د. عبد الله بن عبده العواضي @alawadi3 Channel on Telegram

د. عبد الله بن عبده العواضي

@alawadi3


د. عبد الله بن عبده العواضي (Arabic)

مرحبا بكم في قناة د. عبد الله بن عبده العواضي على تطبيق تيليجرام! هذه القناة مخصصة لكل محبي علم الطب والصحة، حيث يمكنكم الاطلاع على آخر الأبحاث والمقالات الطبية الحديثة التي تقدمها د. عبد الله بن عبده العواضي. يشارك د. عبده خبرته الطبية الواسعة من خلال نصائح ومعلومات مفيدة حول العلاجات الحديثة والوقاية من الأمراض المختلفة. سواء كنت طالب طب، أو مهتم بالصحة، فهذه القناة هي المكان المثالي لك للتعرف على آخر الابتكارات في مجال الطب والصحة. انضموا اليوم لتتعلموا وتستفيدوا من محتوى ذو جودة عالية ومصداقية مضمونة!

د. عبد الله بن عبده العواضي

13 Feb, 04:09


46- إعراب كلمة: سُحقًا/ بُعدًا

د. عبد الله بن عبده العواضي

10 Feb, 09:10


كتاب مختصر وبلغة سهلة فيه شرح ثلاثين حديثاً في العقيدة من الصحيحين.
يصلح لدروس المساجد والمجالس العامة.

د. عبد الله بن عبده العواضي

10 Feb, 09:10


‏صورة من عبد الله

د. عبد الله بن عبده العواضي

10 Feb, 09:10


‏مستند من عبد الله

د. عبد الله بن عبده العواضي

10 Feb, 04:18


45- إعراب كلمة: سابقًا/ لاحقًا

د. عبد الله بن عبده العواضي

05 Feb, 11:41


‏مستند من عبد الله

د. عبد الله بن عبده العواضي

05 Feb, 11:41


‏مستند من عبد الله

د. عبد الله بن عبده العواضي

05 Feb, 11:40


‏صورة من عبد الله

د. عبد الله بن عبده العواضي

05 Feb, 11:40


بحمد الله تعالى وحده طبع اليوم كتابي" الفصول المفيدة" شرح منظومتي التي بعنوان" الدرر النضيدة في نظم مسائل العقيدة".
وقد جعلت في نهاية هذا الشرح فهارس أهم الفوائد الواردة فيه في علوم العربية وغيرها.

د. عبد الله بن عبده العواضي

31 Jan, 14:09


بصوت المنشد الحبيب: سلمان النجار.

د. عبد الله بن عبده العواضي

31 Jan, 14:08


‏مقطع صوتي من عبد الله

د. عبد الله بن عبده العواضي

31 Jan, 14:07


(أنا موقن)

✍🏻 د. عبد الله العواضي

أناْ موقِنٌ أنَّ الأُمورَ بِحِكمةٍ
 تَجرِي وأنّكَ راحمٌ رحمنُ
*
وبأنَّ علمَكَ لا تَغيبُ جروحُنا
عنهُ وأنّكَ عادلٌ دَيَّانُ
*
وبأنَّ تقديرَ القُروحِ لِغايةٍ
 حُسنَى ولو بَرِمَتْ بِها الأَبدانُ
*
وبأنَّ طُوفانَ الدُّموعِ وإنْ قَساْ
 فالسّعدُ خَلْفَ لهيبِهِ هَتّانُ
*
وبأنَّ قانونَ المظالمِ قائمٌ
  لا جيلَ ينسخُهُ ولا بُلدانُ
*
لا يأسَى مظلومٌ ويفرحُ ظالمٌ
  مهما توالتْ في الورَى الأزمانُ
*
فالعدلُ مُدرِكُ مَن يجورُ وحظُّه
  بعدَ التجبُّرِ والأذَى الخُسرانُ
*
يا جُرحَ غَزةَ والجِراحُ كثيرةٌ
  يا بُحّةً قدْ سَامَها الخِذلانُ
*
يا دمعةً فوقَ القلوبِ تحدَّرتْ
 ما شَانَها تحتَ الّلظى إذعانُ

وعدُ القصاصِ مِنَ الظلومِ فأيقِني
 آتٍ ونِعمَ بذلكَ الإيقانُ
*
وعدوُّنُا مهما تَعاظمَ بغيُهُ
يومًا سيبلعُ بغيَهُ الطُّوفانُ
*
ويَذوقُ ويلاتِ المجازرِ والعَناْ
 ويَثورُ نحوَ سُكونِهِ البُّركانُ
*
فليذهبِ اليأسُ المشكِّكُّ خاسِئًا
 فيقينُنَا بإلهِنا السُّلطانُ
*
وبحكمةِ المولَى وحُسْنِ قضائِهِ
 يزدادُ رغمَ عذابِنا الإيمانُ
*
اللهُ يعلمُ ما يُقدِّرُ والورَى
 لا يعلمونَ وحُكمُه ميزانُ
*
خَلْفَ الغمومِ المُرهِقاتِ بشائرٌ
 يَنداحُ في واحاتِها الرِّضوانُ
*
والناظرونَ إلى المآلِ سَتنجلي
عنْهمْ متى جَثمَ الدُّجى الأحزانُ

11/4/1446هـ، 14/10/2024م.

د. عبد الله بن عبده العواضي

31 Jan, 11:57


ولقد رأيتم-أيها الكرام-كيف لم تقدر أمريكا بكل قواها على إخماد جميع الحرائق، وقطع طريق امتدادها المتواصل.
وفي ولايات أخرى هبت عواصف ثلجية ورياح وأعاصير عاتية، فأحدثت كثيراً من الخراب، وإيقاف حركة الحياة مدة من الوقت.
ومثلها حصل في بريطانيا وفي بعض الدول الأوربية.
فهل هذا –معشر المسلمين-قد حصل بمحض الصدفة كما يقولون، أو بسبب غضب الطبيعة كما يزعمون؟
لقد اندلعت تلك الحرائق في فصل الشتاء البارد، ولم تشتعل في صيف حار كما هي العادة في حدوث الحريق الممتد في أي مكان، أليس في ذلك عبرة؟
إنها آية من آيات الله التي لا يرى حقيقتها إلا القلة من الناس.
انظروا-رحمكم الله-وتأملوا بعين الإيمان، واقرأوا الأحداث بنور القرآن، قال الله تعالى:
﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾[الإسراء:59]، وقال الله: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾[الروم:41]، وقال الله: ﴿ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾[الأعراف:4]، وقال الله: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾[القصص:58]، وقال الله: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ * وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ﴾[الشورى:30-31].
إنها الذنوب دمار الشعوب يا عباد الله.
لقد كثر الظلم والفساد في هذا العالم، وامتد حبل الفجور، وكثر الإعراض عن رب العالمين، وتمادى أكثر الناس في الخطايا وجاهروا بها، وشجعوا الناس عليها، وحاربوا من يقف في طريقهم إليها.
وغرّهم حلم الله عليهم، وتأخيره عقوبته على جرائمهم، ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ﴾[فاطر:45].
لكنه سبحانه وتعالى قد يرسل بين فينة وأخرى تنبيهات للغافلين، وموقظات للسادرين؛ لعلهم يرجعون إلى رشدهم بعد الغواية، وينكفوا عن سلوك سبل الضلالة.
فكم مسرف على نفسه، معرض عن ربه، معتدٍ على خلقه؛ لم يصغِ سمعه للآيات المسطورة، ولم تؤثر على قلبه المواعظ المسموعة، فتأتيه عظات الواقع الذي يشاهده، فيرى فيه المصائب تهجم فجأة على الأمان فتحوله إلى خوف كبير، وإلى العيش السعيد فتقلبه إلى عيش مرير، وإلى غنى الأغنياء فيصيرون في عيشة وضحاها فقراء يبحثون عن لقمة يسدون بها الرمق، ومأوى يكنهم من الحر والقر.
وقد رأيتم ذلك في أماكن حلّت فيها الزلازل والفيضانات، والحرائق والأعاصير، والحروب والصراعات، ينتهي هناك كل شيء من مباهج الدنيا، والسعيد من أهلها من نجى بجلده تاركًا خلفه كل راحات دنياه، لكنه يحمل معه فقط آلام ما مر به الأهوال.
فالحذر الحذر –يا عباد الله-من الاغترار بحلم الله وطول السلامة، وعدم معاجلته بالعقوبة؛ فإن الأيام لا تبقى على حال، وإن ليل الذنوب سيبغته صبح المؤاخذة مهما طال.
عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ) قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: 102]().
قال بعض الصالحين: " يَا أَهْلَ الْمَعَاصِي، لَا تَغْتَرُّوا بِطُولِ حِلْمِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَاحْذَرُوا أَسَفَهُ -أَيْ: غَضَبَهُ- بِسَبَبِ الْمَعَاصِي؛ فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ [الزخرف: 55]"().
وقال أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ الْأَنْطَاكِيُّ: "قُلْتُ لِعَابِدٍ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، أَخْبِرْنِي مَا دَلِيلُ الْخَوْفِ؟ قَالَ: الْحَذَرُ، قُلْتُ: فَمَا دَلِيلُ الشَّوْقِ؟ قَالَ: الطَّلَبُ، قُلْتُ: فَمَا دَلِيلُ الرَّجَاءِ؟ قَالَ: الْعَمَلُ، قُلْتُ: رَحِمَكَ اللَّهُ، نَحْنُ أَيْنَ جَاءَ ضَعْفُنَا؟ قَالَ: لِأَنَّكُمْ وَثِقْتُمْ بحِلْمِ اللَّهِ عَنْكُمْ، وَسِتْرِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
إِنْ كُنْتَ تَفْهَمُ مَا أَقُولُ وَتَعْقِلُ ... فَارْحَلْ بِنَفْسِكَ قَبْلَ أَنْ بِكَ يُرْحَلُ
وَذَرِ التَّشَاغُلَ بِالذُّنُوبِ وَخَلِّهَا ... حَتَّى مَتَى وَإِلَى مَتَى تَتَعَلَّلُ()

نسأل الله أن يجعلنا بالعظات متعظين، وأن لا يجعلنا من الغافلين الشاردين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

د. عبد الله بن عبده العواضي

31 Jan, 11:57


الخطبة الثانية
الحمد لله على حلمه وغفرانه، والشكر له على فضله وإحسانه، ونعوذ به من تحوِّل عافيته، وفجاءة نقمته، وجميع سخطه، ولقاء نيرانه، والصلاة والسلام على نبينا محمد الداعي إلى دينه ورضوانه، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
أيها المسلمون، إن العقوبات الجماعية عظة للمتعظين، وعبرة للمعتبرين، غير أن الإعلام المضلّل لا يصور للناس وجوه الاعتبار، ولا يدعوهم إلى التوبة والادكار، وكثير من اللاهين تمر بأعينهم وأسماعهم تلك الكوارث المفزعة دون أن تقرع أبواب قلوبهم بزواجرها، وتصحح مسار حياتهم المعوج بفواجعها، وحالهم كما قال الله: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ﴾[البقرة:18]، يعني: هم لا يسمعون الحق سماع انتفاع، ولا ينطقون به، ولا ينظرون إليه نظر اعتبار، ولا هم يرجعون إلى الإيمان لينتفعوا بجوارهم التي تعطلت عن قبول الحق.
وقال الله: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴾[البقرة:171].
يعني: صفة المعرضين عن الاستجابة إلى الحق متى سمعوا داعي الحق كصفة البهائم التي تسمع صوت الراعي دون فهم معاني كلامه.
غير أن هناك مشاهد فردية واعظة، وقصصًا حية زاجرة، يراها الإنسان أو يسمعها عن بعض المفرِّطين الذين لجّوا في طغيانهم يعمهون، وظلوا في ظلمات خطاياهم يتخبطون، حتى نزلت بهم العقوبة من حيث لا يتوقعون.
فيا من فرط في حقوق الله أو في حقوق عباده تنبّهْ بالتوبة، قبل أن تفجأك العقوبة على حين غِرّة، وتنزل بك الأَخذة في ساعة غفلة، وحينها تقول: ﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾[الفجر:24]، ولن تعطى حينئذ مُناك، بعد أن تودع دنياك.
فليعتبر العاصي المتمادي بما جرى لأمثاله من المذنبين، وما حل من المثلات بغيره من المفرِّطين.
ألا من كان مقيمًا على المعاملات الربوية فليتركها؛ فكم أهلك الله من أموال لأهل الربا في لمحة عين: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾[البقرة:276].
ومن كان عاقًا لوالديه أو أحدهما فليعتبر بما جرى ويجري للعققة من العقوبات العاجلة، والبلايا النازلة، فقد" كان جرير بن عطيّة الخطفي الشاعر المشهور من أعقّ الناس بأبيه، وكان ابنه بلال أعقّ الناس به، فراجع جرير بلالاً في الكلام، فذكر لأبيه كلامًا سيئًا، فأقبلت عليه أُمّه وقالت: يا عدوّ الله، تقول هذا لأبيك؟! فقال لها جرير: دعيه؛ فوالله لكأنّي أسمعها وأنا أقولها لأبي!"().
ومن كان ظالمًا للناس من الأقارب أو الجيران أو العمال أو غيرهم من الناس فليتب من ظلمه، ففي مصارع الظالمين عبرة، وفي تعجيل الأخذ للباغين عظة؛ وقد قيل:
البغيُ يصرعُ أَهلَه ... وَالظُّلمُ مرتعُه وخيمُ
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (بَابَانِ مُعَجَّلَانِ عُقُوبَتُهُمَا فِي الدُّنْيَا: الْبَغْيُ, وَالْعُقُوق)().
ومن كان غاشًا ماكراً بالناس، يصنع لهم العثرات، ويطلب لهم المهالك، فليعتبر بما صنع الله بأهل الغش والمكر؛ قال أبو بكر الصديق العتيق رضوان الله عليه: "ثلاثٌ من كن فيه كن عليه: المكر، والبغي، والنكث، قال الله تعالى عزّ اسمه: ﴿ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ﴾[الفتح:10]، وقال عزّ من قائل: ﴿ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾[فاطر:43]، وقال عزّ جَدُّه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾[يونس:23]"().
الا فلنتب-يا عباد الله-إلى ربنا، ونؤدِ ما له علينا، ولنعتبر بما نرى في واقعنا، فالسعيد من وعظ بغيره، والشقي من لا يتعظ إلا بنفسه.
ألا إنما الدنيا لذي العقلِ عِبْرةٌ ... وموعظةٌ تُملي عليه عظاتِها
فكمْ مُعرضٍ عنها وآخرَ سامعٍ ... نَجَى يومَ هُلْكِ الناسِ في غَمَراتِها
نسأل الله أن يجعل لنا في غيرنا عبرة، وأن لا يجعلنا لغيرنا عبرة.
هذا وصلوا وسلموا على خير الورى محمد...

د. عبد الله بن عبده العواضي

31 Jan, 11:57


أيها الإخوة الفضلاء، لقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يعظ مشركي قريش الذين لم يستجيبوا لدعوته، ولم يؤمنوا برسالته، ويتخذ من ذكر مصارع الأمم المكذبة المدونة في القرآن مادة وعظية لتذكيرهم بها، فيقص عليهم القِصص لعلهم بها يعتبرون، وبسماعها يدّكرون.
فكان مما يتلوه عليهم: قصة يوسف التي كان فيها النجاةُ ليوسف عليه السلام من كيد الكائدين، والذلُّ والهوان لمن تربص به الدوائر من الأقربين والأبعدين، وفي نهايتها يقول الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾[يوسف:111].
وكان رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام يأمر المشركين بالسير في الأرض متأملين لينظروا في عواقب المكذبين حتى يكونوا من المعتبرين، فيقول لهم: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾[آل عمران:137].
وأحيانًا يلومهم على عدم الاعتبار عندما يمرون بمهالك سابقيهم من الكفار ولم يتعظوا بها، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾[الصافات:137-138].
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ يَوْمًا، فأتى عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَفَرَغْتَ؟) قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [فصلت: 2] حَتَّى بَلَغَ ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ [فصلت: 13]) فَقَالَ لَهُ عُتْبَةُ: حَسْبُكَ حَسْبُكَ، مَا عِنْدَكَ غَيْرُ هَذَا؟ قَالَ: (لَا)().
ويوم كان مشركو قريش عربًا فصحاء، وذوي لسانٍ بلغاء، فقد تعارفوا على أن التكرار ولاسيما إذا جاء في قالب الاستفهام له فائدة كبيرة في التأثير على المخاطَب؛ فقد أنزل الله تعالى سورة القمر في مكة، وكرر فيها الأمر بالادكار مما جرى للأمم المكذبة، وما يقصه القرآن عنها، فذكر مرات عدّةً قوله: ﴿ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾؛ كقوله: ﴿ وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾[القمر:15]، وقوله: ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾[القمر:51].
وقوله -أربع مرات-: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾[القمر:17].
إخوة الإسلام، إن تلك العبر والعظات، التي قصها الله للناس عما لقي العصاة من هجوم العقوبات، وحلول المَثُلات؛ تمر على كثير من المجرمين دون أن يعتبروا، ويعرفونها من غير أن يدكروا.
فلماذا لم تجد تلك المواعظ إلى قلوبهم طريقا، وإلى تغيير مسارهم المنحرف سبيلا؟
والجواب عن هذا في كتاب الله؛ فقد قص علينا أن المتأثر بالعظات إنما هم أصحاب العقول المستنيرة، والقلوب الحية، وأما المعرضون فإنهم لا عقول لهم، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَاْ يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾[الرعد:19]، وقال: ﴿ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُوْلِي النُّهَى ﴾[طه:128]، وقال: ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ﴾[الحشر:2]، وقال: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾[ق:36-37]، ولكون الآثام قد طمست بصائرهم، وصنعت على قلوبهم حجابًا سميكًا ففقدوا الخشية من ربهم؛ فإنهم لم يُلْقُوا بالاً إلى تلك العبر البليغة، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ﴾[النازعات:26].
معشر المسلمين، في هذه الأيام تعيش الولايات المتحدة الأمريكية أسوأ الأيام في تاريخها؛ فقد حدثت فيها كوارث من الحرائق والعواصف، حيث اشتعلت الحرائق المدمرة في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية فالتهمت آلاف المنازل والمباني العامة والخاصة، ونزح للخوف منها عشرات الألوف إلى خارجها وتضررت ونُهبت الممتلكات فيها، واحترقت أراضٍ زراعية شاسعة، وراح ضحيتها عشرات الأشخاص، وتوقفت الحياة في تلك المدينة المترفة التي يوجد فيها عقارات عالية الثمن، وقصور مشهوري السينما والفن، وغدت الخسارة المالية بسبب ما حدث بمئات المليارات.

