- هو مقسوم بالفعل...
- ولا يعود الفضل لك!
هتفت بحدة جفلته فنطق بارتعاش:
- ساعدت وحققت بعضا من مطالبكم...
ضغطت على كتفيه بقوة، تصر على كل كلمة تتلفظ بها:
- لم يحدث الشقاق بعد، نريدها حربا، كرها، وحقدا، نريد الدماء يا بني آدم! نريد للدماء أن تسيل بدلا من المياه التي جفت عبر الوادي.
ازدرد ريقه والنيران تلهو بظلال الصخور فيراها بوهم رعبه أشباحا سوداء أو ربما هي كذلك بالفعل، فما الذي يكون على حقيقته التي يعرفها في عالمه ذاك؟ لا شيء! كلما منحه عقله يقينا بما يراه ويشعر به، استيقظ على حقيقة أنه مجرد وهم!
لكنه وهم يتشبث به حد الحقيقة فلا هو بقادر على تركه باعتباره وهم ولا هو بقادر على العيش بحقيقة أنه فعلا واقع!
يكاد يفقد عقله! أو ربما فقده بالفعل! فكل ما يعيشه الآن عبارة عن جنون!
- لنترك الحديث لوقت لاحق، فهناك ما هو أهم...
تحرك بتلقائية مع دفعها له، وهي تضيف بمكر ونبرة، يقسم أنه لم يسمع في مثل نعومتها:
- رأيتك وأنت تغازل الفتيات في محل صديقك، هل تنوي خيانتنا؟
تضاعفت خفقات قلبه بين الرعب، والحماس يتولد رغما عنه بتفاعل يفرضه عليه تكوينه الجسدي بينما هي تطوقه هامسة له بتهديد مباشر:
- تعلم بأنك لا تستطيع خيانتنا.. لا تستطيع! فلا تحاول مرة أخرى، لأنك لن تتحمل غضبنا.
رفع رأسه إلى السماء مناجيا بفطرته التي خانها مرارا وتكرارا، يصرخ بصمت قاتل يسحبه لأعمق نقطة في القعر، غير قادر على الاستسلام بكل خلية فيه، وعقله يصر على أن ما يعيشه حقا محض جنون!