هبة عبد الجواد | في زمن الأسئلة الصعبة @heba_abdulljawad Channel on Telegram

هبة عبد الجواد | في زمن الأسئلة الصعبة

@heba_abdulljawad


هبة عبد الجواد | في زمن الأسئلة الصعبة (Arabic)

هل تبحث عن مكان يقدم لك الإلهام والتحفيز في زمن الأسئلة الصعبة؟ إذا كانت إجابتك بنعم، فقناة 'هبة عبد الجواد' على تطبيق تليجرام هي المكان المثالي بالنسبة لك! مع هبة عبد الجواد، ستكتشف عالمًا مليئًا بالحكم والتفاؤل والتشجيع. هبة عبد الجواد هي شخصية ملهمة وملهمة تهدف إلى مشاركة رسائل إيجابية تساعد الناس على تحقيق أحلامهم وتحقيق أهدافهم. تتضمن محتوى القناة نصوصًا قصيرة ملهمة، نصائح لتحسين الذات، وفعاليات تفاعلية تشجع على التفكير الإيجابي والإنجاز. سواء كنت بحاجة إلى دفعة تحفيزية في حياتك اليومية أو ببساطة تبحث عن لمحة إيجابية، فإن قناة 'هبة عبد الجواد' هي وجهتك المثالية. انضم الآن واحصل على جرعة يومية من الإلهام والتحفيز!

هبة عبد الجواد | في زمن الأسئلة الصعبة

03 Nov, 09:29


كيف يحكي الأديب السوري زكريا تامر* في قصة "النمور في اليوم العاشر" أن نمرًا شرسًا تم أسره في قفص. قال المروض لتلاميذه سأريكم كيف يمكن ترويض هذا النمر الشرس ليصبح مطيعًا وديعًا!
لم يضع له طعامًا في أول يوم، وقال له: أنت مرغم على إطاعتي، ورفض النمر قائلًا: لن أكون عبدًا لأحد. في اليوم الثاني، طلب منه أن يعترف بنفسه أنه جائع حتى يضع له طعامًا، وفي اليوم الثالث، أخبره المروض أنه لن ينال الطعام إلا إذا أطاعه،
في البداية، رفض النمر الانصياع للأوامر، معتمدًا على كبريائه كحيوان مفترس، ولكن تدريجيًا، يضطر لقبول الإملاءات بشكل متزايد حتى يصل إلى مرحلة يتخلى فيها عن صفاته الأساسية، ويصبح كائنًا طيعًا تمامًا، متأقلمًا على أوامر مروضه.
كتب المؤلف هذه الجملة في نهاية القصة:
(وفي اليوم العاشر اختفى المروض وتلاميذه والنمر والقفص؛ وصار النمر مواطنا ،ً والقفص مدينة) .

هبة عبد الجواد | في زمن الأسئلة الصعبة

23 Oct, 20:53


أكتر وقت قرأت فيه لما كنت بروح لجدي الله يرحمه ويطلب مني أروق مكتبته، كنت بقرأ حاجات مختلفة.
منها كتب كانت عن قصص المجاهدين الأفغان في حربهم ضد الاحتلال الروسي.

كنت مش فاهمة ازاي ناس عايشه في جبال ومعاهم شوية أسلحة بسيطة يقدروا على دولة كبيرة بحجم الاتحاد السوفيتي؟
كان في صور مذابح وقتل ورؤوس متقطعة ومشاهد صعبة! ماكنتش فاهمة ساعتها أي حاجة عن المصالح الدولية، ومين بيدعم الأفغان في حربهم ضد روسيا، وليه روسيا احتلت أفغانستان وإيه علاقة أمريكا باللي بيحصل، كنت بكل بساطة مش فاهمة غير إن في معتدي ومعتدى عليه، أيًا كان بقى التحليلات السياسية وقتها.
المهم بعد سنين روسيا خرجت من أفغانستان، وتم حل الاتحاد السوفيتي وتولت حركة طالبان الحكم، وحصل أحداث كثير بعدها وصلت إن روسيا الجديدة بتعتبر طالبان حلفيتها في حربها على الإرهاب.

مرت الأيام، وكل شوية أشوف أو أقرأ عن أحداث حصلت في 100 سنة بتتكتب في أربع خمس صفحات، زي مثلا:
اللي عمله الاستعمار في أواخر القرن الثامن عشر في إفريقيا، وآثاره المدمرة. زي رواندا، لما الاستعمار فرض سياسات رسخت التفرقة والتمييز العرقي، ولما الفوارق العرقية دي تعمقت بين قبيلتي الهوتو والتوتسي، وبدأت بذور الانقسام العرقي، اشتعلت الحرب الأهلية على مدار سنوات طويلة، كان من بينها إبادة جماعية راح ضحيتها مئات الآلاف في 1994، ويا دوب في عام 2000 مع اتتقال السلطة إلى كاغامي بدأ النظام ياخد منحى مختلف.


بدأت أفهم إن صعب نحاكم الأحداث وهي بتحصل وخصوصًا لو احنا مش داخلها، بدأت أفهم أثر اللي عمله عمر المختار رغم إعدامه وعدم خروج الاحتلال الإيطالي في حياته، والجزائر بلد المليون شهيد في ثورتها ضد الاختلال اللي استمرت 7 سنين.

