فتاوى الشيخ فركوس @ferkouss Channel on Telegram

فتاوى الشيخ فركوس

@ferkouss


قال ابن القيم رحمه الله :
‏و تبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو .(بدائع التفسير (2/416)

فتاوى الشيخ فركوس (Arabic)

فتاوى الشيخ فركوس هي قناة على تطبيق التيليجرام توفر مجموعة متنوعة من الفتاوى الدينية والنصائح الروحية المأخوذة من تعاليم الشيخ فركوس. وفقًا لقول ابن القيم رحمه الله: 'وتبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو.' هذا يوضح أهمية نشر العلم والتوجيه الديني. تهدف هذه القناة إلى تقديم الإرشادات والتوجيهات الصحيحة للأفراد الذين يبحثون عن فهم أعمق لدينهم وتوجيهات حياتهم. سواء كنت مسلمًا متدينًا أو مجرد شخص يبحث عن الإلهام والإرشاد الروحي، فستجد في قناة 'فتاوى الشيخ فركوس' ما يلبي احتياجاتك. انضم إلينا اليوم لتصلك أحدث الفتاوى والنصائح التي تساعدك في رحلتك الدينية والروحية.

فتاوى الشيخ فركوس

08 Feb, 21:06



الفتوى رقم: ٨٥٢
الصنف: فتاوى الأسرة - المرأة
في حكم خروج المرأة ليلًا لأداء صلاة التراويح في المسجد
السؤال:
هل يجوز للمرأة أَنْ تخرج ليلًا لأداءِ صلاةِ التراويح في المسجد؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإِنْ كان خروجُ النساء ليلًا لأداء صلاة التراويح بموافقة أوليائهنَّ أو أزواجهنَّ ولم تترتَّب على خروجهنَّ مفسدةٌ فلا ينبغي مَنْعُهنَّ إِنْ رَغِبْنَ في صلاة جماعة المسلمين وشهود الخير.
أمَّا إِنْ كان في خروجهنَّ فتنةٌ وضررٌ فالصلاةُ في بيوتهنَّ خيرٌ لهنَّ؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ المَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ»(١)، ولحديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه مرفوعًا: «صَلَاةُ المَرْأَةِ في بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا في حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا في مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا في بَيْتِهَا»(٢).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٩ رمضان ١٤١٨ﻫ
المـوافق ﻟ: ٢٧ جانفي ١٩٩٨م
 
(١) أخرجه أبو داود في «الصلاة» بابُ ما جاء في خروج النساء إلى المسجد (٥٦٧) مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما. وصحَّحه النوويُّ في «الخلاصة» (٢/ ٦٧٨)، وأحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد» (٧/ ٢٣٢)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٧٤٥٨). وأخرجه البخاريُّ (٩٠٠) ومسلمٌ (٤٤٢) بلفظ: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ» دون زيادة: «وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ».
(٢) أخرجه أبو داود في «الصلاة» باب التشديد في ذلك ـ أي: خروج النساء إلى المسجد ـ (٥٧٠) مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه. وصحَّحه النوويُّ في «الخلاصة» (٢/ ٦٧٧)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٣٨٣٣).
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

31 Jan, 17:56



الفتوى رقم: ٨٦٢
الصنـف: فتاوى الأسرة - المرأة
في عورة المرأة مع النساء المسلمات
السـؤال:
ما هي المواضع التي يجوز للمرأة أن تكشفها من بدنها أمام النساء؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فأرجحُ الأقوال في عورة المرأة المسلمة مع المحارم والنِّساء المسلمات جوازُ كشفها للزينة الخفيَّة المتمثِّلة في: أسفل الساقين واليدين بما في ذلك الساعد والعضد والرأس، وغيرها من المواضع التي تتحلَّى فيها المرأة بزينتها وتحتاج إلى إبدائه إذا اجتمعت بهنَّ، لقوله تعالى: ﴿وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ﴾ [النور: ٣١]، فهؤلاء يجوز للمرأة أن تكشف أمامهم شيئًا من زينتها الخفيَّة، لكن لكلٍّ منهم حدٌّ مُعيَّن، ويدلُّ عليه حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ كَانَ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا، قَالَ: وَعَلَى فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ثَوْبٌ، إِذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَلْقَى قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ، إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلاَمُكِ»(١)، أمَّا ما عدا ذلك من زينتها الخفيَّة: كالبطن والظهر فالأحوط سترُه ولا حاجة في كشفه إلاَّ المقدار السابق الذي في ستره مشقَّةٌ، والمشقَّة مدفوعةٌ بالنصِّ الشرعيِّ في قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٨]، وقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨]، وغيرها من الآيات المبيَّنات، وممَّا يدلُّ على الاحتياط من جهةٍ، ومرجوحية قول الجمهور القائلين بأنَّ عورة المرأة أمام النساء المسلمات ما بين السرَّة إلى الركبة، والأحناف الذين أضافوا الركبةَ إلى العورة، وكذا ابن حزمٍ الذي قصر عورتَها أمام المسلمات في القُبل والدُّبر، من جهةٍ أخرى هو قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ تُبَاشِرُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ، فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا»(٢)، والحديث ينهى عن الفعل المُوقِع للزوج في الإعجاب بالوصف المذكور له، والمفضي إلى تطليق الواصفة أو الافتتان بالموصوفة، لذلك ينبغي الاحتياط فيما لا حاجة إلى كشفه سدًّا لذريعة الفتنة.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٨ ربيع الأوَّل ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ١٥ مارس ٢٠٠٨م
(١) أخرجه أبو داود في «اللباس» بابٌ في العبد ينظر إلى شعر مولاته (٤١٠٦)، من حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، وصحَّحه ابن القطَّان في «أحكام النظر» (١٩٦)، وجوَّد إسنادَه ابن الملقِّن في «البدر المنير» (٧/ ٥١٠)، وصحَّحه الألباني في «الإرواء» (١٧٩٩)، وحسَّنه الوادعي في «الصحيح المسند» (٦٠).
(٢) أخرجه البخاري «النكاح» بابُ: لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها (٥٢٤٠) من حديث عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه.
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

21 Jan, 20:39


فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

21 Jan, 20:39


وعليه؛ فإنَّ البصيرة التي يكون عليها الداعيةُ لا تُطْلَق على العلم وَحْدَه ما لم يُؤازِرْهُ تصديقٌ وعملٌ وتَقْوَى؛ فيتجسَّد عِلْمُه بمعرفة الدين ومَراتِبِه الثلاث مِنْ إحسانٍ وإيمانٍ وإسلامٍ، ويتفاعل معها عملًا ودعوةً، متخلِّقًا بأخلاق الدُّعَاة، متبصِّرًا بأحوال المدعوِّين وعوائِدِهم وطِباعِهم وأعرافِهم، مُنْتَهِجًا معهم الأسلوبَ النبويَّ في الدعوة إلى الله ـ على ما تقدَّم ـ مع الإحاطة بالمَقاصِدِ العليا للدعوة الإسلامية، وإذا كانَتْ دعوتُه مؤسَّسةً على ضوءِ هديِ الكتاب والسنَّة حَازَ قَصَبَ السبق؛ قال تعالى: ﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ٣٣﴾ [فُصِّلت]، ونَالَ رتبةَ المستنيرين بنور الله؛ قال تعالى: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَا﴾ [الأنعام: ١٢٢].
هذا، وعلى الداعي إلى الله التحلِّي بالصبر، وهو مِنَ الأهمِّية بمكانٍ في مسيرة الدعوة والدُّعَاة خاصَّةً؛ إذ «بالصبر واليقين تُنال الإمامةُ في الدين» كما قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ مُسْتَدِلًّا بقوله تعالى: ﴿وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ ٢٤﴾ [السجدة]، وقد أَخْبَرَ اللهُ سبحانه وتعالى أنَّ أهل الصبر هم أهلُ العزائم، كقوله تعالى: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ ٤٣﴾ [الشورى]، وصبرُ الدُّعَاةِ على البلاء الذي يُصيبُهم هو مِنْ عزائمِ الأمور؛ لأنه صبرٌ على استكبار الجاحدين وجفوةِ العُصاة وعَنَتِ المَدْعُوِّين، وهو مِنْ علامات أهل الصلاح المتَّقين، وهو يَشْمَلُ الصبرَ على الطاعة وعن المعصية وعلى أَذَى الناس وعلى الأقدار، ولقد واجَهَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم كُلَّ أشكال الصدود والفجور، وكُلَّ ألوان الكُنود(٢١) والجحود؛ فصَبَرَ عليها وصابَرَ ورابَطَ حتَّى أَتَمَّ اللهُ به دعوتَه وانتشرَتْ في الآفاق.
فالصبر ـ إذَنْ ـ له أثرُه البالغُ والحَسَنُ في نجاحِ مَهَمَّةِ الداعي بتوجيهِ الناس إلى الخير والرشد والسؤدد؛ لذا عليه أَنْ يتحمَّل ما يُواجِهُهُ مِنْ كُنودِ الناس وصدودِهم، وما يُحاكُ ضِدَّه في سبيل صَدِّه أو عرقلته ومنعِه سبيلَ الله، أو ما يُنْشَر حوله مِنْ إشاعاتٍ وأكاذيبَ واتِّهاماتٍ، ويُكادُ له مِنْ دسائسَ؛ قال تعالى: ﴿وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنَا سُبُلَنَاۚ وَلَنَصۡبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيۡتُمُونَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ ١٢﴾ [إبراهيم].
وفي الأخير، فالواجب على الدُّعاة في مسيرتهم الدعوية أَنْ يبتعدوا عن الجفوة والغِلْظة وسوءِ الأدب والتحوُّل عن الأخلاق والانقلاب عن المبادئ والثوابت، وأَنْ يتنزَّهوا عن الأغراض الدنيئة والاغترار بالدنيا؛ لأنَّ الانشغال والتلهِّيَ بها عن الآخرة أوَّلُ طريقِ الضياع؛ قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ٩﴾ [المنافقون].
كما عليهم التنَزُّهُ عن المَقاصِدِ الشخصية التي تُصاحِبُ الجُفاةَ الغِلاظ، الذين تحمل دعوتُهم في ثناياها التجهيلَ والتجريح والتشهير والتعيير، بل والتكفيرَ؛ فإنَّ مَرَضَ حُبِّ الظهور والإهانةِ والتشفِّي خُلُقٌ ذميمٌ ورذيلةٌ لا تَتوافَقُ مع الخُلُق الرقيق؛ فقَدْ كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَشَدَّ حياءً مِنَ العذراء في خِدْرها، والاصطباغُ بتلك الرذيلةِ لا يصحُّ صفةً للداعية، ولا يتشرَّفُ بها في سلوكه التطبيقيِّ.
كما أنَّ مِنْ وقائعِ حالِنا أَنْ يتصدَّى للدعوة أفرادٌ بعلمٍ ناقصٍ أو بدونِ علمٍ، بل دون تأهُّلٍ ولا تأهُّبٍ، وبلا زكاةِ نفسٍ وتربيةٍ ولا مُجاهَدةٍ؛ فيَدْعون إلى الإسلام ـ زعموا ـ دعوةً وهُمْ بحاجةٍ إلى دعوةٍ، ومَنْ أُصِيبَ بمثلِ هذه الأمراضِ فهو ظلومٌ جهولٌ يُدْعى إلى الحقِّ ولا يدعو، ويُسْتَصْلَحُ ولا يُصْلِح.
هذا، ونسأل اللهَ التوفيقَ والسداد، ومَنْ وُفِّق إلى سلوك الدعوة النبوية فقهًا وتأسِّيًا فقَدْ حازَ قسطًا وافرًا مِنْ ميراث النبوَّة، نسأل اللهَ لنا ولكم أَنْ لا يَحْرِمنا منه.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

فتاوى الشيخ فركوس

21 Jan, 20:39


 
(١)     أخرجه أحمد (٨٩٥٢)، والبخاريُّ في «الأدب المُفْرَد» (٢٧٣)، والبزَّار في «مسنده» ـ واللفظُ له ـ (٨٩٤٩)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (١/ ١١٢) رقم: (٤٥).
(٢)     أخرجه مسلمٌ في «البرِّ والصِّلَة» (٢٥٥٣) مِنْ حديثِ النوَّاس بنِ سَمْعانَ رضي الله عنه.
(٣) أخرجه الترمذيُّ في «البرِّ والصِّلَة» بابُ ما جاء في مَعالي الأخلاق (٢٠١٨) مِنْ حديثِ جابرٍ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٢/ ٤١٨) رقم: (٧٩١).
(٤) أخرجه أبو داود في «السنَّة» بابُ الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه (٤٦٨٢)، والترمذيُّ في «الرضاع» بابُ ما جاء في حقِّ المرأةِ على زوجها (١١٦٢)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث حَسَنٌ صحيحٌ، انظر: «السلسلة الصحيحة» للألباني (١/ ٥٧٣) رقم: (٢٨٤).
(٥) انظر الحديثَ المُتَّفَقَ عليه الذي أخرجه البخاريُّ في «بدء الوحي» باب: كيف كان بدءُ الوحيِ إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ (٣)، ومسلمٌ في «الإيمان» (١٦٠)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(٦) «الجواب الصحيح» لابن تيمية (٥/ ٨٦).
(٧) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢/ ٤٥٤).
(٨) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأدب» بابُ مَنْ لم يُواجِهِ الناسَ بالعتاب (٦١٠٢)، ومسلمٌ في «الفضائل» (٢٣٢٠)، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه.
(٩) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «المناقب» بابُ صفةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم(٣٥٥٩)، ومسلمٌ في «الفضائل» (٢٣٢١)، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمرٍو رضي الله عنهما.
(١٠) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «المناقب» بابُ صفةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (٣٥٦١)، ومسلمٌ في «الفضائل» (٢٣٣٠)، مِنْ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه.
(١١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأدب» بابُ الحذر مِنَ الغضب (٦١١٤)، ومسلمٌ في «البرِّ والصِّلَة» (٢٦٠٩)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(١٢) وفي هذا المعنى بوَّب البخاريُّ (١٠/ ٥١٦) بابُ ما يجوز مِنَ الغضب والشِّدَّةِ لأمرِ الله.
(١٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «المناقب» بابُ صفةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم(٣٥٦٠)، ومسلمٌ في «الفضائل» (٢٣٢٧)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(١٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الشروط» بابُ المكاتب وما لا يَحِلُّ مِنَ الشروط التي تُخالِفُ كتابَ الله (٢٧٣٥)، ومسلمٌ في «العتق» (١٥٠٤)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(١٥) أخرجه البخاريُّ في «الأذان» بابُ رفعِ البصر إلى السماء في الصلاة (٧٥٠) مِنْ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه.
(١٦) أخرجه أبو داود في «الأدب» بابٌ في حُسْن العِشْرة (٤٧٨٨) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٥/ ٩٧) رقم: (٢٠٦٤).
(١٧) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأدب» بابُ الرِّفقِ في الأمرِ كُلِّه (٦٠٢٤)، ومسلمٌ في «السلام» (٢١٦٥)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(١٨) أخرجه مسلمٌ في «البرِّ والصِّلَة» (٢٥٩٤) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(١٩) أخرجه مسلمٌ في «البرِّ والصِّلَة» (٢٥٩٣) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(٢٠) انظر: «زاد المَعاد» لابن القيِّم (٣/ ٥٩٥) وما بعدها.
(٢١) الكُنود: كُفْرُ النعمة، يُقالُ: كَنَدَ يَكْنُدُ كُنودًا فهو كَنودٌ، [انظر: «لسان العرب» (٣/ ٣٨١)].
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

21 Jan, 20:39


هذا، ومَنْ تَحلَّى بمثلِ هذه الأخلاقِ السامية التي تُمثِّلُ عمادَ الدعوةِ في جانِبِها العمليِّ المفسِّرِ للجانب البيانيِّ؛ أَصْلَحَ اللهُ به الناسَ وعَمَّ خيرُه وانحسر شرُّه.
ولا يخفى أنَّ الدعوة الراشدة لا تكون مُثْمِرةً إلَّا إذا تَوافَقَتْ مع الهدي النبويِّ؛ ذلك لأنَّ أسلوبه ومنهجه في الدعوةِ أَكْمَلُ أسلوبٍ وأَتَمُّ منهجٍ؛ فقَدْ قال تعالى: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٠٨﴾ [يوسف].
والأسلوب النبويُّ في الدعوة كان مؤسَّسًا على توحيد الله عزَّ وجلَّ، ومُحارَبةِ مَظاهِرِ الشرك وأشكالِ الخُرافةِ وأنماطِ البِدَعِ؛ لتمكينِ العقيدة السليمة والصحيحة مِنَ الانتشار على نحوِ ما فَهِمَها السلفُ الصالح؛ تحقيقًا لعبوديةِ الله وَحْدَه لا شريكَ له؛ لذلك كان موضوعُ العقيدة ـ تعليمًا وتصحيحًا وترسيخًا ـ مِنْ أَوْلى الأولويات وأَسْمَى المَهَمَّات التي يجب على الداعي إعطاؤها العنايةَ الكافية التي تَسْتَحِقُّها؛ كما ينبغي أَنْ يكون أسلوبُ الدعوةِ في نَهْجِه أَنْ يرسم الداعي إلى الله الطريقَ القويم لكُلِّ مخطئٍ أو مُنْحَرِفٍ على وجهِ الشمول لتعمَّ فائدتُه ونَفْعُه، وهو جليٌّ في نصائحه صلَّى الله عليه وسلَّم وخطاباته ودعوته كما في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ؟!»(١٤)، وقولِه: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ؟!»(١٥)، وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إِذَا بَلَغَهُ عَنِ الرَّجُلِ الشَّيْءُ لَمْ يَقُلْ: مَا بَالُ فُلَانٍ يَقُولُ، وَلَكِنْ يَقُولُ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا»(١٦)؛ إذ هذا الأسلوبُ أَبْعَدُ عن الانفعال والأنَفَة والاعتزازِ بالرأي عند عدَمِ جَدْواهُ، وهو إلى استصلاحِ الحالِ أَقْرَبُ.
ومِنَ الأسلوب الدعويِّ الذي ينبغي أَنْ يتحلَّى به الداعي إلى الله تعالى: الرِّفْقُ ومجانبةُ العنف والشدَّةِ والفظاظة؛ فقَدْ قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ»(١٧)، وقال ـ أيضًا ـ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ»(١٨)، وفي الحديث: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ»(١٩)؛ فالرِّفقُ في الأسلوب مِنْ أَبْرَزِ خصائصِ دعوةِ الحقِّ؛ قال تعالى: ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥].
وينبغي على الداعي إلى الله ـ فضلًا عن الرِّفق ـ التعاملُ مع ما يَمَسُّ الدينَ منهجًا وعقيدةً بحزمٍ وثباتٍ؛ لأنَّ التهاون واللين يَترتَّبُ عليه ضياعُ مَعالِمِ الدينِ وفسادُ الأخلاق، ويدلُّ على ذلك حزمُه صلَّى الله عليه وسلَّم في امتناعه على وَفْدِ ثقيفٍ أَنْ يَدَعَ لهم اللَّاتَ لا يهدِّمُها ثلاثَ سنين، وهَدَمها، كما أَبَى أَنْ يُعْفِيَهم مِنَ الصلاة ومِنَ الصدقة والجهاد(٢٠).
هذا؛ والذي يُطْلَبُ مِنَ الإمام أو الخطيب أَنْ يكون على بصيرةٍ في المجال الدعويِّ مِنْ علمٍ دقيقٍ بالشرع ومَقاصِدِه ومَراميه، مع الرباط الوثيق بالله تعالى والصلة به؛ قال تعالى: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٠٨﴾ [يوسف]؛ فأهلُ البصيرة هم أولو الألباب، قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ١٨﴾ [الزُّمَر]، والآيةُ تَصِفُ أهلَ اليقينِ والفطنة وسَعَةِ الإدراكِ والكياسة بحصول العلم لهم بالاستماع، وتحصل لهم الهدايةُ والتوفيقُ باتِّباعِ أَحْسَنِ القول، وهو الإسلامُ بلوازمه مِنْ أمرٍ ونهيٍ، ترغيبًا في الخير الذي هو سبيلُ النجاة، وترهيبًا مِنَ الشرِّ الذي هو سبيلُ الهلاك والدمار والعذاب، وبحصولِ هذه المرتبةِ يُوصِلُ المتبصِّرُ دعوتَه إلى غيره متيقِّنًا بمَراميها النبيلةِ التي مَدارُها إخراجُ الناسِ مِنْ عبادة العباد إلى عبادةِ ربِّ العباد، ومِنْ ظُلُمات الشرك إلى نور التوحيد والإيمان، تعلو به إلى مَدارِجِ الكمال المنشود.

فتاوى الشيخ فركوس

21 Jan, 20:39



الكلمة الشهرية رقم: ٤
في أخلاق الداعية وأولويات دعوته
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإنَّ الإسلام نَوَّه بالخُلُق الحَسَن، ودَعَا إلى غَرْسه وتنميته في نفوس المسلمين، وأكَّده في غيرِ ما موضعٍ، حيث جَعَلَ اللهُ تعالى الأخلاقَ الفاضلة سببَ تحصيلِ الجنَّةِ الموعودِ بها ونيلِها في قوله تعالى: ﴿وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ ١٣٣ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٣٤﴾ [آل عمران]، كما أَوْجَبَ التخلُّقَ بالخُلُق الحَسَن، وجَعَلَ له أثرًا طيِّبًا ينعكس على المُعامَلات بالإيجاب، كما قال تعالى: ﴿ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ ٣٤﴾ [فُصِّلت]، كما اعتبر الشرعُ الخُلُقَ الحَسَنَ مِنْ أَفْضَلِ الأعمال وجَعَلَ البِرَّ فيه، وأَثْنَى على نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم بذلك في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ ٤﴾ [القلم]، وبَعَثَه اللهُ تعالى لإكمالِ هذه الأخلاقِ كما في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ»(١)، وبيَّن صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ: «البِرَّ حُسْنُ الخُلُقِ»(٢)، وقال: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا»(٣)، وقال: «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا»(٤).
هذا، ولَمَّا أثنى اللهُ تعالى على نبيِّه بحُسْنِ الخُلُق وبَعَثَه لإتمامِ مَكارِمِ الأخلاق، وكان النبيُّ المَثَلَ الأعلى للدُّعاة في حياتهم الخاصَّة والعامَّة؛ كان الذي ينبغي على الداعية: التأسِّي به صلَّى الله عليه وسلَّم وتجريدُ المُتابَعةِ له صلَّى الله عليه وسلَّم؛ قال تعالى: ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ﴾ [الأحزاب: ٢١]، واتِّخاذُه صلَّى الله عليه وسلَّم قدوةً وأُسوةً هو مطلوبٌ على عمومِ وأعيانِ المسلمين، ليس لهم في ذلك وُسْعٌ ولا خِيَرَةٌ؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡ﴾ [الأحزاب: ٣٦]؛ فأَمْرُه في حقِّ الدُّعاة أَوْكَدُ؛ لأنَّ رسالتهم الدعوةُ إلى هَدْيِه صلَّى الله عليه وسلَّم ومنهجِه وطريقته، بعد اقتفاء أثَرِه وتَرسُّمِ خُطاهُ والاستضاءةِ بالهدي النبويِّ؛ إذ هو سبيلُ النجاةِ مِنْ كُلِّ شرٍّ والفوزِ بكُلِّ خيرٍ، وقد جَعَله اللهُ تعالى المبلِّغَ والسراج والهاديَ كما قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا ٤٥ وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجٗا مُّنِيرٗا ٤٦﴾ [الأحزاب]، ولا يخفى أنَّ الناس يترقَّبون أفعالَ الدُّعاةِ وسيرتَهم، ويَرَوْن فيها تطبيقًا عمليًّا حيًّا لِمَا يَدْعون إليه بما عَلِموه وعَمِلوا به بالبيان والقدوة، فإِنْ لم يسلكوا هذا المنهجَ ـ وهو منهجُ الرشدِ والهداية، والمستضاءُ به في ظُلُمات الجهل والغواية ـ فقَدْ ضلُّوا وأَضَلُّوا؛ قال تعالى: ﴿قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٣١﴾ [آل عمران].
هذا، ومِنْ أَوْلى مَهَمَّات الداعي إلى الله تعالى: التأسِّي بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في تزكية نَفْسه إلى درجة الانقياد والخضوعِ المطلق لله عزَّ وجلَّ في كُلِّ مطلوبٍ ومأمورٍ، بأداءِ العبادات المفروضة والمُسْتَحَبَّة، سواءٌ كانَتْ بدنيةً أو ماليةً، وختمِ القرآن تلاوةً وتدبُّرًا وتأمُّلًا وتفكُّرًا على الأَقَلِّ مرَّةً كُلَّ شهرٍ، والإكثارِ مِنَ الاستغفار وذِكْرِ الله ليكون جزءًا مِنْ حياة الداعي ليَتَّصِفَ بالمُسارِعين بالخيرات وأهلِ التقوى والصلاحِ الموصوفين بقوله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ﴾ [آل عمران: ١٩١]، فضلًا عن الإتيان ببقيَّة الأعمال الصالحة التي تزكو النفسُ بها وتَتهذَّبُ غرائزُها وتصفو مَدارِكُها: كَبِرِّ الوالدَيْن، وصِلَةِ الرَّحِمِ، وخدمةِ المُسْتَضْعَفين والمساكين، وتفقُّدِ حاجات المُعْوَزين مع التواضع لهم، وغيرِها مِنْ أنواع الطاعات؛ ذلك لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يَتحنَّثُ في الغار اللياليَ ذواتِ العدد(٥)، يخلو بربِّه ويُناجِيه، وكان بعد مَبْعَثِه أَتْقَى الناسِ وأزكاهم نَفْسًا وأَحْسَنَهم أخلاقًا وأتقاهم سريرةً وأَعْبَدَهم لله تعالى.

فتاوى الشيخ فركوس

21 Jan, 20:39


ثمَّ يلي في الأولوية: مُتابَعةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في منهجه الأخلاقيِّ والتأسِّي به فيه، وقد قدَّمْنا أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان على خُلُقٍ عظيمٍ بشهادةِ ربِّ العالَمين، حيث تجلَّتْ فيه سائرُ نعوت الجمال والجلال والكمال، مِنَ الإخلاص والأمانة والبِرِّ والحكمة والحِلْم والرحمة والرِّفْق والتواضع والصدق والإيثار والوفاء وغيرها، كما أنَّ في شريعته مِنَ الشدَّة والعزَّة والجهادِ على أعداء الله وإقامةِ الحدود على الظالمين ما لا يخفى؛ قال تعالى: ﴿لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ١٢٨﴾ [التوبة]، وقُرِئَتْ: ﴿مِّنۡ أَنفَسِكُمۡ﴾، بفتح (الفاء)، ويكون مُرادُه: مِنْ أَفْضَلِكم خُلُقًا، وأَشْرَفِكم نَسَبًا، وأَكْثَرِكم طاعةً لله تعالى، قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «ففي شريعته صلَّى الله عليه وسلَّم مِنَ اللين والعفو والصفح ومَكارِمِ الأخلاقِ أَعْظَمُ ممَّا في الإنجيل، وفيها مِنَ الشدَّة والجهاد وإقامة الحدود على الكُفَّار والمُنافِقِين أَعْظَمُ ممَّا في التوراة، وهذا هو غايةُ الكمال؛ ولهذا قال بعضُهم: بُعِث موسى بالجلال، وبُعِث عيسى بالجمال، وبُعِث محمَّدٌ بالكمال»(٦)، وقال: «وقد ذَكَرَ نَعْتَ المُحِبِّين في قوله: ﴿فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖ﴾ [المائدة: ٥٤]؛ فنَعَتَ المُحِبِّين المحبوبين بوصف الكمال الذي نَعَتَ اللهُ به رسولَه الجامعَ بين معنى الجلال والجمال المفرَّقِ في الملَّتين قبلنا: وهو الشدَّةُ والعزَّةُ على أعداء الله، والذِّلَّةُ والرحمةُ لأولياء الله ورسولِه»(٧).
ومِنَ الأخلاق التي ينبغي على الداعي التحلِّي بها: مُتابَعةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الحياء الذي له الأثرُ البالغ على مَسَارِ الدعوة إلى الله تعالى؛ لِمَا يُؤدِّي إليه هذا الخُلُقُ الرفيع مِنْ سلامة الطبع مِنَ الأمراض النفسية المُفْسِدة، ومِنَ الأحقاد والضغائن المُهْلِكة؛ فقَدْ كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم «أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ»(٨).
ومِنْ أخلاق الداعية إلى الله: الانضباطُ بالخُلُق الذي وَصَف اللهُ تعالى جانبًا منه بقوله: ﴿فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ ١٥٩﴾ [آل عمران]، وفي الحديث: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا»(٩).
ومِنَ الأخلاق: اهتمامُ الداعي إلى الله بالهدي الظاهريِّ شكلًا وهيئةً، بحيث يَتناسَقُ الشكلُ على وجهِ الجلال والشرف، مع نظافة الثياب والبدن؛ فقَدْ أَخْرَجَ البخاريُّ ومسلمٌ مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه أنه قال: «مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلَا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وَلَا شَمَمْتُ رِيحًا قَطُّ ـ أَوْ عَرْفًا قَطُّ ـ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ ـ أَوْ عَرْفِ ـ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم»(١٠).
ومِنْ أصول الأخلاق: إيثارُ الحِلْم وتركُ الغضبِ المذمومِ الذي يكون حميَّةً أو انتصارًا للنفس وغيرِها مِمَّا لا يكون في ذات الله، وقد وَصَفَ اللهُ تعالى الكاظمين الغيظَ بأَحْسَنِ وصفٍ في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٣٤﴾ [آل عمران]؛ ذلك لأنَّ مَنِ استطاع قَهْرَ نَفْسِه وغَلَبَتَها كانَتْ دعوةُ غيرِه أَسْهَلَ وأَيْسَرَ؛ قال عليه الصلاةُ والسلام: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ»(١١).
هذا كُلُّه فيما يَمَسُّ حياتَه الخاصَّة، أمَّا حُرُماتُ الله تعالى فلا ينبغي أَنْ يَتهاوَنَ فيها أو يَتساهَلَ(١٢)، كما في حديثِ عائشة رضي الله عنها قالَتْ: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ فَيَنْتَقِمَ للهِ بِهَا»(١٣).

