٍ، واحِدًا مِنْ طُلَّابِ الخليلِ بْنِ أحمدَ وسيبويهِ!

والَّذي حَدَانِي إلى دَرْسِ هذهِ المادَّةِ دُونَ غيرِها مِنْ مَوَادِّ قِسْمِ اللُّغةِ العربيَّةِ = أنَّها اختياريَّةٌ، وأنَّني قَرَأْتُ، قَبْلَ زمنٍ يسيرٍ، كِتابًا لهُ تَعَلُّقٌ بالرُّومنسيَّةِ [أو الرُّومنطيقيَّةِ كما صِرْتُ أقولُ]؛ ذلكُمُ الكِتابُ هُوَ (الشِّعرُ المُعاصِرُ عَلَى ضَوْءِ النَّقدِ الحديثِ) للنَّاقدِ المصريِّ [الَّذي كانَ شهيرًا!] مصطفَى عبد اللَّطيف السَّحرتيِّ، وكانَ الكِتابُ قدْ أَصْدَرَتْ دارُ مَجَلَّةِ المُقْتَطَفِ طَبْعتَهُ الأُولَى سَنَةَ ١٣٦٧هـ = ١٩٤٨م، أمَّا الطَّبعةُ الَّتي قَرَأْتُها، فهي تلك الَّتي أصدرَتْها مطبوعاتُ تِهامةَ في جُدَّةَ سَنَةَ ١٤٠٤هـ = ١٩٨٤م، ووَطَّأَ لها النَّاقدُ السُّعُوديُّ الكبيرُ عبدُ الله عبد الجبَّار بدراسةٍ مُطَوَّلَةٍ، تُوْشِكُ أنْ تَكُونَ، لِسَعَتِها وتَبَسُّطِها، كِتابًا قائمًا برأْسِهِ، وفيها ما شِئْتَ مِنْ تاريخٍ كادَ أن يَغُورَ لَوْلا أنِ استنقَذَهُ عبدُ الله عبد الْجبَّار مِنَ الضَّيَاعِ، أمَّا مَوْضِعُ السَّحرتيِّ مِنْ حركةِ النَّقدِ الأدبيِّ في مِصْرَ، ومَقامُهُ في الحياةِ الأدبيَّةِ، وسَهْمُهُ في الشِّعْرِ، ورئاستُهُ لِـ "رابطةِ الأدبِ الحديثِ" = فأغلبُ الظَّنِّ أنَّ القارئَ اللَّبيبَ سيَظْهَرُ عَلَى حديثٍ لا مثيلَ لهُ، أَدَّاهُ عبدُ الْجبَّار في حَقِّ أستاذِهِ وصديقِهِ ورفيقِ دَرْبِهِ في مِصْرَ، لَمَّا اتَّخَذَها دارًا وسَكَنًا، يَحْسُنُ بدارِسي السَّحَرْتِيِّ الرُّجُوعُ إليهِ.

حتَّى إذا أَقْبَلْتُ عَلَى الكِتابِ لَقِيتُني – وأنا طالبٌ في الثَّانويَّةِ التِّجاريَّةِ – ينتهي إلَيَّ مِنْ أمرِ الشِّعْرِ العربيِّ الحديثِ مِقْدارٌ طيِّبٌ، ولَقِيتُني أَفْهَمُ عِبارةَ النَّاقدِ الْجليلِ، ولا أَصُدُّ عنها، فلمَّا وَقَفْتُ عَلَى مادَّةٍ اسْمُها "المذهبُ الرُّومنسيُّ"، وأنا أتخيَّرُ الموادَّ، طابَ لي أنْ أَدْرُسَها! أَلَمْ أقرأْ، قَبْلَ حِينٍ، كِتابَ السَّحرتيِّ، ومُعْظَمُ الشِّعْرِ الَّذي عالَجَهُ وِجْدانيٌّ رومنطيقيٌّ؟ أَوَلَمْ يَكُنْ عبد الله الفيصل، وإبراهيم ناجي، ومحمود حسن إسماعيل، وغازي القصيبيُّ شُعَرائي الَّذينَ أُوْثِرُ شِعْرَهُمْ، وأستظْهِرُ مِقْدارًا صالِحًا مِنْهُ؟ إذنْ ليسَ غريبًا أنْ أَعْرِفَ دخائلَ هذهِ "الرُّومنسيَّةِ"، وأذوقَ حلاوتَها!

أَقْبَلْتُ في صباحٍ رومنطيقيٍّ عَلَى مبنى ١٩، حيثُ الأستاذُ والدَّرْسُ والطُّلَّابُ. كانَتْ حُجْرةُ الدَّرْسِ واسِعةً شيئًا مَّا، والطُّلَّابُ ينتسبونَ إلى أقسامٍ مختلفةٍ مِنْ كُلِّيَّةِ الآدابِ، وأَقْبَلَ أستاذُ المادَّةِ الدُّكتور السَّعيد بيُّومي الورقيّ، وحَيَّانا، بِوَجْهٍ سَمْحٍ بَشُوشٍ، ثُمَّ شَرَعَ يُعَرِّفُنا مُفْرداتِ الدَّرْسِ وطبيعتَهُ.