النهاردة الواحد بيعيش يوميات موثقة بالصوت والصورة من أفظع ما يكون لمقاومة احتلال بدأ من سنة 1948، حصل فيها انتفاضات ومجازر ومفاوضات ومعاهدات وحروب كتير، ماكنتش بدايتها 7 أكتوبر اللي فات.

بدأت أتخيل إن الأربع صفحات اللي بنقرأهم عن إبادة جماعية أو لمقاومة احتلال استمرت سنوات في أزمنة وبلاد مختلفة بالتأكيد كانت مليانة قصص ومواقف مرعبة.

اللي عايزه أقوله إن الواحد عمره ما بيعرف يشوف تداعيات حدث إلا بعد مرور سنوات طويلة.

لكن هارجع تاني لموقفي وأنا طفلة لما قرأت عن احتلال روسيا لأفغانستان وعاصرت بعض أحداثه، والتعامل غير المركب مع الحدث اللي لا يحتمل إنه يبقى مركب، احنا قدام صورة واضحة لأي طفل أو بالغ:
- في ضحية وفي جناة
ـ محتل ومقاومة
ـ في ناس بتتباد وناس بتقتل

في الحالة دي أنا لا أملك سوى إني أدافع عن اللي بيتقتل، واللي محاصر تحت القصف وخصوصًا في ظل إن مفيش أي أبواب لمناصرتهم كتير.
وهنا مش دفاع من الخارج ولا مجرد دعم قضية إنسانية لا أنتمي لها، لكن دفاع لإننا جزء لا يتجزأ من الحدث بسبب السياق اللي بيجمعنا جغرافيًا وتاريخيًا وحضاريًا ودينيًا وكل حاجة. فالدفاع هنا هو مناصرة لقضية تخصنا، ودايمًا بشوف اللحظة دي في مشهد عبلة كامل وهي في بتقول للست اللي جنبها وهي في مظاهرة عن فلسطين والست بتقولها أنا افتكرت المظاهرة عشان المعاشات، راحت قالت لها: (تعالي جنبي، كله منفد على كله يا حاجة).

إن الناس تقول رأيها وتحلل الموقف ده شيء صحي جدًا، ومفيد لإن عادة في كل فترة بيكون في تطرف ومبالغة في قراءة الموقف في جميع الاتجاهات، فالأفكار المختلفة بتعمل نوع من التمحيص والاتزان، ده لو الواحد مهتم إنه يفهم مش بس بيحاول طول الواقت يثبت إنه صح.

هي الفكرة بس إننا ندرك إن المكلمة دي هي خارج الحدث تمامًا، يعني نتعامل معها واحنا مدركين إننا مالناش أي تأثير على مجريات الأمور، إلا إذا في جهة بتتبنى موقف معين وعايزه الجماهير تتنباه، وده موضوع تاني تمامًا، ومحتاج يتاخد بجدية.

مع الوعي بإن هناك تفاصيل تستحق التحليل وقراءة التجربة بتمعن طبعًا، لكن مش هاتعامل معاها بجدية غير بعد كام سنة وأنا بقرأ التاريخ.

هبة عبد الجواد | في زمن الأسئلة الصعبة

08 Sep, 07:44


فات الأوان!
التعبير الذي يجعلنا سواسية مهما تباين رأس مالنا الثقافي والمادي والاجتماعي، لا أحد يستطيع التحكم في الزمن!
جميعنا ينهض صباحًا يسابق الزمن سعيًا للحاق بشيء ما فرضه على نفسه، وفي نهاية اليوم مهما أنجز أو لم ينجز فإن اليوم ينتهي دون إرادة منه..
------
قديما كان الزمن ملائمًا لتطلعات البشر، لم تكن المرأة بحاجة إلى ساعتين لارتداء ملابسها والانتهاء من روتين وجهها قبل أن تخرج، ولم تكن إجراءات الزواج مربكة مركبة تتطلب wedding planner, bridal stalitaylist , hair staylist, make up artist، ولم يكن للجلوس على البحر طقوسًا مرهقة..وكأننا بدلًا من التخفف من الحمولات الزائدة لنسابق الزمن، أثقلنا أنفسنا بالمزيد منها بلا معنى..
ـــــ
لم يعد الزمن يصارعنا في عدم قدرتنا على اللحاق به فحسب، ولكنه يصارعنا في زمن وصول الكارثة إلى مسامعنا..
قديمًا كان الزمن محكومًا بالجغرافيا، يسافر أحدهم من بغداد إلى المغرب ليخبر صديقه في أقل من دقيقة أن معركة قامت راح ضحيتها المئات العام الماضي. انتهى! انتهى الحديث والخبر وتأثير الخبر على المستمع!
أما اليوم تسمع صرخات طفل بكى على بتر قدمه بدون بنج بعد دقائق من العملية، أو تنقل لك الكاميرا في أقل من ساعة صورة باتيناج "تالا " بعد أن قتلوها غدرًا مباشرة..
-----
مسافة صفر بيننا وبين الزمن، الماضي الذي كنا نظنه العام الماضي فقط، يذكرك فيسبوك أنه كان منذ 13 عاما..
كنا نتمنى أن تتوقف الساعة بضعة أشهر، نستوعب فيه أحداثًا لم يسعفنا الوقت للحزن عليها، أو الفرح بما تستحقه..
-----
كل يوم فات أوانه قبل أن يبدأ، يقول روبرت لافين مؤلف كتاب جغرافيا الوقت: (هناك من يبدو وكأنه يمتلك الوقت في العالم) - يصفهم بالمليونيرات الزمنية.
أظنه أخطأ في ملاحظته، لا أحد هنا يمتلك الزمن، الزمن قوة لا يمتلكها سوى الخالق..
لكني على يقين أن الله لم يخلق شيئًا يستحيل التعامل معه، وأنه جبلنا على فطرة تستوعب حركة الزمن مهما تبدلت الأحوال.
هناك صنف من الناس تساوت الدنيا جميعها أمامهم، فلم يعد لديهم خوف من فوات الأوان، أو ربما نفضوا عن أنفسهم كل ما يدفعهم للحاق بالزمن! ولم يتشبسوا سوى بما هو أقوى من الزمن!
أمسهم، كغدهم، يلتقطون أنفاسهم بهدوء، لا يوجد ما يجبرهم على اللحاق بالزمن، سوى ما يقيمون به حياتهم وبضعة آمال تتسق مع فهمهم لحقيقة ما قد تعطيه الدنيا من شقاء أو سعادة للبشر!