فتاوى الشيخ فركوس

08 Jan, 22:33



الفتوى رقم: ٨٦٦
الصنـف: فتاوى الأسرة - انتهاء عقد الزواج - الخُلع
في الخلع من مفرط في حقوق الله
السـؤال:
تزوّجت امرأة منذ أربع سنوات من رجلٍ ظاهره الصلاح، إلاّ أنه في السنة الأخيرة ترك أدَاء الصلاةِ بدون سببٍ، رَغْمَ نُصحها الدائم له، فهل يجب عليها أن تبقى تحت عصمته إذا أصر على فعله؟
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فيُستحَبُّ للمرأة أن تَخْتلِعَ من زوجها إذا كان مُفرِّطًا في حقوقِ الله هجرا للمعصية وأهلها لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «المُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْه»(١)، بل قد يجب عليها أن تفارقه إذا بقي مُصِرًّا على ترك الصلاة خاصّةً، لأنَّ مدارَ كُلِّ الأعمال عليها، وهذا إذا لم يُجْدِ نَفْعًا التذكيرُ بلزوم أداءِ ما فَرَضَ اللهُ عليه، لكونه تَلَبَّسَ بما يكفر به سواء اعتقادًا أو عملاً.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٤ من ذي القعدة ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٤ نوفمبر ٢٠٠٧م
(١) أخرجه البخاري في «صحيحه» كتاب الإيمان، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده: (١٠)، وأبو داود في «سننه» كتاب الجهاد، باب في الهجرة هل انقطعت: (٢٤٨١)، والنسائي في «سننه» كتاب الإيمان وشرائعه، باب صفة المسلم: (٤٩٩٦)، وأحمد في «مسنده»: (٦٦٧١)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

01 Jan, 17:27


(٣٢) أخرجه الترمذيُّ في «الفِتَن» بابُ ما جاء: «لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» (٢١٨٠)، وقال: «حَسَنٌ صحيحٌ»، وأحمد في «مسنده» (٢١٨٩٧)، والطبرانيُّ ـ واللفظُ له ـ في «المعجم الكبير» (٣/ ٢٤٤)، مِنْ حديثِ أبي واقدٍ الليثيِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «المشكاة» (٥٤٠٨).
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

01 Jan, 17:27


ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا»(٢٧).
ومِنَ المَخاوِف الحاصلة ـ حقًّا ـ: انتقالُهم مِنْ أهل البغي إلى مُحارِبين؛ ذلك لأنَّ شأنَ أهلِ البغي أنه تجتمع فيهم صفةُ الخروجِ عن طاعة الحاكم، ويرومون خَلْعَه وتنحِيَتَه عن مَنْصِب الإمامة لتأويلٍ سائغٍ مع ما هم فيه مِنْ مَنَعَةٍ وشوكةٍ وقوَّةٍ يحتاج الحاكمُ معها في ردِّهم للطاعة إلى إعدادِ رجالٍ ومالٍ وقتالٍ، فأهلُ البغي هم مسلمون مُخالِفون لإمام الجماعة، ودليلُه قولُه تعالى:  ﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ﴾ [الحجرات: ٩]، فقَدِ اتَّفق العلماءُ على أنَّ الفئة الباغية لا تخرج عن الإسلام ببغيها؛ لأنَّ القرآن وَصَفها بالإيمان مع مُقاتَلتها للطائفة العادلة، وحكمُها أَنْ لا ضمانَ على البغاة فيما أتلفوه خلال القتالِ والحربِ مِنْ نفسٍ أو مالٍ؛ فلا يُقْتَل مُدْبِرُهم، ولا يُجْهَز على جريحهم، ولا تُغْنَم أموالُهم، ولا تُسبى نساؤُهم وذراريهم، وأنَّ مَنْ قُتِل منهم غُسِّل وكُفِّن وصُلِّيَ عليه.
وبالمُقابِل، فإنَّ الطائفة المقاتِلة مع الإمام لا يضمنون ـ في قتالهم ـ ما يُتْلِفونه مِنْ نفسٍ أو مالٍ ولا ما يصيبونه منهم مِنْ جراحاتٍ؛ قال ابنُ قدامة ـ رحمه الله ـ: «قال الإمام الزهريُّ(٢٨): «كانَتِ الفتنةُ العظمى بين الناس وفيهم البدريون، فأجمعوا على أَنْ لا يُقام حدٌّ على رجلٍ ارتكب فَرْجًا حرامًا بتأويلِ القرآن، ولا يُغَرَّمَ مالًا أتلفه بتأويل القرآن»، ولأنها طائفةٌ مُمتنِعةٌ بالحرب بتأويلٍ سائغٍ فلم تَضْمَن ما أتلفَتْ على الأخرى كأهل العدل، ولأنَّ تضمينهم يُفْضي إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الطاعة فلا يُشْرَع كتضمينِ أهل الحرب»(٢٩)، وعلى هذا انعقد إجماعُ الصحابةِ كما دلَّ عليه كلامُ الإمام الزهريِّ، والإجماعُ حجَّةٌ واجبةُ الأخذِ بموجَبها.
أمَّا إذا اختلَّتْ صفاتُ أهل البغي كأَنْ تضعف قوَّتُهم، ويتفرَّق جمعُهم، أو انتفى تأويلُهم، أو بقي عندهم تأويلٌ فاسدٌ؛ فإنهم مُؤاخَذون بما يفعلونه، ويضمنون ما يُتْلِفونه مِنْ نفسٍ ومالٍ؛ لأنَّ المَنَعَة والشوكة بتجمُّعهم، فإذا انعدمَتِ انعدمَتِ الولايةُ، ويبقى مجرَّد تأويلٍ فاسدٍ لا يُعْتَدُّ به، كالخروج مِنْ أجل الدنيا أو للحصول على الرئاسة ومنازَعةِ أُولي الأمر أو لعصبيَّته، فهذا الخروجُ يُعتبَر مُحارَبةً، ويكون للمُحارِبين حكمٌ آخَرُ يُخالِف حُكْمَ الباغين(٣٠)، وهو الواردُ في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡيٞ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ٣٣ إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبۡلِ أَن تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهِمۡۖ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ٣٤﴾ [المائدة].
فدلَّ هذا على سقوط الحدِّ عن التائبين منهم قبل القدرة عليهم ـ أي: قبل القبض عليهم ـ مِنْ هذه العقوبة؛ ذلك لأنَّ هذا الحدَّ ثَبَتَ حقًّا لله تعالى، فيسقط بتوبتهم قبل القدرة عليهم لا بعدها، غيرَ أنَّ حقوق الآدميِّين لا تسقط عن المُحارِبين كالقصاص وضمان الأموال، إلَّا إذا عفا عنهم أصحابُ الحقِّ، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، بخلاف أهل البغي فإنهم لا يضمنون ما أتلفوه مِنْ مالٍ أو نفسٍ على ما تقدَّم.
فهذا موقفُ أهل السُّنَّة والجماعة: يُقابِلون جَوْرَ السلطان بالصبر والاحتساب، ولا يُقْدِمون على شيءٍ مِنَ المنهيَّات مِنْ حملِ السلاح أو إثارةِ فتنةٍ أو نزعِ يدٍ عن طاعةٍ، تحكيمًا للنصوص والآثار؛ لئلَّا تتخطَّفهم الشُّبَهُ ويستزلَّهم الشيطانُ، بل يَعْزُون ما حلَّ بهم مِنْ جَوْرٍ إلى فسادِ أعمالهم، و«الجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ»(٣١)، قال تعالى: ﴿وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ٣٠﴾ [الشورى]، فيجتهدون في الاستغفار والتوبة وإصلاحِ العمل، ويسألون اللهَ عزَّ وجلَّ كَشْفَ ما بهم مِنْ ضرٍّ، ﴿مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ﴾ [النساء: ٧٩].
وأمَّا الاستدلال بحديثِ أبي واقدٍ الليثيِّ في «قصَّةِ النَّفَر الذين سألوا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم أَنْ يجعل لهم ذاتَ أنواطٍ كما لهم ذاتُ أنواطٍ»(٣٢) على عدمِ اشتراطِ أَنْ يكون كُلُّ المجاهدين عارفين بدِينهم وعقيدتهم؛ فغيرُ ناهضٍ مِنْ وجوهٍ:

فتاوى الشيخ فركوس

01 Jan, 17:27


الوجه الأوَّل: لا يظهر مِنْ هذه القصَّةِ أنَّ الصحابة أرادوا عبادةَ هذه الشجرةِ مِنْ دون الله، ولكن لحداثة عهدهم بالإسلام ظنُّوا أنَّ اتِّخاذ شجرةٍ ليعلِّقوا عليها أسلحتَهم وليتبرَّكوا بها لا ينافي التوحيدَ، فلم يكن قصدُهم عبادةَ الشجرة ـ كما يفعله القبوريُّون ـ لذلك بيَّن لهم أنَّ طَلَبَهم يُضادُّ التوحيدَ، فهو بِمَنْزلةِ الشرك الصريح وإِنْ خَلَا طلبُهم مِنْ صلاةٍ أو صيامٍ أو صدقةٍ.
فالقصَّة تفيد ـ إذن ـ لزومَ التعلُّم والتحرُّزِ في السفر والحَضَر، لئلَّا يقع الموحِّدُ العالمُ ـ فضلًا عن العامِّيِّ ـ في أنواع الشرك مِنْ حيث لا يدري.
الوجه الثاني: أنَّ الحديث يدلُّ على أنَّ بقيَّة الصحابةِ الذين كانوا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم في غزوته ـ وهُم الغالبُ ـ لم يتعلَّقوا بهذه العادةِ الشركيَّة الباطلة، وإِنْ وُجِد عند نفرٍ منهم على ظنِّ أنَّ ذلك حَسَنٌ فلكونهم حُدَثاءَ عهدٍ بالكفر وقرِيبِي عهدٍ بالشرك، ولا يخفى أنَّ المتنقِّل مِنْ عاداتٍ قبيحةٍ أو باطلةٍ اعتاد عليها وتعلَّق بها قلبُه لا يأمن أَنْ يستصحبَ بقاياها، ومع ذلك فوجودُه في آحادِهم لا يضرُّ لعدمِ اتِّساعه بقيامِ داعي تصفيةِ ما عَلِقَ بهم مِنْ عادةٍ شركيَّةٍ باطلةٍ بسدِّ الذرائع إليها، فضلًا عن تعليمهم لدِينهم وتربِيَتِهم على التوحيد السليم.
الوجه الثالث: ولأنَّ غزوة حُنَيْنٍ إنما كانَتْ في أُخْرَيات غزواته صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، وبالضبط في شوَّالٍ مِنْ سَنَةِ ثمانٍ مِنَ الهجرة قبل وفاته صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم بحوالَيْ ثلاث سنواتٍ تقريبًا، ومعلومٌ في فقه السيرة أنَّ أُسُسَ المجتمع الإسلاميِّ الربَّانيِّ الراشدِ قد اكتملَتْ دعائمُه وأُقِيمَ بناؤه، ولو وُجِدَتْ بقايا مِنْ عاداتٍ باطلةٍ فهي آيلةٌ إلى الزهوق والزوال، ولا تأثيرَ لها على صلاحِ القاعدة المؤسَّسةِ على تقوى مِنَ الله والاعتصامِ بحبله المتين.
ومِنْ ناحيةٍ أخرى؛ فالقصَّة تُفيد أنَّ أَمْرَ الجهاد إنما يكون مع أُولي الأمر مِنَ المسلمين، كما هو واضحٌ مِنْ ذات القصَّة، فضلًا عن وضوحِ الراية الشرعيَّة وسابِقيَّةِ التربية الربَّانيَّة مِنَ العُدَّة الإيمانيَّة والمادِّيَّة لتحقيقِ إقامةِ شرعِ الله تعالى، ﴿حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ﴾ [الأنفال: ٣٩].
وأخيرًا، فإنَّ الصبر على ولاة الأمور ـ وإِنْ جاروا ـ مِنْ عزائمِ الدِّين، ومِنْ وَصَايَا الأئمَّةِ الناصحين.
وأسأل اللهَ عزَّ وجلَّ أَنْ يثبِّت الصالحَ على ما هو عليه، وأَنْ يَهْدِيَ الضالَّ للرجوع عمَّا كان عليه، وأَنْ يتقبَّل توبةَ الفاسق ورجوعَ الضائع، وأَنْ يفتح علينا جميعًا بالاعتصام بحبله المتين، وأَنْ يقوِّيَنا على طاعته، ويُعينَنا على التعاونِ على البرِّ والتقوى، والتواصي بالحقِّ والصبر، وسيجعل اللهُ بعد عُسْرٍ يُسْرًا؛ إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه.
 

(١) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (١٣/ ٧).
(٢) انظر: «شرح مسلم» للنووي (١١/ ٢٢٩).
(٣) انظر: «الدُّرَر السنيَّة في الأجوبة النجدية» (٧/ ٢٣٩).
(٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الفِتَن» بابُ قولِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا» (٧٠٥٣، ٧٠٥٤)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٤٩)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(٥) انظر: «العُزْلة» للخطَّابي (٥٧).
(٦) «منهاج السُّنَّة النبوية» لابن تيمية (٥/ ١٣٤).
(٧) انظر: «تفسير الطبري» (٥/ ١٥٠).
(٨) أخرجه مسلمٌ في «الإمارة» (١٨٤٧) مِنْ حديثِ حُذَيْفةَ ابنِ اليَمان رضي الله عنهما.
(٩) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الجهاد والسِّيَر» بابُ السمع والطاعة للإمام (٢٩٥٥) وفي «الأحكام» باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصيةً (٧١٤٤)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٣٩)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(١٠) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأحكام» بابُ السمعِ والطاعة للإمام ما لم تكن معصيةً (٧١٤٥)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٤٠)، مِنْ حديثِ عليِّ ابنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه.
(١١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأدب» باب: مَنْ كفَّر أخاه بغيرِ تأويلٍ فهو كما قال (٦١٠٥)، ومسلمٌ في «الإيمان» (١١٠)، مِنْ حديثِ ثابت بنِ الضحَّاك رضي الله عنه.
(١٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الإيمان» بابُ خوفِ المؤمن أَنْ يَحْبَط عملُه وهو لا يشعر (٤٨)، ومسلمٌ في «الإيمان» (٦٤)، مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه.
(١٣) أخرجه الترمذيُّ في «البرِّ والصلة» بابُ ما جاء في اللعنة (١٩٧٧) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٣٢٠).

فتاوى الشيخ فركوس

01 Jan, 17:27


(١٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «فرض الخُمُس» باب: ومِنَ الدليل على أنَّ الخُمُس لنوائب المسلمين (٣١٣٨)، ومسلمٌ في «الزكاة» (١٠٦٣)، مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.
(١٥) أخرجه البغويُّ في «حديث عليِّ بنِ الجعد» (٢٢٣٩)، وابنُ سعدٍ في «الطبقات الكبرى» (٣/ ٥٨)، مِنْ حديثِ كِنانةَ مولى صفيَّةَ قال: «رأيتُ قاتِلَ عثمان في الدار رجلًا أسودَ مِنْ أهلِ مِصْرَ يُقالُ له: جَبَلَةُ باسِطَ يديه ـ أو قال: رافِعَ يديه ـ يقول: أنا قاتلُ نعثلٍ».قال ابنُ الأثير في «النهاية» (٥/ ٨٠): «كان أعداءُ عثمان رضي الله عنه يُسَمُّونه نعثلًا تشبيهًا برجلٍ مِنْ مِصْرَ كان طويلَ اللحية اسْمُه: نعثلٌ، وقِيلَ: النعثل: الشيخُ الأحمق وذَكَرُ الضِّبَاع».
(١٦) «شرح السُّنَّة» للبربهاري (٦٠).
(١٧) «لا يُغِلُّ»: بالضمِّ مِنَ الإغلال وهو الخيانة، وبالفتح مِنَ الغِلِّ وهو الحقدُ والشحناء، أي: لا يَدخلُه حقدٌ يُزيلُه عن الحقِّ، ويُروى: «يَغِلُ» بالتخفيف مِنَ الوغل، أي: الدخول في الشرِّ [انظر: «النهاية» لابن الأثير (٣/ ٣٨١)]؛ والمعنى: أنَّ هذه الخِلالَ الثلاثَ تَستصلِحُ القلوبَ، فمَنْ تمسَّك بها طَهُرَ قلبُه مِنَ الشرِّ.
(١٨) أخرجه الترمذيُّ في «العلم» بابُ ما جاء في الحثِّ على تبليغ السماع (٢٦٥٨) مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه، وابنُ ماجه في «المقدِّمة» بابُ مَنْ بلَّغ علمًا (٢٣٠) مِنْ حديثِ زيد بنِ ثابتٍ رضي الله عنه، وفي «المناسك» باب الخُطْبة يومَ النحر (٣٠٥٦) مِنْ حديثِ جُبَيْر ابنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه. قال الترمذيُّ: «حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ»؛ قال ابنُ رجبِ في «جامع العلوم والحِكَم» (١/ ٢١٧): «إسنادٌ جيِّدٌ»، وصحَّحه ابنُ حجرٍ في «مُوافَقةِ الخُبْرِ الخَبَرَ» (١/ ٣٦٤)، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٧٦٦) وفي «السلسلة الصحيحة» (١/ ٧٦٠) رقم: (٤٠٤)؛ وروى هذا الأصلَ بضعةٌ وعشرون صحابيًّا، وهو معدودٌ مِنَ المُتواتِر كما بيَّنه الكتَّانيُّ في «نظم المُتناثِر» (٢٤ ـ ٢٥)؛ وروايةُ: «طَاعَةُ ذَوِي الأَمْرِ»: أخرجها أحمد (١٦٧٥٤)، والدارميُّ في «سُنَنه» باب الاقتداء بالعُلَماء (١/ ٨٦)، مِنْ حديثِ جُبَيْرِ ابنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه.
(١٩) «مفتاح دار السعادة» لابن القيِّم (١/ ٢٧٧ ـ ٢٧٨).
(٢٠) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (١/ ١٨ ـ ١٩).
(٢١) المصدر السابق (٣٥/ ١٢).
(٢٢) هذا الأسلوبُ إنما يُتَوَخَّى في المجال الدعويِّ والتعليميِّ والإعلاميِّ أو في إطار النصيحة؛ أمَّا مَنْ ظهَرَتْ بدعتُه واستقرَّتْ، وقامَتْ دعوتُه عليها ونافَحَ عنها، ونُوصِحَ ولم يرجع؛ فالمعروفُ مِنْ مذهب السلف أنه يجب زجرُه بهجره، والتحذيرُ منه حتمٌ لازمٌ.
(٢٣) انظر هذه القاعدةَ في: «الأشباه والنظائر» لابن الوكيل (١/ ٣٥٠)، «المنثور» للزركشي (٢/ ٢٩٧)، «الأشباه والنظائر» للسيوطي (١٥٢)، «إيضاح المسالك» للونشريسي (٣١٥)، «قواعد ابنِ رجب» (٢٣٠)، «الأشباه والنظائر» لابن السبكي (١/ ١٧٠).
(٢٤) «مدارج السالكين» لابن القيِّم (٢/ ٤٩٦).
(٢٥) انظر: «تفسير القرطبي» (٤/ ٢٩٤).
(٢٦) أخرجه أبو داود في «المَلاحِم» باب الأمر والنهي (٤٣٤٥) مِنْ حديثِ العُرْس بنِ عَمِيرةَ الكِنْديِّ رضي الله عنه. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٨٩) و«المشكاة» (٥١٤١).
(٢٧) أخرجه مسلمٌ في «العلم» (٢٦٧٤) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢٨) هو أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ مسلم بنِ عبيد الله ابنِ عبد الله بنِ شهابٍ الزُّهْرِيُّ القُرَشيُّ المَدَنيُّ، نَزيلُ الشام، أحَدُ التابعين الأعلام المشهورين بالإمامة والجلالة، كان حافِظَ زمانِه، عالمًا في الدِّين والسياسة، انتهَتْ إليه رئاسةُ العلم في وقته، له رواياتٌ كثيرةٌ. تُوُفِّيَ سَنَةَ: (١٢٤ﻫ ـ ٧٤١م).انظر مصادِرَ ترجمَتِه في مؤلَّفي: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» (٣٨٥).
(٢٩) «المغني» لابن قدامة (٨/ ١١٣)، وانظر: «المجموع» للنووي (١٩/ ٢٠٨)، و«نيل الأوطار» للشوكاني (٧/ ١٩٧).
(٣٠) انظر: «مغني المحتاج» للشربيني (٤/ ١٢٤)، و«حاشية الدسوقي» (٤/ ٣٠٠).
(٣١) هي قاعدةٌ مُطَّرِدةٌ شَهِد لها القرآنُ والسُّنَّةُ في مَواضِعَ كثيرةٍ منها: قولُه تعالى: ﴿وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ﴾ [الشورى: ٤٠]، وقولُه تعالى: ﴿فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱعۡتَدُواْ عَلَيۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡۚ﴾ [البقرة: ١٩٤]، وقولُه تعالى: ﴿وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ﴾ [النحل: ١٢٦]، وقولُه تعالى: ﴿جَزَآءٗ وِفَاقًا٢٦﴾ [النبأ]، أي: وَفْقَ أعمالهم. [انظر: «إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (١/ ١٩٦)].

فتاوى الشيخ فركوس

01 Jan, 17:27


والمجلَّات، أو في الدروس والخُطَب، أو بين العامَّة؛ كما ينبغي تجنُّبُ كُلِّ ما يُسيءُ إليهم مِنْ قريبٍ أو مِنْ بعيدٍ؛ ذلك أنَّ علَّةَ المنع: تَفادي الفوضى، وتركِ السمعِ والطاعة في المعروف، والخوضِ فيما يضرُّ نتيجةَ سبِّهم وإهانتهم؛ الأمرُ الذي يفتح بابَ التأليبِ عليهم، ويجرُّ ذلك إلى الفساد، ولا يعود على الناس إلَّا بالشرِّ المستطير؛ ولهذا قال النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «لَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ»(١١)، و«سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» (١٢)، وبيَّن خُلُقَ المؤمنِ بأنه: «لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ»(١٣)؛ ولا شكَّ أنَّ الاتِّصاف بهذا الخُلُقِ الذميمِ مع ولاةِ الأمورِ والأئمَّةِ مِنْ علامات الخوارج، وقد جاء على لسانِ رجلٍ منهم قولُه للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «اعْدِلْ»(١٤)، وقال آخَرُ منهم لعثمان رضي الله عنه عندما دَخَلَ عليه ليقتله: «يا نَعْثَلُ»(١٥)؛ وإنما أُمِرْنا أَنْ نَدْعُوَ لهم بالصلاح ونُعينَهم عليه، ولم نُؤمَرْ أَنْ ندعوَ عليهم ـ وإِنْ وَقَعَ منهم الجَوْرُ والظلم ـ كما يفعله فينا مَنْ لم يتَّضِحْ له مذهبُ السلفِ في مُعامَلةِ ولاةِ الأمور؛ ذلك لأنَّ ظُلْمَهم وجَوْرهم على أَنْفُسهم، أمَّا صلاحُهم فلِأَنْفُسهم وللأمَّة كُلِّها: العبادِ والبلاد، وقد جاء عن بعضِ علماءِ السلفِ قولُه: «إذا رأيتَ الرجلَ يدعو على السلطان فاعْلَمْ أنه صاحِبُ هوًى، وإذا رأيتَ الرَّجلَ يدعو للسلطان بالصلاح فاعْلَمْ أنه صاحِبُ سُنَّةٍ ـ إِنْ شاء اللهُ ـ»(١٦).
هذا، وإذا أُمِرْنا بأَنْ ندعوَ لهم فقَدْ أُمِرْنا ـ أيضًا ـ بنصيحتهم ـ حالَ الاستطاعةِ والإمكان ـ مِنْ غيرِ تعنيفٍ ولا بأسلوبِ الفجاجةِ والغلظةِ وبكلمات السوء والمُنكَر، وإنما يكون نُصْحُهم مَبْنِيًّا على الوعظ والتخويف، تذكيرًا لهم بالله تعالى، وتحذيرًا لهم مِنَ الآخرة، وترغيبًا لهم في الصالحات؛ فإنَّ مُناصَحةَ أئمَّةِ المسلمين مُنافِيَةٌ للغِلِّ والغشِّ، كما أخبر به النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم فيما أخرجه الترمذيُّ وغيرُه مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه مرفوعًا: «ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ(١٧) عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ العَمَلِ للهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ ـ وفي لفظٍ: طَاعَةُ ذَوِي الأَمْرِ ـ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ؛ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ»(١٨).
وقَدْ شَرَحَ الإمامُ ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ في «مفتاح دار السعادة» هذا النصَّ شرحًا دقيقًا قيِّمًا بقوله: «وقولُه: «ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ...» أي: لا يحمل الغِلَّ ولا يبقى فيه مع هذه الثلاثة؛ فإنها تَنْفي الغلَّ والغشَّ ومُفْسِداتِ القلبِ وسَخائِمَه.
فالمُخْلِصُ لله إخلاصُه يمنع غِلَّ قلبه، ويُخْرِجُه ويزيلُه جملةً؛ لأنه قد انصرفَتْ دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربِّه؛ فلم يَبْقَ فيه موضعٌ للغلِّ والغِشِّ كما قال تعالى: ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصۡرِفَ عَنۡهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلۡفَحۡشَآءَۚ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِينَ٢٤﴾ [يوسف]، فلمَّا أَخْلَصَ لربِّه صَرَفَ عنه دواعيَ السوءِ والفحشاء؛ فانصرف عنه السوءُ والفحشاءُ؛ ولهذا لَمَّا عَلِمَ إبليسُ أنه لا سبيلَ له على أهلِ الإخلاص استثناهم مِنْ شَرْطَتِه التي اشترطها للغواية والإهلاك، فقال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ٨٢ إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِينَ٨٣﴾ [ص]، قال تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ٤٢﴾ [الحِجْر]، فالإخلاصُ هو سبيلُ الخلاص، والإسلامُ هو مَرْكَبُ السلامة، والإيمانُ خاتَمُ الأمان.
وقولُه: «وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ»: هذا ـ أيضًا ـ مُنافٍ للغِلِّ والغشِّ؛ فإنَّ النصيحة لا تُجامِعُ الغِلَّ إذ هي ضدُّه؛ فمَنْ نَصَحَ الأئمَّةَ والأمَّة فقَدْ بَرِئَ مِنَ الغِلِّ.
وقولُه: «وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ»: هذا ـ أيضًا ـ مِمَّا يُطهِّر القلبَ مِنَ الغِلِّ والغشِّ؛ فإنَّ صاحِبَه ـ لِلُزومه جماعةَ المسلمين ـ يحبُّ لهم ما يحبُّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لها، ويسوؤه ما يسوؤهم، ويسرُّه ما يسرُّهم.
وهذا بخلافِ مَنِ انحاز عنهم واشتغل بالطعن عليهم والعيبِ والذمِّ لهم، كفعلِ الرافضة والخوارج والمعتزلة وغيرِهم؛ فإنَّ قلوبَهم مُمتلِئةٌ غِلًّا وغِشًّا؛ ولهذا تجد الرافضةَ أَبْعَدَ الناسِ مِنَ الإخلاص، وأَغَشَّهم للأئمَّة والأمَّة، وأشدَّهم بُعْدًا عن جماعة المسلمين.