والدُّكتور السَّعيدُ الورقيُّ أَقْرَبُ إلى القِصَرُ مِنْهُ إلى الطُّولِ، وكانَ، عَلَى طيبتِهِ ودماثةِ أخلاقِهِ، يَتَحَدَّثُ بِنَبْرَةٍ أرستقراطيَّةٍ، وكأنَّهُ مُمَثِّلٌ بارِعٌ مِنْ مُمَثِّلي السِّينما المِصريَّةِ، في زمنِها الحُلْوِ القديمِ، وطالما رأيْتُهُ في أَرْوِقةِ القِسْمِ، وفي فَمِهِ غليونٌ، فيزدادُ تَعْجُّبي وأنا أُحاوِلُ أنْ أُلائِمَ بَيْنَ قامتِهِ وحديثِهِ وغليونِهِ! ثُمَّ إنَّني رأيْتُ في واحِدةٍ مِنْ مكتباتِ جُدَّةَ كِتابَهُ (لُغَةَ الشِّعْرِ العربيِّ الحديثِ)، في طبعةٍ بيروتيَّةٍ قشيبةٍ، فابتعتُهُ، وجَعَلْتُ أَنْظُرُ فيهِ وأَمُرُّ ببعضِ فُصُولِهِ.

والْحَقُّ أنَّ رأيي في الدُّكتور الورقيِّ، في ذلكَ العَهْدِ، كانَ طيِّبًا، وما رَسَبَ في ذاكرتي مِنْ دَرْسِهِ كانَ حَسَنًا، ويَكْفي أنَّ الدَّرْسَ عَرَّفَنِي أنَّ "الرُّومنسيَّةَ" – تِلْكَ الَّتي كُنْتُ أَتَغَنَّى بقصائدِ شُعرائِها، فأُحِسُّ لَسْعَ الْحُبِّ – إنَّما تَقُومُ عَلَى فلسفاتٍ ونظريَّاتٍ، وأنَّ أُستاذَنا أَخَذَنا، في حديثٍ ذِي شُعَبٍ، إلى أهْلِها مِنَ الغربيِّينَ، وبِتْنا نأْلَفُ، شيئًا ما، أسماءَ الفيلسوفِ كانْط، والأَخَوَينِ شليغل، ومدام دِي ستايل، وآخرينَ يَعْسُرُ عَلَيْنا تَهَجِّي أسمائِهِمْ!

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

26 Aug, 01:25


كانَ "المذهبُ الرُّومنسيُّ" الَّذي دَرَسْتُهُ، أَوَّلَ عَهْدي بِالْجامِعةِ، غَيْرَ الَّذي عَرَفْتُهُ مِنْ أحاديثِ الْحُبِّ! إنَّهُ شيءٌ مُتَجَهِّمٌ، جافٌّ، شاحِبٌ، وإنْ أَفْلَحَ أُستاذُنا السَّعيدُ الورقيُّ في تخفيفِ ما فيهِ مِنْ مَرَارَةٍ، فأَسَغْناهُ، أوْ أوشكْنا أن نُسِيغَهُ!

#حسين_بافقيه

جُدَّة في ٢٢ صَفَر ١٤٤٦هـ

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

08 Aug, 10:59


🔹 الدُّكتور محمَّد زكريَّا عنانيّ 🔸

كُنْتُ في مجلسِ الوزيرِ الشَّاعرِ الدُّكتور عبد العزيز خوجه - حفظه الله - وخُضْنا، وهذه عادتُهُ، في أحاديثِ الأدبِ والثَّقافةِ والشِّعرِ.

حَدَّثَني طويلًا عن العلماءِ الأعلامِ الذينَ عَرَفَهُمْ عندما كانَ سفيرًا في المملكةِ المغربيَّةِ: عبد الهادي التَّازيّ، ومحمَّد المنُّونيّ، ومحمَّد بن شريفة، والعلَّامةِ السُّودانيّ الجليلِ عبد الله الطَّيِّب.

