روايات بقلمي ..رضوى جاويش @radwagawishnovels Channel on Telegram

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

@radwagawishnovels


روايات بقلمي ..رضوى جاويش (Arabic)

في عالم الأدب والأحاسيس، يتألق قلم الكاتبة رضوى جاويش بتألقه الخاص وإبداعه الفريد. تأخذنا رواياتها في رحلة ساحرة وممتعة إلى عوالم مليئة بالإثارة والتشويق. بقلمها الساحر، تنقلنا رضوى جاويش إلى عوالم غامضة تثير العواطف وتثبت قدرتها على جذب القارئ وتشويقه حتى آخر صفحة. تتميز كتب رضوى جاويش بأسلوبها الرائع في السرد والتشويق، وتجمع بين العمق والبساطة بطريقة مذهلة تجعل كل صفحة تستحق القراءة. إذا كنت من عشاق الروايات الرومانسية والمثيرة، فإن قناة "روايات بقلمي ..رضوى جاويش" على تطبيق تليجرام هي المكان المناسب لك. انضم إلينا اليوم لتكتشف عالمًا جديدًا من الأحداث والشخصيات الرائعة التي لا تُنسى. تابعنا الآن وكن جزءًا من مجتمع القرّاء الذين يعشقون روايات رضوى جاويش ويحلقون معها في عوالم الخيال والإثارة.

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

10 Jan, 18:51


لينك الفصل الثامن 👌🏼❤️
https://rewaiyawhekaya.blogspot.com/2024/11/Toyab.comp.html

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

09 Jan, 20:13


لينك اقتباس الفصل الثامن 👌🏼
https://rewaiyawhekaya.blogspot.com/2024/11/Toyab.comp.html?fbclid=IwY2xjawHtBTJleHRuA2FlbQIxMQABHSIlfAxpvMta83DE0ZhKCuxT_hoM2LFMudllR6cDsY7TPHeI18pTqlRYwg_aem_BA6WikZ4SFYn-SN0DPMpWA&m=1

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

06 Jan, 22:37


Channel photo updated

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

03 Jan, 18:44


لينك الفصل السابع 👌🏼
https://rewaiyawhekaya.blogspot.com/2024/11/Toyab.comp.html

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

29 Dec, 18:55


لينك الفصل السادس على موقع أيام 👌🏼🌹
https://pub2302.ayam.news/717891

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

27 Dec, 18:31


لينك الفصل السادس على مدونة رواية وحكاية..
https://rewaiyawhekaya.blogspot.com/2024/11/Toyab.comp.html

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

26 Dec, 19:53


لينك اقتباس الفصل السادس 👌🏼
https://rewaiyawhekaya.blogspot.com/2024/11/Toyab.comp.html?fbclid=IwY2xjawHak2VleHRuA2FlbQIxMQABHbQKgEnQDQ3TOPkQ7TIpuS5Y9QCT-AQn09epsPToFQtlrBdVsxjRpiPSZw_aem_YcIhZRRuiv0tRDqM9zTemQ&m=1

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

23 Dec, 00:23


لينك الفصل الخامس على موقع أيام 👌🏼🌹
https://pub2302.ayam.news/708851?fbclid=IwY2xjawHVjBpleHRuA2FlbQIxMQABHSYXeYXs80Rp3ZMaja4cl4hr8JUNsZdXESA_KRCeyfRpqzEr0Co3_4p4cg_aem_5jacQ-8tV4eKdI_0E6aqXQ

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

20 Dec, 18:10


وده لينك الفصول مجمعة من الاول حتى الخامس 👌🏼🌹
https://rewaiyawhekaya.blogspot.com/search/label/%D8%B7%D9%8A%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A8%D8%A7%D9%8A%D8%A8?max-results=10000&m=1

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

20 Dec, 18:09


لينك الفصل الخامس
https://rewaiyawhekaya.blogspot.com/2024/12/Tyab.p5-1.html

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

19 Dec, 19:46


لينك اقتباس الفصل الخامس
https://rewaiyawhekaya.blogspot.com/2024/11/Toyab.comp.html?fbclid=IwY2xjawHRVzhleHRuA2FlbQIxMQABHW-lv-aOYPSIonQj5lG3yRw-Axime0_k3RnYS8uGsz5tIauCYvn4k8V7sA_aem_5FrPW4nFipvH_L8Ns8xRgw&m=1

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

18 Dec, 18:12


مع محمود وحدث بعده اللقاء مع العجوز التي أسرها حنانها، صفية رسلان، والتي كانت تتوسط المجلس النسوي في هيبة على الرغم من بشاشتها وانشغالها بالفرح مع باقي النسوة.. وعلى يمينها تجلس امرأة آخرى لا تعرف لما كان ذاك الوجوم على قسمات وجهها، على الرغم من أن الليلة ليلة مباركة، والحدث كما أدركت ليس عاديا، فابن العمدة يعقد قرانه على ابنة عائلة عريقة مثل منيرة.. وذاك في مجتمع مغلق كهذا، حدث جلل يتطلب كل هذا الصخب..
انتفضت موضعها ما أن جاء شبل مهرولا من الخارج، هاتفا في بشر: الكتاب انكتب، الكتاب انكتب..
تعالت الزغاريد في تعاقب من هنا وهناك، وطلت العروس ومن حولها صديقاتها، ليبدأ الحفل بالداخل بين النساء ويتعالى مزاحهن ورقصهن الصاخب، وتلك الاهازيج القديمة التي كانت النساء تتغنى بها منذ زمن بعيد في مثل هذه المناسبات..
       ياما حمامي سرح، ويا حمام الواد علي..
كانت منيرة بحق رائعة الجمال، ابتسمت لطلتها الخجلى وهي تجلس بين جدتها وتلك المرأة العابسة التي استنتجت بحدسها أنها أم العريس، وكانت على حق، شعرت بعدائيتها منذ اللحظة الأولى لظهور منيرة، وهي تتقدم في خطوات خجلى لتجلس جوارها، أخرجت سنية أم العريس عقد ثمين من الذهب الخالص كان يبدو عليه الفخامة حقا، وألبسته عروس ولدها، لتعلو الزغاريد بداخل السراي من جديد..
كانت أُنس تعتقد أن السامر سيبدأ عند الرجال وترى الرقص بالعصا والمزمار وتمايل الخيل على انغامه، لكن لم يكن ذاك ما رأت، فقد عادت أدراجها صوب حجرتها بالمضيفة، متطلعة في حرص من خلف نافذة غرفتها صوب باحة السراي، التي اصطفت بداخلها الطبالي ووضع عليها الصواني، التي تحمل الدبائح وأصناف الطعام الشهية، حتى أنها لاحظت أن خارج السراي في ذاك الطريق الضيق قد امتدت البسط أرضا، ووضع عليها كذلك المزيد من صواني الطعام لكل ذاهب وآيب..
طرقات على باب الحجرة وعتها متأخرة، جعلتها تترك موضعها خلف النافذة لتفتح الباب، لتجد نجية أم سالم قبالتها، تعجبت مما تحمل بين ذراعيها، متسائلة: ايه ده!
أكدت نجية: سألت عليكي تحت، البت نبيهة جالت لي إنك فوج فالمضيفة لحالك، جلت كيف يعني منزلتيش تجعدي مع الحريم، وتباركي للعروسة! هو أنتي مش زميلتها برضك!
لم تجب أُنس على تساؤلات نجية المنطقية، وشكرت لها في نفسها أنها لم تصر على معرفة إجابة لها، وهي تمد لها كفيها بصينية الطعام العامرة، مؤكدة في مودة: أني چبت لك حاچة كده تاكليها، واونسك بدل ما أنتي جاعدة لحالك..
ابتسمت أُنس لنجية، وفتحت الباب على مصراعيه، سامحة لها بالمرور بصينية الطعام، مشيرة لها على موضع ما لتتركها به، عائدة صوب النافذة فلربما جد جديد لم تشهده في مجلس الرجال بالأسفل..
تبعتها نجية متطلعة إلى حيث تنظر، لتبادرها أُنس متسائلة: هو فين الرقص والزمر والطبل! هو ده مش فرح، ده أنا عارفة إنو مفيش زي أفراحكم!
ابتسمت نجية مفسرة: لاه يا أستاذة..
ابتسمت أُنس عند لفظة أستاذة، يبدو أنه لقب متداول لكل شخص متعلم في هذا النجع، لكنها على يقين أن حبيب حين وصفها به لم يكن على سبيل التقدير، بل كان متعمدا التقليل، دفعت ذكراه عن مخيلتها محاولة التركيز على كلام نجية، التي استطردت: أصلك النهاردة الكتاب، لكن يوم الحنة، والليلة الكبيرة بجى، هتشوفي اللي عمرك ما شوفتيه، رجص ومغنى وطرب للصبح.. ولحد ما بعد العروسة ما تروح بيتها كمان..
سألت أُنس متعجبة: بس ده لسه باقي حوالي اسبوع على ليلة الفرح، هتعملوا ايه في الأسبوع ده!
شرحت نجية: هنكمل شوار العروسة لحد دارها، كل يوم زفة لحد بيت العريس بحاچتها، وتفضل الصواني ممدودة كده لكل اللي رايح واللي چاي يدخل ياكل، ده يوم عيد للفجرا والغلابة اللي فالنچع والنچوع اللي چنبينا كمان، كله چاي ينول له من الحب چانب يا أستاذة، وربنا يچعل السراي عمرانة بخيرها وناسها.. أما الليلة الكبيرة دي بجى حاچة تانية، ما هو حضرتك هتكوني معانا وتشوفي، مش هتكوني معانا برضك!
تطلعت أُنس لنجية ساهمة، وتساءلت في نفسها، هل ستكون هنا ساعتها، أم أنها ستقدر على إجبار حبيب على تنفيذ وعده لها بالجلوس معا، والاطلاع على كل ما للرسلانية من أموال وأراض قد يكون لها فيهم نصيب، ووقتها تكون أخذت ما لها ورحلت بلا عودة لهذا المكان مجددا!؟..
لم تجد أُنس إجابة لسؤال نجية، لذا حاولت أن تغير مجرى الحديث مشيرة لصينية الطعام: تعالي ناكل، أنا جعانة فعلا..
ردت نجية على استحياء: بالهنا والشفا يا أستاذة، أني هنزل اشوف يكونوا طالبين حاچة، واسيبك تاكلي براحتك..
جذبت أُنس نجية مطالبة في ود: مش هتروحي إلا لما تاكلي معايا، مين هياكل الأكل اللي فالصينية ده كله!..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

18 Dec, 18:12


هتفت نجية في عجالة: والله حبيب بيه لما جالي، چبت لك الخير كله، و..
تنبهت نجية أنها أفصحت عن أمر.. ما كان لها أن تهتك ستره، ما جعل أُنس تسأل في تعجب: حبيب بيه قالك! ..
هزت نجية رأسها إيجابا، فما عاد التكتم يفيد وقد ذُل لسانها وانتهى الأمر: ايوه، جالي إنك لحالك، كنه عارف إنك مش هتنزلي مع الحريم، وطلب مني أطلع لك بالصينية دي.. ياللاه بجى كلي، وأني نازلة أساعد، الدنيا زمنتها فوج بعضيها تحت، والبت نبيهة بتجول بوووه لحالها.. تتمسي بالخير يا أستاذة..
غادرت نجية الغرفة في عجالة، تاركة أُنس جالسة قبالة صينية الطعام الشهية، والتي عافتها فجأة، لتنهض في هوادة صوب النافذة.. تتطلع من جديد لمجلس الرجال، والصواني التي ما أن تفرغ حتى يعاد ملأها من جديد بما لذ وطاب..
سقطت عيناها على محياه في غمرة الزحام بالأسفل، كان ينضح هيبة ووقارا بتلك العباءة الكهرمانية اللون، والتي وضعها بعشوائية أنيقة على كتفيه، وكذا عصاه الآبنوسية التي لم تره يتوكأ عليها من قبل، وهو يمسك بذراع الشيخ معتوق مارا به في تؤدة بين الطبالي، والذي كان يلقي بنكاته ممازحا كل من هب ودب، حتى إذا ما وصلا قرب مدخل المندرة، حانت منه نظرة لأعلى صوب نافذتها، نظرة تعلقت بظلها الظاهر خلف أستار النافذة التلية لبرهة، قبل أن يدخل بصحبة الشيخ معتوق..
حادت بنظرها صوب صينية الطعام متطلعة لها لبرهة، كانت جائعة بالفعل، فهي لم تتناول غداءها حتى هذه اللحظة، خرجت للتمشية حين قابلت ذاك المجذوب زفراني وكذا أم سالم، لمَ إذن عافت الطعام بهذا الشكل! وكأن الطعام مغموس بسم زعاف قد يقضي عليها!
لما حين علمت أنه المرسل، استثقلت أن تضعه بفمها حتى، وهي التي على يقين أنه ما فعل ذلك إلا بدافع الاهتمام لضيفته، التي يدرك تماما أنها لن تنزل بالأسفل لتكون بين الحريم المحتفلات!.. لمَ هذه المكابرة إذن!
عادت من جديد للتطلع نحو الباحة، وقد تناهى لمسامعها صوت زفراني الجهوري، وهو يترنم في سعادة بعد أن ملأ كرشه الضخم من أطايب الطعام، وعب من اللحم ما اشتهى، كان على غير حاله التي عهدته عليها، بعد أن نال حَمّامه وبدل جلبابه المهترىء بآخر نظيف، فأصبح أكثر تحضرا على الرغم من أنه لم يتخل عن صفيحته النحاسية، ومسبحاته المختلفة الأطوال والمدلاة من عنقه في عشوائية..
تنبهت لإندفاع شبل خفير البوابة نحو حبيب، الذي خرج لتوه من المندرة، يتابع أهل النجع الذين كانوا يتحلقون حول الطبالي، يتأكد أن الكل نال كل ما اشتهى من الطعام، وما نهض أحد من موضعه إلا ممتلىء البطن، توقف شبل بالقرب من حبيب دافعا بكفه ورقة مطوية آخرى، كالتي وجدها في صندوق الرسائل الخشبي خارج بوابة السراي..
تطلع حبيب لبرهة للرسالة المطوية، ثم دفع بها لداخل جيب جلبابه، وعاود تفقد الرجال.. وكأن شيء لم يكن..
وتساءلت في فضول.. ما سر تلك الرسائل المبهمة!.. ومن يقوم بإرسالها!.. رسالتان في يوم واحد!.. كان الأمر مثيرا للريبة، دافعا للقلق بحق..
                ****
                   نهاية الفصل الرابع..
                                يتبع..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

18 Dec, 18:12


اتخذت المسار لخارج السراي بعيدا عن الممر المفضي للباب الرئيسي والمكتظ بكل ذاهب وآيب، واتخذت طريقا كان خاليا تقريبا من المارة.. على ما يبدو أن النجع بكل قاطنيه هناك بداخل السراي وقد جندهم كبيرها لخدمتهم، والعمل على تحقيق رغباته، وحمل مسؤولياته عن كاهليه في ليلة مكتظة بالمهام الجسام كهذه الليلة المباركة.. ليلة عقد قرآن أخت كبيرهم!..
ابتسمت ساخرة وحاولت أن تحيد بفكرها عن ذاك الرجل، الذي أربكها تفسير نواياه وسبر أغوار نفسه.. وجالت بناظريها في إعجاب لذاك الطريق المشجر الذي تزينه أشجار الصفصاف والجميز والتوت على جانبيه، واستشعرت اللحظة أنها إحدى بطلات الأفلام السينمائية القديمة، والتي تقضي عطلتها في عزبة والدها الباشا، وضل بها الطريق حين قررت السير وحيدة في درب ما مجهول، اتسعت ابتسامتها لخواطرها الساذجة، حتى أن الابتسامة تحولت لضحكة عالية، ارتفع رنينها الذي انقطع سريعا متحولا لشهقة كبرى كادت أن تتحول لصرخة عالية حين ظهر ذاك المجذوب المدعو زفراني من بين أحد الأشجار كما العمود الذي نبت قبالتها فجأة..
وضعت كفها على صدرها فزعة، وتقهقرت خطوتين للخلف في رهبة، وعينيها تجول بكل المطارح حولها في محاولة لإيجاد نجدة إذا ما حاول هذا المعتوه إصابتها بسوء.. عاشت دقيقتين من رعب مصفى وهو يتفرس فيها ويحفظ ملامح وجهها عن ظهر قلب.. وأخيرا نطق بإحدى أحاجيه التي لم تجد لها تفسيرا كالعادة..
             مش كل السكوت من دهب.. 
             ‏  أصل المحبة .. العتب..
             بس المحبة منين تاچي!
       والجلب محمل من ظنونه.. العچب..
كرر زفراني انشودته مجددا، متطلعا صوب أُنس وكأنما يأمرها بالتركيز حتى تدرك ما يقصد، حاولت.. هي لا تنكر، لكن ما وعت أبدا ما كان مقصده.. كلمات منسوجة باحترافية أنكرتها على مجذوب يجوب الأرض تائها عن إدراك موضع قدمه.. كلماته ذكرتها بكلمات الشيخ معتوق، إمام الجامع، نفس الغموض وعدم ادرك المقصود، أما من أحد لا يتحدث بالالغاز والاحاجي في هذا النجع العجيب!؟..
أخيرا، قرر زفراني في لحظة تعقل كما ظنتها هي تجاهل وجودها، كأنها لا تقف متصلبة أمامه تشحذ قواها الذهنية لفهم احاجيه، وتتأهب بكل طاقتها الجسدية لدفعه عنها والركض مبتعدة إذا ما حانت لحظة فورة الجنون وقرر مهاجمتها.. لكنه عوضا عن كل توقعاتها سار مارا بمحازاتها مكررا في تتابع محموم أبيات أنشودته الغامضة المعاني، طارقا على صفيحته النحاسية بعصاه مجفلا إياها، ما دفعها لتهرول مبتعدة في الاتجاه المعاكس، حتى وصلت لهذه الدار التي برزت على أطراف هذا الطريق العجيب، همت بتخطيها مكملة مسيرها لكن ذاك الصوت الذي ناداها في حماس استوقفها، كان صوت سالم الذي خرج مهللا، اسرع نحوها في حبور متسائلا: كيفك يا.. اجول مين! كيفك يا ضيفة حبيب بيه!
تبدل مزاجها وارتفعت ضحكتها لخفة ظل سالم، الذي انتشى في سعادة مشيرا في ترحيب: اتفضلي، خطوة عزيزة، دي دارنا..
هزت أنس رأسها في امتنان: تقدر تقولي يا أنس.. ومتشكرة ع الدعوة، مرة تانية إن شاء الله..
خرجت في هذه اللحظة امرأة ثلاثينية تصرخ على سالم على عتبات الدار، لكنها ابتلعت لسانها ما أن رأته يقف مع تلك الغريبة التي لا تدرك من تكون، وكذا لإشارة سالم لها محتجا حتى لا تقل من قدره أمام الغرباء، مشيرا نحوها معرفا وهو يخاطب أمه: الأستاذة ضيفة حبيب بيه، چاية تحضر الكتاب..
هللت المرأة في مودة حقيقية: يا مرحب، اتفضلي يا أستاذة بيتك ومطرحك، ضيوف حبيب بيه نشيلهم ع الراس.. اتفضلي والله ما انتي كسفاني..
لم تستطع أنس أمام هذه الحفاوة الرفض، فتقدمت وسالم في أعقابها يسير في سعادة أن هذه الجميلة ستحل بداره المتواضعة..
جلست أنس على أحد الآرائك، والتي كانت نظيفة ومرتبة على الرغم من قِدمها، كما المعظم من أثاث الردهة الذي يبدو عليه القدم..
اندفعت المرأة تضع براد الشاي على موقد صغير ذي عين واحدة من الكيروسين، لتؤكد كمن ينفي عنه تهمة ما: أني كنت رايحة حلاً للسرايا عشان أساعد الحريم، ربنا يچعلها ليلة هنا وسعد على صحابها يا رب..
لم تعلق أنس على كلماتها إلا بهزة من رأسها، لتستطرد أم سالم: الست منيرة ست البنات، وتستاهل سيد الرجالة، ومين ف البلد يوافجها إلا عزت بيه واد عمدتنا السيد أبو زكيبة... ربنا يكمل فرحتهم على خير..
مدت كفها نحو أنس بكوب الشاي الذي أكملت إعداده، تناولته أنس ممتنة: شكرا يا..
ردت أم سالم في عجالة: محسوبتك نچية يا أستاذة، هو انتي من زملات الست منيرة ف المعهد!؟..
لم ترد أنس لبرهة، هل عليها إعلان حقيقة أمرها ومن تكون لكل من هب ودب! قررت أن توافقها تصورها، وأن لا تعلن عن حقيقة أصلها، مؤكدة على صدق توقع نجية بهزة رأس وهي تتشاغل بارتشاف بعض من كوب الشاي، الذي أعلنت عن استحسانها له، رغبة في تغيير مجرى الحديث لإتجاه آخر، متسائلة: وجوزك بقى مع الرجالة في السرايا برضو!؟..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

18 Dec, 18:12


                  ****
تركت كل من نجية وولدها سالم ليدخلا للسراي من بوابتها الأصلية، متعللة أنها ما اكتفت من المسير وحيدة، ولرغبتها في الابتعاد عن رائحة الذبائح الغير معتادة لها، وكذا الصخب الذي يشمل كل جوانب السراي استعداد لعقد القران بعد عدة ساعات..
اتخذت الطريق المعاكس، ذاك الطريق الترابي الضيق مارة بالجسر دون أن تعبره، لتصل لبوابة طينية في ركن جانبي متصلة بسور السراي الخلفي، تنبهت لأصوات بالداخل ما جعل الفضول يتآكلها لإدراك ما يحدث خلف هذه البوابة، مدت رأسها قليلا وراعها ما رأت..
كان زفراني يزمجر غاضبا، وحبيب يحاول إقناعه في هوادة بخلع ملابسه والجلوس في طشت نحاسي ضخم للاغتسال، كان الاستحمام بالنسبة لزفراني ضرب من عذاب، ما دفعه ليهتف محتجا: لاه، مية سخنة لاه، هنزل فالترعة، زفراني معيزش يتسبح..
حاول حبيب إقناعه في هدوء: زفراني لازما يتسبح، لجل ما يبجى نضيف، بص.. لو اتبعت كلامي واتسبحت، راح اوصيهم فالكتاب تجعد على طبلية لحالك، ويحطوا لك كل اللي نفسك فيه..
هتف زفراني في لهفة: فيه زفر!
قهقه رجب السايس مؤكدا: وهو عشية هيبجى فيه إلا الزفر يا فچعان، ده أنت هتغرج ف الفتيت يا واكل ناسك..
لم يكذب زفراني خبرا، دافعا عنه جلبابه القذر، واضعا صفيحته النحاسية ومسبحاته بحرص في أحد أركان الزريبة، بعد أن نال وعد حبيب بالكثبر من قطع اللحم التي يشتهي، جالسا بوسط الطشت في وداعة طفل مطيع، تاركا حبيب يصب عليه الماء الدافىء، بعد أن عادل ذاك الكوز الساخن الذي تناوله من صفيحة معدنية تغلي على كانون بالقرب من موضعهم، ببعض الماء الفاتر، صابا إياه بهوادة على جسد زفراني الذي تململ قليلا في ضجر، لكن الوعد بقطع اللحم جعله يركن إلى الثبات نوعا ما، وحبيب يدعك جسد زفراني بليفة مليئة بالصابون العطر..
كانت تتطلع للمشهد أمامها من موضعها المستتر نوعا ما عن أعين من بالداخل، لا تصدق أنها تبصر ذاك المتغطرس الذي ما لاقت منه منذ وصولها سوى الكبر والتعالي في معاملتها.. وتسيير الأمور وفقا لرغبته وظروفه هو، دون أن يقيم وزنا لرأي غيره، وبالأدق رأيها..
كان يرفع ذيل جلبابه يشده حول خاطرته، وكذا يضم طرفي كمي جلبابه حول ذراعه تجنبا للبلل، وليتحرك في حرية ويسر، وهو ما يزل يدعك جسد زفراني الأسمر في همة وبلا كلل، حتى رأسه الصلعاء نالها من كفه بعض الجهد..
هتف رجب في محاولة لاثناء حبيب عن إكمال ذاك العمل الشاق، مطالبا في نبرة متوسلة: عنك يا حبيب بيه، بكفياك كده، أني ها..
رفض حبيب مقاطعا: لاه، أنت مبتزهجش يا رچب! فكل مرة أسبح زفراني تجولي نفس الكلمتين، وأني أجول لاه.. بكفياك أنت..
أكد رجب في مودة: أني جلبي على تعبك يا حبيب بيه، وأنت من صبحية ربنا واجف على حيلك، ولساته اليوم طويل.. بجول تسيب لي زفراني وتشوف حالك يا بيه..
أكد حبيب في هوادة: ما هو ده حالي يا غشيم، لعلها المنچية على رأي الشيخ معتوج.. لعلها المنچية..
كان قد انتهى تقريبا من وضع الماء على رأس زفراني وجسده، أمرا رجب بمناولته المنشفة، وما أن بدأ في إلباس زفراني جلبابه النظيف، والذي ابتاعه خصيصا له، ليلائم مقاسه الكبير، وليسع ذاك الجسد العامر.. حتى هلل زفراني ما أن وعى للجلباب الجديد في فرحة، هاتفا في سعادة: الليلة عيد.. الليلة عيد..
قهقه حبيب في سعادة لفرحته، مؤكدا على كلامه: ايوه، ليلة عيد اومال ايه! ربنا يتمها على خير..
ما أن هم حبيب بدفع الجلباب لرأس زفراني، إلا ودخل شبل مهرولا، مناديا على حبيب في لهفة، ما دفع أُنس لتركن بالقرب من شجرة الكافور الضخمة القابعة على مقربة، متسترة من عينى شبل الذي وصل لتوه عند موضع حبيب، دافعا رسالة ما لكفه التي تأكد من جفافها قبل استلامها، تاركا مهمة تلبيس جلباب زفراني لرجب، متسائلا بنظرة نحو شبل عن مرسلها، والذي أجاب في عجالة: واد حدفها في صندوج الچوابات الجديم اللي بره السرايا ورمح ملحجتوش يا بيه..
هز حبيب رأسه متفهما، وقد أسرع في فتح المظروف ليفض الرسالة على عجل، قارئا فحواها..
"أوعى تفتكر إننا نسيناك.."..
كان هذا السطر المبهم هو كل محتواها، ضم حبيب المظروف في حنق قاذفا به بطول ذراعه، أما الرسالة فدفع بها لجيب جلبابه الذي فرده، مهرولا لخارج الزريبة، وشبل في أعقابه حتى غابا داخل السراي..
ظهرت من موضع تسترها متسائلة في نفسها عن فحوى الرسالة المجهولة، التي أثارت غضبة ذاك الرجل الواثق لهذا الحد! ..
                  ****
كانت تعتقد أنها سترى أحد الأفراح التي تشاهد مثيلتها بالتلفاز، لكن الوضع كان مختلفا، كانت الليلة ليلة عقد القران، اجتمع الرجال في المندرة التي دخلتها وممدوح مع حبيب يوم قدومهما، وتجمعت النسوة داخل السراي في البهو الواسع مهللات يرقصن على أنغام الطبول التي كانت تقرع عليها إحداهن من المتمرسات في مثل هذه المناسبات، تطلعت لذاك التجمهر الذي ملأ البراح الواسع لبهو السراي، وهي تقف على أعتاب الباب الفاصل بين المضيفة وذاك الدرج الذي هبطته

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

18 Dec, 18:12


رحل صابر المزين وهو يمطره بالمزيد من كلمات المديح والثناء مع المباركات، مغلقا باب القاعة خلفه تاركا عزت بمفرده لا يصدق أن ما بقى إلا عدة ساعات حتى تصبح حب العمر زوجته وشريكة سنواته القادمة، منيرة.. إنه في انتظار الليلة التي تكون معه تحت سقف غرفة واحدة، حتى يضم كل حلم حلمه منذ وقعت عيناه على محياها، ليكمل روعة تلك الأحلام وتصير واقعا ملموسا..
انتفض من خواطره على صوت إنفراج الباب في شدة، ودخول أمه الصاروخي هاتفة في حنق: أنت لساتك باجي ع الچوازة الغبرة دي!
هتف عزت وهو يزفر في حنق: وااه ياما، ما بجيناه الحديت ده، النهاردة الكتاب.. خلصنا..
زعقت سنية أمه في غضب: لاه ما خلصناشي، وأنت وأبوك اللي عايم على عومك، ولسه مطاطي لولاد رسلان ومنسيش أصله، له معاي موال مهبب لو البت دي دخلت الدار..
هتف عزت غاضبا: ياما حرام عليكي، النهاردة فرحتي الكبيرة، ده بدل ما تجوليلي مبروك، چاية تنكدي عليا في ليلة زي دي، ده ولدك عريس! هي دي فرحتك بولدك الوحداني..
دخلت أخته الصغرى مجيدة، صديقة حبيبته منيرة المقربة ومرسالهما، متطلعة نحو أمها في أسى، هاتفة في محاولة لتهدئة أمهما: أيوه ياما، برضك عزت حبيبك واد عمدة الرسلانية، منفرحش بيه ويبجى الفرحة في دارنا أكبر فرحة عرفتها الرسلانية كلها من يوم ما جامت.. أنتي عاچبك الدار الساكت ده، والكتاب باجي له كام ساعة! حريم النچع يجولوا إيه!..
صرخت سنية في غضب هادر: يجولوا اللي يجولوه، هو من ميتا شوية الحريم دول يفرجوا مع سنية ولا تحطهم ف دماغها، ولو واحدة فيهم فكرت بس تچيب سيرتي على طرف لسانها، هي عارفة إني هجطعهولها..
ضاق عزت بذاك الحوار المتكرر، وهذه المعركة التي ما تبدأ حتى تأخذ ساعات حتى تهدأ وتعود الأمور لسابق عهدها.. ثم تعود لتشتعل من جديد، ما أن يجد في تطور هذه العلاقة جديد.. ما دفعه لينفض جلبابه في حسرة مندفعا لخارج القاعة، موفرا على نفسه صداع الرأس الذي قد يعتريه من ندب أمه ورفضها، الذي لم يستطع أي من أخته أو أبيه في إثنائها عنه ولو قليلا.. موفرا طاقته لما هو قادم.. فالساعات القادمة تحمل له الفرح الذي انتظره طويلا، وهو لن يدع مخلوق يعكر عليه صفو باله الليلة..
تنبهت مجيدة لمغادرة أخيها، فقد رمقها بنظرات تحمل الكثير من الحزن، جعلها تهتف بأمها في حسرة على حاله: إيه في يا حچة سنية! مالها منيرة بس! ما هي بت زي الجمر، وحسب ونسب، مين في الرسلانية كلها تليج بعزت ولدك كدها..
هتفت سنية في غل دفين: أي بت، هو يشاور على أي بت مهما كانت بت مين ولا من فين وأني أچبهاله طايعة مرمية تحت رچليه.. واچوزهاله لو يحب.. إلا دي..
تنهدت مجيدة في عجز حقيقي، وهمست بلا وعي: لساتك ياما!.. لسه اللي ف الجلب ف الجلب.. ومجدراش تنسي وتسامحي!
انتفضت سنية كمن لدغته عقربة، متطلعة صوب بنتها في صدمة، هاتفة في صوت جهوري: ايه جصدك من الخبل اللي بتجوليه ده!
اضطربت مجيدة وهي ترى وجه أمها الذي انقلبت سحنته، وصارت عيناها بلون الدم حنقا، ما دفعها للتهدئة هاتفة بأحرف متقطعة: لاه، مجصدش حاچة، بس يعني.. أني بجول ننسى اللي فات، منيرة ملهاش ذنب ف..
قاطعتها سنية وهي تقترب منها، متسائلة بنبرة تحذيرية: ملهاشي ذنب ف ايه!..
أشارت مجيدة في محاولة لإنهاء الحوار الذي قد يدفع بهما لطريق لا رجعة منه، مؤكدة في نبرة مضطربة: مفيش ياما، متخديش ف بالك، أني رايحة أشوف يكون عزت لازمه حاچة..
همت مجيدة بالهرب من أمام أمها، في محاولة لتجنب آثار ثورتها البادية على محياها، وخاصة بعد كلماتها الأخيرة التي ما توقعت أن يكون لها هذا الأثر المرعب عليها، لكن سنية استوقفتها في حزم: استني عندك!..
توقفت مجيدة وقلبها يدق في قلق، فحال أمها يبعث على الخوف، تحركت سنية حتى توقفت أمام ابنتها، متطلعة لعينيها مباشرة، هامسة وابتسامة حاقدة ترتسم على شفتيها: اوعاكي تكوني مفكرة إنك لما عملتيلي فيها مرسال المحبة بين اخوكي وست الحسن بت الرسلانية، إن ده هيخلي أخوها اللي شايف حاله فوج الكل، يبص ف خلجتك، ولاه يعبرك بنظرة حتى!. 
شهقت مجيدة في صدمة لتصريح أمها، متطلعة صوبها في وجع حقيقي لتعريتها روحها بهذا الشكل القاسي، لتستطرد سنية بلا رحمة: فوجي يا بت العمدة، حبيب رسلان ولا إنتي فباله، ولا شايفك من أساسه.. فوجي..
ساد الصمت لبرهة، وأخيرا هرولت مجيدة لخارج القاعة مبتعدة عن محيا أمها ، وقد شعرت أن خنجرا مسموما غُرز حتى نصله بمنتصف صدرها.. وما عاد لها القدرة على التقاط أنفاسها..
وصلت لغرفتها لا تعرف كيف كان لها القدرة على ذلك.. بعد هذا التصريح الجارح من أمها، لتسقط أخيرا بأحضان فراشها شاهقة تبكي في وجع حقيقي شمل روحها..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

18 Dec, 18:12


تنهدت نجية تنهيدة طويلة في حسرة، مؤكدة بصوت نبراته تحمل أسى جلي: لاه، چوزي مسافر بره مصر من سنين، خمس سنين لا شفته ولا ولده شافه، وكل ما نجول له ميتا تاچي! يجول السنة دي وتمر السنة ونستنوا ومايجيش، ويرچع يجول چاي ويِخلف.. أهو خمس سنين على دي الحال، لا عتب باب داره، ولا نضر ولده وهو بيكبر جدام عينه..
لاح الدمع بعيني نجية على بعاد زوجها الغير مبرر، وشعرت أنس بوجيعتها فربتت على كتفها متعاطفة، مؤكدة في محاولة لمواساتها: الغايب حجته معاه، ربنا عالم بظروفه، وأكيد انتوا وحشينه زي ما هو واحشكم..
هزت نجية رأسها في إيجاب: معلوم يا أستاذة، معلوم..
واتسعت ابتسامتها على الرغم من الدموع التي سالت بالفعل على وجنتيها، والتي عملت على ازاحتها بظاهر كفها في عجالة، مؤكدة في نبرة عاتبة لنفسها: اليوم يوم فرح، ملوش لازمة البكا والحِزن، متواخذنيش يا أستاذة، بس والله جلبي انفتح لك لله ف لله..
ابتسمت أنس في مودة رابتة على كتف نجية، واضعة كوب الشاي الذي أنهت نصفه تقريبا، مؤكدة في محاولة لجبر خاطر نجية: من القلب للقلب رسول يا أم سالم، ربنا يبارك لك فيه..
وعلى ذكر سالم، الذي اختفى منذ دخلت دارهم وما عاد إلا اللحظة، حاملا بعض من أعواد القصب وعدة كيزان من الذرة، هاتفا بنبرة تحمل نضجا لا يتوافق مع سنوات عمره: الچودة بالموچود يا أستاذة، هشويلك كيزان الدرة وهتدوجي الشهد..
وتحلي بعيدان الجصب..
هتفت نجية في ولدها مذعورة: چبت منين الحاچات دي يا واد!
أكد سالم في هدوء: من عند ربنا..
هتفت نجية في نبرة تحذيرية: اوعاك تكون..
قاطعها سالم مؤكدا في مرح: والله العظيم خدتهم بعلم صحابهم، أروح امضيهم عشان تصدجي!!
قهقهت أنس على أقواله، بينما ارتسمت ابتسامة صافية على شفتي أمه، هاتفة في حرج موجهة حديثها لأنس: والله مغلبني ومطلع عيني، ربنا يهديه..
ربتت أنس على كتفها داعمة: ربنا يخليهولك، أقوم أنا بقى عشان اتأخرت..
نهضت نجية مقترحة: طب ما نرچعوا ع السرايا سوا!
وافقت أنس على اقتراحها، وانتظرتها حتى تضع عليها بردتها، ليسأل سالم في حسرة: طب الدرة والجصب!؟
أكدت أنس باسمة: أنا بقبل الهدايا، بعد ما تهدى دوشة الفرح جبهملي ع السرايا، تمام كده!
وافق سالم في سعادة، ليخرجوا من الدار جميعا، لكن تلك العيون المتربصة التي كانت تتعقبها منذ وصولها لدار سالم، والتي كانت في انتظار خروجها وحيدة منه بلا رفقة، تقهقرت مبتعدة حين أدركت أنها لا تسير بمفردها كما كانت تتمنى وترغب..
                  *****
أطلقت الخادمة واحدة من تلك الزغاريد الرنانة ما أن شاهدت المزين يفتح باب القاعة، التي كان العريس قد استقر بها لإصلاح هندامه، وضبط مظهره قبل الإسراع نحو بيت العروس لعقد القران..
هتف المزين في فخر: حاچة آخر ألاجه يا سي عزت! تليج بواد عمدتنا على حج ربنا..
نهض عزت  من موضعه على كرسي الحلاقة العالي نسبيا، والذي اختاره من بين كراسي القاعة ليفي بالغرض، وسار نحو المرآة التي كانت قد تركها مسندة على أحد الآرائك، ووقف يتطلع لمحياه في خيلاء، ماسحا بباطن كفه على رأسه التي قصر المزين شعره قليلا، وكذلك ذقنه الحليقة التي أصبحت أنعم كثيرا عن ذي قبل، مد كفه نحو زجاجة العطر ونثر منها ببزخ على كتفيه وصدره، ثم أخيرا صب بعضها على إحدى كفيه وبدأ في دعك الكفين معا قبل أن يطبطب برفق على جانبي صدغيه، ليشعر بانتشاء يخالطه بعض الألم الطفيف الذي جعل أهة خافتة تخرج من بين شفتيه، هاتفا في استحسان للمزين: تسلم يدك يا صابر..
هتف صابر في انتظار أجرته وما قد يزيد عليها إكراما لهذه الليلة المباركة: ربنا يتمم لك على خير يا سيد العرسان..
مد عزت كفه لداخل سيالة جلبابه وأخرج ما بداخلها من مال ودفع به لكف صابر، الذي تمنع قليلا مدعيا إن ذاك واجبه وإنه ما كان راغبا في أي مال بالمقابل، يكفيه سعادته في يوم مفترج كهذا، لكنه ما لبث أن أدرك كم المبلغ الموضوع بكفه ومدى عظمه، فصرخ في بهجة عارمة: ألف مبروك يا عزت بيه، ربنا يسعد أيامك ويچعلها چوازة العمر يا رب، وما يحرمنا من كرم چنابك يا رب..
لم يرد عزت على هذه المجاملات الكاذبة التي تصل لحد التملق، والتي اعتادها من الجميع حوله طوال حياته منذ أن كان طفلا لا يعي، وحتى أصبح رجلا مدرك لهدف تلك الكلمات المعسولة والغرض من إغراقه بها، فما عاد يلتفت لها على الرغم من سحرها وتغذيتها لشيء ما داخل نفسه..
تطلع من جديد للمرآة ملوحا لصابر الذي جمع عدته سريعا، دافعا بها لداخل تلك الحقيبة الصغيرة التي يحملها ما أن يخرج لحلاقة شخصية مرموقة خارج محله المتواضع، الكائن بقلب الباحة الوسطى التي تعد مقرا رئيسيا لسوق النجع، الذي يجتمع فيه القاصي والداني ممن يحمل أي غرض لبيعه أو جاء لشراء بعض حاجياته، والذي يجمع ناس النجع والنجوع المجاورة في يوم الثلاثاء من كل أسبوع..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