فتاوى الشيخ فركوس

01 Jan, 17:27


الكلمة الشهرية: ٣
المنهج القويم
في معاملة الحكام

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فاعْلَمْ أنَّ العلماءَ أجمعوا على وجوبِ طاعةِ الحاكم المتغلِّب، وأنَّ طاعته خيرٌ مِنَ الخروج عليه، لِمَا في ذلك مِنْ حَقْنِ الدماءوتسكينِ الدهماء، ولِمَا في الخروج عليه مِنْ شقِّ عصا المسلمين وإراقةِ دمائهم وذهابِ أموالهم، فإذا استتبَّ له الأمرُ وتمَّ له التمكينُ ـ وإِنْ لم يَستجمِعْ شروطَ الإمامةِ ـ صَحَّتْ إمامتُه ووجبت بيعتُه وطاعتُه في المعروف، وحَرُمَتْ مُنازَعتُه ومعصِيَتُه؛ فأحكامُه نافذةٌ، ولا يجوز الخروجُ عليه قولًا واحدًا؛ وقد حكى الإجماعَ على ذلك الحافظُ ابنُ حجرٍ في «الفتح»(١)، والنوويُّ في «شرح مسلم»(٢)، والشيخُ محمَّد بنُ عبد الوهَّاب في «الدُّرَر السنيَّة»(٣)، فمَنْ خَرَجَ عن طاعةِ الحاكم الذي وَقَعَ الاجتماعُ عليه فارَقَ الجماعةَ الذين اتَّفقوا على طاعةِ الإمام الذي انتظم به شَمْلُهم، واجتمعت به كَلِمتُهم، وحَاطَهُمْ عن عدوِّهم، فإِنْ مات مات مِيتةَ الجاهليَّة، فقَدْ أخرج البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحَيْهما عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، وفي لفظٍ: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»(٤)؛ ذلك لأنَّ أهل الجاهليَّة لم يكن لهم إمامٌ يجمعهم على دِينٍ ويتألَّفهم على رأيٍ واحدٍ ـ كما ذكر الخطَّابيُّ ـ بل كانوا طوائفَ شتَّى وفِرَقًا مُختلِفين، آراؤهم مُتناقِضةٌ، وأديانُهم مُتبايِنةٌ؛ وذلك الذي دعا كثيرًا منهم إلى عبادة الأصنام وطاعةِ الأزلام، رأيًا فاسدًا اعتقدوه في أنَّ عندها خيرًا، وأنها تملك لهم نفعًا أو تدفع عنهم ضرًّا(٥).
ففي حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما المتقدِّمِ دليلٌ على تركِ الخروج على السلطان ولو جَارَ؛ فإنَّ المُفارَقة للجماعةِ مُفارَقةٌ للأُلفةِ وزوالٌ للعصمةِ وخروجٌ عن كَنَفِ الطاعة والأمان، وصاحِبُها لا يُسألُ عنه لعظيمِ هَلَكَتِه، وقد أَمَرَ الشرعُ بلزومِ الجماعة ونَهَى عن التفرُّق ـ وإِنْ وَقَعَ مِنْ وُلَاةِ الأمورِ الظلمُ والحيفُ ـ، قال الله تعالى: ﴿وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ﴾ [آل عمران: ١٠٣]، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله ـ: «وقد فُسِّرَ «حبلُه» بكتابه وبدِينه وبالإسلام وبالإخلاص وبأَمْرِه وبعهده وبطاعته وبالجماعة؛ وهذه كُلُّها منقولةٌ عن الصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، وكُلُّها صحيحةٌ؛ فإنَّ القرآن يأمر بدِينِ الإسلام، وذلك هو عهدُه وأمرُه وطاعتُه، والاعتصامُ به جميعًا إنما يكون في الجماعة، ودِينُ الإسلامِ حقيقتُه الإخلاصُ لله»(٦).
ولقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ﴾ [النساء: ٥٩]، و«أُولو الأمر» منهم الأمراءُ والولاة؛ لصحَّةِ الأخبار عن رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم بالأمر بطاعةِ الأئمَّة والولاةِ فيما كان لله طاعةً وللمسلمين مصلحةً(٧)، منها قولُه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم في حديثِ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمانِ رضي الله عنهما: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ»، قال: قلت: «كَيْفَ أَصْنَعُ ـ يَا رَسُولَ اللهِ ـ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟» قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ»(٨)، والطاعةُ لهم في المَنْشَطِ والمَكْرَه، والعُسرِ واليُسر، مشروطةٌ بغيرِ معصيةِ الله تعالى لدلالةِ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم أنه قال: «عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ؛ فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ»(٩)، ولحديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم قال: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ؛ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»(١٠).
لذلك كان إحسانُ الظنِّ بولاةِ الأمرِ مُتَحَتِّمًا، ومِنْ لوازمِ طاعتهم: مُتابَعتُهم في الصوم والفطر والتضحية: فيصوم بصيامهم في رمضان، ويفطر بفِطْرهم في شوَّالٍ، ويضحِّي بتضحِيَتِهم في عيد الأضحى؛ ومِنْ لوازمِ طاعتهم ـ أيضًا ـ عَدَمُ إهانتهم، وتركُ سَبِّهم أو لَعْنِهم، والامتناعُ عن التشهير بعيوبهم، سواءٌ في الكتب والمصنَّفات

فتاوى الشيخ فركوس

01 Jan, 17:27


فهؤلاء أشدُّ الناس غِلًّا وغِشًّا بشهادةِ رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم والأمَّةِ عليهم، وشهادتِهم على أنفسهم بذلك؛ فإنهم لا يكونون قطُّ إلَّا أعوانًا وظَهرًا على أهل الإسلام، فأيُّ عدوٍّ قام للمسلمين كانوا أعوانَ ذلك العدوِّ وبِطانَتَه.
وهذا أمرٌ قد شَاهَدَتْهُ الأمَّةُ منهم، ومَنْ لم يُشاهِدْ فقَدْ سَمِع منه ما يُصِمُّ الآذانَ ويُشْجِي القلوبَ.
وقولُه: «فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ» هذا مِنْ أَحْسَنِ الكلام وأوجزِه وأفخمِه معنًى، شبَّه دعوةَ المسلمين بالسُّور والسِّياجِ المحيطِ بهم، المانعِ مِنْ دخول عدوِّهم عليهم، فتلك الدعوةُ التي هي دعوةُ الإسلام وهُم داخلونها، لَمَّا كانت سُورًا وسِيَاجًا عليهم أَخبرَ أنَّ مَنْ لَزِم جماعةَ المسلمين أحاطَتْ به تلك الدعوةُ التي هي دعوةُ الإسلام كما أحاطَتْ بهم، فالدعوةُ تجمع شَمْلَ الأمَّةِ وتَلُمُّ شَعَثَها وتحيط بها؛ فمَنْ دَخَلَ في جماعتها أحاطَتْ به وشَمِلَتْه»(١٩).
وعليه؛ فإنَّ مذكوراتِ الحديث الثلاثَ ـ يعني: إخلاصَ العمل، ومناصحةَ أولي الأمر، ولزومَ جماعة المسلمين ـ تجمع أصولَ الدِّين وقواعدَه، وتجمع الحقوقَ التي لله ولعباده، وتنتظم بها مَصالِحُ الدنيا والآخرةِ، على ما أَوْضَحَ شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله تعالى ـ بقوله: «وبيانُ ذلك أنَّ الحقوق قسمان: حقٌّ لله وحقٌّ لعباده:
فحقُّ اللهِ أَنْ نعبده ولا نُشْرِك به شيئًا... وهذا معنى إخلاص العمل لله.
وحقوق العباد قسمان: خاصٌّ وعامٌّ:
أمَّا الخاصُّ فمثلُ بِرِّ كُلِّ إنسانٍ والدَيْه، وحقِّ زوجته وجارِه، فهذه مِنْ فروع الدِّين؛ لأنَّ المكلَّف قد يخلو عن وجوبها عليه، ولأنَّ مصلحتها خاصَّةٌ فرديَّةٌ.
وأمَّا الحقوق العامَّة فالناسُ نوعان: رُعَاةٌ ورعيَّةٌ؛ فحقوق الرُّعاة: مناصحتُهم، وحقوقُ الرعيَّة: لزومُ جماعتهم؛ فإنَّ مصلحتهم لا تتمُّ إلَّا باجتماعهم، وهم لا يجتمعون على ضلالةٍ، بل مصلحةُ دِينهم ودُنْياهم في اجتماعهم واعتصامِهم بحبل الله جميعًا.
فهذه الخصالُ تجمع أصولَ الدِّين» اﻫ(٢٠).
لذلك كان الخروجُ على الأئمَّة ـ وإِنْ جاروا ـ مُحْدَثًا ومُنكَرًا، وقد نَطَقَتِ الأحاديثُ بوجوب لزوم جماعة المسلمين وإمامهم؛ فإنَّ الخروج عليهم والافتِيَاتَ عليهم معصيةٌ ومُشاقَّةٌ لله ورسوله، ومُخالَفةٌ لِمَا عليه أهلُ السُّنَّة والجماعة.
قال شيخ الإسلام ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله ـ في «مجموع فتاويه»: «وأمَّا أهل العلم والدِّين والفضل فلا يرخِّصون لأحدٍ فيما نهى اللهُ عنه مِنْ معصيةِ وُلَاة الأمور وغِشِّهم والخروجِ عليهم بوجهٍ مِنَ الوجوه، كما قد عُرِف مِنْ عاداتِ أهلِ السُّنَّة والدِّين قديمًا وحديثًا ومِنْ سيرةِ غيرِهم»(٢١).
هذا، والطريق الأسلمُ والمنهج الأوفقُ الذي يتحقَّق به معنى التغيير يكمن في السير بالدعوة إلى الله على منهاج النبوَّة بتصحيح العقيدة وتصفِيَتِها مِنْ كُلِّ الشوائب العالقةِ بها والمُنافِيَةِ لعقيدة أهل الحقِّ، وترسيخها بتربية الأنفس والأهل على هذا الدِّين، والدعوةِ للعمل بأحكامه بالأسلوب الذي أَمَرنا تعالى أَنْ ندعوَ به في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ﴾ [النحل: ١٢٥]؛ ذلك لأنَّ اللين في الأسلوبِ والموعظةَ الحسنة في مجال الدعوة والتعليم والإعلام والنصح(٢٢) مِنْ أهمِّ أسباب حصول انتفاعِ العوامِّ بدعوة الدعاة وتعليمِهم وإرشادهم، بخلاف التغليظ في القول، والزجرِ في الأسلوب، والتبكيتِ في الدعوة والتعليم، فلا نتائجَ وافرةَ ومفيدةَ مِنْ ورائه مرجوَّة، قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ﴾ [آل عمران: ١٥٩]، وقال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام حين أرسلهما إلى فرعون: ﴿فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ٤٤﴾ [طه]، كما أنَّ المطلوب الاتِّصافُ بأخلاقِ هذا الدِّينِ والتحلِّي بآدابه عملًا بقوله تعالى: ﴿وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّٰنِيِّ‍ۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ٧٩﴾ [آل عمران]، وبقوله تعالى: ﴿وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ٣﴾ [العصر]، وبقوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ﴾ [المائدة: ٢]؛ فإنَّ تكريسَ هذه الدعوةِ سلوكًا ومنهجًا يؤدِّي بطريقٍ أو بآخَرَ إلى تحقيقِ تغييرِ ما بالأنفس على ما يُوافِق الشرعَ ليحصل مع المطلوبِ ما وَعَدَ به اللهُ تعالى في قوله: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ﴾ [الرعد: ١١]، هذا الأمرُ الذي كان عليه سبيلُ الدعوةِ أيَّامَ الرسالة، قال تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ

فتاوى الشيخ فركوس

01 Jan, 17:27


وَيُزَكِّيهِمۡۖ﴾ [البقرة: ١٢٩].
ومِنْ هنا يُدْرَك أنَّ طريق الدعوةِ إلى الله إنما يكون بالحكمة والموعظة الحسنة والصبرِ على مَشاقِّها دون عجلةٍ مورِّطةٍ في الفساد والإفساد، التي مآلُها الحرمان على ما تقرَّر في القواعد أنَّ: «مَنْ تَعَجَّلَ الشَّيْءَ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ»(٢٣)؛ فيحتاج الأمرُ إلى ثباتٍ وتضحيةٍ واستقامةٍ وأملٍ بالله ويقينٍ، قال تعالى: ﴿وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ٢٤﴾ [السجدة]؛ فالإمامةُ في الدِّين إنما تُنال بالصبر واليقين؛ فإنَّ تحمُّل الأمانةِ بالوجه المطلوب شرعًا نصرةٌ لدِينِ الله، مع الثقة الكاملة بأنَّ نَصْرَ الله آتٍ لمَنْ نَصَرَ دِينَه يقينًا على الوجه الذي أَمَرَ به الشرعُ، قال تعالى: ﴿إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ٧﴾ [محمَّد]، وقال تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ﴾ [الحجّ: ٤٠]، كما أنه يؤدِّي إلى تمكينِ الدِّين المرتضى لعباده الصالحين، كما وَعَدَ المولى عزَّ وجلَّ عليه غايةَ العزَّة فقال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [المنافقون: ٨]، وقال تعالى: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ﴾ [النور: ٥٥].
أمَّا نزعُ اليد عن الطاعة بالخروج عليهم إذا لم نَرَ كفرًا بواحًا عندنا فيه مِنَ الله برهانٌ، مع لزومِ الأخذ بعين الاعتبار قاعدةَ: «دَرْءُ المَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ المَصَالِحِ»، فإنه فضلًا عن كونه يُخالِف النصوصَ الشرعيَّة الكثيرةَ الآمرةَ بالطاعة وعدمِ نزعِ اليد عنهم وإِنْ جاروا، والآمرةَ ـ أيضًا ـ بتغييرِ ما بالأنفس، فإنَّ هذا العمل يجرُّ مَفاسِدَ شتَّى، وهي أعظمُ مِمَّا يحصل مِنْ جَوْرِ ولاة الأمر وظُلْمهم على ما هو ظاهرٌ للعيان، كما أنَّ هذا الطريقَ ـ مِنْ جهةٍ ثالثةٍ ـ ينعكس سلبًا على سيرِ الدعوةِ إلى الله تعالى، معطِّلٌ لسبيلها، ويزيد على الأمَّةِ همومًا أخرى وفِتَنًا وشرورًا ومَصائِبَ تهدم شوكتَها وتُضْعِف قوَّتَها وتخدم أعداءَها، والتاريخ يشهد على هذه الفتنِ قديمًا وحديثًا، «والسعيدُ مَنْ وُعِظ بغيره»، كُلُّ ذلك يرجع إمَّا إلى الغلوِّ والإفراط، أو إلى التقصير والتفريط، كما أَفصحَ عنه ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ بقوله: «ودِينُ الله وسطٌ بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسطِ بين طرفين ذميمين، فكما أنَّ الجافيَ عن الأمر مضيِّعٌ له فالغالي فيه مضيِّعٌ له، هذا بتقصيره عن الحدِّ، وهذا بتجاوُزه الحدَّ»(٢٤).
وليس معنى عدمِ نزعِ اليد عن طاعتهم إقرارَهم على الباطل والرضا عنهم بما هم فيه مِنَ المُنكَر، فالباطلُ يبقى مذمومًا، والمنكر يبقى على صفته بغضِّ النظر عن فاعلِه محكومًا كان أو حاكمًا، لا نرضى عن الأفعال المستقبَحة شرعًا ولا نحبُّها، كما نبغض الصنائعَ المُستبشَعة؛ ذلك لأنَّ «الرِّضَا بِالفِعْلِ كَالفِعْلِ إِثَابَةً وَعِقَابًا، وَإِنْ تَجَرَّدَ عَنِ العَمَلِ وَالقَصْدِ»، ويدلُّ عليه قولُه تعالى في شأن اليهود: ﴿وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ﴾ [آل عمران: ١٨١]، أي: ونكتب قَتْلَهم الأنبياءَ، أي: رضاهم بالقتل، والمرادُ قتلُ أسلافِهم الأنبياءَ، لكِنْ لَمَّا رَضُوا بذلك صحَّتِ الإضافةُ إليهم، وحسَّن رجلٌ عند الإمام الشعبيِّ قَتْلَ عثمانَ بنِ عفَّان رضي الله عنه فقال له الشعبيُّ: «شَرِكتَ في دمه»(٢٥)، فجَعَلَ الرضا بالقتل قتلًا.
وليس ذلك إلَّا لأنَّ الرِّضا بالمعصية معصيةٌ، ويؤيِّد ذلك قولُه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «إِذَا عُمِلَتِ الخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا ـ وَقَالَ مَرَّةً: أَنْكَرَهَا ـ كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا»(٢٦)، وهذا يدلُّ على أنَّ الراضيَ بالفعل كالفاعل وإِنْ لم تتحرَّك جوارحُه بفعله.
وعليه، فإنَّ النصح آكدٌ في وجوبِ عودةِ المُفارِق للجماعة إلى رحاب الجماعة، باستئنافِ الحياة العاديَّة وتركِ ما كان عليه مِنَ الفساد والإفساد؛ فإنَّ ذلك مِنْ أوجبِ الواجبات وأسمى المَهَمَّات، وإفسادُ الدِّين أقوى وأعظمُ مِنْ إفساد النفس.
علمًا أنَّ البقاء على ما هم عليه يُفْضي إلى مَفاسِدَ أخرى نخشى عواقبَها، منها: خشيةُ التراجع عن التوبة والعودة إلى القتال، وذلك مُخالِفٌ لقواعدِ الدِّين وأصولِ الشريعة كما تقدَّم، ومِنَ المَخاوِف ـ أيضًا ـ اغترارُ بعضِ الناس مِمَّنْ تأذَّى ولم يصبر على الأذى أَنْ يلتحق بهم، ففي الحديث: «وَمَنْ دَعَا إِلَى

فتاوى الشيخ فركوس

26 Dec, 17:47



الفتوى رقم: ٨٦٩
الصنف: فتاوى الأسرة - عقد الزواج - آداب الزواج
في حكم آلة الدربوكة
وصحَّةِ قياسها على الدفِّ

السؤال:
هل يجوز الضربُ بالدربوكة في حفلات الزفاف؟ وهل يصحُّ قياسُها على الضرب بالدُّفِّ؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فاعْلَمْ أنَّ الدُّفَّ جائزٌ في الأعياد والأعراس لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الحَرَامِ والحَلَالِ: الدُّفُّ والصَّوْتُ»(١).
أمَّا الدربوكة فمعدودةٌ مِن عمومِ آلات المعازف والطرب ولا شَبَهَ لها بالدفِّ؛ لأنَّ لها شكلًا مُختلِفًا عن الدُّفِّ ووَقْعًا مُغايِرًا له فلا تُلْحَق به؛ لذلك فهي مشمولةٌ بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ والخَمْرَ وَالمَعَازِفَ»(٢)، وبقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «صَوْتَانِ مَلْعُونَانِ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ: مِزْمَارٌ عِنْدَ نِعْمَةٍ وَرَنَّةٌ عِنْدَ مُصِيبَةٍ»(٣).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٣ شعبان ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٦ أوت ٢٠٠٧م
(١) أخرجه الترمذيُّ في «النكاح» بابُ ما جاء في إعلان النكاح (١٠٨٨)، والنسائيُّ في «النكاح» بابُ إعلان النكاح بالصوت وضربِ الدفِّ (٣٣٦٩)، وابن ماجه في «النكاح» باب إعلان النكاح (١٨٩٦)، وأحمد في «مسنده» (١٥٤٥١)، مِن حديث محمَّد بن حاطبٍ رضي الله عنه. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «الإرواء» (٧/ ٥٠) رقم: (١٩٩٤) وفي «آداب الزفاف» (١١١).
(٢) ذَكَرَه البخاريُّ مُعلَّقًا بصيغة الجزم في «الأشربة» بابُ ما جاء فيمن يستحلُّ الخمرَ ويسمِّيه بغير اسمه (٥٥٩٠)، وأخرجه موصولًا: ابنُ حبَّان في «صحيحه» (٦٧٥٤)، والطبرانيُّ في «المعجم الكبير» (٣/ ٢٨٢)، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» (٢١٥٩٠)، مِن حديث أبي عامرٍ أو أبي مالكٍ الأشعريِّ رضي الله عنه. قال ابن القيِّم في «تهذيب السنن» (١٠/ ١١١): «فالحديث صحيحٌ بلا ريبٍ»، وقال الهيتميُّ في «الزواجر» (٢/ ٢٠٣): «صحَّ مِن طُرُقٍ بأسانيدَ صحيحةٍ لا مَطْعَنَ فيها»، وانظر: «السلسلة الصحيحة» للألباني (١/ ١٨٦) رقم: (٩١) و«تحريم آلات الطرب» له ـ أيضًا ـ (١/ ٨٢).
(٣) أخرجه البزَّار في «مسنده» (٧٥١٣)، والضياء في «الأحاديث المختارة» (٢٢٠٠)، مِن حديث أنسٍ رضي الله عنه. وقال الهيثميُّ في [«مَجْمَع الزوائد» (٣/ ١٠٠)]: «رجالُه ثِقاتٌ». والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (١/ ٧٩٠) رقم: (٤٢٧).
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

11 Dec, 21:00




الفتوى رقم: ٨٧٠

الصنـف: فتاوى الأسرة - المرأة في حكم دخول المرأة الحمام مع زوجها في غرفة خاصَّة

السـؤال:

هل يجوز للمرأة أن تدخل الحمَّامَ مع زوجها في غرفةٍ خاصَّةٍ لوحدهما؟ وبارك الله فيكم.

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فلا يجوز للمرأة دخول الحمَّام إلاَّ لضرورةٍ، ولا يجوز للرجل أن يأذن لزوجته -أو من في معناها ممَّن تكون تحت حكمه وولايته من أُمِّه وابنته وأخته وغيرهنَّ- بدخول الحمَّام أو بإعطائها أجرتَه ولا أن يشاركها الدخولَ إليه، فلا يكون لها مُعينًا على المنكر لا بالمشاركة ولا بالإذن والأجرة، وذلك لعموم قوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الحَمَّامَ»(١)، علمًا أنه يُشرع للزوج الاغتسالُ مع زوجته في غير الحمَّام العموميِّ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ»(٢)، وفي روايةٍ قالت -رضي الله عنها-: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَاحِدٍ، فَيُبَادِرُنِي حَتَّى أَقُولَ: دَعْ لِي، دَعْ لِي». قَالَتْ: «وَهُمَا جُنُبَانِ»(٣).

والعلمُ عند الله تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٩ صفر ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٧/ ٠٣/ ٢٠٠٨م ___ من تطبيق تراث العلامة محمد علي #فركوس للتحميل على الأندرويد https://bit.ly/318AXka ______

(١) أخرجه الترمذي في «الأدب» باب ما جاء في دخول الحمَّام (٢٨٠١) من حديث جابرٍ رضي الله عنه. وحسَّنه الألباني في «صحيح الجامع» (٦٥٠٦).

(٢) أخرجه البخاري في «الغُسل» باب هل يُدخل الجُنُب يدَه في الإناء قبل أن يغسلها (٢٦١)، ومسلم في «الحيض» (٣١٩)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(٣) أخرجه مسلم في «الحيض» (٧٣٢) من حديث عائشة رضي الله عنها.
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

30 Nov, 11:32



الكلمة الشهرية رقم: ٤


في أخلاق الداعية وأولويات دعوته


الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإنَّ الإسلام نَوَّه بالخُلُق الحَسَن، ودَعَا إلى غَرْسه وتنميته في نفوس المسلمين، وأكَّده في غيرِ ما موضعٍ، حيث جَعَلَ اللهُ تعالى الأخلاقَ الفاضلة سببَ تحصيلِ الجنَّةِ الموعودِ بها ونيلِها في قوله تعالى: ﴿وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ ١٣٣ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٣٤﴾ [آل عمران]، كما أَوْجَبَ التخلُّقَ بالخُلُق الحَسَن، وجَعَلَ له أثرًا طيِّبًا ينعكس على المُعامَلات بالإيجاب، كما قال تعالى: ﴿ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ ٣٤﴾ [فُصِّلت]، كما اعتبر الشرعُ الخُلُقَ الحَسَنَ مِنْ أَفْضَلِ الأعمال وجَعَلَ البِرَّ فيه، وأَثْنَى على نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم بذلك في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ ٤﴾ [القلم]، وبَعَثَه اللهُ تعالى لإكمالِ هذه الأخلاقِ كما في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ»(١)، وبيَّن صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ: «البِرَّ حُسْنُ الخُلُقِ»(٢)، وقال: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا»(٣)، وقال: «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا»(٤).
هذا، ولَمَّا أثنى اللهُ تعالى على نبيِّه بحُسْنِ الخُلُق وبَعَثَه لإتمامِ مَكارِمِ الأخلاق، وكان النبيُّ المَثَلَ الأعلى للدُّعاة في حياتهم الخاصَّة والعامَّة؛ كان الذي ينبغي على الداعية: التأسِّي به صلَّى الله عليه وسلَّم وتجريدُ المُتابَعةِ له صلَّى الله عليه وسلَّم؛ قال تعالى: ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ﴾ [الأحزاب: ٢١]، واتِّخاذُه صلَّى الله عليه وسلَّم قدوةً وأُسوةً هو مطلوبٌ على عمومِ وأعيانِ المسلمين، ليس لهم في ذلك وُسْعٌ ولا خِيَرَةٌ؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡ﴾ [الأحزاب: ٣٦]؛ فأَمْرُه في حقِّ الدُّعاة أَوْكَدُ؛ لأنَّ رسالتهم الدعوةُ إلى هَدْيِه صلَّى الله عليه وسلَّم ومنهجِه وطريقته، بعد اقتفاء أثَرِه وتَرسُّمِ خُطاهُ والاستضاءةِ بالهدي النبويِّ؛ إذ هو سبيلُ النجاةِ مِنْ كُلِّ شرٍّ والفوزِ بكُلِّ خيرٍ، وقد جَعَله اللهُ تعالى المبلِّغَ والسراج والهاديَ كما قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا ٤٥ وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجٗا مُّنِيرٗا ٤٦﴾ [الأحزاب]، ولا يخفى أنَّ الناس يترقَّبون أفعالَ الدُّعاةِ وسيرتَهم، ويَرَوْن فيها تطبيقًا عمليًّا حيًّا لِمَا يَدْعون إليه بما عَلِموه وعَمِلوا به بالبيان والقدوة، فإِنْ لم يسلكوا هذا المنهجَ ـ وهو منهجُ الرشدِ والهداية، والمستضاءُ به في ظُلُمات الجهل والغواية ـ فقَدْ ضلُّوا وأَضَلُّوا؛ قال تعالى: ﴿قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٣١﴾ [آل عمران].
هذا، ومِنْ أَوْلى مَهَمَّات الداعي إلى الله تعالى: التأسِّي بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في تزكية نَفْسه إلى درجة الانقياد والخضوعِ المطلق لله عزَّ وجلَّ في كُلِّ مطلوبٍ ومأمورٍ، بأداءِ العبادات المفروضة والمُسْتَحَبَّة، سواءٌ كانَتْ بدنيةً أو ماليةً، وختمِ القرآن تلاوةً وتدبُّرًا وتأمُّلًا وتفكُّرًا على الأَقَلِّ مرَّةً كُلَّ شهرٍ، والإكثارِ مِنَ الاستغفار وذِكْرِ الله ليكون جزءًا مِنْ حياة الداعي ليَتَّصِفَ بالمُسارِعين بالخيرات وأهلِ التقوى والصلاحِ الموصوفين بقوله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ﴾ [آل عمران: ١٩١]، فضلًا عن الإتيان ببقيَّة الأعمال الصالحة التي تزكو النفسُ بها وتَتهذَّبُ غرائزُها وتصفو مَدارِكُها: كَبِرِّ الوالدَيْن، وصِلَةِ الرَّحِمِ، وخدمةِ المُسْتَضْعَفين والمساكين، وتفقُّدِ حاجات المُعْوَزين مع التواضع لهم، وغيرِها مِنْ أنواع الطاعات؛ ذلك لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يَتحنَّثُ في الغار اللياليَ ذواتِ العدد(٥)، يخلو بربِّه ويُناجِيه، وكان بعد مَبْعَثِه أَتْقَى الناسِ وأزكاهم نَفْسًا وأَحْسَنَهم أخلاقًا وأتقاهم سريرةً وأَعْبَدَهم لله تعالى.

