الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أولاً:
لا شك أن الطواف بالبيت من العبادات الجليلة وهو شعيرة ونسك عظيم، وقد طاف بالبيت كافة الأنبياء ، قال تعالى {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} البقرة/ 125، وقال عز وجل: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} الحج/ 26.
ثانياً:
أما ما ذكره صاحب المقطع فلا دليل عليه ولا حجة له فيه ويمكن حصر الملاحظات والمحاذير فيما يلي:
1. ادعى المتحدث وجود طاقة منبعثة من الكعبة أو من المكان نفسه تؤثر في الطائف حولها وتشحنه لمدة عام كامل! وهذا ادعاء ضعيف ظاهر البطلان لا يدعمه دليل من الشرع ولا من الواقع والحس، فما نوع هذه الطاقة؟ هل هي طاقة حركية أو حرارية أو ميكانيكية؟ وما نوع الشحن المزعوم؟ وهل هي طاقة محسوسة يمكن قياسها؟ أم أنها مجرد دعوى لتعزيز أهمية الشعائر التعبدية؟ ومن أراد تعظيم شعائر الله في نفوس الناس فليفزع إلى كتاب الله وسنة رسوله، وما فيهما من الحث على العبادة والأجر والخير العظيم المترتب عليها، ففيهما الحق والهدى والكفاية ، ومن لم يعظه كلام الله تعالى ورسوله فلن يعظه واعظ دونهما، ولا يجوز الكذب ومعالجة إعراض الناس عن الدين بالخرافة والباطل، فالباطل لا يعالج بباطل مثله ومهما صدقت نية المرء، فإنها لا تبرر له تلويث الناس بالخرافة.
2. يزعم المتحدث أن مايذكره ثابت من الناحية الكيميائية، ومن المعلوم أن المصطلحات التي ذكرها تصنف ضمن علوم الفيزياء لا الكيمياء، مما يدل أن المتحدث لا يفرق بينهما ولا يستند إلى دليل علمي حقيقي منهما ، بل كل ما يذكره دعاوى مزيفة لا تمت للعلوم بصلة.
3. لم يثبت أن عليا أبا الحسن رضي الله عنه قال لعمر: ( بلى ينفع، يسجل اسمك واسم والدتك!!) ويظهر أنها مقالة مختلقة من المتكلم أو من غيره.
4. دعواه أن الحجر الأسود يرسل إشعاعا ويسجل في الدقيقة الواحدة كما هائلا من الأسماء، دعوى عريضة لا دليل عليها سوى قوله (قالوا)! وهل تثبت مثل هذه المزاعم بقالوا؟
وقد يتوهم المشاهد أن هذا مؤكد في الموسوعة التي سماها، وهذا ما لا وجود له ولا يوجد أي إثبات عليه، والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حجر من الجنة، يشهد لمن استلمه يوم القيامة وحسب، وهذا من أمور الغيب التي لا تثبت إلا بنص شرعي.
5. وقد استخدم المتحدث عددا من المغالطات التي لايتسع المقام للتفصيل فيها ، ومنها القفز من المقدمة المستقرة إلى النتيجة الباطلة، فتراه يستشهد بالموسوعة في بداية كلامه ثم يضيف من الكلام المرسل بعدها ما يظنه السامع تبعا لأصل الكلام، ويورد حديث عمر الثابت ثم يضيف له قولا لايثبت عن الحسن أو أبا الحسن وهكذا ..
وكثرة الأغلوطات في الكلام تسقط الثقة فيه.
ويكفينا ماثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في استلام الحجر الأسود والركن اليماني في الطواف بقوله: [إِنَّ اسْتِلَامَهُمَا يَحُطُّ الْخَطَايَا].
ويقول عليه الصلاة والسلام في شأن الطواف : [مَا رَفَعَ رَجُلٌ قَدَمًا وَلَا وَضَعَهَا: إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَحُطَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ].
وفي الحديث كذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ].
لا لوجود طاقة وشحنها ولا لتسجيل معلومات ولاغيرها من الدعاوى…
وحط الخطايا وإقامة ذكر الله تعالى؛ أعظم وأهم مما ذكر، وهما سببان لانشراح الصدر وزوال الهم ورفعة الدرجات.
وإني أنصح كل من يقرأ هذا المحرر، بالتفقه في الدين والصدق في طلب ذلك، وعدم التسارع في قبول هذا الزيف الذي يضر دينهم ولا ينفعه، هدانا الله وإياهم للعلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم.
..