هبة عبد الجواد | في زمن الأسئلة الصعبة

23 Aug, 21:56


لم أدخل في النقاش حول أفضلية عدم الإنجاب على اعتبار أننا نعيش في عصر يذهب بجدية نحو الدمار.. لم يكن لدي ما أقوله في هذا المضمار لإعتقادي أنه شأن خاص يعتمد على الاستعداد الشخصي والرغبة الداخلية والظروف الخاصة، ولا يحتمل تحويله إلى جدل له مؤيديه ومعارضيه.

إلا أن آمنه ابنتي نطقت بجملة توقفت عندها قليلًا وأخذتني إلى هامش ربما هو دافع هذه الأفكار..

قالت لي بعفوية تتكرر مع أي أم مع أطفالها:
" ماما، أنا بحبك عشان انتي خلفتيني"

في البداية ظننتها تشكرني لأني كنت أقدم لها شيئًا طلبته، ثم تأكدت من كلماتها..
هذه الجملة أسعدتني إلى حد كبير بعفويتها، كأمهات لايوجد أجمل ولا أرق من هذه الكلمات تخفف عنّا..
كل ما فكرت فيه ياترى ما الذي يجعل هذا الشعور بالامتنان مستمرًا لديها بعد أن تكبر وتعيش الحياة بكل مافيها؟!

ليس هناك أجمل من أن يمتن الطفل لأبويه أنهم قد أتوا به إلى الحياة، لكن..
هل من المفترض أن يشعر الوالدين بتأنيب الضمير إن كان أطفالهم سيعيشون في زمن صعب؟!
ربما فطرة الأمومة والأبوة هي أن يوفرا لأبنائهما سبل السعادة والأمان لكن ليس للحد الذي يشعر به الطفل حين يكبر أن أبواه قد أذنبا في حقه لأنهما قد أتيا به إلى الحياة..

سيوران فيلسوف السخرية من الحياة يساءل فعل الولادة على أنه جريمة البشرية ويقول: "أليس علينا أن نصرخ دائماً: من العبث أن نولد ومن العبث أن نموت، ولدتم جزافاً"

يحكي عن نفسه حين دخل يوماً على أمه وارتمى على الأريكة وهو يصرخ «لم أعد أحتمل هذه الحياة»، فردت والدته: «لو كنت علمت ذلك لأجهضتك».

يقول سيوران: «لقد أصابتني هذه الكلمات بهلع ميتافيزيقي وبإهانة وجودية».

ما الذي يمكن أن يصيب شخص فقد الاحساس بجدوى وجوده، بل إن وجوده كان مجرد نتيجة التقاء زوجين كان بإمكانهما أن يتخلصا منه؟
وما الذي يجعل طفلًا يمتن لأهله أنهم أوجدوه؟
هل هو مجرد الإحساس بالقيمة؟
وإن حدث وكانت حياته سيئة؟
من المسؤول؟
هل والديه؟
ومن الذي اختار أن ينجب والديه؟ ولماذا يتكاثر البشر إذًا؟ ماذا لو حالف الحظ بعضهم هل سيمتنون لوجودهم؟ وماذا لو كانت حياتهم قاتمة هل سيصبح وجودهم جريمة؟

لم أجد سوى أن الإيمان بأن الإنسان يرهق نفسه حين يتمثل دور الإلهه ويظن أن بإمكانه الإجابة عن سبب خلقه بقدرات عقل هو في حد ذاته مخلوق..
عند الموحدين غاية واضحة من الوجود، ووعي بأن هناك عالم من الغيب ليس من السهل الحصول على إجابات شافية لها في الدنيا هي اختبار التسليم والإيمان بالقادر عز وجل.. لكنها تمثل إجابة غير شافية لعقل عدمي لايؤمن بجدوى الحياة.. يشعر بأنها خذلته وأن والديه أجرما في حقه حين أنجباه..