د. عبد الله بن عبده العواضي

31 Jan, 11:57


(هل مِن مُدَّكِر! ())

د. عبد الله العواضي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾[آل عمران102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾[النساء1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[الأحزاب70-71].
أما بعد:
أيها المسلمون، بين أيدينا نور مبين، وحبل من الله متين، ودستور جامع، وشفاء نافع، من تمسك به سعد ونجا، ووجد من كل ضيق مخرجا، ومن كل همٍّ فرجا.
﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾[المائدة:15-16].
ومن أعرض عن اتباعه ضل، ومن ترك الاهتداء به زل، ومن لم يجعله إمامه تاه في أودية الهلكة، وفتح له إلى الشقاء مسلكه.
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى *
وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾[طه:124-127].
هذا القرآن كتاب الله الخالد الذي أنزله العليم الحكيم ليكون مجمعًا لأنوار الهدايات، ومنبعًا للخيرات، ف" مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ المَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ العُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وهُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ [الجن: 2] مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ".
عباد الله، إن من أعظم دعوات القرآن إلى الخير: دعوته إلى الاتعاظ، وحثه على الاعتبار، وإجالةِ الفكر المتأمِّل فيما يذكر من القصص والأخبار، والآيات التي تورث متدبِّرَها الوصول إلى الادّكار.
ومن تلك المواعظ التي يذكرها، ويرغِّب في الاتعاظ بها: بيان عواقب العاصين، ومصارع المعرضين، الذين جاءهم الحق فلم يستجيبوا لدعوته، وطال عليهم حبل الإمهال فلم يستفيدوا من إطالته.
فانظروا-رحمكم الله-في سور القرآن وآياته كيف ينوِّع الله تعالى الحديث فيه عن تلك العظات، ويتابع ذكر العواقب لأولئك الحائدين عن سواء السبيل في مضامين الآيات.
فتارة يبين إهلاكه للظالمين، ثم يقول للناس ليأخذوا العبرة: ﴿ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾[يونس:39].
وتارة يخبر عن عقوبته لأهل الفساد في الأرض، ثم يقول عقب ذلك واعظاً: ﴿ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾[النمل:14].
وتارة يتحدث عن مصير من كذب دعوة الرسل، ثم يقول مذكِّرا: ﴿ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾[آل عمران:137].
وتارة يسطر بيان عقوبته لأهل الإجرام، وراكبي صهوات الآثام، وبعد ذكر عذابه لهم يقول: ﴿ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾[الأعراف:84].
وتارة يخبرنا عن الذين جاءهم الرسل بالإنذار فلم يستجيبوا لهم، حتى حلت عليهم عقوبة الملك الجبار، ثم يقول للناس:﴿ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ﴾[يونس:73].
وتارة يطلعنا على النهاية البائسة لمن مكر بالحق وأهله، فيقول: ﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾[النمل:50-51].

د. عبد الله بن عبده العواضي

29 Jan, 04:03


44- إعراب كلمة: رَيْثَمَا

د. عبد الله بن عبده العواضي

27 Jan, 04:00


43- إعراب كلمة: رُغمًا عن فلان

د. عبد الله بن عبده العواضي

25 Jan, 04:01


42- إعراب كلمة: ذوقًا

د. عبد الله بن عبده العواضي

24 Jan, 12:11


أفلا تتعظ أمريكا بهذا الحدث الجلل؛ لتعلم أنها ظلمت أهل غزة وغيرهم، ألا يدعوها ذلك إلى مراجعة سياستها الخارجية مع العالم، لتكف يد ظلمها عن الشعوب الضعيفة، ولكن كما قال الله تعالى: ﴿ أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾[التوبة:126].
فيبدو أن الحكومة الأمريكية لم تتعظ بما جرى حيث غدت تدعم العدوان الصهيوني اليوم على الضفة الغربية وجنين، وتتوعد بلاداً أخرى بشرها.
ولكن تفاءلوا -معشر المسلمين-فعاقبة من يعتدي على المسلمين وخيمة، ونهايته بعون الله أليمة.
نسأل الله أن يردنا إلى دينه رداً جميلا، وأن يذيق أعداء الإسلام تعذيبًا وتنكيلا.
هذا وصلوا وسلموا على خير البشر...

د. عبد الله بن عبده العواضي

24 Jan, 12:11


خطبة بعنوان:( وانتصرت غزة).

د. عبد الله بن عبده العواضي

24 Jan, 12:11


(وانتصرت غزة)
د. عبد الله العواضي.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾[آل عمران102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾[النساء1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[الأحزاب70-71].
أما بعد:
أيها المسلمون، لا كرامة إلا للقويِّ الذي يستطيع أن يواجه سطوة الظالمين، ولا احترام إلا للقادر على استخراج حقه من بين أشداق المتجبرين، و لا مكان في سماء الاستقلال إلا لمن يأبى ضيم الباغين، ولا يقبل إملاء المعتدين.
هذا هو دستور العزة والكرامة في أذهان القُوى المسيطرة على العالم بجبروتها، والساعية بالفساد فيه بكبريائها، التي سخّرت قدراتها في العدوان على الضعفاء والخانعين، ومررت قراراتها الجائرة على الأذلاء والتابعين.
وحوش غاب، وقطيع ذئاب، يرى العالم حوله فرائس ضعيفة، يتناول منها ما يريد، كما يريد، في الوقت الذي يرد؛ كي يُروي ظمأه من سيلان دمائها، ويُطفئ لظى جوعه من لذيذ لحومها.
إذا كنتَ في غابٍ كثيرٍ وحوشُه .. فلا تُلقِ أثقالَ السلاحِ ولا تَضعْ
فلا أمنَ في أرضِ السباعِ لأَعزلٍ .. فكمْ عابرٍ غِرٍّ أَصرَّ فما رجعْ
ومَن عاشَ في ظلِّ السلاحِ متى اعتدى .. عدوٌّ أَوى في مأمنِ العزِّ وامتنعْ
عباد الله، نحن اليوم في عالم تحكمه قوى عالمية متجبرة، لا تعرف إلا مصالحها، ولا تؤمن إلا بمنافعها، لا دين يحكمها، ولا أخلاق تردعها، ولا قوانينَ عادلةً تكبح جماحها.
إن رأت مصلحتها في الحرب أضرمت نيرانها، وقنّنت لعدوانها، وإن رأت منفعتها في طرق أخرى سلكتها، ولو بالخروج من تلك الحرب، وتبرر أمام الرأي العام لانسحابها منها، بما يعلم الناس في ذلك كذبها.
إننا-معشر المسلمين-عندما ننظر في الحياة المعاصرة نرى أن اليهود وجميع منظماتهم، ومؤسساتهم المختلفة حربٌ على العالم بأسره، في بره وبحره، على مسلمه وكافره، وإن كان النصيب الأوفر لحربها ينصرف إلى المسلمين والإسلام.
فاليهود يرون أنفسهم الشعب المختار، والجنس الإنساني الراقي، وما سواهم خُلقوا لخدمتهم؛ لهذا سعوا في إفساد العالم وإهلاكه، ولضمان نجاح خطتهم التدميرية والإفسادية ضموا إلى عصابتهم كثيراً من الحكومات الصليبية، والحكومات الوثنية، فكان من نتائج اجتماع هذه القوى الظالمة: أن أسسوا دولة إسرائيل في أرض فلسطين، وجمعوا غبار اليهود من الآفاق؛ ليكونوا بهم دولة في قلب العالم الإسلامي، في الأرض المباركة التي قال الله فيها: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا:137].
وفي فضل تلك الأرض المباركة جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام:
فعَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( عُقْرُ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ )().
عَنْ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ , فلَا خَيْرَ فِيكُمْ)().
أيها المؤمنون، لقد نزل اليهود في تلك البقعة المباركة وارتكبوا مجازر متوالية، حيث أقاموا صرح دولتهم الغاصبة على جماجم أهل فلسطين، ونمت عروق حياتها على أنهار الدماء الفلسطينية البريئة.
واستعمل اليهود المحتلون كل ألوان الاعتداء على الشعب الفلسطيني، من اغتصاب الأرض والمال، والقتل والأسر، والتخويف والإذلال، والحصار والدمار، وتجريف الأراضي الزراعية وإقامة المستوطنات مكانها، دون أن يراعوا لأحد حقا، ولا يرقبوا في امرئ عهدا، قال الله تعالى: ﴿ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ * اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ ﴾[التوبة:8-10].

د. عبد الله بن عبده العواضي

24 Jan, 12:11


ومتى أنعمتم النظر-معشر الكرام- في السياسة الصهيونية في التعامل مع أهل فلسطين؛ فإنكم ستجدون أن الحكومة الإسرائيلية المحتلة قد قسمت الفلسطينيين إلى أقسام؛ فقسم صار تحت حكمها المباشر، وقسم تحت السلطة الفلسطينية في الضفة التي تحكم إسرائيل السيطرة على كل قراراتها، وقسم في سجونها، وقسم مهجرون خارج فلسطين، وقسم خارج عن سيطرتها، وهم أهل غزة بعد الألفين للميلاد.
أيها الإخوة الكرام، لقد أصبحت غزة من حين خرجت منذ خروجها من القبضة الصهيونية؛ كابوسَ إسرائيل الذي يؤرقها، وشوكة السَّعدان التي تخنقها، ومرارة الحياة التي تكدر عيشها؛ فلذلك استعملت مع أهل غزة صنوف الحروب، وحاكت لها ألوان الخطوب؛ فتارة باغتيال قاداتها ورموزها بطيرانها، أو تنفيذ عمليات اغتيال داخل أرضها عبر مخابراتها، وتارة بحصارها وتضييق سبل العيش على أهلها، وجعلها سجنًا كبيراً لسكانها، وتارة بإشعال نار الخلاف داخلها، وتارة بشن عملية عسكرية محدودة تدمر بعض مساكنها والبنية التحتية فيها، وتقتل أعداداً من المدنيين عليها.
ولكن مع كل هذه الحرب الشرسة المختلفة لم يستطع الصهاينة المجرمون الوصول إلى غاياتهم المنشودة، وأهدافهم المرسومة، وصدق الله: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾[المائدة:64].
وهنا أدرك العقلاء في غزة العزة أنه لا مجال لكف هذا الظالم عن ظلمه، وإيقاف استمرار جرائمه، حيث أيقنوا أن ذلك العدو ينتهز الفرص لمضاعفة عدوانه، وأنه لا يجدي معه الرضوخ والخنوع؛ فلهذا قام أولئك العقلاء المخلصون بإعدادين كبيرين لهذه المعركة الطويلة:
الإعداد الأول: تربية جيل يحمل مهمة الدفاع عن غزة، وصبغه بالصبغة الإيمانية القائمة على الكتاب والسنة؛ فقد أضحوا على يقين جازم أن الأجيال البعيدة عن التمسك بالإسلام ظاهراً وباطنًا لا يعول عليها في ميادين الجهاد، ولا يركن عليها في حماية الأوطان من شر الغزاة الشداد، فخرج ذلك الجيل الذي رأيتم ملاحمه وتضحياته، وشجاعته وصبره:
شبابٌ ذَلَّلوا سُبلَ المعالي ... وما عرفوا سوى الإسلام دينا
إذا شهدوا الوغى كانوا كُماةً ... يدكُّون المعاقلَ والحصونا
وإن جنَّ المساءُ فلا تراهمْ ... من الإشفاقِ إلا ساجدينا
شباب لم تُحطّمه الليالي ... ولم يُسلِم إلى الخصم العرينا
وما عرفوا الأغاني مائعاتٍ .. ولكنَّ العُلا صِيغتْ لحونا
كذلك أخرج الإسلام قومي ... شباباً مخلصاً حُراً أمينا
وعلّمه الكرامةَ كيف تُبْنَى ... فيأبى أن يذلَّ وأن يهونا
الإعداد الآخر: العمل على صناعة السلاح والذخيرة بأيد غزّية؛ لأن من كان سلاحه وذخيرته بيد غيره، فمعركته خاسرة، وهزيمته حتمية.
ولم يعد خافيًا عنكم-معشر الكرام-وقد تابعتم مجريات هذه المعركة الشرسة: ماذا صنعت بأعداء الله الصهاينة قذائف الياسين، وقناصات الغول، والكمائن المحكمة.
ولما كانت غزة محاصرة، والعدو يمتلك القوة الفتاكة، والتكنلوجيا المتقدمة؛ بنوا مدينة أنفاق تحت غزة ملأوها بزاد المعركة من السلاح والغذاء والدواء، وكانت هي الحصون الأمينة لفرسان الهيجاء، فمنها ينطلقون، وفيها يعيشون ويخططون، وإليها يتحيزون.
معشر المسلمين، انفجر بركان الحرب على غزة فجاءت دولة اليهود بحدها وحديدها، وحلفائها وعملائها، وغرورها وكبريائها، ظانة أنها ستقضي على من تصفهم بالإرهابين في مفهومها خلال أسابيع معدودة، في عملية عسكرية محدودة، ولكنها فوجئت باستعداد غزّي أرهبها، وثبات أسطوري أرعبها، ، ودمار هائل في دباباتها وآلياتها، وسباق للموت إلى جنودها، حيث يكر عليهم حملة المنايا من كل الزوايا، ولا تدرك لهم أثرا، ولا تسمع لهم حساً ولا خبرا، كأنما هم أشباح لا يُرون، وخيالات رجال لا يُدركون، فجُنَّ جنون اليهود وحلفائهم، فراحوا يلقون جام غضبهم على النساء والأطفال والمنازل والمشافي والطرقات؛ لعلهم يحققون نصرا، أو يحفظون مياه وجوههم المشوهة أمام الرأي العام العالمي الذي أصبح يرى خلف الشاشات انتكاساتهم، ويسمع صراخ جندهم، واستغاثات قاداتهم.
لقد طالت المعركة وامتد زمنها، ولم يصل الأعداء إلى مراد ذي بال، ولم يستطيعوا القضاء على جميع المقاتلين الأبطال، فكلما دخلوا منطقة بعد تدميرها انبعث عليهم من تحت أنقاضها رسل الموت الزؤام الذين يرسلونهم إلى المقابر والمشافي زمراً إثر زمر.
حينئذ أيقن قادة الحرب الصهاينة أنه لا مجال للمكابرة، والاستمرار في معركة خاسرة، مع توالي الانكسارات المتكاثرة، ولا انتصار على هذه الثلة الصابرة، التي كشفت عن بطولات نادرة، وعقول حربية لم تنتصر عليها التكنلوجيا المتطورة، ولا القوة العسكرية المتجبرة.