18 Dec, 18:12


كما عمل بعضهم بعد أن استقر له الحال وجمع المال من مصادر غير معلومة على شراء الأراضي على أطراف الرسلانية من نجوع مجاورة لتوسيع رقعة أرضهم المزعومة.. لكن لم يجروء أحدهم على شراء شبر واحد من أرض الرسلانية، وما تجاسر مخلوق على ما جاء به وهدان وطلبه شراء أرض من رسلاني، وخاصة أرض البركة التي يقال عليها الكثير ولا أحد يعلم حقيقة ما يشاع عنها..
كان نعيم يجلس متفرسا في ملامح وهدان، التي انقلبت لملامح شيطانية، كان يعلم تماما علم رجل متمرس بالنفس البشرية، أن ذاك الصراع القائم بين نفس وهدان الوضيعة التي تركن للدعة واللامبالاة عند تلقي الإهانة كما أعتاد أسلافه من الغجر، وبين تلك النعرة الكاذبة التي تحركه نحو اعتلاء كرسي الزعامة والسطوة، مناطحا سعد رسلان ولد الحسب والأصل الرفيع، لابد له من أن ينتصر فيه تلك النعرة الكاذبة بالهيمنة الوهمية، وما يؤكد ظنه الذي يرقى اللحظة لمرحلة اليقين، تلك الملامح المتجسدة قبالة ناظريه وكأنه يبصر بأم رأسه أبليس ذاته في أوج مجده.. حينها ابتسم في رضا عن مهاراته التي لم يفقدها، منتظرا الرد الأخير والذي كان يتوقعه، وقد جاء كما كانت رغبته.. حين هتف وهدان في نبرة قادمة من قلب الجحيم ذاته: كيف واد الحرام ده ياچي بخطره ويعطينا أرضه! كيف ده يكون!
همس نعيم في نبرة مهادنة تقطر شرا، مشيرا صوب وهدان مطالبا في نبرة الناصح الأمين: قرب هنا، وأنا أقول لك هنجيبه إزاي على ملا وشه وهو اللي هيعطينا أرضه برضاه كمان، بس فتح مخك معايا وتعمل اللي هقولك عليه بالحرف، وأنا اخليك تجيب حقك من حبة عينه..
اقترب وهدان، وجلس بالقرب من الخواجه نعيم مسلما له أذنيه ومجامع عقله، حتى يملأهما بما شاء.. معيدا تقليب الحطب الذي كان يظن الناظر إليه أنه قد خبت جزوته، فيعيد استعار النار التي كانت ضامرة تحت رماد الزمن، لتضرم مجددا...
                *******
الرسلانية ١٩٩٠..
كان ذاك الصباح مختلفا عما عداه من الصباحات القليلة التي عاشتها في هذا النجع منذ قدومها، فقد كان المعتاد الاستيقاظ على رائحة المخبوزات البيتية المخلوطة برائحة الطبيعة البكر، والهواء العليل القادم من ناحية ذاك الجبل البعيد، حاملا نسائم من براءة لم تدنس من قبل مخلوق.. لكن هذا الصباح اتتها من خلف نافذة حجرتها روائح مقبضة لسخونة دماء أثرت على مزاجها، نهضت متطلعة في حذر نحو الخارج، فقد كان الفناء الخلفي للسراي يعج بالأشخاص المنهمكين في أشغالهم، أصواتهم تعلو فوق بعضها ما بين أمر وطلب، كان ذاك البراح خلية نحل فعلية يختلط فيها الحابل بالنابل، البشر مع البهائم التي كانت أصواتها تخالط اصوات النداءات المتلاحقة هنا وهناك في اعتراض على المذبحة الجماعية الدائرة بالأسفل.. وتعجبت.. هل مجرد عقد قرآن يحتاج إلى كل هذا القدر من اللحم، وكل هذه الاستعدادات المبالغ فيها!؟.. وقع ناظرها على محياه.. لم تتعرف عليه منذ الوهلة الأولى.. كان مختلفا كليا عن ذاك الذي يسير في هوادة كأن الأرض ما جُعلت لمخلوق قبله ولا ملكها سواه، وكأنما حاز شطر الغرور وشطر آخر من عزة وآنفة، خليط كفيل تماما بخلق شخصية رجل يحمل قدر لا يستهان به من السطوة والعنجهية المتضخمة، لكنه على العكس من ذلك، وجدته متباسطا مع الكثيرين ويحمل داخل صدره قدرا وافرا من الرحمة والحنو، رأته يصبغهما على بعض من حوله في وفرة، كأخيه الضرير وجدته العجوز وأخته العروس المرتقبة وكذا شيخه العاجز.. ربما مع الغرباء له شأن آخر! هكذا أقرت في نفسها وهي ما تزال واقفة خلف زجاج نافذتها تتابع ما يحدث، وعيناها تستقر ما بين برهة وآخرى على ذاك الذي رفع أطراف جلبابه، رابطا إياها حول خصره، ممسكا سكين يسمي الله عاليا قبل أن ينحر أحد الخراف، الذي أخذ في الانتفاض لافظا أنفاسه الأخيرة، قبل أن يتناوله رجل آخر نافخا في موضع ما بقدمه، ليبدأ الخروف في الانتفاخ ويشرع الرجال في الطرق على بطنه ببعض العصي، ثم العمل على تخليصه من فروته الضخمة، والإسراع في تقطيعه لتستلمه النساء مسرعات في تحضير ما لذ وطاب من أطعمة ..
عافت نفسها الطعام بعد كل ما رأت، فقد كان الفضول أكبر من شعورها المتنامي بالغثيان، الذي دفعها للانصراف عن النافذة مكتفية بما شاهدته حتى الآن، وقد قررت الابتعاد عن جو السراي المرتبك، والخروج باحثة عن هواء نقي لا يحمل رائحة الدم..
تسللت في هدوء لخارج المندرة، في غفلة من الرجال وصخبهم، وما كانت في حاجة للوصول إلى البوابة الرئيسية من الأساس، ما يضطرها لمقابلة شبل حارسها، بل تحركت صوب باب خلفي اكتشف وجوده حين كانت تسير وحيدة في محاولة لقضاء الوقت بلا احتكاك مع السراي وأصحابها، متجنبة الالتقاء بتلك العجوز التي كان لقائها بها عجائبيا، وخلق في نفسها شعورا غريبا ما كان لها تفسيرا نحوه، وما استطاعت إعطاء مسمى لذاك الاحساس الخاطف الذي تملك قلبها حين احتضنتها عنوة، حتى هذه اللحظة، لذا فضلت عدم تكرار تجربة ذاك اللقاء مجددا.. 

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

18 Dec, 18:12


سال الدمع على خديها لذاك الاعتراف الصريح، وتعرية نفسها ودواخلها قبالة ناظري أخيها، الذي كان يجلس منصتا في صمت، محترما وجعها المنساب من بين كلماتها، ولو بمقدوره التنازل عن ثروته كلها في سبيل إسعاد أخته ولو لأيام لفعل، لتستطرد هي في هدوء متناقض تماما مع النيران المستعرة داخل نفسها قهرا: لكن لما ببص فالمراية على حالي، ببكي.. وبعرف إني بضحك على حالي، وبعرف ليه مفيش راچل مليت عينه واتجدم يطلب يدي، ما هو يعني هو مفيش رچالة من أصل وطيبين، ده جصر ديل، واهي حچة عبيطة بجولها لحالي واصبر بها روحي على النصيب المايل..
همس سعد وقد نهض مقتربا منها، رابتا على كتف أخته في حنو: ومين اللي جال إن الچواز بالچمال ولا المال يا خية، ده نصيب ورزج..
هزت توحيد رأسها موافقة، وساد الصمت لفترة قبل أن تعاود توحيد نوبة الحماسة من چديد، وكأن نوبة اعترافها السابقة ما كانت، متسائلة في خبث محبب: مش هتجولي هي مين بجى اللي شجلبت حال الكبير كده!
أكد سعد مبتسما، متفهما أن أخته تحاول أن تغير مجرى الحديث لأمر آخر بعيدا عن أوجاع قلبها: لاه، دي واعرة جوي يا بت أبوي، أبعد من إن اخوكي يحلم حتى إنه يطولها، دي تربية بشوات وأهلها كلهم أتراك.. ده أني حتى معرفش إن كانت عازبة ولاه إيه حالها.. لكن يوم ما شفتها ف الكام مرة اللي صادفت.. ملجتلهاش راچل معاها، كانت معاها الكمريرة بتاعتها.. وبعدين أخوها ومرته..
هتفت توحيد مستنكرة: واه، وليه لاه! أهلها اتراك ولا خواچات حتة، ليه ميجبلوش بِك عاد!؟.. لهو أنت جليل بعد الشر! ده أنت سعد بيه رسلان عين أعيان وچه جبلي كلاته، واللي حداك مهواش شوية، وخدت البهوية، ولو ع المزاج تبجى نايب فالمچلس.. لهتكون بعون الله.. إنوي أنت بس وجول يا رب وهو عنده التساهيل.. بس هي تكون خالية..
همس سعد مستفسرا: تفتكري ساعة الحظ تواتي يا توحيد!
أكدت توحيد في حماس: معلوم..
ساد الصمت لبرهة، قبل أن تقطعه توحيد مقترحة: هو فيها حاچة لو چبتهم هنا! اعزمها هي وأخوها الباشا خليهم ياجوا يشوفوا حالنا وبلادنا..واطجس لك أني على حالها.. ولو فيها الخير يبجى على بركة الله..
هز سعد رأسه في تباطؤ موافقا اقتراح توحيد بشكل مبدأي، يحاول استيعاب الفكرة التي بدأت تروق له، قبل أن يتخذ قرارا نهائيا بشأنها..
  ❈-❈-❈
  ‏
الرسلانية ١٩١٥..
هتف الخواجه نعيم وهو يصفق مستأذنا: يا ساتر..
سمح له وهدان بدخول مجلسه الذي كان يقف على أعتابه، كان وهدان يعلم أن ذاك اليه‍*ودي النتن يضبط حضوره على ميعاد الطعام لينل حظه، وما كان يعبء بذلك، وكان على حق، فما أن دخل نعيم القاعة حتى جلس على طبلية الطعام الموضوعة بقلبها دونما استئذان، مادا كفه نحو اللحم الذي نهش قطعة دسمة منه في شره، كأنه لم يتناول لحم منذ قرون، تجاهله وهدان تاركا إياه يغوص في طبق اللحم والطبيخ، مركزا على طعامه حتى إذا ما فرغ من ملء بطنه وهم بالكلام بادره وهدان مخرسا: بجولك إيه يا خواچه! .. إذا كنت چاي تاكل، فأدينا أكلناك، لكن هتعاود حديت عن أرض البركة ونشتروها وبلا أزرج، شد رحالك وفارجني..
هتف نعيم في محاولة لاستمالة وهدان من جديد: وهو أنا يرضيني زعلك! غار واد رسلان وأرضه وناسه كلهم، ده أنا كنت جاي عشان أقولك ولا تضايق، هو اللي هيدينا الأرض برضاه وخطره..
نجح ذاك اللئيم في جذب انتباه وهدان، وما أن أدرك ذلك بعيونه الضيقة الخبيثة النظرة، حتى استطرد في هوادة: إحنا لما روحناله كنا عارفين كويس أوي إن سعد مش بالساهل يفرط في شبر من أرضه، وأهي محاولة وراحت لحالها.. لكن الكلمتين اللي قالهم في الآخر دول هم اللي كدروني على حق، أصل كلامه وتلقيحه على الحرانية ميصحش يعني.. و..
صمت نعيم ما أن أدرك أن الدماء فارت في عروق وهدان ما أن تذكر كلمات سعد المهينة، وأنه قد أصاب الهدف المرجو، وعلى الرغم من صحة مزاعم سعد عن أصل الأسرة الكريمة التي لم تكن سوى بعض من الحلب، ومجموعة من الرحالة من أرض لأرض، في معظمهم كانوا من النساء والأطفال.. اختلطوا وتزوجوا ثم هبطوا على أرض الرسلانية منذ زمن رسلان الكبير.. الذي أعطاهم تلك الأرض المتطرفة الكائنة على أطراف الرسلانية والقريبة من الجبل الغربي لتكون مستقر لمضاربهم وخيامهم، إلا أن كلماته قد نكأت جرح الأصل الوضيع، الذي يحاول كل حراني مداواته منذ زمن بعيد ولم يفلح..
منذ ذلك اليوم، الذي وهب فيه جد سعد الرسلاني الكبير أولئك الوضعاء هذه الأرض، والتي احتالوا بالمسكنة والمذلة حتى تعاطف معهم للم أعراض نسائهم عن الحرام كما أدعوا، وهذه الأرض هي أرض الحرانية التي توارثوها أبا عن جد.. وقد ترك نساؤهم كار الغواية والرقص في الموالد كغوازي، والدلالة على البيوت، واللف والدوران لبيع أثواب النساء والكحل والحناء والعطور للصبايا، مع ما يتضمنها من قراءة الودع ونقل أخبار البيوت من هنا وهناك، واستقرت كل واحدة منهن في بيت لها بعد أن عمل رجالهم بالزراعة، وارتاحوا لحياة الاستقرار..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

18 Dec, 18:12


                   ٤-لعلها المنجية..
الرسلانية ١٩١٥..
ابتسامتها اتسعت مظهرة صفين من أسنان لؤلؤية منتظمة كما عقد وضاء حين قالت في سعادة: تهانينا سعد بيه، الصفقة أصبحت من نصيبك.. اعتقد رديت الجميل!
ابتسم سعد في وقار مؤكدا: العفو يا هانم..
كانت بالفعل حليف ممتاز في نقاشه مع نظيم باشا حول استحقاقه للصفقة الكبرى التي كان يسعى إليها جاهدا، وإحقاقا للحق ما كان لينالها لولا تدخلها ووقوفها بصفه في تلك المفاوضات التي انتهت بفضلها لصالحه.. تنبه حين قالت أُنس الوجود من جديد: بتقولوا عليها ايه هنا في المحروسة.. معروف مقابل معروف!..
اتسعت ابتسامة سعد، منكسا رأسه في محاولة لضبط قهقهاته، التي لم يستطع كبحها فخرجت على طبيعتها ربما للمرة الأولى منذ زمن بعيد، مؤكدا وهو ينكس رأسه احتراما: واحدة بواحدة.. يعني خالصين يا هانم..
قالت بلغة تركية خرجت تلقائية مع ابتسامة صافية كماء جدول عذب: إيڤت، مظبوط.. خالصين..
تقدم رستم باشا أخيها لموضع وقوفهما باسما بعد أن أدرك فوز سعد بالصفقة: مبارك، تستحقها.. نظيم باشا كان قلقان جدا لكن أنا ضمنتك عنده.. وعارف إنك مش هاتخزلني..
أكد سعد بنبرة تقطر ثقة: برجبتي يا رستم باشا..
أخرج رستم علبة سجائره المعدنية القيمة من جيب سترته، هاتفا في نزق: المدعويين مشيوا أخد راحتي بقى قبل ما الهانم تيجي، وتعترض على آخر سيجار الليلة دي..
ابتسم سعد لأريحية رستم، وتنبه أن قاعة القصر التي كانت تعج بالمدعوين منذ قليل قد خلت بالفعل فشعر بالحرج، وتساءل.. كيف لم يستشعر خلو المكان من روداه وهو في حضرتها!؟.. دعاه الشعور بالحرج ليستأذن في عجالة، على وعد بلقاء جديد قبل عودته للرسلانية..
خرج مهرولا من القصر، لا يعلم لم كانت عجلته وكأنه يفر من أمر ما يلاحقه لا يعرف له تفسيرا..
انتفض سائقه من موضعه مسرعا نحو باب الاطومبيل ليفتحه، خلع سعد طربوشه الأحمر القاني واندفع للداخل، وما أن استقر به المقام حتى رفع رأسه بلا وعي صوب أسوار القصر، ليسقط ناظره عليها.. هل هذه شرفة حجرتها!.. كانت قد غادرت في غفلة منه، ما أن ظهر رستم في الصورة، أو ربما استأذنت في عجالة وما أدرك غيابها إلا حين شعر بوجود رستم في دائرة الحوار..
تحركت العربة مغادرة، لكن نظراته أبت أن تفارق موضع وقوفها بالشرفة وهي تتطلع للفضاء الواسع حولها، لا تدرك أن هناك عيون تعلقت بطلتها، وقلب عصى صاحبه وظل هناك تحت أسوار شرفتها مبتهلا..
انتفض سعد مستيقظا من شروده بحلم يقظته، متطلعا لأخته توحيد وقد وصل نداءها أخيرا لمسامعه، فهتفت هي في قلق حين أدركت انتفاضته، رابتة على كتفه في حنو: اسم الله عليك يا واد أبوي، إيه في! بنادم عليك ياچيلي دجيجة، خلعتني عليك!
ربت سعد بدوره على ظاهر كفها القابع على كتفه مطمئنا: أني زين، وبخير يا توحيد، كان الفكر واخدني حبتين..
استفسرت متعجبة: بعد الشر عليك من الفكر والحيرة، ايه في شاغل بالك كده!
أكد سعد متنهدا: الدنيا وحالها يا توحيد!
ابتسمت توحيد التي لم تعدم بعض من فطنة النساء: حال الدنيا برضك! ولاه حال جلبك! بدك تتچوز صح!
ابتسم سعد في حسرة: لاه چواز ايه بس! خلاص چربنا حظنا وعرفنا اللي فيها يا غالية، لسه هنچربوا تاني!
أكدت توحيد في حماس: ايوه اومال، تاني وتالت وعاشر، لهو أنت جليل، دي ست البنات تتمنى تخطي عتبة دارك، وتبجى أمها داعية لها..
أكد سعد في توجس: جلبي مش هايطوعني اچيب واحدة لحظها وجضاها، أني كيف ما بيجولوا يا توحيد.. واكل ناسي..
انتفضت توحيد مدافعة في حماس: فشر، مين ده اللي يستچري يجول كلمة عفشة على سيد الرسلانية وتاچ راسها! ..
هدأت ثورتها فجأة مثلما اشتعلت فجأة كعادة توحيد، رابتة من جديد على كتف أخيها هامسة: وبعدين هو جضا ربنا لينا فيه حاچة! .. ولا حد فينا.. له فنفسه حاچة م الأساس!
همس سعد في نبرة مسالمة: ونعم بالله.. وبعدين خلينا بقى نفكر فيكِ أنتي يا توحيد، أنتي العروسة الچاية بإذن الله..
صمتت توحيد ولم تعقب، فقد علا وجهها سحابة حزن وكمد ظاهر، مؤكدة في نبرة متحسرة: لاه، بجيناه الحديت ده يا خوي، توحيد ملهاش في الفرح ولا مواويل الحريم، بجت شچرة عجفانة، لا تنفع لطرح ولا ضليلة حتى..
انتفض سعد مستنكرا: مين اللي جال! ده انتي يتمناكي سيد الرچالة، وانتي عشان مجامك عالي ومش أي راچل يستاهلك، مچاش لسه اللي يعرف جيمتك ويصونك..
دمعت عيناها وقد نهضت مبتعدة قليلة، تتطلع للأفق البعيد، هامسة وكأنها تعترف بما لا تطيق حمله، ولا تقدر على الإفصاح عنه وهي في مواجهة نظرات عيني سعد المتعاطفتين، هامسة في نبرة صوت تقطر وجعا: بالك يا سعد! أني سواعي كده اسرح ببالي واجول، يكونشي عشان أني بت عيلة وحدانا مال وأرض مجانيش اللي كد المجام، واتمنى بيني وبين نفسي لو كنت بت فجيرة من الانفار والتملية شغالة فأرض الخلج بس الاجي راچل يعزني ويتمنى لي الرضا، اچيب منه دستة عيال، اربيهم وافرح بيهم، ويبجوا عزوتي وناسي..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

18 Dec, 18:11


٤- لعلها المنچية..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

16 Dec, 09:54


لينك الفصل الرابع على موقع أيام 👌🏼
https://www.ayam-news.com/699023

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

15 Dec, 14:07


https://www.facebook.com/share/p/1883YucTqK/

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

13 Dec, 18:16


لينك الفصل الرابع 🌹
https://rewaiyawhekaya.blogspot.com/2024/11/Toyab.comp.html

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

11 Dec, 18:58


على الرغم من إبهار خطوطها..
استطرد زفراني أنشودته، وهو يكاد يقضي على ما بقى من فطيرته الغارقة في العسل:
هتچوز الأميرة.. أميرة فجصر عالي.. مرصودة فالعلالي.. توبها تلي تلي.. شعرها حرير وفلي .. يطير.. بعيد يطير.. من غير سچان وغفير..
أعجبتها أنشودته، التي أعادها من جديد بصوت أكثر وضوحا، حين أتم التهام الفطيرة كاملة، ومسح كفيه من بقايا السمن والعسل بجلبابه المهترىء.. رافعا رأسه صوب شرفة حبيب، الذي كان يهم بالدخول، إلا إنه توقف ما أن ناداه زفراني داعيا: يا الحبيب!.. تدوج وتتهنى من شهد الچنة.. جول أمين..
هتف حبيب بعد أن عاد موليا انتباهه له، هاتفا في نبرة متحشرجة: أمين..
تحرك زفراني راحلا، مؤكدا بصوت عالِ: العروسة مستنظرها فارس، بلاه اللي چايلك بفرس أعرچ..
انقبض صدر حبيب لكلمات زفراني، فقد توقع أنه نسى ما كان يترنم به منذ قليل، بعد أن ملأ معدته، لكنه عاد لنبوءاته من جديد مكررا: العروسة مستنظرها فارس بلا فرس.. والأميرة عايزة الخدام والحرس..
رفع زفراني مع كلمته الأخيرة رأسه فجأة نحو نافذة أُنس، ما جعلها تجفل في رهبة، متقهقرة للداخل خطوة، تتستر خلف غلالة رقيقة تنسدل كستار للنافذة، ونظراتها ما تزال معلقة بالأسفل نحو زفراني، الذي سار نحو البوابة.. وهو يكمل انشودته في صوت جهوري:
         الأميرة رايدة الخدام والحرس..
     وأنا الحبيب.. جلبي ناي وصوتي چرس..
   ميتا الجلوب تميل .. والعشج يصبح دليل..
           وينطج لساني اللي انخرس..
ظلت تتطلع من خلف الستار حتى غاب زفراني وتاه صوته في البراح، لكن خفقات قلبها المضطربة منذ نظرته المباغتة صوب نافذتها لم تهدأ.. وما وعت معنى لكلماته المبهمة، ولا تفسيرا منطقيا لها..
  ❈-❈-❈-❈-❈
  ‏
جاء مهرولا.. حتى إذا ما وصل لعتبات المندرة حيث كان يجلس كبيره، حتى اندفع جالسا تحت أقدامه يلتقط أنفاسه المتلاحقة، ما دفع ذاك الشيخ الذي كان يضع مبسم نرجيلته بين شفتيه في لا مبالاة التنبه لذاك الذي ألقى بنفسه على الدرجات المفضية لمجلسه، هاتفا في هدوء، وهو ينفث دخان نرجيلته في هوادة: ايه في يا واد!
أكد الصبي في لهفة: هي يا چدي!.. هي..
استطاع الصبي بذاك التصريح، الاستحواذ على جُل اهتمام الشيخ، الذي ترك ذراع النرجيلة جانبا، وانحنى متطلعا صوب الصبي في نظرة تهديدية تنذر بالسوء، إذا كان ما يدلي به من أخبار.. غير صحيح: عرفت كيف!
أكد الصبي في سرعة، اتقاء لهذه النظرات التي تحمل من الوعيد، ما لا يقدر على تحمل تبعاته: سألت هنا وهناك.. وچبت جرارها.. كانت من فچرها ماشية چاره لحد بيت الشيخ معتوج.. هي يا چد..
جذب الشيخ الصبي من مقدمة جلبابه، مقربا وجهه حتى أصبح لا يفصله عنه سوى بضع سنتيمترات، أمرا في نبرة عميقة مغلفة بالسطوة: عينك عليها متغيبش.. ولو فين راحت تاچي تجولي.. لحد ما نعرفوا ايه في!.. واعي لحديتي!
هز الصبي رأسه في طاعة عمياء، ليدفع به جده لينهض من فوره مندفعا قدر استطاعته، راكضا لتنفيذ أوامره بلا أدنى إبطاء أو تلكوء.. فهو يدرك تماما أن ما من أمر أسهل عند جده، من استخدام سوطه لتأديب من يشذ عن قواعده..
عاد الشيخ ليمسك بذراع نرجيلته من جديد، مقبلا مبسمها في شهوة، ساحبا نفسا عميقا لصدره.. جاعلا ذاك الفحم الموضوع بقمتها يشتعل لبرهة متوهجا قبل أن يفقد بريقه، مصاحبا لصوت قرقرة تلك الفقاعات بقلب الوعاء الزجاجي والتي كانت تفور في قوة.. لينفث أخيرا دخانها متابعا إياه بنظرات شاردة، وكأنما يتطلع من خلال غيماته التي تنقشع في بطء، لماضِ ولى.. كان يظن أنه ذهب بلا رجعة.. لكنه أيقن أن بعض الظنون تضحى حقائق.. وأن من يخاف من العفريت.. يخرج له..
❈-❈-❈-❈-❈
                         انتهى الفصل الثالث..
                               ‏يتبع..
#طياب_الحبايب
#بنت_جاويش
#نداهة_أرض_الحكايات
           

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

06 Dec, 18:23


لينك قراءة الفصل الثاني 👌🏼🌹
https://rewaiyawhekaya.blogspot.com/2024/11/Toyab.comp.html
قراءة ممتعة ❤️

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

05 Dec, 18:16


ااقتباس من الفصل الثالث اللي ميعادنا معاه بكرة بإذن الله 👌🏼🌹 الساعة الثامنة مساء ..
دعواتكم 💐 ويا رب الاقتباس يعجبكم .. 👌🏼❤️
https://rewaiyawhekaya.blogspot.com/2024/11/Toyab.comp.html
#طياب_الحبايب
#بنت_جاويش
#نداهة_أرض_الحكايات

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

04 Dec, 18:25


تركت ذراعه وانتظرت حتى دخل حجرته بالفعل، وهمت أن تعود أدراجها، إلا أن شهقة قوية خرجت من حنجرة امرأة ما جمدتها موضعها، في نفس اللحظة التي دخل فيها حبيب لقلب البهو متطلعا لكلتاهما، ضيفته التي ما توقع نزولها من حجرتها بالمندرة حتى يكون على استعداد تام لملاقاتها ومعرفة سبب تشريفها لنجع الرسلانية بعد كل هذه السنوات، ويكون قبلها قد أهّل جدته لمقابلتها، لكن ما يحدث اللحظة لم يكن بحسبانه أبدا..
اقترب من كرسي جدته المتحرك، رابتا على كتفها مهدئا، ثم ضغط ضغطة خفيفة على الكتف الآخر أدركت منها الجدة رسالته لها بالهدوء، ووعتها جيدا فلم تحرك ساكنا ولم تنطق حرفا وهي التي كانت على وشك فتح ذراعيها على مصرعيهما لاستقبال تلك الشريدة التي عادت إلى حيث تنتمي.. بينما توقفت أُنس بموضعها كأنها تحمل أطنان لا مرئية على أكتافها تمنعها المسير .. إلا أنها تحاملت على ثقل قدميها وتحركت صوب موضع الجدة وحبيب، وما أن وصلت قبالتها حتى مدت كفا باردة نحو صفية في تحية اعتيادية، هامسة بصوت حاولت أن يغلفه الثبات: أنا أُنس الوجود نجيب الح...
قاطعتها صفية فعلا لا قولا، ولم تستطع وهي تقبض على كفها في شوق، إلا أن تخالف رسالة حبيب التي أمرها فيها بالثبات خوفا من رد فعل تلك الغريبة التي ما كان يأمن جانبها، ولا أدرك حتى هذه اللحظة سبب زيارتها على الرغم من توقعه السبب بحدس قوي، فقد جذبتها صفية نحو صدرها عنوة، تطوقها بذراعيها في محبة، ما أرغم أُنس على الانحناء حتى تكون في موضع السيدة العجوز المقعدة التي غمرتها اللحظة بموجة من حنان طاغِ لم تستشعره أُنس منذ زمن بعيد جدا، ما حرك داخلها مشاعر مبهمة جعلتها ترتبك وتشعر بالتيه، وهي التي تزعم دوما أنها القادرة على السيطرة على مشاعرها وتغليب العقل في كل أمورها..
أبعدتها العجوز عن مجال دفئها الأمومي الآسر، متفرسة في ملامحها في لهفة، محتضنة وجهها بين كفيها المتغضنتين المرتجفتين تأثرا، قبل أن تربت على جانب وجهها بكف مثقل في مودة، هامسة بصوت متحشرج أمرة حبيب دون أن ترفع ناظريها عن محيا أُنس: رچعني اوضتي يا حبيب..
أطاع في هدوء دون أن ينطق حرفا، جاذبا الكرسي المدولب لجدته بعيدا عن موضع أُنس، دافعا به صوب حجرتها القريبة نوعا ما، دافعا بابها على مصرعيه، تاركا أُنس موضعها جاثية على إحدى ركبتيها، شاردة تتطلع لموضع مغادرتهما، وقد شعرت أن شيء ما ها هنا يحدث.. شيء مربك ومحير، شيء على قدر ما استشعرت قساوته.. تدرك كم هو ناعم كمخمل، وتساءلت في تعجب، كيف تكون محملة بكل هذه المشاعر السلبية داخلها تجاه ذاك المكان، وهؤلاء الأشخاص، الذين تدرك تمام الإدراك كيف أثروا على حياتها وحياة أحبابها بالسلب، وكيف لبذور ذاك الشعور المتنامي بالألفة والود أن تغرس أصولها في عمق دواخلها، وأن تزهر تجاههم في ظل تربة خصبة من الصراع الدائر رحاه بأعماقها!؟..
تنبهت لخروج حبيب في تلك اللحظة من داخل حجرة العجوز، والتي غيبها داخلها منذ برهة، اغلق الباب في تؤدة، وتوقف لهنيهة متطلعا نحو أُنس في نظرات مطولة مبهمة لم تستطع تفسيرها أو إدراك فحوى رسائلها، قبل أن يرحل مندفعا لخارج السراي..
نهضت من موضعها، مندفعة بدورها نحو الدرج للوصول لحجرتها بالمضيفة، مدركة تماما أن عليها الوصول لما جاءت لأجله في أقصر وقت ممكن، والرحيل من هنا على وجه السرعة، حتى يكون لها القدرة على وأد ذاك المتسلل بين خبايا روحها، والسيطرة عليه تماما..
                      ❈-❈-❈
                  نهاية الفصل الثاني..
                       ‏يتبع..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

04 Dec, 18:25


والمزيد من الأعمال والمكاسب..
تقهقر خطوة للخلف، وتوقف رافعا كفيه مرتلا الفاتحة في صوت رخيم، حتى إذا ما انتهى مسح وجهه بباطن كفيه ممسدا على كتفيه وصدره، متنهدا في وجيعة، ملقيا نظرة أخيرة على الأحباب.. قبل أن يولي عائدا صوب الكارته التي كان ينتظره بها خادمه مصباح، أو بالأدق عبده الحبشي، فقد اشترى جده عبدالمجيد رسلان، والد مصباح من ساحة بيع العبيد في سوق أسيوط منذ سنوات بعيدة، ترجع تقريبا لزمن الخديوي إسماعيل، وظل والد مصباح وكذا زوجته التي كانت أمْة كذلك.. وأولادهم وأحفادهم عبيد في خدمة جده وأفراد عائلته العريقة السلسال حتى هذه اللحظة..
صعد العربة ودون أن ينطق حرفا لكز مصباح الفرس بطرف كرباجه، فتحرك في هوادة على طول ذاك الطريق الضيق، الذي اتسع قليلا لتظهر هناك تلك الأرض الشامخة التي ما كان يطالها ماء الفيضان مهما علت ثورته، كانت تطال كل الأرض التي تحيط بها فتحيلها لأرض سبخة وموحلة إلا هذه التلة البعيدة التي ما عرف يوما سرها، ولما هي مرتفعة بهذا القدر فما طالها من الزمن ما طال ما حولها من أراضِ..
ضاق الطريق من جديد حتى وصلا أخيرا أمام بوابة إحدى الدور، توقف الفرس من تلقاء نفسه دون أوامر من مخلوق، فترجل مصباح سريعا ووقف بجانب العربة منكس الرأس حتى ترجل سيده بدوره أمرا إياه: فك الفرس من الكارتة يا مصباح خليها ترتاح، أني چاي تعبان ومش خارچ تاني النهاردة..
هز مصباح رأسه في طاعة: اللي تأمر به چنابك يا سعد بيه.. 
صعد الدرجات الثلاث لذاك البيت الضخم المبني على الطراز الشرقي، والذي يكلل طابقه الثاني الكثير من المشربيات ما جعله أشبه بدور القاهرة الفاطمية منذ مائة عام أو يزيد قليلا..
ما أن وطأت أقدامه الدار، حتى هللت إحدى الخادمات لمرآه، ما دفع واحدة من النسوة للقدوم مهرولة من الداخل حيث المطبخ، مهللة بدورها لقدومه، هاتفة في سعادة ظاهرة: حمدا لله بالسلامة يا سعد ياخوي، الدار نورت..
ابتسم في محبة لأخته الوحيدة، هاتفا في امتنان: منورة بكِ يا توحيد، تعالي شوفي چبت لك إيه! حاچات ملهاش زي..
تهلل وجهها بشرا، وهتفت داعية: إن شالله ما اشتهيك أبدا، كفاية عليا دخلتك دي بالدنيا..
أشار سعد لبعض الأغراض التي وضعها مصباح على الطاولة، مؤكدا في هدوء: كل الحاچات دي ليكي، واللي ميعچبكيش وزعيه على حبايبك وياجي لك اللي أغلى منِه يا غالية..
اقتربت توحيد من سعد، رابتة على كتفه في محبة طاغية، هامسة في تفهم: والله ما في غالي إلا أنت يا سعد، ربنا يريح جلبك ويچبر بخاطرك كيف ما أنت چابر بخاطري يا واد أبوي، تسلم لي وتعيش يا رب..
دمعت عيناها تأثرا، وهي تقبل كتفه في تقدير جم، قبل أن تستعيد ثباتها المتقن، مطالبة إياه في لهفة: هِمّ على فوج، ارتاح لك هبابة يكون الغدا اتحط، كن جلبي كان حاسس بمچيتك، طابخين النهاردة كل الأكل اللي عتحبه..
همس سعد: ماليش نفس دلوجت يا توحيد، أني طالع أنعس، ومحدش يصحيني، ولما اجوم راح أكل..
هزت رأسها في طاعة: اللي تشوفه يا خوي، نوم العوافي..
تركت توحيد مطرحها متوجهة صوب المطبخ من جديد، تتبعها أنظار أخيها في تحسر، كان يعلم أن حظها من الجمال لم يكن بذاك الذي يغري رجل ليتقدم لخطبتها، كان حظها قليل في هذه الناحية، وصلت لهذه السن متخطية العشرين ببضع سنوات وما حازت على طلب واحد للزواج، وكأن الأرض خلت من الرجال الذين يقيمون المرأة لحسبها ونسبها لا لجمالها فقط.. ذاك الأمر الذي خلق في نفسها شعورا بالدونية تجاه جميع نساء النجع على الرغم من أنها ابنة كبيرهم، فما أن تقع عيناها على صبية تصغرها بسنوات عدة تجر أطفالها خلفها في تيه وفرحة، حتى يأكلها الوجع ويطحن تصبرها على هذا البلاء الذي ما عادت تستطيع عليه صبرا..
دقت أقدامه الدرجات حتى دفع بباب حجرته ليدخل مغلقا إياه خلفه في هدوء، وهو يشير صارفا خادمه مصباح الذي كان يتبعه كظله حتى يساعده في تبديل ملابسه والاستعداد للرقاد بعد عناء السفر، فقد كان يرغب الوحدة ولا قبل له على البقاء مع مخلوق، دفع عنه ملابسه متخففا، وذهب إلى ذاك الطشت والأبريق النحاسي، صب لنفسه بعض الماء وبدأ في الوضوء، صلى فرضه، ثم تمدد على فراشه المرتفع ذو الأعمدة المعدنية، الذي تراقص قليلا ما أن شعر بثقله فوق قوائمه، تطلع لذاك السقف البعيد من خلف غلالة الناموسية التلي، هائما في عالم آخر، حتى طلت من خلف حجب الأحداث هاتان العينان العجيبتي النظرة، التي رفعتهما صوبه فارتج فؤاده لبرهة، ذاك القلب الذي ظن أنه أودعه لحده منذ سنوات طوال، والذي ظن أنه فارقه قطعة قطعة مع كل فقد وفراق بينه وبين أحبته، حتى اعتقد أن ذاك الخافق بين اضلعه قد صمت للأبد عن النبض لأجل امرأة مهما كان جمالها..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