كل ما يشغلني كأم هو كيف أجعل ابنتي تؤمن بأن لكل هذا الوجود غاية وأن تمتن لوجودها مهما حدث لها من خير أو لاقدر الله سوء..
أظنها فحوى التربية وأصلها.. وأنجعها إن استطاع الوالدين فعل ذلك:
أن ينقلا الثقة في وجود الله بعفوية وتلقائية لأبنائهما بما يمكنهم من أن يعيشوا هذا الإيمان، وأن يكونا سببًا من أسباب الصحة النفسية لهم مما يشعرهم بالرضا عن وجودهم والرغبة في ممارسة الحياة بإيجابية، فيدعون لهما بـ:
رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا.

هبة عبد الجواد | في زمن الأسئلة الصعبة

14 Jul, 10:23


اليوم ال 282 لأبشع ما سمعته الأذن ورأته العين في القرن العشرين!
حسب الرواية الرسمية 48,345 ألف شهيد ومفقود، وفي تقارير أخرى العدد زاد عن 100 ألف.
بين رقم 48,345 ورقم 48,344 روح واحدة فقط، مجرد رقم واحد!
عند تداول الأخبار، قد لا يهتم الناس بنقصان رقم واحد أو حتى عشرة أعداد بين هذه الأرقام التي تعد بعشرات الآلاف.
تخيل!
رقم واحد، يعني روح واحدة مثلك ضاعت وسط هذه الأرقام التي جعلت العالم لاينتبه لها!

اليوم مجزرة جديدة بأرقام جديدة (90 شهيد)، تضاف إلى 48,345، قد يسقط منها رقم أو رقمين!
روح أو روحين، لشاب أو طفل صغير، أو لأم أو لجد كبير..

ما أفكر فيه هو هذا الحزن الشديد الذي يغلف المكان بعد وفاة شخص واحد فقط في أي عائلة في الظروف العادية، فما هو حجم الحزن الذي يخلفه فقدان 48,345 ألف في حالة نزوح، وجوع، وعطش، وخوف وحر؟!

------
في إحدى الجلسات قال لنا أحد الأصدقاء -في بداية الحرب- : "استعدوا لموجة اكتئاب حاد، الضحايا بأرقام لن تتخيلوها".
حاولت المبالغة في تخيل ماسيحدث، فقلت: 10 آلاف!
قلتها والرعب بدأ في التسلل بمجرد تخيل ما قد يحدث.
قال: بل قد يصل إلى 50 ألف!
قال ذلك، ولم أصدقه، بل مازلت أنكر حدوثه، كيف نعيش وعلى مقربة منّا يحدث هذا الخيال المرعب!
-----
أتمنى أن يستمر شعورنا بالأرق، بنكران ما يحدث، بعدم اعتياد هذه الأرقام حتى يتوقف هذا الكابوس، وإلا فهذه نهايتنا نحن!

هبة عبد الجواد | في زمن الأسئلة الصعبة

16 Jun, 06:57


(كل عام وأنت بخير)
سنوات طويلة وتهاني العيد بيننا تبدأ وتنتهي بهذه الجملة الاعتيادية، نتمناها بصدق رغم رتابتها، نكررها كل عيد في رسائلنا المقتضبة.
كلانا يعلم ما خلف هذه الأمنيات بأن ( نكون بخير)!

كلانا يرى هذه الابتسامة الخفيفة التي تعلو وجوهنا ونحن نتبادل التهاني، تخفي ضجيج معمل الذكريات الذي لم يهدأ في قلوبنا قبل عقولنا..

هي محاولة لاعتياد "الأمل" بأن تأتي الأيام بما هو ليس أسوأ..

وامتنان، فرغم كل ما مررنا به مازلنا نحتفظ بتلك الصداقات الهادئة التي تتقاسم معك ذاكرة واحدة، وأمنية واحدة لا تتعدى (أن نكون بخير) بكل ما تعنيه هذه الجملة من معنى واسع رغم رتابتها ..