فتاوى الشيخ فركوس

30 Nov, 11:32


ثمَّ يلي في الأولوية: مُتابَعةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في منهجه الأخلاقيِّ والتأسِّي به فيه، وقد قدَّمْنا أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان على خُلُقٍ عظيمٍ بشهادةِ ربِّ العالَمين، حيث تجلَّتْ فيه سائرُ نعوت الجمال والجلال والكمال، مِنَ الإخلاص والأمانة والبِرِّ والحكمة والحِلْم والرحمة والرِّفْق والتواضع والصدق والإيثار والوفاء وغيرها، كما أنَّ في شريعته مِنَ الشدَّة والعزَّة والجهادِ على أعداء الله وإقامةِ الحدود على الظالمين ما لا يخفى؛ قال تعالى: ﴿لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ١٢٨﴾ [التوبة]، وقُرِئَتْ: ﴿مِّنۡ أَنفَسِكُمۡ﴾، بفتح (الفاء)، ويكون مُرادُه: مِنْ أَفْضَلِكم خُلُقًا، وأَشْرَفِكم نَسَبًا، وأَكْثَرِكم طاعةً لله تعالى، قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «ففي شريعته صلَّى الله عليه وسلَّم مِنَ اللين والعفو والصفح ومَكارِمِ الأخلاقِ أَعْظَمُ ممَّا في الإنجيل، وفيها مِنَ الشدَّة والجهاد وإقامة الحدود على الكُفَّار والمُنافِقِين أَعْظَمُ ممَّا في التوراة، وهذا هو غايةُ الكمال؛ ولهذا قال بعضُهم: بُعِث موسى بالجلال، وبُعِث عيسى بالجمال، وبُعِث محمَّدٌ بالكمال»(٦)، وقال: «وقد ذَكَرَ نَعْتَ المُحِبِّين في قوله: ﴿فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖ﴾ [المائدة: ٥٤]؛ فنَعَتَ المُحِبِّين المحبوبين بوصف الكمال الذي نَعَتَ اللهُ به رسولَه الجامعَ بين معنى الجلال والجمال المفرَّقِ في الملَّتين قبلنا: وهو الشدَّةُ والعزَّةُ على أعداء الله، والذِّلَّةُ والرحمةُ لأولياء الله ورسولِه»(٧).
ومِنَ الأخلاق التي ينبغي على الداعي التحلِّي بها: مُتابَعةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الحياء الذي له الأثرُ البالغ على مَسَارِ الدعوة إلى الله تعالى؛ لِمَا يُؤدِّي إليه هذا الخُلُقُ الرفيع مِنْ سلامة الطبع مِنَ الأمراض النفسية المُفْسِدة، ومِنَ الأحقاد والضغائن المُهْلِكة؛ فقَدْ كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم «أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ»(٨).
ومِنْ أخلاق الداعية إلى الله: الانضباطُ بالخُلُق الذي وَصَف اللهُ تعالى جانبًا منه بقوله: ﴿فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ ١٥٩﴾ [آل عمران]، وفي الحديث: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا»(٩).
ومِنَ الأخلاق: اهتمامُ الداعي إلى الله بالهدي الظاهريِّ شكلًا وهيئةً، بحيث يَتناسَقُ الشكلُ على وجهِ الجلال والشرف، مع نظافة الثياب والبدن؛ فقَدْ أَخْرَجَ البخاريُّ ومسلمٌ مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه أنه قال: «مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلَا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وَلَا شَمَمْتُ رِيحًا قَطُّ ـ أَوْ عَرْفًا قَطُّ ـ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ ـ أَوْ عَرْفِ ـ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم»(١٠).
ومِنْ أصول الأخلاق: إيثارُ الحِلْم وتركُ الغضبِ المذمومِ الذي يكون حميَّةً أو انتصارًا للنفس وغيرِها مِمَّا لا يكون في ذات الله، وقد وَصَفَ اللهُ تعالى الكاظمين الغيظَ بأَحْسَنِ وصفٍ في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٣٤﴾ [آل عمران]؛ ذلك لأنَّ مَنِ استطاع قَهْرَ نَفْسِه وغَلَبَتَها كانَتْ دعوةُ غيرِه أَسْهَلَ وأَيْسَرَ؛ قال عليه الصلاةُ والسلام: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ»(١١).
هذا كُلُّه فيما يَمَسُّ حياتَه الخاصَّة، أمَّا حُرُماتُ الله تعالى فلا ينبغي أَنْ يَتهاوَنَ فيها أو يَتساهَلَ(١٢)، كما في حديثِ عائشة رضي الله عنها قالَتْ: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ فَيَنْتَقِمَ للهِ بِهَا»(١٣).

فتاوى الشيخ فركوس

30 Nov, 11:32


هذا، ومَنْ تَحلَّى بمثلِ هذه الأخلاقِ السامية التي تُمثِّلُ عمادَ الدعوةِ في جانِبِها العمليِّ المفسِّرِ للجانب البيانيِّ؛ أَصْلَحَ اللهُ به الناسَ وعَمَّ خيرُه وانحسر شرُّه.
ولا يخفى أنَّ الدعوة الراشدة لا تكون مُثْمِرةً إلَّا إذا تَوافَقَتْ مع الهدي النبويِّ؛ ذلك لأنَّ أسلوبه ومنهجه في الدعوةِ أَكْمَلُ أسلوبٍ وأَتَمُّ منهجٍ؛ فقَدْ قال تعالى: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٠٨﴾ [يوسف].
والأسلوب النبويُّ في الدعوة كان مؤسَّسًا على توحيد الله عزَّ وجلَّ، ومُحارَبةِ مَظاهِرِ الشرك وأشكالِ الخُرافةِ وأنماطِ البِدَعِ؛ لتمكينِ العقيدة السليمة والصحيحة مِنَ الانتشار على نحوِ ما فَهِمَها السلفُ الصالح؛ تحقيقًا لعبوديةِ الله وَحْدَه لا شريكَ له؛ لذلك كان موضوعُ العقيدة ـ تعليمًا وتصحيحًا وترسيخًا ـ مِنْ أَوْلى الأولويات وأَسْمَى المَهَمَّات التي يجب على الداعي إعطاؤها العنايةَ الكافية التي تَسْتَحِقُّها؛ كما ينبغي أَنْ يكون أسلوبُ الدعوةِ في نَهْجِه أَنْ يرسم الداعي إلى الله الطريقَ القويم لكُلِّ مخطئٍ أو مُنْحَرِفٍ على وجهِ الشمول لتعمَّ فائدتُه ونَفْعُه، وهو جليٌّ في نصائحه صلَّى الله عليه وسلَّم وخطاباته ودعوته كما في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ؟!»(١٤)، وقولِه: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ؟!»(١٥)، وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إِذَا بَلَغَهُ عَنِ الرَّجُلِ الشَّيْءُ لَمْ يَقُلْ: مَا بَالُ فُلَانٍ يَقُولُ، وَلَكِنْ يَقُولُ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا»(١٦)؛ إذ هذا الأسلوبُ أَبْعَدُ عن الانفعال والأنَفَة والاعتزازِ بالرأي عند عدَمِ جَدْواهُ، وهو إلى استصلاحِ الحالِ أَقْرَبُ.
ومِنَ الأسلوب الدعويِّ الذي ينبغي أَنْ يتحلَّى به الداعي إلى الله تعالى: الرِّفْقُ ومجانبةُ العنف والشدَّةِ والفظاظة؛ فقَدْ قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ»(١٧)، وقال ـ أيضًا ـ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ»(١٨)، وفي الحديث: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ»(١٩)؛ فالرِّفقُ في الأسلوب مِنْ أَبْرَزِ خصائصِ دعوةِ الحقِّ؛ قال تعالى: ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥].
وينبغي على الداعي إلى الله ـ فضلًا عن الرِّفق ـ التعاملُ مع ما يَمَسُّ الدينَ منهجًا وعقيدةً بحزمٍ وثباتٍ؛ لأنَّ التهاون واللين يَترتَّبُ عليه ضياعُ مَعالِمِ الدينِ وفسادُ الأخلاق، ويدلُّ على ذلك حزمُه صلَّى الله عليه وسلَّم في امتناعه على وَفْدِ ثقيفٍ أَنْ يَدَعَ لهم اللَّاتَ لا يهدِّمُها ثلاثَ سنين، وهَدَمها، كما أَبَى أَنْ يُعْفِيَهم مِنَ الصلاة ومِنَ الصدقة والجهاد(٢٠).
هذا؛ والذي يُطْلَبُ مِنَ الإمام أو الخطيب أَنْ يكون على بصيرةٍ في المجال الدعويِّ مِنْ علمٍ دقيقٍ بالشرع ومَقاصِدِه ومَراميه، مع الرباط الوثيق بالله تعالى والصلة به؛ قال تعالى: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٠٨﴾ [يوسف]؛ فأهلُ البصيرة هم أولو الألباب، قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ١٨﴾ [الزُّمَر]، والآيةُ تَصِفُ أهلَ اليقينِ والفطنة وسَعَةِ الإدراكِ والكياسة بحصول العلم لهم بالاستماع، وتحصل لهم الهدايةُ والتوفيقُ باتِّباعِ أَحْسَنِ القول، وهو الإسلامُ بلوازمه مِنْ أمرٍ ونهيٍ، ترغيبًا في الخير الذي هو سبيلُ النجاة، وترهيبًا مِنَ الشرِّ الذي هو سبيلُ الهلاك والدمار والعذاب، وبحصولِ هذه المرتبةِ يُوصِلُ المتبصِّرُ دعوتَه إلى غيره متيقِّنًا بمَراميها النبيلةِ التي مَدارُها إخراجُ الناسِ مِنْ عبادة العباد إلى عبادةِ ربِّ العباد، ومِنْ ظُلُمات الشرك إلى نور التوحيد والإيمان، تعلو به إلى مَدارِجِ الكمال المنشود.

فتاوى الشيخ فركوس

30 Nov, 11:32


وعليه؛ فإنَّ البصيرة التي يكون عليها الداعيةُ لا تُطْلَق على العلم وَحْدَه ما لم يُؤازِرْهُ تصديقٌ وعملٌ وتَقْوَى؛ فيتجسَّد عِلْمُه بمعرفة الدين ومَراتِبِه الثلاث مِنْ إحسانٍ وإيمانٍ وإسلامٍ، ويتفاعل معها عملًا ودعوةً، متخلِّقًا بأخلاق الدُّعَاة، متبصِّرًا بأحوال المدعوِّين وعوائِدِهم وطِباعِهم وأعرافِهم، مُنْتَهِجًا معهم الأسلوبَ النبويَّ في الدعوة إلى الله ـ على ما تقدَّم ـ مع الإحاطة بالمَقاصِدِ العليا للدعوة الإسلامية، وإذا كانَتْ دعوتُه مؤسَّسةً على ضوءِ هديِ الكتاب والسنَّة حَازَ قَصَبَ السبق؛ قال تعالى: ﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ٣٣﴾ [فُصِّلت]، ونَالَ رتبةَ المستنيرين بنور الله؛ قال تعالى: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَا﴾ [الأنعام: ١٢٢].
هذا، وعلى الداعي إلى الله التحلِّي بالصبر، وهو مِنَ الأهمِّية بمكانٍ في مسيرة الدعوة والدُّعَاة خاصَّةً؛ إذ «بالصبر واليقين تُنال الإمامةُ في الدين» كما قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ مُسْتَدِلًّا بقوله تعالى: ﴿وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ ٢٤﴾ [السجدة]، وقد أَخْبَرَ اللهُ سبحانه وتعالى أنَّ أهل الصبر هم أهلُ العزائم، كقوله تعالى: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ ٤٣﴾ [الشورى]، وصبرُ الدُّعَاةِ على البلاء الذي يُصيبُهم هو مِنْ عزائمِ الأمور؛ لأنه صبرٌ على استكبار الجاحدين وجفوةِ العُصاة وعَنَتِ المَدْعُوِّين، وهو مِنْ علامات أهل الصلاح المتَّقين، وهو يَشْمَلُ الصبرَ على الطاعة وعن المعصية وعلى أَذَى الناس وعلى الأقدار، ولقد واجَهَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم كُلَّ أشكال الصدود والفجور، وكُلَّ ألوان الكُنود(٢١) والجحود؛ فصَبَرَ عليها وصابَرَ ورابَطَ حتَّى أَتَمَّ اللهُ به دعوتَه وانتشرَتْ في الآفاق.
فالصبر ـ إذَنْ ـ له أثرُه البالغُ والحَسَنُ في نجاحِ مَهَمَّةِ الداعي بتوجيهِ الناس إلى الخير والرشد والسؤدد؛ لذا عليه أَنْ يتحمَّل ما يُواجِهُهُ مِنْ كُنودِ الناس وصدودِهم، وما يُحاكُ ضِدَّه في سبيل صَدِّه أو عرقلته ومنعِه سبيلَ الله، أو ما يُنْشَر حوله مِنْ إشاعاتٍ وأكاذيبَ واتِّهاماتٍ، ويُكادُ له مِنْ دسائسَ؛ قال تعالى: ﴿وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنَا سُبُلَنَاۚ وَلَنَصۡبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيۡتُمُونَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ ١٢﴾ [إبراهيم].
وفي الأخير، فالواجب على الدُّعاة في مسيرتهم الدعوية أَنْ يبتعدوا عن الجفوة والغِلْظة وسوءِ الأدب والتحوُّل عن الأخلاق والانقلاب عن المبادئ والثوابت، وأَنْ يتنزَّهوا عن الأغراض الدنيئة والاغترار بالدنيا؛ لأنَّ الانشغال والتلهِّيَ بها عن الآخرة أوَّلُ طريقِ الضياع؛ قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ٩﴾ [المنافقون].
كما عليهم التنَزُّهُ عن المَقاصِدِ الشخصية التي تُصاحِبُ الجُفاةَ الغِلاظ، الذين تحمل دعوتُهم في ثناياها التجهيلَ والتجريح والتشهير والتعيير، بل والتكفيرَ؛ فإنَّ مَرَضَ حُبِّ الظهور والإهانةِ والتشفِّي خُلُقٌ ذميمٌ ورذيلةٌ لا تَتوافَقُ مع الخُلُق الرقيق؛ فقَدْ كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَشَدَّ حياءً مِنَ العذراء في خِدْرها، والاصطباغُ بتلك الرذيلةِ لا يصحُّ صفةً للداعية، ولا يتشرَّفُ بها في سلوكه التطبيقيِّ.
كما أنَّ مِنْ وقائعِ حالِنا أَنْ يتصدَّى للدعوة أفرادٌ بعلمٍ ناقصٍ أو بدونِ علمٍ، بل دون تأهُّلٍ ولا تأهُّبٍ، وبلا زكاةِ نفسٍ وتربيةٍ ولا مُجاهَدةٍ؛ فيَدْعون إلى الإسلام ـ زعموا ـ دعوةً وهُمْ بحاجةٍ إلى دعوةٍ، ومَنْ أُصِيبَ بمثلِ هذه الأمراضِ فهو ظلومٌ جهولٌ يُدْعى إلى الحقِّ ولا يدعو، ويُسْتَصْلَحُ ولا يُصْلِح.
هذا، ونسأل اللهَ التوفيقَ والسداد، ومَنْ وُفِّق إلى سلوك الدعوة النبوية فقهًا وتأسِّيًا فقَدْ حازَ قسطًا وافرًا مِنْ ميراث النبوَّة، نسأل اللهَ لنا ولكم أَنْ لا يَحْرِمنا منه.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

فتاوى الشيخ فركوس

30 Nov, 11:32


 
(١)     أخرجه أحمد (٨٩٥٢)، والبخاريُّ في «الأدب المُفْرَد» (٢٧٣)، والبزَّار في «مسنده» ـ واللفظُ له ـ (٨٩٤٩)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (١/ ١١٢) رقم: (٤٥).
(٢)     أخرجه مسلمٌ في «البرِّ والصِّلَة» (٢٥٥٣) مِنْ حديثِ النوَّاس بنِ سَمْعانَ رضي الله عنه.
(٣) أخرجه الترمذيُّ في «البرِّ والصِّلَة» بابُ ما جاء في مَعالي الأخلاق (٢٠١٨) مِنْ حديثِ جابرٍ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٢/ ٤١٨) رقم: (٧٩١).
(٤) أخرجه أبو داود في «السنَّة» بابُ الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه (٤٦٨٢)، والترمذيُّ في «الرضاع» بابُ ما جاء في حقِّ المرأةِ على زوجها (١١٦٢)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث حَسَنٌ صحيحٌ، انظر: «السلسلة الصحيحة» للألباني (١/ ٥٧٣) رقم: (٢٨٤).
(٥) انظر الحديثَ المُتَّفَقَ عليه الذي أخرجه البخاريُّ في «بدء الوحي» باب: كيف كان بدءُ الوحيِ إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ (٣)، ومسلمٌ في «الإيمان» (١٦٠)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(٦) «الجواب الصحيح» لابن تيمية (٥/ ٨٦).
(٧) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢/ ٤٥٤).
(٨) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأدب» بابُ مَنْ لم يُواجِهِ الناسَ بالعتاب (٦١٠٢)، ومسلمٌ في «الفضائل» (٢٣٢٠)، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه.
(٩) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «المناقب» بابُ صفةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم(٣٥٥٩)، ومسلمٌ في «الفضائل» (٢٣٢١)، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمرٍو رضي الله عنهما.
(١٠) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «المناقب» بابُ صفةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (٣٥٦١)، ومسلمٌ في «الفضائل» (٢٣٣٠)، مِنْ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه.
(١١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأدب» بابُ الحذر مِنَ الغضب (٦١١٤)، ومسلمٌ في «البرِّ والصِّلَة» (٢٦٠٩)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(١٢) وفي هذا المعنى بوَّب البخاريُّ (١٠/ ٥١٦) بابُ ما يجوز مِنَ الغضب والشِّدَّةِ لأمرِ الله.
(١٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «المناقب» بابُ صفةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم(٣٥٦٠)، ومسلمٌ في «الفضائل» (٢٣٢٧)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(١٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الشروط» بابُ المكاتب وما لا يَحِلُّ مِنَ الشروط التي تُخالِفُ كتابَ الله (٢٧٣٥)، ومسلمٌ في «العتق» (١٥٠٤)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(١٥) أخرجه البخاريُّ في «الأذان» بابُ رفعِ البصر إلى السماء في الصلاة (٧٥٠) مِنْ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه.
(١٦) أخرجه أبو داود في «الأدب» بابٌ في حُسْن العِشْرة (٤٧٨٨) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٥/ ٩٧) رقم: (٢٠٦٤).
(١٧) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأدب» بابُ الرِّفقِ في الأمرِ كُلِّه (٦٠٢٤)، ومسلمٌ في «السلام» (٢١٦٥)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(١٨) أخرجه مسلمٌ في «البرِّ والصِّلَة» (٢٥٩٤) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(١٩) أخرجه مسلمٌ في «البرِّ والصِّلَة» (٢٥٩٣) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(٢٠) انظر: «زاد المَعاد» لابن القيِّم (٣/ ٥٩٥) وما بعدها.
(٢١) الكُنود: كُفْرُ النعمة، يُقالُ: كَنَدَ يَكْنُدُ كُنودًا فهو كَنودٌ، [انظر: «لسان العرب» (٣/ ٣٨١)].
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

23 Nov, 19:13




الفتوى رقم: ٩٧٦

الصنف: فتاوى الأسرة - عقد الزواج - إنشاء عقد الزواج في عدمِ تأثير الشرط الباطل
في مقتضى العقد

السؤال:

يرفض أبٌ تزويجَ ابنته مِنْ كُفْءٍ إلَّا بشرطِ إتمامِ دراستها المختلِطة في كُلِّيَّة الطبِّ، مع ممارَسةٍ فعليةٍ للوظيفة بعد التخرُّج وهي ترفض ذلك، فهل يصحُّ هذا الشرطُ مع تعنُّتِ أبيها؟ وهل يصحُّ قَبولُه ظاهرًا مع العزم على نَكْثِه باطنًا؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فإنِ اشترط الوليُّ على العاقد في النكاح ممارَسةَ مُوَلِّيَتِه للوظيفة أو الاستمرارَ في الدراسة المختلِطة مع وجودِ المخالَفات المنافِيةِ لأخلاقِ الإسلام وقِيَمِه؛ فشرطُه باطلٌ مُنافٍ لأصلِ القرار في البيت والمكوثِ فيه، وهذا لا يَحِلُّ اشتراطُه، فإنِ اشترطه فوجودُه كعدمه، وحكمُه كمَنِ اشترطوا على عائشةَ رضي الله عنها لَمَّا اشترَتْ منهم بريرةَ رضي الله عنها أَنْ يكون الولاءُ لهم، فقال لها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «ابْتَاعِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلَاءَ؛ فَإِنَّ الوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ»(١)، أي: اقْبَلي شَرْطَهم وابْتَاعِيها منهم؛ فإنه شرطٌ باطلٌ غيرُ مؤثِّرٍ في مقتضى العقدِ الذي منه: أنَّ الولاء لِمَنْ أَعْتَق، وقد عَلِمَ مُشْتَرِطوه ذلك بعد أَنْ قام النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ؟ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ»(٢).

وعليه، فإنَّ مقتضى الأصولِ والنصوصِ: أنَّ الشرطَ لازمٌ إلَّا إذا خالَفَ كتابَ الله، فعندئذٍ يصحُّ العقدُ ويَبْطُلُ الشرطُ.

وهذا كُلُّه إذا كان العاقدُ أهلًا للزواج، أي: صاحِبَ دِينٍ وخُلُقٍ، وصادقًا في إقامةِ بيتِ الزوجية، ومُستعِدًّا له بالرعاية والنفقة.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٣ من المحرَّم ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٠ جانفي ٢٠٠٩م

  ___ من تطبيق تراث العلامة محمد علي #فركوس للتحميل على الأندرويد https://bit.ly/318AXka ______

(١) أخرجه البخاريُّ في مَواضِعَ كثيرةٍ مِنْ صحيحِه منها: في «الصلاة» بابُ ذِكْرِ البيعِ والشراء على المنبر في المسجد (٤٥٦)، و«الشروط» باب المكاتب وما لا يَحِلُّ مِنَ الشروط التي تُخالِفُ كتابَ الله (٢٧٣٥)، ومسلمٌ في «العتق» (١٥٠٤)، والنسائيُّ في «الطلاق» بابُ خيارِ الأَمَة تُعْتَقُ وزوجُها مملوكٌ (٣٤٥١) واللفظُ له، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(٢) أخرجه البخاريُّ في «الشروط» باب المكاتب وما لا يَحِلُّ مِنَ الشروط التي تُخالِفُ كتابَ الله (٢٧٣٥)، ومسلمٌ في «العتق» (١٥٠٤)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

12 Nov, 20:37


فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

12 Nov, 20:33


(١٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «فرض الخُمُس» باب: ومِنَ الدليل على أنَّ الخُمُس لنوائب المسلمين (٣١٣٨)، ومسلمٌ في «الزكاة» (١٠٦٣)، مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.
(١٥) أخرجه البغويُّ في «حديث عليِّ بنِ الجعد» (٢٢٣٩)، وابنُ سعدٍ في «الطبقات الكبرى» (٣/ ٥٨)، مِنْ حديثِ كِنانةَ مولى صفيَّةَ قال: «رأيتُ قاتِلَ عثمان في الدار رجلًا أسودَ مِنْ أهلِ مِصْرَ يُقالُ له: جَبَلَةُ باسِطَ يديه ـ أو قال: رافِعَ يديه ـ يقول: أنا قاتلُ نعثلٍ».قال ابنُ الأثير في «النهاية» (٥/ ٨٠): «كان أعداءُ عثمان رضي الله عنه يُسَمُّونه نعثلًا تشبيهًا برجلٍ مِنْ مِصْرَ كان طويلَ اللحية اسْمُه: نعثلٌ، وقِيلَ: النعثل: الشيخُ الأحمق وذَكَرُ الضِّبَاع».
(١٦) «شرح السُّنَّة» للبربهاري (٦٠).
(١٧) «لا يُغِلُّ»: بالضمِّ مِنَ الإغلال وهو الخيانة، وبالفتح مِنَ الغِلِّ وهو الحقدُ والشحناء، أي: لا يَدخلُه حقدٌ يُزيلُه عن الحقِّ، ويُروى: «يَغِلُ» بالتخفيف مِنَ الوغل، أي: الدخول في الشرِّ [انظر: «النهاية» لابن الأثير (٣/ ٣٨١)]؛ والمعنى: أنَّ هذه الخِلالَ الثلاثَ تَستصلِحُ القلوبَ، فمَنْ تمسَّك بها طَهُرَ قلبُه مِنَ الشرِّ.
(١٨) أخرجه الترمذيُّ في «العلم» بابُ ما جاء في الحثِّ على تبليغ السماع (٢٦٥٨) مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه، وابنُ ماجه في «المقدِّمة» بابُ مَنْ بلَّغ علمًا (٢٣٠) مِنْ حديثِ زيد بنِ ثابتٍ رضي الله عنه، وفي «المناسك» باب الخُطْبة يومَ النحر (٣٠٥٦) مِنْ حديثِ جُبَيْر ابنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه. قال الترمذيُّ: «حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ»؛ قال ابنُ رجبِ في «جامع العلوم والحِكَم» (١/ ٢١٧): «إسنادٌ جيِّدٌ»، وصحَّحه ابنُ حجرٍ في «مُوافَقةِ الخُبْرِ الخَبَرَ» (١/ ٣٦٤)، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٧٦٦) وفي «السلسلة الصحيحة» (١/ ٧٦٠) رقم: (٤٠٤)؛ وروى هذا الأصلَ بضعةٌ وعشرون صحابيًّا، وهو معدودٌ مِنَ المُتواتِر كما بيَّنه الكتَّانيُّ في «نظم المُتناثِر» (٢٤ ـ ٢٥)؛ وروايةُ: «طَاعَةُ ذَوِي الأَمْرِ»: أخرجها أحمد (١٦٧٥٤)، والدارميُّ في «سُنَنه» باب الاقتداء بالعُلَماء (١/ ٨٦)، مِنْ حديثِ جُبَيْرِ ابنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه.
(١٩) «مفتاح دار السعادة» لابن القيِّم (١/ ٢٧٧ ـ ٢٧٨).
(٢٠) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (١/ ١٨ ـ ١٩).
(٢١) المصدر السابق (٣٥/ ١٢).
(٢٢) هذا الأسلوبُ إنما يُتَوَخَّى في المجال الدعويِّ والتعليميِّ والإعلاميِّ أو في إطار النصيحة؛ أمَّا مَنْ ظهَرَتْ بدعتُه واستقرَّتْ، وقامَتْ دعوتُه عليها ونافَحَ عنها، ونُوصِحَ ولم يرجع؛ فالمعروفُ مِنْ مذهب السلف أنه يجب زجرُه بهجره، والتحذيرُ منه حتمٌ لازمٌ.
(٢٣) انظر هذه القاعدةَ في: «الأشباه والنظائر» لابن الوكيل (١/ ٣٥٠)، «المنثور» للزركشي (٢/ ٢٩٧)، «الأشباه والنظائر» للسيوطي (١٥٢)، «إيضاح المسالك» للونشريسي (٣١٥)، «قواعد ابنِ رجب» (٢٣٠)، «الأشباه والنظائر» لابن السبكي (١/ ١٧٠).
(٢٤) «مدارج السالكين» لابن القيِّم (٢/ ٤٩٦).
(٢٥) انظر: «تفسير القرطبي» (٤/ ٢٩٤).
(٢٦) أخرجه أبو داود في «المَلاحِم» باب الأمر والنهي (٤٣٤٥) مِنْ حديثِ العُرْس بنِ عَمِيرةَ الكِنْديِّ رضي الله عنه. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٨٩) و«المشكاة» (٥١٤١).
(٢٧) أخرجه مسلمٌ في «العلم» (٢٦٧٤) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢٨) هو أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ مسلم بنِ عبيد الله ابنِ عبد الله بنِ شهابٍ الزُّهْرِيُّ القُرَشيُّ المَدَنيُّ، نَزيلُ الشام، أحَدُ التابعين الأعلام المشهورين بالإمامة والجلالة، كان حافِظَ زمانِه، عالمًا في الدِّين والسياسة، انتهَتْ إليه رئاسةُ العلم في وقته، له رواياتٌ كثيرةٌ. تُوُفِّيَ سَنَةَ: (١٢٤ﻫ ـ ٧٤١م).انظر مصادِرَ ترجمَتِه في مؤلَّفي: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» (٣٨٥).
(٢٩) «المغني» لابن قدامة (٨/ ١١٣)، وانظر: «المجموع» للنووي (١٩/ ٢٠٨)، و«نيل الأوطار» للشوكاني (٧/ ١٩٧).
(٣٠) انظر: «مغني المحتاج» للشربيني (٤/ ١٢٤)، و«حاشية الدسوقي» (٤/ ٣٠٠).
(٣١) هي قاعدةٌ مُطَّرِدةٌ شَهِد لها القرآنُ والسُّنَّةُ في مَواضِعَ كثيرةٍ منها: قولُه تعالى: ﴿وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ﴾ [الشورى: ٤٠]، وقولُه تعالى: ﴿فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱعۡتَدُواْ عَلَيۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡۚ﴾ [البقرة: ١٩٤]، وقولُه تعالى: ﴿وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ﴾ [النحل: ١٢٦]، وقولُه تعالى: ﴿جَزَآءٗ وِفَاقًا٢٦﴾ [النبأ]، أي: وَفْقَ أعمالهم. [انظر: «إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (١/ ١٩٦)].