04 Dec, 18:25


تقلب على فراشه عدة مرات حتى زاره النعاس أخيرا مشفقا على حاله المضطرب، ليغرق في سبات عميق مليء بالأحلام، عيناها الممتنة كانت بطلتها بلا منازع..
                         ❈-❈-❈
الرسلانية ١٩١٤..
رآه يترجل من عربته عائدا بعد رحلته الطويلة نسبيا خارج النجع، جز على أسنانه غيطا، متسائلا في كمد عن مقدار مكاسبه التي جناها من رحلاته المتواترة التي لا تهدأ إلى المحروسة أو الإسكندرية بحثا عن صفقات جديدة يزيد بها من حصيلة خزانته الضخمة من الأساس.. وتعجب في نفسه.. لمن يترك كل هذا!؟.. وهو لا يملك لا ولد ولا وريث له إلا أخته العانس! .. اتقدت نار الحقد في قلبه مجددا، واندفع في اتجاه تلك الدار المتوسطة الأبهة التي تقطع في أطراف الرسلانية بعيدا عن مجريات الأمور.. دخل مستأذنا على سيد الدار الذي كان يجلس أرضا يتناول إفطاره، هاتفا في مداهنة: صباح الخيرات يا سيد الناس!
تطلع وهدان الحراني صوب ذاك النحيل متوسط الطول الذي يدعي المسكنة والغلب، أمرا إياه في تباسط: كيفك يا خواچه، تعال اجعد مد يدك، الخير كتير، والطبلية عمرانة..
ابتسم الخواجه نعيم ابتسامة صفراء، جالسا في عجالة على طلبية الطعام بلا انتظار لالحاح صاحب الدعوة من قبيل التعفف، مادا كفه في لهفة صوب الفطير المتشرب بالسمن، غامسا لقمة كبيرة في صحن العسل الأسود، دافعا بها صوب فمه المفتوح على مصرعيه، مستمتعا بالطعام كأنما ما تذوق مثيله قط، لم يعر وهدان الخواجه اهتماما يذكر إلا عندما أنهى لقيمته الرابعة على أقصى تقدير، دافعا خلفها بعض من الماء الذي عبه من القلة الفخارية التي كانت تجاورهما، وقد هتف في نبرة تحمل الكثير من اللهفة: أخبار أرض البركة ايه يا وهدان بيه! فكرت في اللي قلت لك عليه!
تطلع نحوه وهدان مجيبا: وهو فين صاحبها! مش لما نعرف له مطرح! ده كل يومين ناطط بره النچع..
أكد نعيم في حماس: رجع، ايوه شوفته داخل داره من يجي ساعتين كده، خلصت شوية مشاغل وقلت ألحق أقولك، قبل ما يسافر تاني ويغيب..
تساءل وهدان في تعجب: هو أنت ليه حاطط أرض البركة في راسك كده يا خواچه! واشمعنى أني اللي فكرت في إني ممكن اشتريها من سعد رسلان.. وبتكبر الموضوع ف دماغي كل شوية! ايه في!
اضطرب نعيم لبرهة، قبل أن يستجمع شتاته مؤكدا في هدوء نسبي: هيكون في ايه غير كل خير لك! دي أرض كلها بركة، وصاحبها ميعرفش قيمتها، ولا هي فباله من الأساس، وتبقى في باله ليه من الأصل وهو مالك الزمام كله! وما دام الحكاية كده، طب ما ياخدها اللي يعرف قيمتها ويستحقها، ومفيش في النجع حد يعرف يقدر الغالي ولا يحمل تمنه في جيبه إلا وهدان بيه الحراني..
انتشى وهدان لذاك اللقب الذي لا يحلم بحمله، البهوية، ما دفع نعيم بعد أن صمت لبرهة لأن يستطرد في نبرة مستكينة ناعمة: وأهو ينوبنا من الحب جانب يا وهدان بيه..
نفض وهدان كفيه من بقايا طعامه، عابا من ماء القلة الفخارية، متنهدا في راحة، قبل أن يهتف متسائلا: وايه هو الحب اللي هتنول لك منه چانب يا خواچه! دي أرض كلها سبخة مفيش فيها إلا أرض عالية حبتين عن أرض النچع، ده حتى مبتطلهاش مية الفيضان لما بيهل، يعني كمان مبتزرعش، ييجى إيه اللي فيها عشان تبجى مكسب، رسيني ع الدور!
لم ينطق نعيم بحرف واحد كإجابة شافية لسؤال وهدان، بل ماطل مؤكدا في نبرة ثعبانية: وافقني بس وفاتح سعد رسلان واشتريها، وأول ما تكون في يدك هرسيك ع الدور كله..
تطلع وهدان للخواجه نعيم في تعجب، متسائلا في ريبة: طب ولو أنت عارف حاچة عن الأرض دي زينة كيف ما بتجول، ليه مجلتش لصاحبها وخدت حلوانها يا نعيم، ده سعد رسلان معاه اللي يخليه يديك لحد ما تجول استكفيت!؟
قهقه نعيم مؤكدا: هو حد بيستكفى من الفلوس يا حبيبي! لكن أنا هقولك أنا مقلتش ليه لسعد عن الأرض! عشان هو ميستاهلهاش..
تطلع وهدان نحو نعيم في اندهاش، ليحرك نعيم رأسه مؤكدا في تصميم: ايوه، ميستاهلش تكون ملكه، ولا يكون حاطط أيده عليها يا وهدان بيه، أنت بس اللي لك الحق ده واللي يستاهلها بجد.. وبعدين ما أنت لسه قايل معاه اللي يكفيه وزيادة حبتين وهو لا عيل ولا تيل، يبقى أنت وعزوتك أحق بها، ولا ايه!؟
دعك وهدان اصبعي السبابة والابهام بذقنه التي بدأت شعيراتها الخشنة في الظهور قليلا، محدثا صوت احتكاك بسيط، مؤكدا أنه يعيد تقييم حديث الخواجه، وتقليبه في ذهنه، قبل أن يهز رأسه موافقا على وجهة نظر نعيم، هاتفا في بشر: على بركة الله، ماشي كلامك يا خواجه، وليه لأ!!
انتشى الخواجه نعيم بفرحة الانتصار، فقد استطاع أخيرا أن يخطو الخطوة الأولى التي كان يتوق إليها منذ سنوات طوال، ولكن ما زال المشوار طويلا حتى يصل إلى ما يصب إليه، لكن لا بأس، فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، وها قد خطاها أخيرا.. 

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

04 Dec, 18:25


                       ❈-❈-❈
الرسلانية ١٩٩٠..
توقفت فرسته على مدخل الجسر الموصل لسراي (وناسة) هكذا اسماها جده منذ زمن بعيد، عندما وجد تلك السيارة الصغيرة ما تزل عالقة بمنتصفه تسد الطريق على كل ذاهب وأيب، ما دفعه ليهتف عاليا مناديا خفيره في قوة، والذي جاء مهرولا، وقد عاد من صراعهم مع الحريق بالشونة قبله كما أمره، ليطمئن جدته التي كانت تجلس في ترقب قلقة، متسائلا في حنق: عربية مين دي اللي ع الچسر!
أكد شبل: والله ما أعرف يا بيه! كنها هنا من ساعة الحريجة ما جامت، ومشفتلهاش صاحب..
تساءل حبيب في شك: أنت متوكد مشفتش مين اللي كان فيها، ولا لمحت صاحبها!؟
هتف صوت أنثوي حاد من خلف ظهر حبيب، مؤكدا في ثقة: أو صاحبتها!
انتفض حبيب موليا وجهه صوب المتحدث، متطلعا نحوها من عليائه، مدركا أن الأقدار لا مفر منها، فحين لمح طيفها في قلب الحريق كان يُكذب ناظريه مدعيا أن أدخنة النيران قد غشت بصره، لكن ما أن سقطت عيناه على محياها وهي تستريح من عناء الصراع في ملاحقة ألسنة النيران والسيطرة عليها قبل استفحالها، تأكد له ظنه، ما دفعه ليركب فرسه موليا، لكنه كان موقنا أنه يهرب إلى حيث ستتبعه، وها قد صدق توقعه..
تاه حبيب في تأملاته وخواطره حتى أنها هتفت في حنق: هو حضرتك هتفضل فوق فرسك كده كتير! مش تنزل تكلمنا!
تنبه حبيب نافضا تلك الخواطر عن مخيلته، مستشعرا ذاك الحنق في نبرة صوتها، ما دفعه بشكل لا شعوري وعلى عكس طبيعته ليهتف بنبرة متعالية: مش لما أعرف بتحددت مع مين الأول، ولاه أنتي مفكرة إن النزول ده بالساهل ياك!
زاد من حنقها تلك العجرفة التي يتعامل بها، ما دفعها لتهتف بشبل أمرة إياه، متجاهلة حبيب تماما: تعالى يا اسمك ايه أنت زق العربية بعيد عن الجسر، وشوف لي ميكانيكي بسرعة..
لم يحرك شبل ساكنا، كان أشبه بالصنم، ما دفعها لتهتف وقد زادت حدة غضبها: أنت يا بني آدم، مش أنا بكلمك!
هتف شبل مؤكدا في صرامة: أني مبتعتعش خطوة إلا بأوامر من حبيب بيه بس..
ثم تطلع شبل صوب موضع حبيب متسائلا: أزج يا حبيب بيه!
قهقه حبيب الذي كان ما يزل على صهوة فرسه، مشاهدا في استمتاع لما يحدث، وقد ترجل أخيرا، رابطا لجام أليف فرسه في أحد أعمدة الجسر في عشوائية، أمرا شبل في هدوء: زج يا شبل، وماله.. وهات رچب من الاسطبل يزج معاك، وياخد أليف بالمرة، وإرمح هات عوض الميكانيكي يشوف ايه ف العربية، لحد ما نشوفوا مين الأساتذة!
اندفع شبل منفذا أوامر حبيب في لمح البصر، ما جعل حنقها وصل لذروته، لكنها سيطرت على أعصابها في محاولة للهدوء، فما هو قادم يحتاج منها لكل ذرة من ضبط النفس..
تساءل حبيب: مين بجى الأساتذة!
تطلعت نحوه أُنس وعلى وجهها علامات تعجب مصطنعة: اللي أعرفه إنكم أهل كرم، في حد يتعرف ع الواقف كده!
أكد حبيب بابتسامة دبلوماسية: عندكِ حج، معلش علينا المرة دي، اديكي شايفة كنا فإيه، اتفضلوا..
أشار حبيب لها ولمرافقها، الذي لم ينطق حرفا واحدا تاركا لها زمام الأمر، ليتبعاه صوب باب السراي، سارت خلفه في توجس تتطلع نحو خطواتها تارة، وعيونها تجول في المكان برهبة تارة آخرى، سقطت عيناها على الزوايا وذاك المبنى العتيق المسمى سراي وناسة.. تطلعت لنوافذه المميزة الشكل وأعمدته الفخمة، وقبته الفريدة من نوعها.. لا تعلم لما خبت نيران حنقها فجأة ما أن وطأت أقدامها أول خطواتها داخل هذه البوابة الحديدية العتيقة، التي كانت أشبه ببوابات القلاع القديمة، شيء ما تسرب نحو دواخلها في بطء حذر، حتى احتلها تماما، شعور عجيب بأمان مطلق جال في براح صدرها، وراحة مفرطة عمت روحها، وكأنها زارت هذا المكان سابقا، ولها فيه من الذكريات، ما جعلها تستشعر ذاك الاحساس الغامر بالألفة، وهي على يقين تام أن قدميها ما وطأت هذا المكان من قبل، ولا زارته حتى في أحلامها.. فهي في الأصل، لم تكن تعلم من أسبوع واحد خلى بوجود هذا المكان، ولم تعرف بوجود مكان يدعى نجع الرسلانية من قبل..
انتبهت حين هتف حبيب مرحبا: شرفتوا، بس أني لسه معرفتش مين حضراتكم، حتى نعرفوا مع مين بنتكلم..
أكدت في نبرة واثقة: هنتعرف أكيد يا حبيب بيه، بس يا ريت نكون في مكان مقفول ولوحدنا..
رفع حبيب حاجبيه متعجبا لجرأتها، ما دفعها لتصحح ما وصله، مفسرة في غيظ: أنا وممدوح..
طلت ابتسامة خفيفة على شفتي حبيب لمحتها دون جهد، وزاد غيظها من ذاك الرجل القادر على إشعال غضبها دون جهد يذكر، وهو يتطلع صوب ممدوح مؤكدا في نبرة مرحة: شرفتنا يا أستاذ ممدوح، أهو اتعرفنا على واحد، يا مسهل..
وتطلع صوبها مشيرا نحو باب المندرة الخارجي الذي يعفيهم من الدخول لقلب السراي، ليجتمعوا أخيرا تحت سقفها مغلقا حبيب باب المندرة حتى لا يقاطعهم مخلوق، قبل أن يعرف كنه هؤلاء الغرباء الذين يستشعر بحدسه أنه سيكون لهم شأنا خاصا معه.. 

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

04 Dec, 18:25


جلسوا متحلقين حول مائدة خشبية صغيرة من الارابيسك القيم المتقن الصنع، وتطلعت في أرجاء المندرة مدركة أن ذوقها راق على الرغم من وجودها في مكان كهذا، سراي قديمة تكاد تكون أثرا معماريا في قلب الصعيد!! داخلها هذه الغرفة التي تنضح بأصالة وذوق رفيع قلما يجتمعا في مكان واحد! أي عبث ذلك!
تطلع حبيب نحوهما، وقد جلس كلاهما صامت غارق في خواطره الخاصة، حتى أنه ابتدرهما متسائلا: ها، أدينا بجينا لحالنا، ممكن أتشرف بحضراتكم!
هتفت في صوت ثابت النبرة، تتطلع لحبيب بنظرة ثاقبة في محاولة لقراءة ملامحه حين اعلانها اسمها: أنا الدكتورة أُنس الوجود نجيب الحراني..
انتفض حبيب داخليا، رافعا رأسه متطلعا بنظرة ثاقبة نحو تلك الجالسة في هدوء ظاهري، وقد كانت تدرك تماما ما قد يفعله ذكر اسمها أمامه، ما جعلها مترقبة لردة فعله، ظنه ذاك دفعه ليبدو لامباليا، متظاهرا بالسيطرة على دواخله المضطربة، هاتفا في ثبات يُحسد عليه: يا مرحب..
استطردت أُنس في هدوء، وهي تشير لممدوح: وده الباشمهندس ممدوح علام، صديق العيلة..
همس حبيب ساخرا: صديق العيلة!؟ تشرفنا..
تطلعت إليه والحنق يغمر نفسها، فقد توقعت ردة فعل أكثر من تلك، وكأنه ما أقام لحضورها وزنا، لكنها ما أبدت إلا اللامبالاة ..  استطرد حبيب لتتنبه: شرفتي يا أُنس هانم! و...
قاطعته أُنس مؤكدة في نبرة متغطرسة: تقدر  تناديني ب دكتورة..
سأل حبيب في فضول ساخر: داكتورة! ما شاء الله، في تخصص ايه بجى!؟
أكدت في فخر: لا أنا مش دكتورة بشرية، أنا دكتورة جامعية، لسه بحضر ماجستير في الفلسفة.. بس تقدر تناديني بدكتورة باعتبار ما سوف يكون..
هز حبيب رأسه متفهما، متجاهلا طلبها عمدا، هاتفا في هدوء: ع العموم شرفتي يا أستاذة أنتِ وصديج العيلة..
ضايقها تجاهله لطلبها، ولفظة أستاذة تلك، متعمدة ذكر سبب زيارتها هاتفة: أنا جاية عشان..
قاطعها حبيب في حزم: برضك يا أستاذة يبجى فيه كلام على أي حاچة من جبل ما ترتاحوا، الراچل الغريب ده يجول علينا ايه! مبنفهموش ف الأصول!
نطق ممدوح للمرة الأولى مؤكدا: لا أبدا، إحنا جايين لهدف محدد، يا ريت ننجزه بسرعة ونمشي لأننا سايبين ال...
قاطعته أُنس قبل أن يسرد له جميع الظروف، التي لا ترغب في ذكرها قبالة ذاك المتغطرس الذي يحدثهم وكأنه حكم الأرض ومن عليها، هاتفة في عجالة: أيوه الصراحة إحنا مستعجلين وجايين لهدف محدد وماشيين على طول..
نطق حبيب في هوادة: ماشي، بخاطركم، بس على الأجل غيروا هدومكم المصمغة بالسواد دي، واغسلوا وشوشكم المهببة، وكلوا لكم لجمة زينة وبعدين نشوف...
اندفعت أُنس صوب إحدى الواجهات العاكسة لإحدى النوافذ، متطلعة لصورتها وقد راعها ما رأت، كانت أشبه بامرأة خارجة لتوها من قلب الدمار بهذا الشعر المشعث، على الرغم أنه ولله الحمد ما زال محتفظا بربطته المحكمة على هيئة كعكة خلف رأسها، ووجهها المصبوغ بالسواد بعدة مناطق متفرقة، لحظتها أيقنت أنه على حق، لكن ما كانت لتعترف بذلك وخاصة حين صدر منها نظرة جانبية صوبه، مدركة أنه كان يمسك ضحكاته على حالها هي وممدوح، وتعجبت أنه على الرغم من وجوده بقلب الحريق إلا أنه ما كان بذاك السوء مظهرا، فهي ما كانت تدرك أنه غسل وجهه وكفيه من أثر الدخان والرماد قبل أن يعتلي صهوة جواده ويعود أدراجه حتى لا تراه جدته بهذه الحالة فتجزع، كان يريد أن يدلل لها على أن الأمر بسيط لا يستحق الجلبة، وأنه انتهى بلا خسائر تذكر.. وكانت هذه الحقيقة لحد كبير، فلولا الإسراع في إخماد النيران قبل انتشارها لكانت الشونة بكل محتوياتها في خبر كان..
هزت أُنس رأسها موافقة إياه الرأي دون أن تنبس بحرف، ما دفع حبيب ليشير لباب جانبي آخر، مؤكدا في نبرة اختلفت كليا، تحمل في طياتها ترحيب ظنته سخرية لولا ذاك الصدق الذي نضح منه: اتفضلوا، هوصلكم المضيفة ترتاحوا فيها، وبعدها يبجالها يا أستاذة.. وكمان يكون چه الميكانيكي ونشوفوا العربية ايه فيها!
هزت رأسها موافقة، وهي تتبعه وممدوح لخارج الباب الذي لم تنتبه له من موضعها، ليجدوا أنفسهم بمنطقة ما من خلف السراي تفضي لبراح واسع، نادى حبيب بصوت جهوري على شبل، ثم تذكر أنه أرسله لإحضار الميكانيكي، ما دفعه ليبدل النداء هاتفا باسم امرأة حضرت في عجالة من غرفة بعيدة متطرفة بآخر الحديقة، كانت تهرول وهي تمسح كفيها من بعض الدقيق العالق بهما، بجلبابها الأسود الفضفاض، ملبية في عجالة : ايوه يا حبيب بيه، آمر!
أمر حبيب: طلعي شنط الأساتذة من العربية اللي بره السراي على أوض المضيفة، وخليكي مع الأستاذة لو عازت حاچة تاچيها طوالي..
هزت نبيهة رأسها في طاعة، وهمت بالتحرك وهي تبرطم ببعض الكلمات المعترضة على كل تلك المهام الشاقة التي يوكلونها إليها، بجانب الاهتمام بالاعداد لحفل عقد القران ومتطلباته، ما دفع حبيب لسؤالها في نبرة تهديدية: إيه في يا نبيهة!؟

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

04 Dec, 18:25


تنبهت مؤكدة، وقد استحالت سحنتها المقلوبة إلى آخرى بشوشة في لمح البصر، هاتفة في سعادة: فيه السعد كله يا بيه، أكيد البيه والهانم من معازيم الفرح، ربنا يكتر الأفراح..
ثم أطلقت زغرودة عالية مجلجلة، واندفعت تلبي أوامر حبيب مهرولة، ما دفع الضحكات لتعلو من ممدوح وكذا حبيب على أفعال نبيهة المجنونة، بينما ارتسمت ابتسامة خفيفة على وجه أُنس في رزانة، قبل أن تعود نبيهة حاملة الحقائب، ليتبعها أُنس وممدوح في هدوء.. ونظرات حبيب في أعقابهما تحمل الكثير من التساؤلات..
                       ❈-❈-❈
الطرق على الآنية النحاسية جذب انتباهه لينظر صوب موضع وقوف زفراني، الذي كان يدق على أنيته المدلاة من رقبته بخيط سميك في عشوائية محببة، وهو يشدو بصوت جهوري:
      نفدت من الرصاصة وصابني كحل العين..
      ‏ ‏عشطان يا صبايا، دلوني على السبيل..
ابتسم لكنه امتعض قليلا حين رأي أحد الصبيان الذي بالكاد بلغ الثانية عشرة، يرقص على الطرق مهللا، فما كان منه إلا مناداته: واد يا سالم، خد تعال!
انتفض سالم ما أن وعى للنداء، واندفع متوجها صوب موضع حبيب ملبيا: نعم يا حبيب بيه!
سأله حبيب معاتبا: ايه اللي بتعمله ده!
أكد سالم مضطربا: مفيشي، اهو بتحنچللي شوية.
أكد حبيب في حزم: مفيش راچل بيتحنچل.
هتف سالم معترضا: اهو بنرجصوا ونسلوا نفسينا شوية يا بيه!
تطلع حبيب صوبه متسائلا في حزم: وهو اللي بتعمله ده اسميه رجص، ده رجص غوازي ميلجش بك وأنت راچل، ما هو كلنا بنرجص بالعصا ساعة الفرح، بس رجص ميجلش من هيبة الراچل، واعي للي بجوله يا واد.
هز سالم رأسه متفهما، ما جعل حبيب يربت على رأسه في محبة متسائلا، وقد بدل نبرة صوته لتصبح أكثر رخامة وودا: وأنت بجى فايت أمك وحدها ورايح على فين الساعة دي!
أكد سالم: رايح ع السرايا للشيخ محمود، عشان ألحج أحفظ على يده الربع اللي لازما اسمعه ع الشيخ محروج..
ضرب حبيب قفا سالم بخفة معاتبا: اتكلم زين عن شيخك يا واد، برضك ده كلام يتجال على اللي بيعلمك كلام ربنا!
هتف سالم حانقا: ما هو أصلك أنت مدجتش طعم الفلكة بتاعت الشيخ معتوج يا حبيب بيه، معلوم، إحنا بنتعيروا بِك، چنابك وأخوك الشيخ محمود، وانكم على طول حافظين، واحنا ولاد الصرم اللي مخاخنا كيف البهايم..
قهقه حبيب رابتا على كتفه: معلش، لازما برضك تحفظ، ومهما عمل ده شيخك، فاهم!
هتف سالم بعدم اقتناع: حاضر، أما ألحج أروح للشيخ محمود معدش فيا حيل للفلكة، والله بتنزل على رچلي نار كنها چهنم..
اتسعت ابتسامة حبيب، وهو يدفع سالم في رفق: طب روح لمحمود يحفظك يا خفيف، لتبجى جهنم دنيا وآخرة..
اندفع سالم مهرولا صوب السراي وهو يهتف فزعا: يا حفيظ.. أرحمنا يا رب..
قهقه حبيب على أفعال سالم المشاغبة وهو يقفز مبتعدا محاولا تفادي عقاب الشيخ معتوق المحمدي، شيخ نچع الرسلانية، والذي حفظ القرآن الكريم على يديه، كل أبناء الرسلانية لأجيال متعاقبة..
                       ❈-❈-❈
سارت خلفه الممر المرمري الطويل في صمت لم يقطعه إلا خطوات أقدامهما الرتيبة على الأرض الرخامية الأنيقة، وصلا إلى باب المصعد لتضغط هي في سرعة زر استدعائه، تطلع هو نحوها متعجبا لفعلتها، هامسا بذاك الصوت الرخيم الذي يثير دواخلها: الاسانسير هنا..
تنبهت لصدق ادعائه عندما فُتح باب المصعد في الثانية اللاحقة، لتدرك مدى حمقها حتى تتوه في خيالاتها وهي بقربه، تلك الخيالات التي قدر توردها مورد التهلكة وهي بحضرته..
لم تعلق إلا بالصمت الخجِل، ليدخل المصعد وهي في أعقابه، لحظات مرت شعرت فيها بحضوره الطاغِ يشمل كل حواسها، ويسيطر على كل خواطرها، هي تذوب حرفيا في حضرة ذاك الرجل البارد كما الثلج، والمتقد كما نار الجحيم.. والغافل عما يفعله وجودها بقربه، كغفلة أصحاب الكهف..
لحظات يومية، تتكرر بشكل أصبح أقرب للملل والرتابة، لكنها أبدا ما ملت ولا شعرت لحظة في قربه بتلك الرتابة، بل على العكس تماما، في كل يوم تتعلق أكثر بحبال هوى ذاك الرجل الذي ما أدرك ولو صدفة، كم تهيم به تلك الحمقاء، التي تتبعه كظله كل تلك السنوات!
دخل لمكتبه وكعادته الصباحية طلب فنجان قهوته المضبوطة، جالسا على كرسيه موليا ظهره لها ولكل تلك الدفاتر على سطح المكتب، متطلعا نحو المجهول عبر تلك النافذة الزجاجية الضخمة التي تكشف له المدينة بكل معالمها من هذا الارتفاع الشاهق، مشعلا غليونه، سارحا عبر دخانه إلى اللاشيء، أو ربما محدقا في سطور الماضي إلى أمر لم يكن لتعلم به، وكيف لها ذلك وهذا الرجل الذي يملك القلب ويأسر الروح يغلق سراديب حياته بكل ما يمكنه من قوة، مخافة عثور أحدهم على مفتاحه، فتكون في ذلك عواقب لا يحمد عقباها..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

04 Dec, 18:25


دخل الساعي بزيه الرسمي واضعا فنجان القهوة موضعه المعتاد وغادر بلا كلمة واحدة.. أما هي فظلت على حالها، جالسة بركنها حيث اعتادت في انتظار أوامره التي ما تأخرت.. فقد هتف دون أن يستدير نحوها أمرا: هاجر، استدعي رؤساء الأقسام لاجتماع عاجل كمان ساعتين..
هتفت في نبرة رسمية، تخفي باحترافية اكتسبتها طوال سنوات عملها معه، كل ما تضمره من مشاعر تجاهه، مؤكدة: اعتبره تم يا نصير بيه..
خرجت من حجرة مكتبه من الباب الجانبي لتصبح في غرفة مكتبها الصغيرة الملحقة بغرفته مادة كفها نحو سماعة الهاتف لتبلغ رؤساء الأقسام بالاجتماع الموعود، وقد بدأت تزيح عن فكرها كل تلك الخواطر الشاعرية نحوه في محاولة للتركيز على عملها، فهي مع شخص حازم لا يقبل التهاون أو التقصير فيما يخص عمله مطلقا..
                        ❈-❈-❈
جذبها ذاك الصوت الشجي المرتل للقرآن الكريم من موضعها على الفراش المرتب والنظيف على عكس ما توقعت، فقد جاءت إلى نجع الرسلانية وفي ذهنها أفكار مسبقة عن مكان موحش غير قابل لسكنى المتحضرين.. لا يسكنه إلا بعض الهمج فاقدي الأهلية الذين لا يحملون من القيم والمبادئ ما قد يرقى بهم لمرتبة التعامل المتحضر.. وعلى الرغم من ذاك الصدام مع كبير السراي منذ اللحظة الأولى.. إلا أنها تعترف أن المكان الذي تتطلع صوب ملامحه النضرة من نافذة حجرتها المنظمة مخالف تماما لذاك التوقع، وأدركت أن نظرتها للمكان وأناسه كانت بها الكثير من التحامل..
أرهفت السمع من جديد للصوت العذب، وتشجعت لتفتح باب حجرتها قليلا ليعلو الصوت القادم من مكان قريب.. سارت في خطوات مترددة نحو الموضع الصادر منه صوت التلاوة حتى وصلت عند باب إحدى الغرف، ترددت قبل أن تقترب من الباب في حذر، أدخلت رأسها في فضول لم يكن من عاداتها لتتعرف على صاحب الصوت.. كانت تعتقد في البداية أن الصوت قادم من إذاعة القرآن الكريم التي يفتحها أحدهم من المذياع، لكن ما أن اقتربت حتى أدركت أن الصوت الذي تسمع صوت حي لشخص موجود داخل هذه الحجرة التي وقفت على أعتابها مشدوهة من جمال التلاوة، حتى إذا ما انتهى هتفت في استحسان: الله.. ايه الجمال ده! صوتك يسحر..
انتفض محمود من موضعه، متسائلا في اضطراب: مين!؟...
هتف صديقه سالم الذي كان برفقته في نبرة مشدوهة: الله، دي بت زينة جوي يا شيخ محمود! بدر مصور..
هتف محمود معاتبا: سالم!
هتف سالم في حنق: يا دي سالم ع اللي چابه، خلاص هنغض بصرنا أها..
نكس الصبي رأسه، محاولا أن يغض بصره الذي كان يحيد بشكل لا إرادي صوب موضع أُنس متطللعا في فضول نحوها، ما دفع ضحكاتها لتصدح عالية على أفعال الصبي المشاغب، الذي هتف مبرئا ساحته: أها، مليش صالح يا بوي، هي اللي بتضحك، بس إيه ضحكة تشرح الجلب..
امتعض محمود متسائلا: أنتي مين!
هتفت أُنس مجيبة: اعتبرني ضيفة..
أكد محمود في نبرة هادئة لا تتماشى مع أعوامه التي قدرتها تقريبا بثلاثة أو أربعة عشرة عاما على أقصى تقدير: ضيفة ع العين والراس، بس الضيف مبيدخلش على حد كده من غير إحم ولا دستور..
ابتسمت هاتفة بنبرة معتذرة: عندك حق، بس صوتك ما شاء الله.. هو ده اللي جبني، لولا كده مكنتش خرجت من اوضتي إلا مع وصول حبيب بيه، اللي هيعرفك إني مش ضيفة أوي يعني..
هتف محمود متعجبا: يعني إيه مش ضيفة!. 
عرفت نفسها: أنا أنس الوجود نجيب الحراني..
لم يظهر على وجه محمود أي تأثر بالاسم، إلا إنه همس في تعجب: حراني! أنتي من الحرانية! ..
همس سالم متعجبا بدوره: حرانية، ايه اللي بيحصل هنا يا شيخ محمود! ومين دي!
همس محمود دافعا سالم في عجالة: هتكون مين! ما هي جالت ضيفة، ياللاه روح يا سالم دلوجت ونحفظوا بعدين..
هتف سالم معترضا: بعدين ميتا! ده أني لازما أروح حافظ الربع للشيخ معتوج بعد صلاة المغرب.. وإلا هتبجى ليلتي كوبيا..
أكد محمود وهو يدفعه ليرحل: معلش، روح دلوجت، أني تعبت..
اندفع سالم راحلا في حنق، منفذا أمر محمود وهو يتمتم معترضا: مش هتسلم من فلكة الشيخ معتوج يا فجري، جال سالم جال، ده أني مفيش ولا حتة مني هتبجى سليمة، وكل حتة هتبجى ف ناحية..
اتسعت ابتسامتها على الرغم منها حين مر بها سالم، وعلى الرغم من ورطته، إلا أنه تطلع لها وقد انشرحت نفسه فجأة ناسيا ما كان ينتظره من وعيد الشيخ معتوق، واتسعت الابتسامة على شفتيه وهو يلوح لها راحلا، فأمسكت ضحكاتها عن الانفلات لأفعاله.. والتي وأدتها تماما وكاد أن ينطلق بديلا عنها شهقة قوية ما أن تحرك محمود وكاد أن يتعرقل بحافة البساط القديم الذي كان في يوم ما ذي قيمة ثمينة، لكنه ضبط حركته مستقيما باحثا عن شيء ما في الفراغ حوله، أدركت أنه عصاه التي يستطلع بها طريقه، هالها أن عرفت أنه كفيف، فما لاحظت ذلك منذ الوهلة الأولى، مدت كفها مساعدة تناوله عصاه التي كانت قابعة بالقرب منه لكنه من اضطرابه لم يستدل على موضعها، والتي قبض عليها بإحدى كفيه شاكرا لها صنيعها، وهم بالخروج من الغرفة، فسألته: على فين! أنا راجعة اوضتي لو ده هيخليك ترتاح وتقعد في اوضتك

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

04 Dec, 18:25


براحتك!
أكد محمود في رزانة: أنا كمان راچع اوضتي، دي اوضة الضيوف وأني كنت مع سالم فيها عشان ميدهسش البيت وفيه حريم داخلين وخارچين عشان كتاب منيرة أختي، فجلت ياخدوا راحتهم..
ابتسمت رغما عنها لمنطقه، وعرضت عليه في ود: طب ممكن اوصلك..
كاد أن يعترض، إلا أنها استبقته هاتفة: عشان اطمن عليك إنك وصلت بالسلامة، كفاية إني كنت سبب في إن صاحبك مشي وأكيد كان هو اللي هيوصلك اوضتك، أنا هوصلك وهرجع على اوضتي على طول..
ساد الصمت لبرهة، قبل أن يهز رأسه موافقا..
                       ❈-❈-❈
فتحت عينيها في تباطوء لتدرك أنها في حجرتها ببيتها لا في المشفى، ما جعلها تزفر في راحة.. فما زال شبح تلك الليالي التي قضتها بالمشفى قابع بذهنها، فهناك وهي في غيبتها عن العالم رأتهم جميعا، كل من رحلوا وكل من لازالوا على قيد الحياة، كل الأحبة الذين خزلتهم أو ربما هم من خزلوها، سمعت لومهم وتقريعهم، واسمعتهم هي بدورها عتابها وصوت انين قلبها الدامي حتى هذه اللحظة.. تنهدت وحاولت النهوض في تمهل، لتدرك أن درية ها هنا تجلس غافية على مقعد مقارب للفراش، يعلو صوت غطيطها قليلا عن المعتاد، ربما لأنها تنام في وضعية غير سليمة برأسها المائل على إحدى كتفيها، مؤثرا على مخارج تنفسها، ما دفعها لتهمس في اشفاق: درية، درية!!
تنبهت درية مزعورة، تتطلع نحوها في خوف حقيقي، متسائلة في نبرة ملهوفة: إنتي كويسة، أكلم الدكتور!
ابتسمت برلنت مؤكدة: أنا كويسة متخافيش، قومي نامي مع أُنس، هي فين صحيح! أنا مشفتهاش خالص النهاردة!
اضطربت درية قليلا، لكنها ما أفصحت عن سبب غياب أُنس، محاولة تبرير غياب أنس بشكل لا يثير ريبة أمها، مؤكدة في نبرة حاولت أن تكسوها بالصدق قدر استطاعتها: أُنس نايمة جوه من التعب يا عيني، وأنا قلت لها ترتاح شوية، أصلها تعبت جامد فالمسشفى، مكنتش بتنام من قلقها عليكي، سبتها تنام وخدت أنا مكانها جنبك..
هزت برلنت رأسها متفهمة، وأمرت درية في نبرة حانية: وإنتي كمان روحي نامي، أنا كويسة، ولو عزت حاجة هنادي حمدية..
تمنعت درية بعض الشيء، لكنها في الآخير ازعنت لإصرار برلنت،  ونهضت مغادرة الغرفة، تاركة برلنت وحيدة تتطلع قبالة ناظريها للفراغ، تجتر حوارات الماضي وأحداثه من جديد، تتابع أمامها كشريط سينمائي، وقد تناهى لمسامعها صوت فيروز القادم من مذياع أحد الجيران، حاملا الحطب إلى نيران الذكرى التي كادت أن تخبو فزادتها اشتعالا..
              بأيام البرد وأيام الشتا
        والرصيف بحيرة والشارع غريق
        تجي هاك البنت من بيتا العتيق
     ويقول لها انطريني وتنطرع الطريق
         ويروح وينساها وتدبل بالشتا..
دفعت برلنت الغطاء عن جسدها، ونهضت في تؤدة وبخطوات حذرة خارج فراشها في إتجاه خزانة ملابسها، فتحت إحدى ضلفاتها ومدت كفها نحو أحد الأدراج الخفية، فتحته وتناولت منه علبة قيمة من القطيفة الزرقاء، تطلعت لها لبرهة في نظرات ساهمة قبل أن تدفع قمتها مطيلة النظر لمحتوياتها، مدت كف مرتعش نحو ذلك الظرف الذي بهت لونه، تركت العلية القطيفة جانبا وفتحت الظروف مخرجة في حرص ورقة صفراء شاحبة بدت حروفها ما أن خطتها وقد غاب بعضها وشحب البعض الآخر، قرأتها على الرغم من ذلك، وكيف لا وهي تحفظها عن ظهر قلب، تحفظ كل حرف وتتذكر مدى تأثيره على قلبها لحظتها وحياتها فيما بعد، تنهدت وقد لمع الدمع بمقلتيها، فغامت الرؤية قبالة ناظريها وفيروز تزيد الملح على ذاك الجرح الحي بروحها..
           مرقت الغريبة عطيتني رسالة
            كتبها حبيبي بالدمع الحزين
          فتحت الرسالة حروفها ضايعين
             ومرقت أيام وغربتنا سنين
           وحروف الرسالة محيها الشتا..
سال الدمع على خديها، ما دفعها لترجع الرسالة في حرص حذر خشية تمزيقها لداخل مظروفها، متناولة تلك الرسالة الآخرى التي كانت تجاورها بالعلبة، قرأتها كذلك، وفقدت لحظتها السيطرة على دموعها والتي انسابت في غزارة..
أعادت الرسالتين لموضعهما داخل العلبة القطيفة، وجلست تتطلع للفراغ من جديد، تستعيد فحوى الرسالتين باكية، فحياتها كلها بكل تفاصيلها وأحداثها تنحصر في كلمات واسطر، خطت ماضيها وحاضرها كله..
                         ❈-❈-❈
سارا في خطى وئيدة وهي تضع كفها تحت مرفق ذراع محمود حتى وصلا لدرجات سلم هبطاه في سلام، لتجد نفسها برفقته وقد أصبحا في قلب البهو الواسع للدار، والهدوء يعم المكان ولا أثر لنسوة أو صخب كما اعتقدت من كلام محمود عن وجود النسوة استعداد لقران أخته..
تطلعت حولها في تعجب من روعة وجمال التصميم الداخلي الفخم، كانت قد اندهشت من تصميم حجرة الاستراحة التي دخلتها حين وصولها، لكن هذا البهو هو تحفة فنية بحق، جالت عيناها على النقوش والافريزات المتقنة الموجودة بكل ركن.. ولم تستفق من مطالعة هذه الروعة إلا على صوت محمود ممتنا: متشكر لحضرتك، أني وصلت، اوضتي أهي ع اليمين..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

04 Dec, 18:25


٢- أرض البركة..