د. عبد الله بن عبده العواضي

24 Jan, 12:11


فرضخ العدو الصهيوني للهدنة كارها، ووافق على شروطها صاغرا.
عباد الله، لقد وضعت الحرب أوزارها، وانطفأ بعد هذه الأيام العصيبة والعجيبة أوارها، وانقشع ظلام الاعتداء اليهودي الآثم عن عشرات الآلاف من القتلى الغزيين، وأضعافهم من الجرحى والمصابين، وأعداد من المفقودين، وأرامل ويتامى ومحزونين، وأحياء سكنية لم يبق منها إلا أطلال دارسة، وصمت مرعب على الأبنية المتساقطة، ودمار كامل في البنية التحتية، وذهاب كوادر كثيرة في المجالات الحياتية المختلفة، وبقايا ذكريات أليمة على المدن التي ذهبت عنها الحياة، وانقطعت فيها السبل وعمها البؤس والخراب، وفُقد من فوق ترابها مقومات العيش الكريم، ووسائل البقاء العزيز.
هذه أوجاع غزية لا يمكن أن تخفى، وآلام يصعب في الذاكرة الإنسانية أن تُنسى، وأيام قاتمة يعسر أن تُمحى.
ولكن هل هناك وجوه للنصر بعد هذا الدمار، وهذه الخطوب الكبار؟
هذا ما سنقوله في الخطبة الثانية إن شاء الله.
نسأل الله أن يرد كيد الصهاينة في نحورهم، وأن يجعل تدبيرهم تدميراً عليهم، وأن يعوض غزة خيراً ممن فقدت من الرجال والأموال وجميع الاحوال.



الخطبة الثانية
الحمد لله معز المتقين، ومذل المجرمين، وقاصم الطغاة والمتجبرين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها المسلمون: سألنا في نهاية الخطبة الأولى: هل هناك وجوه للنصر بعد هذا الدمار، وهذه الخطوب الكبار؟
والجواب:
إن ثبات أهل غزة على شدائد هذه الحرب هذه المدة الطويلة انتصار.
وعدم قبولهم سياسة التهجير وتفضيلهم الموت في غزة انتصار.
قال الشاعر:
عِشْ عَزيزاً أو مُتْ وأنْتَ كَريمٌ ... بين قَرْعِ القَنا وخَفْقِ البُنُودِ
وقال الآخر:
لعزُّ يومٍ ويأتي الموتُ في غَدِهِ ... خَيرٌ من العيشِ في ذلٍ وإتعاسِ
واستمرار مقاتليهم في القتال إلى اللحظات الأخير انتصار.
وترك رفعِ الراية البيضاء وعدم قبولِ جميع شروط العدو الظالم انتصار.
وعدم قدرة العدو على أسر جنود منهم وقادةٍ انتصار.
وفتكهم بآليات الصهاينة وإخراجها عن الخدمة انتصار.
وقتلهم وجرحهم لتلك الأعداد الكبيرة من الصهاينة وأعوانهم انتصار.
وإدخال الرعب في قلوب كل الإسرائيليين انتصار.
وتدويل قضية غزة وفلسطين وتضامن الشعوب العالمية معها انتصار.
ومنع وصول الصهاينة إلى كل أسراهم انتصار.
وإدخال الاقتصاد الإسرائيلي في أزمات انتصار.
وتهجير بعض المحتلين من بيوتهم إلى غيرها انتصار.
وخروج المقاتلين عند تسليم الأسيرات من تلك البقعة تحديداً وبتلك الصورة البهيجة انتصار.
والموت في سبيل الله إقبالاً من غير إدبار من أعظم ألوان الانتصار؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾[آل عمران:169-171].
وقال تعالى: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾[آل عمران:140].
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل حديث قبله، ومتنه: قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن للشهيدِ عندَ الله سبعَ خصالٍ: أن يُغفر له في أول دُفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويُحلَّى حُلَّة الإيمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاجُ الوقار؛ الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويُشَفَّع في سبعين إنساناً من أَقاربه)().
قال ابن المعتز:
فَعِشْ مَلكاً أو مت عزيزاً فإِنْ تمتْ .. وسيفُك مَشهور بِكفك تعذرُ
أيها المؤمنون، لقد كان العدوان الصهيوني على غزة ظلمًا كبيراً لدى كل من يحمل ذرة من الإنسانية، بغض النظر عن دينه وتوجهاته، وقد علم ذلك القاصي والداني.
وقد كان دعم الحكومة الأمريكية لهذا العدوان غير محدود: بالمال والسلاح والذخيرة والإعلام والضغط على الدول والحكومات.
وما جرى ويجري الآن من كوارث الحرائق في لوس أنجلوس رسالة سماوية فهم منها بعض الناس الانتقام للمظلومين الذين ظلمتهم أمريكا من المسلمين وغيرهم، ومنهم أهل غزة.
لقد جاءت هذه النار فأحرقت كل ما أمامها من المنازل والمصانع والبنوك والشركات والأراضي الزراعية، وهجرت مئات الآلاف من السكان إلى خارجها وأضحوا بلا مساكن، فقد احترقت بما فيها، ولاسيما أنها مدينة المشاهير والأثرياء.

د. عبد الله بن عبده العواضي

23 Jan, 04:01


41- إعراب كلمة: دائمًا/ دومًا

د. عبد الله بن عبده العواضي

21 Jan, 03:58


40- إعراب كلمة: خَلَفًا

د. عبد الله بن عبده العواضي

19 Jan, 04:34


39- إعراب كلمة: خِلال كذا

د. عبد الله بن عبده العواضي

18 Jan, 04:13


38- إعراب كلمة: خلافا

د. عبد الله بن عبده العواضي

16 Jan, 04:02


37- إعراب كلمة: خصوصاً

د. عبد الله بن عبده العواضي

13 Jan, 04:01


36- إعراب كلمة: ختامًا

د. عبد الله بن عبده العواضي

12 Jan, 04:04


35- إعراب كلمة: خاصّةً

د. عبد الله بن عبده العواضي

11 Jan, 04:01


34- إعراب كلمة: حَيْصَ بَيْصَ

د. عبد الله بن عبده العواضي

08 Jan, 04:04


33- إعراب كلمة: الحمد لله كثيرًا

د. عبد الله بن عبده العواضي

07 Jan, 04:04


32- إعراب كلمة: حَقّاً

د. عبد الله بن عبده العواضي

06 Jan, 04:05


31- إعراب كلمة: حظًا سعيدًا

د. عبد الله بن عبده العواضي

05 Jan, 04:02


30- إعراب كلمة: حسَنًا

د. عبد الله بن عبده العواضي

04 Jan, 04:03


29- إعراب كلمة: حَتْماً

د. عبد الله بن عبده العواضي

02 Jan, 04:01


28- إعراب كلمة: حَتْفَ أَنْفِه

د. عبد الله بن عبده العواضي

01 Jan, 04:03


27- إعراب كلمة: حُبّاً وكرامةً

د. عبد الله بن عبده العواضي

29 Dec, 09:13


https://youtu.be/DcRRhKwJnsk?si=IDLPEW-dUK5QruRL

د. عبد الله بن عبده العواضي

25 Dec, 04:02


26- إعراب كلمة: جهارًا

د. عبد الله بن عبده العواضي

24 Dec, 04:02


25- إعراب كلمة: جَنباً إلى جَنب

د. عبد الله بن عبده العواضي

23 Dec, 04:01


24- إعراب كلمة: جَلِيًّا/ واضحًا

د. عبد الله بن عبده العواضي

22 Dec, 04:01


23- إعراب كلمة: جزمًا/ قطعًا

د. عبد الله بن عبده العواضي

21 Dec, 04:00


22- إعراب كلمة: جِدًّا

د. عبد الله بن عبده العواضي

20 Dec, 07:09


متى تعودُ سعيداً أيها اليمنُ
ويمّحي من هواكَ الكَربُ والحَزنُ
.
ويرحل البؤسُ والفوضى ويجمعنا
بعد التفرق في أهوائنا الوطنُ
.
ويصبحُ الناسُ لا حربٌ تطاردُهم
ولا نزوحٌ ولا خوفٌ ولا فتنُ
.
وحينها تُقبِلُ الدنيا ببهجتِها
وتكتسي بحُلى راحاتها المدنُ
.
وتزدهي بالعلا صنعاءُ شامخةً
وترتقي لسما أمجادها عدنُ

د. عبد الله العواضي.

د. عبد الله بن عبده العواضي

19 Dec, 04:01


21- إعراب كلمة: تَمامًا

د. عبد الله بن عبده العواضي

18 Dec, 04:00


20- إعراب كلمة: تَكَرُّمًا

د. عبد الله بن عبده العواضي

17 Dec, 04:00


19- إعراب كلمة: تقريبًا

د. عبد الله بن عبده العواضي

14 Dec, 10:50


18- إعراب كلمة: تصاعديًا/ تنازليًا

د. عبد الله بن عبده العواضي

11 Dec, 08:19


17- إعراب كلمة: تحديدًا

د. عبد الله بن عبده العواضي

09 Dec, 11:51


16- إعراب كلمة: تَارةً

د. عبد الله بن عبده العواضي

07 Dec, 01:32


وقفة مع آية

د. عبد الله بن عبده العواضي

05 Dec, 05:23


15- إعراب كلمة: بدلَ

د. عبد الله بن عبده العواضي

03 Dec, 05:37


14- إعراب كلمة: بَداهةً

د. عبد الله بن عبده العواضي

01 Dec, 11:24


13- إعراب كلمة: البَتَّة

د. عبد الله بن عبده العواضي

20 Nov, 04:38


9- إعراب كلمة: آنفًا


#سلسلة_إعراب_كلمات_يكثر_السؤال_عن_إعرابها
#بطاقات

د. عبد الله بن عبده العواضي

20 Nov, 04:38


8- إعراب كلمة: أما بعد


#سلسلة_إعراب_كلمات_يكثر_السؤال_عن_إعرابها
#بطاقات

د. عبد الله بن عبده العواضي

18 Nov, 04:52


في ميزان الدنيا: من كان له رصيد مالي ضخم يستطيع قضاء ما عليه من دين ولا تخيفه مطالبة أهله به، وفي ميزان الآخرة: حقوق الناس إذا لم تقض في الدنيا فهي ديون الآخرة، فإن سلم المسلم من عدوانه على
  دماء الناس وأموالهم فقد لا يسلم من عدوانه عليهم بلسانه! فالحل اليوم: الحرص على تضخيم رصيد الحسنات على كل الأصعدة؛ استعداداً لقضاء الديون يوم القيامة؛ لأن الدين إذا استغرق جميع الحسنات هناك فالمصير مؤلم.

د. عبد الله بن عبده العواضي

16 Nov, 08:59


7- إعراب كلمات: أفقياً/ رأسيًا/ عموديًا/ ظاهريًا/ باطنيًا/ ضمنيًا:


#سلسلة_إعراب_كلمات_يكثر_السؤال_عن_إعرابها
#بطاقات

د. عبد الله بن عبده العواضي

12 Nov, 17:16


مرحلة الشباب مرحلة الفراغات المتعددة؛ الفراغ العقدي والفكري، الفراغ الفطري، الفراغ الاجتماعي، الفراغ الوقتي.
فمن لم يملأ هذه الفراغات بالمشروع ملأها بالممنوع.
ولهذا جند الشيطان أولياءه ليصنعوا المحتوى الآسن الذي يملأ هذه الفراغات في: وسائل الإعلام، وسائل التواصل، المناهج والمقررات التعليمية.

د. عبد الله بن عبده العواضي

11 Nov, 04:52


6- إعراب كلمة: إطلاقًا


#سلسلة_إعراب_كلمات_يكثر_السؤال_عن_إعرابها
#بطاقات

د. عبد الله بن عبده العواضي

09 Nov, 04:47


5- إعراب كلمة: أساسًا


#سلسلة_إعراب_كلمات_يكثر_السؤال_عن_إعرابها
#بطاقات

د. عبد الله بن عبده العواضي

08 Nov, 14:12


فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: امْصُصْ بِبَظْرِ اللَّاتِ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ؟! فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلاَ يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ".
نسأل الله أن يجعلنا للمعروف شاكرين، وبين الناس من المحسنين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
أيها المسلمون، إن شكر المعروف خلق كريم، وعمل حميد عظيم، يثمر ثمرات جميلة، وتنتج عنه أعمال جليلة، فمن ذلك: أن شكر المعروف يحث ذويه على استمرار خيرهم، ومواصلة معروفهم وبِرّهم، وقد يستنهضهم إلى مضاعفة إحسانهم وزيادته، وتوسيع نطاقه ودائرته؛ لأن بعض أصحاب المعروف إذا لم يجدوا لمعروفهم شاكرا، ولا لفضلهم مُثنيا؛ قد يدعوهم ذلك إلى قطعه، أو تحويله إلى قوم شاكرين.
فقد قيل في المثل:
مَن لا يُؤدِّبُهُ الجميـ ... لُ ففي عقوبتِه صلاحُهْ()
وقال الشاعر:

يُزَهِّدُني في كلِّ خيرٍ فَعَلتُهُ
إلى الناسِ ما جَرَّبتُ من قِلَّةِ الشُّكرِ ()

وقال رجل لبعض جلسائه: "على أي شيء أنتم أشد ندامة؟ قالوا: على وضع المعروف في غير أهله، وطلب الشكر ممن لا يشكره"().
ومن ثمرات شكر المعروف: ترسيخ المحبة بين الناس، والبعد عن الهجران والكراهية؛ فإن كفران المعروف جالب للقطيعة، وموقد للعداوة؛ فكم قد رأينا-معشر المسلمين-من أناس كانوا متوادين متواصلين، فلما أحسن بعضهم  إلى بعض ولم يشكر ذلك الإحسان انقلبت تلك المودة إلى بغض وقطيعة.
عباد الله، وإذا كان شكر المعروف له ثمرات، فإن جحوده له مضرات كذلك، فمنها: انقطاع المعروف عن الجاحد، وتفويت الخير على نفسه، وذهاب البركة عن المعروف الذي وُهِبه فلم يشكره، "والنِّعم لا تُستجلب زيادتها، ولا تدفع الآفات عنها إلا بالشكر لله جل وعلا، ولمن أسداها إليه"().
ومن مضرات عدم شكر المعروف:  ندم المحسن وتحسره، وتوجعه وتألمه، وقد ينقلب إحسانه إذا صادف لئيمًا سببًا للإساءة إليه وإيذائه.
فقد حُكي أن قوماً من العرب خَرَجُوا إلى الصيد إذ عَرَضَتْ لهم أُمَّ عامرٍ- وهي الضبع- فطَرَدُوها حتى ألجؤها إلى خِباء أعرابي، فاقتحمته، فخرج إليهم الأعرابي، وقَال: ما شأنكم؟ قَالوا: صَيْدُنا وطَريدتنا، فَقَال: كلا، والذي نفسي بيده لا تصلون إليها ما ثَبَتَ قائمُ سيفي بيدي، فحماها منهم؛ لأنها استجارت بخبائه، قَال: فرجَعُوا وتركوه، وقام إلى لِقْحَةٍ فحلَبَهَا وماء فقرب منها، فأقبلت تَلِغُ مرةً في هذا ومرة في هذا حتى عاشت واستراحت، فبينا الأعرابي نائم في جَوْف بيته إذ وثَبَتْ عليه فبَقَرَتْ بطنه، وشربت دَمَه وتركته، فجاء ابن عم له يطلبه فإذا هو بَقِيرٌ في بيته، فالتفت إلى موضع الضبع فلم يرها،: فأخذ قوسه وكنانته واتبعها، فلم يزل حتى أدركها فقتلها، وأنشأ يقول:
وَمَنْ يَصْنَعِ المَعْرُوفَ معْ غَيرِ أَهْلِهِ * يُلاَقِ الَّذي لاَقَى مُجِيرُ امِّ عَامِرِ
أدامَ لها حِينَ استَجَارَتْ بقُرْبِهِ * لها محْضَ ألبَانِ اللقَاحِ الدَّرَائِرِ
وَأَسْمَنَهَا حَتَّى إذَا مَا تَكَامَلَتْ * فَرَتْهُ بأنْيَابٍ لَهَا وَأظَافِرِ
فَقُلْ لِذِوِي المَعْرُوفِ هَذَا جَزَاءُ مَنْ * يجودُ بِمَعْرُوفٍ إِلَى غَيْرِ شَاكِرِ()
وصارت هذه القصة بعد ذلك مثلاً في سوء حال من صنع معروفًا إلى غير شاكر.
أيها الأحبة الكرام، علينا أن نعرف أهمية شكر المعروف والإحسان، وأن لا نكون من أهل الجحود والنسيان، بل نجزي أهل المعروف إلينا بما نقدر عليه من الجزاء، إما بالهدية والعطاء، وإما بالمدح والثناء، وإما  بزيادة الود والدعاء.
وأن نعلم أن لشكر الإحسان آثاراً حسنة تحثنا على الشكر الجزيل، ومضراتٍ عديدةً تحذِّرنا من نكران الجميل.
وإيانا ثم إيانا أن نخص بالشكر كثيرَ المعروف، ونحجبه عن قليله؛ فهذا ليس من شيم الكرام، بل الكريم من يشكر كل معروف قليلاً كان أم كثيرا؛ ولا يخص المرءُ بشكره الكثير فقط، بل يشكر معه ما قل من غير احتقار، ويثني عليه بدون استصغار؛ فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الْقَلِيلَ، لَمْ يَشْكُرِ الْكَثِيرَ)().
ومع هذا كله-يا عباد الله- فإن على الإنسان الذي يريد ثواب ربه عند لقائه، وحسن جزائه في حياته؛ أن يبذل المعروف ولو لم يجد  له شاكراً، وينتظر شكره من ربه الشكور لا من مُعطاه الكفور، ففي حسن جزاء الآخرة على خالص العمل سلوةٌ تُنسي ألمَ الجحود والنكران، وراحةٌ للنفس من خيبة الضياع والخسران.
قال الشاعر:

بُثَّ الصَّنَائعَ لَا تَحفلْ بموقعهَا
في آملٍ شَكَرَ المَعروفَ أَو كَفَرا()

نسأل الله أن يصلح أمرنا، ويجبر كسرنا.
هذا وصلوا وسلموا على النبي الكريم...

