"إذا أراد الله بالعبد خيرًا أعانه بالوقت وجعل وقته مساعدًا له، وإذا أراد به شرًا جعل وقته عليه، وناكده وقته فكلما أراد التأهب للمسير لم يساعده الوقت، والأول كلما همت نفسه بالقعود أقامه الوقت وساعده".
القاصد للخير الذي لو قدر عليه لفعله وإنما يتركه عجزًا يكتب له مثل أجر فاعله، كما قال النبي ﷺ: «إن بالمدينة رجالًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم"، قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: "وهم بالمدينة، حبسهم العذر»
اعلم أنَّ الجمال ينقسمُ قسمين: ظاهر وباطن، و الجمال هو المحبوب لذاته، وهو جمال العلم، والعقل، والجود، والعفَّة، والشجاعة، وهذا الجمال الباطن هو محل نظر الله من عبده وموضع محبته، كما في الحديث الصحيح : «إن الله لا ينظر إلى صوركم، وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم». وهذا الجمال الباطن يُزيِّن الصورة الظاهرة، وإن لم تكن ذات جمالٍ، فيكسو صاحبه من الجمال ، والمهابة، والحلاوة بحسب ما اكتسبت روحه من تلك الصفات، فإن المؤمن يُعطى مهابة، وحلاوة بحسب إيمانه، فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه. وهذا أمرٌ مشهودٌ بالعيان، فإنك ترى الرجل الصالح، الحسن، ذا الأخلاق الجميلة من أحلى الناس صورة، وإن كان أسود، أو غير جميل، ولاسيَّما إذا رُزق حظًّا من صلاة الليل، فإنَّها تُنوّر الوجه، وتحسِّنُه. وقد كان بعضُ النساء تكثرُ صلاة الليل، فقيل لها في ذلك، فقالت: إنها تحسِّنُ الوجه، وأنا أحبُّ أن يحسن وجهي. ومما يدلُّ على أن الجمال الباطن أحسن من الظاهر: أن القلوب لا تنفكُّ عن تعظيم صاحبه، ومحبته، والميل إليه.
وأما الجمال الظاهر؛ فزينةٌ خصَّ الله بها بعض الصُّور عن بعض، وهي من زيادة الخلق؛ التي قال الله تعالى فيها: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر/١]
قالوا: هو الصوت الحسن، والصُّورة الحسنة. والقلوب كالمطبوعة على محبته كما هي مفطورةٌ على استحسانه..
أجمع السائرون إلى الله أنّ القلوب لا تعطَى مُناها حتّى تصل إلى مولاها ، ولا تصل إلى مولاها حتى تكون صحيحة سليمة، ولا تكون صحيحة سليمة حتى ينقلب داؤها فيصير نفس دوائها. ولا يصحّ لها ذلك إلا بمخالفة هواها، فهواها مرضها، وشفاؤها مخالفته، فإن استحكم المرضُ قتَلَ أو كاد. وكما أنّ من نهى نفسه عن الهوى كانت الجنّة مأواه، فكذا يكون قلبه في هذه الدار في جنة عاجلة لا يشبه نعيمَ أهلها نعيمٌ البتة، بل التفاوت الذي بين النعيمين كالتفاوت الذي بين نعيم الدنيا والآخرة. وهذا أمر لا يصدّق به إلا من باشر قلبه هذا وهذا.
لا أخال هناك عبادة سيندم على التفريط بها المسلم مثل عبادة الذكر، فهي أيسر عبادة على الإطلاق، يمكنه أن يؤديها في كل وقت، قائما أو قاعدا أو مضطجعا، وحتى في قلب جمع من الناس،لا يغفل قلب إن أراد له صاحبه الحياة.
(الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض )
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريقه إلى مكة، فمرَّ على جبل يقال له جمدان" فقال: «سيروا هذا جمدان، سبق المُفَرِّدُونَ».
قالوا: "وما المُفَرِّدونَ يا رسول الله"؟! قال: «الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات»
فمن تعبد لله بمراغمة عدوه، فقد أخذ من الصديقية بسهم وافر. وعلى قدر محبة العبد لربه وموالاته ومعاداة عدوه يكون نصيبه من هذه المراغمة. ولأجل هذه المراغمة حمد التبختر بين الصفين، والخيلاء والتبختر عند صدقة السر حيث لا يراه إلا الله تعالى ؛ لما في ذلك من إرغام العدو ببذل محبوبه من نفسه وماله لله. وهذا باب من العبودية، ولا يعرفه ويسلكه إلا القليل من الناس. ومن ذاق لذته وطعمه بكى على أيامه الأول. وبالله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
"إن من قرّت عينه بالله قرّت به كل عين، وأنِسَ به كل مستوحش، وطاب به كل خبيث، وفرح به كل حزين، وأمِنَ به كل خائف، وشهد به كل غائب، وذكّرت رؤيته بالله، فإذا رئي؛ ذُكر الله".