الرسلانية ١٩١٤..
أبصرت عيناه مدخل النجع، كانت الأرض بطول الطريق تشي بموسم الفيضان الذي ولى، وحان أوان الغرس والزرع، الظهور المنحنية، والرؤوس المنكسة لعمال الوسية هناك على مدد البصر فوق أراضي الغيطان الوحلة قليلا، بعد أن كانت هذه الأرض غارقة في مياه النيل الثائر لأشهر، والذي أبعد هؤلاء التملية والفلاحين عن العمل بها، ودفعهم لشغلهم مع عمال التراحيل بحثا عن لقمة العيش في حفر الترع والقنوات، أو بناء الجسور في مدن ونجوع آخرى، حتى عودتهم إليها من جديد حين غاصت الأرض بمائها وخبت بعضه بباطنها وأصبحت صالحة لاستقبالهم بأزرع منفرجة، ليعودوا مقبلين في فرحة وكأنهم ما ابتعدوا قط، كل هذا جعله يدرك في لحظة عمق وتأمل، أن الأرض تتبدل يوميا، وما من أمر يبقى على حال، وأن التغيير هو سنة الله في كونه، وقد أقام الله على أساسه كل ما يحيط بالإنسان من تعاقب ليل ونهار، وتتابع لفصول السنة الواحدة، وكذا حياة الإنسان، وقد اختبر التغيير مرات في حياته هو ذاته، جعلته يدرك أن لا مفر منه، وعليه تقبله مهما كانت نتائجه غير متوقعة، أو توابعه غير مقبولة، فلعل في ذاك الخير ولا يدري..
ابتسم في شجن وقد تخطت عربته حدود النجع، لكن حتى تلك الابتسامة الشجية غابت وغام وجهه بتعابير شتى عندما سقطت عيناه على تلك الشواهد البعيدة فوق التلة المتوسطة الارتفاع لقبور غالية، هاج القلب وأمرت الروح وشعر بالرغبة في الوصل، ما دفعه ليأمر خادمه بالتوقف على حين غرة: وجف يا مصباح، وجف..
تنبه سائق الكارته لأمر سيده، جاذبا لجام الفرس العفية أمرا إياها بالتوقف، فسكنت من توها، عدل هو من وضع عباءته فوق كتفيه، وبدأ في الترجل عن الكارتة مستعينا بعصاه الآبنوسية التي يستند عليها لغرض الوجاهة لا أكثر، فهو أشد من أن يحتاج لمثلها لتعينه على المسير، وما له من العمر لم  يتجاوز الأربعين ربيعا على أي حال..
صعد التلة القريبة في سلاسة معتادة، واقترب من الشواهد حتى أضحى قبالتها فوقف في صمت يتطلع لها مدركا كنه قاطنيها دون أن يكون هناك أثر لاسماء معنونة على كل شاهد..
هنا يرقد كل من كان له في هذه الحياة، زهيرة زوجته الأولى، أول الفرح، وبداية العنفوان، ويجاورها مباشرة عنقود الهيبة الذي انقطع ذكره بانفراطه، ولديه سعيد وحامد، غامت عيناه بالدموع، اثنتا عشرة سنة ولت منذ رحيلهم، ولكن نيران الفقد بالقلب لا تزل مستعرة لم تخب أو حتى ينمحي أثر ندبة الفقد من على جدران الروح، حصدتهم الكوليرا اللعينة مع من حصدت في غفلة منه وقد كان في تلك الفترة خارج النجع لبعض أعماله، يباشر بورصة القطن التي كان مضاربا فيها للمرة الأولى، كان يوليها جل اهتمامه بذاك الوقت مخافة الخسارة، ولم يخسر بالفعل بل على العكس تضاعفت أرباحه وزادت ثروته، لكن ما أن فكر في العودة فرحا لأحضان العائلة مكللا بالنصر، إلا وقابلته هزيمة من نوع آخر، هزيمة في معركة ما كان فيها منتصرا أبدا، فالنتيجة محسومة لصالح القدر، الذي لم يمهمله وداعهم جميعا، ومنعه رجال الحجر الصحي الذي تم فرضه على النجع ما أن ظهرت به الحالات المصابة تباعا، ليرى أمام ناظريه جثمان زوجه وكذا ولديه واحدا تلو الآخر يودع قبره، ليضمه مثواه الأخير وهو عاجز على ضمهم لصدره ووداعهم للمرة الأخيرة..
سالت دمعة باغتته هاربة فتركها لحال سبيلها تنحدر على جانب وجهه حتى سقطت وانتهى أمرها.. متذكرا صوت ولديه ولحظات شجارهما وعنفوانهما وخلاف أمهما معهما، وفخرها أنها أنجبت رجلين لسيد الرجال، كما كانت تصفه.. اقترب من شاهد قبر زهيرة، وربت على الشاهد في حنو، قبل أن تباغته دمعة آخرى فرت على خده، اغتالها في سرعة بظاهر كفه، وهو يتطلع ساهما لقبري ولديه..
تحرك لخطوات قليلة لليمين، قبل أن يتوقف من جديد مثبتا ناظره على قبر واحد، تطلع له لفترة ليست بالقصيرة قبل أن يهمس لصاحبته: آه يا سعدية، روحتي وخدتي أمانتك معاكي، كنك بخلتي عليا به، وخفتي على وحدتك، فخدتيه وياكي يونسك، وفوتوني لحالي!
كانت سعدية هي زوجته الثانية، التي التقاها بعد سنوات من حزنه على زوجته زهيرة وفقيديه، كان زواجه منها مدبرا حتى تستطيع أن تجذبه بعيدا عن أحزانه التي غرق فيها لسنوات، واستطاعت بالفعل إلا أن القدر كان له رأي آخر، وضن عليه بتلك السعادة قصيرة العمر التي عاشها فترة زواجهما، سنة بالتمام و الكمال من الفرحة، لكن ما أن حان موعد ولادتها، حتى وافتها المنية وما استطاعت قذف جنينها للدنيا ليكون عوضا عمن رحلوا، ونسا له وامتداد يحمل اسمه الرنان، فمات وما انفصل عن أمه، بعد أن حاولت القابلات ما استطعن، لكن حكم الله كان هو النافذ، ليخسر زوجته الثانية وجنينها قبل أن يرى النور، وغرق من جديد في بحر أحزانه الذي ما انتشله منه مخلوق حتى اللحظة، يدعي أنه شديد وقادر على تحمل ضربات معول القدر الذي يفت في صلابة قلبه، لكن ما أن يخلو لنفسه، حتى تتراقص أشباح الذكرى قبالة ناظريه، موقدة في جوانب نفسه الحسرة والوجيعة، التي كان يتشاغل عنهما بالمزيد

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

04 Dec, 18:25


الفصل الثاني 👌🏼
٢-أرض البركة

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

01 Dec, 19:41


لينك الفصل الثاني 🌹 للي مقدرش يقرأه على المدونة 👌🏼💕
https://www.ayam.news/679967

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

29 Nov, 18:32


لينك قراءة الفصل الثاني 👌🏼🌹
https://rewaiyawhekaya.blogspot.com/2024/11/Toyab.comp.html

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

28 Nov, 17:36


لينك اقتباس طويل من الفصل الثاني 👌🏼
https://rewaiyawhekaya.blogspot.com/2024/11/Toyab.comp.html

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

27 Nov, 18:03


امتعضت أمها ولم تعقب بحرف، فما كان لها الرغبة في إعادة النقاش في هذه المسألة مجددا، فاستطردت أُنس أمرة الخادمة، وهي تنهض عائدة لحجرتها من جديد لتستعد للمغادرة: قومي يا حمدية اعملي لي فطار سريع قبل ما أنزل عشان أنا اتأخرت وعليا مشاوير كتير النهاردة..
هتفت أمها تسألها بصوت مرتفع قليلا حتى يصل إليها: يعني مش هتتغدى معانا النهاردة كمان!
ردت في نبرة تحمل بعض الأسف: معلش يا ماما، مش هقدر، النهاردة زحمة أوي، كلي أنتِ عشان متأخريش دواكي، ونتعشى سوا..
لم ترد أمها، ما جعلها تطلق تنهيدة حارة محملة بالذنب وهي تغلق باب غرفتها، كانت تعلم أنها منذ قررت الانخراط في استكمال دراستها العليا، وهي لا تقضي الوقت الكافي بصحبتها، لكن ما باليد حيلة، ربما حين تستقر على اختيار موضوع مناقشة الماجستير، سيكون وقت مكوثها بالبيت أطول، وقد تعوض أمها الوقت الذي مر بلا صحبتها.. ربما..
                         ❈-❈-❈
نچع الرسلانية.. ١٩٩٠
كان قد منى نفسه بساعات قلائل من النوم بعد صلاة الفجر، فقد كانت الفترة الماضية مليئة بالضغوط والتحديات التي ينوء بحملها الجبال، لكنه تحملها صابرا حتى تكتمل فرحته، ويوصل تلك الأمانة المعلقة بعنقه منذ سنوات إلى حيث مستقرها الآمن، لكن تلك الدقات المتتابعة على الصفيحة النحاسية المألوف صوتها لأذانه، جعله يتململ في فراشه ممتعضا، يلقي نظرة سريعة بنصف عين صوب ساعة يده الثمينة التي كان قد خلعها واضعا إياها جانبا، مؤشر الساعات قد تخطى السادسة بقليل مقتربا للسابعة، ما دفعه ليترك الساعة جانبا محاولا أن يغمض جفونه لعله يعاود النوم، لكن الطرقات على الصفيح النحاسي عاود مجددا، بل إنه زاد حدة عندما اقترب صاحبه من سور السراي، هاتفا بصوته الجهوري:
         صبح العليل بلا باع ولا دراع..
       ولا معاه اللي يطيب به الأوچاع..
همس في نبرة قلقة: وااه يا زفراني، ليه كده ع الصبح!..
دفع عنه الغطاء، ناهضا في حنق صوب شرفة حجرته جاذبا خصاص النافذة، ليخرج مطلا منها باحثا عن موضع ذاك النذير، وما أن وقعت عيناه صوب مكانه مارا بالسور الشرقي للسراي، حتى هتف به يستدعيه للداخل: يا زفراني، خد تعال.
هرول زفراني مهللا حتى أن صفيحته النحاسية أصدرت أصوات عدة حين تراقصت مصطدمة بكل تلك القلائد والتمائم العجيبة الأشكال والألوان والمختلفة الأطوال، والتي تتدلى من عنقه الغليظ، وتساءل في لهفة وبصوت جهوري: حداكم زفر يا الحبيب!
قهقه حبيب متعجبا: زفر على غيار الريج! طب جول فَطير وعسل، ولا حتى حتتين رواني يا فجري!
هلل زفراني من جديد راقصا ما أن جاء الحديث على ذكر معشوقته الرواني، تلك الحلوى الغارقة في العسل..
أشار له من جديد ليعود لباب السراي مارا للداخل حتى يناله نصيب من الفطور الذي تعبق رائحته السراي، والقادمة من حجرة الخبيز في الجهة الخلفية منها عند سورها الجنوبي..
تابع هو زفراني بناظريه حتى دخل للسراي، وسمعه يتبادل الحديث المازح مع خفيره القابع كسبع على بوابتها الحديدية القديمة قدم هذه السراي، والتي مر عليها الكثير من الخطوب وشهدت العديد من العصور وما تأثرت صلابتها..
شرد بناظريه صوب النيل الذي لا يفصله عن مدخل السراي إلا ذاك الشريط الترابي الضيق المسمى مجازا طريق.. ثم من بعده يقبع ذاك الجبل الشامخ هناك شاهدا على هذه الأرض منذ دهور سحيقة بطول الزمان وقد غطت قمته بعض السحب في مطلع ذاك النهار الشتوي منذرة بيوم بارد بعض الشيء ومعتاد في مثل هذا الوقت من العام..
عب من الهواء العليل البارد نسبيا ملء رئتيه، ثم زفره دفعة واحدة قبل أن يعود أدراجه لداخل حجرته، مبدلا ملابسه هابطا الدرج نحو صحن السراي ونظرته تتأكد من وجودها حيث تجلس جوار ذاك الجرامفون القديم، فمنذ وعت عيناه الدنيا وما وجدها إلا قابعة هناك، تتلفح شالها الصوفي الرمادي المزهر بتلك الورود البيضاء والزهرية، والذي يعد إرثا عائليا تنوي توريثه لإحدى فتيات العائلة كما أكدت في عدة مناسبات.
ابتسم في حنو حين وصل موضع كرسيها القرمزي الفخم الموشى بالقصب، فوجدها وقد غفت قليلا كعادتها وإحدى الاسطوانات تدور بالجرامفون تصدر صوتا متحشرجا لا يعرف إن كان غناء أم عويل، ما دفعه ليرفع إبرة الجرامفون عن سطح الأسطوانة المسكينة التي أهلكها كثرة الدوران بلا طائل حتى هدأت أخيرا، لكن السيدة العجوز تنبهت ما أن عم الصمت مع سكون الأسطوانة عن اللف والدوران، رافعة رأسها مستفهة، فوقع ناظرها على حفيدها الغالي فابتسمت في بشاشة هامسة: صباح الخير يا حبيب ستك..
انحنى في تأدب مقبلا ظاهر كف صفية المتغضن، هامسا في محبة: صباح الخير يا ست الكل! إحنا مش جلنا بلاها نومتك دي، ونامي في فرشتك عشان تفردي ضهرك اللي تاعبك ده!

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

27 Nov, 18:03


أكدت معللة: أني مرتاحة هنا، وبعدين لما بحب أفرد ضهري بدخل اوضتي فنص النهار أرتاح.. متخدش أنت فبالك، ستك شَديدة يا واد..
اتسعت ابتسامته مؤكدا: طول عمرها، وهي يعني هتچيبه من فين! بت الوز..
همست متحسرة وهي تشير لكرسيها المدولب الكائن بأحد الأركان: جول للزمان ارچع يا زمان، ستك كبرت، والعضمة شاخت، والهيبة راحت يا حبيب..
مال ملثما هامتها، مؤكدا في فخر: لا عاش ولا كان يا ستي اللي يجول كده، هيبتك محفوظة ومجامك عالي..
ساد الصمت لبرهة، قبل أن يهم بالمغادرة صوب الخارج، لكنها استوقفته متسائلة: حبيب! چبت كل اللي طلبته منيرة!
هز رأسه مؤكدا، ما دفعها لتستطرد هامسة في شجن: عارفة إن الحمل زاد على كتافك يا غالي، لكن أنت كدها..
همس حبيب متعجبا: وه!.. خبر إيه يا ستي! دي أيام فرح، بلاها حِزن.. شبعانين منِه، خلونا نفرح باللي چاي الله يخليكي..
أكدت باسمة: صدجت.. خلونا نفرحولنا يومين، بلا وچع جلب..
اتسعت ابتسامته من جديد، وهتف مناديا: يا بت يا نبيهة.. أنتِ يا بت!
جاءت نبيهة تهرول وهي تدعك عينيها متثائبة شبه ناعسة: نعم يا حبيب بيه!
سألها في تعجب: فين الفَطور!
تثاءبت من جديد هاتفة: حاضر، دجيجتين ويكون ع السفرة، أصلك بعيد عنك يا بيه، جالي فكر الليلة اللي فاتت، ومجانيش نوم إلا وش الصبح..
هتف حبيب ساخرا: چالك فكر! ده اللي هو كيف يا نبيهة! بعد الشر عنِكِ..
قهقهت جدته صفية هانم رسلان، ونبيهة تستطرد في نبرة العالمة ببواطن الأمور: أصلك يا بيه، جعدت أفكر في البطل بتاع الفيلم اللي شفته مع الست الكبيرة عشية، هيتچوز البت الحلوة اللي كانت بتخدمه، ولا لاه!
قهقهت صفية مؤكدة: متچوزهاش يا فجرية، ما أنتِ نمتي فنص الفيلم.
هتفت نبيهة متحسرة: يا خسارة يا ولاد..
ثم استطردت وهي تعبث بجدائلها السوداء مؤكدة في فخر: والنعمة كانت بت زي الجمر، شبهي كده، هو اللي خسران.
ارتفعت قهقهات صفية على أقوال نبيهة، بينما نهرها حبيب لتسرع في تحضير فطوره، حتى يلحق بمصالحه، غادرت نبيهة مهرولة وابتسامة صفية ما زالت مرسومة على شفتيها ممازحة حفيدها: شكل البت نبيهة عينها منك، والله لو ما اتچوزت، لهچوزك نبيهة ويبجى چنيت على روحك.
ارتفعت ضحكاته مؤكدا: ياللاه عشان تبجى كملت، ما أصلك هي ناجصة چنان!
قطع ضحكاته هاتفا في سعادة ما أن طلت على مجلسهما في خطوات وئيدة: أها، ست العرايس وصلت..
اتسعت ابتسامة منيرة في خجل، وتخضب وجهها بحمرة زادتها حسنا، وهي تلقي التحية في اضطراب: صباح الخير..
هتفت جدتهما في سعادة: يا صباح الفرح على عروستنا.
هتف حبيب موجها كلامه لأخته منيرة: بجولك! عريسك خلاص حدد ميعاد الكتاب بعد سبوع، والليلة الكبيرة بعده بسبوع كمان..
كان يعلم أنها على علم بترتيبات الرجال وقد وافقت على الموعد قبل عرض الأمر عليه، فقد كانت مجيدة صديقتها المقربة وأخت عريسها عزت ابن عمدة نجع الرسلانية، مرسالها وعريسها الذي كان يعلم أنه يملك قلبها منذ شبوا عن الطوق، وأدركوا معنى الهوى.. لكنه أبدا ما باح بتلك المعرفة، ورحب بحرارة حين جاءه خاطبا إياها.. ليتوج فرحة قلبها في حلال ربه..
هتف حبيب مستطردا: ناجصك حاچة ولا كده تمام! شاوري بس وأنتِ ياجيكِ نچم السما، وهو إحنا عندينا كام منيرة!
نكست رأسها حياء، وهمست في اضطراب: لاه، كله تمام، ربنا ما يحرمني منك يا رب..
تطلع نحوها في محبة أخوية صافية، هذه الصغيرة التي رُبيت على يديه، ها هو يتطلع نحوها اللحظة وقد أضحت امرأة وافرة الأنوثة على أعتاب الرحيل من داره إلى دار زوجها، بضعة أيام فقط تفصله عن وداعها .. أصبحت ضيفة عليهم في هذه السراي حتى تغادر لبيتها لتبدأ حياة جديدة مع أسرة آخرى..
دفع نفسه دفعا خارج خواطره المرهفة تلك، متسائلا في تعجب: هو الشيخ محمود لسه نايم ولا ايه!
تعالت عدة طرقات لعصا تضرب الأرض في غضب، وهتف صوت رخيم مؤكدا في وقار لا يتناسب وصغر سنه: لاه، الشيخ محمود جاعد في اوضته غضبان عليكم، كده يا حبيب متصحنيش لصلاة الفچر!
اندفع حبيب ملتقطا كف أخيه الضرير، مجلسا إياه قرب منيرة، مؤكدا في نبرة تفيض أسفا: غلطة ومش هتتكرر يا شيخ محمود، بس أصلك أني يا دوبك لحجت الإقامة رمح، والدنيا كانت تلچ.. والصراحة خفت عليك من لسعة البرد ف الفچر، وأنت توك طالع من دور شديد، إن الله غفور رحيم يا شيخنا، سماح النوبة دي!
هز الشيخ محمود رأسه في رزانة مؤكدا: خلاص سماح، بس بعد كده تصحيني.. بلا برد بلا عفريت ازرج، وربنا يغفر لنا كلنا.
ابتسم حبيب رابتا على كف أخيه الذي انهضه من جديد وتوجه به صوب المائدة التي كانت قد امتلأت بكل ما هو طازج وشهي.. ليهتف حبيب بهم جميعا ما أن استقروا حول الطعام: بسم الله.. واستطرد أمرا نبيهة: بجولك يا نبيهة.. خرچي لزفراني اللي فيه النصيب.

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

27 Nov, 18:03


هتفت نبيهة ساخرة: وهو عاتج! ده طلع يچري وراي، وخد نصيبه جبلكم، سحب له فطيرة بنار الفرن وحتة چبنة وصحن عسل وطلع يرمح، صبرني يا رب.
قهقه المتحلقين حول المائدة، فقد كان زفراني هو الوحيد القادر على الأخذ بثأر الجميع من نبيهة..
                           ❈-❈-❈

طرقت على الباب الفخم بذاك الطابق من مبنى كلية الآداب.. دافعة إياه ما أن جاءها الإذن بالدخول، لترتسم على شفتيها ابتسامة مشرقة ما أن طالعها وجه أستاذها الذي رفع رأسه الأشيب عن أوراقه التي كان يطالعها مبتسما بدوره.. ومهللا ما أن وقع ناظريه على محياها، هاتفا في ترحيب: أهلا بتلميذتنا النجيبة، اتفضلي..
جلست قبالته إلى المكتب ليستطرد متسائلا: ها، وصلتي لاختيار موضوع الرسالة ولا لسه مستقرتيش!!
أكدت أُنس في خيبة: لسه يا أستاذي بدور، أنا عارفة إن حضرتك اقترحت موضوعين مميزين، وشكلي كده هستقر على واحد فيهم..
أكد أستاذها: طيب على بركة الله، ياللاه عشان نسجل بقى ونبدأ الشغل مش عايزين تأخير..
هزت رأسها موافقة، وشرعا في تجاذب أطراف الحديث عن موضوع الرسالة المقترح.. وقد أوصى بأسماء بعض المراجع التي عليها الرجوع لها..
تركته متوجهة نحو مكتبة الكلية، تحمل الورقة التي دونت عليها أسماء المراجع، وهي ما تزال مترددة لقبول موضوع البحث، فقد كانت رغبتها دوما في بحث موضوع جديد ومميز.. لكن ما هو الموضوع! وأين ذاك الخيط الذي تمسك به لتبدأ بحثها!؟... 
تنهدت وجلست لأقرب مقعد من ذاك الرف الذي جذبت منه المرجع المطلوب داخل المكتبة وبدأت في مطالعته، دقائق وغرقت في التفاصيل حتى أنها لم تعي لحالها إلا بعد ساعتين كاملتين وقد بدأت في الشعور بتيبس في فقرات عنقها، كما أنها استشعرت تململ أمينة المكتبة التي كانت ترغب في الانصراف.. ما دفعها لتجمع الأوراق التي دونتها مغلقة المرجع تعيده موضعه على الأرفف، لتخرج من المكتبة وقد جاوزت الساعة الرابعة عصرا، فكرت في إلغاء مشوارها المتبقي والعودة لتناول الغذاء مع أمها، لتكن لها مفاجأة سعيدة.. فهي تستشعر منذ فترة احساس أمها المتنامي بالوحدة، تلك الوحدة التي تدفعها لسرد حكايات وقصص قديمة عفا عليها الزمان، فقط لأنها تشعرها بالراحة النفسية، وأمور آخرى هي غير قادرة على إدراكها، أمور غامضة نوعا ما، ما فكرت يوما في السؤال عنها، وكثيرا ما تنبهت لأمها وهي تتجاذب أطراف الحديث همسا مع خالتها درية، ذاك الحديث الذي ينقطع فور دخولها.. متحولا لجدل مفتعل عن أمر ما لا يمت لسرهما بصلة..
ابتسمت وهي تدير مفتاح الشقة دافعة إياه هاتفة في فرحة: أنا جيت يا لولو.. فين الغدا! اوعوا تقولوا إنكم مش عاملين حسابي، ده أنا..
اندفعت حمدية نحوها، هاتفة في ذعر ووجها تغطيه الدموع: إلحقي يا ست أُنس، الست الكبيرة تعبت أوي ومكنتش عارفة تاخد نفسها، والأستاذ ممدوح جه وخدها للمستشفى.
انتفضت أُنس بلا كلمة واحدة مندفعة للخارج صوب المشفى، تتقاذفها الظنون عن حالة أمها التي كانت تعلم أنها ليست على ما يرام مؤخرا.. لكن ليس لهذه الدرجة التي تدفع ابن خالتها لنقلها للمشفى على هذا النحو المتعجل دون مراجعة طبيبها، إلا إذا كان الأمر خطرا..
                      ❈-❈-❈ 
ألقى التحية على خفيره شبل وهو يمر خارج البوابة الحديدية لسراي رسلان، والذي كان يرغب في مصاحبته في مروره اليومي على أعماله المتعددة، لكن حبيب هتف أمرا: لاه، خليك ع البوابة يا شبل، وأني هلف لفتي وراچع، عشان تحضيرات الليلة الكبيرة.
هتف شبل مهللا: خلاص يا بيه، حددتوا ميتا!
أكد حبيب: بعد سبوع بالمشيئة!
هتف شبل فرحا: ألف مليون مبروك، عجبال فرحتنا الكبيرة بِك يا بيه..
ابتسم حبيب رابتا على كتف شبل في مودة، واستكمل طريقه على طول الطريق الترابي الضيق لعدة أمتار حتى وصل لذاك الجسر العتيق الذي يمر فوق تلك الترعة الضيقة التي تمر عبر الرسلانية منذ عصور بعيدة، ترعة هي في الأصل فرع غير مكتمل من النيل الذي يحيط ذاك الجزء القابع فوقه سراي الرسلانية والذي يشكل شبه جزيرة صغيرة مقام عليها السراي، ومرتبطة بالبر المشكل لباقي نجع الرسلانية الذي تمتد أراضيه الخضراء حتى حدود النخيل الباسق المشرأب العنق هناك على مدد الشوف، يناطح الجبل الشرقي..
مر عبر بعض الغيطان ملقيا التحية على أصحابها العاملين فيها، سائرا صوب ذاك المبنى الأخضر الكائن هناك على بعد ثلاثة غيطان، والمحاط بسور خشبي قصير، تآكل بعض من خصاصه، وصله عابرا بوابته المترنحة، فآتاه صوت خفير الشونة العجوز عبد الباسط مترنما:
            يا بت طيعي تعي في ريحي..
               ‏ده أني ياما كترت تباريحي..
                   ‏ميتا الزمان يصفالي..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

27 Nov, 18:03


            ‏وألاجي جلعي وافج ريحي**
قهقه حبيب متسائلا في مرح: لسه يا عم عباسط متآمل ف الحريم تاچي ف ريحك!
ابتسم عبدالباسط مؤكدا وهو ينهض من موضعه في احترام لزيارة السيد التقليدية المعتادة: واه يا بيه، وماله! .. ما دام الجلب لساته أخضر، الحريم تاچي رمح..
ارتفعت ضحكات حبيب متعجبا: وكمان رمح!  جلجلت ضحكات عبدالباسط بدورها، والتي اتسعت مبرزة فم خالِ من الأسنان تقريبا، جعلت حبيب يربت على كتف الرجل في محبة يدعوه لمعاودة الجلوس تاركا موضعه ليدخل الشونة متطلعا حوله لذاك البراح الواسع الذي كان خاليا منذ بضعة أشهر، وقد أضحى مكتظا بأجولة الغلال التي تم حصدها وتجميعها للبيع وتخزين الباقي للزرعة الجديدة الموسم القادم واستهلاك البعض طوال الموسم في توفير خزين السراي الغذائي..
ابتسم حبيب في رضا لوفرة المحصول هذا العام، حامدا ربه في سره مدركا أن الأمر ما هو إلا ستر من المولى حتى يستطيع تلبية احتياجات جهاز منيرة وإتمام زواجها على عجل دون مماطلة تكسر خاطرها وتهز صورة العائلة العريقة أمام انسبائها الجدد..
خرج حبيب من الشونة ليعاجله عبدالباسط بكوب من الشاي الثقيل المصنوع على نار الركوة البعيدة نوعا ما عن موضع جلوسهما، تناول حبيب الكوب وبدأ في ارتشافه باستمتاع هاتفا في امتنان: الغلة الموسم ده چت خير عن كل مرة، الحمد لله..
هتف عبدالباسط مؤكدا: رزق ورضا من المولى، ربنا يبارك فيه يا ولدي، حاكم زمان الأرض كانت كيف المرا الطايعة، تعطيها تعطيك، لكن اليومين دول بجي حالها عچب، كيف المرا العوچة، مهما عطيتها تجولك مشفتش منك خير أبدا..
هز حبيب رأسه موافقا، وما أن أنهى ارتشاف كوبه حتى وضعه جانبا، راحلا ليستكمل جولته..
                        ❈-❈-❈
وقفت في ذهول متطلعة لجسد أمها المسجي من خلف ذاك الحاجز الزجاجي، لا تصدق أنها كادت أن تفقد حياتها حين داهمتها تلك النوبة القلبية، كانت تعلم أن قلب أمها ليس على ما يرام منذ آخر زيارة لطبيبها... والذي أوصى بالراحة وعدم التعرض لأمور قاسية أو مزعجة من شأنها زيادة الحالة سوءا.. وهي بدورها احاطتها بكافة وسائل الراحة وابعدتها عن كل ما يمكن أن يتسبب في ضيقها، لكن ما لم تكن تتوقعه مطلقا، أن تكون على هذه الحالة فجأة دون أي مقدمات، أو ربما هناك ما قد حدث دون علمها.. أثر عليها لهذه الدرجة!
جذبها ذاك الخاطر مبعدها عن الحاجز لتسير صوب مقعد خالتها درية وولدها ممدوح، متسائلة في ريبة: هو في حاجة زعلتها! أنا كنت سيباها زي الفل!
أكدت درية ودموعها تنساب: والله يا أنوس ما في حاجة حصلت.. إحنا كنا بنتكلم عادي في التليفون زي كل يوم، وفجأة لقتها بتقولي أنا.. يعني هي..
حالة من الارتباك ظهرت على محيا خالتها.. وتطلعت نحو ولدها ليحاول إنقاذها من حصار أُنس وهي تتطلع إليها في تركيز في انتظار الإجابة هاتفة تتعجلها: هي ايه..!
لم يفطن ممدوح لنظرات أمه المتوسلة كعادته، بل أضحى في فضول لسماع الإجابة كابنة خالته، التي عاودت الإلحاح: هي إيه يا دودو! ماما مالها!
أكدت درية دامعة العينين، مترددة الكلمات كأنها تستجمعها: والله ملهاش، بس هي بقالها فترة كده بتقول إن بباها وحشها، وكان نفسها تروح تزور قبره..
لم تقتنع أُنس بالإجابة، لكنها هزت رأسها مدعية التصديق، هاتفة في نبرة كاظمة الحنق: أنا عارفة إن في قصة كبيرة وراكي أنتِ وماما، وطول عمري عارفة إنكم مخبيين حاجة عليا أنا وممدوح، وحاولت كذا مرة أعرف في ايه، وكنت بلاقي إجابات عجيبة منها مكنتش بتقنعني، زي إجابة حضرتك دلوقت، أنا مش هضغط عليكي يا دودو عشان عارفة إن ده مش وقته، تقوم ماما بالسلامة، وأعرف فيه ايه بالظبط..
اضطربت خالتها، وادعت أنها تمسح ما بقى من دمع على خديها.. حتى لا تقابل نظرات أُنس المتفحصة، وأخيرا ظهر الطبيب فجذب انتباه الجميع، دخل غرفة العناية الفائقة حيث ترقد المريضة، تفحص بعض الأجهزة والقراءات، ثم خرج وعاجلهم مؤكدا: الحمد لله، الحالة استقرت، لكن هتستمر تحت الملاحظة لحد ما نقرر موضوع العملية..
هتفت أُنس في ذعر: عملية! هي الحالة للدرجة دي خطيرة!
أكد الطبيب بمهنية شديدة: العملية حتمية، ممكن نستنى عليها شوية مع بعض المحاذير، لكن في الآخر لابد منها، مسألة وقت مش أكتر.
صمت ساد لثوانِ قبل أن تسأل أُنس الطبيب: العملية مكلفة!
هز رأسه مؤكدا، واستطرد: الأهم دلوقت نطمن على اكتمال العلاج وتخرج بالسلامة، وخلي الموضوع ده لوقته.
استأذن الطبيب مغادرا، تاركا الجميع يغلفهم الصمت، لاعبة برؤوسهم الحيرة..
                         ❈-❈-❈
أربعة أيام مضت، وقد استقرت حالة أمها وتم نقلها من العناية الفائقة لغرفة عادية، لكن ما يزل عليها التجهيز لاجرائها عملية دقيقة في أقرب وقت، حتى تستعيد كامل عافيتها..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