د. عبد الله بن عبده العواضي

08 Nov, 14:12


ومن شكر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام للمعروف: أنه أحسن الرد على جميل عمه أبي طالب الذي رباه، ودافع عنه أذى من أذاه، فإن أبا طالب كان كثير العيال " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِلْعَبَّاسِ عمِّه- وَكَانَ مِنْ أَيْسَرِ بَنِي هَاشِمٍ-: يَا عَبَّاسُ، إنَّ أَخَاكَ أَبَا طَالِبٍ كَثِيرُ الْعِيَالِ، وَقَدْ أَصَابَ الناسَ مَا تَرَى مِنْ هَذِهِ الْأَزْمَةِ، فانطلقْ بِنَا إلَيْهِ، فلنخففْ عَنْهُ مِنْ عِيَالِهِ: آخُذُ مِنْ بَنِيهِ رَجُلًا، وَتَأْخُذُ أَنْتَ رَجُلًا، فَنَكِلُهُمَا عَنْهُ؛ فَقَالَ العباسُ: نَعَمْ. فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا أَبَا طَالِبٍ، فَقَالَا لَهُ: إنَّا نُرِيدُ أَنْ نخففَ عَنْكَ مِنْ عِيَالِكَ حَتَّى يَنْكَشِفَ عَنْ النَّاسِ مَا هُمْ فِيهِ؛ فَقَالَ لَهُمَا أَبُو طَالِبٍ: إذَا تَرَكْتُمَا لِي عَقيلًا فَاصْنَعَا مَا شِئْتُمَا، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا، فَضَمَّهُ إلَيْهِ، وَأَخَذَ الْعَبَّاسُ جَعْفَرًا فَضَمَّهُ إلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ عَلِيٌّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَعَثَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيًّا، فاتَّبعه عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ؛ وَلَمْ يَزَلْ جَعْفَرٌ عِنْدَ الْعَبَّاسِ حَتَّى أَسْلَمَ واستغنى عنه"().
ومر سَعِيد بْن العاص بدار رجل بالمدينة فاستسقى فسقوه، ثم مر بعد ذلك بالدار ومنادٍ ينادي عليها: من يزيد؟. فقال لمولاه: سلْ لمَ تباعُ هذه؟ فرجع إليه فقال: على صاحبها دَين. قَالَ: فارجع إلى الدار، فرجع فوجد صاحبها جالسًا وغريمه معه فقال: لمَ تبيع دارك؟ قَالَ: لهذا عليّ أربعة آلاف دينار. فنزل وتحدث معهما، وبعث غلامه فأتاه ببدرة()، فدفع إلى الغريم أربعة آلاف، ودفع الباقي إلى صاحب الدار، وركب ومضى"().
أرأيتم كيف شكر سعيد على شربة ماء، وكيف كافأ صاحب الدار بهذا المال الكثير على كأس من ماء!
ومن مظاهر شكر المعروف أيضًا: إيصال الشكر للمحسِن، والإعلان بالثناء عليه ومدحه على معروفه؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام: (وَمَنْ أَتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ بِهِ فَأَثْنُوا عَلَيْهِ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ)().
سبحان الله! ما أعظم الإسلام في مراعاة مشاعر النفوس، وسبل راحتها، وإدخال السرور عليها!
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام:  (من صُنِع إليه معروفٌ فليجزِه، فإن لم يجد ما يجزيه فليُثْنِ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ إِذَا أثْنَى فَقَدْ شَكَرَهُ)().
وفي رواية: (مَنْ أُبْلِيَ بَلَاءً فَذَكَرَهُ، فَقَدْ شَكَرَهُ، وَإِنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ)().
فهل بقي من عذر في ترك الشكر؟
قال الشاعر:

علامةُ شكرِ المرءِ إعلانُ حمدِه
فمَن كتمَ المعروفَ منهم فما شكرْ()

ومن شكر المعروف: قبول شفاعة ذي المعروف في الأمور الكبيرة وعدم ردها.
فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: (لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ)().
وكان المطعم بن عدي ممن شارك في شقِّ صحيفة الظلم بحصار الشِّعب، وهو أيضًا الذي أجار النبي عليه الصلاة والسلام عند دخول مكة حين رجع من الطائف، فأراد رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يكافئه على هذا المعروف، ولكن موت المطعم سبق غزوة بدر.
ومن شكر المعروف أيضًا: الدعاء للمحسِن.
فعن أنس رضي الله عنه أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَهَبَ الْأَنْصَارُ بِالْأَجْرِ كُلِّهِ. قَالَ:(لَا، مَا دعوتُمُ الله لهم، وأَثْنَيْتُم عَلَيهِم بِه)().

وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا؛ فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ)().
ومن شكر المعروف كذلك: التغاضي عن إساءة المحسِن، وهذا مظهر من أسمى مظاهر الشكر، ومن الأمثلة على ذلك: موقف عروة بن مسعود قبل إسلامه يوم الحديبية مع أبي بكر رضي الله عنه؛  ففي صحيح البخاري ".. قَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أَيْ مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ أَمْرَ قَوْمِكَ، هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ العَرَبِ اجْتَاحَ أَهْلَهُ قَبْلَكَ؟ وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى فَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرَى وُجُوهًا، وَإِنِّي لَأَرَى أَوْشَابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ.

د. عبد الله بن عبده العواضي

08 Nov, 14:12


*لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ ()*

د. عبد الله العواضي.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾[آل عمران102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾[النساء1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[الأحزاب70-71].
أما بعد:
أيها المسلمون، إن النفس الإنسانية ذات مشاعر وأحاسيس تتأثر بمواقف الناس تجاهها؛ فإذا أَحسنت فقُوبل إحسانها بالشكر؛ التذّتْ واستراحت، وإذا قوبل معروفها بالجحود ضاقت وتكدّرت.
فما أسمى ذلك الإنسانَ الذي إذا صنع له امرؤ معروفًا شكره؛ فأثنى على المحسن بلسانه، وذكره بفضله وإحسانه!
وأما من جحد المعروف بالنكران، أو قابله بالتغافل والنسيان، أو تجاوز حدود الأخلاق فأساء إلى من كان له محسنًا؛ فذاك إنسان فقير الأخلاق، لئيم الطباع، وسيجزى من الناس بمثل فعله، فيذوق من المرارة مثل ما أذاق من جحد فضل خيره عليه.
فشتان ما بين الشاكر الذي ينبت فيه المعروف كما ينبت الغرس الطيب في الأرض الخصبة، وبين الجاحد الذي ينزل عليه غيث الإحسان كما ينزل الغيث على القيعان التي لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً.

وَمَا النَّاسُ في شُكرِ الصَّنيعَةِ عندَهُمْ
وفي كُفرِها إِلَّا كبعضِ المزَارع
فَمَزْرَعَةٌ طَابَتْ فَأُضْعِفَ نَبْتُهَا
وَمَزْرَعَةٌ أَكْدَتْ عَلَى كُلِّ زَارِعِ()

 عباد الله، إن الإنسان الكريم يشكر المعروف ولو جاءه من حيوان؛ فيحفظ لذلك الحيوان معروفه، ويكافئه عليه بما يقدر من الخير له. فكيف بمعروف جاء من إنسان؟ بل كيف بمعروف جاء من قريب أو حبيب أو جار أو صديق؟!
فعَنْ أَبِي عُثْمَانَ الثَّقَفِيِّ قَالَ: "كَانَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ غُلَامٌ عَلَى بَغْلٍ لَهُ يَأْتِيهُ كُلَّ يَوْمٍ بِدِرْهَمٍ، فَجَاءَهُ يَوْمًا بِدِرْهَمَيْنِ، فَقَالَ: مَا بَدَا لَكَ؟ قَالَ: نَفَقَتِ السُّوقُ، قَالَ: لَا، وَلَكِنَّكَ أَتْعَبْتَ الْبَغْلَ، أَجِمَّهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ"().
بل إن بعض العرب كانوا يسقون خيلهم اللبن المحض، ويدعون لأنفسهم وأولادهم اللبن الممذوق؛ شكراً للخيل على ما تُوليهم من النِّعم والخدمة.
لهذا-معشر المسلمين-ينبغي لنا أن نتحلى بشكر ذوي المعروف والإحسان، وأن نحذر من الجحود والنكران؛ فإن شكر الناس من شكر الله، فمن لم يشكر من أحسن إليه منهم لم يشكر ربه العظيم؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: (لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ)().
وعَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ أَشْكَرَ النَّاسِ لِلَّهِ أَشْكَرُهُمْ لِلنَّاسِ)().
قال الشاعر:

إذا المرءُ لم يشكرْ قليلاً أصابَهُ
فليس له عند الكثيرِ شُكورُ
ومن يشكرِ المخلوقَ يشكرْ لربِّه
ومن يكفرِ المخلوق فهو كفورُ()

ولا ينبغي أن نجهل أن شكر الناس على معروفهم، والثناء على جميل إحسانهم؛ عبادة من العبادات، وقربة من القربات. وقد صدق من قال:

شَكَرتُكَ إِنَّ الشُكْر للَّهِ طَاعَةٌ
وَمَنْ شَكَر المَعرُوْفَ فَاللَّهُ زائِدُهْ()

وأحسن القائل:

شكرتُك إن الشكر حظُّ من التُّقى
وما كلُّ من أوليْتَهُ نعمةً يَقضي()

لهذا احذر-أيها المسلم-أن تكون للمعروف كفورا، وللإحسان جحودا؛ فإن هذا نوع من اللؤم ودناءة الأخلاق، ومعصية من معاصي الخلّاق؛ قال بعض العلماء السابقين: "كفر النعمة من لؤم الطبيعة، ورداءة الديانة"().
وقال الشاعر:

وإذا اصطنعتَ الى أخيـ
كَ صنيعةً فانسَ الصنيعهْ
والشكرُ من كَرمِ الفتى
والكفرُ من لؤمِ الطبيعهْ()

أيها المؤمنون، إن شكر المعروف له مظاهر كثيرة، فمن عجز عن بعضها لم يعجز عن بقيتها، ومن جمعها فقد أحسن كل الإحسان في رد الجميل، فمن تلك المظاهر:
المكافأة المادية؛ وتكون بشكر المحسَنِ إليه معروفَ المحسِن بمالٍ يُعطيه، في مناسبة تستدعيه؛ كحاجة في جائحة، أو قضاء دين، أو إعانة في بعض تكاليف الحياة، أو يرسل إليه هدية تعبر عن شكره، واعترافه بفضله.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا().

د. عبد الله بن عبده العواضي

06 Nov, 05:35


4- إعراب كلمة: أخيراً/ وأخيراً

#سلسلة_إعراب_كلمات_يكثر_السؤال_عن_إعرابها
#بطاقات

د. عبد الله بن عبده العواضي

04 Nov, 05:28


3- إعراب كلمة: أحيانًا


#سلسلة_إعراب_كلمات_يكثر_السؤال_عن_إعرابها
#بطاقات

د. عبد الله بن عبده العواضي

02 Nov, 05:51


2- إعراب كلمة:
أبداً


#سلسلة_إعراب_كلمات_يكثر_السؤال_عن_إعرابها
#بطاقات

د. عبد الله بن عبده العواضي

01 Nov, 11:54


المكافأة منه بالشكر والدعاء والخدمة والتوقير والتعظيم، والقيام بالحقوق والتقديم في المجالس، والمتابعة في الأمور، فهذه كلها ثمرات المنة"().
وإياك أن تسلط لسانك في توبيخه وتقريعه؛ اعتماداً على إحسانك له، ولو لم تكن كذلك لما فعلت ذلك، ولا تجعل لنفسك مزية عليه بعطائك، ولا تستعظم ما أحسنت به إليه فتجعل ذلك سببًا لتعييره والاستخفاف به والنظر إليه نظرة دونية، فكل هذه نماذج من صور المن.
واستمر في إحسانك إلى الناس ولا تمنن به ولو جحدوا معروفك، ونسوا فضلك؛ فما عند الله خير لك وأبقى.
نسأل الله أن يرزقنا الجود في مرضاته، والإخلاص ابتغاء وجهه.
هذا وصلوا وسلموا على البشير النذير..

د. عبد الله بن عبده العواضي

01 Nov, 11:54


قال بعض السلف: الأيدي ثلاث: يد بيضاء، وهي: الابتداء بالمعروف، ويد خضراء، وهي: المكافأة، ويد سوداء، وهي: المن().
المنُّ للذَّمِّ داعٍ بالعطاءِ فلا * تَمْنُنْ فتُلْفى بلا حمدٍ ولا مالِ()
وقال آخر:
إِذَا زَرَعْتَ جَمِيْلًا فَاسْقِهِ غَدِقًا ** مِنَ المَكَارِمِ كَي يَنْمُو لَكَ الشَّجَرُ
وَلَا تَشُبْه بِمَنٍّ فَالَّذِي زَعَمُوا ** مِن عَادَةِ المَنِّ أَنْ يُؤْذَى بِهِ الثَّمَرُ()
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الكرماء، غير المانين بالعطاء.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على فضله وامتنانه، والصلاة والسلام على نبينا محمد الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما.
أيها المسلمون، إن الإحسان إلى الخلق فضله عظيم، وأثره على النفوس جسيم، ولكن بعض المحسنين يكدِّرون إحسانهم بالمن، ويسيئون إلى الآخذين بالأذى، فعند ذلك تحصل الأضرار المتقدم ذكرها.
ولكي لا يقع المسلم المحسن في خطيئة المنِّ نسوق بعض آداب الإحسان التي إذا تحلى بها المعطي سلم بها عطاؤه، ولم تُكدَّر بين الناس نعماؤه.
فمن تلك الآداب:
أن يعلم المحسن أن المال هو مال الله تعالى الذي أنعم به عليه، والواجب عليه شكره، ومن شكره: أن الله أمره أن ينفق من ماله على عباده، ووعده بحسن العوض عليه، فكيف يمنُّ منفق من مال غيره وقد أمره بالإنفاق؟
قال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾[الحديد:7]، وقال: ﴿ وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾[سبأ:39].
ومن الآداب: تناسي المعروف والفضل، وجعل النفس كأنها لم تعط شيئًا؛ حتى لا تتعلق بما تعطي فتمن على من تحسن، خاصة إذا جحد الآخذ أو نسي فضل المعطي.
كتب رجل إلى عبد الله بن جعفر رقعة، وجعلها في ثني وسادته التي يتكئ عليها، فقلب عبد الله الوسادة، فبصر بالرقعة، فقرأها وردها إلى موضعها، وجعل مكانها كيساً فيه خمسمائة دينار، فجاء الرجل فدخل عليه، فقال

