فتاوى الشيخ فركوس @ferkouss Channel on Telegram

فتاوى الشيخ فركوس

@ferkouss


قال ابن القيم رحمه الله :
‏و تبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو .(بدائع التفسير (2/416)

فتاوى الشيخ فركوس (Arabic)

فتاوى الشيخ فركوس هي قناة على تطبيق التيليجرام توفر مجموعة متنوعة من الفتاوى الدينية والنصائح الروحية المأخوذة من تعاليم الشيخ فركوس. وفقًا لقول ابن القيم رحمه الله: 'وتبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو.' هذا يوضح أهمية نشر العلم والتوجيه الديني. تهدف هذه القناة إلى تقديم الإرشادات والتوجيهات الصحيحة للأفراد الذين يبحثون عن فهم أعمق لدينهم وتوجيهات حياتهم. سواء كنت مسلمًا متدينًا أو مجرد شخص يبحث عن الإلهام والإرشاد الروحي، فستجد في قناة 'فتاوى الشيخ فركوس' ما يلبي احتياجاتك. انضم إلينا اليوم لتصلك أحدث الفتاوى والنصائح التي تساعدك في رحلتك الدينية والروحية.

فتاوى الشيخ فركوس

12 Nov, 20:37


فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

12 Nov, 20:33


(٣٢) أخرجه الترمذيُّ في «الفِتَن» بابُ ما جاء: «لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» (٢١٨٠)، وقال: «حَسَنٌ صحيحٌ»، وأحمد في «مسنده» (٢١٨٩٧)، والطبرانيُّ ـ واللفظُ له ـ في «المعجم الكبير» (٣/ ٢٤٤)، مِنْ حديثِ أبي واقدٍ الليثيِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «المشكاة» (٥٤٠٨).
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

12 Nov, 20:33


(١٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «فرض الخُمُس» باب: ومِنَ الدليل على أنَّ الخُمُس لنوائب المسلمين (٣١٣٨)، ومسلمٌ في «الزكاة» (١٠٦٣)، مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.
(١٥) أخرجه البغويُّ في «حديث عليِّ بنِ الجعد» (٢٢٣٩)، وابنُ سعدٍ في «الطبقات الكبرى» (٣/ ٥٨)، مِنْ حديثِ كِنانةَ مولى صفيَّةَ قال: «رأيتُ قاتِلَ عثمان في الدار رجلًا أسودَ مِنْ أهلِ مِصْرَ يُقالُ له: جَبَلَةُ باسِطَ يديه ـ أو قال: رافِعَ يديه ـ يقول: أنا قاتلُ نعثلٍ».قال ابنُ الأثير في «النهاية» (٥/ ٨٠): «كان أعداءُ عثمان رضي الله عنه يُسَمُّونه نعثلًا تشبيهًا برجلٍ مِنْ مِصْرَ كان طويلَ اللحية اسْمُه: نعثلٌ، وقِيلَ: النعثل: الشيخُ الأحمق وذَكَرُ الضِّبَاع».
(١٦) «شرح السُّنَّة» للبربهاري (٦٠).
(١٧) «لا يُغِلُّ»: بالضمِّ مِنَ الإغلال وهو الخيانة، وبالفتح مِنَ الغِلِّ وهو الحقدُ والشحناء، أي: لا يَدخلُه حقدٌ يُزيلُه عن الحقِّ، ويُروى: «يَغِلُ» بالتخفيف مِنَ الوغل، أي: الدخول في الشرِّ [انظر: «النهاية» لابن الأثير (٣/ ٣٨١)]؛ والمعنى: أنَّ هذه الخِلالَ الثلاثَ تَستصلِحُ القلوبَ، فمَنْ تمسَّك بها طَهُرَ قلبُه مِنَ الشرِّ.
(١٨) أخرجه الترمذيُّ في «العلم» بابُ ما جاء في الحثِّ على تبليغ السماع (٢٦٥٨) مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه، وابنُ ماجه في «المقدِّمة» بابُ مَنْ بلَّغ علمًا (٢٣٠) مِنْ حديثِ زيد بنِ ثابتٍ رضي الله عنه، وفي «المناسك» باب الخُطْبة يومَ النحر (٣٠٥٦) مِنْ حديثِ جُبَيْر ابنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه. قال الترمذيُّ: «حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ»؛ قال ابنُ رجبِ في «جامع العلوم والحِكَم» (١/ ٢١٧): «إسنادٌ جيِّدٌ»، وصحَّحه ابنُ حجرٍ في «مُوافَقةِ الخُبْرِ الخَبَرَ» (١/ ٣٦٤)، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٧٦٦) وفي «السلسلة الصحيحة» (١/ ٧٦٠) رقم: (٤٠٤)؛ وروى هذا الأصلَ بضعةٌ وعشرون صحابيًّا، وهو معدودٌ مِنَ المُتواتِر كما بيَّنه الكتَّانيُّ في «نظم المُتناثِر» (٢٤ ـ ٢٥)؛ وروايةُ: «طَاعَةُ ذَوِي الأَمْرِ»: أخرجها أحمد (١٦٧٥٤)، والدارميُّ في «سُنَنه» باب الاقتداء بالعُلَماء (١/ ٨٦)، مِنْ حديثِ جُبَيْرِ ابنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه.
(١٩) «مفتاح دار السعادة» لابن القيِّم (١/ ٢٧٧ ـ ٢٧٨).
(٢٠) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (١/ ١٨ ـ ١٩).
(٢١) المصدر السابق (٣٥/ ١٢).
(٢٢) هذا الأسلوبُ إنما يُتَوَخَّى في المجال الدعويِّ والتعليميِّ والإعلاميِّ أو في إطار النصيحة؛ أمَّا مَنْ ظهَرَتْ بدعتُه واستقرَّتْ، وقامَتْ دعوتُه عليها ونافَحَ عنها، ونُوصِحَ ولم يرجع؛ فالمعروفُ مِنْ مذهب السلف أنه يجب زجرُه بهجره، والتحذيرُ منه حتمٌ لازمٌ.
(٢٣) انظر هذه القاعدةَ في: «الأشباه والنظائر» لابن الوكيل (١/ ٣٥٠)، «المنثور» للزركشي (٢/ ٢٩٧)، «الأشباه والنظائر» للسيوطي (١٥٢)، «إيضاح المسالك» للونشريسي (٣١٥)، «قواعد ابنِ رجب» (٢٣٠)، «الأشباه والنظائر» لابن السبكي (١/ ١٧٠).
(٢٤) «مدارج السالكين» لابن القيِّم (٢/ ٤٩٦).
(٢٥) انظر: «تفسير القرطبي» (٤/ ٢٩٤).
(٢٦) أخرجه أبو داود في «المَلاحِم» باب الأمر والنهي (٤٣٤٥) مِنْ حديثِ العُرْس بنِ عَمِيرةَ الكِنْديِّ رضي الله عنه. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٨٩) و«المشكاة» (٥١٤١).
(٢٧) أخرجه مسلمٌ في «العلم» (٢٦٧٤) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢٨) هو أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ مسلم بنِ عبيد الله ابنِ عبد الله بنِ شهابٍ الزُّهْرِيُّ القُرَشيُّ المَدَنيُّ، نَزيلُ الشام، أحَدُ التابعين الأعلام المشهورين بالإمامة والجلالة، كان حافِظَ زمانِه، عالمًا في الدِّين والسياسة، انتهَتْ إليه رئاسةُ العلم في وقته، له رواياتٌ كثيرةٌ. تُوُفِّيَ سَنَةَ: (١٢٤ﻫ ـ ٧٤١م).انظر مصادِرَ ترجمَتِه في مؤلَّفي: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» (٣٨٥).
(٢٩) «المغني» لابن قدامة (٨/ ١١٣)، وانظر: «المجموع» للنووي (١٩/ ٢٠٨)، و«نيل الأوطار» للشوكاني (٧/ ١٩٧).
(٣٠) انظر: «مغني المحتاج» للشربيني (٤/ ١٢٤)، و«حاشية الدسوقي» (٤/ ٣٠٠).
(٣١) هي قاعدةٌ مُطَّرِدةٌ شَهِد لها القرآنُ والسُّنَّةُ في مَواضِعَ كثيرةٍ منها: قولُه تعالى: ﴿وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ﴾ [الشورى: ٤٠]، وقولُه تعالى: ﴿فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱعۡتَدُواْ عَلَيۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡۚ﴾ [البقرة: ١٩٤]، وقولُه تعالى: ﴿وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ﴾ [النحل: ١٢٦]، وقولُه تعالى: ﴿جَزَآءٗ وِفَاقًا٢٦﴾ [النبأ]، أي: وَفْقَ أعمالهم. [انظر: «إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (١/ ١٩٦)].