27 Nov, 18:03


ساعدت أمها على الوصول للفراش، بعد أن عادت لبيتها أخيرا، ناولتها دواءها ثم سحبت الغطاء على جسدها المسجي، وقبلتها على جبينها قبل أن تغلق إضاءة الغرفة، وتخرج في هدوء..
بادرتها درية متسائلة في صوت خفيض: برلنت نامت!
هزت أُنس رأسها مؤكدة: آه، الحمد لله..
همت درية بالنهوض مغادرة بصحبة ولدها ممدوح: حمدا لله على سلامتها، ورجعتها لبيتها بالسلامة، أقوم أنا بقى، ياللاه يا ممدوح عشان..
قاطعتها أُنس متسائلة: دودو! مين رؤوف!
انتفضت درية معاودة الجلوس من جديد، ظهر اضطرابها جليا وما كان في إمكانها إنكاره، وعلى الرغم من ذلك، سألت في نبرة حاولت أن تكسوها بالهدوء الممزوج بالتعجب: رؤوف مين! أنا معرفش حد بالاسم ده!
عاودت أُنس السؤال من جديد: مين رؤوف ده يا دودو! ماما كانت قاعدة تكرر اسمه كتير طول ما هي في الغيبوبة، أكيد انتي تعرفي، انتوا سركم مع بعض، وأنا عارفة.. لا ده أنا متأكدة وعلى يقين إنكم مخبيين عني كتير..
هتفت درية في ضيق: هنخبي ايه يعني! ما إحنا قلنا إن الموضوع كله يخص جوزي ابو ممدوح وأبوكي الله يرحمهم.. حكايات قديمة ملوش لازمة إنها تتفتح خلاص، ومش هيجيب فتحها إلا وجع القلب..
هتفت أُنس وهي تجلس قبالتها هاتفة في إصرار: تمام، مش بتقولي انتهت، خلاص نسمعها بقى.. واعتقد مفيش مشكلة إننا برضو نعرف، ولا ايه يا ممدوح!
هتف ممدوح مؤيدا: اه طبعا، نسمع ونشوف..
حاولت درية أن تتملص من استدراجها للحكي، لكن أُنس وممدوح أغلقا عليها أي باب للهرب، فما كان منها إلا الاستسلام، لتبدأ في سرد الحكاية..
                         ❈-❈-❈
هبط حبيب الدرج في تؤدة، لا رغبة لديه اليوم في أي جدال أو مواجهات، فقد خارت همته بالفعل، لكنه لم يكن بذاك الذي يُظهر ما بداخله للأعين المتربصة لاقتناص الوجع على قسمات وجهه، لتفرح بعض القلوب متشفية، لن يعطيهم الفرصة أبدا وأن كان يموت كل لحظة داخليا، فهو حبيب رسلان الذي تعلم أن يتألم في صمت، ويموت كالنخل صالبا عوده، حتى ولو أكل الوجع منسأة صبره وجلده.
توقف للحظات عند ذاك الحائط العريض الذي يضم في نظام صور فوتوغرافية لجدوده وصورة أبيه بينهم متصدرة المشهد، صورة باللون الأبيض والأسود، رفض أن يلتقطها المصور يومها بالألوان، حتى تكون مثل مثيلتها لآبائه وأسلافه.
جال بناظريه على الصور في عزة، وزفر في قلة حيلة، محاولا الاعتذار لهم عن خطأ لم يرتكبه، بل أخطاء عدة، لا علم له بمن ارتكبها، لكنه يدفع هو اليوم ثمن هذه الأغلاط غاليا من سمعة العائلة وتاريخها العريق ..
أخرج نفسه من خواطره المحزنة، وقد انتفض متوجها بكليته نحو خفيره شبل، الذي اندفع لداخل السراي صارخا في ذعر: غيتنا يا بيه، إلحج الشونة!.. الشونة ولعت فيها النار.
لم يرد عليه بكلمة للحظة، وأخيرا أمره في شدة: لم الرچالة كلهم على هناك، إرمح، وأني چاي وراك، هِم بسرعة..
اندفع لخارج الدار وخفيره في عقبه ثم تخطاه مهرولا لينفذ ما أمره به، توقف للحظة عند الاعتاب حتى يأتيه السايس بفرسه، وما أن هم بالتحرك، إلا وهتفت جدته صفية الجالسة على كرسيها العتيق، تسند ذقنها المتغضن فوق كفيها الذي يعتلي أحدهما الأخر، محتضنتا رأس لعصا ابنوسية قيمة، تتطلع للأفق في انتظار ما لا يأتي، مؤكدة بنبرة متحسرة، دون أن توجه ناظرها إليه: جُلت لك فتحت على روحك طاجة چهنم، طاطي للريح لچل ما تعدي على خير، متبعتش كلامي..
وتنهدت في حزن مستطردة: مش هيسيبوك فحالك يا ولدي..
هتف حبيب في نبرة صلبة كلها تصميم وهو يعدل من رباط عمامته على هامته: متخلجش اللي يخليني اطاطي راسي، يبجى أروح أنجبر أحسن، متجلجيش يا ستي أني كدها .. ولو هم فتحوا عليا طاجة چهنم، والله ما حد هيتحرج فيها إلا هم ..
هزت العجوز رأسها على أمل، ولم تعقب بحرف، ليأمرها في لطف: ادخلي چوه يا ستي، الدخان هيملى الچو دلوجت، وهيتعب صَدرك ..
تطلعت إليه للمرة الأولى منذ بدأت حديثها، هاتفة في شجن: ما يتعب، هو بعد وچيعة الجلب فيه ايه تاني يتعب يا ولدي .. معادش.. كله محصل بعضه ..
هتف مناديا على نبيهة، أمرا إياها بالدخول بجدته للداخل، حتى يكون مطمئنا عليها، جاءه فرسه، فاندفع معتليا إياه في قفزة محترفة، وهو يضع طرف عمامته متلثما، حتى لا يؤثر عليه الدخان الذي بدأ يقترب، معبقا الهواء برائحة الغل والرغبة في الإذلال والتعالي..
اندفع في طريقه، يقسم انه لن ينحن مهما حدث، لكنه بغتة، شد لجام فرسه في قوة، محجما إياه عن التقدم مارا بالجسر، عندما طلت تلك العربة الصغيرة على بدايته وها هي تتوقف في منتصفه تماما.
زفر في ضيق، مشيرا لقائدها الذي لم  يتبينه، بأن يتقدم حتى يسرع لموضع الحريق، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن على الرغم من محاولة سائق العربة التقدم بالسيارة، إلا أنها أبت في تصميم، ولم تتحرك قيد أنملة، ما دفعه رغما عنه، لترك الزمام لفرسه، ليندفع في اتجاه العربة، ليشهق ركابها في صدمة لفعلته..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

27 Nov, 18:03


تخطى السيارة بالفرس قافزا في سهولة، ونزل الفرس على مقدمة الجسر.. على الجانب الأخر منه في كل سلاسة، مستطردا اندفاعه لحال سبيله..
لكن قائدة العربة،أخرجت رأسها من نافذة سيارتها، متطلعة لذاك الذي قام بأكثر الأفعال حماقة من وجهة نظرها، وصرخت في انبهار مخلوط بنبرة حانقة، موجهة كلامها لرفيقها، الجالس جوارها يشمله الذهول بدوره: شوفت المجنون ده عمل ايه!؟
أكد ممدوح بلا مبالاة بعد أن هدأت حدة ذهوله: أديكِ قولتي بنفسك، مجنون .. يعني أنتِ مش فاكرة لولو قالت إيه عن الناس دي!
هتفت هي مؤكدة: عندك حق..
واستطردت في فضول وهي تعيد ناظرها إلى الطريق الذي اندفع نحوه ذاك الملثم: بس يا ترى ايه اللي مخليه يجري بفرسه كده!؟ أكيد في حاجة مهمة ..
أكد رفيقها بنفس اللامبالاة : ولا مهمة ولا حاجة، مش لسه قايلين إنه مجنون، سيبك بقى من الأخ المعتوه ده، وياللاه بينا، خلينا نوصل ونرتاح.. الطريق كانت فعلا طويلة أوي، وكمان لسه ورانا حكاية كبيرة..
تطلعت إلى العربة وهتفت به: هو أنت مخدتش بالك إن العربية عطلت، ما أنا حاولت اتحرك عشان هو يعدي ومعرفتش..
هتف رفيقها في حنق : أهي كملت ..
ترجلت من العربة في اتجاه بداية الجسر، ليهتف بها رفيقها: على فين !؟
أكدت في فضول قاتل : عندي فضول أعرف الدخان اللي بدأ يملا الجو ده جاي منين ؟ شكله له علاقة بالمجنون إياه..
هتف ممدوح في حنق: ملناش دعوة، خلينا في موضوعنا، وبلاش فضولك ده اللي دايما مودينا ف داهية..
تجاهلت ممانعته، واندفعت في اتجاه الطريق الذي سلكه ذاك الفارس، ليتبعها في غيظ، ولم يكن من الصعب عليهما الوصول، وقد وجدت كثير من الرجال والنساء على حد سواء، مندفعين في الاتجاه المطلوب دون أي حاجة منها للسؤال.
كان الحريق مشتعلا، والجميع يحاول على قدر استطاعته اخماده، اندفعت في تهور كعادتها لتساعد، إلا أن رفيقها أحكم قبضته على معصمها محذرا: أنتِ رايحة فين! مالنا إحنا واللي بيحصل، خلينا فحالنا يا أنوس.. إحنا جايين هنا لهدف محدد، بلاش ندخل فاللي ملناش فيه ..
جذبت معصمها من كفه، مؤكدة في حزم: إيه دخل مساعدة الناس.. فاللي إحنا جايين عشانه!
واندفعت تحمل أحد الدلاء، لتقذف بالماء نحو الحريق، الذي بدأ يخمد قليلا، لكن ما زالت ألسنة لهيبه تتأرجح كأنها تخرج لهم لسانها مستهزيئة بقدراتهم المحدودة على حصارها.. بينما وعت هي لبعض الرجال تتناول أجوال من الداخل، يسلمها لهم شخص يندفع بحمار معصوب العينين، في اتجاه الحريق في جسارة، ويخرج به، ظهره محمل بعدة اجولة مسلمها لهم.. ليعاود الكرة.. لم يكن ذاك الشخص، إلا المجنون الملثم الذي تخطى عربتها في قفزة واحدة بفرسه منذ بضع دقائق..
لا تعرف كم مر من الوقت، وهم على ذاك الوضع، لكن كل ما يهم اللحظة، أنهم استطاعوا السيطرة على النيران، التي خمدت بفضل الله، ولم يبقى منها إلا اثر من أدخنة خانقة، عبقت الأجواء، وملأت الحناجر والصدور..
شعرت ببعض اختناق، فقررت ترك موضعها، والابتعاد قليلا، وهي تسعل في قوة، تنبه هو لذاك الذي يقترب من موضعه، حيث جلس يأخذ قسط من الراحة، وقد أزاح عن وجهه لثامه، يحاول أن يلتقط أنفاس من هواء نقي، بعيدا عن الأدخنة الخانقة..
تطلع إليها، وعقد حاجبيه في تعجب، لكن ما أن رفعت وجهها وسقط ناظره على قسماتها، إلا وانتفض واقفا، لا يصدق ما تراه عيناه اللحظة قبالته، معتقدا أنها صورة من ماض سحيق، تطل اللحظة من خلف غمام الغيب.. لتصبح أيامه أكثر إرباكا مما هي عليه بالفعل..
                        ❈-❈-❈
                  ‏انتهي الفصل الأول..
                               ‏يتبع...

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

27 Nov, 18:03


الطبيب أكد أن تكلفة الجراحة لن تكون بسيطة، من أين لها بالمال! حتى ولو كان الأمر لن يكلفها مبلغا ضخما، لكنها لا تملك من المدخرات ما يكفل لها الشروع في إجراء العملية بالسرعة المطلوبة..
وعلى حد علمها، خالتها لا تملك المال الذي يمكنها اقتراضه حتى.. تنهدت في ضيق محاولة دفع التفكير في المال بعيدا، غاب النوم عن أجفانها منذ دخول أمها المشفى، ثلاث ليالِ ما ذاقت للنعاس طعما، تتقاذفها الأفكار والخواطر، ويسلب القلق منها راحة البال، تنبهت على صوت أمها فانتفضت مقتربة من الفراش، ظنت أنها تناديها طلبا لأمر ما، لكنها كانت تغط في سبات عميق، كأثر للعقاقير التي تتناولها كل عدة ساعات، وما كانت كلماتها التي تنطق بها إلا بعض الهزيان لا أكثر.. لكن أكثر ما  لفت انتباهها هو تكرار أمها لاسم ما.. كانت تكرر أحرفه بشكل متقطع، ما أن تنهه حتى تشرع في إعادته مجددا، دخل ممدوح الغرفة في غفلة منها وهي تولي كل تركيزها لاستنتاج الاسم الذي تعيده أمها في تتابع متمهل، ليهتف متعجبا في سخرية وقد أدرك ما تفعله أُنس.. فاقترب مستفسرا بدوره: خروووف! خالتي بتقول خروف! هي برلنت كان نفسها فالضاني ولا ايه!
تطلعت أُنس نحوه شذرا، بنظرات غضبى ألجمته، لتعاود التركيز مدركة أخيرا الاسم الذي ينساب في هوادة من بين شفتي أمها..
رؤوف!؟ ... من يكون رؤوف هذا!
لم تعرف شخصا يحمل هذا الاسم في محيط معارفهم أو أصدقائهم، ولم هو بهذه الأهمية العظمى، والتي تجعل أمها وهي في مثل هذه الحالة، لا تذكر سوى اسمه!
انتبهت من خواطرها على صوت طرقات على باب الغرفة، والذي دُفع في بطء لتدخل صديقتها هاجر مندفعة نحوها تفتح ذراعيها لاستقبالها في تعاطف، هامسة وهي تضمها: ألف سلامة على طنط يا أنوس، والله لسه حمدية قيلالي ع التليفون لما أتصلت أبلغك إني رجعت من السفر..
هتف ممدوح مهللا ما أن لمح محيا هاجر، لكن أُنس تعمدت إرساله لإحضار بعض المشروبات لهن، فاطاع ممتعضا، كانت تعلم أنه يميل لهاجر، لكنها تدرك أيضا أن لا أمل له معها..
ما أن غادر ممدوح الغرفة، حتى همست أُنس متسائلة، وهي تجذب صديقتها نحو الأريكة الجلدية بأحد أركان الغرفة: سافرتي معاه برضو!
همست هاجر: طبعا معاه، هيكون مع مين يعني! هو أنا ورايا غيره!
تنهدت أُنس: يا بنتي والله عمرك حيروح هدر ويا الأخ ده، أنا مشفتش حد بيعامل بنت عمه كده! مديرة أعمال وقلنا ماشي، لكن سكرتيرة وطباخة ومدبرة منزل وبعد كل ده بخلان عليكي بقلبه، أنا متهيء لي معندوش قلب من أساسه!
هتفت هاجر معاتبة: متقوليش كده يا أُنس، أنا بحبه ومش هسيبه إلا لما يعترف ويقر إنه بيحبني وميقدرش يستغنى عني..
هتفت أُنس ساخرة: ربنا يوفقك، مع إني أشك..
تطلعت نحوها هاجر معاتبة ما دفع أُنس للصمت، وخاصة حين دخلت الممرضة لإعطاء أمها بعض العقاقير التي حان موعدها..
                         ❈-❈-❈
عاد للسراي مارا بالجسر الذي يصله للطريق الترابي، لكنه لم يتجه صوب البوابة الحديدية التي تبعد عدة أمتار.. بل حاد عن طريقها في الاتجاه المعاكس متجها خلف سور السراي صوب بوابة جانبية كانت طريقه نحو الاسطبل.. أو ما يشبه الاصطبل، الذي كان عامرا في الماضي، لكنه اليوم لا يسكنه إلا بعض الحمير، حماران على وجه الدقة، وفرسه الأصيل التي علا صهيله ما أن استشعر اقترابه من موضعه رافعا عنقه الانسيابي يهزه في سعادة فتتناثر خصلات شعره الأشهب على جانبيه في رقة أسرة دفعته ليبتسم رغما عنه فما كان باستطاعته مقاومة مثل هذا الجمال الحي، مدخلا كفه داخل جيب جلبابه مخرجا بعض من قوالب السكر.. دافعا بها نحو فرسه الذي مد عنقه مستلما هديته في لهفة وحبور..
ضرب بكفه في مودة على جانب عنقه مرحبا، هامسا له في رقة: كيفك يا أليف!
هز الفرس رأسه وحمحم في شوق، هم بالحديث إليه كعادته إلا أن رجب المسؤول عن الاسطبل وما يضم من حيوانات بجانب الزريبة، دخل هاتفا في ترحيب: مرحب يا حبيب بيه، بقالك يومين مخرچتش بأليف، أچهزه للخروج!
هز حبيب رأسه نافيا، أمرا في هدوء: لاه مش دلوجت، بس بجولك يا رچب.. أعمل حسابك، راعي الغنمات اللي في الزريبة عشان خلاص فرح الست الصغيرة كمان كام يوم، ولسه هجيب لك عليهم كمان، بس يومين كده، عايزين ندبحوا ونفرحوا أهل الرسلانية..
هلل رجب في سعادة: ربنا يتمم على خير، وتعيش يا بيه وتفرح الناس كلها، وعجبال فرحك يا رب..
ابتسم حبيب في دبلوماسية، مؤكدا عليه من جديد رعاية الزريبة وقاطنيها حتى يوم العرس، الذي تنتظره الرسلانية على أحر من الجمر، فستكون أيام الفرح تلك، أيام خير وسعد على أهل الرسلانية جميعهم، فقراءها قبل أغنيائها..
                        ❈-❈-❈

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

27 Nov, 18:03


                   ١-صفقة رابحة

إسطنبول.. ١٩١٤م..
أمسكت بالسور الحديدي للباخرة متطلعة صوب رصيف المرفأ، إلى حيث أبيها كاظم أوغلو باشا، الذي يقف مودعا في وقار ومن حوله بعض خدمه، لوحت بمنديلها لدقيقة قبل أن تسيل على خديها الدموع، لم يطل والدها البقاء ملوحا للمرة الأخيرة قبل أن يستدير تاركا موضعه متوجها في خطوات واثقة صوب عربته يهرول خلفه خادماه، تبعته بنظراتها حتى غاب راحلا فرفعت نظراتها نحو الأفق ملتهية بالتطلع نحو مسجد شمسي أحمد باشا، على ذاك الجانب الآسيوي من ميناء إسطنبول، حيث تنتظر الباخرة التي تقلها في طريقها للاقلاع خلال دقائق معدودة، سمرت ناظريها على قباب ذاك المسجد الذي بُنبي عند تلاقي نهر مرمرة بمياه مضيق البوسفور، ما منع الطيور من الوقوف فوق قباب ذاك المسجد نظرا لشدة تلاقي الريح بهذه المنطقة، ابتسمت في حسرة مستشعرة أن ذاك إشارة ما إلى حياتها التي تلاقت ريح الحزن عند مرفأ حياتها فأرغمت طيور الفرح على الهرب مبتعدة من أن تحط على جدران قلبها التي تصدعت وجعا وقهرا..
سالت دمعاتها مجددا وحادت بناظريها لتتطلع للجانب الأوربي من اسطنبول حيث قصر دولما باتشا، ولاح على شفتيها طيف ابتسامة غربت سريعا حين تذكرت ما كان..
تراه أين يكون اللحظة! هل ما زال على قيد الحياة! هل تزوج وأنجب الأطفال! تراه يذكرها في خلواته حين يمر على موضع جمعهما سويا، وباتت فيه ذكريات هواهما في بعض الأركان! أم أنه ما عاد يذكرها، وطوى النسيان سيرتها، وإلتهى بزوجة وصغار! .. أم أنه فارق الدنيا وما عاد من أحيائها!
آه يا نوري، يا حب العمر وشقاء القلب.. عشر سنوات مرت منذ آخر لقاء بيننا .. عشر سنوات كنت أنا ابنة التاسعة عشرة وأنت ذاك الشاب الثوري الذي ما كان يرضى بالظلم وينتظر أن يهل فجر الحرية والعدالة على البلاد، تتردد بأذني اللحظة كلماتك التي كانت تطرق مسامعي للمرة الأولى، وأشعار الحرية التي لطالما كررتها عليّ، حتى حفظها القلب ووعتها ذاكرته.. بدأت في الهمس الجميل شاردة، لكن نفير الباخرة العالي كاد أن يصم أذنيها، مفزعا طيور النورس المحلقة فوق رؤوسهم بطول المضيق وعرضه، معلنا عن البدء في رحلة المجهول التي لا تدرك ما إن كانت رحلة للبحث عن بعض الأمل الذي تحاول جمع أشلائه، أو فقده مجددا وللأبد هذه المرة!
اقتربت منها خادمتها المرافقة، نازلي، مؤكدة في نبرة هادئة: قمرتك جاهزة يا سيدتي!
هزت رأسها في تفهم، لكنها ما برحت موضعها، فقد كانت عيونها تتعلق بكل ما تطالع اللحظة والباخرة قد بدأت تتهادي مبحرة، تحاول التقاط صور لكل تفصيلة حولها لعل ذاك يكون آخر عهدها بهذه البلاد العزيزة التي ما شعرت يوما أنها آمنة على أرضها.. على الرغم من كل هذه المحبة التي تحملها لها بقلبها..
أعادت رفيقتها تأكيد ما سبق: سيدتي، القمرة الخاصة بكِ.. جاهزة.. و..
هتفت أُنس الوجود مقاطعة في نفاذ صبر لم يكن من عاداتها: حسنا يا نازلي، علمت، هيا..
تحركتا بعيدا عن السطح نحو الداخل، وطيور النورس ما زال صوتها الناعق يصاحبها حتى وصلت حجرتها، تطلعت حولها في محاولة لاظهار بعض الاهتمام لتفاصيل القمرة، لكنها ما عادت قادرة على التظاهر، خلعت عنها حجابها وقفطانها فتناولتهما رفيقتها لتعلقهما على المشجب القريب خلف الباب، قبل أن تتمدد على فراشها في محاولة لإيقاف طاحونة الأفكار الدائرة برأسها، لتهتف نازلي في تساؤل: الغذاء عند الثالثة، سأتِ لإصطحابك!
هزت أُنس الوجود رأسها موافقة، مولية ظهرها لنازلي التي استشعرت رغبة سيدتها في الانفراد بنفسها، فانسحبت لخارج الغرفة تاركة أُنس الوجود وحيدة، والتي رفعت جزعها قليلا وتطلعت من نافذة قمرتها المستديرة صوب آخر طيف لاح لها من مدينتها الغادرة، إسطنبول.. قبل أن تتلاشى  معالمها تدريجيا، لتبدأ في زرف الدموع من جديد..
                          ❈-❈-❈
علمت على مائدة الغذاء، أنها ساعات قلائل وتحط السفينة على ميناء وجهتها الأخير، شعرت أُنس الوجود داخلها باضطراب وصراع بين مشاعر مختلطة يمزجها الفرح ببعض الحيرة والشجن ويشوبها الترقب، أسبوع على متن الباخرة استعادت فيه كل لحظة من لحظات سنواتها الماضية في إسطنبول، كل حدث .. كل ذكرى.. كل وجع.. كل لحظة سعادة.. على الرغم من ندرتها.. وتنبهت أن لحظات سعادتها القصيرة تلك لم تكن إلا برفقته.. رفقة نوري الذي غاب خلف ضباب المجهول منذ ما حدث..
تطلعت لاقتراب النوارس من السفينة فعلمت أن اليابسة على بعد أميال قليلة، كان النهار يتسحب مبتعدا يجرجر أذياله في وهن، والليل يقبل زاحفا بتؤدة، وروائح الإسكندرية التي لاحت ظلالها قد فاحت واختلطت بنسيم البحر الذي حمل بعض من عبقها..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

27 Nov, 18:03


لم تكن هذه هي زيارتها الأولى للاسكندرية، فقد زارتها منذ سنوات بعيدة، كانت ما تزال طفلة تخطو أولى خطواتها نحو الصبا، وها هي تضع أقدامها على مرفأها من جديد بعد كل هذه الغيبة الطويلة، امرأة ناضجة تكاد تنهي العقد الثالث من عمرها، مستشعرة بالأجواء ألفة عجيبة تشمل روحها، وإحساس بالأمان يغمرها..
أشارت لها نازلي مرافقتها صوب شخص ما يحمل اسمها على يافطة كان بانتظارهما، فانتبهت لتخطو نحوه فأدرك من توه أنها الضيفة المنتظرة، أومأ منحنيا ومرحبا في احترام، مشيرا لنازلي نحو عربة كانت تنتظر بالخارج، حمل الحقائب وسار مسرعا يدلهما على وجهتهما قبل أن تزيد السماء من اكفهارها متوعدة بهطول المطر..
كانت نوة الشمس الصغرى على أشدها، والأمطار لا تستئذن أحدا، صعدت ورفيقتها العربة التي كان يجرها الخيل، عربة أشبه بعربة الأميرات، وعلى الرغم من انتشار الاطومبيلات إلا أنها كانت تفضلها، غادرت العربة الميناء مبتعدة صوب وجهتها، دفعت أُنس الوجود ذاك الستار الحريري لنافذة العربة من الداخل، ليسمح لها برؤية المدينة التي غابت عنها دهرا، هل تغيرت أم أنها وحدها من تغير منذ فارقتها طفلة!.. لم يسمح لها الليل باستطلاع التفاصيل كما يجب على الرغم من إضاءة الشوارع والطرقات، لكن العتمة مع المطر الغزير صنع بعضا من غمام ساد الرؤية فاشعرها بالاحباط، وها هي تلك الطرقعة القوية التي صدرت من الخارج تكمل المشهد لتصدر منها صرخة مكتوبة مرافقة لذعر نازلي، والعربة تميل على نحو مخيف صوب أحد جانبيها.. لتتمسك كل منهما بالآخرى في فزع متسائلات عما يحدث..
هتف سائق العربة الذي قفز مستطلعا ما حدث: أخشى أن إحدى عجلات العربة قد انكسر منفصلا عنها يا سيدتي.. لا داعي للذعر.. سأحاول التصرف سريعا. 
لم تكن تعرف كيف سيمكنه التصرف وبسرعة كما أدعى في مثل هذه الأجواء! وفي هذا الشارع الذي فرغ تماما من المارة في مثل هذه الساعة المبكرة من الليل لقساوة الطقس!.. كانت تعلم أنها ما قال ذلك إلا لبث الطمأنينة بنفسها، لكن على أي حال هي تدرك تماما أنها بورطة..
                          ❈-❈-❈
كان في سبيله نحو سراي أحد البشوات لقضاء السهرة قبل عودته غدا لبلدته، كانت دعوة لا ترد من أحد أكبر داعمي تجارته في الاسكندرية، وعليه تلبية الدعوة ونيل تلك الصفقة التي سعى خلفها لشهور طويلة..
زعق في سائق سيارته حينما اقترب من تلك العربة المتوقفة بعرض الطريق، وكان على وشك تجاهلها مجتازا إياها: وجف يا محسب، ايه مشيفش اللي واجفين يستچيروا فالطريج دوول! أنزل شوف إيه في!
توقف الاطومبيل ونزل سائقه متوجها نحو العربة المائلة المكسورة الإطار، مستفسرا من سائقها المغلوب على أمره، والذي يحاول جاهدا استعادة استقامة العربة حتى يستطيع أن يسمح بالسيدة ومرافقتها بالخروج منها في أمان..
تنبه هو من داخل الاطومبيل لما يحدث، ومحاولة كلا من السائقين إعادة العربة لاستقامتها والتي مالت بشكل خطر حتى أن الإطار كاد أن ينفصل كليا عن جسد العربة ونهت عن السيدتين داخلها صرخة ذعر دفعت السيد داخل الاطومبيل لترك موضعه والنزول تاركا عباءته داخله، متوجها نحو السائقين وقد أدرك ما يحدث.. دفع السيد السائقين جانبا، ومد كفيه نحو تلك الاسطوانة التي تحمل الإطار، وهتف في عزم مستمدا العون من قوة مجهولة، دفع هتافه أُنس الوجود لتطل من نافذتها الضيقة مستفسرة عما يحدث بالخارج، لتشاهد ذاك العملاق الذي غمر وجهه رزاز المطر، يزعق رافعا العربة وحيدا، أمرا السائقين بوضع الإطار موضعه بشكل مؤقت، لتستقيم العربة أخيرا..
كان يعلم أن العربة لم تكن لتتحرك خطوة وهي بهذه الحالة، لذا سأل في هدوء سائقها: بلغ الحريم اللي چوه يتفضلوا نوصلوهم مطرح ما يحبوا..
شكره السائق مرحبا بعرضه، واندفع يبلغ أُنس الوجود ونازلي، والتي وافقت مترددة فما كان لها من مخرج غير قبول ذاك العرض في مثل هذا الطقس، والذي بدأت فيه الأمطار بالهطول بغزارة مجددا..
مد السيد كفه نحو مظلته السوداء من داخل الاطومبيل، واندفع نحو باب العربة التي فُتح في حرص، وانسدل درجها في حرص أكبر، حتى إذا ما مد الشائق ذراعه لتستند عليه السيدة إلا واستبقها هو ناشرا مظلته لتظللها حتى باب الاطمبيول ليقيها البلل، لتستقر داخله بالاريكة الخلفية، وتبعتها خادمتها من الجانب الآخر للعربة..
صعد سائقه وجلس هو جواره، وساد الصمت لبرهة، قبل أن يسأل السيد في أدب: الهوانم كانوا رايحين على فين!
لم تفهم نازلي ما كان ينطق به ذاك السيد، فهي لا تفهم إلا التركية، لكن أُنس الوجود وعت ما كان يقصد، فهي تتقن العربية، على الرغم من أنها لم تتحدثها منذ سنوات، إلا في قاعة تعلم وحفظ آيات القرآن الكريم التي حرص والدها على تلقيها، فهمست في أدب من خلف غلالتها الرقيقة التي كانت تخفي ملامحها إلا عيناها: إلى فندق ويندسور بالاس..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

27 Nov, 18:03


أومأ السيد متفهما دون أن يحرك نظره نحوهما ولو لبرهة أمرا سائقه بالتحرك نحو الفندق، مع التأكيد على سائق عربتها بإرسال من يعاونه على إصلاح العربة في أقرب وقت ممكن..
توقفت السيارة على الكورنيش حيث يقبع ذاك الفندق الراقي، والتي ما أن ترجل منها سيدها حتى اندفع العاملين بالفندق نحو السيارة حاملي المظلات المفتوحة لتقي المترجلين من السيارة المطر المنهمر، اندفعت أُنس الوجود تحت المظلة التي حملها العامل الأسمر في تأدب غاضا البصر، وما أن تحركت نحو بوابة الفندق حتى تحرك الخادم برفقتها خطوة بخطوة، لكنها توقفت فجأة وعادت أدراجها يلحق بها العامل مهرولا بالمظلة، لتتسمر في اضطراب أمام منقذها الذي كان ما يزال واقفا في انتظار الاطمئنان على وصولها ورفيقتها لداخل الفندق في سلام، رفعت ناظريها نحوه هامسة في نبرة مرتجفة قليلا، حملت بعض من حياء ممزوج برقة: شكرا، كان لطف منك الوقوف في المطر ومساعدتنا..
كانت نظرتها صوبه كفيلة بارتجاف قلبه كمن اصابته صاعقة.. تلك النظرات الأشبه بخضرة سعف النخيل بعد ليلة ماطرة كهذه، والتي رفعتها صوبه في عفوية بعثرته، جعلته يقف متسمرا كأبله لا ينطق حرفا، أو يرد جوابا، لترحل من أمامه مندفعة لداخل الفندق، ليتنبه لما حدث، لاعنا ذاك التيه الذي اعتراه في حضرة عينيها الساحرة خلف نقابها الرقيق، عائدا في حنق لداخل سيارته متطلعا نحو ساعته السويسرية الفاخرة، مدركا أن الوقت قد تأخر على إدراك الحفل الذي كان في طريقه إليه، وما من وقت كافِ للعودة لمحل إقامته وتبديل ملابسه التي ابتلت كليا والرجوع من جديد لحضوره..
أمر سائقه بالعودة لمحل إقامته وقد أدرك أن الصفقة التي كان يتعشم في الفوز بها قد ضاعت، لكنه وللعجب غير آسف، فقد أنست وحدته نظراتها التي ما زالت ماثلة أمام ناظريه، فكانت هي الصفقة الرابحة بحق..
                         ❈-❈-❈
القاهرة.. ١٩٩٠
انتفضت موضعها بالفراش، مندفعة صوب المنبه الفضي الذي كان ينتفض بدوره على الكومود الملاصق لسريرها لتكتم أنفاسه التي زعق بها في تتابع محموم قبل أن يصمت فجأة حين ضغطت على زر ما بقمته متنهدة في راحة، عائدة لتتمدد على فراشها من جديد، لتمارس عادتها اليومية في الحملقة بسقف الغرفة لدقائق قبل أن تهم بمواجهة الحياة.. أخذت تنظم جدولها اليومي في ذهنها مع وضع خطط لمشاويرها طوال النهار ما بين الجامعة وعدد من الأماكن الآخرى، تستعرض في ذهنها ما عليها ارتدائه وفقا لمتطلبات المسار اليومي لذاك الجدول المزدحم ..
تنهدت بضيق فقد كانت تتمنى لو أكملت نومها لساعات إضافية، فقد لازمها الأرق الليلة الماضية ولم يزور النوم أجفانها إلا في الساعات الأولى من الصباح.. دفعت عنها غطاءها لتخرج من الفراش مهملة البحث عن خفها المنزلي لتسير حافية.. جاذبة باب حجرتها ليتناهى لمسامعها صوت المذياع الذي يبدأ إذاعة برامجه على توقيت أمها الخاص.. السادسة صباحا بالدقيقة تبدأ يومها بإدارة مؤشر المذياع والذي لا ينهي إرساله إلا بدخولها لسريرها في تمام التاسعة مساءً.. زاد صوت المذياع وضوحا كلما اقتربت من موضع جلوس أمها المعتاد قرب الشرفة المغلق زجاج نافذتها في مثل هذا الجو البارد من العام.. والتي تنذر السماء الملبدة بالغيوم خارجها بطقس غير مستقر ..
هزت رأسها في قلة حيلة وصوت أمها يعيد تلك القصة القديمة على الخادمة التي تجلس تحت قدميها متنبهة في شغف كأنها المرة الأولى التي تتردد على مسامعها تلك التفاصيل المعادة حد الملل.. لكنها وللعجب لم تمل.. بل ظلت شاخصة النظرات نحو مخدومتها وهي تروي في حماس القصة.. التي قطعتها ما أن رأتها تهل سائرة نحوها من الردهة المفضية للغرف.. مالت هي ما أن وصلت لأمها مقبلة هامتها في اعتيادية، هاتفة في سؤال مكرر: تاني يا ماما! هو أنتِ مش بتزهقي من تكرار القصة دي!
أكدت أمها في إصرار: لا، مش بزهق ولا هزهق مهما حكتها يا أنوس..
هتفت الخادمة في مساندة لسيدتها الكبيرة: أيوه يا ستي، دي حدوتة حلوة أوي، أني بحب أسمعها على طول.
قهقهت هي وهتفت ساخرة: أهو، مقلتش حاجة أنا! أهي حمدية بتقولك إنها حدوتة، مجرد حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة.. نسمعها ونقول الله.. لكن محدش يصدقها..
هتفت أمها في ضيق: أنتِ حرة، أنا مش هقنعك بها أو حتى أحاول، الظاهر دراستك للفلسفة والمنطق بتوعك دول أثروا على عقلك..
انفجرت ضاحكة: أيوه صح، المنطق أثر على عقلي يا ماما.. المنطق هو اللي مخليني مش مصدقة بالعقل إن التفاصيل اللي بتحكيها دي ممكن تكون حقيقة.. بس ع العموم متزعليش.. هحاول أكون حيادية وأقول جايز.. المنطق بيقول برضو إن في نسبة ولو بسيطة للتفكير خارج حدود العقل..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

27 Nov, 18:03


١-صفقة رابحة

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

24 Nov, 19:09


لينك الفصل الأول للي معرفش يقرأه على المدونة 👌🏼💕
https://pub2302.aym.news/669811?fbclid=IwZXh0bgNhZW0CMTEAAR2LMqJHY_Fzivn2WlSD93hFre8-SwapGks2iH0s72elPG129y6J0VJsUzA_aem_-1TWJGd9i77cE7Sz7_Fhiw

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

22 Nov, 18:03


https://rewaiyawhekaya.blogspot.com/2024/11/Toyab.comp.html
لينك الفصل الأول 👌🏼🥰

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

22 Nov, 18:02


يقولون إن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة، فهل بالمقابل يكون الطريق إلى النعيم محفوف بالنوايا السيئة!؟..
أحيانا، قد تدفعك ظروف الحياة، للعودة إلى مكان بلا رغبة، للمطالبة بحق مسلوب يكاد يكون ضائعا ولا أمل في إرجاعه.. وقد اقسمت ألا تعود دون استرداده، لكن.. هل يسمح ذاك الغريب الذي يحكم تلك البلاد البعيدة بالحديد والنار كما زعموا، أن تسترجع هي حقها المزعوم بهذه البساطة.. وهل يلقي الماضي بظلاله على الحاضر وأحداثه.. أم أنه ستجد فالأمور أمور!؟..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