هبة عبد الجواد | في زمن الأسئلة الصعبة

22 May, 13:27


أنهت ابنتي اختباراتها اليوم، ها هي تنتقل إلى مرحلة دراسية جديدة، أحاول أن أعلمها ما لا تتعلمه في المدرسة؛ كيف تفهم العالم وتفهم نفسها، كيف تتعامل مع الآخرين،... فالواقع أصعب وأكثر تأثيرًا مما يحدث في قاعة الدراسة.
أحاول ولا أدري إلى أي مدى ستنجح هذه المحاولات، لهذا أدعو الله ألا يعاملني بجهدي ولكن بلطفه وكرمه.
هناك أيضًا.. انتهى اليوم العام الدراسي على هذه الأرض التي يشاهدها كل العالم من بعيد.
انتهى العام الدراسي بلا مدارس ولا دفاتر ولا ألوان ولا ساحات لللعب.
انتهى وقد تعلم الأطفال من التعليم غير المقصود واللاصفي في ثمان أشهر ما كانوا سيتعلمونه طيلة حياتهم في قاعة الدراسة عن حقيقة العالم.
صور الإبادة اليومية شكلت نظرتهم للعالم.
تعلموا النجاة والمواساة كالكبار.
لم يعرفوا من درس الحاجات والرغبات سوى كسرة خبز وماء،
أرجوحتهم أسلاك الكهرباء،
أحلامهم علبة أندومي صغيرة،
وثلاجة الأيسكريم لنقل الشهداء.
تعلموا أن دراسة القانون الدولي لا قيمة لها، وأن حقوق الإنسان أكذوبة.
تعلموا كلمات لا يعرفها الكبار في عالمنا.
مارسوا تمارين لم يمارسها أبطال الرياضة في مدارسهم، ساروا على أقدامهم ساعات، حملوا أثقال تعادل أوزانهم.
عرفوا مشاعر الخوف والجوع أكثر من مرات ضحكوا فيها،
الأصوات في ذاكرتهم هو صوت الزنانات والقصف وآلات الحفر.
هند، ويوسف أبو شعر كيرلي، ونور الذي وقف يبيع ألعابه لأنه لم يعد هناك مكان للعب، والصغيرة التي حملت علبة لبن وحفاظات أخيها الصغير نازحة من منزلها، وصاحبة الدفتر الممزق فوق الركام الذي سجلت فيه أحلامها، والأخوين الذين طارا فرحًا بسبب عثورهم على عبوتين من الأندومي، والطفلة صاحبة النظرات التائهة في سيارة الإسعاف، كلهم جميعهم كان من المفترض أن ينهوا عامهم الدراسي، ويستقبلوا إجازتهم في غرفهم وبين ألعابهم..
لكنهم مازالوا في درس قاس، لا يحتمله بالغ قوي في عالمنا الذي يحتفي بقدرات وهمية!
أما الكبار هناك فحمولتهم مضاعفة، يحاولون مغالبة كل ذلك ببث مشاعر الأمن والأمل والإيمان في عدل الله وسننه في خلقه في نفوس أطفالهم، رغم الإنهاك الذي يعيشونه.
أصعب ما في الأمر: كيف يمكن أن تخلق من كل هذه التصورات المؤلمة واليائسة من العالم، تصورات تدفعه لمواصلة الحياة.. يبدو أنه لا سبيل لذلك إلا بالإيمان..
والدرس منهم وليس لمثلنا أن يوصي أو ينصح أو يصف ما يحدث بأوصاف من عالمنا أو يخلق من هذه المشاهد دروس مستفادة تنتزع صفة البشرية عنهم.
ويبقى الأمل في فرج قريب!

هبة عبد الجواد | في زمن الأسئلة الصعبة

10 May, 12:31


هناك مقولة لهربرت ويلز تقول أن:
المستقبل هو سباق بين التعليم والكارثة.

وقال  لفتت نظري ذكرها عالِم الاجتماع  إدغار موران في مقابلة له،يقول موران: "إحدى أهمّ حاجات العيش، في مراحل الحياة كلّها، هي معرفة المَصادر المُحتملة لأخطائنا وأوهامنا".
وهي فجوة معرفية يجب أن يتعلمها الإنسان، أو تكون ضمن دور التعليم في المستقبل.
هذا العصر بكل ما فيه من تطور سريع معقد، يحكمه الكثير من الفوضى واللايقين، والتمحور حول الذات، وهذا سبب كافٍ لكثرة الأخطاء، أخطاء في الحياة اليومية؛ على مستوى الفرد ومن ثم المؤسسة والمجتمع والأنظمة. العلاقات، السياسة، الإعلام، صناعة الدواء، الاختراعات العلمية.. إلخ.
ومن هنا تكثر الكوارث!
----
من المفترض أن تُبنى أهداف التعليم بما يحقق حياة آمنة للبشر صحيًا (جسديًا ونفسيًا) واجتماعيًا واقتصاديا حتى لا يصبح الفرد عامل من عوامل توليد الكوارث، أو حتى يستطيع مواجهة الظروف السيئة والحمقى الذين أنتجوها..

هبة عبد الجواد | في زمن الأسئلة الصعبة

11 Apr, 01:10


ما لحق بآسيا إمراة فرعون من (لطف) ، هو ما ألقته أم موسى من (قلق وخوف) في اليم..

أي صنيع هذا الذي يصنعه قدر الخالق يجعل من ألمٍ هنا لطفًا هناك، بعض الأحداث مجرد قَدَر لا دخل لك فيه، أو كما يقولون مجموعة صدف أتت بلا أدنى ترتيب منك..

أولئك الذين يؤمنون بأن هناك قوة أكبر مما يأتي به العقل من حلول، هم من يفسحون مجالاً لخبايا القدر..
لا شئ يستحق أن يُؤسى عليه، فالله الأعلم أي يد ستلتقطه بعدك.. وأي لطف سيلحقك دون أن تدري
من غريب لا تعرفه..

هبة عبد الجواد | في زمن الأسئلة الصعبة

23 Mar, 00:33


وكأن الحياة استحت من أن تتصف بالشقاء، فأعلنت في كل مرة أنها "حالة استثناء"..

كتبت هذه الجملة لنفسي منذ سنوات لأذكّرها بأن عليّ أن أخرج من حالة الانتظار المستمرة (انتظار انتهاء الحدث المؤلم).

