في كتاب صيَّاد القصص لإدواردو غاليانو:
بدأتْ حربُ القوقاز عام 1817، واستمرَّتْ خمسين عاماً تقريباً، هربَ خلالها مئات آلاف "الشَّركس" عبر البحر!
وفي رحلة الهرب من الموت، ماتَ منهم آلافٌ غرقاً في البحر، بسبب قواربهم البدائيَّة المتهالكة!
حرَّمَ "الشَّركسُ" النَّاجون السَّمكَ على أنفسهم مئة عامٍ، كي لا يأكلوا لحوم إخوانهم التي تغذَّتْ عليها الأسماك!
وفي صحيح البخاريِّ:
أُتيَ عبد الرَّحمن بن عوفٍ بطعامٍ وكان صائماً، فقال: قُتِلَ مُصعبُ بن عميرٍ وهو خيرٌ منِّي، كُفِّنَ في بُرْدِه، إن غُطِّيَ رأسُه بدتْ رجلاه، وإن غُطِّيتْ رجلاه بدا رأسُه!
وقُتلَ حمزة، وهو خيرٌ منِّي!
ثمَّ بُسِطَ لنا من الدُّنيا ما بُسِطَ، وقد خشينا أن تكون حسناتنا قد عُجِّلتْ لنا!
ثمَّ جعلَ يبكي حتى تركَ الطَّعام!
لا تَنسُوا شهداءكم!
الشُّهداء لا يموتون بموتهم، وإنِّما يموتون بنسيانهم!
ونحن حين ننساهم نكون قد رضينا بقتلهم مرَّتين، مرَّةً بيد عدوِّهم، ومرَّةً بأيدينا!
ومن ينسى القتيل، لا يلبث أن ينسى القاتل!
ومن نسيَ القاتلَ محكومٌ عليه أن يموت على يده، كما ماتَ الذين أهالَ عليهم تراب النِّسيان!
كان علي عزت بيغوفيتش يقول: إنَّ المجزرة التي تُنسى تتكرر!
لا تنسُوا غزَّة!
لا تنسُوا القتيل، ولا تنسُوا القاتل!
احفظُوا وجوه شهدائكم جيِّداً، واحفظُوا أيضاً وجوه القتلة!
تذَّكروا لأيِّ شيءٍ قُتلَ القتيل، ولأيِّ شيءٍ قتله القاتل!
تذكَّروا شُهداء العبور المجيد، الثُّلة الصَّادقة التي لا تُشبه عفن هذه الدُّنيا!
هؤلاء الذين تربُّوا في حلقات القرآن الكريم حين كنَّا على غفلة!
هؤلاء الذين حفروا الأرضَ بينما كنَّا نلهو!
هؤلاء الذين صنعوا سلاحهم بأيديهم حين كنَّا نستورد كلَّ شيءٍ من الإبرة حتى الصَّاروخ!
تذكَّروا نساء غزّة اللواتي تفتت أجسادهن بقذائف الغرب الذي يُحاضر فينا بحقوق المرأة!
تذكَّروا أطفال غزَّة الذين تبخَّرتْ أجسادهم بصواريخ الغرب الذين يُحاضر فينا بتغيير المناهج، كي يكون أولادنا كيوت، ولا مخالب لهم، كي يضعوا الحِبال في رقابهم ويقتادوهم إلى المعالف أو الذَّبح!
تذكَّروا العائلات التي مُحيت من السِّجلات!
كلهم أهاليكم، وأنتم أولياء الدَّم، وأصحاب الثَّار!
لا تنسُوا سوريا!
تذكَّروا كيف قُتلَ الأطفال بالكيماوي في الغوطة، فثارت حفيظة الغرب خوفاً على البيئة، اقتلوهم بالبراميل المتفجِّرة فهي أقل ضرراً بطبقة الأوزون!
تذكَّروا صيدنايا مسلخ هذا الزمان!
تذكَّروا اللحوم التي قُطعت وأصحابها أحياء!
تذَّكروا الأجساد التي أُذيبت بالأسيد!
تذَّكروا أخواتكم اللواتي اُغتصبنَ على مرأى ومسمعٍ من حضارة فاجرة لأن البديل لم يكن يومذاك مقنعاً لهم، ولأن الذي تعرفه أفضل من الذي لا تعرفه ولو كان سفَّاحاً!
نحن في عيونهم مجرَّد أرقام، مئة ألف بالناقص ليست مشكلة كبيرة!
هؤلاء الذين يبكون لقطة تُدهس في الشارع، لم يذرفوا دمعةً على أكوام جثثنا!
لا تنسوا العراق!
تذكَّروا كيف أُحرقت الفلوجة، لأنَّ النِّفط أثمن من الدَّم!
تذكَّروا سجن أبي غريب، وفظائع الفاتحين الجُدد الذين جاؤوا على صهوات الدَّبابات، يُحاضرون فينا بالديمقراطيَّة وحقوق الإنسان!
تذكَّروا السُّودان، هذا الشَّعب الطّيب الذي يُباد بصمتٍ، لأنَّ مجازر أخرى أخذت منه الأضواء!
عليهم أن يُقتلوا ليلاً ونهاراً، لأنَّ المعادلة لم تستقِمْ بعد! لهذا ترى أن القتلة يحصلون على السِّلاح من بعضنا، بينما يستكثرون على القتيل رغيف الخبز!
تذكَّروا ميانمار التي أُحرق أهلها أحياءً لا لسبب غير أنهم قالوا: ربُّنا الله!
تذكَّروا الشيشان التي سُفكَ دمها دون أن يُحرّك أحد ساكناً، القتلى هناك مسلمون فلا بأس، أما أوكرانيا فعلى دينهم، والعلمانيون لا يتركون صليبهم وإن تركنا نحن قرآننا!
تذَّكروا البوسنة، خمسون ألف مسلمة اُغتصبت في أحضان أوروبا المتحضرة، وحين ملُّوا قتلوهم في سيبرينتشا شرَّ قتلة!
تذكَّروا اليمن، وليبيا، وكل مكانٍ سُفكَ فيه الدَّم لأن نتيجة صناديق الاقتراع لم تعجبهم!
تذكروا ديمقراطيتهم التي تُشبه أصنام العرب المصنوعة من تمرٍ في الجاهلية، يعبدونها حيناً ويأكلونها حيناً آخر!
لا تنسُوا القتيل وإن واراه التُّراب، ولا تنسوا القاتل وإن غسلَ يديه ولبس بذلة أنيقة!
من ينسى ستجبره الأيام على أن يتذكر، ولكن وقتها لن يكون قد بقي له الكثير، سيموت وغصته في قلبه لأنه نسي!
أدهم شرقاوي / سُطور