له: قلبتُ النمرقة فخذ ما تحتها، فأخذ الرجل الكيس وخرج وهو ينشد:
زادَ مَعروفكَ عِندي عِظَماً * أَنَهُ عِندَكَ مَيسورٌ حَقيرْ
تَتَناساهُ كَأَنْ لَم تَأتِهِ * وَهُوَ عِندَ الناسِ مَشهورٌ كَبيرْ()
ومن الآدب أيضًا: اعتبار المحتاج محسنًا إلى من أعطاه حين قبل منه عطاءه؛ لأنه كان هو السبب لأجره وقبول فضله، وبركة ماله وحصول الخير له، ولو لم يقبل منه لبقي في ضيق وهم. لاسيما إذا كان المال مال زكاة.
ومن الآداب كذلك-أيها المحسن الكريم-: أن تحتسب أجرك حين العطاء عند رب الناس، ولا تنتظر أجرك من الناس، فمن لا يحتسب قد يمن في إحسانه، ويصادف من الآخذ عدم شكرانه.
يُحكى أن رجلاً قال لرجل أسدى إليه معروفاً فلم يشكره عليه: ما شكرتَ معروفي عندك! فقال الرجل: إن معروفك كان من غير محتسب، فوقع عند غير شاكر().
وإذا رأيت-أيها الأخ الكريم- سببًا يؤدي إلى خجل من أعطيته منك فيتكلف صنع أشياء من الشكر لأجلك فاترك ذلك السبب؛ حفاظًا على مشاعره، وصونًا لكرامته.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ: إذَا أَعْطَيْت رَجُلًا شَيْئًا وَرَأَيْت أَنَّ سَلَامَك يَثْقُلُ عَلَيْهِ –أَيْ: لِكَوْنِهِ يَتَكَلَّفُ لَك قِيَامًا وَنَحْوَهُ لِأَجْلِ إحْسَانِك عَلَيْهِ- فَكُفَّ سَلَامَك عَنْهُ().
ويذكر أن الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى مدح بشعره هرم بن سنان لإصلاحه بين قبيلتي عبس وذبيان وتحمُّله ديات القتلى في الحرب بينهما، فوقع شعر زهير من هرم موقعًا حسنًا، فحلف أنه لا يسلّم عليه زهير إلّا أعطاه عشرة أعبد وأمة، فلما كثر ذلك على زهير صار إذا مرّ بالنادي وفيه هرم قال: أنعموا صباحًا، ما عدا هرمًا، وخيرَكم تركت، فكان فعله هذا أمدح له من شعره().
أيها الأحباب الكرام، هناك نفوس لا تعرف حقائقها إلا في الخصام، وأما في أيام الوئام فلا؛ فعند المخاصمة والشحناء يتحدث بعض الناس عن إحسانه إلى خصمه، ويمن عليه بفضله عليه، بكونه قد أعطاه كذا وكذا، وفعل له كيت وكيت من المعروف، وهذا من لؤم الطباع وسوء الأخلاق، ومحبطات الأعمال.
وأما ذو الأخلاق الحميدة  فإنه يحرس معروفه بالكتمان، ولو قوبل بالنكران، ويجعل له (خط رجعة) مع خصمه؛ لأن تعديد المنن قطع لجسورة عودة المحبة.
قال بعض العلماء: «المن بالمعروف في المخاصمة دُمَّلٌ لا تندمل» يعني: لا تُنسى، بل تصير تكدر الصحبة كلما تذكره().
فيا أيها المسلم، احذر أن تطلب لعطائك جزاءً من الناس إذا طلبت به وجه الله، فإذا أردت الجزاء فكأنما فعلك هذا بيع وشراء؛ لهذا لا تستخدم الآخذ وتطلب منه أن يعمل لك مصلحة؛ لكونك أعطيته، ولا تنتظر منه مكافأة أو شكراً لأنك منحته؛ فهذه صورة من صور المن، قال بعض العلماء: " وكيفما كان فلا معاملة بينه وبين الفقير حتى يرى نفسه محسناً إليه، ومهما حصل هذا الجهل بأن رأى نفسه محسناً إليه تفرع منه على ظاهره ما ذُكر في معنى المن وهو التحدث به، وإظهاره وطلب

د. عبد الله بن عبده العواضي

01 Nov, 11:54


وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن المنان يُعاقَب بعقوبات يوم القيامة؛ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)  قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ هُمْ؟ فَقَدْ خَابُوا وَخَسِرُوا قَالَ: (الْمَنَّانُ، وَالْمُسْبِلُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْفَاجِرِ)().
وفي رواية مسلم: (الْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا يَلِجُ حَائِطَ الْقُدُسِ مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَلَا الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَلَا الْمَنَّانُ عَطَاءَهُ)().
وقد جعل الحكماء المن بالعطاء ليس من شيم الكرماء، بل من صفات اللؤماء البخلاء، قال الشاعر:
وَصَاحِبٍ سَلَفَتْ مِنْهُ إلَيَّ يَدٌ * أَبْطَاْ عَلَيْهِ مُكَافَاَتِي فَعَادَانِي
لَمَّا تَيَقَّنَ أَنَّ [البؤس حاصرني] * أَبْدَى النَّدَامَةَ مِمَّا كَانَ أَوْلَانِي
أَفْسَدْتَ بِالْمَنِّ مَا قَدَّمْتَ مِنْ حَسَنٍ * لَيْسَ الْكَرِيمُ إذَا أَعْطَى بِمَنَّانِ()
وعدَّ آخرون سماعَ صوت المنِّ على نفوسهم أشدَّ من وقع الرماح، وحثوا على اختيار الصبر على مرارة الحاجة، وجعلها أهون من مِنن الرجال واستعلائهم بها عليهم، فينسب للشافعي قوله:
لَا تَحْمِلَنَّ لِمَنْ يَمُنُّ * مِنْ الْأَنَامِ عَلَيْك مِنَّهْ
وَاخْتَرْ لِنَفْسِك حَظَّهَا * وَاصْبِرْ فَإِنَّ الصَّبْرَ جُنَّهْ
مِنَنُ الرِّجَالِ عَلَى الْقُلُوبِ * أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ الْأَسِنَّهْ()
عباد الله، إن تعديد المنعِم على الآخذ نعمَه- خاصة بين الناس- مذموم دينًا وخُلقًا، ومن ذلك:

أن في المن منازعةً لله في صفة من صفاته؛ فإن الله هو المنّان ومن صفاته: المن، قال بعض العلماء: " وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى مُنَازِعٌ لِلَّهِ تَعَالَى صِفَتَهُ الَّتِي لَا يَسْتَحِقُّهَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمِنَّةَ بِالْعَطَاءِ لَا يَسْتَحِقُّهَا إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يُعْطِي مِنْ مُلْكِ نَفْسِهِ، وَيُعْطِي مَا يُعْطِي مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فِعْلُ شَيْءٍ؛ إِذْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ، فَإِذَا أَعْطَى مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ وَأَعْطَى مِنْ مُلْكِهِ لَا مِنْ مُلْكِ غَيْرِهِ اسْتَحَقَّ الِامْتِنَانَ، فَأَمَّا مَنْ دُونَهُ فَإِنَّهُ إِذَا أَعْطَى أَعْطَى مِنْ مُلْكِ غَيْرِهِ، لَا مِنْ مُلْكِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَا فِي أَيْدِي الْعِبَادِ فَمُلْكُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"().
ولأن المن من الله تذكير بما يجب علينا من شكره؛ لما يترتب على ذلك من حصول الأجر ودوام النعم، وأما المن من العباد فهو تكدير وتحقير وإيذاء.
ومن وجوه ذم المنِّ: محق الثواب، فمن أعطى ومنَّ بفضله فإن حسنة عطائه تمحوها سيئة منّه وإيذائه، كما تقدم في الآية القرآنية؛ ولهذا صار المن فعلاً محرمًا في الشريعة؛ ولعظم الوعيد عليه فقد عدّه العلماء من كبائر الذنوب؛ حتى إنه  يحرم صاحبَه نظر الله إليه يوم القيامة، كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه.
ومن وجوه ذم المنِّ: أنه علامة على ضعف ابتغاء الأجر والإخلاص لله في العطاء، وفيه إهانة لكرامة المعطَى وجرح لمشاعره؛ فإن سماع صوت المن مؤلم للنفس، ومكدر للخاطر.
وأنه يهدم جسور المعروف، ويحذِّر من تكراره بالنسبة للمعطي المان، ومن قبوله بالنسبة للآخذ.
قال الشاعر:
المنُّ يهدمُ ما شيّدتَ من كرمٍ * هلْ يرغبُ الحرُّ في هدمٍ لِبُنيانِ()
وفي المن أيضًا:  تكدير للإحسان، وإذهاب لرونقه، وحسن أثره في النفوس، وقطع لحبال الشكر والاعتراف بالنعمة؛ فقد سَمِعَ ابْنُ سِيرِينَ رَجُلًا يَقُولُ لِرَجُلٍ: فَعَلْتُ إلَيْك وَفَعَلْتُ. فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: اُسْكُتْ؛ فَلَا خَيْرَ فِي الْمَعْرُوفِ إذَا أُحْصِيَ.
وقد قيل الْمَنُّ مَفْسَدَةُ الصَّنِيعَةِ. وكَدَّرَ مَعْرُوفًا امْتِنَانٌ، وَضَيَّعَ حَسَبًا امْتِهَانٌ. ومَنْ مَنَّ بِمَعْرُوفِهِ أَسْقَطَ شُكْرِهِ.
فَامْضِ لَا تَمْنُنْ عَلَيَّ يَدًا * مَنُّكَ الْمَعْرُوفَ مِنْ كَدَرِهْ().
ومن وجوه ذم المنِّ: أنه يفرق القلوب المتحابّة، ويبدد الصفوف المجتمعة، بعد أن كان الإحسان بين الناس وسيلة لتأليف القلوب وجمع الصفوف.
وأن المانَّ مستحق للذم جانٍ على كرمه، فيغدو كرمه مطعونًا ذاهب المدح. ومن عدّد نعمه، محق كرمه"(). كما قيل.

د. عبد الله بن عبده العواضي

01 Nov, 11:54


*لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى) ()*
د. عبد الله العواضي.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾[آل عمران102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾[النساء1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[الأحزاب70-71].
أما بعد:
أيها المسلمون، هل رأيتم أحداً في هذه الدنيا استغنى بنفسه عن غيره، ولم يحتج إلى إنسان آخر في سنوات عمره؟
وهل استطاع إنسان تجاوز هذه الحياة ولم يكن هناك من أعانه على بعض مطالبها، وأوصله إلى شيء من مآربها؟
إن الإنسان ضعيف بنفسه، قوي بغيره، مستوحش وحده، مستأنس بسواه، ولو كان ذا مال كثير، وصاحب جاهٍ كبير، فهو محتاج إلى معين، ولو في غير ما هو فيه من أسباب العلو من الغنى والجاه؛ فالدنيا تتقلب، والأحوال تتبدل، والعجز يحاصر القوة البشرية.
إنْ كانَ يَحرسُك الغِنى أو تَكتفِي * بعلوِّ جاهكَ في الحياةِ وتَعجبُ
فالمالُ غادٍ في الحياةِ ورائحٌ * والجاهُ يُعطى في الزمانِ ويُسلُبُ
فاجعلْ لنفسِكَ في القلوبِ وسيلةً * تُؤويكَ إنْ يومًا دهاكَ الغَيهبُ
ولهذا فإن المرء قد يحتاج إلى معروف غيره، سواء كان معروفًا ماديًا أم معنوياً، ولما كانت غير أن النفوس بفطرتها تكره من يعدِّد عليها صنوف إحسانه وآلائه، ويعيرها بمعروفه وعطائه، وقد تعارف الناس على أن يد الإحسان لا تتم ولا يبقى مدحُها إلا بعدمِ منِّ المعطي على المعطَى وإيذائه بالتطاول عليه، وتعييبه بالفقر والحاجة، وتذكيره بالإنعام عليه لتحقيره وإيلام نفسه.
ويمدحون من يحسن وينسى إحسانه، ولا يذكِّر من أعطى بما أنعم عليه، ولا يجمعون بين المعروف والمنِّ به:
فقد "قالوا: خير المعروف ما لم يتقدمه مَطل، ولم يتبعْه مَنٌّ"().
وقال الشاعر:
وَيْسْخُو بِمَا قَدْ حَوَتْ كَفُّهُ * وَلاَ يُتْبِعُ المَنَّ ما قَدْ وَهَبْ
فَكَمْ فِضَّةٍ فَضَّها فِي سُرُو * ر يَوْمٍ وَكَمْ ذَهَبٍ قَدْ ذَهَبْ()
وقال آخر مادحًا:
إذا ما أمرؤٌ أثنى بآلاءِ ميِّتٍ * فلا يُبعدُ اللهُ الوليدَ بنَ أدهما
فما كان مِفراحاً إذا الخيرُ مَسَّه * ولا كانَ منّاناً إذا هو أَنعما()
أيها المؤمنون، إن المنَّ على الناس بالإحسان إليهم خلق مقيت، وسلوك رديء، يدل على لؤم في النفس، وجفاف في الطبع، وقلة في الإخلاص، وجهل بآداب القربات؛ ولهذا حرم الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام المن والأذى في الإعطاء:
حيث بيّن الله تعالى في كتابه الكريم أن الأجر للمنفقين لا يكون إلا بخلو إنفاقهم من المن والأذى على الآخذين فقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾[البقرة:262].
وذكر الله جل وعلا أن القول المعروف للسائل خير من إعطائه صدقةً متبوعة بإساءة منٍّ قولي أو عملي، فقال تبارك وتعالى: ﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾[البقرة:263].
وحكم ربنا سبحانه ببطلان ثواب صدقات أهل المن والأذى، وضرب لذلك مثالاً ما أروعَه؛ فقال جل وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾[البقرة:264].
عَن الضَّحَّاك رحمه الله قَالَ: "من أنْفق نَفَقَة ثمَّ منَّ بهَا أَو آذَى الَّذِي أعطَاهُ النَّفَقَة؛ حَبط أجره، فَضرب الله مثله كَمثل صَفْوَان عَلَيْهِ تُرَاب فَأَصَابَهُ وابل فَلم يدع من التُّرَاب شَيْئاً، فَكَذَلِك يمحق الله أجر الَّذِي يُعْطي صدقته، ثمَّ يمنّ بهَا كَمَا يمحق الْمَطَر ذَلِك التُّرَاب"().

د. عبد الله بن عبده العواضي

01 Nov, 05:54


1- إعراب كلمة:
ابتداءً/بدءاً


#سلسلة_إعراب_كلمات_يكثر_السؤال_عن_إعرابها
#بطاقات

د. عبد الله بن عبده العواضي

31 Oct, 07:47


إعراب كلمات يكثر السؤال عن إعرابها


تأليف
د. عبد الله بن عبده العواضي


#مؤلفات
t.me/alawadi3

د. عبد الله بن عبده العواضي

30 Oct, 01:36


قف مع نفسك لحظات تأملٍ في الآتي:
. أنا سأموت.
. والموت يأتي فجأة.
. ولو عشت ما عشت فالعمر قصير.
. وبعد الموت حساب على كل صغيرة وكبيرة.
. وبعد الحساب: سعادة دائمة في الجنة. أو شقاء كبير في النار وما هناك دار أخرى.
. فماذا قدمت لنجاتي من ذلك الموقف؟
. إلى متى التسويف والكسل؟
. فكر واعمل قبل الأسف. فاليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل.