22 Nov, 14:10


https://www.facebook.com/share/v/1B6J4JSTfw/

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

07 Nov, 14:25


دخل المجموعة عشان يقابل رئيس مجلس الإدارة ويحطوا سوا برتكول التعاون عشان يخبط باب غرفة الاجتماعات وتفتح السكرتيرة وتقول لحد اتفضلي.. مرفعش عينه يشوف مين اللي جت دي إلا لما رئيس مجلس الإدارة قام يستقبلها في احترام وبترحيب جامد وبيقول لها .. شرف إنك تكوني معانا يا دكتورة.. تعالي اتعرفي على باقي الفريق الاستشاري..
وقف وإداهم وشه عشان يتوقف الزمن تاني وهو شايفها قصاد عينيه.. هي!؟؟.. ايوه أكيد هي.. ولو غابت مليون سنة عن عيونه هيعرفها بعيون قلبه وتهليل روحه جوه حشاه أول ما عينه وقعت عليها.. كانت صدمتها مرسومة في عيونها وعلى ملامح وشها المليحة اللي متغيرتش رغم مرور السنين.. لاحظ رئيس مجلس الإدارة صدمة كل واحد فيهم.. فسأل في تحفظ.. انتوا تعرفوا بعض! كان هو اسرع منها في استيعاب الأمر والرد على السؤال بابتسامة دبلوماسية.. آه.. كنا دفعة واحدة في الكلية واتعينا سوا.. والدكتورة لها افضال كتير عليا.. بس هي سابتنا وسافرت بقى..
كانت جملته الأخيرة لها مغزى محدش قراه إلا هي.. لكن رئيس مجلس الإدارة ابتسم وقال في سعادة.. طب ده حلو أوي.. كده متفقين وده..
كان دورها هي عشان ترد بعد ما استجمعت نفسها وتقاطع رئيس مجلس الإدارة وهي بتأكد بابتسامة.. عمرنا ما كنا متفقين.. كنا دايما ناقر ونقير..
قهقه رئيس مجلس الإدارة وأكد.. لو الاختلاف هيبقى في مصلحة المجموعة اختلفوا براحتكم.. أنا معنديش مانع اجي احجز كمان.. بس أهم حاجة مصلحة المجموعة الاستثمارية..
ضحكوا.. وعدت الساعات في مناقشات ووضع خطط.. عرف من الكلام إنها خلاص راجعة مصر تستقر ومش مسافرة تاني بس اللي خلاه ياخد خطوة لورا .. الدبلة اللي لقاها محطوطة حوالين صباعها في ايديها الشمال.. هو كان متوقع ايه!.. أكيد اتجوزت.. ما هو مش معقول هاتقعد العمر ده كله بدون جواز!.. هو كراجل جايز.. لكن هي ك ست الموضوع صعب.. حتى ولو هي مش عاوزة هيضغط عليها متكنش لوحدها وتكون في كنف زوج وتبقى أم وتجيب أولاد.. وجعه مجرد التخيل.. يا ترى أولادها شكلهم ايه!؟.. حاول على أد ما قدر يخرج كل الخواطر اللي في دماغه عنها ويركز في شغله ومحاضراته وندواته وبس.. لكن هي من إمتا صورتها فارقت خياله وهي بعيد.. عشان تفارقه دلوقت وهي بقت قريبة أوي كده! أقرب مما كان يتخيل إنه يحصل.. بيشوفها يوميا وبيشتغلوا مع بعض.. كان فاكر قربها هيريحه لكن كان أكبر غلطان .. بعدها وفقدان الأمل في إنه ممكن يشوفها أو يقابلها في يوم.. كان أهون مليون مرة من احتراقه وهو شايفها يوميا ومش قادر يقرب لأنها بقت أبعد من إنه يطولها بحكم الأصول والعرف والأخلاق.. مع إحساسه كمان إنها بتحاول تتجنب وجودهم مع بعض بعد انتهاء شغلهم.. كانت دايما بتستأذن متحججة بأي مشوار أو ميعاد.. وهو كان مقدر ده ومش زعلان منه.. كان عارف إن ده في مصلحتهم هم الاتنين وإن هي بتعمل الصح.. لحد ما في يوم جاله خبر وفاة والدتها.. جري طبعا عشان يعمل الواجب.. وكان مستغرب هو فين جوزها من كل اللي بيحصل ده.. أيام العزا كلها مشفهوش.. معقول ميحضرش عزا حماته ولا يوقف جنبها في موقف صعب زي ده! وعلى غير عادته.. الفضول ساقه المرة دي عشان يسأل هو فين جوز الدكتورة! عشان يجيله الخبر إن هي مش متجوزة.. طب والدبلة اللي ف أيديها دي ايه!..
كان هيتجنن، مش عارف ايه اللي بيحصل.. مرر فترة حزنها على والدتها بفارغ الصبر وبعد ما رجعت الشغل لقاها بتتعامل برسمية أكتر.. وبتحاول تبعد أكتر.. لحد ما جاله خبر من رئيس مجلس الإدارة إنها بتطلب اعفاءها من منصبها لأنها هترجع تسافر تاني بره مصر..
قرر إنه لا يمكن يسبها تسافر وتبعد تاني.. المرة الاولانية مكنش له سلطة إنه يخليها جنبه.. لكن المرة دي مش هيسكت.. راح لها البيت.. اتخضت لما فتحت الباب ولقته قصادها.. كانت بتجهز حاجتها عشان تلحق بالطيارة..
دخل وشاف الشنط اللي محطوطة هنا وهناك.. قعد وقال في نبرة كلها حسرة.. مش كفاية هروب لحد كده!؟.. متعبتيش.. أنا شخصيا ميت من التعب..
بكت.. وقعدت قدامه.. قالت له كلمة واحدة.. كده أحسن.. خليني هربانة.. أفضل من كسرة قلب حد.. أو إني اعيش وأنا بموت كل لحظة مش طايلة..
سألها بشكل مباشر: متجوزتيش ليه!
مردتش عليه إلا بنبرة ساخرة وهي بتشاور ع الدبلة اللي فصباعه: كفاية علينا واحد عملها، خلي التاني أد الوعد اللي قطعه على نفسه..
حط راسه بين إيديه، وزعق بعزم ما فيه، يا الله.. وخلع الدبلة اللي فصباعه وادهالها.. عشان تبص لها باستغراب مش مصدقة.. كانت الدبلة اللي هي هادتهاله لما شافت إن الطالبات بتحوم حواليه فغارت وقالت له ألبسها ومتقلعهاش عشان يعرفوا إنك خاطب بقى.. بس اللي زاد عليها إن اسمها منقوش جواها ومعاه تاريخ زيارتها له في السجن تاريخ أعظم اعتراف في حياته كلها.

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

07 Nov, 14:25


لكن عمر المحبة ما حد بيقدر يداريها.. هو الشمس تقدر تدارى ولو ورا ألف سور!؟..
واتخرجوا.. هم الاتنين كانوا من أوائل الدفعة.. واتعينوا معيدين.. وابتدا العرسان اللي كانت بترفضهم بحجة الدراسة يدقوا ع الباب وابتدا أهلها اللي كانوا ساكتين بحجة الدراسة يلحوا.. وكانت بترفض وترفض لأنها عايزة تكمل الماجستير ومتتعطلش ب أي ارتباط.. لكن لما الضغط زاد عليها وهو حس ب ده، قرر إنه ياخد خطوة هو كان عارف إنها مش هتظبط بس قال هيحاول عشان خاطرها.. اتقدم فعلا وهي وافقت لكن أهلها قاموا عليها والضغط زاد عليها بشكل مكنتش متخيلاه.. كانت دلوعة أهلها ومحدش كان بيرفض لها طلب، لكن عند النسب أهلها بلا استثناء كان لهم رأي تاني.. عملت كل اللي قدرت عليه عشان تحاول تقنعهم يقبلوا بارتباطهم.. لكن أهلها كانوا متمسكين برأيهم ومش بس كده دول أظهروا وش هي عمرها ما شافته منهم .. وهي في السن دي اتحبست واتمنعت تروح الكلية .. قطعوها تماما عن العالم الخارجي..
كان هو هيموت من قلقه عليها، مش عارف يوصل لها ولا في حد طمن قلبه عليها بعد انقطاعها عن الجامعة، لكن فجأة لقاها داخلة عليهم، بتودع الكل، كان مستعجب.. هو ايه اللي بيحصل، دي سلمت عليه زيه زي غيره! لحقها قبل ما تمشي ووقف يقولها في ايه! أنتي بتودعي الناس دي ليه! قالت له إن أهلها جابوا لها منحة بره مصر تكمل ماجستير ودكتوراه في بلد أجنبي ويمكن ما ترجعش مصر تاني وتستقر هناك.. وحلته وحلت نفسها من أي وعد كان بينهم.. وقالت له بالحرف.. إحنا اصلا مكناش متفقين في حاجات كتير وأولها أفكارنا.. ويمكن لو كملنا مكناش اتفقنا وكنا بعدنا.. يبقى الأحسن نبعد من دلوقت وإنها اقتنعت بكلام عيلتها ورايحة تشوف مستقبلها.. واتمنت له السعادة وغابت عن دنيته.. وقف ساعتها مذهول مش عارف ايه اللي بيحصل.. للدرجة دي كان مش عارفها.. معقول مكنتش بتحبه وإن ده كله كان مجرد وهم.. دي مدتلوش فرصة حتى يفوق ويبقى عارف يرد عليها ويستفسر عن التغيير اللي حصل في أسابيع قليلة! معقول ممكن حب سنين ينتهي بقرار من أحد أطرافه في غمضة عين من غير ما يتعمل حساب للطرف التاني ووجعه ومعاناته!؟..
سافرت فعلا بعد يومين.. يومين بالعدد من آخر لقاء كان بينهم في الجامعة.. عشان تتقفل الصفحة دي من حياته ويركز بس في تكملة الماجستير ومن بعده الدكتوراه مع رعايته لأمه المريضة وأخته الصغيرة..
سنين طووويلة مرت.. وكنا فاكرين إن الموضوع خلاص اتنسى واللي راح مش هيرجع.. لكن كنا غلطانين.. لأن في حاجات مبتتنسيش وفيه أوجاع بتفضل معلمة على جدران الروح.. ندوب أبدية مفيش أي فرحة ممكن تمحيها.. وهو روحه كانت موصومة بجروح الماضي اللي لسه حية مماتتش.. على الرغم من كل النجاحات اللي حققها كان في حاجة نقصاه .. هي روحه.. روحه اللي راحت معاها من يوم ما راحت.. حاول كتير يعيش ويشوف حاله ويقابل غيرها ويرتبط زي الناس لكن كان في حاجز كبير بينه وبين أي واحدة.. كان دايما في حاجة ناقصة في معادلة التفاهم بينه وبين أي واحدة يفكر يرتبط بها.. كان يقعد يتريق على نفسه ويقول.. على أساس إني كنت متفاهم معاها!؟.. ما إحنا كنا دايمين مختلفين.. بس إزاي كنا في نفس الوقت متفاهمين! .. كان بينهم حاجة ربانية رابطة أرواحهم ببعض مهما شدوا عشان يبعدوا بترجع تجذبهم لبعض تاني زي خيط المطاط.. يئس إنه يكون له حياة خاصة وبطل محاولة وغرق في أحزان جديدة لما ولدته توفت وكرس كل وقته لأخته.. أخته اللي باصص عليها بعد ما نزلت من عربيته وهي بتبعد وبتشاور تودعه فيبتسم .. البنوتة بقت عروسة زي القمر رايحة الكلية لأول مرة.. احساس عجيب جواه أن البنت أم خمس سنين اللي أبوه سايها أمانة في رقابته.. بقت فتاة جامعية خلاه حاسس بالسعادة والفخر.. ساق عربيته للمجموعة الاستثمارية الجديدة اللي أختار عرضها من بين كذا عرض عشان يبقى مستشار لها في ما يخص مجال دراسته وابحاثه.. ضغط على زر الراديو في العربية عشان يخرج صوت عبدالحليم يرمي ف وشه حقيقة هو عمره ما أنكرها وهو بيغني ويقول: في حياتك يا ولدي امرأة عيناها سبحان المعبود.. فمها مرسوم كالعنقود .. والشعر الغجري المجنون يسافر في كل الدنيا.. قد تغدو امرأة يا ولدي يهواها القلب .. هي الدنيا..
اتنهد وابتسم في نفسه بحسرة.. فعلا كانت هي الدنيا وما زالت.. وعلى الرغم من بعادها عنه بالطريقة الصعبة اللي اختارتها.. لكنه عمره ما نسي إنها كانت السبب في كل اللي هو فيه ده.. وإن لولا زيارتها له في الحبس كان سلم نفسه لشيطانه ويأسه ساعتها واعترف وشال شيلة الحادثة اللي معملهاش عشان الفلوس وفعلا كان ضاع مستقبله.. لحظة اعترافها له بحبها كان يوم فارق في حياته ولحظة اتغير عندها قدره للأحسن.. وهو لا يمكن ينسى لها ده أبدا..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

07 Nov, 14:25


كان كشف الحقيقة صادم.. وأفكارهم المغلوطة عن بعض كانت دايما بعداهم.. كانوا شبه بعض صورة بالكربون لدرجة إن حتى عيوبهم واحدة.. كبريائهم واحد.. وحساسيتهم غالبة.. البكا كان سيد الموقف.. لكن كان مقدمة لفرحة كبيرة.. فرحة العمر كله.. حكت له عن حياتها في بعده.. عن محاربتها للضغوط من كل اللي حواليها عشان تتجوز.. واعترفت إنها حاولت زيه مرات كتير تجاوزه وترتبط بشخص تاني .. جواز مبني على العقل والمنطق.. لكن مقدرتش.. كانت صورته واقفة بينها وبين أي راجل تاني يدخل حياتها.. حياتها اللي وقفت من يوم ما سابت مصر وسابته وراها.. سافرت لما أهلها خيروها بين السفر أو الجواز من عربس مناسب من وجهة نظرهم ساعتها.. وهددوها بأنهم من خلال نفوذهم يقدروا يؤذوه ويضروه في مستقبله.. وكانت عارفة إنهم يقدورا يعملوا ده بكل سهولة.. فقررت تاخد القرار الاهون عليها واللي فيه مصلحته وتبعد عنه وتسافر.. واعترفت إنها فضلت فترة بعدها تتعالج نفسيا عشان تقدر تتقبل وتعيش في بعده اللي كان بيموتها.. لدرجة إنها كانت عايشة على المهدئات ومش بتنام من كتر التفكير فيه إلا بمنوم.. حباية تاخدها لدنيا الحلم تعشها معاه بدل ما تقعد مبحلقة في سقف اوضتها تبكي بالساعات على ذكرياتهم سوا..
قالها نتجوز.. قالت له تشاكسه.. بس أنت دايما كنت بتقول إننا مش متفقين!؟..
صرخ فيها وراح قايل.. عننا ما اتفقنا.. أنا كان عندي استعداد أعمل أي حاجة في الدنيا بس متروحيش مني.. اللي بيحب قناعاته بتترسم على مقاس حبيبه.. وأنا عايز أقولك.. مهما كان اختلافنا.. عمره ما كان المشكلة.. مشكلتنا الحقيقية كانت إننا شبه بعض حد التطابق، زي قطبين مغناطيس متشابهين بيتباعدوا ومش عارفين يلاقوا القرب الحقيقي.. كنت بعمل اللي شايفه في مصلحتك على حساب نفسي من غير ما أسألك ده يناسبك ولا لأ.. وانتي كنتي بتعملي نفس الغلطة..
واتجوزوا.. أخيرا بقى القرار في أيديهم.. كانت الدنيا مش سيعاهم أول ما لقوا بعض تحت سقف بيت واحد.. مقفول عليهم باب في حلال ربنا..
بكوا في أحضان بعض زي اللي كان مات من زمن واتردت له روحه في ضمة.. ولأول مرة من سنين طويلة تنام من غير منوم وتعيش يومها من غير مهدئات..
كان بيشاكسها ويقولها مش محتاجاهم! .. كانت تجري تستخبى في حضنه وتقوله كلمة واحدة بس.. لا.. خلاص.. هحتاجهم ليه.. كانوا مجرد مسكنات لبعدك.. لكن أنا كان دوايا الحقيقي هو قربك..
في قانون القدر.. مفيش مستحيل.. وفي حكايات القلوب.. رب القلوب هو اللي بيكتب القصة.. وكاتب التفاصيل.. اللي مهما كانت قاسية وموجعة.. عارف زي ما كتب الوجع.. يكتب لروحك الدوا اللي يجبر كسر قلبك❤️..
اطمنوا.. قلوبكم بين إصبعين من يد الله.. قادر يوجعها عشان يعلمها الدرس ويطهرها.. ومن بعد الوجع والتوهة.. يجبر ويبعت العوض اللي يداوي جرح سنين.. اطمنوا ..🥰👌🏼
#خيط_مطاط
#سيرة_الطيبين
#بنت_جاويش
#نداهة_أرض_الحكايات

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

07 Nov, 14:25


#الجزء_الثاني
فاقت وجريت عليه مطرح ما قالوا لها إنه مسجون، قدرت بشكل مداري توصل له عشان تقابله عن طريق حد من معارف العيلة، آه.. ما هي كانت من عيلة كبيرة ولها وضعها في البلد، وكانت فاكرة إن هو كمان كده، وده ممكن يقرب بينهم لو حصل واتقدم لها، لكن حكايته كانت غير..
اللي كانت فكراه غني ومن عيلة كبيرة وعربيته خبطتها في يوم.. مكنش كده.. والعربية دي مكنتش عربيته دي عربية شغال عليها سواق عند عيلة كبيرة.. واللي خبطها يوم الحادثة مكنش هو كان ابن العيلة الكبيرة المدلع اللي مش فارق له حد وماشي يخبط الناس بالعربية اللي جبهاله الوالد.. كان هو شغال سواق ع العربية اللي كانت تحت أيده بيروح ويجي بها عشان بيوصل ولاد العيلة دي وعشان كده كانوا فجأة بيلاقوه اختفى من وسطهم محدش كان عارف بيروح فين ولا هو مع مين ويظهر فجأة زي ما بيختفي.. ولما اتنقل من كليته وجابه القدر لكليتهم كان عشان يبقى هو اللي شايل أمه وأخته الصغيرة بعد وفاة والده اللي معاشه مكنش بيكفيهم فكان لازم ينزل يشتغل عشان الدنيا تمشي والحياة تستمر وميقصرش تجاه أهله ويعرف يكمل دراسته ويقدر يشتغل بمؤهله..
وعلى أد ما كانت الحقايق دي صدمة بالنسبة لها لأنها بعدت بينهم جامد.. على أد ما كان البعد كاشف لها عن حاجات كتير.. اتأكدت لها دفعة واحدة يوم ما دخل عليها مكتب الظابط اللي اتوصى يقابلهم ببعض.. واللي خرج أول ما العسكري جابه عشان يبقى السلام اللي ما بينهم أول سلام بالايد يحكي اللي محدش قادر ينطقه.. بصت له ولأول مرة تشوف الكسرة دي في عيونه وهي اللي عمرها ما شافت إلا نظرات كلها كبرياء .. بكت وكان أول مرة يشوف دموعها.. سنين عارفين بعض وأول مرة يشوف في عيونها ضعف وقلة حيلة.. كانت دائما قوية .. مكنش يعرف إنها كانت قوية عشان معاه.. كانت بتستقوى به.. دلوقت ضعفت لما شافته قدامها واقف بقلة حيلة شكله غير أي مرة شافته فيها.. ومقالتش إلا جملة واحدة بس: ليه عملت في نفسك كده!؟
مستغربش إزاي هي عرفت، ع الرغم من قدر الاختلاف اللي ما بينهم إلا إنهم كانوا أكتر اتنين متفقين.. خلطة عجبببة .. عارفين يقروا بعض من غير كلام.. ويشوفوا المستخبي في لوح الصدور من غير بوح.. سألها وهو بيحاول يعمل نفسه مش فاهم: عملت ايه!
مسحت دموعها وحاولت تكون شديدة وقوية زي ما اتعود منها، لكنها مقدرتش والدموع نزلت من عينيها تاني وهي بتسأله، وصوتها بينقط وجع: ليه تشيل شيلة مش شيلتك! أنت متستحقش ده.. أمك واختك محتاجينك، دراستك لازم تكملها.. و..لازم تتخرج وتقف على رجلك.. ليه تدخل السجن مكان ابن الراجل اللي بتشتغل عنده، متدفعش تمن ذنب مرتكبتوش..
عرف إنها طبعا عرفت كل حاجة عنه، بس الأعجب هي إزاي عرفت الاتفاق ده!.. إزاي عرفت إن هو هيشيل القضية بتاعت القتل الخطأ بتاعت ابن صاحب العربية!..
سألها متعجب.. انتي إزاي متأكدة كده إني مش أنا اللي عملتها!
أكدت بهدوء ع الرغم من دموعها اللي موقفتش: عشان عرفاك، ولما عرفت كل حاجة أنت كنت مخبيها، اتأكدت إنك مش ممكن تعمل كده.. ويوم ما حصل ده معايا، كنت أنت برضو اللي هتشيل الموضوع لولا إني اتنازلت!..
قالها بقهر: أنتي عارفة هو عارض عليا كام! مقدم لي مبلغ هينقلني وينقل حياة اهلي في حتة تانية..
صرخت فيه: أنت مجنون، يمكن تكسب المبلغ الرهيب اللي بتقول عليه ده، لكن هتخسر حاجات قصاده مفيش ولا أي ثروة فالدنيا تقدر تعوضها.. هتبقى رد سجون محدش هيآمن لك ولا يشاركك ولا يناسبك.. هتقضي على مستقبل أختك الغلبانة اللي مشفتش والدكم ولا تعرف لها أب غيرك.. وهتضيع مستقبلك أنت كمان.. لأنك مش هتقدر تتقدم لأي واحدة واهلها يقبلوا بك بالسابقة اللي عندك..
بص لها وقال بكل حسرة جواه: وايه يعني، ما هو كده أو كده أهل اللي أنا عايزها مش هيوافقوا.. سوابق ولا مش سوابق.. أنا فين وهي فين..
كانت عينها فعينه، أول مرة يجلها الجرأة وتبص في عيونه كده، وشافت وقرت اللي كانت حساه من زمن وياما كذبت نفسها، بس دلوقت مبقاش عندها ذرة شك في اللي جواها ولا اللي جواه.. وردت عليه بكلام عمرها ما كانت تتخيل إنه يخرج منها، وهي اللي كانت حاطة قلبها في تلاجة، ومحدش عرف يحرك القلب ده إلا هو: أنت هنا وهي هنا، وهي بتعاهدك إنك لو خرجت من اللي أنت فيه ده، عمرها ما هتكون إلا لك أنت..
لحظة اعترافها دي كانت اللحظة اللي وقف زمانه عندها، بكى حرفيا.. وعيونه حضناها، كان اعترافها الأمل اللي نور بعد العتمة، والقشة اللي اتعلق بها قلبه الغرقان في بحر الحزن والحوجة.. وده خلاه وفي ساعتها يستدعي الظابط وقاله على الحقيقة كلها.. وجاب شهود يأكدوا إن هو كان في الجامعة لحظة وقوع الحادث.. وإن هو تم ابتزازه وتهديده عشان يشيل القضية.. وقد كان.. جابت له محامي وقف معاه لحد ما خرج منها.. والحال بينهم اتبدل.. خلاص مبقاش اللي جواهم يقدر يدارى اكتر من كده.. على الرغم إنهم فضلوا في تعاملاتهم زي ما هم.. ولسه الشد والجذب موجود.. ولسه السلة بتحجز في خناقاتهم ..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

07 Nov, 14:25


#خيط_مطاط
#الجزء_الثاني

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

06 Nov, 17:45


#الجزء_الأول
كانوا ناقر ونقير، زي الشريك المخالف، شريك مين! ده مكنش ينفع بينهم شراكة أصلا، كان يقول شمال هي تقول يمين، ومكنش حد يصدق أبدا ولا في الأحلام حتى إن الموضوع يوصل بينهم للي وصل له ده.. حاجة أغرب من إنها تتصدق، من منتهى الخلاف، لقمة العشق.. آه.. وده كان بيخليني اقول سبحانه مقلب القلوب، ومغير المقامات في قلب كل واحد فينا، واحد من مجرد شخص غريب مكنش يربط بينك وبينه أي شيء.. يمكن العكس انكم كنتوا حتى مش على وفاق أو اتفاق في أي حاجة، لشخص أكتر من عزيز على القلب.. ده هو القلب ومالك الروح.. فعلا سبحانه.. حكايتهم كانت عجيبة والأعجب إزاي التحول ده حصل بينهم..
كانوا سوا في الجامعة.. كانت هي شعلة النار.. المتحركة اللبقة والمتحدثة الرسمية باسم الشلة وهو كان شخص تقيل أوي في نفسه كنا بنقول عليه إنه بارد من كتر ما هو ساكت ومش متفاعل معانا بس محدش قدر يدوب الجليد ويخلي البرودة دي كلها تبقى بركان إلا هي.. مكنش معانا من أول سنة في الجامعة .. ظهر فجأة في الكلية وعرفنا إنه منقول من كلية تانية لظروف ما.. مكناش نعرف في الأول.. هل بعده وصمته دول مجرد زعل على إنه نقل من كليته وإن النقل مكنش على هواه، ولا دي فعلا طبيعته وموضوع النقل مكنش فارق معاه!؟.. طبعا معرفناش إجابة الأسئلة دي إلا بعدين وده كان بسببها.. إحنا حسينا إن هو واخد جنب وبالتالي مفرضناش نفسنا عليه لكن اللي حصل بينها وبينه غير المعادلة دي.. كانت هي خارجة من باب الجامعة بعد ما سابتنا.. كانت مروحة وفجأة سمعنا إن في حادثة حصلت بره الجامعة وإن المصاب صاحبتنا دي.. طبعا كلنا جرينا عليها ولحقناها على المستشفى والغريب إن اللي نقلها على هناك كان هو.. الحمد لله الموضوع عدى على خير أو كلنا افتكرنا كده لحد ما هي فاقت وعينك ما تشوف إلا النور.. مسكت فيه واتهمته إن هو اللي خبطها بعربيته.. يهديكي يرضيكي مش أنا.. وهي وراسها وألف سيف إن هو اللي ضربها بالعربية والعجيب إنها أدت مواصفات العربية ماركتها ولونها وكانت فعلا عربيته.. ايوه كان الوحيد من كل زمايلنا اللي معاه عربية وحديثة كمان .. أو كنا فاكرين كده .. طبعا كان حصل لها إصابة في رجلها هتحتاج على الأقل شهر راحة في البيت، فده خلاها عايزة تخنقه لأنها مكنش ينفع بأي حال من الأحوال تقعد في البيت وتسيب الجامعة والمحاضرات ..
طبعا كلنا حاولنا نقنعها إنها متجبش سيرته في محضر البوليس اللي جه يستجوبها لما المستشفى بلغت عن اللي حصل، وهي اقتنعت ومجبتش سيرته.. مر الشهر عليها بطلوع الروح لأنها مكنتش بتحس بالراحة إلا في ساعات الدراسة وسط أصحابها.. كانت شاطرة حقيقي ومتفوقة بشهادة الجميع.. وكان عدم نزولها الكلية ده سجن حقيقي بالنسبة لها.. كانوا صحباتها بيزروها دايما وبيكتبوا لها كل المحاضرات اللي فاتتها لكن العجيب اللي حصل منه.. فجأة لقت واحدة من أصحابها جايبة لها كذا شريط كاسيت وبتقول لها فلان باعت لك دول.. استغربت .. كانت فكراه باعت لها شرايط أغاني تسليها في قاعدتها وحيدة نتيجة إحساسه بالذنب من اللي حصلها بسببه.. لكن لما فتحتها لقيت إنه تسجيل لكل محاضرة فاتت عليها بصوت الدكتور نفسه.. استغربت .. ايه اللي يخليه يعمل ده لواحدة مفيش بينها وبينه أي علاقة إلا سلام ربنا ونظرات مبهمة كانت بتحصل بالصدفة أصلا لو صادف وهي بصت لقيته باصص عليها أو العكس.. لكنها فكرة عجبتها أوي وحسستها إن مفيش حاجة فاتتها.. وبقت تستنى الشريط بتاع كل كام يوم عليه كل المحاضرات والسكاشن.. لحد ما تعافت وقررت تنزل.. لقت إن شلتها ضمته ليها غصب واقتدار بعد ما شكرهم على وقفتهم معاه ومنعها من ذكره في التحقيق عن الحادثة.. وطبعا تسجيله للمحاضرات مكنش إلا محاولة اعتذار عن مشكلة هو اللي اتسبب فيها بس ده ممنعش إنها تشكره لما اتقابلوا.. مرت الأيام وعلاقته بالشلة بتزيد وتكبر .. والغريب إنه حاز على ثقتهم كلهم واحد ورا التاني وسمعت من كذا حد فيهم أد ايه هو شخص عاقل ومسؤول.. كانت مستغربة من تحول آراءهم عنهم بالشكل السريع ده وهم اللي كانوا وخدينه تريقة من يوم ما وصل الكلية ومعتبرينه الدلوعة اللي زعلان من نقله من كليته وعشان بابا يصالحه جاب له عربيته الجديدة اللي ماشي يدوس بها الخلق..
كل الحكايات دي بدل ما تخليها تبقى على وفاق معاه خلتها تبقى معاه راس براس .. يقول موافق تعترض.. يعترض هو توافق هي .. وتبدأ بنهم العاركة والشلة تفض.. ناس معاه وناس معاها.. مرة يمشوا رأيه ومرة رأيها.. عشان مفيش حد يزعل..
حتى في أرآهم كانوا مختلفين.. هي مناصرة لحقوق المرأة وداعمة لحريتها وهو ذكوري شرقي التفكير مؤمن تماما إن المرأة مكانها بيتها وبس وأي دور تاني فرعي ممكن يتركن على جنب..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

06 Nov, 17:45


كان الموضوع ده أول ما يتفتح كفيل إن الدنيا تولع والناس تقعد تحجز بينهم.. كانت دايما معتقدة إنه عايز واحدة يقعدها في الحرمليك في قصر أبوه يتباهى بجمال التمثال اللي جايبه يزين بيته من غير ما يكون لها رأي أو فكر.. مجرد واحدة تقول حاضر وطيب ونعم زي أي عروسة لعبة تهزها تقول كلمة واحدة وحيدة مش حافظة غيرها..
وهو كان فاكر إنها واحدة مولودة في بقها معلقة دهب مش شايفة الدنيا وحقيقتها ولا عارفة ايه المفروض والواجب..
لكن الحقيقة لا كان هو عارف حاجة ولا هي كمان عارفة.. كان كل واحد مفترض على التاني أمور مش صح ولا لها علاقة بالواقع.. والعجيب أكتر هو دفاعهم عن بعض في غيبة بعضهم.. هو كان يدافع عنها لو حد ذكرها بحاجة عارف إنها مش هتعجبها ولو كانت موجودة مكنش قدر ينطقها وهي كمان مكنتش تسمح لحد يجيب سيرته في عدم وجوده إلا بالخير.. كانت علاقة غريبة.. قطبين مغناطيس على أد ما هم متنافرين إلا إنهم منجذبين بشكل مدهش هم نفسهم مكانوش شايفينه على عكس كل اللي حواليهم اللي كانوا متأكدين إن في بينهم حاجة بس مش مبينين.. لكن اللي ما بينهم حقيقي مظهرش إلا لما فجأة غاب كام يوم ومحدش عرف يوصل له، كان كتوم ومحدش يعرف هو ساكن فين ولا فين أراضيه، عشان كده محدش عرف يوصل لخبر عنه، وده خلاها مش على بعضها، ولأول مرة تحس إن الدنيا مش هي، وإن في حاجة ناقصة مخلية العالم كله باهت ومش باين له ملامح، لأول مرة تحس إن روحها غايبة، وعقلها مش حاضر، وكل محاضراتها بتحضرها ولا كانت بتسمع ولا بتفهم كلمة، كأنها مش هنا، غايبة في عالم تاني، غيبته طالت وهي حالها ادهور، مبقتش هي.. إزاي ده يحصل لها لمجرد غيابه، اتبدلت ١٨٠ درجة .. غابت عنها الحياة وهي عايشة.. وعلى الرغم من إنها كانت جدعة أوي في إنها تخبي كل اللي جواها وتدفن الوجع في أعمق نقطة في روحها إلا إن سيرته كانت كفيلة تخلي الدموع تنزل من عينيها بدون إرادة ولا وعي لدرجة خلتنا منسألش عليه إلا بينا وبين بعض في عدم وجودها عشان نتجنب نشوفها بالحالة اللي بتبقى عليها أول ما اسمه يتذكر على لسان حد فينا.. لحد ما فيوم جه واحد زميلنا يجري وعنده خبر عنه.. وانحكت الحكاية.. ومحدش كان مصدق.. بس المرة دي لما اتجابت سيرته مبكتش زي كل مرة.. لا.. دي وقعت بين أيدينا مغمي عليها لأن اللي اتحكى كان أعجب من إنه يتصدق..
#خيط_مطاط
#سيرة_الطيبين
#بنت_جاويش
#نداهة_أرض_الحكايات

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

06 Nov, 17:45


#خيط_مطاط

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

05 Nov, 18:32


ليه وافقنا وسيبنا بعض إزاي كمان..
واتفارقنا قال عشان مابنتفاهمش..
عننا ما كنا اتفاهمنا من زمان..
بس من اللي بينا كنا مانتحرمش..
وحشتوني ووحشني سيرة الطيبين 🌹 قلت أنزل لكم حكاية جديدة .. أول ما اخلص الجزء الأول منها هنزله بإذن الله 🥰 واسيبكم مع أنغام الراعي الرسمي لحكاية المرة دي.. 🌹
#سيرة_الطيبين
#بنت_جاويش
#نداهة_أرض_الحكايات

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

21 Sep, 16:48


شهقت في البكا، وقالت له بتوسل، لو لسه للعشرة القديمة خاطر عندك، رجعني مصر..
كانت جاية الشركة تستنجد بصاحب جوزها المصري لأن مراته صاحبتها كانت في اجازة، كانت جاية تستجير من جوزها وتتحامي في صاحبه ابن بلدها بعد اللي عمله فيها جوزها واللي ما كان ينفع يتحكي ولا يتقال..
رفعت نضارة الشمس عن عينيها عشان يشوف وشها كله كدمات وجاتب من وشها وارم.. فار الدم في عروقه لما شاف منظرها كده.. وسألها وهو جازز على سنانه من الغيظ.. ايه اللي حصل!..
اتاري جوزها المحترم كان بيضغط عليها تستقبل صاحب الشركة اللي بيشتغل فيها فالبيت، واللي لما شافها فمرة وعجبته.. ساوم جوزها عليها، منصب كبير ونقلة تانية قصاد ليلة مع مراته، وجوزها قبل، وافق إنه يبيع شرفه مقابل المنصب الفلوس، اللي حتى دي بقى يبخل عليها بها، ويقل في الصرف عشان يضغط عليها تنفذ كل طلباته، ياما اكتشفت خيانته وجولاته وصولاته النسائية ومقدرتش تتكلم، ياما كتير اهانها في أنوثتها وعايرها بعدم قدرتها على الخلفة اللي هي عارفة ومتأكدة إن مشكلتها منه.. كل ده استحملته.. لكن إنها تتهان وتضرب عشان تتساوم على شرفها! .. لا يمكن تقبل ب ده أبدا ولو فيه موتها..
نسي هو المطار والطيارة ومعاد السفر .. وبقى كل همه هي وحالتها اللي مكنتش تسر..
خدها ورجع بها على شقتها وسمع منها الحكاية كلها في الطريق، عشان أول ما يوصل ويفتح له جوزها الباب واللي كان لسه مكتشف هروبها، واالي كان فاكرها رجعت لما عرف إنها مش هاتقدر تروح في حتة وهترجع له تاني مذلولة.. لكن اللي شافه متوقعهوش.. دخل ابن خالتها ومسك في خناقه، واشتغل فيه ضرب لحد ما خد حقها، وأمره في ساعتها إنه يرمي عليها يمين الطلاق، وإلا مستقبله كله في البلد دي هيضيع وهو عارف إنه يقدر يعمل ده.. رمى جوزها اليمين عليها عشان يقوله في قرف، ورقتها توصل لها مصر، وإياك تأخرها، وفوقها حقوقها كلها..
هز جوزها راسه موافق على كل طلباته، أمرها ابن خالتها تجيب بسبورها وتيجي.. عشان ياخدها بعيد عن الحقير ده، ويطلع بها ع المطار..
لحسن الحظ كان فيه طيارة طالعة على مصر، قدر إنه يحجز لها عليها ويسافر معاها.. مكنش متخيل في لحظة إن الدنيا تصالحه كده، وإنه يوم ما يرجع، هيرجع وهي في أيده..
كانت رحلتهم كلها صمت، هو ساكت من كتر الزحمة اللي في روحه ودوشة الأفكار في دماغه، وهي ساكتة مش مستوعبة اللي بيحصل وهي كانت فين من ساعات ودلوقتي فين! ومع مين!
بصت جنبها ولقته، هي مكنتش بتحلم، كان قاعد بينها وبينه مفيش، وخداه الدنيا ومكنتش دريانة إن هي الدنيا اللي وخداه.. حضورها فجأة في قلب حياته من تاني شقلب كيانه.. وخلى كل الثابت افتراض.. وكل افتراض حقيقة.. وكل مستحيل ممكن ونافذ بأمر رب العالمين..
وصلها لحد باب بيتها، معزمتش عليه يطلع، مكنتش عايزاه يحتك بأبوها اللي بينهم تار بايت من زمن، وكان عندها حق، لأن النظرة اللي شافتها على وشه وهو بيبص ع البيت وتفاصيله كانت كافية وزيادة عشان تقرا حجم الوجع اللي استرجعته روحه من تاني.. ودعته لكنه وقفها قبل ما تغيب وقالها، تخلصي العدة ولنا كلام تاني..
وكأنها رجعت بنت التمنتاشر والقلب رجع شباب من جديد، نفس الدقة ونبضة الفرح الزيادة وخفقة الروح اللي طايرة من غير جناحات.. ده العمر بيتعاد من تاني يا ولاد والواحد مكنش داري!
قفزت ع السلالم اتنين في اتنين بعد ما ودعته بابتسامة أمل صحاه القدر من جديد، خبطت على باب شقتهم، وحضنت أمها اللي اتخضت لحظة ماةشافتها قدامها.. وفي الزحمة بعد سلامها على اخوانها الصغيرين، سألت على أبوها عشان أمها تشاور بحسرة على اوضته وهي عيونها في الأرض..
حست إن في حاجة مخبينها عليها، دخلت عليه عشان تلاقيه في دنيا تانية، قاعد على كرسي بعجل.. مشلول، عيونه زايغة في كل حتة، ولسانه تقيل مش بيفسر كلمة.. بكت تحت رجليه.. بتطلع لجسمه اللي بقى جلد على عضم، وعيونه اللي بقت جاحظة.. وأيده اللي بترتعش وتأوهاته اللي ملهاش معنى.. وهي مش مصدقة اللي حصل له..
سبحانه المعز المذل.. فين جبروته وطوله وعرضه وقوته! فين تحكماته وقهره لها ولأمها واهو دلوقت بقى بلا حول ولا قوة! إزاي الإنسان ضعيف كده.. و إزاي كان بيستقوى على اللي منه كده!..
سمعت صوت سرسبة ماية تحت منه، شهقت من صدمتها، حتى تحكمه في نفسه ضاع، وبقى يعمل وهو قاعد ولا دريان.. بكت وقامت هربانة مش قادرة تشوفه بالحالة دي، اللي محدش عارف سببها ايه.. أمها قالت لها جلطة وسببت كل اللي حاصل، وبقى ع الوضع ده، عايش ميت.. مستني أمر الله..
وصل هو لبلد هجرته بعد ما وصلها مصر، كان غريب من ساعة ما رجع من آخر سفرية، كانت مراته عارفة إن مخه مشغول دايما بالمشاريع، لكن المرة دي مختلفة، صارحته وكان هو صريح معاها كعادته دايما، وهي تقبلت الأمر وسمعت وسكتت، خدت جنب منه كام يوم وهو أداها عذرها، الست مهما كانت هتفضل ست، وأكيد مصارحته لها برغبته في الجواز حاجة توجعها، وخاصة إن ده مش موجود لا في دينها ولا في ثقافة بلادها..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