جيلنا عالق في صالة انتظار منذ أكثر من 10 سنوات، ينتظر بصيص أمل يضمد جراحه، حتى يأتي حدث جديد يعلو على كل ما مر به، ويخبره أن هناك ما هو مؤلم أكثر في هذا العالم.

هنا قد يدرك المرء أن سلوك الانتظار مرعب مخيف، يحرق سنوات من عمرك دون أن تشعر بين اكتئاب ويأس..

__
تأملت الصبر في آيتين:
الصبر صفة الفئة القليلة التي ستغلب الفئة الكبيرة: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)

وصفة من سينجو من الخسران في هذه الدنيا (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )

وجدت أن الصبر ورد مع
"فئة" وبصيغة الجمع "تواصوا"!
"يعني ناس بتصبر بعضها"

------

قرأت عن ما يسمى resilience المنعة أو الحصانة النفسية في علم النفس. الصلابة النفسية التي تمكن الفرد من عدم الانزلاق في براثن الاكتئاب واليأس كحال دائم، وأن يتفاعل إيجابيا مع الضغوط والأزمات وهو ما لا يتحصل عليه بالعزلة أو الاستسلام.
____
من يحيط بك؟ كيف يواسي الناس بعضهم بعضًا؟

ربما يختلف الناس في تفسيرهم للأزمات وأسبابها، وبالتالي تختلف ردود أفعالهم حولها، فقد يوصيك أحدهم بنوع من الصبر (المخدر) عار من المنطق والفهم الصحيح لسنن الله في خلقه، يعتمد على المبالغات والتعلق بشائعات وحقائق مغلوطة.
أو قد تغرق مع مجموعة أخرى في عالم (لا يقيني) ترى الصبر بشكل عدمي " كله هايعدي، كده كده خلاص مفيش فايدة".

مرة أخرى، ورغم أن الصبر مظهر من مظاهر الصلابة النفسية، لكنه صبر من لا يقع في فخ الأوهام أو اللايقين. صبر من يؤمن أن لهذا الكون خالق، وصبر من يثق في أنه يستحق أن يعيش حرًا كريمًا، وصبر من يبحث عن ثغرة في الجدار، وصبر من يعي أن انتظار الجنة في الدنيا محال!

هبة عبد الجواد | في زمن الأسئلة الصعبة

05 Mar, 21:08


لايوجد في هذا العالم ما يستحق أن تهتم له سوى ألا تكون سببًا في أذى (ظلم) لنفسك أو لغيرك!

المعضلة هنا: أن الظلم والأفعال المؤذية مبررة عند صاحبها!

سبحان من وصف الإنسان بأنه ظلومًا جهولًا!
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (الأحزاب-72)

يصف جودت سعيد في كتابه (حتى يغيروا ما بأنفسهم) :
- ظلومًا بأنه فهم ولم يعمل.
- وجهولًا: إن ظل قانعًا بجهله دون أن يتعلم وهو يستطيع أن يتعلم لو أراد.


تذكرت أن أغلب الظلم والأذى يأتي مبررًا من صاحبه، فهو قد يفهم ويعي ولكنه لا يعمل بما فهمه.
ويظل مستمرًا في أفعاله، مقتنعًا بأنه لم يُخطئ في حق أحد، رغم قدرته على تصحيح مساره.

هبة عبد الجواد | في زمن الأسئلة الصعبة

03 Mar, 23:44


قد لا تستطيع أن تُوقف الأذى أو الخوف الذي يلحق بأحدهم، لكنه لن ينسَ أنك كنت تؤمن بأنه يستحق ألا يتألم، لم تتخل عنه، ومنحته الشعور بأن هناك من يشعر به ويهتم لأمره..
بل منحت نفسك، لعل الله يُنعم عليك بالسكينة في لحظة ضعف تمر بك..

هبة عبد الجواد | في زمن الأسئلة الصعبة

01 Mar, 17:28


لستَ عاجزًا، أنت تملك ما يرعبهم!

دعنا نؤكد أولا أن أكثر الكيانات إجرامًا في العالم كانوا بعيدين عن الأطفال، في الحروب والإبادات الجماعية كان هدفهم هو الانتصار على الخصم، وتحقيق أهداف استراتيجية، وكان الأطفال ضحايا دون قصد.
لكن ..
ألم تلحظ التصريحات والمقاطع التي توثق تأييد إسرائيلين لقتل الأطفال؟
سأضع لك نصا كتب في صدر أحد المواقع الإسرائيلية، يوضح لك باختصار ما يؤمنون به:

(
لقد تعلم طلاب غزة منذ فترة طويلة الكراهية والعنف. والآن نرى العواقب المأساوية. يمكنك المساعدة من خلال الانضمام إلى حملتنا للقضاء على الكراهية في المناهج المدرسية الفلسطينية).

هذا النص هو ما يؤمن به الإسرائيليون، هذا هو التهديد الحقيقي الذي يرعبهم، وبذلوا لأجل مواجهته الكثير بطرق مختلفة تسربت لنا دون أن ندري في صورة معايير التنمية، وقيم التربية الحديثة التي حُصرت في (نبذ العنف، والعنصرية، والإرهاب).