فتاوى الشيخ فركوس

12 Nov, 20:33


(٣٢) أخرجه الترمذيُّ في «الفِتَن» بابُ ما جاء: «لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» (٢١٨٠)، وقال: «حَسَنٌ صحيحٌ»، وأحمد في «مسنده» (٢١٨٩٧)، والطبرانيُّ ـ واللفظُ له ـ في «المعجم الكبير» (٣/ ٢٤٤)، مِنْ حديثِ أبي واقدٍ الليثيِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «المشكاة» (٥٤٠٨).
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

12 Nov, 20:33


الكلمة الشهرية: ٣
المنهج القويم
في معاملة الحكام

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فاعْلَمْ أنَّ العلماءَ أجمعوا على وجوبِ طاعةِ الحاكم المتغلِّب، وأنَّ طاعته خيرٌ مِنَ الخروج عليه، لِمَا في ذلك مِنْ حَقْنِ الدماءوتسكينِ الدهماء، ولِمَا في الخروج عليه مِنْ شقِّ عصا المسلمين وإراقةِ دمائهم وذهابِ أموالهم، فإذا استتبَّ له الأمرُ وتمَّ له التمكينُ ـ وإِنْ لم يَستجمِعْ شروطَ الإمامةِ ـ صَحَّتْ إمامتُه ووجبت بيعتُه وطاعتُه في المعروف، وحَرُمَتْ مُنازَعتُه ومعصِيَتُه؛ فأحكامُه نافذةٌ، ولا يجوز الخروجُ عليه قولًا واحدًا؛ وقد حكى الإجماعَ على ذلك الحافظُ ابنُ حجرٍ في «الفتح»(١)، والنوويُّ في «شرح مسلم»(٢)، والشيخُ محمَّد بنُ عبد الوهَّاب في «الدُّرَر السنيَّة»(٣)، فمَنْ خَرَجَ عن طاعةِ الحاكم الذي وَقَعَ الاجتماعُ عليه فارَقَ الجماعةَ الذين اتَّفقوا على طاعةِ الإمام الذي انتظم به شَمْلُهم، واجتمعت به كَلِمتُهم، وحَاطَهُمْ عن عدوِّهم، فإِنْ مات مات مِيتةَ الجاهليَّة، فقَدْ أخرج البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحَيْهما عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، وفي لفظٍ: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»(٤)؛ ذلك لأنَّ أهل الجاهليَّة لم يكن لهم إمامٌ يجمعهم على دِينٍ ويتألَّفهم على رأيٍ واحدٍ ـ كما ذكر الخطَّابيُّ ـ بل كانوا طوائفَ شتَّى وفِرَقًا مُختلِفين، آراؤهم مُتناقِضةٌ، وأديانُهم مُتبايِنةٌ؛ وذلك الذي دعا كثيرًا منهم إلى عبادة الأصنام وطاعةِ الأزلام، رأيًا فاسدًا اعتقدوه في أنَّ عندها خيرًا، وأنها تملك لهم نفعًا أو تدفع عنهم ضرًّا(٥).
ففي حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما المتقدِّمِ دليلٌ على تركِ الخروج على السلطان ولو جَارَ؛ فإنَّ المُفارَقة للجماعةِ مُفارَقةٌ للأُلفةِ وزوالٌ للعصمةِ وخروجٌ عن كَنَفِ الطاعة والأمان، وصاحِبُها لا يُسألُ عنه لعظيمِ هَلَكَتِه، وقد أَمَرَ الشرعُ بلزومِ الجماعة ونَهَى عن التفرُّق ـ وإِنْ وَقَعَ مِنْ وُلَاةِ الأمورِ الظلمُ والحيفُ ـ، قال الله تعالى: ﴿وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ﴾ [آل عمران: ١٠٣]، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله ـ: «وقد فُسِّرَ «حبلُه» بكتابه وبدِينه وبالإسلام وبالإخلاص وبأَمْرِه وبعهده وبطاعته وبالجماعة؛ وهذه كُلُّها منقولةٌ عن الصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، وكُلُّها صحيحةٌ؛ فإنَّ القرآن يأمر بدِينِ الإسلام، وذلك هو عهدُه وأمرُه وطاعتُه، والاعتصامُ به جميعًا إنما يكون في الجماعة، ودِينُ الإسلامِ حقيقتُه الإخلاصُ لله»(٦).
ولقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ﴾ [النساء: ٥٩]، و«أُولو الأمر» منهم الأمراءُ والولاة؛ لصحَّةِ الأخبار عن رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم بالأمر بطاعةِ الأئمَّة والولاةِ فيما كان لله طاعةً وللمسلمين مصلحةً(٧)، منها قولُه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم في حديثِ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمانِ رضي الله عنهما: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ»، قال: قلت: «كَيْفَ أَصْنَعُ ـ يَا رَسُولَ اللهِ ـ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟» قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ»(٨)، والطاعةُ لهم في المَنْشَطِ والمَكْرَه، والعُسرِ واليُسر، مشروطةٌ بغيرِ معصيةِ الله تعالى لدلالةِ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم أنه قال: «عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ؛ فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ»(٩)، ولحديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم قال: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ؛ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»(١٠).
لذلك كان إحسانُ الظنِّ بولاةِ الأمرِ مُتَحَتِّمًا، ومِنْ لوازمِ طاعتهم: مُتابَعتُهم في الصوم والفطر والتضحية: فيصوم بصيامهم في رمضان، ويفطر بفِطْرهم في شوَّالٍ، ويضحِّي بتضحِيَتِهم في عيد الأضحى؛ ومِنْ لوازمِ طاعتهم ـ أيضًا ـ عَدَمُ إهانتهم، وتركُ سَبِّهم أو لَعْنِهم، والامتناعُ عن التشهير بعيوبهم، سواءٌ في الكتب والمصنَّفات

فتاوى الشيخ فركوس

12 Nov, 20:33


والمجلَّات، أو في الدروس والخُطَب، أو بين العامَّة؛ كما ينبغي تجنُّبُ كُلِّ ما يُسيءُ إليهم مِنْ قريبٍ أو مِنْ بعيدٍ؛ ذلك أنَّ علَّةَ المنع: تَفادي الفوضى، وتركِ السمعِ والطاعة في المعروف، والخوضِ فيما يضرُّ نتيجةَ سبِّهم وإهانتهم؛ الأمرُ الذي يفتح بابَ التأليبِ عليهم، ويجرُّ ذلك إلى الفساد، ولا يعود على الناس إلَّا بالشرِّ المستطير؛ ولهذا قال النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «لَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ»(١١)، و«سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» (١٢)، وبيَّن خُلُقَ المؤمنِ بأنه: «لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ»(١٣)؛ ولا شكَّ أنَّ الاتِّصاف بهذا الخُلُقِ الذميمِ مع ولاةِ الأمورِ والأئمَّةِ مِنْ علامات الخوارج، وقد جاء على لسانِ رجلٍ منهم قولُه للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «اعْدِلْ»(١٤)، وقال آخَرُ منهم لعثمان رضي الله عنه عندما دَخَلَ عليه ليقتله: «يا نَعْثَلُ»(١٥)؛ وإنما أُمِرْنا أَنْ نَدْعُوَ لهم بالصلاح ونُعينَهم عليه، ولم نُؤمَرْ أَنْ ندعوَ عليهم ـ وإِنْ وَقَعَ منهم الجَوْرُ والظلم ـ كما يفعله فينا مَنْ لم يتَّضِحْ له مذهبُ السلفِ في مُعامَلةِ ولاةِ الأمور؛ ذلك لأنَّ ظُلْمَهم وجَوْرهم على أَنْفُسهم، أمَّا صلاحُهم فلِأَنْفُسهم وللأمَّة كُلِّها: العبادِ والبلاد، وقد جاء عن بعضِ علماءِ السلفِ قولُه: «إذا رأيتَ الرجلَ يدعو على السلطان فاعْلَمْ أنه صاحِبُ هوًى، وإذا رأيتَ الرَّجلَ يدعو للسلطان بالصلاح فاعْلَمْ أنه صاحِبُ سُنَّةٍ ـ إِنْ شاء اللهُ ـ»(١٦).
هذا، وإذا أُمِرْنا بأَنْ ندعوَ لهم فقَدْ أُمِرْنا ـ أيضًا ـ بنصيحتهم ـ حالَ الاستطاعةِ والإمكان ـ مِنْ غيرِ تعنيفٍ ولا بأسلوبِ الفجاجةِ والغلظةِ وبكلمات السوء والمُنكَر، وإنما يكون نُصْحُهم مَبْنِيًّا على الوعظ والتخويف، تذكيرًا لهم بالله تعالى، وتحذيرًا لهم مِنَ الآخرة، وترغيبًا لهم في الصالحات؛ فإنَّ مُناصَحةَ أئمَّةِ المسلمين مُنافِيَةٌ للغِلِّ والغشِّ، كما أخبر به النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم فيما أخرجه الترمذيُّ وغيرُه مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه مرفوعًا: «ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ(١٧) عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ العَمَلِ للهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ ـ وفي لفظٍ: طَاعَةُ ذَوِي الأَمْرِ ـ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ؛ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ»(١٨).
وقَدْ شَرَحَ الإمامُ ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ في «مفتاح دار السعادة» هذا النصَّ شرحًا دقيقًا قيِّمًا بقوله: «وقولُه: «ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ...» أي: لا يحمل الغِلَّ ولا يبقى فيه مع هذه الثلاثة؛ فإنها تَنْفي الغلَّ والغشَّ ومُفْسِداتِ القلبِ وسَخائِمَه.
فالمُخْلِصُ لله إخلاصُه يمنع غِلَّ قلبه، ويُخْرِجُه ويزيلُه جملةً؛ لأنه قد انصرفَتْ دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربِّه؛ فلم يَبْقَ فيه موضعٌ للغلِّ والغِشِّ كما قال تعالى: ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصۡرِفَ عَنۡهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلۡفَحۡشَآءَۚ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِينَ٢٤﴾ [يوسف]، فلمَّا أَخْلَصَ لربِّه صَرَفَ عنه دواعيَ السوءِ والفحشاء؛ فانصرف عنه السوءُ والفحشاءُ؛ ولهذا لَمَّا عَلِمَ إبليسُ أنه لا سبيلَ له على أهلِ الإخلاص استثناهم مِنْ شَرْطَتِه التي اشترطها للغواية والإهلاك، فقال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ٨٢ إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِينَ٨٣﴾ [ص]، قال تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ٤٢﴾ [الحِجْر]، فالإخلاصُ هو سبيلُ الخلاص، والإسلامُ هو مَرْكَبُ السلامة، والإيمانُ خاتَمُ الأمان.
وقولُه: «وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ»: هذا ـ أيضًا ـ مُنافٍ للغِلِّ والغشِّ؛ فإنَّ النصيحة لا تُجامِعُ الغِلَّ إذ هي ضدُّه؛ فمَنْ نَصَحَ الأئمَّةَ والأمَّة فقَدْ بَرِئَ مِنَ الغِلِّ.
وقولُه: «وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ»: هذا ـ أيضًا ـ مِمَّا يُطهِّر القلبَ مِنَ الغِلِّ والغشِّ؛ فإنَّ صاحِبَه ـ لِلُزومه جماعةَ المسلمين ـ يحبُّ لهم ما يحبُّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لها، ويسوؤه ما يسوؤهم، ويسرُّه ما يسرُّهم.
وهذا بخلافِ مَنِ انحاز عنهم واشتغل بالطعن عليهم والعيبِ والذمِّ لهم، كفعلِ الرافضة والخوارج والمعتزلة وغيرِهم؛ فإنَّ قلوبَهم مُمتلِئةٌ غِلًّا وغِشًّا؛ ولهذا تجد الرافضةَ أَبْعَدَ الناسِ مِنَ الإخلاص، وأَغَشَّهم للأئمَّة والأمَّة، وأشدَّهم بُعْدًا عن جماعة المسلمين.

فتاوى الشيخ فركوس

12 Nov, 20:33


الوجه الأوَّل: لا يظهر مِنْ هذه القصَّةِ أنَّ الصحابة أرادوا عبادةَ هذه الشجرةِ مِنْ دون الله، ولكن لحداثة عهدهم بالإسلام ظنُّوا أنَّ اتِّخاذ شجرةٍ ليعلِّقوا عليها أسلحتَهم وليتبرَّكوا بها لا ينافي التوحيدَ، فلم يكن قصدُهم عبادةَ الشجرة ـ كما يفعله القبوريُّون ـ لذلك بيَّن لهم أنَّ طَلَبَهم يُضادُّ التوحيدَ، فهو بِمَنْزلةِ الشرك الصريح وإِنْ خَلَا طلبُهم مِنْ صلاةٍ أو صيامٍ أو صدقةٍ.
فالقصَّة تفيد ـ إذن ـ لزومَ التعلُّم والتحرُّزِ في السفر والحَضَر، لئلَّا يقع الموحِّدُ العالمُ ـ فضلًا عن العامِّيِّ ـ في أنواع الشرك مِنْ حيث لا يدري.
الوجه الثاني: أنَّ الحديث يدلُّ على أنَّ بقيَّة الصحابةِ الذين كانوا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم في غزوته ـ وهُم الغالبُ ـ لم يتعلَّقوا بهذه العادةِ الشركيَّة الباطلة، وإِنْ وُجِد عند نفرٍ منهم على ظنِّ أنَّ ذلك حَسَنٌ فلكونهم حُدَثاءَ عهدٍ بالكفر وقرِيبِي عهدٍ بالشرك، ولا يخفى أنَّ المتنقِّل مِنْ عاداتٍ قبيحةٍ أو باطلةٍ اعتاد عليها وتعلَّق بها قلبُه لا يأمن أَنْ يستصحبَ بقاياها، ومع ذلك فوجودُه في آحادِهم لا يضرُّ لعدمِ اتِّساعه بقيامِ داعي تصفيةِ ما عَلِقَ بهم مِنْ عادةٍ شركيَّةٍ باطلةٍ بسدِّ الذرائع إليها، فضلًا عن تعليمهم لدِينهم وتربِيَتِهم على التوحيد السليم.
الوجه الثالث: ولأنَّ غزوة حُنَيْنٍ إنما كانَتْ في أُخْرَيات غزواته صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، وبالضبط في شوَّالٍ مِنْ سَنَةِ ثمانٍ مِنَ الهجرة قبل وفاته صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم بحوالَيْ ثلاث سنواتٍ تقريبًا، ومعلومٌ في فقه السيرة أنَّ أُسُسَ المجتمع الإسلاميِّ الربَّانيِّ الراشدِ قد اكتملَتْ دعائمُه وأُقِيمَ بناؤه، ولو وُجِدَتْ بقايا مِنْ عاداتٍ باطلةٍ فهي آيلةٌ إلى الزهوق والزوال، ولا تأثيرَ لها على صلاحِ القاعدة المؤسَّسةِ على تقوى مِنَ الله والاعتصامِ بحبله المتين.
ومِنْ ناحيةٍ أخرى؛ فالقصَّة تُفيد أنَّ أَمْرَ الجهاد إنما يكون مع أُولي الأمر مِنَ المسلمين، كما هو واضحٌ مِنْ ذات القصَّة، فضلًا عن وضوحِ الراية الشرعيَّة وسابِقيَّةِ التربية الربَّانيَّة مِنَ العُدَّة الإيمانيَّة والمادِّيَّة لتحقيقِ إقامةِ شرعِ الله تعالى، ﴿حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ﴾ [الأنفال: ٣٩].
وأخيرًا، فإنَّ الصبر على ولاة الأمور ـ وإِنْ جاروا ـ مِنْ عزائمِ الدِّين، ومِنْ وَصَايَا الأئمَّةِ الناصحين.
وأسأل اللهَ عزَّ وجلَّ أَنْ يثبِّت الصالحَ على ما هو عليه، وأَنْ يَهْدِيَ الضالَّ للرجوع عمَّا كان عليه، وأَنْ يتقبَّل توبةَ الفاسق ورجوعَ الضائع، وأَنْ يفتح علينا جميعًا بالاعتصام بحبله المتين، وأَنْ يقوِّيَنا على طاعته، ويُعينَنا على التعاونِ على البرِّ والتقوى، والتواصي بالحقِّ والصبر، وسيجعل اللهُ بعد عُسْرٍ يُسْرًا؛ إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه.
 

(١) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (١٣/ ٧).
(٢) انظر: «شرح مسلم» للنووي (١١/ ٢٢٩).
(٣) انظر: «الدُّرَر السنيَّة في الأجوبة النجدية» (٧/ ٢٣٩).
(٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الفِتَن» بابُ قولِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا» (٧٠٥٣، ٧٠٥٤)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٤٩)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(٥) انظر: «العُزْلة» للخطَّابي (٥٧).
(٦) «منهاج السُّنَّة النبوية» لابن تيمية (٥/ ١٣٤).
(٧) انظر: «تفسير الطبري» (٥/ ١٥٠).
(٨) أخرجه مسلمٌ في «الإمارة» (١٨٤٧) مِنْ حديثِ حُذَيْفةَ ابنِ اليَمان رضي الله عنهما.
(٩) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الجهاد والسِّيَر» بابُ السمع والطاعة للإمام (٢٩٥٥) وفي «الأحكام» باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصيةً (٧١٤٤)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٣٩)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(١٠) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأحكام» بابُ السمعِ والطاعة للإمام ما لم تكن معصيةً (٧١٤٥)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٤٠)، مِنْ حديثِ عليِّ ابنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه.
(١١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأدب» باب: مَنْ كفَّر أخاه بغيرِ تأويلٍ فهو كما قال (٦١٠٥)، ومسلمٌ في «الإيمان» (١١٠)، مِنْ حديثِ ثابت بنِ الضحَّاك رضي الله عنه.
(١٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الإيمان» بابُ خوفِ المؤمن أَنْ يَحْبَط عملُه وهو لا يشعر (٤٨)، ومسلمٌ في «الإيمان» (٦٤)، مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه.
(١٣) أخرجه الترمذيُّ في «البرِّ والصلة» بابُ ما جاء في اللعنة (١٩٧٧) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٣٢٠).

فتاوى الشيخ فركوس

12 Nov, 20:33


وَيُزَكِّيهِمۡۖ﴾ [البقرة: ١٢٩].
ومِنْ هنا يُدْرَك أنَّ طريق الدعوةِ إلى الله إنما يكون بالحكمة والموعظة الحسنة والصبرِ على مَشاقِّها دون عجلةٍ مورِّطةٍ في الفساد والإفساد، التي مآلُها الحرمان على ما تقرَّر في القواعد أنَّ: «مَنْ تَعَجَّلَ الشَّيْءَ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ»(٢٣)؛ فيحتاج الأمرُ إلى ثباتٍ وتضحيةٍ واستقامةٍ وأملٍ بالله ويقينٍ، قال تعالى: ﴿وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ٢٤﴾ [السجدة]؛ فالإمامةُ في الدِّين إنما تُنال بالصبر واليقين؛ فإنَّ تحمُّل الأمانةِ بالوجه المطلوب شرعًا نصرةٌ لدِينِ الله، مع الثقة الكاملة بأنَّ نَصْرَ الله آتٍ لمَنْ نَصَرَ دِينَه يقينًا على الوجه الذي أَمَرَ به الشرعُ، قال تعالى: ﴿إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ٧﴾ [محمَّد]، وقال تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ﴾ [الحجّ: ٤٠]، كما أنه يؤدِّي إلى تمكينِ الدِّين المرتضى لعباده الصالحين، كما وَعَدَ المولى عزَّ وجلَّ عليه غايةَ العزَّة فقال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [المنافقون: ٨]، وقال تعالى: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ﴾ [النور: ٥٥].
أمَّا نزعُ اليد عن الطاعة بالخروج عليهم إذا لم نَرَ كفرًا بواحًا عندنا فيه مِنَ الله برهانٌ، مع لزومِ الأخذ بعين الاعتبار قاعدةَ: «دَرْءُ المَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ المَصَالِحِ»، فإنه فضلًا عن كونه يُخالِف النصوصَ الشرعيَّة الكثيرةَ الآمرةَ بالطاعة وعدمِ نزعِ اليد عنهم وإِنْ جاروا، والآمرةَ ـ أيضًا ـ بتغييرِ ما بالأنفس، فإنَّ هذا العمل يجرُّ مَفاسِدَ شتَّى، وهي أعظمُ مِمَّا يحصل مِنْ جَوْرِ ولاة الأمر وظُلْمهم على ما هو ظاهرٌ للعيان، كما أنَّ هذا الطريقَ ـ مِنْ جهةٍ ثالثةٍ ـ ينعكس سلبًا على سيرِ الدعوةِ إلى الله تعالى، معطِّلٌ لسبيلها، ويزيد على الأمَّةِ همومًا أخرى وفِتَنًا وشرورًا ومَصائِبَ تهدم شوكتَها وتُضْعِف قوَّتَها وتخدم أعداءَها، والتاريخ يشهد على هذه الفتنِ قديمًا وحديثًا، «والسعيدُ مَنْ وُعِظ بغيره»، كُلُّ ذلك يرجع إمَّا إلى الغلوِّ والإفراط، أو إلى التقصير والتفريط، كما أَفصحَ عنه ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ بقوله: «ودِينُ الله وسطٌ بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسطِ بين طرفين ذميمين، فكما أنَّ الجافيَ عن الأمر مضيِّعٌ له فالغالي فيه مضيِّعٌ له، هذا بتقصيره عن الحدِّ، وهذا بتجاوُزه الحدَّ»(٢٤).
وليس معنى عدمِ نزعِ اليد عن طاعتهم إقرارَهم على الباطل والرضا عنهم بما هم فيه مِنَ المُنكَر، فالباطلُ يبقى مذمومًا، والمنكر يبقى على صفته بغضِّ النظر عن فاعلِه محكومًا كان أو حاكمًا، لا نرضى عن الأفعال المستقبَحة شرعًا ولا نحبُّها، كما نبغض الصنائعَ المُستبشَعة؛ ذلك لأنَّ «الرِّضَا بِالفِعْلِ كَالفِعْلِ إِثَابَةً وَعِقَابًا، وَإِنْ تَجَرَّدَ عَنِ العَمَلِ وَالقَصْدِ»، ويدلُّ عليه قولُه تعالى في شأن اليهود: ﴿وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ﴾ [آل عمران: ١٨١]، أي: ونكتب قَتْلَهم الأنبياءَ، أي: رضاهم بالقتل، والمرادُ قتلُ أسلافِهم الأنبياءَ، لكِنْ لَمَّا رَضُوا بذلك صحَّتِ الإضافةُ إليهم، وحسَّن رجلٌ عند الإمام الشعبيِّ قَتْلَ عثمانَ بنِ عفَّان رضي الله عنه فقال له الشعبيُّ: «شَرِكتَ في دمه»(٢٥)، فجَعَلَ الرضا بالقتل قتلًا.
وليس ذلك إلَّا لأنَّ الرِّضا بالمعصية معصيةٌ، ويؤيِّد ذلك قولُه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «إِذَا عُمِلَتِ الخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا ـ وَقَالَ مَرَّةً: أَنْكَرَهَا ـ كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا»(٢٦)، وهذا يدلُّ على أنَّ الراضيَ بالفعل كالفاعل وإِنْ لم تتحرَّك جوارحُه بفعله.
وعليه، فإنَّ النصح آكدٌ في وجوبِ عودةِ المُفارِق للجماعة إلى رحاب الجماعة، باستئنافِ الحياة العاديَّة وتركِ ما كان عليه مِنَ الفساد والإفساد؛ فإنَّ ذلك مِنْ أوجبِ الواجبات وأسمى المَهَمَّات، وإفسادُ الدِّين أقوى وأعظمُ مِنْ إفساد النفس.
علمًا أنَّ البقاء على ما هم عليه يُفْضي إلى مَفاسِدَ أخرى نخشى عواقبَها، منها: خشيةُ التراجع عن التوبة والعودة إلى القتال، وذلك مُخالِفٌ لقواعدِ الدِّين وأصولِ الشريعة كما تقدَّم، ومِنَ المَخاوِف ـ أيضًا ـ اغترارُ بعضِ الناس مِمَّنْ تأذَّى ولم يصبر على الأذى أَنْ يلتحق بهم، ففي الحديث: «وَمَنْ دَعَا إِلَى

فتاوى الشيخ فركوس

12 Nov, 20:33


ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا»(٢٧).
ومِنَ المَخاوِف الحاصلة ـ حقًّا ـ: انتقالُهم مِنْ أهل البغي إلى مُحارِبين؛ ذلك لأنَّ شأنَ أهلِ البغي أنه تجتمع فيهم صفةُ الخروجِ عن طاعة الحاكم، ويرومون خَلْعَه وتنحِيَتَه عن مَنْصِب الإمامة لتأويلٍ سائغٍ مع ما هم فيه مِنْ مَنَعَةٍ وشوكةٍ وقوَّةٍ يحتاج الحاكمُ معها في ردِّهم للطاعة إلى إعدادِ رجالٍ ومالٍ وقتالٍ، فأهلُ البغي هم مسلمون مُخالِفون لإمام الجماعة، ودليلُه قولُه تعالى:  ﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ﴾ [الحجرات: ٩]، فقَدِ اتَّفق العلماءُ على أنَّ الفئة الباغية لا تخرج عن الإسلام ببغيها؛ لأنَّ القرآن وَصَفها بالإيمان مع مُقاتَلتها للطائفة العادلة، وحكمُها أَنْ لا ضمانَ على البغاة فيما أتلفوه خلال القتالِ والحربِ مِنْ نفسٍ أو مالٍ؛ فلا يُقْتَل مُدْبِرُهم، ولا يُجْهَز على جريحهم، ولا تُغْنَم أموالُهم، ولا تُسبى نساؤُهم وذراريهم، وأنَّ مَنْ قُتِل منهم غُسِّل وكُفِّن وصُلِّيَ عليه.
وبالمُقابِل، فإنَّ الطائفة المقاتِلة مع الإمام لا يضمنون ـ في قتالهم ـ ما يُتْلِفونه مِنْ نفسٍ أو مالٍ ولا ما يصيبونه منهم مِنْ جراحاتٍ؛ قال ابنُ قدامة ـ رحمه الله ـ: «قال الإمام الزهريُّ(٢٨): «كانَتِ الفتنةُ العظمى بين الناس وفيهم البدريون، فأجمعوا على أَنْ لا يُقام حدٌّ على رجلٍ ارتكب فَرْجًا حرامًا بتأويلِ القرآن، ولا يُغَرَّمَ مالًا أتلفه بتأويل القرآن»، ولأنها طائفةٌ مُمتنِعةٌ بالحرب بتأويلٍ سائغٍ فلم تَضْمَن ما أتلفَتْ على الأخرى كأهل العدل، ولأنَّ تضمينهم يُفْضي إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الطاعة فلا يُشْرَع كتضمينِ أهل الحرب»(٢٩)، وعلى هذا انعقد إجماعُ الصحابةِ كما دلَّ عليه كلامُ الإمام الزهريِّ، والإجماعُ حجَّةٌ واجبةُ الأخذِ بموجَبها.
أمَّا إذا اختلَّتْ صفاتُ أهل البغي كأَنْ تضعف قوَّتُهم، ويتفرَّق جمعُهم، أو انتفى تأويلُهم، أو بقي عندهم تأويلٌ فاسدٌ؛ فإنهم مُؤاخَذون بما يفعلونه، ويضمنون ما يُتْلِفونه مِنْ نفسٍ ومالٍ؛ لأنَّ المَنَعَة والشوكة بتجمُّعهم، فإذا انعدمَتِ انعدمَتِ الولايةُ، ويبقى مجرَّد تأويلٍ فاسدٍ لا يُعْتَدُّ به، كالخروج مِنْ أجل الدنيا أو للحصول على الرئاسة ومنازَعةِ أُولي الأمر أو لعصبيَّته، فهذا الخروجُ يُعتبَر مُحارَبةً، ويكون للمُحارِبين حكمٌ آخَرُ يُخالِف حُكْمَ الباغين(٣٠)، وهو الواردُ في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡيٞ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ٣٣ إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبۡلِ أَن تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهِمۡۖ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ٣٤﴾ [المائدة].
فدلَّ هذا على سقوط الحدِّ عن التائبين منهم قبل القدرة عليهم ـ أي: قبل القبض عليهم ـ مِنْ هذه العقوبة؛ ذلك لأنَّ هذا الحدَّ ثَبَتَ حقًّا لله تعالى، فيسقط بتوبتهم قبل القدرة عليهم لا بعدها، غيرَ أنَّ حقوق الآدميِّين لا تسقط عن المُحارِبين كالقصاص وضمان الأموال، إلَّا إذا عفا عنهم أصحابُ الحقِّ، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، بخلاف أهل البغي فإنهم لا يضمنون ما أتلفوه مِنْ مالٍ أو نفسٍ على ما تقدَّم.
فهذا موقفُ أهل السُّنَّة والجماعة: يُقابِلون جَوْرَ السلطان بالصبر والاحتساب، ولا يُقْدِمون على شيءٍ مِنَ المنهيَّات مِنْ حملِ السلاح أو إثارةِ فتنةٍ أو نزعِ يدٍ عن طاعةٍ، تحكيمًا للنصوص والآثار؛ لئلَّا تتخطَّفهم الشُّبَهُ ويستزلَّهم الشيطانُ، بل يَعْزُون ما حلَّ بهم مِنْ جَوْرٍ إلى فسادِ أعمالهم، و«الجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ»(٣١)، قال تعالى: ﴿وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ٣٠﴾ [الشورى]، فيجتهدون في الاستغفار والتوبة وإصلاحِ العمل، ويسألون اللهَ عزَّ وجلَّ كَشْفَ ما بهم مِنْ ضرٍّ، ﴿مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ﴾ [النساء: ٧٩].
وأمَّا الاستدلال بحديثِ أبي واقدٍ الليثيِّ في «قصَّةِ النَّفَر الذين سألوا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم أَنْ يجعل لهم ذاتَ أنواطٍ كما لهم ذاتُ أنواطٍ»(٣٢) على عدمِ اشتراطِ أَنْ يكون كُلُّ المجاهدين عارفين بدِينهم وعقيدتهم؛ فغيرُ ناهضٍ مِنْ وجوهٍ:

