❍ قَاَلَ ِنَجْمُ الدِّيِنِ ابنُ قُدَاَمةَ المَقْدِسِيُّ الحَنبليُِّ - رَحِمَہُ اللهُ تَعَالــﮯَ -:
" ... اعلم أنَّ الصَّبِيَّ أمانةً عند والديه، ︎وقلبه جوهرة ساذجة.
وهى قابلةٌ لِكُلِّ نقشٍ، فإنْ عُوِّد الخير نشأ عليه وشاركه أبواه ومؤدبه في ثوابه.
وإنْ عود الشَّر نشأ عليه ، وكان الوُزر في عُنق وليه.
فينبغي أنْ يَصُونَه ويؤدبه ويهذبه.
ويُعلِّمهُ محاسن الأخلاق،
ويحفظه من قُرناء السُّوء،
ولا يعوده التنعُّم،
ولا يُحبِّب إليه أسباب الرفاهية فيضيع عمره في طلبها إذا كَبُر،
بل ينبغي أنْ يُراقبه من أول عمره،
فلا يستعمل في رضاعة وحضانته إلا امرأةً صالحةً مُتدينةً تأكل الحلال.
فإنَّ اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه.
فإذا بَدَتْ فيه مخايل التمييز وأولها الحياء ، وذلك علامةُ النَّجابة وهى مُبشِّرة بكمال العقل عند البلوغ.
فهذا يُستعانُ على تأديبه بحيائه.
وأوُّل ما يغلب عليه من الصفات شَرَهِ الطعام.
فينبغي أنْ يُعلَّم آداب الأكل.
ويُعوِّده أكل الخُبز وحده في بعض الأوقات لئَلَّاَ يألف الإدام فيراهُ كالحتم.
ويُقَبِّحُ عنده كثرة الأكل بِأنْ يُشَبِّه الكثير الأكل بالبهائم.
وَيُحبِّب إليه الثياب البيض دون المُلونة والإبريسم ويُقرِّر عنده أنَّ ذلك من شأن النِّساء والمُخنثين.
ويمنعه من مُخالطة الصِّبيان الذين عُوِّدوا التَنعُّم.
ثم يشغله في المكتب بتعليم القرآن والحديث وأحاديث الأخبار ؛ ليغرس في قلبه حُبَّ الصالحين، ولا يحفظ من الأشعار التي فيها ذِكْرِ العِشْقِ.
ومتى ظهر من الصَّبيِّ خلق جميل وفعل محمول، فينبغي أن يكرم عليه، ويُجازىَ بما يَفرحُ به، ويُمْدَحُ بين أظهُرِ النَّاسِ فإنْ خالفَ ذلك في بعضِ الأحوال تُغُوفِلَ عنه ولا يُكَاشَف.
فإنْ عَاَدَ عُوتِب سِرّاً وخُوِّفَ من اطلاع النَّاس عليه.
ولا يُكثِر عليه العِتَابَ؛ لأنَّ ذلك يُهَوِّن عليه سماعَ المَلاَمَةَ وليكُن حافظاً هيبة الكلام معه.
وينبغى للأُمِّ أنْ تُخوِّفَهُ بالأبِ.
وينبغى أنْ يُمنعُ النومَ نهاراً فإنه يُورِثُ الكسل.
ولا يُمنعُ النوم ليلاً ولكنه يُمنع الفرش الوطيئة لتتصلب أعضاؤه ويتعود الخشونة في المفرش والملبس والمطعم ويُعوَّدُ المشيَ والحَرَكةَ والرياضة لئَلَّاَ يغلب عليه الكسل.
ويُمنعُ أنْ يفتخر على أقرانه بشيءٍ ممَّا يملكه أبواه أو بمطعمه أو ملبسه.
ويُعوَّدُ التواضع والإكرام لِمَنْ يُعاشره ويمنع أَنْ يأخذ شيئاً من صبى مثله ويُعلَّم أنَّ الأخذ دناءةً وأنَّ الرفعةَ في الإعطاءِ.
وَيُقَبَّحُ عنده حُبِّ الذَّهبِ والفَضَّةِ، ويُعوَّد أَنْ لا يبصُق في مجلسه ولا يتمخَّط ولا يتثاءب بحضرةِ غيره ولا يضع رِجْلاً على رِجْلٍ ، ويُمنعُ من كثرة الكلام ، ويُعوَّدُ أنْ لا يتكلم إلاَّ جواباً وأنْ يُحْسِنَ الاستماع إذا تكلَّم غيرهُ ممَّن هو أكبر منه ، ويُمنع من فُحشِ الكلامِ ، ومن مُخالطة من يفعل ذلك ، فإنَّ أصل حفظ الصِّبيانِ حفظهم من قُرناءِ السُّوء ، ويحسُن أن يفسحَ له بعد خروجه من المكتب في لعبٍ جميلٍ ليستريح به من تعبِ التأديب ...
وينبغى أنْ يُعلَّم طاعة والديه ومُعلمه وتعظيمهم.
وإذا بلغ سبع سنينَ أُمِر بالصَّلاةِ ، ولم يُسامح في ترك الطهارة ليتعوَّد ، ويُخوف من الكذب والخِيانة ، وإذا قارب البلوغ ، ألقيت إليه الأمور ... " اﻫـ.
📚 [مختصر منهاج القاصدين (١٥٩ - ١٦١)]
https://t.me/ataqiallah