والمتابع للتقارير والمواثيق الدولية الصادرة عن اليونيسكو أو البنك الدولي أو مناهج الأونروا سيفهم ذلك جيدا.
وكوننا لا نختلف مع جوهر هذه القيم، فقد استجبنا لهذه التوجهات، ونسينا أن لهذه القيم معنى يخدم مصالحهم فقط، فتعريف العنف لديهم ليس إلحاق الأذى بالأبرياء، ولكنه أي فعل لا يصب في مصالحهم.
وهكذا لعقود طويلة ومن خلال المحافل الدولية في مجال التربية والتنمية والإعلام تم التركيز على دمج هذه القيم في التطبيقات المهنية التعليمية تحديدا في الدول العربية.

ثم أتت هذه الحرب الصفرية وفوجئوا بأطفال من مواليد التسعينات والألفينات يقفون صامدين في مواجهتهم بعد كل ما بذلوا من مجهودات لتعزيز قيم سلامهم الذي يسلب الحقوق.
بل إن إجرامهم فجر الذاكرة العربية التي كادت أن تندثر، فعاد للذاكرة أن:
-إسرائيل كيان محتل
_وأرض فلسطين حق يستدعي أن يُدافع عنه.
-وأن العنف والإرهاب هو ما تمارسه إسرائيل.
- والخيانة هي كل فعل يدعمهم،.
- وأن مقاومة المحتل ليس عنفا ولا إرهابا.

هذا ما يريد العدو أن يميته في عقول الأطفال.

لهذا دور كل البالغين في عالمنا أن يسهموا في حفظ ذاكرتنا وسرديتنا في عقول الأجيال القادمة، فمن المستحيل أن يكون لهذا الكيان بقاء إذا ظلت صورته في الذاكرة العربية والعالمية (المحتل والمعتدي، والإرهابي).

دور البالغين أن يسهموا في أن يرى منهم الأطفال ما يربيهم على:
🔻أن الرحمة هي أساس تصرفاتنا.
🔻أن استرداد الحقوق ليس عنفا.
🔻ألا يتخلى عن نصرة الضعفاء في العالم أجمع، والضعفاء ليسوا الأقليات، ولكن من يمارس عليهم أي نوع من الاضطهاد أو القهر.
🔻أن من لا يعرف من عدوه الحقيقي، سيهزم من حيث لا يدري.
🔻وأن عدونا هو الصهيونية (الكيان والفكرة) ويمثلها في عالمنا كيان إسرائيل.

تخيل لو أن ملايين الآباء والمعلمين والاقارب والمربين وصناع المحتوى تبنوا هذه المبادئ التي تتسق مع حقوقنا وحكايتتا وسرديتنا نحن، سيكون من الصعب عليهم أن يواجهوا الأجيال القادمة أو أن يعيدوا إنتاجها وفق مصالحهم وسرديتهم.

ليس مطلوبا منا كبالغين إلا أن تكون مواقفنا مواقف عادلة بداية من المواقف اليومية البسيطة مع الأهل وزملاء العمل، حتى مواقفنا في القضايا العامة داخليا وخارجيا.

أملي وشغلي الشاغل وكل ما أستطيعه أحاول أن أوجهه في هذا الانجاه، وليرزقنا الله جميعا التوفيق والسداد..

هبة عبد الجواد | في زمن الأسئلة الصعبة

18 Feb, 11:24


الإنسان المُتفرِّج

في الورقة البحثية الجميلة التي قدّمتها عالمة (الأنثروبولوجيا) كارا هوفر بعنوان "الاضطراب الحسّي في الحياة الحديثة وظهور التفاوتات الحسية" تُشير هوفر إلى مفارقة هامة مفادها: أنّنا كبشر نعاصر هذه الحقبة من التاريخ، نعيش لأوّل مرة حالة إسراف وتفريط باستخدام حاسّة البصر، كمدخل حسّي رئيسي يطغى على باقي الحواس البشرية، والاكتفاء بالنظر لتشكيل معرفتنا وتصوراتنا عن الحياة والآخرين من حولنا.

بحسب الدراسات الإسقاطية، من المتوقّع بحلول عام 2050 أن يصاب 50% من سُكان العالَم بمرض "قصر النظر" بفعل هذا الانتشار الواسع للشاشات المحمولة، وشيوع منصّات التواصل الاجتماعي كوسيط أساسي للتفاعلات البشرية، كلّ هذا تتمّ دراسته ونحن نرصد بأسى وحسرة تراجع أهمّية حواسّ أخرى كالسمع والشمّ، وهي حواس ذات طابع ذوقي وجَمَالي خاصّة في النصف الشرقي للعالَم حيث البهارات والروائح الطيبة والتمعّن بالصمت والتموضع بالفراغ (الصحراء) تشكّل تجربة روحانية فريدة لُسكّان ثقافات عديدة حول العالَم.