فتاوى الشيخ فركوس

12 Nov, 20:33


الوجه الأوَّل: لا يظهر مِنْ هذه القصَّةِ أنَّ الصحابة أرادوا عبادةَ هذه الشجرةِ مِنْ دون الله، ولكن لحداثة عهدهم بالإسلام ظنُّوا أنَّ اتِّخاذ شجرةٍ ليعلِّقوا عليها أسلحتَهم وليتبرَّكوا بها لا ينافي التوحيدَ، فلم يكن قصدُهم عبادةَ الشجرة ـ كما يفعله القبوريُّون ـ لذلك بيَّن لهم أنَّ طَلَبَهم يُضادُّ التوحيدَ، فهو بِمَنْزلةِ الشرك الصريح وإِنْ خَلَا طلبُهم مِنْ صلاةٍ أو صيامٍ أو صدقةٍ.
فالقصَّة تفيد ـ إذن ـ لزومَ التعلُّم والتحرُّزِ في السفر والحَضَر، لئلَّا يقع الموحِّدُ العالمُ ـ فضلًا عن العامِّيِّ ـ في أنواع الشرك مِنْ حيث لا يدري.
الوجه الثاني: أنَّ الحديث يدلُّ على أنَّ بقيَّة الصحابةِ الذين كانوا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم في غزوته ـ وهُم الغالبُ ـ لم يتعلَّقوا بهذه العادةِ الشركيَّة الباطلة، وإِنْ وُجِد عند نفرٍ منهم على ظنِّ أنَّ ذلك حَسَنٌ فلكونهم حُدَثاءَ عهدٍ بالكفر وقرِيبِي عهدٍ بالشرك، ولا يخفى أنَّ المتنقِّل مِنْ عاداتٍ قبيحةٍ أو باطلةٍ اعتاد عليها وتعلَّق بها قلبُه لا يأمن أَنْ يستصحبَ بقاياها، ومع ذلك فوجودُه في آحادِهم لا يضرُّ لعدمِ اتِّساعه بقيامِ داعي تصفيةِ ما عَلِقَ بهم مِنْ عادةٍ شركيَّةٍ باطلةٍ بسدِّ الذرائع إليها، فضلًا عن تعليمهم لدِينهم وتربِيَتِهم على التوحيد السليم.
الوجه الثالث: ولأنَّ غزوة حُنَيْنٍ إنما كانَتْ في أُخْرَيات غزواته صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، وبالضبط في شوَّالٍ مِنْ سَنَةِ ثمانٍ مِنَ الهجرة قبل وفاته صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم بحوالَيْ ثلاث سنواتٍ تقريبًا، ومعلومٌ في فقه السيرة أنَّ أُسُسَ المجتمع الإسلاميِّ الربَّانيِّ الراشدِ قد اكتملَتْ دعائمُه وأُقِيمَ بناؤه، ولو وُجِدَتْ بقايا مِنْ عاداتٍ باطلةٍ فهي آيلةٌ إلى الزهوق والزوال، ولا تأثيرَ لها على صلاحِ القاعدة المؤسَّسةِ على تقوى مِنَ الله والاعتصامِ بحبله المتين.
ومِنْ ناحيةٍ أخرى؛ فالقصَّة تُفيد أنَّ أَمْرَ الجهاد إنما يكون مع أُولي الأمر مِنَ المسلمين، كما هو واضحٌ مِنْ ذات القصَّة، فضلًا عن وضوحِ الراية الشرعيَّة وسابِقيَّةِ التربية الربَّانيَّة مِنَ العُدَّة الإيمانيَّة والمادِّيَّة لتحقيقِ إقامةِ شرعِ الله تعالى، ﴿حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ﴾ [الأنفال: ٣٩].
وأخيرًا، فإنَّ الصبر على ولاة الأمور ـ وإِنْ جاروا ـ مِنْ عزائمِ الدِّين، ومِنْ وَصَايَا الأئمَّةِ الناصحين.
وأسأل اللهَ عزَّ وجلَّ أَنْ يثبِّت الصالحَ على ما هو عليه، وأَنْ يَهْدِيَ الضالَّ للرجوع عمَّا كان عليه، وأَنْ يتقبَّل توبةَ الفاسق ورجوعَ الضائع، وأَنْ يفتح علينا جميعًا بالاعتصام بحبله المتين، وأَنْ يقوِّيَنا على طاعته، ويُعينَنا على التعاونِ على البرِّ والتقوى، والتواصي بالحقِّ والصبر، وسيجعل اللهُ بعد عُسْرٍ يُسْرًا؛ إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه.
 

