أُوركِيديا

لأنْ تندم على الإقدامِ خيرٌ من ندمك على الإحجام، فإنَّ ألم الندم على الإحجام أقسى وأمرُّ من ألم الندم على الإقدام؛ لأنّ النفس بطبعها تتحسَّرُ على الفوات أكثر ممَّا تتحسر على الحماقات، ومنها «حماقة» الإخفاق. وذلك لأنَّ في الإقدام فرصة في الفوز، فضلا عن لذة المغامرة؛ فإن أخفقت امتلأت نفسك تجربة وخبرة مع الألم، أما في الإحجام فلا شيء سوى الفراغ.. وعندي أن الفراغ أقسى على بني آدم من كُلِّ أكدار العَالم!

يا يَومَ مِيلادي عليكَ السَّلامي
كُلُّ عامٍ وأنت بفُرقا الأحبابِ مَفجُوعُ

"طال البعاد فكيف لا أشتاقُ؟
والقلب نحو الغائبين يُساق
أدري بأن الوقت طال ببعدنا
لكن به تتعاظمُ الأشواقُ
يا غائبين عن العيون وذكرهم
شغفُ الفؤاد ونبضه الخفّاق
في لهفة اللقيا انثيالُ مشاعرٍ
تنثال من نبضاتها الأحداقُ
وبها نعوّض كل ما قد فاتنا
وتعود في أغصانها الأوراقُ"

ماذا أقولُ وهذا الليلُ يسكُنني
ماذا أقول وقد جَفّتْ دواويني؟

ماذا أقولُ فلو في القَولِ فائدةٌ
لما سئمتْ عيوني وهي تُبكيني

ماذا أقول وقد جاهدته ألمًا
ماذا أقولُ وأسراري تُباريني؟

كلّما زادتْ الأحلامُ زادَ تشتُتي
وأيقنتُ أنَّ أحلامي ستُشقيني..

اليوم انتهى عقدي الأول وأعلن انضمامي لفريق الضائعين، المشتتين، الباحثين عن المعنى، فريق "العشرينات" وأحس الأعراض العشرينية بدأت تظهر عليّ من قلق وتوتر واغتراب وعجز وضياع:)، الله يعين أصحاب الثلاثينات شلون عايشين؟
المهم.. اللهم اغفر الله لي ما تقدم من عمري وأعني على البقاء واقفةً لينتصر قمح روحي على أسراب الجراد.

-يُفتّش عن بقايا الدهر-

تَمُرُّ سنوات عِجَافٌ تحُول بيني وبين الرَّدَى
أهرَمُ هَاهُنا بخافقٍ يستجدي أيام الصِبا
لم يعُد في العُمرِ ما يكفِ..
لأكتُبَ دون إرتعادٍ لا لخوفٍ بي،
لكنّ يدي تُفرّغ فرْط بَأسي في كلماتي.
لم يعُد في العُمرِ ما يكفِ..
لأرسُمَ قصائدَ تُخلّد نِصف روحي،
ليُبقي الشِعر لي عُمرًا إضافي.
لم يعُد في العُمرِ ما يكفِ..
لأكُفّ لسان الندم عن زَفِّ جنائز مَتارِحِي

ويَمُرُّ العام خلف العام..
محترِقًا في بحار الأرق، ماشيًا على نار القلق.
وحيدٌ نديميَ الكأس، لا صَحبٌ ولا أهل،
وكيف يحظى مثلي بغير الصداع؟
يُهدهدني الحنين لوطنٍ غارق بالثكالى،
وأرواحٌ غادرتني لا أستطيع عنها النُزوع.
أغوصُ في كلّ حزن دونما حَذر، ولا أموتُ..
إذا قد نالني الغرق.. يشتعل قلبي شيبًا
فأمضي بهذه الدُنيا، وأنا عن دُنياي أفترق.

زَهْراء.

الرّيحُ التِي حملت إلي طيفه همدت ساكنة.. ما عادَ شيءٌ يلُوح، لا رعشة تسرِي في أوراق الغُصن، أهذه علامة النهاية وخِتام الرحلة؟ لا يُمكن أن أعلم ولا أريد، ما أعلمه أنّي سأحيا في انتظارِ رِحلةٍ أخرى، وسمعي مشدوه إلى هُبوب الرياح.. تلك الرياح تُبقيني على قيد الأمل، والتي تحمل إليّ نسيمَ ذلك الطيف، كان يتجاوزني حاملًا معه الصمت والرضى..
-أَلا يا نَسيمَ الريحِ حُكمُكَ جائِرٌ
عَلَيَّ إِذا أَرضَيتَني وَرَضيتُ-