21 Sep, 16:48


لحد ما جت له في يوم وقالت له.. اتجوز.. أنا موافقة، أنت قدمت لي كتير، وعشت معاك أجمل أيام العمر، كنت زوج مخلص، عمرك ما خنتني، وعمرك ما اهملتني ولا طمعت في مالي، بل على العكس أصبحت أغنى على أيديك، وكمان حقك تبقى أب، أنا مقدرتش أحقق لك الأمر ده، لكن أنا عايزة اقدم لك حاجة.. اعتبرها هدية نظير كل الأيام الحلوة اللي عشناها سوا.. لو أنت اتجوزت دلوقت مش هتقدر تعلن ده، ولا هتقدر تجيب مراتك هنا، وإلا يتقبض عليك عشان ده ضد القانون، إلا في حالة واحدة بس، إني أنا كمان أكون مسلمة..
بص لها ومكنش مصدق، ايه الخير اللي هل عليه مرة واحدة ده، معقول!.. كملت كلامها وهي بتقوله.. أنا بقالي فترة بفكر في الموضوع ده وخلاص قررت.. أنا هبقى مسلم زيك.. وبكده تقدر تتجوز تاني.. وتجيب مراتك معانا هنا..
وبكت وهي خضناه وبتقوله.. أنا مقدرش استغنى عنك.. عارفة إن عمر قلبك ما كان معايا.. لكن أنا كفاية عليا احترامك ومحبتك ليا.. وأنا مش ممكن أفرط في كل ده أبدا..
خلصت العدة وطار على مصر، الفرحة مش سيعاه، طلع لبيت خالته غصب عنه مجبور عشان يطلب أيدها، والمرة دي حتى ولو أبوها رفض هياخدها قصاد عينه، لكن الحال اللي شاف عليها أبوها خلاه متعجب من تصاريف المولى في عبيده..
كتبوا كتابهم والفرحة مش سيعاهم، جهز شقة أمه اللي كانت مقفولة من ساعة ما سابها عشان تبقى عشهم المؤقت في مصر لحد ما ياخدها ويسافر، جمعهم رب العالمين بعد كل السنين دي تحت سقف واحد، ونص الحلم اتحقق وبقى حقيقة كاملة، كان باصص لها مش مصدق إنها قدام عنيه، وإن البنوتة اللي شعره شاب عشان ينول وصالها، بقت قصاده مراته للمرة الثانية بعد فرقة وغياب قهروا الروح، خدها في حضنه، عشان تبكي وتشهق بين درعاته، سكة طووويلة أوي مشيتها عشان توصل لسكنها الحقيقي، تنام راسها على صدره وتناجي قلبه، وتتنفس أخيرا.. تعيش بجد.. بعد ما كان في بعده، كل نفس خارج من صدرها، نفس من جمر، يحرق الروح ويزود وسع الجرح..
عاشوا.. بعد ما كانوا عايشين ميتين.. أصل الحياة في بعد الحبيب غربة، والغربة علقم، والدوا الوصل اللي كان مستحيل.. لكن مفيش مستحيل في قانون رب العالمين .. ولا كلمة مش ممكن في كتاب القدر .. اللي راد يجمعهم.. وراد تكون ذريته منها هي.. ويكون هو أبو عيالها.. وونيس الروح وونس العمر.. اللي اتعاش في قربه ألف حياة..
اااه.. من كرم المولى وطبطبة قدره على القلوب بعد الأوجاع.. هفضل في كل مرة أعيد وازيد فيها.. لا ثغرات في الخطة الإلهية.. حطوا في القلب اليقين برحمته وكرمه وسيبوا الدنيا وحال قلوبكم بين ايديه وحده، هو صاحب العجب في كل ما وهب.. بس قولوا يا رب، ولا تنسوني من صالح دعائكم 🥰 🤲
#أنفاس_من_جمر
#سيرة_الطيبين
#بنت_جاويش
#نداهة_أرض_الحكايات

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

21 Sep, 16:48


سكتت بعد اكتشافها، وهي يعني كان بايدها ايه تعمله! ولا أي حاجة.. لا هتقدر تعترض ولا تطلب الطلاق، وهتعيش وهي شجرة عجفانة من غير فرع يضلل على قلبها الوحداني.. وروحها الموجوعة.. مش هاتنكر إنها ارتاحت معاه ماديا.. كان بيحاول يعوض نقص الخلفة وإحساسه بالذنب إن هو السبب وكدبه عليها بإنه يغرقها فلوس وهدايا.. حست إنه عوض عن أيام العمر اللي اشتراها.. شافت إنه تمن عادل وقبلت الصفقة بينها وبين نفسها.. وبقت تبعت لأمها في السر مبلغ تساعد به اخواتها في حياتهم، بعد ما عرفت إن أبوها ماسك أيده عليهم بالأوي.. وطفشان طول اليوم بره مش بيشوفوه إلا ع النوم.. واضح إنه عايش حياته بالطول والعرض وراميهم.. بيتمتع بمهر أختها الصغيرة اللي لولا الفلوس اللي بتبعتها لامها في السر، مكنتش اتجهزت ولا حد قال لها يا جواز.. بيعة جديدة، وقبض تمنها، ليه ما يتبسطش!
أما هو، فاتبهدل كتير في الغربة لوحده، لكن القدر ابتسم له لما لقاها.. ست جميلة من البلد اللي هاجر لها، أكبر منه بخمس سنين، توسمت فيه الخير والصلاح ووثقت في أخلاقه ومسكته الشغل بتاعها، وبعدها بدأت قصتهم، اتقربت منه أكتر واكتر وعرضت عليه في يوم الزواج، صارحها بكل حاجة وكل حكايات الماضي، وقالها بصراحة إن قلبه معدش يقدر يحب، وهي وافقت وقبلت واتجوزوا.. عاشوا سنين طويلة مع بعض بحلوها ومرها، كانت بتتمنى ربنا يرزقها منه بأولاد لكن محصلش.. حاولت كتير وده كان شغلها الشاغل، وهو معترضش، سابها تعمل اللي يريحها، كانت بتحبه بجد ونفسها في طفل يحمل اسمه ويربطه بها، لكن هو كان همه الأكبر هو الشغل، اللي كبر على أيده والمصنع اللي كان حيلتها بقى سلسلة مصانع في كذا دولة..
جاله عرض كبير بمشاركة متترفضش عشان يفتح مصنع جديد في بلد جديدة، طار لهناك واستقبله مدير المجموعة الهندسية بترحاب كبير وخصوصا لما عرف إنه مصري.. أصر إنه يعزمه في بيته، عشان ياكل بقى أكل مصري مدقهوش من زمن، كان خاصم كل حاجة من بعد آخر نظرة من الطيارة في محاولة للنسيان كان مصيرها الفشل، أكل فعلا بشهية كبيرة كأنه مكلش من عصور، الاكل فيه ريحة أمه الغالية ونفس روحها بشكل أثار حيرته، وقال لنفسه يمكن عشان بقاله سنين مكلش أكل مصري كان حاسس بكده، وفي آخر لحظات اللقاء، أصر صاحب البيت إنه يعرفه ع المدام، اللي خرجت بعد إلحاح من جوزها، وخاصة إن عمرها ما كان لها اختلاط ببيئة عمله، ولا حاولت تتقرب من زوجات زمايله، إلا زميل واحد كان مصري عرفها عليه وعلى زوجته اللي ربطتهم صداقة قوية، خرجت بالفعل وسمعت كلامه .. وكانت المفاجأة..
اتسمرت في مكانها أول ما عنيها وقعت عليه، السنين غيرت في شكله، وأكيد في شكلها، لكن الروح عمرها ما تتوه عن وليفها ولو مر فوق الزمان زمن.. ورد فعله مختلفش عن ردة فعلها.. وقف وكأن الأيام رجعت سنين لورا، والعمر بيتعاد من أول وجديد بكل لحظة مر وفرح، شريط سيما بيتسرسب قدام عيونه، اللي مقدرش يحوشها عنها وكأن الشوق العطشان من دهر لنظرة منها، بيرتوي من طلتها ومش شبعان..
جوزها خد باله، فسأل في شك، انتوا تعرفوا بعض، كان هو الأسبق في الرد عشان يجنبها الحرج، وميعملهاش مشاكل، وأكد في نبرة مهزوزة: لا، أبدا، أنا كنت بشبه..
وأكدت هي على كلامه بهزة من راسها، واستأذنت بعد ترحيب سريع ومضطرب، عشان تغيب جوه اوضتها وهي مش قادرة تتلم على كل ذرة من روحها..
مر الوقف بسلام، لكن ممرش على قلوبهم بالراحة، صحى كل اللي كان مدفون تحت رماد البعاد وكل واحد فيهم حاول سنين عشان ينسى، لكن هينسى ايه، هينسى نفسه! أصل في ناس كده بيمروا على القلب، ويسيبوا بصمتهم على الروح، والعمر يعدي ويفوت وهم لسه هناك، مكانهم بالقلب لسه فاضي لا يمكن حد غيرهم يملاه، ومعزتهم في الروح ولا أي غلاوة تقدر تعادلها..
صبر نفسه كتير بالنظرة والسلام اللي طالهم منها هدية من زمن ياما بخل عليه، وهي كل ما تيجي صورته قصاد عينيها، تبكي.. وتدعي.. متبقاش عارفة تعمل إيه بعد ما كانت خلاص عودت القلب على الفراق وافتكرت إنها ارتاحت..
زار البلد دي كذا مرة بعد كده على فترات، وفي كل مرة جوزها يمسك فيه عشان يعزمه كان يرفض بشكل قاطع، مكنش عايز يشيل نفسه ذنب ولا يشيل قلبه حمل فوق حمله، ولا يسبب لها مشاكل في حياتها اللي واضح إنها مستقرة مع جوزها..
وكانت مرة من مرات زيارته الاعتيادية للبلد دي، وخلاص أنهى كل المهام المطلوبة وخارج من مقر الشركة ع المطار، عشان فجأة يتخبط فيها وهي داخلة متسربعة وواضح عليها الاضطراب، مخبية وشها بنضارة شمس كبيرة مغطية معظم ملامحها لدرجة إنه معرفهاش للحظة، إلا لما اطلع لوشها يعتذر لما خبط فيها رغم إنه غلطها، من شكلها سألها في لهفة.. انتي كويسة!

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

21 Sep, 16:48


#الجزء_الثاني
مطلعش من السجن زي ما كان متوقع بعد طلاقها، أبوها متوسطلوش زي ما وعد أمه الغلبانة، اللي قلبها مستحملش بعاده عنها وحسرتها على وحيدها ووقعت من طولها بأذمة قلبية، يومها باست على رجلين أبوها وقالت له إن هي موافقة ع العريس اللي جالها وهي كانت رافضاه، آه.. ما هي دخلتها عناد مع أبوها.. كل ما كان يجيلها عريس ترفض وتقوله شوف بقى هتجوزني إزاي من غير موافقتي قدام المأذون! كانت تنضرب وتترمي في الاوضة، خلاص مبقاش فارق لها.. اتعودت، بعد ما روحها راحت مع اللي راح ولا رجعشي، ولا باين له رجعة بسبب أبوها، اللي قالهالها بكل صراحة.. طول ما انتي بترفضي الجواز هيفضل هو جوه لحد ما يعفن، لكن المرة دي غير.. خالتها بتموت ولازم هو يطلع يشوفها.. مش هتسامح نفسها لو حصل لها حاجة وهي نفسها في نظرة من وحيدها اللي روحها متعلقة به، وافقت وهي كل اللي هاممها يخرج لأمه ودنيته اللي وقفت بسبب قسوة وتعنت أبوها..
العريس كان شاب مقتدر عنده شقة ملك في بيت أهله، وكان بيسافر الخليج مع هوجة السفر على هناك بعد ما اتقفلت أبواب الرزق قدام كتير، كان بيشتغل السنة كلها ومينزلش إلا شهرين اجازة.. ودي كانت ميزة من وجهة نظرها.. بس اللي مكنش ميزة خالص إنها هتجوز في محافظة تانية.. كانت قعدت في نفس محافظتها اهو ع الأقل تقدر تروح وتيجي على أمها الغلبانة تشيل عنها شوية من الذل اللي مشربهولها أبوها.. لكنها رغم كل شيء وافقت عشان تخلص وتخلصه..
اتجوزت.. مش فاكرة إزاي! وامتى! .. كان قلبها في غيبوبة، وروحها هايمة مع الماضي، وجسمها آلة بيتحرك ينفذ الأوامر وبس..
متنكرش إن جوزها في أول الجواز كان كويس معاها، كان عريس بقى، وكان عايز يعيش له يومين بعيد عن الغربة وقرفها، لكن أول ما سافر، كل حاجة ابتدت توضح شوية بشوية، أهله ظهروا في الصورة، اخوات جوزها البنات، وحماتها اللي كانت حمل وديع قدام ابنها وهو موجود قلبت ١٨٠ درجة، وسلايفها اللي مكنوش طايقين وجودها وسطهم، والغيرة كانت وكلاهم منها، لأن هي الأجمل والأصغر سنا، والمتعلمة اللي فيهم، وفوق ده كله .. خدت الغني اللي كانت فلوسه مغرقاهم في العز، واللي قطعها أول ما قال يا جواز عشان يجهز شقتها اللي مفيش واحدة فيهم ساكنة في شقة زيها، هي ليه تعيش في العز ده كله، وهم يتحرموا! وعنها.. وبدأت المنغصات.. وبدل ما كانت تعيش عشر شهور راحة أثناء سفر جوزها، بقت عايشة العشر شهور دول بهدلة وقلة قيمة.. خبطات على بابها من فجر ربنا، طلبات مبتخلصش، كل واحدة من اخواته البنات تيجي بعيالها تنام وتقوم وعايزاها تخدمها هي والعيال ومتفتحش بقها، وأقل كلمة بتسمعها لو حتى أظهرت بعض اعتراض، دي فلوس أخونا وعز الغالي اللي غايب في الغربة، وإحنا وعيالنا لينا فيه اكتر ما ليكي..
صبرت وصبرت.. لكن لما طفح الكيل اشتكت لجوزها اللي افتكرت إنه هيكون السند لها، ويخف اذاهم عنها، لكن عشمها فيه طلع فشوش، واتشتمت في التليفون وهي بتكلمه، اتقال لها بالصريح.. بقولك ايه! أنا مش عايز اسمع كلمة شكوى من أهلي تاني! هو انتي فاكرة نفسك ايه.. ده أنا واخدك من بيت ابوكي الجعان بالهدمة اللي عليكي، هو كان يطول يجوزك واحد زيي ولا يناسب عيلة زي اللي مش عاجبنك دول!..
قفلت السكة.. كان عنده حق، ما هي اتباعت بالرخيص، ايوه ما هي دي مكنتش جوازة.. كانت بيعة وشروة.. جوزها عرض مهر محدش كان يحلم به، خده أبوها وحطه في جيبه مع إنه حقها شرعا، ورماها للي يبيع ويشتري فيها تاني وتالت.. مع أمه وأخواته ومرتات أخواته الرجالة، اللي كان واحد فيهم عينه مبتتشلش عنها في الطلعة والنازلة، حتى إن مراته خدت بالها وبقت حطاها في دماغها بالزيادة عن حريم البيت الباقيين وبمباركة من حماتها اللي قلبها حتى مرقش عليها لما عرفوا إنها حامل، بالعكس. الخبر مفرحهمش زي ما كانت متوقعة.. الوحيد اللي فرح كان جوزها.. كانت فرحته عجيبة، كأن اللي حصل ده فوق العادة، مش حدث متوقع بين أي اتنين متجوزين، بس على كل حال هي فرحت، اهو هتلاقي لها ونس وسط لياليها الطوال اللي بتعذبها بذكريات كلها وجع وحسرة، يجي لها بنت ولا ولد يبدل الوجع بالفرحة والهم بالسعادة.. حاولت تترجى حماتها تقلل عنها الجهد والشغل اللي كانت بتشيله لوحدها عشان حملها كان صعب لكن ولا فرق لها، لدرجة إنها سمعتها في مرة بتقول لواحد من ولادها الرجالة، مكنش الحمل ده ع البال، واللي هايجي ده هياخد كل حاجة، ويخلي الغندورة تقعد وتتريس.. شقى أخوك في الغربة لينا مش لواحدة جاية تاخده هي وعيالها ع الجاهز..
هو إزاي في ناس كده! .. سألت نفسها مستعجبة من حماتها وكلامها، هو مش اللي فالغربة ده ابنها برضو! طب مش من حقه يعيش ويتبسط ويخلف زي بقية أخواته اللي عايشين مرتاحين في عزه وسط عيالها ومع ستاتهم!؟..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

21 Sep, 16:48


سكتت واتحملت عمايلهم معاها واللي كلها كان غرضها واحد بس، إزاي نخلص من اللي فبطنها، كانت عارفة إنهم مش عايزين الحمل ده، وهي لو بايدها كانت راحت لبيت أبوها عند أمها تشيلها في عينيها، لكن هي كمان متأكدة إن أبوها مش هيستحملها يوم واحد، وخاصة إن معهاش قرش تقدر تسكته به، وتقوم هي بالصرف ع البيت فيقبل بوجودها، لأن جوزها مكنش بيسيب لها فلوس، ولما كانت تطلب يتقال لها فلوس ليه! أكلك وشربك في البيت مع أهلي وانتي بطولك، ولكن بعد إلحاح كان يبعت لأمه اللي مكنتش بتنولها جنيه من الفلوس وتقولها دي فلوس احوشها عشان ولادتك، افرض ولدتي وهو لسه مجاش، نجيب لك منين!..
في شهرها الأخير.. كانت بتموت حرفيا.. بكت واشتكت إنها تعبانة ومحدش سمع.. دول حتى زودوها عليها بتحريض من سلفتها، اللي كانت بتتعاير بها حتى فالعلن بينهم وهم قاعدين، واللي خلت حماتها تأمرها تقوم تغسل السلم بحجة إن الحركة هتسهل عليها الولادة.. قامت وهي بتموت حرفيا.. عشان تمسحه، لكن رجلها خانتها ووقعت وصراخها جاب آخر الدنيا.. جريوا بها ع المستشفى عشان يلحقوها على آخر لحظة.. اتاري الجنين ميت في بطنها ولولا وقعة السلم كان زمان التسمم موتها هي.. والدكتور قالهم.. انها من أول ما اشتكت كان لازم يجيبوها المستشفى على طول.. طبعا الموضوع كان هيوصل لنيابة وبوليس لولا إن الدكتور ده كان قريبهم من بعيد وقدر يلم الموضوع، وهي اترمت في العناية كام يوم بين الحيا والموت.. ولما فاقت كان جوزها نزل إجازته، قعدت تترجاه ياخدها معاه فوافق وخصوصا بعد ما شافت الحسرة على وشه لما عرف إن الولد اللي كان مستنيه بفارغ الصبر راح.. وشاف قهرتها ووجعها على ابنها اللي حتى ملحقتش تملي عيونها منه.. سافروا وسابوا لأهله الجمل بما حمل.. كانت كل اللي طلباه من الدنيا إنها تعيش في سلام وربنا يكرمها من تاني بطفل يملا عليها وحدة روحها..
أما هو فبعد جوازها بشوية طلع من سجنه، طلع حد تاني، روحه مشروخة، وقلبه مهواش بين ضلوعه، أمه اتردت فيها الروح لما شافته، قامت على رجلها بعد ما كانت بتقول خلاص هروح من غير نظرة وداع منه، لكنه خرج، معاها بجسمه آه لكن ولا كأنه معاها.. كانت تسمع صوت بكاه وهو قافل على نفسه فالليل، فتبكي وتدعي إن ربنا يريح قلبه، كانت عارفة إن ابنها خسر كل حاجة.. خسر قلبه مع بنت اختها اللي مطلهاش، وكرامته كراجل لما اجبروه إنه يطلقها، ووظيفته اللي اتعين فيها قبل ما يتقدم عشان يخطبها بكام شهر، واللي كان فرحان بها أوي لأنها في التخصص اللي كان بيتمناه ومستنيه من زمن، وعشان هتبقى سبب يفتح بيت ويقدر يتقدم بقلب جامد ويطلب أيدها.. كل ده راح بعد ما بقى رد سجون، ومش أي سجن، ده واحد اتعلم عليه بالقلم الأحمر له تاريخ سيا*سي، ويتخاف منه، وملوش مكان في الحكومة.. حتى لما نزل يدور على أي شغل خاص.. كان الكل بيتجنب يشغله.. وكأنه بقى موصوم بالعار..
لحت عليه فكرة الهجرة.. أمه بكت وقالت له هتسبني لمين! قعد يعافر وهو مغصوب.. هوا البلد طابق على نفسه، وحاسس إنه بيموت بالبطيء، سنة مرت، عشان أمه تروح ويبقى بطوله في وش الدنيا.. دفنها وخد عزاها وتاني يوم كان مقدم على الهجرة.. اللي اتقبلت بسرعة عجيبة.. كأن البلد مكنتش طيقاه زي ما كان هو كمان مش طايق النفس فيها، نظرته من شباك الطيارة نظرة مودع، حاول إنه يرمي كل اللي فات قبل ما يروح بلا رجعة.. لكن القلب له أحكام، وحكم القلوب نافذ على رقبة الكل، حاول يرمي كل ذكرياته معاها، بعد ما عرف إنها اتغصبت ع الجواز من راجل تاني انقاذا له ورحمة بأمه، لكن هيرمي ايه ولا ايه!! لو حاول يبقى كل عمره الاولاني مبقاش.. ما هي كانت مصحباه في كل حلم وكل لحظة.. بصورتها وحضورها وخجلها وشقاوتها.. بكل دمعة فرح يوم الاعتراف وبكل دمعة شوق لحظات البعاد.. وبكل دمعة وجع لحظة الوداع.. واللي لسه موشومة على جدار روحه.. ولا ألف دهر يقدروا ينسيهاله..
فاتت سنين، ومر عمر على عمرهم، حاولت ياما تخلف تاني من جوزها، راحت للدكاترة كانوا يقولوا لها مفيش عندك مانع للخلفة، وده كان من وراه، بعد ما أقنعها إن سبب عدم الخلفة تاني هو مضاعفات حصلت لها بعد اللي حصل في الحمل الأول، واكتشفت إن كل ده كدب، وإنه كان عنده في الأساس ضعف وبيتعالج منه، شافت التحاليل واللي يثبت ده كله، كان مخبي كل الاوراق دي في الخزنة اللي جه من الشغل مرة بدري عشان ياخد منها أوراق مهمة كان ناسيها، ومن سربعته نسي يقفلها عشان تكتشف كل المستخبي، وتعرف كان ليه فرحان الفرحة الرهيبة دي بأول حمل، وليه مش قادرة تحمل تاني ومحاولته كل ما تفتح معاه موضوع العلاج إن العيب منها، ده كان كلام الدكاترة في مصر وإن التأخير من مضاعفات الحمل الأول، وإن كله بأوانه..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

21 Sep, 16:48


أنفاس من جمر 🔥

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

20 Sep, 16:35


#الجزء_الأول
كان جبار.. هي عارفة وكل اللي حواليها داقوا من قسوة قلبه.. واولهم هي وأمها.. كان أبوها.. لكن عمرها ما حسيت في يوم بدفا الأب وحضن الأبوة اللي بيحكوا عنه، وعلى الرغم من كل ده .. عمرها ما كرهته، في حاجة رابطة بينها وبينه أكبر من أي كلام ممكن تعبر به عن اللي جواها، وأحيانا كانت بتبقى ممتنة له، آه.. كانت فرحانة إن هو رافض جوازها، رفض عرسان كتير اتقدموا لها ودي كانت نعمة كبيرة في حد ذاتها، مش عشان هي مش عايزة تتجوز.. لأ.. عشان كانت عايزة تكمل تعليمها وكمان السبب الأساسي إنها تستناه.. تستنى اللي خطف القلب في غفلة منها من سنين طويلة بطول العمر ووعي البنوتة الصغيرة إن بقى لها قلب وبيدق بحبه.. ابن خالتها واتربوا سوا.. مفتحتش عينيها على حاجة في الدنيا قبل شوفته، ولا تفتكر من أيامها يوم مكنش هو موجود بكل حضور الفرح في قلب لياليها، عاشت في بالها حلم إن رب العالمين يجمعهم في يوم تحت سقف بيت واحد، وفضلت تحلم على أدها بينها وبين نفسها، لحد ما في يوم الحلم فغمضة عين قلب نص حقيقة، وده لما جه ووقف قدامها وقالها بحبك وعايزك.. كانت لحظات الفرح في الكون متعادلش لحظة فرحتها ساعة ما سمعت اعترافه .. قالت معقول بيحبني زي ما بحبه من مبتدا العمر وأنا مش دريانة.. اتاريه كان معتق عشقه لها جوه قلبه لحد ما فاض به وخاف تروح منه والبوح غلبه فراح صب كل شوق السنين على بذرة الحلم النونو.. لجل ما تطرح بساتين محبة وعش غرام..
قالت له وأنا كمان ريداك.. بس بابا.. قالها مفيش مشكلة المفروض إحنا أهل وأنا عايزك على سنة الله ورسوله.. أنا كام شهر وهتوظف واقدر افتح بيت وساعتها مفيش حاجة هتمنع إننا نكون سوا..
يومها طارت لحد اوضتها مش حاسة بالعالم والناس.. كل اللي قصاد عينيها صورته وأمل معشش في حشا الروح إن المنى وصاله قرب.. وإن الفرح خلاص على الباب..
وفعلا مكدبش خبر وكلم أمه لأنه كان يتيم الأب وجم لأبوها يخطبوها، كانوا فاكرين رغم صعوبة أخلاق والدها إن الجواز والنسب حاجة تانية، لكن للأسف طرده من البيت هو وأمه قدام أمها اللي مقدرتش تفتح بقها بكلمة تدافع عن أختها وابنها الوحيد، اللي كانت عارفة من زمن إن عينه من بنتها، وكانت بتدعي إن يوم مجيته لطلب بنتها ميجيش، لأنها عارفة إنه هيبقى آخر يوم في علاقتها بأختها، وده فعلا اللي حصل، بعد ما مشيوا أمرها جوزها تقطع علاقتها بأختها نهائي، لا هي تروح بيتها، ولا التانية تدخل بيته، هزت راسها بطاعة ودموعها نازلة أربعة في أربعة على خدها ومش قادرة تعترض، أصل هتقول ايه ولا تعترض على مين! خلاص كبرت وجسمها مبقاش يتحمل الضرب والإهانة اللي عاشت فيهم طول عشرتها معاه، ولما كانت بتشكي لحد من أهلها كان يتقال لها عيشي وربي عيالك، ما هو كل الرجالة كده، ومحدش هيستحملك انتي وهم لو فكرتي ترجعي بيت ابوكي.. وقعدت وسنة ورا سنة عدى العمر وراحت الصحة ومعدتش تقدر تقول له لأ، طب هتعترض وتسيب الجمل بما حمل هتروح فين! بيت أبوها! ..وهو فين! ما اتباع بعد أربعين أبوها بيومين من عمامها عشان ياخدوا ورثهم ويرموا لها هي وأختها اللي باقي .. وطبعا ملهاش إنها تتحكم في مليم .. ورثها خده كله لحظة ما اتحط في ايدها، كله بقى باسمه وتحت وصايته.. هي ومالها وعيالها وأنفاس حياتها ذاتها.. لكن بنتها مكنتش هي، كان لسه فيها عزم الشباب وحماسه، مسكتتش على رفضه لحب عمرها، خرجت متعرفش جابت القوة دي منين، وقالت له إنها موافقة على جوازها من ابن خالتها، وإنها عايزاه بكل ظروفه المادية ووضعه الاجتماعي ومش بتفكر تاخد حد أفضل منه، كانت فاكرة إن قلبه القاسي ممكن يلين ويرق لما تقول له اللي في بالها وتكشف له عن رغبة قلبها.. لكن العكس هو اللي حصل، شافت منه وش تاني مكنتش تتخيل إنها تشوفه أو حتى إنه يكون موجود من أصله.. وش كله افترى وغلظة وعدم رحمة .. جابها من شعرها ورماها جوه اوضتها ومنعها من الخروج نهائي من البيت.. كان فاضل على امتحانات السنة النهائية لها في المعهد اللي بتدرس فيه كام يوم.. أمها اتحايلت عليه الليل بطوله عشان يسبها تروح امتحاناتها وتنهي السنة وتخلص، وافق بعد ساعات مذلة على شرط هو اللي يجبها ويوديها..
نفذ فعلا، كانت عاملة زي المسجونة اللي خارجة افراج مؤقت لحد المعهد تمتحن وترجع تترمي في اوضتها لحد الامتحان اللي بعده..
ابن خالتها عمل المستحيل عشان تبقى له، راح لأبوها شغله وطلبها تاني، قاله مستعد لأي ضمانات أنت تطلبها بس وافق على جوازنا، لكن طرده برضو تاني، عمل كل اللي ممكن يتعمل من راجل عشان ربنا يجمعه بشق روحه، ساق عليه طوب الأرض لجل ما يوافق على خطوبتهم، قاله همضي لك على وصل أمانة بحقها، مفيش فايدة، قاله عايزها ومن غير شنطة هدومها كمان، وأنا هتكفل بكل حاجة تخصها بس نكتب الكتاب، رفض وتعنت بشكل عجيب.. مخلاش قدامه إلا حل واحد..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

20 Sep, 16:35


على الرغم إنه كان أبعد حل إلا إنه مكنش قدامه غيره، راح لها المعهد في آخر يوم امتحانات ودخل متسلل من بوابته الورانية اللي محدش بيدخل منها تقريبا لحد ما اتنست، واستناها وأول ما شافها خارجة من لجنتها، شدها قبل ما تروح على بوابة الخروج وقالها هنتجوز دلوقت حالا.. اتصدمت .. قالها مفيش حل إلا ده، إحنا عملنا كل اللي نقدر عليه عشان نخلي ابوكي يوافق على جوازنا وهو رافض بشكل غريب، ومبقاش قدامنا إلا الحل ده.. هتيجي معايا، ولا خلاص تروحي ولا كأنك سمعتي مني حاجة!! ..
سرحت لثواني وافتكرت اللي سمعته من يومين، إن في عريس متقدم لها، وأبوها شكله هيوافق عليه، مستحملتش تفكر لحظة إنها ممكن تكون لغيره، فهزت راسها بالموافقة، وجريوا على أول مأذون قابلهم، عشان يكتبوا كتابهم.. لحظات كانت كلها ترقب ورعب حرفيا، لكن أول ما المأذون سحب المنديل وقال مبارك.. دموعها نزلوا من عينيها مقدرتش توقفها، خلاص كده بقت مراته وعلى ذمة روحه، ومحدش هيقدر يفرق بينهم تاني!! مد أيده وحضن كفها ونزلوا من عند المأذون والدنيا مبقاش فيها براح يكفي فرحتهم.. لكن اللي حصل بعدها، لا كان على البال ولا الخاطر..
خرجوا من مكتب المأذون عشان يتلم حواليهم ناس ميعرفوش مين دول، سألوه أنت فلان! هز راسه بالموافقة وهو مش فاهم فيه ايه! شدوه من ايديها بعنف، ياللاه معانا، ورموه في بوكس العربية الميري، وهي كل اللي كانت بتعمله بتنده باسمه زي اللي عارف إن ممكن ميشفوش تاني..
رجعت البيت مش عارفة إزاي افتكرت رجلها الطريق، كانت فاكرة إن أبوها معرفش بموضوع جوازهم، لكن المصيبة إنه خد خبر، واللي عمله فيها لا يمكن حد كان يتخيله، ساعة كاملة بيضرب فيها بقسوة لحد ما اغمى عليها، ولما صحيت متعرفش بعد أد إيه، لقت نفسها متسلسلة في رجل الدولاب، ايديها ورجليها متربطين، ممنوع عنها الماية والزاد ولا مخلوق يدخل لها، حتى الحمام ممنوع تدخله، سابها تعمله في مكانها زي الحيوانات، وسمعت من مكانها اللي عمله أبوها في جوزها، كانت البلد أيامها في حالة مش مستقرة سيا*سيا وأي كلمة في بلاغ عن حد ممكن توديه في داهية، وده اللي حصل، أبوها بلغ عنه، وجاب شهود زور على اتهاماته، عشان يتقبض عليه ويترمي ورا الشمس حرفيا، لا حد يعرف هو فين، ويا عالم هيخرج تاني ولا لأ، بكت يومها بدموع من دم، خلاص كده راح جوزها وحبيبها، وضاع مستقبله في غمضة عين، حتى أمها اللي مكنتش بتتكلم سمعتها مرة من ورا باب اوضتها اللي بقت زنزانة حبسها الانفرادي، بتزعق لأول مرة من سنين، بتصرخ حرفيا عشانها، عشان يرحمها ويخليها تدخل عليها الاوضة تفكها وتحميها، حتى لو عايز يفضل حابسها مش بالشكل ده، لكن قلبه الحجر متحركش لحظة، وسمعت صراخ أمها تاني بس المرة دي من ضربه لها، وبكت.. مبقتش عارفة بالظبط هي بتبكي على مين ولا مين! .. على نفسها ولا حبيبها ولا أمها.. ولا خالتها الغلبانة اللي جت لحد عندهم في البيت ووطت على رجل أبوها تبسها عشان يعتق أبنها ويخرجه من مطرح ما رموه.. ساعة وهي مرمية تحت رجله تتذلل لجل ما يتوسط لأبنها عشان يطلع من حبسه، وهو لا مبالي ولا اتهز له رمش، لحد ما نطق جملة واحدة.. موافق، بس يطلق بنتي، ده شرطي الوحيد..
وقام وسابها، وقدر يجيب لها موافقة بالزيارة عشان تقنعه، وفعلا راحت وحاولت بكل الطرق إنها تقنعه يطلق حبيبته، لكن مفيش فايدة..
خرجت خالتها من عند ابنها على عندهم طوالي، وقابلت أبوها وقالت له، مفيش حد هيقدر يقنعه إلا بنتك، خليني أقابلها..
رمى مفتاح اوضتها اللي كان محتفظ به معاه لأمها، وأمرها تدخل لها تفكها وتحميها وتدخل لها خالتها، اللي مصدقتش لما شافتها، خدتها في حضنها وفضلت تبكي ساعة كاملة، ومفيش على لسانها إلا دعوة واحدة، يا رب أنت وحدك القادر ع المفتري، لكن هي مبكتش، كان بير الدموع جف، ومعدتش العين تساع التعبير عن الوجع اللي بقى مخالط الحشا، ومعشش بعمق الروح، قالت لها خالتها على حاله، واللي شافته عليه ميختلفش عن حالها، واترجتها تروح تزوره وتطلب منه الطلاق، خلاص كده في وجود أبوها وجبروته، مبقاش في فايدة، ولا في أمل لاجتماعم.. وخوفا عليهم هم الاتنين من بطش أبوها..
هزت راسها ووافقت، عشان تطلع خالتها لأبوها فرحانة إنها اقنعتها، وإن في أمل لرجعة ابنها لحضنها تاني.. وبالفعل.. قدر أبوها بعد فترة يجيب لها إذن بالزيارة.. عشان تروح له..
على الرغم من النيران اللي كانت قايدة بين ضلوعها، لكن مشيتها ناحية مكان الزيارة كانت بخطوات ثابتة ثبات غريب، وقفت قدام القضبان في انتظاره، عشان يدخلوه فيترمي بلهفة يحضن القضبان وأيده بتشب عشان توصلها ومش طايل، لحظات عدت وهو مش مصدق إنها قصاد عينه، لكن بعدها أدرك إن اللي قدامه دي واحدة انكسر جواها مليون حتة، نظراتها زجاجية مفيهاش روح، عيونها بتلمع من أثر دموع، لكنها واقفة تايهة كأنها مش في الدنيا، همس فيها: وحشتيني!