د. عبد الله بن عبده العواضي

17 Oct, 06:01


لقد ثبتت القيادة وأفرادها، وثبت معها الشعب الوفي في جلادها، وتحمّل صنوفَ الابتلاء، وذاق علاقمَ الضراء، وأبدى من صورِ الصبر واحتمال الشدة والضيق، ما يفوق في العصر التصديق، وصار يعيش بين الأشلاء والجراح، ورائحةِ الموت الفوّاح، لا يسمع إلا أصواتَ وقعِ الصواريخ والقنابل، ولا يرى إلا تهاويَ الدور والمنازل، والجوعُ والظمأ يفرضان سلطتهما على الأبدان، وأزيزُ الطائرات القتالية يصكُّ القلوبَ قبل الآذان.
في كل مكان تُدوّي أصواتُ العويل والبكاء، وتتطايرُ من الناس الأشلاء، وتجري في البيوت والخيام والطرقات شلالاتٌ الدماء.
كم من أبٍ وأم فقدا أولادهما، وكم من زوج فقد زوجه، وأخ فقد أخاه، وجار قُتل جميعُ جيرانه!
ومع هذا كله هم صامدون صابرون، ولفرجِ الله منتظرون، ولم يُعطوا لعدوهم كف استجداء، ولا كلمةَ استرضاء؛ لعلمِهم بغدره، ويقينهم بمكره، وهم أهلُ الخبرة بحقده وخبثه، ولرسوخ إيمانهم بأن الآجال بيد الله لا تقدِّمها حرب، ولا يؤخّرها سِلْم، وأن الموت بعزٍّ خيرٌ من الحياة بذُل، ولسانُ حالهم مع نفوسهم:
أقولُ لها وقد طارَتْ شَعاعاً * منَ الأبطالِ: ويحَكِ لَن تُرَاعِي
فإنَّكِ لو سألتِ بقاءِ يومٍ * على الأجلِ الذي لكِ لن تُطَاعي
فصبراً في مجالِ الموتِ صبراً * فما نيلُ الخلودِ بمُستَطَاعِ
ولا ثوبُ البقاءِ بثوب عِزٍّ * فيُطوى عن أخي الخَنَعِ اليَرَاعِ
سبيلُ الموتِ غايةُ كلِّ حيٍّ * فداعيهِ لأهلِ الأرضِ داعي
ومَن لا يُعتَبَطْ يَسأَمْ ويَهرَمْ * وتُسلِمهُ المَنُونُ إلى انِقطاعِ
وما لِلمَرءِ خيرٌ في حياةٍ * إذا ما عُدَّ من سَقَطِ المتاعِ  ().
عباد الله، مضى عام نقلت لنا الصورةُ فيه مشاهدَ مشرقة من أرض العز والرباط؛ فكم رأى الناس من صور القوة ورباطة الجأش، والقدرة العجيبة على تحمل المكاره، ليس هذا من رجال تلك البقعة النقية فحسب، بل من النساء والأطفال، فكم رأيتم من ولد يودِّع بالموت أباه أو أمه أو إخوته وأخواته وهو صامد كالجبل الراسي، وكم رأيتم من امرأة تقف على جثة زوج أو أب أو أم أو أطفال لها، وهي صابرة محتسبة، وتتوعد العدو القاتل وهي في تلك الحال.
كم رأينا من تسابق الشبان على ملاقاة الموت، والتضحية بالنفس، ومفارقة الأهل للرباط في نفق من الأنفاق الأيامَ الطويلة، والموتُ يحاصرهم من كل مكان، وقلة الطعام تشوي بطونهم شيّاً، وهم مع ذلك لا يتضجرون ولا يتبرمون،  ولا يفرون ولا يتقاعسون.
وكأن لسانَ أحدهم وهو يسابق إلى الموت لسانُ أنس بن النضر رضي الله عنه يوم قال في غزوة أحد: (إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ الجنة مِنْ دُونِ أُحُدٍ)().
عام مضى تجلّت فيه عناية الله تعالى بمن بقي حيًا هناك وهو يعاني أهوالاً عظامًا، وشدائد كباراً، قلَّ أن يوجد مثلها في العصر الحاضر؛ فكيف صبروا على أصوات الطائرات والمدافع، والصواريخ والقذائف، وكيف عاشوا في ظل ذلك الخوف الرهيب، وكيف ظلوا على قيد الحياة مع قلة وفرة عناصر الحياة من غذاء وماء ودواء ومأوى آمن، إنها عناية الله وكفى.
فعجيب أن يبقى من أهل غزة أحياءٌ أصحّاء وقد عاشوا تحت سحبِ الموت والعذاب تلك المدة الطويلة، ولكن الله رحيم بعباده، أنزل عليهم من قوة الاحتمال ما لم يُنزِل على سواهم.
أيها الأحبة الكرام، عام مضى ظهر فيه أن حكومات المسلمين ليس لها قرار حُر، وأن قراراتها يتحكم فيها أعداؤها، وأن دول الغرب تحكمها الماسونية التابعة للثلة اليهودية.
وظهر للناس في هذه الحرب ضعفُ المسلمين بتخاذلهم، وقبحُ أثرِ تفرقهم واختلافهم، وأن العدو قد حسم معركته معهم بتمزيقهم مِزقا، وتقطيعهم قِطعا، لتنشغل كلُّ دولة إسلامية بشؤونها الداخلية، ولا علاقة لها بالشؤون الإسلامية الخارجية.
ولو كان المسلمون متحدين، وكانوا عاملين بهذا الدين؛ فهل ستظل غزة وحدها، ويصير إلى مثل ما نرى حالهُا، بل هل سيتجرأ العدو على غزوها، ويتشجّع على العدوان عليها؟!
فهل في ذلك عبرة للمعتبرين؟
دعا أكثم بن صيفيٍ أولاده عند موته، فاستدعى إضمامةً من البان، فتقدَّم إلى كل واحدٍ منهم أن يكسرها، فلم يقدر أحدٌ على كسرها. ثم بددها فتقدم إليهم أن يكسروها، فاستسهلوا كسرها. فقال: كونوا مجتمعين؛ ليعجز من ناوأكم عن كسركم، كعجزكم عن كسرها مجتمعةً؛ فإنكم إن تفرقتهم سهل كسركم وأنشد:
كونُوا جميعَاً يا بَنِيَّ إِذا اعتَرى * خَطْبٌ ولا تتفرّقُوا آحادَا
تأبَى القِداحُ إِذا اجتمعْنَ تكسُّراً * وإِذا افترقْنَ تكسَّرتْ أفرادَا ()
نسأل الله أن يجعل هذه الحرب بوابة خير للمسلمين، ومفتاح فرج للمظلومين، وناراً تحرق الصهاينة المحتلين، وعملاءهم من المنافقين والكذابين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الحكيم في قدره وقضائه، الرحيم بالمؤمنين فيما كرهوا من بلائه، والصلاة والسلام على سيد أنبيائه، وخِيرة أصفيائه، نبينا محمد الذي رفع الله به منار الدين، وأتم به النعمة على المسلمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

د. عبد الله بن عبده العواضي

17 Oct, 06:01


خطبة بمناسبة مرور عام على طوفان الأقصى.

د. عبد الله بن عبده العواضي

17 Oct, 06:01


لا يأسَى مظلومٌ ويفرحُ ظالمٌ * مهما توالتْ في الورَى الأزمانُ
فالعدلُ مُدرِكُ مَن يجورُ وحظُّه * بعدَ التجبُّرِ والأذَى الخُسرانُ
يا جُرحَ غَزةَ والجِراحُ كثيرةٌ * يا بُحّةً قدْ سَامَها الخِذلانُ
يا دمعةً فوقَ القلوبِ تحدَّرتْ * ما شَانَها تحتَ الّلظى إذعانُ
وعدُ القصاصِ مِنَ الظلومِ فأيقِني * آتٍ ونِعمَ بذلكَ الإيقانُ
وعدوُّنُا مهما تَعاظمَ بغيُهُ * يومًا سيبلعُ بغيَهُ الطُّوفانُ
ويَذوقُ ويلاتِ المجازرِ والعَناْ * ويَثورُ نحوَ سُكونِهِ البُّركانُ
وبحكمةِ المولَى وحُسْنِ قضائِهِ * يزدادُ رغمَ عذابِنا الإيمانُ
اللهُ يعلمُ ما يُقدِّرُ والورَى * لا يعلمونَ وحُكمُه ميزانُ
خَلْفَ الغمومِ المُرهِقاتِ بشائرٌ * يَنداحُ في واحاتِها الرِّضوانُ.
نسأل الله أن يجعل لإخواننا في فلسطين من هذا الغم فرجا، ومن هذا الكرب مخرجا، وأن يزيدهم صبراً إلى صبرهم، وقوة إلى قوتهم، وأن يحرسهم بعينه، ويحوطهم بمعيّته.
وأن يرد كيد عدوهم في نحره، وأن يجعل تدبيره في تدميره، وأن يقذف الرعب في قلوب مقاتليه، وأن يوسع دائرة الخلاف والأوجاع بين مواطنيه، وأن يجعل اتفاق اليهود وحلفائهم إلى افتراق، وجمعهم إلى شتات ونزاع.
هذا وصلوا وسلموا على خير البرية...
  

د. عبد الله بن عبده العواضي

17 Oct, 06:01


أيها المسلمون، إن الحرب بيننا وبين اليهود حرب عقائدية، وليست حربًا قومية أو وطنية، ليست المعركة على تراب عربي، ولا إرث قومي؛ فإنهم ما جاءوا لاحتلال فلسطين إلا عن عقائد دفعتهم إلى ذلك، وآمال دينية يريدون تحقيقها هنالك، وأن حكومات الكفر التي تتعاون مع الصهاينة ما فعلت ذلك إلا لأنها تعد المعركة هناك  مع المسلمين، معركة مقدسة في كل حين.
فينبغي لنا-معشر المسلمين-أن نفهم هذا الدرس اليوم، ونعلم أن دول التسلط العالمي لا تكن لنا إلا كل عِداء، ولا تنوي لنا إلا كل خراب وبلاء، فمن يحسن الظن بهم، ويثني عليهم ويمدحهم؛ فإنما من جهله قد أُتي، ومن حقده على المسلمين قد بُلي.
ومن يرجو أعاديَه لخيرٍ * كمن يرجو البرودةَ في السعيرِ
ونقول في هذا الصدد: لولا الإيمانُ بالله واليوم الآخر، والطمع في جنة الله ورضوانه؛ لما صبر أهل غزة هذا الصبر العظيم، ولا تحملوا هذا العذاب الأليم، نحسبهم هكذا والله حسيبهم، حتى لقد كانت كلماتهم المطمئنة، ومواقفهم المغمورة بالثبات والسكينة سببًا للتأثير العالمي بين غير المسلمين؛ فتضمن مع مآساتهم متضامنون، وتظاهر لأجل كف يد الظلم عنهم في الغرب متظاهرون، بل والأحسن من هذا كله أنْ دخل في الإسلام عددٌ منهم غير قليل، حين أدركوا أن هذا الصمود الأسطوري في أولئك المظلمين إنما هو أثر هذا الدين السماوي.
﴿ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾[النور:11].
إخوة الإيمان، لقد تابعتم عند تمام العام الحربي خطوات التعامل الصهيوني مع الحدث؛ حيث كثف من ضرباته الظالمة على الأبرياء، ووسّع دائرة مجازره على الأطفال والشيوخ والنساء، وفتح جبهات جديدة في عدة أنحاء، وله في ذلك أهداف وغايات، ومآرب ومرامات، ولعل منها: محاولة تخفيف الاحتقان الإسرائيلي الداخلي على الحكومة ومجلس الحرب؛ فالأمر هناك لم يعد تحت طاولة الإخفاء الإعلامي، بل قد خرج عن السيطرة، فكثرت الأصوات المنادية بوقف الحرب، وانتقاد سياسة عدو الله نتنياهو. وما خفي عنا أعظم.
كما أن في هذه الأمور الجديدة محاولةً لإظهار أن القوة الصهيونية قادرة على القتال المتقدم في جبهات متعددة.
قال الله:﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾[الأنفال:30]. ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾[الأنفال:36].
ونحن إذ نرى هذه المجازر المستمرة وتطوراتها الإجرامية المتصاعدة؛ نثق بأن الله لا يقدِّر إلا ما هو خير للمؤمنين، وهو أرحم بهم من كل الراحمين، وقد يقضي عليهم بمكاره في دنياهم ليوصلهم إلى محاب في أُخراهم، فيمحص ما في الصدور، ويصطفي الشهداء لمنازل الحور، ويرفع الدرجات بالصبر على الابتلاءات؛ قال الله: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾[النساء:19].
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ, لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ؛ لِمَا يَرَوْنَهُ لِأَهْلِ الْبَلَاءِ مِنْ جَزِيلِ الثَّوَابِ)().
وقال بعض السلف: "لولا مصائب الدنيا لوردنا الآخرة من المفاليس"().
ولا يخرج ما يفعله الصهاينة وأعوانهم عن إرادة رب العالمين؛ فإنه يستدرجهم إلى مصارعهم وأليم عذابهم من حيث لا يشعرون، ولو طال زمان الإمهال، واغتروا بما لديهم من القوى والنكال، ولم يصغوا لصوت العقل، ولم يعتبروا بمصارع المجرمين من المتقدمين والمتأخرين؛ فإن نهايتهم أليمة، وعقوبتهم شديدة عظيمة، قال تعالى:﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[الأنعام:44-45].
وعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: 102])().
فكونوا على يقين أن ما يجري له حكم بالغة عند رب العالمين، وغايات للحق حميدة ستُعرف ولو بعد حين؛ فلهذا:

د. عبد الله بن عبده العواضي

17 Oct, 06:01


والغايات، ولم يستطيعوا إيقاف مفاجأة الهجمات، ولا الوصول إلى القيادات، ولا معرفة منطَلقِ الموت الزؤام الذي يعاجل جندهم في لحظات خاطفة مرعبة، حتى لقد قالوا: إنما نقاتل أشباحًا لا بشرا!.
قال الله تعالى:﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾[الأنفال:17].
عام مضى رأينا فيه مدى حقد النفس اليهودية، وقدر ما تحمل من الكراهية والاحتقار للأمة الإسلامية، من ساستهم إلى أصغر إسرائيلي فيهم.
فلقد رأيتهم في مقاطع متنوعة كيف يتعاملون ببشاعة مع الأطفال والنساء، والأسرى والعُزّل، وكيف يتقيأون على وسائل إعلامهم بالرغبة الجامحة في القتل والإبادة الجماعية لجميع سكان غزة، وكيف يحاولون التبرير لجرائمهم بقراءة نصوص من التوراة المحرَّفة التي تدعو إلى قتل غير اليهود أبشع القِتلات.
هؤلاء اليهود ليس لهم من البشر إلا الصور، ولا من الإنسانية إلا الدعوى الفارغة، لا رحمة عندهم ولا رأفة، ولا عهد ولا ذمة، ولا حب إلا لمن كان يهوديًا، ولا حياة إلا لمن كان إسرائيليا.
ولقد كان هتلر محقًا في ذلك التعامل معهم؛ إذ لا يستحقون غيره، حيث سلطه الله عليهم فأباد خضراءهم، وأبقى للعالم نماذج منهم حتى يعذروه في الكيفية التي تصرّف بها معهم، فهم سرطان في جسد العالم، لا عافية له حتى يستأصل داءه، ولا دواء له إلا الشدة معه، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً, عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ, وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ إِلَّا السَّامَ, وَهُوَ الْمَوْتُ)().
قال عنترة:
وسَيْفِي كَانَ فِي الْهَيْجَا طَبِيباً * يُدَاوِي رَأْسَ مَنْ يَشْكُو الصُّدَاعا
أيها المؤمنون، عام مضى صحَّح لدى بعضِ الناس كثيراً من المعلومات، وأوصلهم إلى معرفة حقائق كانت عنهم من الغائبات، فنضجتْ الرُّؤى، واستنار الحجا، وانكشف زيف الخداع، وزالت الأقنعة عن الوجوه التي عُجنت بالقَترة، وصُبغت بالكلوح والغَبرة.
لقد افتُضح أدعياء الدفاع عن حقوق الإنسان، وحقوق الطفولة، وحقوق الشعوب المظلومة، وحقوق الحرية، وحقوق العدل والمساواة، فأين هم مما يجري للإنسان والطفل والحرية والأرض في غزة ورفح والضفة؟
لقد ظهر أن دائرة هذه الحقوق حصرية على الإنسان الكافر، أما المسلم فليس له من هذه الحقوق شيء، ولقد صدق الشاعر حين قال:
قتلُ امرئٍ في غابةٍ * جريمةٌ لا تُغتفرْ
وقتلُ شعبٍ آمنٍ * مسألةٌ فيها نَظرْ
والحقُّ للقوِّةِ لا * يُعطاهُ إلّا مَنْ ظفرْ()
فلا يحدثوننا بعد اليوم عن هذه الحقوق المزعومة؛ فقد رأى العالم كله انحياز أدعيائها لغير المسلمين، وتجميد الحديث عنها إلى حين.
مضى هذا العام الدامي فكشفت أيامه ولياليه دموعَ الباكين، وأنهارَ الدماء الموّارة في أرض فلسطين، وضعفَ الجبناء الخائفين، وخِذلان المخذِّلين، الذين لم يتحركوا لنصرتهم، وكف يد الظلم عنهم، فأبانت صفحاته العلنية نفاقَ المنافقين، وكذب الكاذبين، الذين انحازوا إلى العدو الصهيوني فدعموه عسكريًا وأمنيًا، ولوجستياً وإعلاميًا، وأسكت هذا العامُ عند الناس العقلاءِ،  أبواقَ الأدعياء، فعلموا الصادقَ من الكاذب، والمؤمن من المنافق، وهكذا تكون الفتن كالغربال الذي يغربل حقائق الناس وبه يُعرفون.
قال الله: ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ ﴾[الرعد:17].
وقال سبحانه: بسم الله الرحمن الرحيم*﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾[العنكبوت:1-3].
أيها الإخوة الفضلاء، مضى عام من الأعوام التي سيخلِّدها الدهر، وتُصغي لها بالعجب والإكبار آذانُ العصر، وستبقى حكاياه محفورةً في الذاكرة، ترويها الأجيال المتقدمةُ للأجيال الآخرة، فظهر في هذا العام ثباتُ ثُلةٍ من المؤمنين، في بقعة صغيرة من أرض المسلمين، عرفتهم الحروب وعرفوها، وعركتهم وعركوها، أحسنوا لها الإعداد، وأعدوا ما يستطيعون من العتاد، وأرهبوا أعدى أعداء الله بسلِّ سيف الجهاد، فأتقنوا إدارة المعارك، وسقوا العدوَّ كؤوس المهالك، ولم يقبلوا إلى الآن الرضوخ ولا الإذعان، ولا الإغراء بترف الدنيا بشرط ترك قتال شرِّ الأعداء، ولم تعمل فيهم معاول التخويف والإرهاب، ولا طائرات الموت التي تجوب سماء غزة أسرابًا وراء أسراب.