ما آلمَني شيء في الحياةِ مثل ما آلمتني الوحدة.. كنتُ أشعر -كلَّما انفردت- بفراغٍ هائلٍ في نفسي، أشعر بأنها غريبة عني ثقيلة علي لا أطيق الانفراد بها، فإذا انفردت بها أحسستُ أن بيني وبين الحياة صحارى قاحلة وبيدًا ما لها من آخر، بل كنتُ أرى العالم في كثير من الأحيانِ وحشًا فاغرًا فاه لابتلاعي، فأحاول الفرار، ولكن أين المفر من نفسي التي بين جنبي ودنياي التي أعيش فيها..؟

إنَّ المسلمين كلَّما آثروا السلامة ازدادوا موتًا، وكلَّما احتقروا الحياة ازدادوا حياةً، وإلى هذا أشار الله تعالى في كتابه الكريم حين يقول:
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا ما لَكُم إِذا قيلَ لَكُمُ انفِروا في سَبيلِ الله اثّاقَلتُم إِلَى الأَرضِ أَرَضيتُم بِالحَياةِ الدُّنيا مِنَ الآخِرَةِ فَما مَتاعُ الحَياةِ الدُّنيا فِي الآخِرَةِ إِلّا قَليلٌ﴾

اذكروا إخوةً لكم في الإسلام تكالبت عليهم الهموم وأرهقتهم الكُربات، اذكروا المعتقلين والمشردين والخائفين والمرابطين، اذكروا أنفسكم وأهليكم بخير ولا تنسوا صاحبتكم من صالح الدعاء🤍..

«إن الذين يطول بلاؤهم؛ يضعُف شعور أكثر الناس بهم.

الأسرى إذا طال حبسُهم، المُطارَدون إذا طال شَعَثُهم، المرضى إذا طالت أسقامُهم، المكتئبون إذا طال غمُّهم، المساكين إذا طال عَوَزُهم؛ أطيلوا أنفاس نفوسكم فيهم يَطُلْ فيكم عونُ الله، قد أفلح المواسون.

اللهَ اللهَ لا تألفوا آلام المُتعَبين؛ الأيامُ دُوَلٌ والليالي حُبَالَى»

يظلُّ الإنسان طُوال عُمرِه يَسقي أكبادًا لا تُروى..

ولله عز وجل أن يمتحن عباده بما شاء من التخفيف والتثقيل، ويبلوَ أخبارهم كيف أحب من المحبوب والمكروه، ولكل زمانٍ ضرْبٌ من المصلحة، ونوع من المحنة، وشكل من العبادة.

الجاحظ

ذكرتيني بقول أبي فراس الحمداني:

"كَيْفَ السّبِيلُ إلى طَيْفٍ يُزَاوِرُهُ
والنّوْمُ، في جُملَةِ الأحبابِ، هاجرُهُ؟

الحبُّ آمرهُ، والصونُ زاجرهُ
وَالصَّبْرُ أوّلُ مَا تَأتي أوَاخِرُهُ

أنَا الّذي إنْ صَبَا أوْ شَفّهُ غَزَلٌ
فللعفافِ ، و للتقوى مآزرهُ

وأشْرَفُ النّاسِ أهْلُ الحُبّ منزِلَةً
وَأشرَفُ الحُبّ مَا عَفّتْ سَرَائِرُهُ".

يَموتُ الهوى إنْ لم يكن فِيه عِفّةٌ
وإنْ كنتَ تَهنى فيه أو تتكدَّرُ

زَهْراء

عَلّي أغيبُ وقدْ يَطولُ غِيابي
وأُطيلُ هجري في اللُّقا وعِتابي

عَلّي أراكُم في غياهيبِ الكَرى
أو في الرُّؤى -حُلُمًا- بلا أسبابِ

يا أيُّها الأحبابُ أينَ رُبُوعُكم؟
فلقدْ قُتِلتُ بفُرقةِ الأحبابِ..

أظن إن هذي الفترة من أسوأ ما مر عليّ، لما تبدأ تتكشف لك الحقائق وتحس إن ما عندك وقت للأسى والحزن على ما فاتك ولأن العمر ما عاد فيه بقية غير إنك تسعى مخافة العودة لدائرة مفرغة ترجع لها مجبر في كل مرة..
و-المرء ساعٍ لأمرٍ ليس يدركه
والعيش شحٌ وإشفاقٌ وتأميل-

أيَّها السادِرُون المخمُورون.. أيَّها اللّاهون المُتكاثرون بالأموالِ والأولاد وأعراضِ الحياة وأنتم مُفارقون.. أيَّها المخدُوعون بما أنتُم فيه عمّا يليه.. أيَّها التاركِون ما تتكاثرون فيه وتتفاخرون إلى حفرةٍ ضيّقة لا تكاثرَ فيها ولا تفاخر.. استيقظوا وانظروا.. فقد ﴿أَلهاكُمُ التَّكاثُرُ ۝ حَتّى زُرتُمُ المَقابِرَ﴾