ولو حصلَ للعبد من اللذات والسرور بغير اللَّه ما حصلَ لم يدُمْ له ذلك، بل ينتقل من نوع إلى نوع، ومن شخص إلى شخص، ويتنعم بهذا في وقت، ثمَّ يتعذب به -ولا بد- في وقت آخر. وكثيرًا ما يكون ذلك الذي يتنعم به ويلتذ به غيرَ منعِمٍ له ولا مُلِذّ، بل قد يؤذيه اتصالُه به ووجودُه عنده ، ويضرّه ذلك. وإنما يحصل له بملابسته من جنس ما يحصل للجَرِب من لذة الأظفار التي تحكُه، فهي تُدمي الجلد وتُحْرِقُه وتزيد في ضرره، وهو يؤثر ذلك لما له في حكّها من اللَّذّة. وهكذا ما يتعذب به القلب من محبة غير اللَّه، هو عذابٌ عليه ومضرةٌ وألمٌ في الحقيقة، لا تزيد لذَّتُه على لذة حكّ الجرِب. والعاقل يوازن بين الأمرين ويؤثر أرجحَهما وأنفعَهما، واللَّه الموفق المعين، وله الحجَّة البالغة، كما له النعمة السابغة.
ابن القيم | طريق الهجرتين