فتاوى الشيخ فركوس

12 Nov, 20:33


فهؤلاء أشدُّ الناس غِلًّا وغِشًّا بشهادةِ رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم والأمَّةِ عليهم، وشهادتِهم على أنفسهم بذلك؛ فإنهم لا يكونون قطُّ إلَّا أعوانًا وظَهرًا على أهل الإسلام، فأيُّ عدوٍّ قام للمسلمين كانوا أعوانَ ذلك العدوِّ وبِطانَتَه.
وهذا أمرٌ قد شَاهَدَتْهُ الأمَّةُ منهم، ومَنْ لم يُشاهِدْ فقَدْ سَمِع منه ما يُصِمُّ الآذانَ ويُشْجِي القلوبَ.
وقولُه: «فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ» هذا مِنْ أَحْسَنِ الكلام وأوجزِه وأفخمِه معنًى، شبَّه دعوةَ المسلمين بالسُّور والسِّياجِ المحيطِ بهم، المانعِ مِنْ دخول عدوِّهم عليهم، فتلك الدعوةُ التي هي دعوةُ الإسلام وهُم داخلونها، لَمَّا كانت سُورًا وسِيَاجًا عليهم أَخبرَ أنَّ مَنْ لَزِم جماعةَ المسلمين أحاطَتْ به تلك الدعوةُ التي هي دعوةُ الإسلام كما أحاطَتْ بهم، فالدعوةُ تجمع شَمْلَ الأمَّةِ وتَلُمُّ شَعَثَها وتحيط بها؛ فمَنْ دَخَلَ في جماعتها أحاطَتْ به وشَمِلَتْه»(١٩).
وعليه؛ فإنَّ مذكوراتِ الحديث الثلاثَ ـ يعني: إخلاصَ العمل، ومناصحةَ أولي الأمر، ولزومَ جماعة المسلمين ـ تجمع أصولَ الدِّين وقواعدَه، وتجمع الحقوقَ التي لله ولعباده، وتنتظم بها مَصالِحُ الدنيا والآخرةِ، على ما أَوْضَحَ شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله تعالى ـ بقوله: «وبيانُ ذلك أنَّ الحقوق قسمان: حقٌّ لله وحقٌّ لعباده:
فحقُّ اللهِ أَنْ نعبده ولا نُشْرِك به شيئًا... وهذا معنى إخلاص العمل لله.
وحقوق العباد قسمان: خاصٌّ وعامٌّ:
أمَّا الخاصُّ فمثلُ بِرِّ كُلِّ إنسانٍ والدَيْه، وحقِّ زوجته وجارِه، فهذه مِنْ فروع الدِّين؛ لأنَّ المكلَّف قد يخلو عن وجوبها عليه، ولأنَّ مصلحتها خاصَّةٌ فرديَّةٌ.
وأمَّا الحقوق العامَّة فالناسُ نوعان: رُعَاةٌ ورعيَّةٌ؛ فحقوق الرُّعاة: مناصحتُهم، وحقوقُ الرعيَّة: لزومُ جماعتهم؛ فإنَّ مصلحتهم لا تتمُّ إلَّا باجتماعهم، وهم لا يجتمعون على ضلالةٍ، بل مصلحةُ دِينهم ودُنْياهم في اجتماعهم واعتصامِهم بحبل الله جميعًا.
فهذه الخصالُ تجمع أصولَ الدِّين» اﻫ(٢٠).
لذلك كان الخروجُ على الأئمَّة ـ وإِنْ جاروا ـ مُحْدَثًا ومُنكَرًا، وقد نَطَقَتِ الأحاديثُ بوجوب لزوم جماعة المسلمين وإمامهم؛ فإنَّ الخروج عليهم والافتِيَاتَ عليهم معصيةٌ ومُشاقَّةٌ لله ورسوله، ومُخالَفةٌ لِمَا عليه أهلُ السُّنَّة والجماعة.
قال شيخ الإسلام ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله ـ في «مجموع فتاويه»: «وأمَّا أهل العلم والدِّين والفضل فلا يرخِّصون لأحدٍ فيما نهى اللهُ عنه مِنْ معصيةِ وُلَاة الأمور وغِشِّهم والخروجِ عليهم بوجهٍ مِنَ الوجوه، كما قد عُرِف مِنْ عاداتِ أهلِ السُّنَّة والدِّين قديمًا وحديثًا ومِنْ سيرةِ غيرِهم»(٢١).
هذا، والطريق الأسلمُ والمنهج الأوفقُ الذي يتحقَّق به معنى التغيير يكمن في السير بالدعوة إلى الله على منهاج النبوَّة بتصحيح العقيدة وتصفِيَتِها مِنْ كُلِّ الشوائب العالقةِ بها والمُنافِيَةِ لعقيدة أهل الحقِّ، وترسيخها بتربية الأنفس والأهل على هذا الدِّين، والدعوةِ للعمل بأحكامه بالأسلوب الذي أَمَرنا تعالى أَنْ ندعوَ به في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ﴾ [النحل: ١٢٥]؛ ذلك لأنَّ اللين في الأسلوبِ والموعظةَ الحسنة في مجال الدعوة والتعليم والإعلام والنصح(٢٢) مِنْ أهمِّ أسباب حصول انتفاعِ العوامِّ بدعوة الدعاة وتعليمِهم وإرشادهم، بخلاف التغليظ في القول، والزجرِ في الأسلوب، والتبكيتِ في الدعوة والتعليم، فلا نتائجَ وافرةَ ومفيدةَ مِنْ ورائه مرجوَّة، قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ﴾ [آل عمران: ١٥٩]، وقال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام حين أرسلهما إلى فرعون: ﴿فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ٤٤﴾ [طه]، كما أنَّ المطلوب الاتِّصافُ بأخلاقِ هذا الدِّينِ والتحلِّي بآدابه عملًا بقوله تعالى: ﴿وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّٰنِيِّ‍ۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ٧٩﴾ [آل عمران]، وبقوله تعالى: ﴿وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ٣﴾ [العصر]، وبقوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ﴾ [المائدة: ٢]؛ فإنَّ تكريسَ هذه الدعوةِ سلوكًا ومنهجًا يؤدِّي بطريقٍ أو بآخَرَ إلى تحقيقِ تغييرِ ما بالأنفس على ما يُوافِق الشرعَ ليحصل مع المطلوبِ ما وَعَدَ به اللهُ تعالى في قوله: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ﴾ [الرعد: ١١]، هذا الأمرُ الذي كان عليه سبيلُ الدعوةِ أيَّامَ الرسالة، قال تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ

فتاوى الشيخ فركوس

05 Nov, 21:08



الفتوى رقم: ٩٨٠
الصنـف: فتاوى الأسرة - عقد الزواج - الحقوق الزوجية - الحقوق المنفردة
في حدود مطالبة المرأة زوجها بسكن مستقل
السـؤال:
تسكن امرأةٌ متزوِّجةٌ مع عائلة زوجها، وكثيرًا ما تتفاجأ بدخول أقارب زوجها البيتَ من غير استئذانٍ، بالإضافة إلى وقوعها في خلوةٍ بين فترةٍ وأخرى مع أخ الزوج الذي بدأت تظهر عليه علامات البلوغ، فما عليها فعلُه في مثل هذه الحالات؟ وما واجب الزوج؟ وهل يصحُّ لها المطالبة ببيتٍ مُستقلٍّ ليزول عنها الحرج؟
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالواجبُ على الزوجة أن تسترَ محاسنَها وكلَّ ما يكونُ سببًا في الفتنة، فإن كانت في بيتها فلا يجوزُ للأجنبيِّ -ولو كان من أقارب الزوج- الدخولُ عليها أو مباغتتُها وهي غير متحجِّبةٍ، أو مع غير ذي محرمٍ لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِيَّاكُمْ وَالدُخُولَ عَلَى النِّسَاءِ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الحمْوَ؟ قال: «الحَمْوُ الموْتُ»(١)؛ ذلك لأنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، كما لا تجوز الخلوةُ بواحدٍ منهم أو من غيرهم ممَّن ليسوا بمَحْرَمٍ لها لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَيْطَانُ»(٢)، فالخلوة بالأجنبية مثار شهوةٍ، والشهوة الجنسية لا حدود لها، ولها الجلوس مع زوجها أو مع ذي محرمٍ لها إن كانت مستترةً بلباسٍ سابغٍ يخفي عورتَها ولا يُظهر مفاتنَها ولو مع أقاربه، لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ»(٣).
هذا، وعلى المرأة -في هذه الوضعية الحرجة- أن تحترز قدْرَ الإمكان عن الوقوع في هذه المحاذير التي لا يعبأ بها معظم العائلات والأسر ويغفلون عن نتائجها الضارَّة، كما أنه لا ينبغي لها تكليفُ الزوج بتوفير مسكنٍ خاصٍّ في الحال إذا كانت حدودُه الماليةُ لا تفي بهذه المطالبة، أو يكون الحجم الماليُّ يُثقل كاهلَه لقوله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، ولقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦].
فإن كان قادرًا على إزالةِ مفسدةِ الاختلاط والخلوةِ بتوفير مسكنٍ مستقلٍّ وجب عليه ذلك في الحال ليصون فيه عرضَه، ويحفظ أهلَه ويدفع الحرجَ عنهم، وإن لم يقدر وجب عليه تقليلُ المفسدة بأخذ الاحتياطات اللازمة لتجنُّب الخلوة والاختلاط في البيت، ونصيحةُ أقاربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وتعريفُهم بالحكم الشرعيِّ وتعويدُهم على التزامه، مع التعامل في تقديم النصيحة لهم بخلق الأناة والحلم والصبر إلى أن يفتح الله وهو خير الفاتحين.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٠ صفر ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٥ فبراير ٢٠٠٩م
(١) أخرجه البخاري في «النكاح» بابُ: لا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلاَّ ذو محرمٍ، والدخول على المُغيبة (٥٢٣٢)، ومسلم في «السلام» (٢١٧٢)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
(٢) أخرجه الترمذي في «الفتن» باب ما جاء في لزوم الجماعة (٢١٦٥) من حديث عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «الإرواء» (٦/ ٢١٥).
(٣) أخرجه البخاري في «الجهاد والسير» باب من اكتُتب في جيشٍ فخرجت امرأته حاجَّةً أو كان له عذرٌ: هل يُؤذن له (٣٠٠٦)، ومسلم في «الحج» (١٣٤١)، من حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

29 Oct, 21:19


الكلمة الشهرية رقم: ٢
سبيل إصلاح الأمة
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإنَّ الأُمَّةَ اليومَ تشكو مِن تَدَاعي الأممِ عليها بدياناتها ولُغاتِها وثقافاتها وأنواعِ سلوكاتها وأنماطِ أخلاقها؛ فتبعيَّةُ أُمَّتِنا المقهورةِ لها تبعيةُ ذُلٍّ وصَغَارٍ وضعفٍ، والمعروفُ مِن السنن الكونية أنَّ القويَّ يَسْتَحْوِذُ على الضعيف ويُهينُه، وهذا الخَطَرُ المُحْدِقُ بأُمَّتنا راجعٌ إلى بُعْدِها عن دينها وثوابتها، وانسلاخِها مِن تراثها وقِيَم دينها، وانصهارِها في حضاراتِ غيرِها مِن الأُمَمِ نتيجةَ الغزوِ الإعلاميِّ والثقافيِّ، وتوسيعِ دائرة نشاطات التنصير وشبكاته؛ الأمرُ الذي ـ إن لم يُسْتَدرك ـ قد يُفْضِي إلى الإبادة كما أُبيدَتْ أُمَمٌ مِن قبلها، ومَخْرجُ هذه الأُمَّةِ مِمَّا تُعاني منه ونجاحُها مرهونٌ بعودتها إلى دينها على ما كان عليه سَلَفُها الصالح؛ إذ «لا يُصْلِحُ آخِرَ هذه الأُمَّةِ إلَّا ما أَصْلَحَ أَوَّلَها»(١)، ولا تتمُّ دعوةُ الحقِّ إلَّا بهذا المنهجِ السنِّيِّ السلفيِّ القائمِ على توحيد الله الكامل، وتجريدِ مُتابَعةِ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، والتزكيةِ على صالِحِ الأخلاق والآداب؛ فإنه بقَدْرِ اتِّباعِ هذا المنهجِ والتربيةِ عليه والالتزامِ به يكون الابتعادُ عن الانحراف والضلال والتبعية.
إنَّ أعلام السلفِ فاقـوا غيرَهم مِن أصحابِ الفِرَق والطـوائف في مُخْتَلَفِ الميادين، سواءٌ في التصوُّرات المتجسِّدة في القضايا الكبرى الخاصَّةِ بالله سبحانه وتعالى، وكذا مخلوقاته في الحياة والكون، أو في المبادئ الإسلامية والقِيَمِ المُنْبَثِقةِ منها، التي سَلَكُوها في مُواجَهةِ التحدِّيات العلمية والعَقَدية التي أُثِيرَتْ في عصورهم، أو في المُنْطَلقات التأصيلية التي بَنَوْا عليها فَهْمَ الإسلامِ والعملَ به نصًّا وروحًا، أو في التفاعل مع الأحداث والوقائع المُسْتَجِدَّةِ التي واجَهوها وتصدَّوْا لها. كُلُّ ذلك يُنْبِئُ عن تَكامُلِ هذا المنهجِ الربَّانيِّ القويمِ في التصوُّر والقِيَم والمبادئ، وفي العملِ والإصلاح والتربية، وفي السلوك والتزكية؛ فكان أَنْ أنَارَ اللهُ به طريقَ المُهْتَدين، وأضاءَ به صدورَ العالَمين شرقًا وغربًا، وصانَ به دينَه وحَفِظ به كتابَه عن طريقِ الْتزام أعلام السلفية به جيلًا بعد جيلٍ، مِن صَدْرِ الإسلام إلى زماننا الحاضر؛ ذلك لأنَّ هذا المنهجَ السلفيَّ هو منهجُ الإسلامِ المصفَّى نَفْسِه، البيِّنةُ مَعالِمُه، المأمونةُ عواقبُه، يسيرُ على قواعدَ واضحةٍ، ويتحلَّى بخصائصَ جامعةٍ، فمِن قواعده: الاستدلالُ بالكتاب والسنَّة، والاسترشادُ بفهمِ سَلَفِ هذه الأُمَّة، ورفضُ التأويل الكلاميِّ، وعَدَمُ مُعارَضةِ النقل برأيٍ أو قياسٍ أو نحوهما، وتقديمُه على العقل مع نفيِ التعارض بينهما كما يُنفى التعارضُ بين النصوص الشرعية في ذاتها، وجَعْلُ الكتابِ والسنَّةِ ميزانًا للقَبول والرفض دون ما سواهما.
ومِن خصائصه الجامعة: شمولُه، وتوسُّطُه بين المَناهِجِ الأخرى، ومُحارَبتُه للبِدَعِ وتحذيرُه منها، واجتنابُ الجَدَلِ المذموم في الدِّين والتنفيرُ منه، ونَبْذُ الجمودِ الفكريِّ والتعصُّبِ المذهبيِّ، ومُسايَرتُه للفطرة والاعتقادِ القويمِ والعقلِ السليم.
فمثلُ المُناسَباتِ المُهِمَّةِ في حياةِ أُمَّتنا وحياةِ رجالها تُمَثِّلُ ـ بصدقٍ ـ فُرَصًا للتقويم والتقدير والمُراجَعة، كما تفتح مَجالًا واسعًا للتفكير في كيفيةِ نَشْرِ هذا الدِّينِ المصفَّى في أرضنا وعلى رُبوعها وعلى نطاقٍ واسعٍ بتربيةِ الناسِ على دينهم الحقِّ، ودعوتِهم إلى العمل بأحكامه والتحلِّي بآدابه، وإبعادِهم عن أنماط الضلالات الشركية وأنـواع الانحرافات الفكرية ومُخْتَلَف الأباطيل البدعية، التي شوَّهَتْ جمالَ الإسلامِ وكدَّرَتْ صفاءَه، وحالَتْ دون تَقَدُّمِ المسلمين، وكانَتْ سببًا لهذا البلاءِ الذي يعيشه المسلمون اليومَ.
إنَّ هذا المنهجَ الربَّانيَّ بمَسْلَكِه التربويِّ ومُبْتَغاه الدعويِّ وبُعْدِه المَقاصِديِّ لا يُوجَد له صدًى واسعٌ إلَّا بانتهاجِ أسلوبِ اللِّين والموعظةِ الحسنةِ بعيدًا عن التبكيت والغِلْظةِ والفجاجة؛ فإنَّ اللِّين ـ في مَجالِ التعليمِ والإعلام والنصح والدعوة والموعظة الحسنة ـ لَهُوَ مِن أَهَمِّ الأسبابِ في انتفاعِ الناسِ بدعوةِ الدُّعاةِ ومِن أهمِّ البواعث على تَقَبُّل توجيهاتهم وإرشاداتهم؛ قال تعالى: ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ﴾ [النحل: ١٢٥]؛ فليس مِن الحكمةِ الدعوةُ بالجهل لأنه يضرُّ ولا ينفع، وليس مِن الموعظةِ الحسنةِ والجدالِ بالحسنى الدعوةُ بالعنفِ والشدِّةِ لأنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ وأَعْظَمُ؛ ذلك لأنَّ الأسلوب العنيفَ المُؤْذِيَ الضارَّ يَشُقُّ على الناسِ ويُنَفِّرُهم مِن الدِّين، بل الواجبُ

فتاوى الشيخ فركوس

29 Oct, 21:19


الصبرُ والحِلْمُ والرِّفق في الدعوة إلى الله إلَّا إذا ظَهَرَ مِن المَدْعُوِّ العنادُ والظلم؛ فلا مانِعَ مِن الإغلاظ عليه لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ﴾ [التحريم: ٩]، وقولِه تعالى: ﴿وَلَا تُجَٰدِلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡۖ﴾ [العنكبوت: ٤٦]، ومِثْلُ هذه الأساليبِ التي دَعَا إليها الشرعُ الحكيمُ إنَّما تقرَّرَتْ لتحقيقِ المقصود مِن الدعوة إلى الله تعالى، وهو إخراجُ الناسِ مِن الظلمات إلى النور؛ قال تعالى: ﴿ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ﴾ [البقرة: ٢٥٧]، وتحقيقُ هذه الغايةِ كان مِن وراءِ بعثة الرسل، والدُّعاةُ إلى اللهِ يقصدون هذه الغايةَ نَفْسَها، وينشطون لها لإخراجِ الناسِ مِن ظُلْمةِ الكفر إلى نورِ التوحيد، ومِن ظُلْمةِ المعصيةِ إلى نور الطاعة، ومِن ظُلْمةِ الجهل إلى نور العلم؛ ذلك العلمُ الذي يَتَوصَّلُ به المُسْتمسِكُ إلى مَعْرِفةِ دينِ الله الحقِّ، ويسلك فيه ـ بصدقٍ وعلمٍ ـ سبيلَ الدعوةِ إلى الله مع مَن معه على هذا المنوالِ لقوله تعالى: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٠٨﴾ [يوسف]؛ وبهذا يدعو فيه إلى الوحدةِ بالتوحيد والاتِّباع، وبهما يعمل على تحقيقِ الاجتماع والائتلاف، والحذرِ مِن الفُرْقة والاختلاف، عملًا بقوله تعالى: ﴿وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ﴾ [آل عمران: ١٠٣]، وقولِه تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ﴾ [آل عمران: ١٠٥]، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا، أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»(٢)، وقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ المَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»(٣).
لذلك كان خيرُ ما سَعَى إليه المسلمُ وبَذَلَ فيه النَّفْسَ والمالَ هو العلمَ بالكتاب والسُّنَّة؛ إذ عليهما مَدَارُ السعادةِ والنجاح في الدنيا والآخرة؛ فلْيَحْرِصِ المرءُ على تحقيقِ الغايةِ مِن الدعوة إلى اللهِ بتحقيقِ وسيلتها بإخلاصٍ وصدقٍ؛ فلا يُثبِّطُه العَجْزُ والكَسَلُ فهما خُلُقان ذميمان، ولا يمنعُه العُجْبُ والغرورُ مِن الاستزادة والاستفادة؛ فإنَّ العُجْب والغرورَ مِن أَكْبَرِ العوائق عن الكمال، ومِن أعظمِ المَهالِكِ في الحال والمآل.
وأخيرًا أسأل اللهَ تعالى أن ينصر دينَه ويُعْليَ كلمتَه، ويخذل أعداءَه، ويوفِّق القائمين على الدعوة إلى الله لِمَا فيه خيرُ دينِهم وصلاحُ أمَّتهم.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
 
مستخرج من مقدمة كتاب
- مجالس تذكيرية على مسائل منهجية -
١٤٢٤هـ / ٢٠٠٣م
 
(١) انظر: «التمهيد» لابن عبد البرِّ (٢٣/ ١٠)، «البيان والتحصيل» لابن رشد (١٨/ ٣٢٧).
(٢) أخرجه الحاكم في «المستدرَك» (٣١٩)، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» (١٠/ ١١٤)، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال ابنُ عبد البرِّ في «التمهيد» (٢٤/ ٣٣١): «وهذا ـ أيضًا ـ محفوظٌ معروفٌ مشهورٌ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عند أهلِ العلمِ شهرةً يكاد يستغني بها عن الإسناد»، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢٩٣٧).
(٣) أخرجه أبو داود في «السنَّة» بابٌ في لزوم السنَّة (٤٦٠٧)، والترمذيُّ في «العلم» بابُ ما جاء في الأخذ بالسنَّة واجتنابِ البِدَع (٢٦٧٦)، وابنُ ماجه في «المقدِّمة» بابُ اتِّباعِ سنَّةِ الخلفاء الراشدين المهديِّين (٤٢)، مِنْ حديثِ العرباض بنِ سارية رضي الله عنه. وحسَّنه البغويُّ في «شرح السنَّة» (١/ ١٨١)، والوادعيُّ في «الصحيح المسند» (٩٣٨)، وصحَّحه ابنُ الملقِّن في «البدر المنير» (٩/ ٥٨٢)، وابنُ حجرٍ في «موافقة الخبر الخبر» (١/ ١٣٦)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢٥٤٩) وفي «السلسلة الصحيحة» (٢٧٣٥)، وشعيب الأرناؤوط في تحقيقه ﻟ: «مسند أحمد» (٤/ ١٢٦).
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

19 Oct, 09:56


النساء، وهذا القَدْرُ قد يحصل بمجرَّد المشابهة، وقد نبَّه على هذه القاعدةِ شيخُ الإسلام ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ في كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفةَ أصحاب الجحيم».
هذا، وتزول الآفتان السابقتان فيما إذا لَبِسَتِ المرأةُ سروالًا وفوقه ملابسُ سابغةٌ؛ حيث ينتفي فيه التشبُّهُ بالرجال لتحوُّل المظهر الخارجيِّ الظاهر إلى لباسٍ داخليٍّ مستورٍ تختفي فيه المعاني السابقةُ، ويتحقَّق به السَّترُ والاحتجاب المطلوبُ ـ شرعًا ـ مِنَ النساء تحصيلُه، وضِمْنَ هذا المنظورِ قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «فلو لَبِسَتِ المرأةُ سراويلَ أو خفًّا واسعًا صلبًا كالمُوقِ(١٠) وتدلَّى فوقه الجلبابُ بحيث لا يظهرُ حجمُ القدمِ لكان هذا محصِّلًا للمقصود»(١١).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٧ من المحرَّم ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٣ جانفي ٢٠٠٩م
 
(١) أخرجه أبو داود في «الصلاة» بابُ ما جاء في خروج النساء إلى المسجد (٥٦٧) مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما. وصحَّحه النوويُّ في «الخلاصة» (٢/ ٦٧٨)، وأحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد» (٧/ ٢٣٢)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٧٤٥٨). وأخرجه البخاريُّ (٩٠٠) ومسلمٌ (٤٤٢) بلفظ: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ» دون زيادة: «وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ».
(٢) أخرجه مسلمٌ في «اللباس والزينة» (٢١٢٨) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) انظر: «شرح مسلم» للنووي (١٤/ ١١٠)، «فيض القدير» للمناوي (٤/ ٢٠٩)، «تنوير الحوالك» للسيوطي (٣/ ١٠٣).
(٤) أخرجه أبو داود في «اللباس» بابٌ في لُبس الشهرة (٤٠٣١) مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما. وصحَّحه العراقيُّ في «تخريج الإحياء» (١/ ٣٥٩)، وحسَّنه ابنُ حجرٍ في «فتح الباري» (١٠/ ٢٧١)، وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (١٢٦٩).
(٥) أخرجه أحمد (٢١٧٨٦) مِنْ حديثِ أسامة بنِ زيدٍ رضي الله عنهما. قال الهيثميُّ في «مَجْمَع الزوائد» (٥/ ١٣٩): «فيه عبد الله بنُ محمَّد بنِ عقيلٍ، وحديثُه حسنٌ وفيه ضعفٌ، وبقيَّةُ رجاله ثقاتٌ»، وحسَّنه الألبانيُّ في «جلباب المرأة المسلمة» (١٣١).
(٦) أخرجه البخاريُّ في «اللباس» باب: المتشبِّهون بالنساء والمتشبِّهات بالرجال (٥٨٨٥) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(٧) أخرجه البخاريُّ في «اللباس» بابُ إخراجِ المتشبِّهين بالنساء مِنَ البيوت (٥٨٨٦) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(٨) أخرجه أبو داود في «اللباس» بابٌ في لباس النساء (٤٠٩٨) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٥٠٩٥).
(٩) الخَفَر: شدَّة الحياء، [انظر: «النهاية» لابن الأثير (٢/ ٥٣)، «مختار الصحاح» للرازي (١٨٢)].
(١٠) المُوق: خفٌّ غليظٌ يُلبس فوق الخفِّ، [انظر: «مختار الصحاح» للرازي (٦٣٩)، «المعجم الوسيط» (٢/ ٨٩٢)].
(١١) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٢/ ١٤٨).
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

19 Oct, 09:56



الفتوى رقم: ٩٩١
الصنف: فتاوى الأسرة - المرأة
في حكم لُبس المرأة للبنطلون
السؤال:
كثيراتٌ مِنَ النسوة المسلمات يسألن عن حكمِ لباس السِّروال أو البنطلون الخاصِّ بالمرأة المجسِّم للعورة، والظهورِ به أمام الزوج بُغيةَ التزيُّن له أو تحقيقِ رغبته في ذلك، فإِنْ كان هذا جائزًا فهل يُعمَّمُ الحكمُ في ذلك على الظهور به أمامَ النساء وأمام الأولاد في البيت؟ نرجو مِنْ فضيلتكم تفصيلًا في المسألة، ووفَّقكم الله إلى قول الصواب.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالأصلُ في النساء أنهنَّ مأموراتٌ بالاستتار والاحتجاب دون التبرُّج والتكشُّف؛ لذلك فالمرأة ترتدي مِنَ الثياب ما يُصْلِح حالَها ويُناسِبُ مقصودَ الشارع المحقِّق لمعنى الستر، ولا يُشْرَع لها ضِدُّ ذلك، ولا يبعد عن أهل النظر أنَّ مقصودَ الثيابِ في معناه وعِلَّته يُشْبِهُ مقصودَ المساكن، وقد جاء في شأن المساكن والبيوت قولُه تعالى: ﴿وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَى ﴾ [الأحزاب: ٣٣]، وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ المَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ»(١)؛ إذ المساكنُ مِنْ جنس الملابس، والعلَّةُ فيهما الوقايةُ ودَفْعُ الضرر، فالوقايةُ مِنَ الحرِّ والبرد وسلاحِ العدوِّ ونحوِ ذلك يُوجَدُ في المساكن والملابس؛ لذلك قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمۡ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلۡحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأۡسَكُمۡ﴾ [النحل: ٨١]، وقال تعالى: ﴿وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡء﴾ [النحل: ٥] أي: مِنَ البرد.
وإذا تَقرَّر أنَّ الشريعة تأمر النساءَ بالاستتار والاحتجاب فإنَّ هذا المقصود الشرعيَّ يظهر في التفريق بين لباس المرأة ولباس الرجل، فاللباسُ إِنْ كان عائدًا إلى ذات الستر فهذا يُؤْمَر به النساءُ لأنه أسترُ لهنَّ؛ إذ إنَّ كُلَّ لباسٍ قريبٍ مِنْ مقصود الشارع بالاستتار فالنساءُ أَوْلى به، وكان ضِدُّه للرجالِ إلَّا ما استثناه الدليلُ.
أمَّا إِنْ كان اللباسُ عائدًا إلى العادة، وتَضمَّن في ذاته السترَ المطلوب: فإِنْ جَرَتْ عادةُ أهل البلاد أَنْ يَلْبَس الرجالُ مِثْلَ هذه الثيابِ دون النساء؛ فإنَّ النهي عن مثلِ هذا يتغيَّر بتغيُّر عاداتِ الناس في أحوالهم وبلادهم.
ومِنْ مُنطلَقِ هذا التقعيدِ فإنَّ السروال أو البنطلون معدودٌ مِنْ أخصِّ ثياب الرجال، فإِنْ كان محجِّمًا للعورة ومحدِّدًا لأجزاء البدن ومُظْهِرًا لتقاطيع الجسم فهو بهذه الصفةِ لا يجوز للرجل بَلْهَ المرأة، سواءٌ مع المحارم أو الأجانب مِنْ بابٍ أَوْلى، ويتعيَّن المنعُ عليها مِنْ جهتين:
ـ الجهة الأولى: أنَّ في لُبسه فتحًا لِبَابِ لباسِ أهل النار وتشبُّهًا بهم في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا»(٢)، والمرادُ به النساءُ اللواتي يلبَسْنَ الخفيفَ مِنَ الثياب الذي يَصِف ولا يستر، فهنَّ كاسياتٌ بالاسم عارياتٌ في الحقيقة(٣)، والتشبُّهُ بأهل النار أو بالعاهرات لا يجوز شرعًا؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»(٤)، وحتَّى يغيب معنى التحجيم والعري أمَرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الرجلَ الذي كسَا امرأتَه قُبطيةً فقال: «مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً؛ إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا»(٥).
ـ والجهة الثانية: أنَّ في لُبس البنطلون تشبُّهًا بالرجال في أخصِّ ثيابهم، وقد جاءَتْ صيغةُ النهي بلفظ التشبُّه في قول ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ»(٦)، وقولِه: «لَعَنَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم المُخَنَّثيِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ»(٧)، وفي حديثٍ آخَرَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالمَرْأةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ»(٨)، وقد علَّق الحكمَ باسْمِ التشبُّه، سواءٌ في اللباس أو في غيره، ولا يخفى أنَّ المشابهة في الأمور الظاهرة تُورِث المشابهةَ في الأخلاق والتناسبَ في الأعمال؛ فالمرأةُ المتشبِّهةُ بالرجال تنطبعُ بأخلاقهم؛ الأمرُ الذي يُنافي الحياءَ والخَفَرَ(٩) المشروعَ للنساء، ويتجسَّد فيها معنى التبرُّج والبروز ومشاركة الرجال؛ فيؤدِّي ذلك إلى إظهار بدنها كما يُظْهِره الرجلُ، وتطلب العلوَّ على الرجل كما تعلو الرجالُ على