في كتابه (مُجتَمَع الفُرجَة) قدّم المُفكّر "غي ديبور" نقدًا هامًا يشرح الأشكال الجديدة للمجتمعات البشرية وتحوّل الأنشطة البشرية وتفاعلات النّاس إلى "الصورة" بوصفها وسيط أساسي للعلاقات الاجتماعية والخبرة المُعاشة، عالَم مُزيّف لا يكترث فيه البشر للواقع نفسه بقدر ما يتفاعل مع الصورة التي تحاكي هذا الواقع.

وأذكر أنّ الراحل محمّد طمّليه ذات مرّة قد صاغ هذه الفكرة ببراعة حين كتب:

إنّ المُتنزّهين في حديقة عامة لا يحفلون برَجُلٍ وحيد يجلس على مقعد مُزدوج

لكنّهم هُم أنفُسَهُم يقفون طويلًا لتأمّل لَوحة على جدار.. يظهر فيها رَجُل وحيد يجلس على مقعد مُزدوج في حديقة!


بهذا المعنى، يصير المقطع الذي نشاركه عن ضحايا الحرب، أهمّ من الضحايا أنفسهم وتصير المنافسة في نقل الصورة أكثر من المنافسة في إيقاف الجريمة، وتصير المُبارزة حول أيُّنا أكثر قدرة على إيصال صورة أكثر قُبحًا عن الواقع القبيح.

إنّه مجتمع الاستعراض، استعراض الصورة الأكثر إيلامًا وأكثر وحشية وأكثر دموية، إنّه العصر الذي يُفضّل فيه البشر بالانهماك بالنُسخة وترك الأصل، والتفاعل مع الصّورة بدل الانخراط بالواقع. وهكذا تصير الحياة بوصفها مَعرَض بلاستيكي كبير، يقوم على تراكم هائل من الصُوَر المُتتالية ويكون دور الإنسان فيه التفرّج والنظر.

هذا لا يلغي بطبيعة الحال أهمية نقل الصورة، ولا نقل الأخبار ولا الدور الإيجابي الذي تفعله وسائل التواصل بتعريف شريحة عريضة وجديدة من المتابعين والفاعلين في المجتمعات الغربية بمآسينا ونضالنا وقضايانا. ما نتحدث عنه هنا: الانزياح الجوهري والتفاعلي في كيفية تعاطي البشر مع واقعهم عبر هَوَس إنتاج الصور وإدمان النظر والاكتفاء بالتفرّج.

أيّ لعنة رأسمالية حلّت على البشر جعلت من فعل "التفرّج" نشاطًا بشريًا مقبولًا؟

هذا ما أراد "غي ديبور" قوله، أنّ منطق الحياة اليومية يصير نحو "صناعة الفُرجة" فالمكان لا يكون مكانًا إلّا إذا كان قابلًا للفُرجة، والحدث لا يكون حدثًا إلّا إذا لاقى رواجًا عند المُتفرّجين.

إنّه منطق الحياة الذي يجعل (التفرّج) سقف الممكن البشري، وأقصى شكل من أشكال الفاعلية البشرية.
لا يُريد النّاس الانخراط السياسيّ بصيغته الطبيعية، ويُريدون بالرغم من ذلك أن يحدث تأثيرًا على أرض الواقع، هكذا لمجرد صراخهم وعويلهم وبكائهم وتداولهم للصور الأكثر فظاعة.

أو كما قيل يريد الجميع أن يدخل الجنّة، لكن لا أحد يرغب بالموت بطبيعة الحال.

تدريجيًا، انتقل شكل الفعل السياسي خلال العشرين سنة الأخيرة نحو نضالات لفظية قائمة على إقصاء النّاس (ثقافة الإلغاء Cancel Culture) وعلى محاكمة الناس على تعابيرهم: (قُل ولا تقل!) (لماذا استخدمت ضمير المذكر وأغفلت ضمير المؤنث؟) كل هذه المطاردات اللغوية، اختزلت أشكال النضال بالتعابير اللغوية فصار أقصى ما يمكن فعله إلحاق العار بالآخرين الذين لا يهتمّون بالبيئة أو حقوق الحيوان والهويّات الجنسية.

إنّها المواقف الرخيصة:

مُناصرة بلا كُلفة شخصية
نضال بلا تضحية فعلية

وهي تعابير لباحثين كُثُر ضمن مراجعات البحث الشهير الذي نشره باحثون سويديون في المعهد الملكي للتكنولوجيا، حين درسوا ظاهرة "النضال بالكبسة Clicktivism" والشعور الذي ينتجه النضال الإلكتروني ووصفوه بـ "التراخي Slacktivism" أي الشعور المريح الذي يورثه النضال الإلكتروني دون أن يكون له أي تأثير سياسي على أرض الواقع.

والإجابة عزيزي القارئ، عند الشيطان الذي أقنعك أنّك لا تملك من الأمر شيئًا وأنّك في خانة "الإنكار القلبي" و"أنّك ضعيف الإيمان"!

وإذا كانت هذه أفضل إجابة تملكها عند لقاء الإله العظيم، فخمّن مَن سيكون بورطة حقيقية؟

هبة عبد الجواد | في زمن الأسئلة الصعبة

13 Feb, 22:13


https://www.aseeralkotb.com/ar/books/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A?fbclid=IwAR1UEVYcZCsPqR3Do4UBDy2EECxRGvwEFGRJ-SoPMNLxSHcP51irB-MuI_M