وحَدَّثَني، وأطالَ الحديثَ، عنِ الأديبِ النَّاقدِ المُتَرجِمِ الفنَّانِ الدُّكتور محمَّد زكريَّا عنانيّ (السِّكندريّ)، وقُلْتُ لهُ: عَرَفْتُ كُتُبَهُ قديمًا، ولقيتُهُ في #جُدَّة، منذُ ثلاثينَ عامًا، وعَدَدْتُّهُ مِنْ الأساتذةِ الأعلامِ في الأدبِ الأندلسيِّ، فهُوَ حُجَّةٌ فيهِ، وكِتابُهُ (المُوَشَّحاتُ) - الذي نَشَرَتْهُ عالَمُ المعرفةِ الكويتيَّةُ في بُداءَتِها - مِنْ الكُتُبِ العَلَاماتِ في بابِهِ، ثُمَّ بَدَا لي أنْ أُحَدِّثَ الوزيرَ الشَّاعِرَ عنْ سَمِيِّهِ الأديبِ الشَّاعِرِ المُتَرجِمِ النَّاقدِ الفنَّانِ الدُّكتور محمَّد محمَّد عِنانيّ (الرَّشِيديّ)، وعنْ مَقامِهِ السَّنِيِّ في ثقافتِنا العربيَّةِ الحديثةِ.

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

06 Aug, 23:05


#الخاطِرِيَّات

🔸 فُضُولٌ عِلْمِيٌّ 🔹

أَعْرِفُ في نفسي حُبَّ التَّعَلُّمِ، ولا أُفَرِّطُ في فُرْصةٍ أُتِيحَتْ لي، ولَوْ عَرَضًا، للتَّثَقُّفِ والإقبالِ عَلَى القراءةِ والاستزادةِ مِنَ المعرفةِ.

ولَمَّا كُنْتُ رئيسًا لتحريرِ مجلَّةِ (الْحَجِّ والعُمْرةِ) - وكان بَدْءُ اتِّصالي بها سَنَةَ ١٤٢٣هـ = ٢٠٠٢م) = دَعَوْتُ إلى الكِتابةِ فيها نَفَرًا مِنْ أهلِ القَلَمِ، وكانَ صديقي الدُّكتور عبد الله المُنيف - حفظه الله - مِنْ أوائلِ مَنْ دَعَوْتُهُمْ.

حَدَّثَني عبدُ الله عن موضوعٍ طريفٍ لَمْ أَكُنْ لأعرفَ عنهُ شيئًا مِنْ قَبْلُ!

قالَ: ألا تَعْلَمُ يا أبا هاشم أنَّ جِلَّةً مِنَ العُلَماءِ، مِمَّنْ حَجَّ البيتَ العتيقَ، وجاوَرَ فيهِ مُدَدًا تَطُولُ وتَقْصُرُ = صَنَّفُوا كُتُبَهُمْ بمكَّةَ المُكرَّمةِ، تُجَاهَ الكعبةِ المُشَرَّفةِ 😍😍😍 وما كانوا آحادًا، بلْ عَشَرَاتٍ، بَلْ مِئاتٍ!

وكأيِّ رئيسِ تحريرٍ يرجو للمَجَلَّةِ الَّتي يُحَرِّرُها النُّجْحَ والتَّجديدَ = رَجَوْتُهُ أن يَخُصَّ (الحَجَّ والعُمْرةَ) بمقالٍ، موضوعُهُ "العُلَماءُ الَّذينَ أَلَّفُوا كُتُبَهُمْ تُجَاهَ الكعبةِ المُشَرَّفةِ"!

لكنَّ عبدَ الله المُنيفَ اعتذَرَ؛ لاشتغالِهِ بأُطروحتِهِ الجامِعيَّةِ العالِيَةِ؛ فألْحَحْتُ عليهِ، وقُلْتُ لهُ: أنتَ صاحِبُ هذهِ الفكرةِ الطَّريفةِ البديعةِ، ومِنَ الظُّلْمِ لكَ أنْ أقترِحَ عَلَى سِوَاكَ الكِتابةَ فيها، فقَبِلَ، وأنشأَ مقالًا رائعًا في موضوعٍ قليلٍ عارِفُوهُ!

شُغِلَ عبدُ الله - بعد ذلك - بِـ (مكتبةِ الملِكِ فهدٍ الوطنيَّةِ)، حيثُ يَعْمَلُ - آنَئِذٍ - وبأُطرُوحَتِهِ العالِيَةِ، لَكِنَّهُ بَذَرَ في نَفْسِي فُضُولًا عِلْمِيًّا، مِنْ صُوَرِهِ شَغَفِي الَّذي لا حُدُودَ لَهُ، بِتَتَبُّعِ الكُتُبِ الَّتي صَنَّفَها أصحابُها في مكَّةَ المُكَرَّمةِ، تُجَاهَ الكعبةِ المُشَرَّفةِ 🕋 ويَدْخُلُ في مَعناها الكُتُبُ الَّتي أُلِّفَتْ في المسجدِ النَّبَوِيِّ الشَّريفِ، بينَ قَبْرِ النَّبِيِّ الأعظَمِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - ومِنْبَرِهِ الأَشْرَفِ 😍😍😍

1,663

subscribers

423

photos

9

videos