فتاوى الشيخ فركوس

12 Oct, 21:12


الكلمة الشهرية رقم:

١ التوحيد والاتِّباع سبيل الوحدة والاجتماع

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فإنَّ الأُخُوَّةَ الإيمانيَّة قد عَقَدَها اللهُ ورَبَطَها أَتَمَّ ربطٍ بعقيدةِ التوحيد الذي هو الغايةُ مِنْ إيجادِ الخَلْقِ وإرسالِ الرُّسُلِ وإنزالِ الكُتُب، وهو دعوةُ المُجدِّدين في كُلِّ عصرٍ وزمانٍ؛ إِذْ لا تخلو الأرضُ مِنْ قائمٍ لله بالحجَّة؛ فلا تنقطع دعوةُ الحقِّ عن هذه الأمَّةِ مِنَ العهد النبويِّ إلى قيام الساعة، و«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»(١)، ومَزِيَّةُ أَهْلِها أنهم معروفون بمَواقِفِهم في كُلِّ جيلٍ ببيانِ التوحيد والتحذيرِ مِنَ الشرك بمُخْتَلَفِ مَظاهِرِه، وبيانِ السنَّة مِنَ البدعة، ونصرةِ أهل الحقِّ والعلمِ وتكثيرِ سَوادِهم، ونَبْذِ أهل الشرك والبِدَعِ وإذلالهم، لا يمنعهم تفرُّقُ الناسِ عنهم أَنْ يُؤْتَمَرَ بهم فيما يأمرون به مِنْ طاعة الله تعالى وما يَدْعون إليه مِنْ دِينٍ ويفعلونه ممَّا يُحِبُّه اللهُ تعالى؛ إذ الحكمةُ ضالَّةُ المؤمن؛ فحيث وَجَدَها فهو أَحَقُّ بها، ولا ينتصرون لشخصٍ انتصارًا مطلقًا سوى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا لطائفةٍ إلَّا للصحابة رضوانُ الله عليهم، مع تركِ الخوضِ فيهم بمُنْكَرٍ مِنَ القول، والتنزُّهِ عن الكلام في واحدٍ مِنَ الصحابة بسوءٍ؛ فأهلُ هذا الموقفِ مُتَّفِقون على أنَّ كُلَّ واحدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قولِه ويُتْرَكُ إلَّا رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولم يَقَعْ منهم ـ بحمد الله ـ اتِّفاقٌ على ضلالةٍ؛ فهذه مِنْ سِمَاتِ أهلِ الحقِّ ومَلامِحِ الفِرْقةِ الناجية خصَّ اللهُ بها أَهْلَ السنَّة: يَدْعون إلى إصلاحٍ غيرِ مُبْتَكَرٍ مِنْ عندِ أَنْفُسِهم كما هو شأنُ منهجِ أهلِ الزَّيغ والضلال؛ ذلك لأنَّ منهج الإصلاحِ واحدٌ لا يقبل التعدُّدَ، يتبلورُ حُسْنُه بإحياءِ الدِّين وتجديدِه مِنَ العوالق والعوائق التي ليسَتْ منه، مِنْ غيرِ أَنْ يَعْتَرِيَهُ تبديلٌ ولا تغييرٌ؛ فالدِّينُ محفوظٌ، والحُجَّةُ قائمةٌ، وما رَسَمَهُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم هو عينُ المنهج الإصلاحيِّ، ولا يتمُّ لنا إصلاحٌ إلَّا به، وقد سَلَكه أهلُ القرونِ المفضَّلة، وآثارُهم محفوظةٌ عند العُلَماء، ولن يَصْلُحَ آخِرُ هذه الأمَّةِ إلَّا بما صَلَحَ به أوَّلُها.

هذا، واجتـماعُ الأمَّةِ على الضلال مُحالٌ، وظهورُ سبيلِ الحقِّ ـ هدايةً وإصلاحًا وتقويمًا ـ مقطوعٌ به، ودوامُ ثباتِه آكِدٌ ومُحَقَّقٌ لا مَحالةَ، ﴿وَعۡدَ ٱلصِّدۡقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ ١٦﴾ [الأحقاف]، لا يَضُرُّهُ ما يَعْلَقُ به مِنْ بَرَاثِنَ حاقدةٍ ومَخالِبَ حانقةٍ تَتجاهلُ عِزَّه ومَفاخِرَه، ولا تُريدُ سوى أَنْ تَصُدَّهُ وتعوقَ مَسيرتَه وتَحُدَّ انتشارَه، وصمودُهُ بَاقٍ يتحدَّى المُكابِرين والحاقدين والجاهلين، واللهُ الهادي إلى سواءِ السبيل.

ومَرَدُّ السبيلِ إلى طاعةِ الله وطاعةِ رسوله الباعثةِ على فِعْلِ الخيرات، والنفرةِ مِنَ الشرور والمَفاسِدِ والمُنْكَرات، تلك الطاعةُ المُزَكِّيةُ للنفسِ والمُكمِّلةُ لها، الجالبةُ لسعادتِها في الدنيا والآخِرَة، ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ١٤ وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ ١٥﴾ [الشمس]، ﴿وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَٰٓئِكَ رَفِيقٗا ٦٩ ذَٰلِكَ ٱلۡفَضۡلُ مِنَ ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيمٗا ٧٠﴾ [النساء].

وأهلُ الإيمانِ في وَحْدةِ عقيدتِهم ونُظُمِهم أمَّةٌ مُتميِّزةٌ لا نظيرَ لهم بين الأُمَم، وشريعتُهم لا يَقْتصِرُ نَفْعُها على أمَّةِ الإسلام، وإنَّما هي عامَّةٌ للبشرية جَمْعاءَ، صالحةٌ ومُصْلِحةٌ لكُلِّ زمانٍ ومكانٍ، شاملةٌ لكُلِّ قضايَا الحياة؛ فلا تخلو مُعْضِلةٌ عن استنباطِ حَلٍّ لها مِنْ أدلَّةِ التشريعِ والقواعدِ العامَّةِ غيرَ مُفْتَقِرةٍ إلى غيرِها؛ فهي مُسْتَغْنِيَةٌ عن النُّظُمِ والتقنيناتِ الأخرى؛ ذلك لأنها أُسِّسَتْ على قواعدَ مُحْكَمَةٍ، وبُنِيَتْ أحكامُها على العدالة والاعتدالِ مِنْ غيرِ إفراطٍ ولا تفريطٍ، مُراعِيَةً في ذلك مَصالِحَ الدِّينِ والدنيا؛ فهي تَسْمو باستقلالها عن غيرِها مِنْ نُظُمِ البشر في أصولها وفروعها، تلك هي النعمةُ التي أَتَمَّها اللهُ تعالى على هذه الأمَّةِ وأَكْمَلَ بها لها دِينَها، قال تعالى: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ﴾  [المائـدة: ٣]؛ فكمالُ هذا الدِّينِ وتمامُه قاضٍ بالاستغناءِ التامِّ عن زياداتِ المُبْتَدِعين واستدراكاتِ

فتاوى الشيخ فركوس

12 Oct, 21:12


المُسْتَدْرِكين.

وأهلُ الإيمان ـ في وحدةِ عقيدتهم ونُظُمِهم ـ يعلمون أنَّ مَنْصِبَ الإمامِ الأَعْظَمِ ضروريٌّ في نظامِ الدِّين والدنيا لا سبيلَ إلى تَرْكِه، وأنَّ كِلَا النِّظامَيْن لا يَسْتغني أحَدُهما عن الآخَرِ؛ فنظامُ الدنيا ضروريٌّ في نظام الدِّين، ونظامُ الدِّين ضروريٌّ في الفوز بسعادةِ الآخرة؛ لذلك كان مِنْ أَعْظَمِ واجباتِ الإمام الأَعْظَمِ سياسةُ الناسِ وَفْقَ شَرْعِ اللهِ وأَمْرِه؛ فهي أمانةٌ مُلْقاةٌ على عاتِقِ الإمام الأعظمِ للقيام بها في هذه الأمَّةِ وتحقيقِ كافَّةِ مُتَطلَّباتِ ما تَنْشُدُه الرعيَّةُ المسلمة في هذه الحياةِ مِنْ حِفْظِ الدِّينِ والتوحيدِ والشريعة، وإزالةِ الظلم وإقامةِ العدل بتحكيمِ شَرْعِ الله، وتحقيقِ الأمنِ وسياسةِ الدنيا، وغيرِها مِنَ المَطالِبِ الشرعية؛ عملًا بقوله تعالى: ﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمٗا لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ ٥٠﴾ [المائدة]، وقولِه تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ ٤١﴾ [الحج].

وبالمُقابِلِ فإنَّ على الرعيَّةِ واجباتٍ تُؤدِّيها تُجاهَ الإمامِ الأعظمِ منها: طاعتُه في المعروف، وبَذْلُ النصحِ له، وإكرامُه والدعاءُ له، واستئذانُه، والصبرُ على جَوْرِه، وعدَمُ الخروجِ عليه، ونحوُ ذلك مِنْ حقوقِ الإمام الأَعْظَمِ على رعيَّته.

هذا، وفي خِضَمِّ المُعْتَرَكِ الدعويِّ، فإنَّ أَعَزَّ ما يُقدِّمُه الداعي لأمَّتِه أَنْ يَسْلُكَ بها السبيلَ الأَسْلَمَ الذي يُحقِّقُ به مَعْنَى التغيير، ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ﴾ [الرعد: ١١]، دون عَجَلةٍ مُورِّطةٍ في الفساد والإفساد.

والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

 

الصـادر في العـدد الثالث من مـجلة منابر الهدى
في محرم /  صفر ١٤٢٢ هـ.

(١) أخرجه مسلمٌ بهذا اللفظِ في «الإمارة» (١٩٢٠) مِنْ حديثِ ثوبان مولى رسول الله رضي الله عنه، وبألفاظٍ أُخَرَ مِنْ حديثِ غيرِه، وأخرجه البخاريُّ في «الاعتصام بالكتاب والسنَّة» بابُ قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ» يُقاتِلون وهُمْ أهلُ العلم(٧٣١١) مِنْ حديثِ المُغيرةِ بنِ شُعْبةَ رضي الله عنه، ولفظُه: «لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ». 

فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

07 Oct, 12:16



الفتوى رقم: ٩٩٤
الصنـف: فتاوى الأسرة - عقد الزواج - إنشاء عقد الزواج
في الجمع بين الزواج والدراسة
السـؤال:
هل يجوز عقد الزواج على فتاةٍ تدرس في الجامعة، وهي ترغب في التوقف، غير أنَّ أباها يرفض ذلك ويُلزِم الخاطب بالعقد، مع العلم أنه لم يبق من الدراسة سوى النَّزر اليسير؟ وبارك الله فيكم.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فيجوز العقدُ على امرأةٍ أو الدخولُ بها مع التزامِ شرط وَليِّها في مواصلة الدِّراسة حتى تنتهيَ منها، بشرط خروجها بالضوابط الشرعية وخلوِّ دراستها من محذورٍ شرعيٍّ(١)، إذ لا منافاةَ بين الزواج والدِّراسة لإمكانية الجمع بينهما تحقيقًا لمصالح الزواج لقوله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ»(٢).
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٩ ربيع الأوَّل ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ١٦ مارس ٢٠٠٩م
 
(١) هذا إذا خَلَتْ دراستها من اختلاطٍ آثمٍ، أمَّا إذا كان الشرط قائمًا على الدراسة المختلطة فراجع الفتوى رقم ٩٧٦ الموسومة بـ: «في عدم تأثير الشرط الباطل في مقتضى العقد»
(٢) أخرجه البخاري في «النكاح» باب: من لم يستطع الباءة فليصم (٥٠٦٦)، ومسلم في «النكاح» (١٤٠٠)، من حديث عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه.
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

27 Sep, 22:47



الفتوى رقم: ١٠٠٦
الصنـف: فتاوى الأسرة - المرأة
في حكم اغتسال المرأة خارجَ بيتها
السـؤال:
ما حكم امرأةٍ تطهر من الحيض أو تُصيبها جنابةٌ وهي في محلٍّ بعيدٍ عن مقرِّ سكناها، ويوجد به حمَّامٌ منفردٌ، وهي تترك خروجَ الوقتين أو الثلاثة من الصلاة ليتسنَّى لها الرجوع إلى مَنْزِلها للاغتسال؛ لأنها سمعت أنَّ المرأة لا يجوز لها أن تضع ثيابها في غير بيتها، فهل يجوز لها -والحال هذه- أن تتيمَّم وتصلي؟ أم تنتظر حتى ترجع إلى البيت فتغتسل ثمَّ تقضي ما فاتها؟ وجزاكم اللهُ كلَّ خير.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالمرأةُ كالرجل في الحكم لا يجوز لها أن تؤخِّر صلاتَها عن وقتها المحدَّد شرعًا، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ [النساء : ١٠٣]، أي: أجلاً محدَّدًا لا يجوز تجاوزه إلاَّ لعذر، ورفع الجنابة والاغتسال من الحيض من لوازم صِحَّة الصلاة، فإن كان لها حمامٌ منفرد مأمونٌ في المحل الذي نزلت فيه فلها أن تغتسل فيه، ولا تُفوِّت الصلاة عن وقتها، كما لها أن تغتسل في أي مكان في سفر أو حضر يحصل فيه الأمن في الفندق كانت أو في غيره من غير انتياب للحمامات العامَّة أو الشعبية، لقوله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «الحَمَّامُ حَرَامٌ عَلَى نِسَاءِ أُمَّتِي»(١)، ولقوله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الحَمَّامَ»(٢)؛ لأنَّ في الحمامات الجماعية غالبًا ما لا تستر المرأة عورتها من النساء.
هذا، واغتسال المرأة معلومٌ بالضرورة، وإذا كان اغتسالها لسُنَّة الإحرام في الحجِّ والعمرة على وجه الاستحباب ‑وهي في سفرها‑ فمن بابٍ أولى إذا كان الغسل في حقِّها واجبًا.
أمَّا حديث: «وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنِ امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ أَحَدٍ مِنْ أُمَّهَاتِهَا إِلاَّ وَهِيَ هَاتِكَةٌ كُلَّ سِتْرٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّحْمَنِ»(٣)، فإنَّ ظاهرَه محمولٌ على التكشُّف للأجنبي وعدم الاستتار بلباس التقوى ويدخل في النهي ‑أيضًا‑ نزع الثياب في الحمّامات العامَّة؛ ذلك لأنَّ الفضيحة تحصل بالتكشُّف وعدم المحافظة على ما أمرت به بالتستُّر بالجلباب عن الأجنبي، فينال منها ما يحرِّك به شهوته، ويطمع في المزيد فتقع الهتيكة، والجزاء من جنس العمل.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٥ جمادى الأولى ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ١٠ مايو ٢٠٠٩م
(١) أخرجه الحاكم في «المستدرك»: (٤/ ٣٢٢)، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (٢/ ١٢٩٢).
(٢) أخرجه الترمذي في «سننه» كتاب الأدب، باب ما جاء في دخول الحمام: (٢٨٠١)، والحاكم في «المستدرك»: (٤/ ٣٢٠)، وأحمد في «مسنده»: (٣/ ٣٣٩)، من حديث جابر رضي الله عنه. وحسنه الألباني في «صحيح الجامع»: (٦٥٠٦)، وصححه في «صحيح الترغيب والترهيب»: (١٦٤)، و«آداب الزفاف»: (٦٧).
(٣) أخرجه أحمد: (٦/ ٣٦١)، والطبراني في «المعجم الكبير»: (٢٤/ ٢٥٣)، من حديث أم الدرداء رضي الله عنها. والحديث صححه الألباني في «آداب الزفاف»: (٦٠). وانظر: «الترغيب والترهيب» للمنذري: (١/ ١١٩)، و«مجمع الزوائد» للهيثمي: (١/ ٦١٧)، و«السلسلة الصحيحة» للألباني: (٧/ ١٣٠٨).


فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

21 Sep, 22:20


فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

21 Sep, 22:19



الفتوى رقم: ١٠١٢
الصنف: فتاوى الأسرة - عقد الزواج - إنشاء عقد الزواج
في أركان النكاح وشروطِ صحَّته
السؤال:
ما هي أركانُ النكاح وشروطُ صحَّته؟ وبارك الله فيكم.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فمبنى عَقْدِ الزواجِ يكمن في تحصيلِ الرِّضا مِن كلا العاقدَيْن بموضوع العقد؛ فالرِّضَا أساسُ انعقادِ الزواج وهذا أمرٌ باطنيٌّ نَفْسيٌّ؛ ولمَّا كان كذلك أقام الشارعُ القولَ المعبِّر عمَّا في النفس مِن الرضا مَقامَه وعلَّق عليه الأحكامَ؛ فكان حصولُ الإيجابِ باللفظ الصادرِ مِن أحَدِ المتعاقدَيْن للتعبير عن إرادته في إقامة العلاقة الزوجية، وكان القَبولُ ما صَدَرَ تاليًا له بلفظ المتعاقِد الآخَرِ الذي يعبِّر عن رضاه وموافَقتِه بالمعقود عليه؛ فالإيجابُ والقَبولُ المعبِّران عن الرضا القلبيِّ هما رُكْنَا العقود باتِّفاقِ أهلِ العلم، ويقترنُ بهما شروطُ انعقادِ عقدِ الزواج، حيثُ يُشْترط في صيغة «الإيجاب والقَبول» أن تكون بألفاظٍ تدلُّ على النكاح، ولا يُشْترط أن تكون الصيغةُ بلفظِ «الإنكاح» و«التزويج»، بل ينعقد النكاحُ بكلِّ لفظٍ دلَّ عليه؛ لأنَّ «العِبْرَةَ فِي العُقُودِ بِالقُصُودِ وَالمَعَانِي لَا بِالأَلْفَاظِ وَالمَبَانِي»، وهو مذهبُ أبي حنيفةَ ومالكٍ وروايةٌ عن أحمد(١)، وهذا اختيار ابن تيمية(٢).
كما أنَّ مِن شروطِ انعقادِ العقد في العاقدَيْن أن يكون صدورُ الإيجاب والقَبول ممَّن يتمتَّعُ بأهليةٍ لإجراءِ العقد وإنشائه واعتبار رضاهما واختيارِهما، مع إمكانِ سماعِ كلامِ كلِّ واحدٍ منهما وفهمِه.
ومِن شُروط انعقاده أن يكون كلٌّ مِن الزوجين معلُومًا للآخَرِ ومعروفًا؛ فلو زوَّج الوليُّ إحدى بناتِه مِن غيرِ تعيينٍ لم يصحَّ العقدُ.
كما يُشْترط ـ أيضًا ـ خُلُوُّ عقدِ الزواج مِن أسبابِ تحريم الزواج التي تمنعُ صِحَّتَه: ككونِ المرأة مِن المحرَّمات على الرجل بنَسَبٍ أو رضاعٍ، أو كانت في عِدَّةٍ ونحو ذلك، أو كونِ الرجل كافرًا والمرأةِ مسلمةً.
هذا، وإذا تمَّ الإيجابُ والقَبولُ وتَطابَقَا على المَحَلِّ المعقودِ عليه انعقدَ النكاحُ ولو كان المتلفِّظُ هازلًا لا يَقْصِدُ معناه في الحقيقة؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ»(٣).
وأمَّا شُروطُ صحَّةِ عقدِ النِّكاح التي يَبْطُل العقدُ بتخلُّفِ أحَدِها فيمكن أن نُجْمِلَها فيما يأتي:
أوَّلًا: وليُّ المرأةِ شرطٌ لصحَّةِ النكاح، فإذنُه فيه معتبَرٌ ولا يصحُّ نكاحٌ إلَّا به، وهُو مذهبُ جماهيرِ العلماء مِن السَّلفِ والخلفِ، وهو مذهبُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وأهلِ الظاهر خلافًا لأبي حنيفة(٤)، ومِن أَصْرَحِ الأدلَّة على شرطيتِه: قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ»(٥)، وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ـ ثَلَاثًا ـ وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَإِنَّ السُّلْطَانَ وَليُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»(٦).
ثانيًا: إذْنُ المرأةِ البالغةِ العاقلة ورضاها معتبَرٌ ـ أيضًا ـ في النكاح؛ فلا يصحُّ إكراهُهَا على الزواج ممَّن لا ترغبُ فيه سواءٌ كانَتْ ثيِّبًا أو بِكرًا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ»، قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟» قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ»(٧)، وفي حديثِ خنساءَ بنتِ خِذَامٍ الأنصارية رضي الله عنهما: «أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا ـ وَهِيَ ثَيِّبٌ ـ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ نِكَاحَهَا»(٨)، وفي حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ؛ فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»(٩)، وفي حديثٍ آخَرَ: «فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا»(١٠).
ثالثًا: الصَّداقُ أو المهرُ شرطٌ لصحَّةِ النكاحِ سواءٌ كان مفروضًا أو مسكوتًا عنه، فإن كان الثاني فللمرأةِ مهرُ مثلها مِن النساء في طبقتها وجوبًا، وهو مذهب مالكٍ وروايةٌ عن أحمد(١١) لقوله تعالى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ﴾ [الممتحنة: ١٠]، وتعليقُ إباحةِ النكاحِ بإيتائهنَّ المهورَ يفيدُ الشرطيةَ، ولأنَّ الله تعالى جَعَلَ الزواجَ بلا مهرٍ مِن خصائصِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فدلَّ ذلك على أنَّ غيرَه ليس مِثْلَه كما في قوله تعالى: ﴿وَٱمۡرَأَةٗ مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنۡ أَرَادَ

فتاوى الشيخ فركوس

21 Sep, 22:19


(١٠) أخرجه الدارقطنيُّ في «سننه» (٣/ ٢٣٥) مِن حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» (١٤٠٤٣) مِن حديث جابرٍ رضي الله عنه.
(١١) «بداية المجتهد» لابن رشد (٢/ ١٨)، «الإنصاف» للمرداوي (٨/ ١٦٥).
(١٢) أخرجه البخاريُّ في «فضائل القرآن» باب: خيرُكم مَن تعلَّم القرآنَ وعلَّمه (٥٠٢٩)، ومسلمٌ في «النكاح» (١/ ٦٤٣) رقم: (١٤٢٥)، وأحمد (٢٢٨٥٠)، مِن حديث سهل بن سعدٍ الساعديِّ رضي الله عنهما.
(١٣) أخرجه البخاريُّ في «الشروط» باب الشروط في المهر عند عُقْدة النكاح (٢٧٢١) عن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه.
(١٤) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٩/ ٣٤٤).
(١٥) أخرجه ابن حبَّان في «صحيحه» (٤٠٧٥)، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» (٧/ ١٢٥)، مِن حديث عائشة رضي الله عنها. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٧٥٥٧).
(١٦) انظر: «سنن الترمذي» في «النكاح» بابُ ما جاء: لا نكاح إلَّا ببيِّنةٍ عند الحديث رقم: (١١٠٤).
(١٧) أخرجه ابن حبَّان (٤٠٦٦)، وأحمد (١٦١٣٠)، والبيهقيُّ (١٥٠٥٢)، مِن حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما مرفوعًا. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «آداب الزفاف» (١٨٤) وفي «صحيح الجامع» (١٠٧٢).
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

21 Sep, 22:19


ٱلنَّبِيُّ أَن يَسۡتَنكِحَهَا خَالِصَةٗ لَّكَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۗ﴾ [الأحزاب: ٥٠]. ويظهر ذلك مِن القصَّة نَفْسِهَا وهو: أنَّ رجلًا قام فقال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «زَوِّجْنِيهَا»، قَالَ: «أَعْطِهَا ثَوْبًا»، قَالَ: «لَا أَجِدُ»، قَالَ: «أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»، فَاعْتَلَّ لَهُ، فَقَالَ: «مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟» قَالَ: «كَذَا وَكَذَا»، قَالَ: «فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»(١٢).
وعليه، فلا بُدَّ مِنْ مَهْرٍ مُسَمًّى مفروضٍ أو مسكوتٍ عن فَرْضهِ لا مع نفيه؛ إذ النكاحُ المُطْلَقُ ينصرفُ إلى مهرِ المثل، وإذا كانَتِ الأموالُ تباحُ بالبدل فإنَّ الفروجَ لا تُستباحُ إلَّا بالمهور، قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «وقولُ مَن قال: «المهرُ ليس بمقصودٍ» كلامٌ لا حقيقة له؛ فإنه ركنٌ في النكاح، وإذا شُرِطَ فيه كان أَوْكَدَ مِن شرطِ الثمن لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ»(١٣)»(١٤).
رابعًا: الشهادةُ على عَقْدِ النكاح لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ»(١٥)، قال الترمذيُّ ـ رحمه الله ـ: «والعملُ على هذا عند أهلِ العلم مِن أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومَن بعدهُم مِن التابعين وغيرِهم، قالوا: لَا نِكَاحَ إلَّا بشهودٍ، لم يختلفوا في ذلك، مَنْ مَضَى منهم، إلَّا قومًا مِن المتأخِّرين مِن أهل العلم»(١٦).
أمَّا الإعلانُ عنهُ فمُستحَبٌّ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَعْلِنُوا النِّكاحََ»(١٧)؛ وذلك لتحقُّقِ النكاح بالشهادة.
فهذه هي شروطُ صِحَّةِ العقد التي يتوقَّف عليها النكاحُ وتترتَّب بتوفُّرها فيه آثارُهُ عليه، ويَبْطُلُ العقدُ بتخلُّفِ أحَدِها.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٤ جمادى الأولى١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ١٩ مايو ٢٠٠٩م
 
(١) انظر: «المغني» لابن قدامة (٦/ ٥٣٢)، «مغني المحتاج» للشربيني (٣/ ١٤٠)، «مواهب الجليل» للحطَّاب (٣/ ٤١٩).
(٢) «مجموع الفتاوى» (٢٩/ ١٣).
(٣) أخرجه أبو داود في «الطلاق» بابٌ في الطلاق على الهزل (٢١٩٤)، والترمذيُّ في «الطلاق» بابُ ما جاء في الجدِّ والهزل في الطلاق (١١٨٤)، وابن ماجه في «الطلاق» بابُ مَن طلَّق أو نَكَحَ أو رَاجَع لاعبًا (٢٠٣٩)، والحاكم في «المستدرك» (٢٨٠٠)، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث ذَكَرَ له الزيلعيُّ في «نصب الراية» (٣/ ٢٩٤) مِن الشواهد ما يقوِّيه، وحَسَّنه الألبانيُّ في «الإرواء» (٦/ ٢٢٤) رقم: (١٨٢٦).
(٤) انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (٢/ ٨)، «المحلَّى» لابن حزم (٩/ ٤٥١)، «المغني» لابن قدامة (٦/ ٤٤٨)، «فتح القدير» لابن الهمام (٣/ ١٥٧)، «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٣٢/ ١٩).
(٥) أخرجه أبو داود في «النكاح» بابٌ في الوليِّ (٢٠٨٥)، والترمذيُّ في «النكاح» بابُ ما جاء: لا نكاحَ إلَّا بوليٍّ (١١٠١)، وابن ماجه في «النكاح» باب: لا نكاحَ إلَّا بوليٍّ (١٨٨١)، وأحمد (١٩٧٤٦)، مِن حديث أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه ابن الملقِّن في «البدر المنير» (٧/ ٥٤٣)، والألبانيُّ في «الإرواء» (٦/ ٢٤٣) رقم: (١٨٣٩).
(٦) أخرجه أبو داود في «النكاح» بابٌ في الوليِّ (٢٠٨٣)، والترمذيُّ في «النكاح» (١١٠٢)، وابن ماجه في «النكاح» باب: لا نكاح إلَّا بوليٍّ (١٨٧٩)، والدارميُّ (٢١٠٦)، وابن حبَّان (٤٠٧٥)، والحاكم (٢٧٠٨)، وأحمد (٢٥٣٢٦)، وسعيد بن منصورٍ في «سننه» (٥٢٨)، وأبو يعلى في «مسنده» (٤٨٣٧)، وعبد الرزَّاق في «المصنَّف» (١٠٤٧٢)، والبيهقيُّ (١٣٩٥٢)، مِن حديث عائشة رضي الله عنها. وصحَّحه ابن الملقِّن في «البدر المنير» (٧/ ٥٣٣، ٥٥٢)، وحسَّنه ابن حجرٍ في «موافقة الخُبر الخَبَر» (٢/ ٢٠٥)، وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٦/ ٢٤٣) رقم: (١٨٤٠) وفي «مشكاة المصابيح» (٣٠٦٧)، ومقبلٌ الوادعيُّ في «الصحيح المُسْنَد» (١٦٢٨).
(٧) أخرجه البخاريُّ في «النكاح» باب: لا يُنْكِح الأبُ وغيرُه البِكْرَ والثيِّبَ إلَّا برضاها (٥١٣٦)، ومسلمٌ في «النكاح» (١/ ٦٤١) رقم: (١٤١٩)، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٨) أخرجه البخاريُّ في «الإكراه» باب: لا يجوز نكاحُ المُكْرَه (٦٩٤٥)، وأبو داود في «النكاح» بابٌ في الثيِّب (٢١٠١)، مِن حديث الخنساء بنت خذامٍ رضي الله عنها.
(٩) أخرجه أبو داود في «النكاح» بابٌ في البِكْر يزوِّجها أبوها ولا يستأمرها (٢٠٩٦)، وابن ماجه في «النكاح» بابُ مَن زوَّج ابنتَه وهي كارهةٌ (١٨٧٥)، وأحمد (٢٤٦٩)، مِن حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما. قال ابن حجرٍ في «التلخيص الحبير» (٣/ ٣٣٥): «رجالُه ثِقَاتٌ»، والحديث صحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد» (٤/ ١٥٥)، والألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (٢٠٩٦).