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

20 Sep, 16:35


نزلت أول دمعة، ومنطقتش، شافت حاله وجسمه اللي نحل، وأثر الضرب والتعذيب على وشه وملامحه اللي وارمة، نطقت أخيرا: طلقني!
كان عارف فصرخ: مستحيل.. ولو فيها موتي..
قالت بصوت مهزوز: التمن مش موتك، موت أمك الغلبانة من قهرتها عليك، أمك اللي ملهاش غيرك.. عشان خاطرها.. طلقني..
همس بنبرة متوسلة: متعمليش فيا كده! عشان خاطري قويني، أنا لو نطقتها دلوقت هيبقى خلاص، أنا عارف إنها النهاية..
هزت راسها وأكدت: وأنا كمان عارفة، عشان كده بقولك مفيش فايدة، حرام عليك نفسك وأمك.. وأنا بقى ربنا يتولاني.. طلقني.. لو كان ليا معزة عندك..
نزلت دموعها، وصرخت تطالب بها، قبل ما ثباتها يخزلها وتتراجع عن كل قراراتها قدام نظرات عيونه اللي بتستجديها تصلب طول قلبه، وتدعم روحه اللي شيفاها بتلومها مع كل نظرة نافذ منها الوجع والقهر وقلة الحيلة.
نطقها أخيرا، نطقها وهو بيصرخ وبيبكي، نطقها وهو قاعد يضرب بأيده قضبان سجنه اللي كانت حيشاه يترمي في حضنها ويقول لها لأ.. متبعديش..
صمت شمل المكان مرة واحدة، كأن الأرض وقفت عن دورانها، هي دموعها وقفت فجأة، وهو كمان هده الوجع وقعد مطرحه معدتش رجليه شيلاه..
قربت من مكانه أوي، وهمست بصوت على أد الوجع اللي كان فيه، على أد اليقين اللي كان مغلف نبراته: اتفرقنا خلاص، معدش في رجعة، ويمكن تكون دي آخر مرة نتقابل فيها، لكن عايزة أقولك إن في حقيقة واحدة محدش مهما عمل هيقدر يغيرها.. إنك كنت الأول.. الأول في قلبي، الأول اللي كان رجلي واتكتبت على ذمته، كنت الأول دايما، وهتفضل الأول والأخير اللي أسر روحي..
قامت وجريت على بره، عشان ينتفض من مكانه، بينادي عليها زي المجنون، وعيونه متعلقة بمكان خروجها لحد ما اختفت.. شهقات بكاه اتهز لها جدران السجن كله.. اللي شاركته البكا، واللي كانت دايما الشاهد الصامت لدهور.. على إن ياما في الحبس مظاليم..
يتبع..
‏الجزء الثاني والأخير هخلصه وانزله
#أنفاس_من_جمر
#سيرة_الطيبين
#بنت_جاويش
#نداهة_أرض_الحكايات

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

20 Sep, 16:34


أنفاس من جمر🔥

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

03 Sep, 17:17


الخاتمة ..
..جنة على الأرض..

رفرفت رموشها عدة مرات حتى استيقظت من أحلامها العديدة والمختلطة التي راودتها في فترة نعاسها التي لا تعلم كم طالت ..
أدارت وجهها ببطء ليطالعها وجه ياسين الذي اندفع ملهوفاً ما أن أيقن باستيقاظها من غفوتها ...
تلك الغفوة التي راحت فيها بعد الحقنة المخدرة التي حقنها بها طبيب التخدير وهى تمسك كف ياسين، تنظر إليه في رعب وخوف و هو يربت على خدها مطمئناً حتى غابت عن الوعي وراحت في عالم آخر ..
همست بصوت متحشرج، وياسين يلثم جبينها في محبة : أين هو .. أو هي !؟
ابتسم ياسين في حنو : سأخذكِ إلى هناك ..
همست في ذعر : هناك .. أين !!؟..
ربت على كفها مطمئناً : لا تقلقى .. إنه في الحضانة مع باقى الأطفال ..
أكدت في إصرار وهى تحاول النهوض متألمة في وجع حقيقي :- أريد أن أذهب إليه .. الآن ..
هتف ياسين وهو يحتضنها بين ذراعيه : حاضر .. سأخذكِ إلى هناك ..
حملها في حذر وحرص سائرا بها ذاك الرواق الطويل حتى وقف أمام حائط زجاجي وهمس لها : انظري..
رفعت رأسها عن صدره في وهن، ونظرت بإتجاه الحاجز الزجاجى، عيناها تتلهف لتسقط على فلذة كبدها الذي ما تمنت أغلى منه هدية من الله .. رفعت رأسها تتساءل : أيهم يا ياسين ابني !؟
ابتسم ياسين مفتخرا : جميعهم ..
نظرت إليه في وهن : ياسين .. لا طاقة لي لمزاحك، رجاءً .. أين ولدي!؟..
حاول أن يكتم ضحكاته حتى لا يهتز جسدها، فتتوجع إثر جرح الولادة وهتف منتشياً : اقسم لكِ .. الثلاثة هم أبناءنا ..
أشار برأسه لأحدهم هامساً : هذا الأول هناك هو حسن .. وهذا الذى يليه هو محمود، والثالثة..!؟..
هتفت في سعادة وقد نسيت ألمها :الثالثة ..!!؟
همس بفخر : نعم .. فهي فتاة .. إنها فاطمة ..
دمعت عيناها في سعادة غير مصدقة .. رفعت رأسها لياسين الذي ما زال يحملها في محبة بين ذراعيه : لما لم تخبرنى أنهم ثلاثة أجنة عندما كنت تتابع الحمل ..!؟؟..
ابتسم هامساً : اشفقت عليكِ .. خفت أن يزداد قلقكِ .. فأنت كنت تظنين أنكِ تحملين طفلا واحدا، و كنت قمة في التوتر، وأوصلتني لحافة الجنون .. فما بالكِ لو كنتِ تعلمين أنكِ تحملين ثلاثة، لكنت أنا الآن أحد رواد عنبر العقلاء، في مستشفى الأمراض العصبية ..
حاولت أن تضحك، لكنها لم تستطع، كتمت ضحكاتها متألمة وهي تجز على أسنانها ..
لثم ياسين جبينها في سعادة هامساً : أحبكِ كثيرا يا عدوتى اللدودة، وجارتي العزيزة، و زوجتي الرائعة، وأم أطفالي..
دفنت رأسها في صدره، وهي تهمس في عشق لا نهائى : وأنا أحبك يا عمري .. أكثر مما تتخيل ..
******
-ياااااسين .. صرخت مي في ثورة عارمة بعد أن فتحت باب الثلاجة، لتقف مشدوهة كالعادة حين لم تجد طبقا واحدا من الأرز باللبن داخلها ..
صرخت من جديد وهي تندفع باحثة عنه .. كل ما كانت تريده هو طبق واحد تطعمه لصغاره ..
إنها تخاف أن يستيقظ جائعا يوم ما، فيأكلهم على سبيل التسلية قبل الوجبة الرئيسية ..
صرخت للمرة الثالثة ..ياااسين .. أين أنت ..!؟.
لقد اختفى هو والأولاد تماما .. هل يكون قد أكلهم بالفعل ..!؟..
لا تجد لهم أثرا .. قلبت عليهم الشقة رأسا على عقب وأخيرا سمعت صوتا يأتيها من إحدى الأركان .. تسللت في هدوء لتفاجأهم جميعا وهم يختبوا تحت طاولة الطعام الكبيرة، وقد أخفاهم الغطاء الكبير المنسدل للطاولة عن عيونها ..
انحنت هاتفة في غيظ: هاااا لقد وجدتكم ..ماذا تفعلون ..!؟؟..
وجدتهم جميعا بما فيهم ياسين يجلسوا في أريحية بفانلاتهم الداخلية وسراويلهم القصيرة حتى فاطمة .. يقلدون والدهم واضعين أكفهم على بطونهم دلالة الامتلاء، وأمامهم صحون الأرز باللبن فارغة تماما ..
هدأت ثورتها عندما أدركت أن ياسين قد أطعم الصغار، فهتفت في غضب مصطنع : أكلتم الأطباق كلها ولم تتركوا لماما طبق واحد لتتذوقه !!؟..
هتف حسن الأكبر بين الثلاثة البالغين الثالثة من العمر : بابا تذوقهم جميعا ..
انفجر ياسين ضاحكاً على وشاية ولده البكر : نعم، تذوقتهم جميعا ..
هتفت مي ضاحكة : يبدو أني سأقضي الباقي من عمرى بالمطبخ أصنع الأرز باللبن حتى يتذوقه والدك بالأطباق .. سأصنعه بالقدور بعد ذلك ..
هتف محمود الذى يشبه ياسين كثيرا خاصة في بطنه المنتفخة تلك : نعم ..سيكون هذا رائعا ..
قهقه الجميع، و بدأوا في الخروج من تحت الطاولة ..
نظرت لهم مى وهي تهز رأسها في يأس، هاتفة في ياسين : ألا يوجد أمل فيك مطلقا ..!!؟.. لما كلما ألبست الأولاد ملابسهم، خلعتها ليظلوا هكذا .. لما تتركهم بملابسهم الداخلية ياسين .. إنهم أشبه بطرزان ..
قهقه ياسين لتشبيهها وهو يغيظها : تقصدين أولاد طرزان ..فمنذ متى ارتديت ما يسترنى بالمنزل! .. إنهم أولاد أبيهم ..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

03 Sep, 17:17


اقترب منها مغازلا : أباهم الذي يعشق شيتا حد الجنون ..
هتفت في صدمة وهو يقهقه : شيتا !؟ هل هذا ما أناله منك .. !!؟.. لا غزل .. لا أرز باللبن .. و في الأخير أصبح شيتا .. أنا ..
اقترب منها وهمس في اذنيها :- أنتِ رائعة .. أنتِ حبيبتى ..
أخرج من خلف ظهره طبق من الأرز باللبن وقدمه لها وهو يستكمل همسه : لا استطيع أن انساكِ .. ها هو طبق الأرز باللبن خاصتك، وبعض الغزل العفيف ..ثم غمز بعينيه عابثا .. حتى ينام الأولاد .. و يبدأ الغزل الصريح ..
قهقهت وهي تتناول طبق الأرز باللبن من يده، لتشرع في تناوله باستمتاع مشيرة للأطفال و شقاوتهم المعتادة وصراخهم و هي تهتف ساخرة :- إن ناموا يا زوجى العزيز قبل أن ينطلق صفير غطيطك ..
قهقه حتى دمعت عيناه، واندفع يشارك الأطفال لهوهم وشجاراتهم المعتادة، وهى تتطلع إليهم في محبة وعشق، وقد أيقنت أن هذه هي جنتها على الأرض ..
*****

تمت بحمد الله
رضوى جاويش

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

03 Sep, 17:17


الخاتمة ..
جنة على الأرض..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

03 Sep, 17:16


قهقهت مي غير قادرة على تمالك نفسها حتى دمعت عيناها، ثم هتفت أخيرا: ياسين .. أنت غير ممكن .. أنت مجنون بحق ..
هتف ياسين مدعيا الحنق : مجنون .. أنا مجنون!؟.. حسنا ..
رفعها عن الأرض بين ذراعيه، واندفع بها لداخل الحجرة ..
صرخت متفاجئة وهتفت ضاحكة وقد قررت استفزازه كما يفعل معها : ماذا تفعل، يا مجنون!..
دفع الغلالة الشيفونية بعيدا، و ألقى بها على الفراش في غيظ مفتعل، ثم قفز جوارها وهو يهمس لها في عشق : سأريكِ كيف يكون الجنون ..
ابتسمت في سعادة، وهى تطوق عنقه بذراعيها، تتطلع لعمق عينيه، هامسة في شوق : ما أروع الجنون! ..
*****
يتبع..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

03 Sep, 17:16


ضحك وقد قرر اغاظتها : أأكل من طعام الضيوف وأترك تلك الوليمة التي أعدتها لأجلنا عمتي ..!!؟..
صرخت مي : ياسين .. انزلني الآن وفورا ..
قرر أن يستفزها بحق، فهتف وهو يقف الآن أمام باب حجرتهما : بالطبع سأُنزلكِ يا زوجتي العزيزة، وإلا كيف سأكل !!؟..
صرخت مي : لااا .. هذا كثير .. هذا..
لم تكمل اعتراضاتها وقد فتح ياسين باب غرفتهما وخط بداخلها، انزلها في رقة وتركها تتطلع مبهورة لتلك الغرفة التي كانت تحفظ تفاصيلها عن ظهر قلب من كثرة ما طالعتها طوال الليلة التي قضتها فيها منذ فترة ليست بالطويلة بدون أن يغمض لها جفن ..
جالت بنظرة مبهورة وشهقة خافتة لأركان الغرفة التي تحولت لجنة مصغرة .. فذاك الحمام الجانبي للحجرة أصبح جزء منها، وجدران الغرفة اتخذت لون وردي رقيق هو المفضل لديها كما يعرف، أما السرير فقد ظل على حاله هو نفس السرير المعدني ذو اللون النحاسي و الأعمدة المتوسطة الطول والتي تغطيها الآن غلالات رقيقة من الشيفون الأبيض والوردى كستائر رقيقة تحجب محيط السرير عن كل ما يحيطه، وكأنه عالم منفصل بحد ذاته ... حتى النوافذ تم تزينها ووضع على مداخلها صواعق للناموس .. وكم أسعدها ذلك ..
انتهت من جولتها السريعة لتعود بنظراتها التي تحمل عشق الدنيا لزوجها الذي وقف ينتظر ردة فعلها بفارغ الصبر ..
استدارت لتواجهه بكليتها، واقتربت منه في سعادة غامرة، وهى تهمس في عشق: كل هذا من أجلي!؟..
أومأ وهو يجذبها لمحيط ذراعيه : بالتأكيد .. هذا أقل بكثير مما كنت أتمنى منحه إياكِ..
ثم همس برقة : مي .. ورفع ذقنها بأطراف أصابعه لتقابل نظراتها نظراته المتقدة عشقاً، ليستطرد بصوت متحشرج : أُحبكِ ..
كان جوابها دامعا .. رفعها قليلا حتى قبل وجنتيها النديتان ما سمح لها بأن تطوق رقبته بذراعيها وتهمس في خجل: وأنا أيضا ..
شاغبها متسائلا : وأنتِ أيضا ماذا .!؟
همست بالقرب من أذنيه : وأنا أيضا جائعة ..
انفجرت ضاحكة عندما رأت تعبيرات الصدمة التي ارتسمت على وجهه، ثم انفجر مقهقها بدوره وهو يضمها لصدره في تملك معلنا للعالم اجمع أنها حبيبته ..
رفعها بين ذراعيه واضعا أياها على السرير المعدني الذي تأرجح قليلا من ثقلهما عندما اعتلاه ياسين، فهتفت في ذعر : ياسين .. اشعر أن ذاك الفراش سينهار بِنَا في أي لحظة، وسنجد أنفسنا في قلب البهو وسط دائرة النسوة الراقصات ..
هتف ياسين ضاحكاً : لا .. عار عليكِ .. هذا سرير جدي النحاسي، والذي ولد عليه أبي وعمتي .. هذا فراش كله بركة، و قد اخترته خصيصا لأنه عال عن الأرض حتى لا تستطيعى صعوده أو الهبوط منه إلا بمساعدتي.
ضحكت في سعادة : إذن .. هي خطة لاعتقالي وأسري ها هنا على فراش جدك! .
جذبها بين ذراعيه في شوق : بل لأسرك بين ذراعيّ، وما أروعه من اعتقال!.. ويا له من أسر!

*******
استيقظت مع نسمات الفجر الأولى تحاول أن تمط ذراعيها كعادتها في فراشها، لكنها تفاجأت بوجود جسد ضخم يأسرها .. رفرفت بجفونها وقد أدركت أنها بين ذراعي ياسين .. زوجها ..
ابتسمت لذكريات الليلة الماضية وبدأت في التخلص بحذر من اعتقال ذراعيه، تنزل درجات السلم الخشبي الخاص بذاك السرير النحاسي العالي عن الأرض قرابة المتر في حرص.. متسللة بهدوء بعد أن وضعت مئزرها وغطاء رأسها إلى الشرفة الصغيرة التي فتحتها تتطلع منها لتلك الشمس الوليدة التي يبزغ شعاعها منيراً الأفق البعيد..
تنهدت في راحة وابتسامة رضا تتسع تدريجيا مكللة شفتيها كلما تذكرت مزاح ياسين وإصراره على تناول كل ما بصينية الطعام وكأنه ينتقم ..
جفلت عندما وجدت ذراعيه تحيطانها من الخلف و هو يهمس لها : كيف استطعتى النزول من البرج النحاسي .. لقد اخترت ذاك السرير مخصوص حتى لا تستطيعي النزول منه و الابتعاد عني ..
ضحكت وهي تدفع رأسها للخلف لتقابل نظراته، مغيظة أياه : عثرت على السلم الخاص بالسرير، ووضعته على جانب نزولي من الفراش ..
ابتسم لها مقبلا جبينها ثم تساءل : ما الذي ايقظكِ باكرا هكذا ..!!؟..
أشارت للشمس البازغة من بعيد، هامسة برقة: وددت أن أرى شمس أول يوم لنا في حياتنا الجديدة معا .. وأتمنى من الله أن يجعلها حياة سعيدة مليئة بالفرحة ..
أمم على دعاءها : آمين ..
سمعها تدندن في حبور كلمات أغنية ريفية قديمة لطالما سمعها وأحبها، لكنه عشقها الآن وهو يسمعها منها :
طلعت يا ما أحلى نورها
شمس الشموسة ..
يا اللاه بينا نملا و نحلب
لبن الجاموسة ...
همس عابثا : الاغنية المناسبة في الوقت المناسب ..
ابتسمت متسائلة : ماذا تقصد..!؟..
قال في نبرة ساخرة : لا يحتاج الأمر لسؤال يا زوجتى الذكية .. لبن الجاموسة في موعده تماما .. فأنا اتضور جوعا والمخبوزات الريفية التي تأتينى رائحتها الآن، يسيل لها لعابي ..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

03 Sep, 17:16


٢٠- ما أروع الجنون!

هتفت مى مازحة : بأى رشوة وعدكما ياسين حتى تفعلا بصديقتكما المسكينة هذا ..!؟؟..
انفجرت نادية ضاحكة وهى تستدير من المقعد الأمامي في سيارة زوجها الدكتور خالد، الذي يتولى القيادة ويركز في الطريق حتى أنه لم ينتبه لمزاح مي، بينما ردت زوجته : صدقيني و لا أي رشوة في الموضوع ..إنما هو اتفاق رجال لا دخل لي فيه .. ياسين طلب وخالد ينفذ ..
ثم انفجرت ضاحكة من جديد هامسة لمي: لا اعرف، قلبي يحدثني بأنها خطة للتخلص منا سويا ..
قهقهت مي بدورها، وهي تجلس في منتصف الأريكة الخلفية لعربة الدكتور خالد، بثوب زفافها الذي ضاقت به الأريكة ..ثم هتفت : هذا لم يحدث لعروس من قبل .. عروس لا تعرف أين يقام حفل زفافها، وكأنه سر حربي! ..
أخيرا هتف خالد : على أي حال .. لقد شارفنا على الوصول ..
هتفت كل من مي ونادية في آن واحد : الوصول إلى أين ..اعترف ..!؟؟..
انفجر خالد ضاحكاً : ليتني ما تكلمت، ولا همست حتى بحرف .. سأُعامل الآن معاملة معتقلى جوانتانامو، لأقر واعترف بالحقيقة ..
هتفت نادية مازحة : بما إنك تعلم ذلك، إذن وفر على نفسك عذاب ما قبل الاعتراف .. واعترف فورا ..
هتف خالد بسعادة : لن احتاج للاعتراف فها قد وصلنا ..
وأشار بكفه وهو يدخل لممر ترابى طويل أدركته مي على الفور .. قلبها كان يحدثها طول الطريق بوجهة السيارة، إلا أنها لم تتبين الطريق جيدا لأن الليل خيم بالفعل .. إنه الطريق الترابي الذي قطعته مع ياسين للوصول لبيت عمته..
وصلت في تلك اللحظة أمام البيت و.. فجأة .. طالعتها الأنوار والزينات التي تكسو البيت كغلالة من النجوم الملونة .. لم تنتبه إلى ذاك القادم من الجانب الآخر بحلته السوداء الأنيقة، ورباط عنقه القرمزي، الا وهو يفتح باب السيارة لها، منحنيا يمد كفه لكفها ..
تسارعت ضربات قلبها حتى كاد أن يقفز من بين حنايا صدرها وهي تمد كفها لتحتضنها كف ياسين وهو يجذبها لخارج السيارة، وما أن طلت بثوبها الأبيض الذى يتلألأ في روعة، حتى أعطى إشارة ما ليبدأ عزف الموسيقى، مع اندفاع بعض الأشخاص الذين لم تتبينهم من داخل المنزل ..
صرخت في سعادة عندما تبينت سماح أختها تندفع إليها لتحتضنها في فرحة، و من ورائها أطفالها، وأخيرا زوجها المعلم نعيم الذي اندفع يحتضن ياسين في سعادة وفرحة غامرة، وقد بدأ في التمايل بعصاه على دقات الطبول والمزامير..
سار ياسين وبجانبه مى متأبطة ذراعه وفرحتها لا يمكن وصفها، وخاصة عندما صعدا درجات السلم الأمامية لتستقبلهما عمة ياسين هناء وابنها صالح بالقبلات والأحضان ..
الدموع التي انهمرت من عينىّ هناء وهى تحتضن ياسين في حبور، ومقبلة وجنتي مي في حنو، كانت تؤكد على فرحة أم يوم زفاف ولدها البكر..
دخلوا جميعا إلى ردهة الدار الواسعة، ترك ياسين مي بين النساء، وخرج ليستقبل الرجال من أهل القرية ..
وهنا بدأ الاحتفال الحقيقي .. نهضت النساء بما فيهن عمة ياسين وأخت مي سماح، لتتبارى كل منهن في تقديم فنون الفرح والرقص على نغمات الطبول و الأغانى الصادحة .. حتى مي نفسها لم تتركها النساء وجذبنها لمنتصف الدائرة المعدة للرقص وبدأت في التمايل معهن إظهارا لفرحتها ..
وأخيرا اندفعت نادية التي كانت تتحجج بعدم معرفتها بفنون الرقص، لتتمايل مع صديقتها في سعادة، جاذبة إياها لأحضانها والدموع تكلل مآقيها محبة.
كانت المبارة الراقصة حامية الوطيس، ولم تكن عند الرجال بأقل ضراوة، وخاصة عندما أصر المعلم نعيم على الرقص بالعصا، ومنافسة ياسين الذي لم يكذب خبراً، فخلع سترته وعلت الصيحات المشجعة بين الرجال ..
بدأت المباراة .. وتنافس الرجال حتى انتهى النزال الودي بفوز العريس مجاملة كالعادة، وهلل الرجال في سعادة ..
بدأ الجميع في الاستراحة، ووُضِعت صواني الطعام في الداخل والخارج .. وما أن انتهى الجمع من تناول طعامهم، حتى بدأت حمى الموسيقى تعلو من جديد.. حتى تفاجأت النساء بياسين متنحنا يستأذن في الدخول، توجه مباشرة لعروسه حاملا إياها وسط قهقهات النساء وغمزاتهن، وخجل مي التى تعلقت برقبته وهي تنظر إليه في صدمة مستفسرة عما يحدث ..
اندفع يعتلى بها الدرج تصاحبهما الزغاريد المدوية من كل إتجاه، وصوت الموسيقى بالخارج قد ازداد علوا وصخبا ..
هتفت مي : ياسين ..ماذا تفعل..!؟.. أكاد أموت خجلاً وإحراجا من نظرات وغمزات النساء..
هتف بالقرب من أذنيها وهو لا يزل يعتلى الدرج: لا دخل لي بالنساء وغمزاتهن .. ولا تجعلي عقلكِ يظن بكِ الظنون .. كل ما هنالك أني جائع حد المجاعة ..
هتفت في سخط : انزلنى حالا ياسين .. تنتشلني من بين النساء بتلك الطريقة لأن معدتك تزمجر كعادتها .. لما لم تأكل مع الرجال بالأسفل !!؟؟..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

03 Sep, 17:16


٢٠- ما اروع الجنون!

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

03 Sep, 17:15


١٩- نعم أم لا!

لم يعد يدرك ماذا يفعل مع تلك المجنونة الرعناء التي اوصلته لمرحلة لم يصلها من قبل من الحنق والغضب .. لماذا تفعل كل ذلك!
إنه يريدها .. يريدها كما لم يرد امرأة من قبل...
كيف لم تدرك كل هذا!؟.. كيف استطاعت وضع كل هذا جانبا ولم تلتفت له!؟..
ولم رفضت طلبه عندما فاتحتها عمته في رغبته تلك!؟.. يكاد يجن .. هو يشعر أنها تبادله حقا كل تلك المشاعر والأحاسيس التي يكنها لها .. وقبلته لها أكدت له ما كان يشعر .. أصبح واثقا الآن أنها تحبه قدر حبه لها .. لما يا مي.. لما ..!؟..
هتف في ضيق و هو يدخل البناية حيث شقتيهما،
ستورثني هذه المرأة الجنون بالتأكيد ..
فجأة طالعه لوحة موضوعة بجوار المصعد على مدخل البناية، تعلن عن وجود شقة للإيجار في البناية .. ما أن وقع بصره على رقم الشقة حتى استشاط غضبا وأدرك أن لحظة الجنون قد حانت بالفعل .. هل تعرض شقتها للإيجار ..!!؟.. لا .. هذا كثير ..جذب اللوحة الإعلانية و مزقها في سخط وحنق ..
اندفع لداخل المصعد وما أن وصل لشقتها حتى دخل كالثور الهائج .. لم ينتبه أن نبيلة الممرضة غير متواجدة كعادتها خلف مكتبها، فقد انتهت بالفعل مواعيد استقبال المرضى بالعيادة منذ قليل.. لكن ما لفت انتباهه الآن هو صوت مي الذي كان يعلو بشكل ينذر بالغضب .. اندفع لغرفة الكشف متوقعا أنها تتجادل مع نبيلة .. فتح الباب في عنف مندفعا إليها، لكنه تسمر مكانه وهو يرى ذاك الرجل الأحمق يحاول التهجم عليها بشكل أفقده صوابه، فاندفع يجذب الرجل من عنق قميصه، وبدأ في تسديد اللكمات لوجهه بثورة عارمة وغضب هادر ..
سقط الرجل أرضا مستسلما ومتوسلا ياسين .. فما كان من ياسين إلا أن بدأ في ركله بقدمه بجنون، حتى استطاع الرجل الفكاك والهرب مندفعا من تحت أقدامه مهرولا يترنح نحو الخارج..
لحظات من الصمت سادت بعد هروب الرجل لم يقطعها سوى صوت تنفس ياسين العالِ والتقاطه لأنفاسه بعد تلك المعركة الحامية ..
رفع نظراته تجاهها أخيرا، فوجدها تقف في ركن الغرفة البعيد ترتجف كعصفور في ليلة مطيرة ..
سألها في قلق : هل أنتِ بخير ..!؟..
أومأت برأسها إيجابا، و هي تحتضن نفسها بذراعيها في محاولة لدعم نفسها كما تفعل دوما .. استكمل كلامه : هل تطاول هذا القذر ب...
لم تمهمله ليكمل سؤاله، لتؤكد له نافية بإشارة رافضة من رأسها ..
استدار بكليته لمواجهتها وبدأ في التقدم نحوها ما أورثها رعبا جعلها تتقهقر للخلف حتى اصطدمت بالحائط خلفها، وقف أمامها الان هامساً بحنق من بين أسنانه وقد تذكر لما جاء من الأساس ثائرا :- ألم اخبركِ أن لا تستقبلي المرضى من الرجال !.. أنتِ بالفعل حمقاااء عنيدة..
همست بضعف وهى تحاول تمالك دموعها : ياسين، أرجوك ...
قاطعها هاتفاً في حنق : أرجوك ماذا!؟.. لا ترجوني، فقط اخبرينى لما أنتِ بهذا الحمق .. لما تتصرفين بهذه الطريقة المستفزة .. لما دوما ترفضين تقربي إليكِ .. لما دوما أنت بهذا الغباء لكي تدركين أني أريدكِ .. !؟
فغرت فاها ورفعت نظراتها إليه لا تستطع أن تأتي بأي رد فعل إلا التحديق في وجهه والحملقة فيه بنظرات مشدوهة ..
اقترب منها جالسا على طرف المكتب، مقابلا تماما للمكان الذى تقف فيه، هامساً بنبرة متألمة و عاتبة: لما رفضتني ..!؟
استجمعت شتات نفسها وهي لا تزل على دهشتها التي تشملها : أنا رفضتك! عن أي رفض تتحدث!؟
تنهد هامساً : ألم تطلبكِ عمتي للزواج بي ..!؟.
هتفت متعجبة : عمتك ..!؟.. ماذا تقصد ..!؟..
نظر إليها متفرسا في ملامح وجهها المندهشة وكأنها المرة الأولى التي تدرك فيها ذلك، لذا أخرج من جيب بنطاله جواله وطلب نمرة ما، فتح مكبر الصوت .. عدة رنات حتى هلّ صوت عمته المريح النبرات تلقى التحية : مرحبا ياسين .. افتقدك كثيرا..
هتف : مرحبا عمتي .. وأنا أيضا افتقدك .. لكن اخبريني .. ما نص الحوار الذى دار بينكِ و بين مي بالضبط ..
ضحكت عمته وقالت : ما خطبك يا ياسين! .. إنها المرة الخامسة على ما أظن التي تسألنى فيها هذا السؤال ..على أي حال سأخبرك .. أنا بدأت معها الحوار بكل ماعانيته أنت في الماضي، وأني أتمنى لك بالفعل فتاة جميلة تنجب لك الأطفال وتسعدك، لكنها لم تمهلني حتى اكمل حديثي، وأخبرها برغبتك في التقدم جدياً للزواج بها .. بل وجدتها فجأة ترفض فكرة الزواج بشكل قاطع، وتخبرني أن ما بينكما لا يتعدى علاقة شراكة فرضتها عليكما الظروف، وأنها لن تتطور لأي نوع آخر من العلاقات، لكن اخبرني .. أما من جديد ..!!؟.. ألم تستطع أن تقنعها .. إنها فتاة رائعة، والزوجة التي تمنيتها لك .. أتعرف .. صالح يسألنى عنها دوما، ويتمنى رؤيتها من جديد ..
ابتسم ياسين ناظرا لمي، ملامح دهشتها المتمثّلة في فمها المفتوح ونظراتها المصدومة الغير مصدقة، كاد أن يدفع الضحكات، وقال لعمته متعجلا: قريبا جدا يا عمتي .. لن أتِ إلا وهي معي ..

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

03 Sep, 17:15


هتفت عمته مشجعة : احسنت ... هذا هو ابن أخي .. وأنا وصالح في انتظاركما معا .. إلى اللقاء ..
أغلق ياسين الهاتف وجذبها إليه فجأة لتصبح بأحضانه، مطوقا خصرها بذراعيه أسرا لها، هامساً بنبرة مشاكسة: والآن .. هل تقبل الآنسة مي الرفاعى .. المستقلة القوية .. الواثقة القادرة، والمعتدة بنفسها حد الحماقة .. طلب الزواج من العبد الفقير إلى الله ياسين نور الدين .. مع العلم بأنه شخص طيب وناجح وخفيف الظل، و كل ما يخطر ببالك من صفات رائعة، بجانب بعض الصفات المبهرة التي من النادر اجتماعها في شخص واحد، فهو عاشق للطعام، صوت غطيطه يشبه صافرة القطار، وأصبح مؤخرا يعشق الملابس الداخلية ذات اللون الوردي ..
تساقطت الدموع من عينيها، ولم تستطع الرد إلا بشهقات قوية أخرجت كل ما اعتمل بداخلها كل الفترة الماضية من ضغوط وعذابات ..
ضمها لصدره أكثر، وهمس بالقرب من أذنيها عابثا : هل هذه الدموع والشهقات التي تقتلني شفقة عليكِ .. تعنى نعم.. أم لا ..!!؟..
ابتعدت قليلا عن محيط صدره، وأومأت برأسها إيجابا، ليشاكسها هاتفا : اسمع الرد بصوت عالِ من فضلكِ .
ضربته بكفها المضمومة على كتفه، وهو تهتف في سعادة و الدمع لا يزل يغرق خديها : نعم .. بالتأكيد نعم ..
ضمها إليه من جديد وهو يتنهد بارتياح حتى اعتصرها بين ذراعيه، ثم همس عابثا : بما أن العروس قالت نعم .. فلا مانع بالتأكيد من هدية صغيرة للعريس المسكين، الذي عذبته العروس حتى كاد يفقد صوابه ..
اندفعت تحاول الابتعاد عنه، هاتفة في ذعر : ماذا تقصد ..!؟..
جذبها إليه من جديد وضحكته المجلجلة تضاعف دقات قلبها التي وصلت لأعلى من الحد الطبيعي المسموح به، وهمس قائلا : اقصد هذا ..
احتضن وجهها بكفيه وبدأ في تلثيم جبينها، خديها، ثم أرنبة أنفها، ثموهمس بصوت متحشرج يقطر عشقاً متطلعا لثغرها : لن أفعل .. فلا قدرة لى على ذلك، فَلَو فعلت .. ما من طاقة لدي للابتعاد عنكِ بعدها ..
همست بنبرة لا واعية : و لما تبتعد !!
قهقه مازحاً لجرأتها الغير معتادة : حتى أعد للعروس أجمل عرس يمكن أن تحظى به ..
همست مشدوهة : عرس ..!؟. لكننا أمام الناس كلها زوجين بالفعل !!.
هتف : لا يعنينى الناس .. يعنينى أنتِ، وفرحتكِ وسعادتكِ ..لكن طالما يهمك أمر الناس، فدعي الأمر لي ..
ثم هتف مازحاً : هيا استعيدي مي القديمة للحظات، واطرديني من هنا فورا .. فانا لا اعرف ما يمكن أن افعله لو ظللت أمامكِ بهذه النظرات الشقية المتطلبة التي تطل من عينيكِ..
انفجرت ضاحكة : عيناي أنا المتطلبة!؟..حسنا لا بأس .. ثم غيرت نبرة صوتها لنبرة أمرة و هتفت : اخرج الآن وفورا ..
تحرك في تثاقل وابتسامة مرحة على شفتيه، و ما أن هم بالخروج حتى استدار لها نص استدارة و هتف قائلا : مي ..
نظر إليها نظرات راغبة في البقاء بالقرب منها للأبد ..
همست خجلى : ياسين .. أذهب الآن، موعدنا يوم الزفاف .. أسرع في تحضيره ..
اندفع في اتجاه شقته صارخاً : في أقرب فرصة .. فما عدت قادر على البقاء دون طَعَامِك الرائع .. معدتى تصحرت ..
تبعته مي وهو خارج من باب شقتها، لتقهقه وهى تغلق الباب خلفه في سرعة : أهااا .. هذا إذن سبب عرضك المغري .. حسنا اعتبر كل ما قيل سابقا لاغٍ ..
أغلقت الباب بصفقة قوية كعادتها، قبل أن يعاود أدراجه محاولا إقناعها للزواج به مجددا ..بطريقته الخاصة...
******
يتبع...

روايات بقلمي ..رضوى جاويش

03 Sep, 17:15


١٩- نعم أم لا!

2,608

subscribers

131

photos

5

videos