بسم الله الرحمن الرحيم
مِن عظيم مكر الله بالظالمين وشدة أخذه لهم، أنه يُمهلهم ويُملي لهم، ويتركهم مع استكبارهم وعصيانهم، حتى يعظم اغترارهم وإثمهم، ويظهر علوهم وتمكنهم، وتزداد قوتهم وغلبتهم، وتتم لهم الطمأنينة والأمن، حتى يقولوا: ﴿من أشد منا قوة؟﴾، وييأس المظلوم من النصرة، ﴿حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه: متى نصر الله؟﴾.
فإذا تم للظالمين ذلك، بغَتهم الله بقوة الأخذ والتدمير، وأظهر لهم مكره مقابل مكرهم، وكيده مقابل كيدهم، فيقع عليهم العذاب أشد ما يكون من المفاجأة والألم، ﴿وكذلك أخذُ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة، إن أخذه أليمٌ شديد﴾.
وهذه سنة الله في الظالمين، كما قال النبي ﷺ: «إن الله لَيُملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يُفلِته».
وما قصّه الله علينا في القرآن يشهد لذلك، فقال تعالى: ﴿حتى إذا أخذت الأرض زخرُفَها وازّيّنت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغنَ بالأمس﴾.
وقال فيمن قبلنا من الأمم: ﴿فلما نسوا ما ذُكِّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء، حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مُبلِسون﴾.
وقال في قوم عاد: ﴿فأما عادٌ فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة؟﴾، ثم قال: ﴿فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيامٍ نَحِساتٍ لنُذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا﴾.
وقال في قارون بعد أن خرج على قومه في زينته وتمام علوّه وزهوّه مع كفره واغترار الناس به: ﴿فخسفنا به وبداره الأرض﴾.
وقال في فرعون بعد شدة طغيانه وادعائه الألوهية وعلوه في الأرض واستضعافه بني إسرائيل وقوله: ﴿يا قومِ أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون؟﴾، وقوله: ﴿يا أيها الملأ ما علمتُ لكم من إلهٍ غيري، فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً لعلي أطّلع إلى إله موسى، وإني لأظنه من الكاذبين﴾، فباغته الله بالهلاك وهو في أعظم قوته بين جنوده، وتمام غلبته ومحاصرته لموسى وقومه، فقال تعالى: ﴿فأخذناه وجنودَه فنبذناهم في اليمّ﴾.
فنسأل الله أن يشفي بمكره للمسلمين صدورَهم، ويُعظِم انتقامه من عدوه وعدوهم، وأن يصلي ويسلم على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أروى أبا الخيل
١٤ رجب ١٤٤٦هـ
https://t.me/t_elm3