د. عبد الله بن عبده العواضي

17 Oct, 06:01


*(عامٌ على الطوفانِ العَارم )*

✍🏻 د. عبد الله العواضي


إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾[آل عمران102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾[النساء1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[الأحزاب70-71].
أما بعد:
أيها المسلمون، إن الزمان مؤمن بالسير والمرور، والحركة الدائمة التي لا تتوقف لتفرح مع الفرحين، وتسعد مع المسرورين، ولا تتريث وقتًا لتواسي المصابين، وتمسح دموع المكلومين، بل يمضي كلُّه: ما أَسرَّ منه وما أحزن، وما أضحك وما أبكى، وما أخذ وما أعطى، نهار يكر خلف الليل، وليل يجري وراء النهار، ﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ ﴾[النور:44].
في يوم الثاني والعشرين من ربيع الأول، الموافق لليوم السابع من شهر أكتوبر من العام الماضي حدثَ حدثٌ شغلَ العالمَ كلَّه إلى اليوم بما جرى فيه، واتجهت أنظارُ الدنيا جمعاء إلى الشرق الأوسط، إلى أرض الإسراء والمعراج: فلسطين، إنه يومُ كسرِ الحدود، وفكِّ القيود، واقتصاصِ المظلوم من الظالم في جزء يسير من مظالمه التي لا تنتهي، ذلك اليوم هو يومُ طوفان الأقصى الذي تبخّرت فيه فرقةُ غزة الصهيونية، وانكشفت فيه عورات القوة اليهودية المنفوخة.
ها هو عام يمر بتمامه وكماله، بأفراحه وأتراحه، وأوجاعه وآلامه، وغرائبه وعجائبه، ولا زال الحبل على الجرَّار، ورحَى الحرب تطحنُ ليلَ نهار.
عباد الله، عام مضى رأينا في صفحاته الحربية، وفصوله المتتابعة الملحمية؛ ضعفَ عدو المسلمين الصهيوني، وخورَه القتالي، وهو الجيش الأسطوري الذي لا يقهر كما روّج له المرجفون، وصدّقهم الجاهلون؛ فلقد رأيناهم كيف يتساقطون تساقط الفرائس الهزيلة، تحت أقدام المجاهدين الثقيلة، وكيف يذرفون الدموع خائفين، ويجأرون بأصوات الرعب مستغيثين، ويتركون ميادين القتال هاربين، وكيف ظهروا جبناء وجلين، قال الله تعالى:
﴿ لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ * لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ ﴾[الحشر:14-15].
لقد نطقوا صادقين حين قالوا: لولا سلاحُ الجوِّ لم نصنع شيئًا. نَعم، إن الأمر كذلك: لولا طائرتهم الحربية المتنوعة المتطورة لما توغلوا في غزة مدمِّرين، ولما واجهوا المقاتلين المسلمين في آلياتهم وخلفَها متترسين.
إنهم شجعان حقًا، ولكن على قتل النساء والأطفال، وتفخيخ المدارس والجامعات، وتدمير المساجد والبيوت وجرف الطرقات. وكأن الطفل الغزاوي يقول للجندي الصهيوني:
أسَدٌ عَلَيَّ وَفِي الْحُروبِ نَعَامَةٌ * فتخاءُ تَفزَعُ مِن صَفِيرِ الصَّافِرِ
هَلاَّ بَرَزْتَ إِلَى الرجالِ مواجهًا * بَل كَانَ قلبُكَ فِي جَنَاحَيْ طَائِرِ
صَدَعوا قلوبَكمُ بخوفٍ قاتلٍ * تركوا جموعَكمُ كَأَمْسِ الدَّابِرِ
عام مضى ذاق فيه العدو الصهيوني الويلات، وتجرع فيه كثيراً من المرارات، لم ير مثل أيامه هذه شدةً وألمًا منذ تأسيس دولته الغاصبة في الأراضي المحتلة، وصدق الله: ﴿ وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾[النساء:104].
فقد قُتل وجُرح من جيش هذا العدو الآلاف، وهُجِّر من منازلهم عشرات الآلاف، وأصاب هولُ الصدمة عدداً كبيراً منهم، فدبَّ في قلوبهم الرعب، وتغلغل في أفئدتهم الخوف، وسيطر على حياتهم القلق؛ ولذلك غادر دولتهم إلى غيرها عدد غير قليل منهم.
لكنّ إعلامهم لا ينشر حجم خسائرهم، وحقيقة معاناتهم، وعظم آثار الحرب عليهم.
عام مضى على الصهاينة وقد جمعوا في حربهم هذه ما يقدرون عليه من وسائل الإبادة ومعرفة المعلومات، والوصول إلى الأهداف المرسومات، وجيّشوا معهم العالم الكافر والمنافق في خندق واحد؛ بدعمه الأمني والعسكري واللوجستي والإعلامي، ومشاركة جندٍ مرتزِقة من دول شتى، ومع هذا كله لم يصلوا إلى ما خططوا له من الأهداف

د. عبد الله بن عبده العواضي

15 Oct, 14:14


(أنا موقن)

✍🏻 د. عبد الله العواضي

أناْ موقِنٌ أنَّ الأُمورَ بِحِكمةٍ
 تَجرِي وأنّكَ راحمٌ رحمنُ
*
وبأنَّ علمَكَ لا تَغيبُ جروحُنا
عنهُ وأنّكَ عادلٌ دَيَّانُ
*
وبأنَّ تقديرَ القُروحِ لِغايةٍ
 حُسنَى ولو بَرِمَتْ بِها الأَبدانُ
*
وبأنَّ طُوفانَ الدُّموعِ وإنْ قَساْ
 فالسّعدُ خَلْفَ لهيبِهِ هَتّانُ
*
وبأنَّ قانونَ المظالمِ قائمٌ
  لا جيلَ ينسخُهُ ولا بُلدانُ
*
لا يأسَى مظلومٌ ويفرحُ ظالمٌ
  مهما توالتْ في الورَى الأزمانُ
*
فالعدلُ مُدرِكُ مَن يجورُ وحظُّه
  بعدَ التجبُّرِ والأذَى الخُسرانُ
*
يا جُرحَ غَزةَ والجِراحُ كثيرةٌ
  يا بُحّةً قدْ سَامَها الخِذلانُ
*
يا دمعةً فوقَ القلوبِ تحدَّرتْ
 ما شَانَها تحتَ الّلظى إذعانُ

وعدُ القصاصِ مِنَ الظلومِ فأيقِني
 آتٍ ونِعمَ بذلكَ الإيقانُ
*
وعدوُّنُا مهما تَعاظمَ بغيُهُ
يومًا سيبلعُ بغيَهُ الطُّوفانُ
*
ويَذوقُ ويلاتِ المجازرِ والعَناْ
 ويَثورُ نحوَ سُكونِهِ البُّركانُ
*
فليذهبِ اليأسُ المشكِّكُّ خاسِئًا
 فيقينُنَا بإلهِنا السُّلطانُ
*
وبحكمةِ المولَى وحُسْنِ قضائِهِ
 يزدادُ رغمَ عذابِنا الإيمانُ
*
اللهُ يعلمُ ما يُقدِّرُ والورَى
 لا يعلمونَ وحُكمُه ميزانُ
*
خَلْفَ الغمومِ المُرهِقاتِ بشائرٌ
 يَنداحُ في واحاتِها الرِّضوانُ
*
والناظرونَ إلى المآلِ سَتنجلي
عنْهمْ متى جَثمَ الدُّجى الأحزانُ

11/4/1446هـ، 14/10/2024م.

د. عبد الله بن عبده العواضي

11 Oct, 13:12


ألا إن حمقى المخلوقين يعيشون في هذه الحياة عن الآخرة لاهين، أفحسبوا أنفسهم في الدنيا خالدين، أفلم يعتبروا بمرور الليالي والأيام على العالمين؛ حتى يَصحوا من سبات الغافلين!
قال الشاعر:
مَنَعَ الْجَديدانِ البَقاءَ وأَبْلَيا * أُمَمًا خَلَوْنَ مِنَ الْقُرونِ قَديما
أَغْفَلْتَ مِنْ دارِ الْبَقاءِ نَعيمَها * وطَلَبْتَ في دارِ الْفَناءِ نَعيما!
أيها المؤمنون، ومن أسماء يوم القيامة:  يوم الدين.
ومعنى الدين: الجزاء. فيوم القيامة هو يوم الجزاء على الأعمال: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ﴾[الزلزلة:7-8].
إنه يوم عظيم، والخطب فيه جسيم؛ لأنه وقوف للجزاء بين يدي الملك العظيم، وعاقبته: إما إلى عيش مقيم في جنات النعيم، وإما إلى عذاب أليم في وسط الجحيم؛ ولهذا عظم الله هذا الاسم ليوم القيامة فقال:  ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴾[الانفطار:17-19).

في ذلك اليوم الكبير يفوز المؤمنون به الذين أحسنوا الاستعداد له، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ﴾[المعارج:26]. إلى قوله: ﴿ أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾[المعارج:35].
ويخسر المكذبون له، قال تعالى: ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ﴾[المدثر:42]. فأجابوا بذكر أسباب ذلك، فكان منها قولهم :﴿ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ﴾[المدثر:46].
ويدعون على أنفسهم بالويل والثبور، قال تعالى، قال: ﴿ وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ ﴾[الصافات:20].
يا أيها الإنسان، عمرك هو المزرعة ويوم الدين هو الحصاد، وأنت اليوم تعمل وغداً تحاسب على هذا العمل، فاعمل ما شئت، لكن تذكر أنك ستحاسب وستجزى، قال الله تعالى:﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾[الكهف:29].
وحتى لا ننسى هذا اليوم فنسرف على أنفسنا بالعصيان، ونتكاسل عن طاعة الرحمن؛ فقد جعل الله لنا مذكِّراً يوميًا نمر به في اليوم عدة مرات؛ حتى نستعد ولا نغفل؛ فنحن نقرأ في كل صلاة في كل ركعة سورة الفاتحة وفيها: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾[الفاتحة:4].
فهلا تذكرنا ذلك اليوم كل يوم ونحن نقرأ هذه الآية!
ومن أسماء يوم القيامة: يوم التلاق، قال تعالى: ﴿ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ ﴾[غافر:15].
 فيوم القيامة يومٌ يلاقي العبد فيه ربه فيحاسبه على ما عمل في دنياه، ويلاقي فيه المظلوم ظالمه، فيأخذ حقه منه وافيًا غير منقوص، عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمَقْتُولَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَعَلِّقًا رَأْسَهُ بِيَمِينِهِ - أَوْ قَالَ: بِشِمَالِهِ - آخِذًا صَاحِبَهُ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا، فِي قُبُلِ عَرْشِ الرَّحْمَنِ، فَيَقُولُ: رَبِّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟)().
ومن أسماء يوم القيامة أيضًا: يوم الآزفة، قال تعالى: ﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾[غافر:18]، وسميت بذلك لقرب وقوعها.
فلا تسوِّف –أيها العاصي-التوبةَ؛ ظنًا بأن القيامة بعيدة، فربما لا تكون إلا أنفاس أو لحظات أو أيام أو شهور أو سنون قليلة ويأتيك الموت، ومن مات فقد قامت قيامته.
فعجِّل الرجوع إلى ربك قبل الانتقال إليه.
عباد الله، إن أسماء يوم القيامة كثيرة، فيكفينا للعظة ما سمعنا لو كانت لنا قلوب حية، وألباب نقية، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾[ق:37].
وقال الشاعر:
تكفي اللبيب إشارة مرموزة * وسواه يُدعى بالنداء العالي
فطوبى لمن جعل يوم القيامة نصب عينيه، وقدّم من دنياه لما بين يديه، واستعد له بما ينجيه فيه، وأطاع ربه في حياته بما يرضيه حين يلاقيه، وصبر على غصص الدنيا؛ لينال في الآخرة ما يرضى، وخرج من حياته خفيف الظهر من حقوق المخلوقين، ومظالم المظلومين، فيسعد يوم التناد بلقاء رب العباد.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾[لقمان:33].
هذا وصلوا وسلموا على البشير النذير، والسراج المنير...

د. عبد الله بن عبده العواضي

11 Oct, 13:12


وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: وهَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ  رَآهُ، فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ [مريم: 39])().
وإذا كان يوم الحسرة حاصلاً في حق المسيئين فإنه هو ابتداء الفرحة الحقيقية في حق المحسنين، قال الله تعالى: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾[فاطر:34].  
أيها الأحبة الكرام، ومن أسماء يوم القيامة: يوم الحساب.
قال تعالى: ﴿ وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾[غافر:27].
وقد سمي ذلك اليوم بيوم الحساب؛ لأن الله تعالى يوقف عباده فيه بين يديه، فيحاسبهم على ما قدموا من العمل صغيره وكبيره، وسره وعلنه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ)().
فيا أيها الإنسان، لا تنس يوم الحساب فتضل عن العمل له؛ فإن نسيانه سبب للعذاب فيه؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾[ص:26].
ويا من يؤمن بيوم الحساب، لا تترك الصلاة ولا تقصر فيها؛ فإن الصلاة أول ما تحاسب به هناك من عملك الذي بينك وبين خالقك؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ)().
ويا من يؤمن بيوم الحساب: إياك أن تظلم أحداً في دمه، أو ماله، أو عرضه، أو عمله، أو سائر حقوقه؛ فإن الحساب يوم الحساب على الظلم كبير.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ)().
وقال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)().
آهٍ ما أعظمها من كلمة، وأوجعها من عبارة لدى الظالم يوم يقول له المظلوم الذي لا يجد له اليوم ناصراً من البشر: بيني وبينك يوم الحساب.
ربما لا يشعر الظالم بوجع هذه الكلمة اليوم، لكن سيشعر بها غداً يوم العرض الأكبر.
فاعْمَلْ لِنَفْسِكَ صالِحَاً تُجَزْي بِهِ ** يَومَ الحِسَاب فإن عُمْرَكَ مَوسِمُ
نسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها المسلمون، ومن أسماء يوم القيامة كذلك: يوم الخلود.
فيوم القيامة يوم لا انقطاع له، ويوم متصل لا نهاية فيه، فأهل الجنة فيها خالدون، وأهل النار من الكافرين هم فيها خالدون كذلك؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾[الحديد:12].
وقال الله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾[التوبة:68].
أفلا عملنا-معشر المسلمين-في دار الفناء لدار البقاء، واستعدينا بصالح العمل في الحياة الزائلة، للحياة الأبدية الخالدة!