فتاوى الشيخ فركوس

10 Sep, 23:02




الفتوى رقم: ١٠١٨

الصنف: فتاوى الأسرة - عقد الزواج - آداب الزواج في طلبِ العون مِن جمعيةٍ خيريةٍ لغرَضِ الزواج

السؤال:

هل يجوز طلبُ العون مِن جمعيةٍ خيريةٍ لإقامةِ مشروعِ زواجٍ جماعيٍّ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالأصلُ أنَّ العَوْن الدنيويَّ أو المادِّيَّ لا يطلبه المسلمُ إلَّا مِن الله سبحانه رغبةً إليه وتوكُّلًا عليه؛ وذلك تحقيقًا لقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ ٥﴾ [الفاتحة]، ولقوله تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ ٧ وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرۡغَب ٨﴾ [الشرح]، أي: ارْغَبْ إلى الله لا إلى غيره، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم لابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ...»(١)؛ ذلك لأنَّ الله عزَّ وجلَّ خيرُ كفيلٍ أن يُسخِّر له مَن يُعِينُه في أمورِ زواجه إذا أراد العفافَ وتحصينَ نَفْسِه، وهذا وَعْدٌ مِن الله تعالى للمُتَعَفِّفِين مِن عباده حيث قال: ﴿وَلۡيَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغۡنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ﴾ [النور: ٣٣]، وقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللهِ عَوْنُهُمْ: المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالمكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ العَفَافَ»(٢).

وسؤالُ الناسِ إنما يُباح للضرورة، وتَرْكُه ـ توكُّلًا على الله ـ أفضلُ لِمَا يترتَّب على سؤال المخلوقين مِن مفسدةِ الافتقار إلى غيرِ الله وهي نوعٌ مِن الشرك، ومفسدةِ إيذاء المسؤول وهي نوعٌ مِن ظُلم الخَلْق، ومفسدةِ الذلِّ لغير الله وهي ظلمٌ للنفس(٣)، وإذا أُبِيحَ السؤالُ لضرورةٍ فينبغي أن تُقدَّر بقَدْرها.

والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٧ رجب ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ٣٠ جوان ٢٠٠٩م

___ من تطبيق تراث العلامة محمد علي #فركوس للتحميل على الأندرويد https://bit.ly/318AXka ______

(١) أخرجه أحمد (٢٧٦٣)، والترمذيُّ في «صفة القيامة والرقائق والورع» (٢٥١٦)، والحاكم (٦٣٠٣)، مِن حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد»، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٧٩٥٧).

(٢) أخرجه الترمذيُّ في «الجهاد» بابُ ما جاء في المجاهد والناكح والمكاتب، وعونِ الله إيَّاهم (١٦٥٥)، والنسائيُّ في «النكاح» باب معونة الله الناكحَ الذي يريد العفاف (٣٢١٨)، وابن ماجه في «العتق» باب المكاتب (٢٥١٨)، وابن حبَّان في «صحيحه» (٤٠٣٠)، والحاكم في «مستدركه» (٢٦٧٨)، وأحمد (٧٤١٦)، والبيهقيُّ (٢٢٢٣١)، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث حسَّنه البغويُّ في «شرح السُّنَّة» (٥/ ٦)، والألبانيُّ في «غاية المَرام» (٢١٠) و«صحيح الجامع» (٣٠٥٠)، وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد» (١٣/ ١٤٩).

(٣) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (١/ ١٩٠).

قلت: وهذا بخلاف السؤال في أمور الدين فقَدْ يرقى إلى درجة الوجوب العينيِّ، وكذلك الحقوق العينية والأدبية والمعنوية الثابتة للإنسان بدليلٍ شرعيٍّ فإنه يجوز له أن يسألها ممَّن هي تحت يده ويُطالِبَ بها.
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

03 Sep, 04:04



الفتوى رقم: ١٠٢٢
الصنف: فتاوى الأسرة - عقد الزواج - الحقوق الزوجية
في حكم وضعِ جهاز اللولب
داخلَ رَحِمِ المرأة

السؤال:
ما حكمُ استعمال المرأةِ للَّولب تقصُّدًا لمنع الحمل؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فاللولبُ عبارةٌ عن جهازٍ مصنوعٍ مِن البلاستيك، يُوضع داخِلَ الرَّحِمِ لمنعِ الحملِ، وهو معدودٌ مِن وسائلِ منعِ الحمل المؤقَّتةِ الحديثةِ التي تُقابِلُها الوسائلُ المؤقَّتةُ الطبيعيةُ: كالعزل والرضاعة والجماع في أوقاتٍ دوريةٍ مؤقَّتةٍ.
ولا يخفى أنَّ تنظيمَ النسلِ والتباعدَ بين الولاداتِ بَلْهَ تحديد النسل أمرٌ ينافي مَقاصِدَ الشريعة مِن تكثيرِ النسل وعمارةِ الأرضِ وتكثيرِ سَوادِ المسلمين، وقَدْ وَرَدَ الحضُّ على ذلك في السنَّة النبوية فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ»(١)، ووَرَدَتِ النصوصُ القرآنية مبيِّنةً أنَّ كثرةَ نسلِ الأمَّةِ سببٌ لعِزَّتها وقوَّتها حيثُ امتنَّ اللهُ عزَّ وجلَّ على بني إسرائيل بذلك فقال: ﴿وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا ٦﴾ [الإسراء]، وقال تعالى ـ فيما قَالَه شعيبٌ عليه السلام لقومِهِ ـ: ﴿وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ كُنتُمۡ قَلِيلٗا فَكَثَّرَكُمۡۖ﴾ [الأعراف: ٨٦]، ولا يُعْدَلُ عن هذا الأصلِ المقاصدِيِّ إلَّا عند تَعذُّرِ تحصيله لوجودِ مسوِّغٍ شرعيٍّ.
فإن أَضْحَتْ مسوِّغاتُ تنظيمِ النسل المؤقَّتِ واضحةً بالظهور أو بتقريرٍ طبِّيٍّ يُفْصِحُ عن مرضِ المرأة أو ضعفِ بدنها، أو بتحقُّقِ تضرُّرها بالحمل، أو عجزِها عن تحمُّل الوضعِ؛ حيث يُشكِّل حملُها ـ في الجملة ـ خطرًا على النفس أو ضررًا بالبدن، وقد تعذَّر عليها تناوُلُ حبوبِ منعِ الحمل لعدَمِ جدواها، أو لتحقُّقِ الآثار الجانبية والمخاطر الصحِّيةِ التي لا تتلاءَمُ مع طبيعةِ بدنِها فيحصلُ لها الضررُ مِن جرَّاءِ تناوُلها(٢)؛ فإنَّه يجوزُ ـ والحالُ هذه ـ استعمالُ اللَّوْلَب النحاسيِّ وهُو أَوْلى مِن اللَّوْلَبِ المحتوِي على هُرمُونِ الأُنوثَةِ «البروجِسْتِرُون»، وقد احتَلَّ اللَّولبُ النحاسِيُّ هذه الأَوْلويةَ لأنَّه أَحْوَطُ مِن جَانِبِ مَنْعِه لعمليةِ تلقيحِ البويضة ابتداءً، كما يعملُ مِن جهةٍ أخرى على منعِ تعشيشِ البويضةِ إن تعرَّضَتْ للتلقيح، بينما طريقةُ اللَّولب المحتوي على «البروجسترون» فإنَّه يعملُ على منعِ علوق البويضة الملقَّحة في جدارِ الرَّحِم كي لا تتحوَّل إِلى نُطفةٍ وتَنمُوَ بالأطوار المذكورة في الآية(٣) والحديث(٤)؛ فإنَّ هذه الطريقةَ الأخيرةَ تُعَدُّ نوعًا مِن الإجهاض المبكِّر جدًّا يمنعُه المالكيةُ والظاهرِيةُ وبعضُ الشافعية(٥)، حيثُ يَرَوْنَ أنَّ الرحِمَ إذَا قَبَضَ المنيَّ لم يَجُزِ التعرُّضُ له.
علمًا أنَّ هذه الوسائلَ المانعةَ مِن الحملِ لا يجوزُ استخدامُها مؤبَّدًا؛ فإذا عَادَتِ المرأةُ إلى طبيعتِها وسلامةِ بدنِها، أو عُوفِيَتْ مِن مرضِها؛ انْتَفَت بذلك مُسوِّغَاتُ تنظيمِ النسل، وَعَادَ الحكمُ إلى الأصلِ الأَوَّلِ عَمَلًا بقاعدةِ: «إِذَا ضَاقَ الأَمْرُ اتَّسَعَ، وَإِذَا اتَّسَعَ ضَاقَ».
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٨ جمادى الثانية ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: أوَّل جوان ٢٠٠٩م
(١) أخرجه أبو داود في «النكاح» باب النهي عن تزويجِ مَن لم يَلِدْ مِن النساء (٢٠٥٠) مِن حديث مَعْقِل بن يسارٍ رضي الله عنه. وأخرجه أحمد (١٣٥٦٩) مِن حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه بلفظ: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأَنْبِيَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ». والحديث صحَّحه العراقيُّ في «تخريج الإحياء» (٢/ ٥٣)، وابن حجرٍ في «فتح الباري» (٩/ ١٣)، والألبانيُّ في «الإرواء» (٦/ ١٩٥) رقم: (١٧٨٤).
(٢) وإنما تقرَّرَتْ أولويةُ الحبوبِ لأنها تعمل على منعِ عملية التبويض مِن جهةٍ، واستخدامُها يحفظ عورةَ المرأة المغلَّظة مِن النظر والمسِّ والملامسة ونحو ذلك.
(٣) في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّنَ ٱلۡبَعۡثِ فَإِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ مِن مُّضۡغَةٖ مُّخَلَّقَةٖ وَغَيۡرِ مُخَلَّقَةٖ لِّنُبَيِّنَ لَكُمۡۚ وَنُقِرُّ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى ثُمَّ نُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا﴾ [الحج: ٥]، وقولِه تعالى: ﴿وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن سُلَٰلَةٖ مِّن طِينٖ ١٢ ثُمَّ جَعَلۡنَٰهُ نُطۡفَةٗ فِي قَرَارٖ مَّكِينٖ ١٣ ثُمَّ خَلَقۡنَا ٱلنُّطۡفَةَ عَلَقَةٗ فَخَلَقۡنَا ٱلۡعَلَقَةَ مُضۡغَةٗ فَخَلَقۡنَا ٱلۡمُضۡغَةَ عِظَٰمٗا فَكَسَوۡنَا ٱلۡعِظَٰمَ لَحۡمٗا ثُمَّ أَنشَأۡنَٰهُ

فتاوى الشيخ فركوس

03 Sep, 04:04


خَلۡقًا ءَاخَرَۚ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَٰلِقِينَ ١٤﴾ [المؤمنون].
(٤) وفي حديث ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ». [أخرجه البخاريُّ في «بدء الخَلْق» باب ذكرِ الملائكة (٣٢٠٨)، ومسلمٌ في «القَدَر» (٢/ ١٢٢٠) رقم: (٢٦٤٣)].
(٥) انظر: «القوانين الفقهية» لابن جُزَيٍّ (٢٠٧)، «المحلَّى» لابن حزم (١١/ ٣٠)، «إحياء علوم الدين» للغزَّالي (٢/ ٥١).
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

15 Aug, 10:37



الفتوى رقم: ١٠٣٧
الصنف: فتاوى الأسرة - عقد الزواج - موانع الزواج - الرضاع
في تحقُّق الرضاع الشرعيِّ المنتج لآثاره
السـؤال:
بعد زواجي بمدة، طلب منِّي شابٌّ من أقارب زوجتي رؤيتها؛ بحجّة أنّه رضع من والدتها لما كانا صغيرين، لكني لَمَّا علمت بأنَّ هذا الشابَّ لم يرَ زوجتي مذ كانا صغيرين، شعرتُ كأنّه أجنبي عنها فلم آذن لها برؤيته، فأرجو بيان الحكم الشرعي، وجزاكم الله خيرًا.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإذا ثبت الرضاعُ على الوجهِ الشرعيِّ المتمثِّلِ في خمسِ رضعاتٍ في الحولينِ(١) على أرجحِ أقوالِ العلماءِ فإنَّ الرجُلَ يُعدُّ مَحرَمًا لأختهِ من الرَّضاعِ، لقولهِ تَعالى: ﴿وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ﴾ [النساء: ٢٣]، ولقوله صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ»(٢)، ولا تحتجب منه أُخته إلاَّ إذا قَلَّ عددُ رضعاتِه عن المقدار المحرِّم، لقوله صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم لعائشة رضي الله عنها: «انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ، إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ»(٣)، أو خُشِيَ منه شيءٌ كأن تظهرَ عليهِ علاماتُ الفِسقِ أو الفجورِ أو الخبثِ في أفعاله وتصرُّفاته.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٤ من المحرَّم ١٤٣١ﻫ
الموافق ﻟ: ٣١ ديسمبر ٢٠٠٩م
(١) انظر فتوى «في مقدار الرضاع المحرِّم»، برقم: (١٣).
(٢) أخرجه البخاري كتاب «الشهادات»، باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم: (١/ ٦٣٩)، ومسلم كتاب «الرضاع»: (١/ ٦٦١)، رقم: (١٤٤٧)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٣) أخرجه البخاري كتاب «الشهادات»، باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم: (١/ ٦٣٩)، ومسلم كتاب «الرضاع»: (١/ ٦٦٥)، رقم: (١٤٥٥)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

05 Aug, 17:39


فإذا تقرَّر هذا، فعلى الزوج أن يتحرَّز من الكذب الصريح بَلْهَ الحلف بالله عليه، وإذا اقتضت الضرورة أو دعت إليه المصلحة فعليه بالتورية والمعاريض، فإن فيها لمندوحة عن الكذب الصريح، فإن أقسم بالله مورِّيًا فلا حرج عليه في ذلك؛ لأن حكم المعاريض الجواز عند الحاجة أو المصلحة كما تقدَّم في الحديث.
وممَّا يجدر التنبيه له أنَّ الترخيص بالتورية في مداراة الرجل امرأتَه تقصُّدًا لتحقيق مصلحة الوئام والمحبة بينهما لا ينبغي التوسع فيه والإكثار منه، لأنَّ المغرق في الترخيص بالتورية قد ينكشف أمره يومًا ما لزوجته، الأمر الذي قد يعكِّر على صفو العلاقة الزوجية بإحلال النُّفرة محلَّ الأُلفة، وذلك نقيض ما كان يصبو إليه بالمعاريض والتورية.
وفي هذه المسألة فإنَّ القول في الرجل مع المرأة كالقول في المرأة مع الرجل ولا فرق.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى الله على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٢ ربيع الأوَّل ١٤٣١ﻫ
الموافق ﻟ: ٨ مارس ٢٠١٠م
(١) أخرجه البخاري في «الأدب» (٣/ ٢٣٥) باب قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ وما ينهى عن الكذب، ومسلم: (٢/ ١٢٠٨) في البرِّ والصلة والآداب» رقم (٢٦٠٧) ، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.    
(٢) أخرجه مسلم (١/ ٦٠) في «الإيمان» رقم (١٠٦)، وأحمدُ في «مسنده» (٥/ ١٤٨)، من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
(٣) أخرجه البخاري في «الصلح» (٢/ ٤) باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس، من حديث أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها.
(٤) أخرجه مسلم (٢/ ١٢٠٧) في «البر والصلة والآداب» رقم (٢٦٠٥).
(٥) «مراتب الإجماع» لابن حزم: (١٥٦).
(٦) قال الجرجاني في «التعريفات» (٧١): «التورية: وهي أن يريد المتكلم بكلامه خلاف ظاهره، مثل أن يقول في الحرب: «مات إمامكم»، وهو ينوي أحدا من المتقدمين».
(٧) أخرجه البخاري في «تفسير القرآن» (٢/ ٥٣٤) باب ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً﴾، ومسلم (١/ ١١٠) في «الإيمان» رقم (١٩٤)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٨) أخرجه البخاري في «الأنبياء» (٢/ ١٧٩) باب قول الله تعالى ﴿واتَّخَذَ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً﴾، ومسلم (٢/ ١١١٢) في «الفضائل» رقم (٢٣٧١)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٩) «مفتاح دار السعادة» لابن القيم: (٢/ ٣٩٤-٣٩٦) [بتصرف يسير].

فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

05 Aug, 17:39



الفتوى رقم: ١٠٤٤
الصنف: فتاوى الأسرة - عقد الزواج - آداب الزواج
في مداراة الرجل زوجتَه باليمين الكاذبة
السؤال:
هل يجوز للزوج أن يحلف بالله كذبًا على زوجته من أجل الإصلاح إذا ما اضطر إلى ذلك؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالمعلوم أنَّ الأصل في الكذب أنه حرام في ذاته، إذا كان لجلب نفعٍ مجرَّدٍ، وهو من الكبائر لكونه متوعدًا بلعنة، قال تعالى: ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ [آل عمران: ٦١]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النحل: ١٠٥]، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ»(١).
فإن انضمَّ إليه حلف بالله صارت اليمين غموسًا، وسُمِّيت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثمَّ في النار، وقد جاء في الحديث: «ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: المُسْبِلُ وَالمَنَّانُ وَالمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بالحلفِ الكَاذِبِ»(٢).
أمَّا إذا كان الكذب لغرض إصلاح ذات البين أو لدفع ظُلمٍ أو ضررٍ أعظمَ من الكذب مفسدةً فقد ثبت من حديث أُمِّ كلثومٍ بنتِ عقبة بن أبي مُعَيْطٍ رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا»(٣)، وفي رواية مسلم زيادة، قالت: «وَلَمْ أَسْمَعْهُ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُهُ النَّاسُ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ: الحربُ، والإصلاحُ بين الناس، وحديثُ الرجل امرأتَه وحديثُ المرأة زوجها»(٤).
قال ابن حزم -رحمه الله- : «واتَّفقوا على تحريم الكذب في غيرِ الحرب وغيرِ مداراة الرجل امرأته وإصلاحٍ بين اثنين ودفعِ مظلمة»(٥).
غير أنَّ العلماء يختلفون في الكذب الوارد في الحديث: أهو الكذب الصريح أم مجرد التورية(٦)، باعتبارها كذبًا للإخبار بها بخلاف ما قصد إفهامه للمخاطب ولو قصد بها المتكلِّم معنىً صحيحًا في ذاته على نحو ما جاء على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنَّ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَعْتَذِرُ عَنِ الشَّفَاعَةِ بِأَنَّهُ كَذَبَ ثَلاَثَ كَذِبَاتٍ »(٧) علما بأن إبراهيم عليه السلام ورَّى ولم يكذب الكذب الصريح، وسَمَّى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم التوريةَ كذبًا؛ لأنَّ كلامه كان على خلاف ظاهره بالنسبة إلى الإفهام.
وفي تقديري أنَّ أقربَ القولين صحةً هو أنَّ المرادَ بالكذب في الحديث التوريةُ لا الكذبُ الصريح، قال ابن القيم -رحمه الله- في مَعْرِض ردِّه على من يقول: «يَحْسُنُ الكذبُ إذا تضمَّن عصمةَ نَبِيٍّ أو مسلمٍ» ما نصه: «لا نسلّم أنه يَحْسُنُ الكذبُ فضلاً عن أنه يجب، بل لا يكون الكذبُ إلاَّ قُبحًا، وأمَّا الذي يحسن فالتعريضُ والتوريةُ، كما وردت به السُّنة النبوية، وكما عَرَّض إبراهيم للملكِ الظَّالم بقوله: «هَذِهِ أُخْتِي» لزوجته، وكما قال: «إِنِّي سَقِيمٌ» فعرَّض بأنه سقيمٌ قلبُه من شركهم، أو سيَسْقَمُ يومًا ما، وكما فعل في قوله: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٦٣](٨)، فإنَّ الخبرَ والطَّلَبَ كلاهما معلَّق بالشرط، والشرط متصل بهما، ومع هذا فسمَّاها صلى الله عليه وسلم ثلاثَ كذِبات، وامتنع بها من مقام الشفاعة، فكيف يصحّ دعواكم أنّ الكذب يجب إذا تضمن عصمة مسلم مع ذلك؟
فإن قيل: «كيف سمَّاها إبراهيم كذبات وهي تورية وتعريض صحيح؟»
فنقول: الكلام له نِسبتان، نسبةٌ إلى المتكلِّم وقصده وإرادته، ونسبة إلى السَّامع وإفهام المتكلمِ إيَّاه مضمونَه، فإذا أخبر المتكلِّم بخبرٍ مطابقٍ للواقع وقصد إفهامَ المخاطَب فهو صِدْقٌ، وإن قصد خلاف الواقع وقصد مع ذلك إفهامَ المخاطَب خلاف ما قصد، بل معنًى ثالثًا لا هو الواقع ولا هو المراد، فهو كذبٌ من الجهتين بالنسبتين معًا.
وإن قصد معنًى مطابقا صحيحًا وقصد مع ذلك التعمية على المخاطَب، وإفهامَه خلاف ما قصده فهو صدق بالنسبة إلى قصده، كذب بالنسبة إلى إفهامه.
ومن هذا الباب التَّوريةُ والمعاريضُ، وبهذا أطلق عليها إبراهيمُ الخليلُ عليه السلام اسم الكذب، مع أنه الصَّادقُ في خبره، ولم يخبر إلاَّ صدقًا.
فتأمَّل هذا الموضع الذي أشكل على الناس، وقد ظهر بهذا أنَّ الكذب لا يكون قَطُّ إلاَّ قبيحًا، وأنَّ الذي يحسن ويجب إنما هو التورية، وهي صِدقٌ، وقد يطلق عليها الكذب بالنسبة إلى الإفهام لا إلى العناية»(٩).

فتاوى الشيخ فركوس

17 Jul, 20:37



الفتوى رقم: ١٠٨٠
الصنف: فتاوى الأسرة - انتهاء عقد الزواج - العدّة
في عِدَّة المطلَّقة ثلاثًا
السؤال:
امرأةٌ طلّقها زوجُها ثلاثَ تطليقاتٍ، فهل تعتدّ في الطّلقةِ الثّالثةِ بثلاثِ حِيَضٍ أم تستبرئ بحَيْضةٍ واحدةٍ؟ وجزاكم الله خيرا.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:
فالمرأةُ المطلَّقةُ تعتدّ في الطّلقةِ الثّالثةِ بثلاثةِ قروءٍ كحالِها في الطّلقةِ الأولى والثّانيةِ بلا فرقٍ؛ لقولِه تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، فإنّ ظاهرَ الآيةِ عامٌّ في المطلَّقةِ ثلاثًا وفيما دونها؛ لعدمِ وجودِ المخصِّصِ الشّرعيِّ الموجِبِ لاستبرائِها بحَيْضةٍ، كما أنّ الآيةَ عامّةٌ في كلِّ مطلَّقةٍ إلاّ ما خصّه القرآنُ الكريمُ كالآيسةِ والصّغيرةِ بالأشهرِ، والحاملِ بالوضعِ؛ لقولِه تعالى: ﴿وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطّلاق: ٤].
وخُصّ منها التي لم يُدْخَلْ بها، لقولِه تعالى: ﴿فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾ [الأحزاب: ٤٩]، كما خُصّتِ الأَمَةُ بالإجماعِ؛ فإنّ عِدّتَها حَيْضتان(١).
واعتدادُ المطلَّقةِ ثلاثًا بثلاثةِ قروءٍ هو قولُ عامّةِ الفقهاءِ مِن أصحابِ المذاهبِ، ونقل الجصّاصُ عدمَ الخلافِ في ذلك(٢) وهو الصّحيحُ الرّاجحُ، مع اختلافِهم في معنى القرءِ(٣).
أمّا القولُ باستبرائِها بحَيْضةٍ فهو اختيارُ ابنِ تيميّةَ –رحمه الله-، وقد بنى تأسيسَه على الاستدلالِ بأنّ العدّةَ في مقابَلةِ استحقاقِ الرّجعةِ؛ عملاً بالاستقراءِ حيث قال بعد ذكرِ حديثِ فاطمةَ بنتِ قيسٍ رضي الله عنها: «.. والحديثُ -وإنْ لم يكن في لفظِه أنْ تعتدَّ ثلاثَ حِيَضٍ- فهذا هو المعروفُ عند مَنْ بَلَغَنا قولُه مِنَ العلماءِ؛ فإنْ كان هذا إجماعًا فهو الحقُّ، والأمّةُ لا تجتمع على ضلالةٍ، وإن كان مِنَ العلماءِ مَن قال: إنّ المطلَّقةَ ثلاثًا إنّما عليها الاستبراءُ لا الاعتدادُ بثلاثِ حِيَضٍ فهذا له وجهٌ قويٌّ بأنْ يكونَ طولُ العدّةِ في مقابَلةِ استحقاقِ الرّجعةِ، وهذا هو السّببُ في كونِها جُعلتْ ثلاثةَ قروءٍ، فمَن لا رجعةَ عليها لا تتربّص ثلاثةَ قروءٍ، وليس في ظاهرِ القرآنِ إلاّ ما يوافق هذا القولَ؛ لا يخالفه وكذلك ليس في ظاهرِه إلاّ ما يوافق القولَ المعروفَ لا يخالفه. فأيُّ القولين قضَتِ السّنّةُ كان حقًّا موافقًا لظاهرِ القرآنِ، والمعروفُ عند العلماءِ هو الأوّلُ»(٤).
ولا يخفى أنّ الاستدلالَ العقليَّ الذي قوّى به ابنُ تيميّةَ –رحمه الله- الاستبراءَ على الاعتدادِ بثلاثِ حِيَضٍ معارِضٌ لظاهرِ نصِّ الآيةِ أوّلاً، ولأنّ تأسيسَ علّةِ العدّةِ على استحقاقِ الرّجعةِ منتقِضٌ بعدّةِ المتوفّى عنها زوجُها ثانيًا، فإنّ المتوفّى عنها زوجُها تعتدّ مع أنّه لا رجعةَ عليها؛ لقولِه تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: ٢٣٤]، لذلك كان الأَوْلى بالصّوابِ أنْ تعلَّلَ العدّةُ بالطّلاقِ أو الوفاةِ لمناسَبتِها للحكمِ مِن جهةٍ، ولِتَحقُّقِ دورانِ العلّةِ مع المعلولِ وجودًا وعدمًا مِن جهةٍ أخرى، فمتى وُجد الطّلاقُ أوِ الوفاةُ وُجدتِ العدّةُ تكليفًا شرعيًّا لازمًا بثلاثةِ قروءٍ أو أربعةِ أشهرٍ وعشرٍ، ومتى انتفى الطّلاقُ أوِ الوفاةُ انتفتِ العدّةُ وانعدم لزومُها.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: ١٩ من ذي الحجَّة ١٤٣١ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٤ نـوفمـبـر ٢٠١٠م
(١) انظر: «أحكام القرآن» لابن العربيّ: (١/ ١٨٥).
(٢) انظر: «أحكام القرآن» للجصّاص: (٢/ ٦٧)، وقال ابن الجوزيّ: «﴿وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ﴾ عامٌّ في المبتوتات والرّجعيات، وقوله تعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ خاصّ في الرّجعيات» [«زاد المسير» لابن الجوزيّ: (١/ ١٦٠)].
(٣) انظر الاختلاف في معنى القرء في: «بداية المجتهد» لابن رشد: (٢/ ٨٩)، «رؤوس المسائل الخلافيّة» للعكبريّ: (٤/ ٣٣٤)، «تكملة المجموع»: (١٨/ ١٣٣)، «المغني» لابن قدامة: (٧/ ٣٥٢).
(٤) «مجموع الفتاوى» لابن تيميّة: (٣٢/ ٣٤٢).
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

14,300

subscribers

15

photos

2

videos