(١) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (١٣/ ٧).
(٢) انظر: «شرح مسلم» للنووي (١١/ ٢٢٩).
(٣) انظر: «الدُّرَر السنيَّة في الأجوبة النجدية» (٧/ ٢٣٩).
(٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الفِتَن» بابُ قولِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا» (٧٠٥٣، ٧٠٥٤)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٤٩)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(٥) انظر: «العُزْلة» للخطَّابي (٥٧).
(٦) «منهاج السُّنَّة النبوية» لابن تيمية (٥/ ١٣٤).
(٧) انظر: «تفسير الطبري» (٥/ ١٥٠).
(٨) أخرجه مسلمٌ في «الإمارة» (١٨٤٧) مِنْ حديثِ حُذَيْفةَ ابنِ اليَمان رضي الله عنهما.
(٩) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الجهاد والسِّيَر» بابُ السمع والطاعة للإمام (٢٩٥٥) وفي «الأحكام» باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصيةً (٧١٤٤)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٣٩)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(١٠) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأحكام» بابُ السمعِ والطاعة للإمام ما لم تكن معصيةً (٧١٤٥)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٤٠)، مِنْ حديثِ عليِّ ابنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه.
(١١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأدب» باب: مَنْ كفَّر أخاه بغيرِ تأويلٍ فهو كما قال (٦١٠٥)، ومسلمٌ في «الإيمان» (١١٠)، مِنْ حديثِ ثابت بنِ الضحَّاك رضي الله عنه.
(١٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الإيمان» بابُ خوفِ المؤمن أَنْ يَحْبَط عملُه وهو لا يشعر (٤٨)، ومسلمٌ في «الإيمان» (٦٤)، مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه.
(١٣) أخرجه الترمذيُّ في «البرِّ والصلة» بابُ ما جاء في اللعنة (١٩٧٧) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٣٢٠).

فتاوى الشيخ فركوس

12 Nov, 20:33


ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا»(٢٧).
ومِنَ المَخاوِف الحاصلة ـ حقًّا ـ: انتقالُهم مِنْ أهل البغي إلى مُحارِبين؛ ذلك لأنَّ شأنَ أهلِ البغي أنه تجتمع فيهم صفةُ الخروجِ عن طاعة الحاكم، ويرومون خَلْعَه وتنحِيَتَه عن مَنْصِب الإمامة لتأويلٍ سائغٍ مع ما هم فيه مِنْ مَنَعَةٍ وشوكةٍ وقوَّةٍ يحتاج الحاكمُ معها في ردِّهم للطاعة إلى إعدادِ رجالٍ ومالٍ وقتالٍ، فأهلُ البغي هم مسلمون مُخالِفون لإمام الجماعة، ودليلُه قولُه تعالى:  ﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ﴾ [الحجرات: ٩]، فقَدِ اتَّفق العلماءُ على أنَّ الفئة الباغية لا تخرج عن الإسلام ببغيها؛ لأنَّ القرآن وَصَفها بالإيمان مع مُقاتَلتها للطائفة العادلة، وحكمُها أَنْ لا ضمانَ على البغاة فيما أتلفوه خلال القتالِ والحربِ مِنْ نفسٍ أو مالٍ؛ فلا يُقْتَل مُدْبِرُهم، ولا يُجْهَز على جريحهم، ولا تُغْنَم أموالُهم، ولا تُسبى نساؤُهم وذراريهم، وأنَّ مَنْ قُتِل منهم غُسِّل وكُفِّن وصُلِّيَ عليه.
وبالمُقابِل، فإنَّ الطائفة المقاتِلة مع الإمام لا يضمنون ـ في قتالهم ـ ما يُتْلِفونه مِنْ نفسٍ أو مالٍ ولا ما يصيبونه منهم مِنْ جراحاتٍ؛ قال ابنُ قدامة ـ رحمه الله ـ: «قال الإمام الزهريُّ(٢٨): «كانَتِ الفتنةُ العظمى بين الناس وفيهم البدريون، فأجمعوا على أَنْ لا يُقام حدٌّ على رجلٍ ارتكب فَرْجًا حرامًا بتأويلِ القرآن، ولا يُغَرَّمَ مالًا أتلفه بتأويل القرآن»، ولأنها طائفةٌ مُمتنِعةٌ بالحرب بتأويلٍ سائغٍ فلم تَضْمَن ما أتلفَتْ على الأخرى كأهل العدل، ولأنَّ تضمينهم يُفْضي إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الطاعة فلا يُشْرَع كتضمينِ أهل الحرب»(٢٩)، وعلى هذا انعقد إجماعُ الصحابةِ كما دلَّ عليه كلامُ الإمام الزهريِّ، والإجماعُ حجَّةٌ واجبةُ الأخذِ بموجَبها.
أمَّا إذا اختلَّتْ صفاتُ أهل البغي كأَنْ تضعف قوَّتُهم، ويتفرَّق جمعُهم، أو انتفى تأويلُهم، أو بقي عندهم تأويلٌ فاسدٌ؛ فإنهم مُؤاخَذون بما يفعلونه، ويضمنون ما يُتْلِفونه مِنْ نفسٍ ومالٍ؛ لأنَّ المَنَعَة والشوكة بتجمُّعهم، فإذا انعدمَتِ انعدمَتِ الولايةُ، ويبقى مجرَّد تأويلٍ فاسدٍ لا يُعْتَدُّ به، كالخروج مِنْ أجل الدنيا أو للحصول على الرئاسة ومنازَعةِ أُولي الأمر أو لعصبيَّته، فهذا الخروجُ يُعتبَر مُحارَبةً، ويكون للمُحارِبين حكمٌ آخَرُ يُخالِف حُكْمَ الباغين(٣٠)، وهو الواردُ في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡيٞ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ٣٣ إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبۡلِ أَن تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهِمۡۖ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ٣٤﴾ [المائدة].
فدلَّ هذا على سقوط الحدِّ عن التائبين منهم قبل القدرة عليهم ـ أي: قبل القبض عليهم ـ مِنْ هذه العقوبة؛ ذلك لأنَّ هذا الحدَّ ثَبَتَ حقًّا لله تعالى، فيسقط بتوبتهم قبل القدرة عليهم لا بعدها، غيرَ أنَّ حقوق الآدميِّين لا تسقط عن المُحارِبين كالقصاص وضمان الأموال، إلَّا إذا عفا عنهم أصحابُ الحقِّ، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، بخلاف أهل البغي فإنهم لا يضمنون ما أتلفوه مِنْ مالٍ أو نفسٍ على ما تقدَّم.
فهذا موقفُ أهل السُّنَّة والجماعة: يُقابِلون جَوْرَ السلطان بالصبر والاحتساب، ولا يُقْدِمون على شيءٍ مِنَ المنهيَّات مِنْ حملِ السلاح أو إثارةِ فتنةٍ أو نزعِ يدٍ عن طاعةٍ، تحكيمًا للنصوص والآثار؛ لئلَّا تتخطَّفهم الشُّبَهُ ويستزلَّهم الشيطانُ، بل يَعْزُون ما حلَّ بهم مِنْ جَوْرٍ إلى فسادِ أعمالهم، و«الجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ»(٣١)، قال تعالى: ﴿وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ٣٠﴾ [الشورى]، فيجتهدون في الاستغفار والتوبة وإصلاحِ العمل، ويسألون اللهَ عزَّ وجلَّ كَشْفَ ما بهم مِنْ ضرٍّ، ﴿مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ﴾ [النساء: ٧٩].
وأمَّا الاستدلال بحديثِ أبي واقدٍ الليثيِّ في «قصَّةِ النَّفَر الذين سألوا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم أَنْ يجعل لهم ذاتَ أنواطٍ كما لهم ذاتُ أنواطٍ»(٣٢) على عدمِ اشتراطِ أَنْ يكون كُلُّ المجاهدين عارفين بدِينهم وعقيدتهم؛ فغيرُ ناهضٍ مِنْ وجوهٍ:

فتاوى الشيخ فركوس

12 Nov, 20:33


وَيُزَكِّيهِمۡۖ﴾ [البقرة: ١٢٩].
ومِنْ هنا يُدْرَك أنَّ طريق الدعوةِ إلى الله إنما يكون بالحكمة والموعظة الحسنة والصبرِ على مَشاقِّها دون عجلةٍ مورِّطةٍ في الفساد والإفساد، التي مآلُها الحرمان على ما تقرَّر في القواعد أنَّ: «مَنْ تَعَجَّلَ الشَّيْءَ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ»(٢٣)؛ فيحتاج الأمرُ إلى ثباتٍ وتضحيةٍ واستقامةٍ وأملٍ بالله ويقينٍ، قال تعالى: ﴿وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ٢٤﴾ [السجدة]؛ فالإمامةُ في الدِّين إنما تُنال بالصبر واليقين؛ فإنَّ تحمُّل الأمانةِ بالوجه المطلوب شرعًا نصرةٌ لدِينِ الله، مع الثقة الكاملة بأنَّ نَصْرَ الله آتٍ لمَنْ نَصَرَ دِينَه يقينًا على الوجه الذي أَمَرَ به الشرعُ، قال تعالى: ﴿إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ٧﴾ [محمَّد]، وقال تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ﴾ [الحجّ: ٤٠]، كما أنه يؤدِّي إلى تمكينِ الدِّين المرتضى لعباده الصالحين، كما وَعَدَ المولى عزَّ وجلَّ عليه غايةَ العزَّة فقال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [المنافقون: ٨]، وقال تعالى: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ﴾ [النور: ٥٥].
أمَّا نزعُ اليد عن الطاعة بالخروج عليهم إذا لم نَرَ كفرًا بواحًا عندنا فيه مِنَ الله برهانٌ، مع لزومِ الأخذ بعين الاعتبار قاعدةَ: «دَرْءُ المَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ المَصَالِحِ»، فإنه فضلًا عن كونه يُخالِف النصوصَ الشرعيَّة الكثيرةَ الآمرةَ بالطاعة وعدمِ نزعِ اليد عنهم وإِنْ جاروا، والآمرةَ ـ أيضًا ـ بتغييرِ ما بالأنفس، فإنَّ هذا العمل يجرُّ مَفاسِدَ شتَّى، وهي أعظمُ مِمَّا يحصل مِنْ جَوْرِ ولاة الأمر وظُلْمهم على ما هو ظاهرٌ للعيان، كما أنَّ هذا الطريقَ ـ مِنْ جهةٍ ثالثةٍ ـ ينعكس سلبًا على سيرِ الدعوةِ إلى الله تعالى، معطِّلٌ لسبيلها، ويزيد على الأمَّةِ همومًا أخرى وفِتَنًا وشرورًا ومَصائِبَ تهدم شوكتَها وتُضْعِف قوَّتَها وتخدم أعداءَها، والتاريخ يشهد على هذه الفتنِ قديمًا وحديثًا، «والسعيدُ مَنْ وُعِظ بغيره»، كُلُّ ذلك يرجع إمَّا إلى الغلوِّ والإفراط، أو إلى التقصير والتفريط، كما أَفصحَ عنه ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ بقوله: «ودِينُ الله وسطٌ بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسطِ بين طرفين ذميمين، فكما أنَّ الجافيَ عن الأمر مضيِّعٌ له فالغالي فيه مضيِّعٌ له، هذا بتقصيره عن الحدِّ، وهذا بتجاوُزه الحدَّ»(٢٤).
وليس معنى عدمِ نزعِ اليد عن طاعتهم إقرارَهم على الباطل والرضا عنهم بما هم فيه مِنَ المُنكَر، فالباطلُ يبقى مذمومًا، والمنكر يبقى على صفته بغضِّ النظر عن فاعلِه محكومًا كان أو حاكمًا، لا نرضى عن الأفعال المستقبَحة شرعًا ولا نحبُّها، كما نبغض الصنائعَ المُستبشَعة؛ ذلك لأنَّ «الرِّضَا بِالفِعْلِ كَالفِعْلِ إِثَابَةً وَعِقَابًا، وَإِنْ تَجَرَّدَ عَنِ العَمَلِ وَالقَصْدِ»، ويدلُّ عليه قولُه تعالى في شأن اليهود: ﴿وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ﴾ [آل عمران: ١٨١]، أي: ونكتب قَتْلَهم الأنبياءَ، أي: رضاهم بالقتل، والمرادُ قتلُ أسلافِهم الأنبياءَ، لكِنْ لَمَّا رَضُوا بذلك صحَّتِ الإضافةُ إليهم، وحسَّن رجلٌ عند الإمام الشعبيِّ قَتْلَ عثمانَ بنِ عفَّان رضي الله عنه فقال له الشعبيُّ: «شَرِكتَ في دمه»(٢٥)، فجَعَلَ الرضا بالقتل قتلًا.
وليس ذلك إلَّا لأنَّ الرِّضا بالمعصية معصيةٌ، ويؤيِّد ذلك قولُه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «إِذَا عُمِلَتِ الخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا ـ وَقَالَ مَرَّةً: أَنْكَرَهَا ـ كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا»(٢٦)، وهذا يدلُّ على أنَّ الراضيَ بالفعل كالفاعل وإِنْ لم تتحرَّك جوارحُه بفعله.
وعليه، فإنَّ النصح آكدٌ في وجوبِ عودةِ المُفارِق للجماعة إلى رحاب الجماعة، باستئنافِ الحياة العاديَّة وتركِ ما كان عليه مِنَ الفساد والإفساد؛ فإنَّ ذلك مِنْ أوجبِ الواجبات وأسمى المَهَمَّات، وإفسادُ الدِّين أقوى وأعظمُ مِنْ إفساد النفس.
علمًا أنَّ البقاء على ما هم عليه يُفْضي إلى مَفاسِدَ أخرى نخشى عواقبَها، منها: خشيةُ التراجع عن التوبة والعودة إلى القتال، وذلك مُخالِفٌ لقواعدِ الدِّين وأصولِ الشريعة كما تقدَّم، ومِنَ المَخاوِف ـ أيضًا ـ اغترارُ بعضِ الناس مِمَّنْ تأذَّى ولم يصبر على الأذى أَنْ يلتحق بهم، ففي الحديث: «وَمَنْ دَعَا إِلَى

فتاوى الشيخ فركوس

12 Nov, 20:33


فهؤلاء أشدُّ الناس غِلًّا وغِشًّا بشهادةِ رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم والأمَّةِ عليهم، وشهادتِهم على أنفسهم بذلك؛ فإنهم لا يكونون قطُّ إلَّا أعوانًا وظَهرًا على أهل الإسلام، فأيُّ عدوٍّ قام للمسلمين كانوا أعوانَ ذلك العدوِّ وبِطانَتَه.
وهذا أمرٌ قد شَاهَدَتْهُ الأمَّةُ منهم، ومَنْ لم يُشاهِدْ فقَدْ سَمِع منه ما يُصِمُّ الآذانَ ويُشْجِي القلوبَ.
وقولُه: «فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ» هذا مِنْ أَحْسَنِ الكلام وأوجزِه وأفخمِه معنًى، شبَّه دعوةَ المسلمين بالسُّور والسِّياجِ المحيطِ بهم، المانعِ مِنْ دخول عدوِّهم عليهم، فتلك الدعوةُ التي هي دعوةُ الإسلام وهُم داخلونها، لَمَّا كانت سُورًا وسِيَاجًا عليهم أَخبرَ أنَّ مَنْ لَزِم جماعةَ المسلمين أحاطَتْ به تلك الدعوةُ التي هي دعوةُ الإسلام كما أحاطَتْ بهم، فالدعوةُ تجمع شَمْلَ الأمَّةِ وتَلُمُّ شَعَثَها وتحيط بها؛ فمَنْ دَخَلَ في جماعتها أحاطَتْ به وشَمِلَتْه»(١٩).
وعليه؛ فإنَّ مذكوراتِ الحديث الثلاثَ ـ يعني: إخلاصَ العمل، ومناصحةَ أولي الأمر، ولزومَ جماعة المسلمين ـ تجمع أصولَ الدِّين وقواعدَه، وتجمع الحقوقَ التي لله ولعباده، وتنتظم بها مَصالِحُ الدنيا والآخرةِ، على ما أَوْضَحَ شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله تعالى ـ بقوله: «وبيانُ ذلك أنَّ الحقوق قسمان: حقٌّ لله وحقٌّ لعباده:
فحقُّ اللهِ أَنْ نعبده ولا نُشْرِك به شيئًا... وهذا معنى إخلاص العمل لله.
وحقوق العباد قسمان: خاصٌّ وعامٌّ:
أمَّا الخاصُّ فمثلُ بِرِّ كُلِّ إنسانٍ والدَيْه، وحقِّ زوجته وجارِه، فهذه مِنْ فروع الدِّين؛ لأنَّ المكلَّف قد يخلو عن وجوبها عليه، ولأنَّ مصلحتها خاصَّةٌ فرديَّةٌ.
وأمَّا الحقوق العامَّة فالناسُ نوعان: رُعَاةٌ ورعيَّةٌ؛ فحقوق الرُّعاة: مناصحتُهم، وحقوقُ الرعيَّة: لزومُ جماعتهم؛ فإنَّ مصلحتهم لا تتمُّ إلَّا باجتماعهم، وهم لا يجتمعون على ضلالةٍ، بل مصلحةُ دِينهم ودُنْياهم في اجتماعهم واعتصامِهم بحبل الله جميعًا.
فهذه الخصالُ تجمع أصولَ الدِّين» اﻫ(٢٠).
لذلك كان الخروجُ على الأئمَّة ـ وإِنْ جاروا ـ مُحْدَثًا ومُنكَرًا، وقد نَطَقَتِ الأحاديثُ بوجوب لزوم جماعة المسلمين وإمامهم؛ فإنَّ الخروج عليهم والافتِيَاتَ عليهم معصيةٌ ومُشاقَّةٌ لله ورسوله، ومُخالَفةٌ لِمَا عليه أهلُ السُّنَّة والجماعة.
قال شيخ الإسلام ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله ـ في «مجموع فتاويه»: «وأمَّا أهل العلم والدِّين والفضل فلا يرخِّصون لأحدٍ فيما نهى اللهُ عنه مِنْ معصيةِ وُلَاة الأمور وغِشِّهم والخروجِ عليهم بوجهٍ مِنَ الوجوه، كما قد عُرِف مِنْ عاداتِ أهلِ السُّنَّة والدِّين قديمًا وحديثًا ومِنْ سيرةِ غيرِهم»(٢١).
هذا، والطريق الأسلمُ والمنهج الأوفقُ الذي يتحقَّق به معنى التغيير يكمن في السير بالدعوة إلى الله على منهاج النبوَّة بتصحيح العقيدة وتصفِيَتِها مِنْ كُلِّ الشوائب العالقةِ بها والمُنافِيَةِ لعقيدة أهل الحقِّ، وترسيخها بتربية الأنفس والأهل على هذا الدِّين، والدعوةِ للعمل بأحكامه بالأسلوب الذي أَمَرنا تعالى أَنْ ندعوَ به في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ﴾ [النحل: ١٢٥]؛ ذلك لأنَّ اللين في الأسلوبِ والموعظةَ الحسنة في مجال الدعوة والتعليم والإعلام والنصح(٢٢) مِنْ أهمِّ أسباب حصول انتفاعِ العوامِّ بدعوة الدعاة وتعليمِهم وإرشادهم، بخلاف التغليظ في القول، والزجرِ في الأسلوب، والتبكيتِ في الدعوة والتعليم، فلا نتائجَ وافرةَ ومفيدةَ مِنْ ورائه مرجوَّة، قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ﴾ [آل عمران: ١٥٩]، وقال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام حين أرسلهما إلى فرعون: ﴿فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ٤٤﴾ [طه]، كما أنَّ المطلوب الاتِّصافُ بأخلاقِ هذا الدِّينِ والتحلِّي بآدابه عملًا بقوله تعالى: ﴿وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّٰنِيِّ‍ۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ٧٩﴾ [آل عمران]، وبقوله تعالى: ﴿وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ٣﴾ [العصر]، وبقوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ﴾ [المائدة: ٢]؛ فإنَّ تكريسَ هذه الدعوةِ سلوكًا ومنهجًا يؤدِّي بطريقٍ أو بآخَرَ إلى تحقيقِ تغييرِ ما بالأنفس على ما يُوافِق الشرعَ ليحصل مع المطلوبِ ما وَعَدَ به اللهُ تعالى في قوله: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ﴾ [الرعد: ١١]، هذا الأمرُ الذي كان عليه سبيلُ الدعوةِ أيَّامَ الرسالة، قال تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ

فتاوى الشيخ فركوس

12 Nov, 20:33


والمجلَّات، أو في الدروس والخُطَب، أو بين العامَّة؛ كما ينبغي تجنُّبُ كُلِّ ما يُسيءُ إليهم مِنْ قريبٍ أو مِنْ بعيدٍ؛ ذلك أنَّ علَّةَ المنع: تَفادي الفوضى، وتركِ السمعِ والطاعة في المعروف، والخوضِ فيما يضرُّ نتيجةَ سبِّهم وإهانتهم؛ الأمرُ الذي يفتح بابَ التأليبِ عليهم، ويجرُّ ذلك إلى الفساد، ولا يعود على الناس إلَّا بالشرِّ المستطير؛ ولهذا قال النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «لَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ»(١١)، و«سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» (١٢)، وبيَّن خُلُقَ المؤمنِ بأنه: «لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ»(١٣)؛ ولا شكَّ أنَّ الاتِّصاف بهذا الخُلُقِ الذميمِ مع ولاةِ الأمورِ والأئمَّةِ مِنْ علامات الخوارج، وقد جاء على لسانِ رجلٍ منهم قولُه للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «اعْدِلْ»(١٤)، وقال آخَرُ منهم لعثمان رضي الله عنه عندما دَخَلَ عليه ليقتله: «يا نَعْثَلُ»(١٥)؛ وإنما أُمِرْنا أَنْ نَدْعُوَ لهم بالصلاح ونُعينَهم عليه، ولم نُؤمَرْ أَنْ ندعوَ عليهم ـ وإِنْ وَقَعَ منهم الجَوْرُ والظلم ـ كما يفعله فينا مَنْ لم يتَّضِحْ له مذهبُ السلفِ في مُعامَلةِ ولاةِ الأمور؛ ذلك لأنَّ ظُلْمَهم وجَوْرهم على أَنْفُسهم، أمَّا صلاحُهم فلِأَنْفُسهم وللأمَّة كُلِّها: العبادِ والبلاد، وقد جاء عن بعضِ علماءِ السلفِ قولُه: «إذا رأيتَ الرجلَ يدعو على السلطان فاعْلَمْ أنه صاحِبُ هوًى، وإذا رأيتَ الرَّجلَ يدعو للسلطان بالصلاح فاعْلَمْ أنه صاحِبُ سُنَّةٍ ـ إِنْ شاء اللهُ ـ»(١٦).
هذا، وإذا أُمِرْنا بأَنْ ندعوَ لهم فقَدْ أُمِرْنا ـ أيضًا ـ بنصيحتهم ـ حالَ الاستطاعةِ والإمكان ـ مِنْ غيرِ تعنيفٍ ولا بأسلوبِ الفجاجةِ والغلظةِ وبكلمات السوء والمُنكَر، وإنما يكون نُصْحُهم مَبْنِيًّا على الوعظ والتخويف، تذكيرًا لهم بالله تعالى، وتحذيرًا لهم مِنَ الآخرة، وترغيبًا لهم في الصالحات؛ فإنَّ مُناصَحةَ أئمَّةِ المسلمين مُنافِيَةٌ للغِلِّ والغشِّ، كما أخبر به النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم فيما أخرجه الترمذيُّ وغيرُه مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه مرفوعًا: «ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ(١٧) عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ العَمَلِ للهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ ـ وفي لفظٍ: طَاعَةُ ذَوِي الأَمْرِ ـ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ؛ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ»(١٨).
وقَدْ شَرَحَ الإمامُ ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ في «مفتاح دار السعادة» هذا النصَّ شرحًا دقيقًا قيِّمًا بقوله: «وقولُه: «ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ...» أي: لا يحمل الغِلَّ ولا يبقى فيه مع هذه الثلاثة؛ فإنها تَنْفي الغلَّ والغشَّ ومُفْسِداتِ القلبِ وسَخائِمَه.
فالمُخْلِصُ لله إخلاصُه يمنع غِلَّ قلبه، ويُخْرِجُه ويزيلُه جملةً؛ لأنه قد انصرفَتْ دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربِّه؛ فلم يَبْقَ فيه موضعٌ للغلِّ والغِشِّ كما قال تعالى: ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصۡرِفَ عَنۡهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلۡفَحۡشَآءَۚ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِينَ٢٤﴾ [يوسف]، فلمَّا أَخْلَصَ لربِّه صَرَفَ عنه دواعيَ السوءِ والفحشاء؛ فانصرف عنه السوءُ والفحشاءُ؛ ولهذا لَمَّا عَلِمَ إبليسُ أنه لا سبيلَ له على أهلِ الإخلاص استثناهم مِنْ شَرْطَتِه التي اشترطها للغواية والإهلاك، فقال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ٨٢ إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِينَ٨٣﴾ [ص]، قال تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ٤٢﴾ [الحِجْر]، فالإخلاصُ هو سبيلُ الخلاص، والإسلامُ هو مَرْكَبُ السلامة، والإيمانُ خاتَمُ الأمان.
وقولُه: «وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ»: هذا ـ أيضًا ـ مُنافٍ للغِلِّ والغشِّ؛ فإنَّ النصيحة لا تُجامِعُ الغِلَّ إذ هي ضدُّه؛ فمَنْ نَصَحَ الأئمَّةَ والأمَّة فقَدْ بَرِئَ مِنَ الغِلِّ.
وقولُه: «وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ»: هذا ـ أيضًا ـ مِمَّا يُطهِّر القلبَ مِنَ الغِلِّ والغشِّ؛ فإنَّ صاحِبَه ـ لِلُزومه جماعةَ المسلمين ـ يحبُّ لهم ما يحبُّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لها، ويسوؤه ما يسوؤهم، ويسرُّه ما يسرُّهم.
وهذا بخلافِ مَنِ انحاز عنهم واشتغل بالطعن عليهم والعيبِ والذمِّ لهم، كفعلِ الرافضة والخوارج والمعتزلة وغيرِهم؛ فإنَّ قلوبَهم مُمتلِئةٌ غِلًّا وغِشًّا؛ ولهذا تجد الرافضةَ أَبْعَدَ الناسِ مِنَ الإخلاص، وأَغَشَّهم للأئمَّة والأمَّة، وأشدَّهم بُعْدًا عن جماعة المسلمين.