د. عبد الله بن عبده العواضي

11 Oct, 13:11


*(أسماء يوم القيامة في القرآن ومعانيها)*

د. عبد الله العواضي.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾[آل عمران102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾[النساء1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[الأحزاب70-71].
أما بعد:
أيها المسلمون، رحلة يسيرة، إلى حياة قصيرة، تختلط فيها الأتراح بالأفراح، والضحك بالبكاء، والراحة بالعناء، كلما تمر أيام تلك الرحلة يقترب الإنسان من حياة أبدية، وأوقات سرمدية، تختلف في أحوالها وأحوال أهلها فيها عما كان الأمر عليه في الحياة التي سبقتها.
وَمَا هَذِهِ الأَيَّامُ إِلا مَرَاحِلٌ ** يَحُثُّ بِهَا حَادٍ إلى الْمَوْتِ قَاصِدُ
وَأَعْجَبُ شَيْءٍ لَوْ تَأَمَّلْتَ أَنَّهَا ** مَنَازِلُ تُطْوَى والمسافرُ قَاعِدُ   
أنت-أيها الإنسان-صاحب هذه الرحلة القصيرة بسنوات عمرية محدودة إلى هذه الدنيا الفانية، التي تنتظرها الآخرة الباقية، ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾[العنكبوت:64].
ولقد خلقك الله على هذه الدنيا لتعبرها لا لتستقر فيها، وتمر بها لا لتخلد حيًا عليها، وتعمل فيها للآخرة الذي ينجيك، لا لتنشغل عنها بما يلهيك.
فالسعيد عرف الغاية من خلقه، والحكمة من وجوده فاستغل سنوات عمره القليل، بما يسعده في عمره الطويل، وزرع في الحياة الوهمية، ما يحصد خيره في الحياة الحقيقية؛ فالدنيا خيال، والآخرة حقيقة، قال الشِّبْلِيّ: "الدُّنْيَا خَيَالٌ، وَطَلَبُهَا وَبَالٌ، وَتَرْكُهَا جَمَالٌ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا كَمَالٌ"().
عباد الله، هذا كتاب الله بين أيدينا، فيه هدايتنا، ووسائل سعادتنا وشفائنا، وموعظة بليغة من ربنا:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾[يونس:57].
فلو تأملنا فيه فإننا سنجد في آيات كثيرة منه حديثًا بليغًا عن يوم القيامة وما فيه، ومن ذلك: الحديث عن أسماء يوم القيامة.
فقد جاء في كتاب الله أسماء كثيرة ليوم القيامة، والشيء إذا شرف وعظم كثرت أسماؤه وصفاته.
وقد جاءت تسمية هذا اليوم العظيم بإضافة كلمة يوم إلى اسم بعدها مرتبط بما يجري ذلك اليوم الكبير.
كما وردت هذه الأسماء تصف شدة ذلك اليوم وهوله،  وما يحصل للخلق فيه من الثواب والعقاب، والرفعة والإكرام، والضعة والإذلال.
ولو نظرنا-معشر المسلمين-في حِكم ذكر تلك الأسماء وغاياته؛ فإننا سنجد منها: تربية المهابة في قلوب المكلفين ليحثهم ذلك على الاستعداد لذلك اليوم بصالح العمل، وتركِ التلهي بالدنيا والتعلقِ بالتسويف والأمل؛ "خَطَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْكُوفَةِ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنْ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ طُولُ الْأَمَلِ وَاتِّبَاعُ الْهَوَى، فَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فيُنْسِي الْآخِرَةَ، وَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ وَلَّتْ مُدْبِرَةً، وَالْآخِرَةُ مُقْبِلَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلَ"().
ومن حكم ذلك أيضًا: تحذير الظالم، والتخفيف عن المظلوم، وتصبير المؤمن على مضض الدنيا ولأوائها؛ ففي ذلك اليوم ينتصف المظلوم من الظالم، ويستريح المؤمن من عناء الدنيا وأحزانها، قال الله: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾[فاطر:34].
وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: (مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: (العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالعَبْدُ الفَاجِرُ

د. عبد الله بن عبده العواضي

11 Oct, 13:11


يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلاَدُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ)().
أيها المؤمنون، فمن أسماء يوم القيامة: يوم القيامة، وهو أشهر أسمائها، وقد ذُكِر في القرآن مرات عديدة؛ مرتبطًا بكونه يوم القيام من المقابر، لجميع الأوائل والأواخر، لإقامة الحساب، وتمييز الناس بالثواب أو العقاب، وبكونه يوم الفصل والجزاء، والخسارة لمن كان لله من الأعداء، وبجعله يوم الفوز لعباده المتقين، وتوفيةِ أجور الصالحين، ووقوف الظالمين أذلاء بين يدي رب العالمين.
فيا من أسرف على نفسه بالعصيان، ارجع إلى ربك بالتوبة والندامة، قبل أن تقف بالخزي يوم القيامة، ويا من يعمل مخلصًا بشرائع الإسلام ويموت على ذلك، أبشر بحسن الجزاء يوم مآلك، قال تعالى:﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾[آل عمران:185].
ومن أسماء يوم القيامة: اليوم الآخر، وقد سمي بهذا الاسم؛ لأنه لا يوم بعده.
وأكثر نصوص الوحي التي ذكرت هذا الاسم ربطته بقضية مركزية في هذا الدين ألا وهي قضية الإيمان به، الذي يعني الإيمان بجميع ما فيه إيمانًا صحيحاً، ابتداءً بما بعد الموت إلى الاستقرار في الجنة أو النار؛ ولهذا جُعل الإيمان باليوم الآخر ركنًا من أركان الإيمان الستة التي لا يصح إسلام أحد إلا بالإقرار بها.
وإننا-أيها الكرام-لو نظرنا إلى النصوص القرآنية والنبوية التي تذكر هذا الاسم لوجدنا أنها تجعل الإيمان به حاثًا على القيام بالطاعات، وناهيًا عن السيئات؛ فقد قال الله تعالى عن المطلقات: ﴿ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾[البقرة:228]، وقال عن عمّار المساجد: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾[التوبة:18].
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن البعد إيذاء الجار، والأمر بإكرام الضيف وحفظ اللسان: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)().
فيا أيها المسلم، قوِّ إيمانك باليوم الآخر؛ ليكون معينًا لك على النهوض إلى الطاعات، وترك السيئات.
ولا يذهب عن بالك أنه يوم لا يوم بعده، فهو حياة الأبد، فاجعل نفسك سعيداً فيه بصلاحك اليوم في حياة الأمد؛ حتى لا تقول في اليوم الآخر: ﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾[الفجر:24].
أيها الإخوة الفضلاء، ومن أسماء يوم القيامة: يوم الحسرة.
قال تعالى: ﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ﴾[مريم:39].
وقد سمي ذلك اليوم بيوم الحسرة لشدة التحسر والحزن الذي يلحق المفرِّطين، الذين أسرفوا على أنفسهم في الدنيا بعصيان رب العالمين.
فكم في يوم القيامة من حسرات، وكم فيها من دموع وآهات، وكم فيها من عذاب الندامة الأليم، وصور الأسف العظيم.
ولكن لا ينفع أولئك المتحسرين تحسرٌ ولا ندامة، ولا حزن يحزنونه يوم القيامة؛ لأن الصحف قد طويت، والنفوس على ما كسبت قد جُزيت.
فاسمعوا من تلك الحسرات: حسرة من أضله جليس السوء عن اتباع الحق: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا ﴾[الفرقان:27-29].
فاحذر جلساء الشر؛ حتى لا تكون من أهل هذه الحسرة.
واسمع حسرة من ضيع دنياه فيما لا ينفعه في أُخراه، قال الله: ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾[الزمر:56-59].
فاحذر -أيها الإنسان-أن تذهب سنوات عمرك فيما يضرك في قبرك ويوم حشرك.
ومن أعظم الحسرات في يوم الحسرة: حين يقال لأهل النار: خلود ولا موت؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ،

د. عبد الله بن عبده العواضي

08 Oct, 08:52


وهذا هو الحزم الذي لم يحتزم به كثير من عُمّار الدنيا، قال تأبط شراً:
وَلَكنْ أَخُو الحَزْمِ الَّذِي لَيْسَ نَازِلًا * بِهِ الخَطْبُ إِلَّا وَهُوَ لِلقَصْدِ مُبْصِرُ
فَذَاكَ قَرِيْعُ الدَّهْرِ مَا عَاشَ حُوَّلٌ * إِذَا سُدَّ مِنْهُ مِنْخَرٌ جَاشَ مِنْخَرُ()
وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في عمر رضي الله عنه: "كان والله أحوذيًا، نسيجَ وحدِه، قد أعد للأمور أقرانها"().
وأما من لم يستعد لآخرته في رخاء دنياه وشدتها، ولم يتعظ بعبر الزمان ونوائبه، واتكل على تسويف هواه، وأعمى طغيانه بصيرته؛ فسيرد المعاد أعزل لا سلاح له يدفع به عذابه، قال أمية بن أبي الصلت:
ولكنّ مَنْ لمْ يَلْقَ أمراً يَنُوبُهُ * بعُدَّته يَنْزِلْ بهِ وهْو أعْزَلُ()
إن النجاة في الآخرة، ونيل رضوان الله، ودخول الجنة؛ تستحق والله الاستعداد بتجهيز حقيبة السفر المملوءة بالصلاح والتقوى، فإذا طرأ أي طارئ لم يذب حاملها ندما، ولم يتقطع حسرة وألما.
ولكن هذا يعسر على أرقاء الشهوات، وأسراء الخذلان والموبقات.
فيا دارَها في الخُلْدِ إنّ مزارَها * قريبٌ ولكنْ دون ذلك أعمالُ
تحثُّ بطيءَ السَّيرِ كيْ يُسرعَ الخُطَى * ففي الدربِ أهوالٌ وللعمرِ آجالُ
فمن كان مشتاقَ الفؤادِ لدارِها * له في تُقى الرحمنِ همٌّ وإقبالُ


4/4/1446هـ، 7/10/2024م.

الهامش:
( ) الفوائد لابن القيم (ص: 107).
(2 ) ينظر: الأمثال للهاشمي (1/ 183، 162)، مجمع الأمثال (1/ 265)،
(3) التذكرة السعدية في الأشعار العربية (ص: 3). ينظر شرح البيتين في: شرح ديوان الحماسة (ص: 58).
(4 ) زهر الأكم في الأمثال والحكم (2/ 243).
(5 ) ضرائر الشعر (ص: 179).

د. عبد الله بن عبده العواضي

08 Oct, 08:52


(استعِدَّ)

✍🏻د. عبد الله العواضي

في لحظة من لحظات الصحو من سكر الدنيا الطويل يولد فكر بالحياة، جوّاب في آفاقها الرحبة، يبحث عن فَنن يستقر عليه بعد طيرانه؛ ليرسل منه رسل التفكير إلى هذه الحياة الدنيوية القصيرة، التي تبدو للعين كمرآةٍ تتوزع عليها أغشية من الأكدار والآلام، فلا يظهر عليها رونق الصورة وسطوع بهائها، وكلما حاول الناظر فيها أن يجلو جانبًا منها وينتقل إلى الجانب الآخر لصقله يعود الكدر سريعًا.
إن اللب عندما يحدِّق في هذه الحياة المشوبة المتقلبة يرى أنها لا تستحق هذا اللهث المستمر وراءها، ولا تستأهل هذا الزحف المتواصل فوق حراشفها، ولا طلب الرِّي من سرابها الخادع.
أيامًا معدودات يقطعها الإنسان على متنها المضطرب، حتى يأتيه الأمر بالنزول ليمتطي صهوة الأبد.
هذا إذا كانت حياة ذلك المعمّر ساكنة الجانب وادعة المرور، لا يعصف فيها صرير الرياح العتيّة يمنة ويسرة، ولا تفزعها قعقعة رعود التغيرات الحزينة.
دعوني اليوم أقول الحقيقة مجلوّة عن الجَمجمة، ومعزولة عن التفاؤل المنبتِّ عن العمل بالأسباب، لنكن جميعًا صرحاء لا نكذب على أنفسنا ولا نغر غيرنا حين نقول: إننا في واقع لا يسر الخاطر، ولا يبهج الناظر، ولا يستريح فيه الضمير المرهَق من كثرة وقع حوافر الأزمات الممضّة على صدره؛ فسدفات الليل الأليل تمد خيام وحشتها على جوانب الحياة فيه، وتبثّ فيها أصوات الرعب المختلفة بمكبرات الصوت التي يسمعها كل أحد.
إن واقعنا الذي نعيشه اليوم مليء بالغصص، متخم بالجراح، مخنوق بالأنين، ثائر الرأس من شدة هبوب رياح المآسي وقتامها المتطاير من آفاق شتى عليه.
والزمان في هذا الواقع تحت سقف سماءٍ كثيرة الغيوم التي لا تنقشع إلا لتحل على أفقها غيوم أكثر كثافة وظلمة؛ لتنذر بمستقبل مفعَم بالمواجع، مضطرب بالزلازل التي يبلغ صداها أسماع البسيطة.
في تلك الأحوال القاتمة يأفل بريق الآمال، وتتساقط أعلام الرؤى المتطلعة، وينكفئ التفكير الإنتاجي على دكة الفتور، وتتراجع خطوات التقدم إلى وراء سحيق.  
لهذا نقول: علينا أن لا نقعد عن بناء الحياة الدنيا وإصلاحها مهما كثرت العقبات، ولكن لنستعد استعداداً صادقًا بالعمل لحياة أفضل من حياتنا هذه، مع أننا مكلّفون بهذا الاستعداد في أحسن أحوال دنيانا، وترامي نطاق الراحة فيها، فكيف وحال حياتنا المعاصرة ما وصفت!
لقد مضى الكثير من رصيد العمر القصير، وكم قد جاءتنا رسائل التنبيه بأنه لم يبق من رصيدنا إلا القليل، بيد أنا نقرأ تلك الرسائل المنبهة قراءة عابرة، وننتقل عنها إلى صفحات دنيوية أخرى تنسينا تلك الرسائل الصادقة.
ها هي الحياة اليوم تضيق بعد اتساعها، وتجدب بعد خصبها، وتمسك بعد عطائها، وتتنكر لنا بعد وصلها، وتجف بعد دفقها، وتكشر نحونا بعد طول ابتسامها؛ فالحروب المتنوعة تمتد لظاها، ويلج شررها كل بيت مع تفاوت في مدى اللفح واثره، ويتطاول دخانها في كل ناحية، وحبال القطيعة والعداوات البينية تشتد على أعناق الحياة الاجتماعية الطليقة، ومصانع الآلام تزداد منتجاتها يومًا بعد يوم، فلماذا نظل نحاصر أنفسنا في طفولة الفهم، وشيخوخة الوهم، والأرض من حولنا مليئة بالعِبر؟!
كم سبقنا إلى المقابر من أحباب وأقارب وناس نعرفهم وآخرون لا نعرفهم طحنتهم طاحونة الحروب ومشائيم أولادها، ولو كانت للراحلين أصوات مسموعة لوعظونا وقالوا لنا: لمثلِ ما صرنا إليه فأعدّوا، ألا يكفيكم الركض في الحياة الفانية كما تركض الوحوش في البراري، ألسنا لكم واعظين، وقد كنا مثلكم لاهين، أليس من الحمق الكبير أن يقترب موعد الرحلة ولستم في مطارها منتظرين، وقد قيل: " أغبى النَّاس من ضل فِي آخر سَفَره وَقد قَارب الْمنزل"().
إن أيامنا هذه مثقلة بالمفاجآت المؤلمة، والتبدلات القاسية المتلاحقة، ورب لحظات تبغت فتنهي كل شيء؛ من حياة جامعة سعيدة، وظروف دنيوية صالحة، ورزق واسع هنيء، وأمن وارف الظلال.
وفي أثناء هذه الحياة غير المطمئنة نرى من الناس من يستعدون فيها لأسواء الاحتمالات؛ فيعد المال الكافي، وخطة النجاة المرسومة، وجيدٌ هذا، ولا عتبَ على من فعله. وقد قالت العرب في أمثالها في الاستعداد للنوائب: " قَبْلَ الرِّمَاءِ تُمْلأ الكَنَائِنُ"، وقالوا: " قَبْلَ الرَّمْيِ يُرَاشُ السَّهْمُ". أي: قبل حلول الأمر يجب الاستعداد له، وقالوا: " دَمِّثْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ النَّوْم مُضْطَجَعا"، وقالوا: "عِنْدَ النِّطَاحِ يُغْلَبُ الكَبْشُ الأجَمّ". أي: عند المكافحة يُغلب من لم يكن ذا عدّة. والأجمّ: الّذي لا قرن له().
لكن أليس من الحكمة والعقل أن نستعد لأسوأ الاحتمالات في الآخرة؟ فإذا كان ينجي المرءَ في المكاره الدنيوية المحتملة إعدادُ المال وخطة السلامة المحكمة؛ فإن النجاة من مكاره الآخرة قائمة على إيمان صادق، وعمل صالح خالص، وانشغال بالباقية عن الفانية.

د. عبد الله بن عبده العواضي

07 Oct, 08:27


فائدة نحوية:
١ـ عوض: ظرف مبني على الضّم في محل نصب.
٢ـ لغةًـ اصطلاحاً ـ شرعاً: يجوز لكَ فيها خمسة أوجهٍ فى إعرابها:
 حالٌ منصوبةٌ، مفعولٌ مُطلَقٌ منصوبٌ لفعلٍ محذوفٍ، منصوبٌ على نزع الخافض، أى: فى اللُّغة، فى الاصطلاح، فى الشَّرع، مفعولٌ لأجله منصوبٌ، تمييزٌ منصوبٌ.
٣ـ فقط: الفاء لتزيين اللفظ حرف زائد، قط: نعت مبني على السكون في محل رفع أو نصب أو جر. حضر زيد فقط.رأيت زيداً فقط.  مررت بزيد فقط.
٤ـ أبدا: ظرف لاستغراق المستقبل, منصوب بالفتحة, ومنون دائما ولا يضاف, ويستعمل.
٥ـ دائما: نائبٌ عن المفعول المطلق منصوبٌ، والتَّقدير: يعمل الرَّجل عملاً دائماً، فحُذِف المفعول المطلق " عملاً " ونابت الصِّفة " دائماً " منابه.
٦ ـ إطلاقاً: مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره أطلق منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
7ـ جداً: مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره أجد منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
معاً: حال منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
8ـ تترا: حال منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر.

منقول من عدة مصادر.

د. عبد الله بن عبده العواضي

06 Oct, 14:48


https://youtu.be/BQDAhM-pN2Q?si=B62Kvxvf8xNi3o

د. عبد الله بن عبده العواضي

04 Oct, 13:34


كتبته قديماً لكنه جدير بالقراءة هذه الأيام.