ومن التعريض : وقفت امرأة على قيس بن عبادة فقالت: «أشكو إليك قلة الفأر في بيتي». فقال: «ما أحسن ما وردت عن حاجتها، املأوا لها بيتها خبزا وسمنا ولحما». فهذا تعريض من المرأة حسن الموقع. فهذا أصل من قسم التعريض إلى حقيقة أبدا لأن المجاز لا يدخلها.
فهذا وجه من جعل "التعريض" حقيقة أبدا أو أخص من الحقيقة؛ لأنه كلام حقيقي يراد به معنى يفهم من لازم حالا المخاطب غالبا لا من اللفظ ذاته فاللفظ في التعريض مستعمل فيما وضع له، قال المرداوي:" وقد علم من تفسير التعريض بذلك أنه حقيقة لا مجاز، لأنه مستعمل فيما وضع له أولا"، أي أن المتكلم "يستعمل اللفظ في معناه الحقيقي مرادا منه لازمه ليلوح بغيره" كما في نشر البنود.
أما من جعل التعريض يكون حقيقة ومجازا وكناية فينظر إلى اللفظ وما ينطوي عليه في الخطاب فربما خاطبت غيرك بالمجاز أي: تستعمل لفظا فيما غير ما وضع له، وأنت تريد منه لازمه لتلوح لغيرك بمرادك منه، كما لو قلت:" المال يطغي" وأنت تعرض بغني، فالمال بذاته لا يطغي إنما الذي يطغي ما يكسبه المال القلب من الكبر فعبر بالسبب وأراد المسبب فهذا وجه كون التعريض مجازا، وفي الكناية لو قلت: "النوم مهلك" وأنت تعرض بابنك الذي ترك دراسته، والنوم كناية عن الكسل؛ فهذا وجه كون التعريض كناية.
فيستعمل اللفظ في معناه المجازي مرادا منه لازمه ليلوح لغيره ، أو يستعمل اللفظ في الكناية مرادا منه لازمة ملوحا بغيره.(انظر نشر البنود). لذا جاء في غاية الوصول:" أو استعمل في معناه مطلقا: أي الحقيقي والمجازي والكنائي، للتلويح بغير معناه فـهو: تعريض".
قال السكاكي في مفتاح العلوم:" واعلم أن التعريض تارة يكون على سبيل الكناية وأخرى على سبيل المجاز، فإذا قلت:" آذيتني فستعرف" وأردت المخاطب إنسانا آخر معتمدا على قرائن الأحوال كان من القبيل الأول، وإن لم ترد إلا غير المخاطب كان من القبيل الثاني فتأمل".
والذي يظهر هنا ـ والله أعلم ـ أن الكاشف عن هذا كله السياق فلا يكون التعريض مأخوذا عن الحقيقة والمجاز والكناية، إنما التعريض يفهمه المخاطب من سياق حال المتكلم غالبا وكذا من سياق الكلام، وهذا الذي يرجح بأن التعريض أسلوب بلاغي خارج عن الحقيقة والمجاز والكناية يدركه المخاطب سواء كان كناية أو مجازا أو حقيقة فلا يلتزم التعريض صورة من الكلام يكون عليه كما يقول صاحب "البلاغة الصافية"، فقد يكون حقيقة وقد يكون مجازا وقد يكون كناية، ، وقد قال قبل ذلك ابن الأثير في أحد الأساليب التعريضية في المثال السائر:" وليس هذا اللفظ موضوعا في مقابلة الطلب لا حقيقة ولا مجازا"؛ لذا قال الشيخ زكريا الأنصاري في غاية الوصول:" وما ذكر من أنه حقيقة ومجاز وكناية هو بالنسبة للمعنى الحقيقي أو المجازي أو الكنائي، أما بالنسبة للمعنى التعريضي فلم يفده اللفظ، وإنما أفاده سياق الكلام".
والله أعلم.
___
القنوات العلمية: