.
[ ولو أن العلماء -رضيَ الله عنهم- تركوا الذَّبَّ عن الحق؛ خوفاً مِنْ كلام الخلق، لكانوا قد أضاعُوا كثيراً، وخافوا حقيراً.
ومن قَصدَ وَجهَ الله -تعالى- في عملٍ من أعمال البِرِّ والتُّقى، لم يَحْسُنْ منه أن يترُكه، لِمَا يجوزُ عليه في ذلك مِنَ الخطا،
وأقصى ما يخاف أن يَكِلَّ حُسامُهُ في معترك المناظرة، وَينْبُوَ، ويعْثُر جوادُهُ في مجال المجادلة ويَكبُو، فالأمر في ذلك قريب؛
إنْ أخطأ، فَمَن الذي عُصمَ، وإن خُطىءَ فمَن الذي ما وُصِم.
والقاصد لوجه الله لا يخافُ أن يُنقدَ عليه خَلَلٌ في كلامه، ولا يهاب أن يُدلَّ على بطلان قوله،
بل يحب الحق من حيث أتاه، ويقبل الهُدى ممن أهداه،
بل المخاشنة بالحق والنصيحة، أحبُّ إليه من المداهنة على الأقوال القبيحة،
وصديقك من أصْدَقَكَ لا من صَدَّقَك،
وفي نوابغ الكلِمِ، وبدائع الحكَم، عليك بمن يُنذر الإبسالَ والإبلاس، وإياك ومَنْ يقول: لا باسَ ولا تاس.
فإن وقف على كلامي ذكي لا يسْتقويه، أو جافٍ يَسْخرُ منه وَيسْتَزْريه،
فالأولى بالذكي أن يحفظ لي جنَاحَ الذُّلِّ من الرحمة، ويشكرَ اللهَ على أن فَضَّلهُ عليَّ بالحكمة،
وأما الآخر الزَّاري، وزَنْد الجهالةِ الواري؛ فإن العلاج لِترقيق طبعه الجامد، هو الضرب في الحديد البارد، ولذلك أمَرَ اللهُ بالإعراض عن الجاهلين، وَمدَح به عبادَهُ الصالحين ] .
📚 العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (1-223) .