فتاوى الشيخ فركوس

12 Nov, 20:33


الكلمة الشهرية: ٣
المنهج القويم
في معاملة الحكام

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فاعْلَمْ أنَّ العلماءَ أجمعوا على وجوبِ طاعةِ الحاكم المتغلِّب، وأنَّ طاعته خيرٌ مِنَ الخروج عليه، لِمَا في ذلك مِنْ حَقْنِ الدماءوتسكينِ الدهماء، ولِمَا في الخروج عليه مِنْ شقِّ عصا المسلمين وإراقةِ دمائهم وذهابِ أموالهم، فإذا استتبَّ له الأمرُ وتمَّ له التمكينُ ـ وإِنْ لم يَستجمِعْ شروطَ الإمامةِ ـ صَحَّتْ إمامتُه ووجبت بيعتُه وطاعتُه في المعروف، وحَرُمَتْ مُنازَعتُه ومعصِيَتُه؛ فأحكامُه نافذةٌ، ولا يجوز الخروجُ عليه قولًا واحدًا؛ وقد حكى الإجماعَ على ذلك الحافظُ ابنُ حجرٍ في «الفتح»(١)، والنوويُّ في «شرح مسلم»(٢)، والشيخُ محمَّد بنُ عبد الوهَّاب في «الدُّرَر السنيَّة»(٣)، فمَنْ خَرَجَ عن طاعةِ الحاكم الذي وَقَعَ الاجتماعُ عليه فارَقَ الجماعةَ الذين اتَّفقوا على طاعةِ الإمام الذي انتظم به شَمْلُهم، واجتمعت به كَلِمتُهم، وحَاطَهُمْ عن عدوِّهم، فإِنْ مات مات مِيتةَ الجاهليَّة، فقَدْ أخرج البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحَيْهما عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، وفي لفظٍ: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»(٤)؛ ذلك لأنَّ أهل الجاهليَّة لم يكن لهم إمامٌ يجمعهم على دِينٍ ويتألَّفهم على رأيٍ واحدٍ ـ كما ذكر الخطَّابيُّ ـ بل كانوا طوائفَ شتَّى وفِرَقًا مُختلِفين، آراؤهم مُتناقِضةٌ، وأديانُهم مُتبايِنةٌ؛ وذلك الذي دعا كثيرًا منهم إلى عبادة الأصنام وطاعةِ الأزلام، رأيًا فاسدًا اعتقدوه في أنَّ عندها خيرًا، وأنها تملك لهم نفعًا أو تدفع عنهم ضرًّا(٥).
ففي حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما المتقدِّمِ دليلٌ على تركِ الخروج على السلطان ولو جَارَ؛ فإنَّ المُفارَقة للجماعةِ مُفارَقةٌ للأُلفةِ وزوالٌ للعصمةِ وخروجٌ عن كَنَفِ الطاعة والأمان، وصاحِبُها لا يُسألُ عنه لعظيمِ هَلَكَتِه، وقد أَمَرَ الشرعُ بلزومِ الجماعة ونَهَى عن التفرُّق ـ وإِنْ وَقَعَ مِنْ وُلَاةِ الأمورِ الظلمُ والحيفُ ـ، قال الله تعالى: ﴿وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ﴾ [آل عمران: ١٠٣]، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله ـ: «وقد فُسِّرَ «حبلُه» بكتابه وبدِينه وبالإسلام وبالإخلاص وبأَمْرِه وبعهده وبطاعته وبالجماعة؛ وهذه كُلُّها منقولةٌ عن الصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، وكُلُّها صحيحةٌ؛ فإنَّ القرآن يأمر بدِينِ الإسلام، وذلك هو عهدُه وأمرُه وطاعتُه، والاعتصامُ به جميعًا إنما يكون في الجماعة، ودِينُ الإسلامِ حقيقتُه الإخلاصُ لله»(٦).
ولقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ﴾ [النساء: ٥٩]، و«أُولو الأمر» منهم الأمراءُ والولاة؛ لصحَّةِ الأخبار عن رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم بالأمر بطاعةِ الأئمَّة والولاةِ فيما كان لله طاعةً وللمسلمين مصلحةً(٧)، منها قولُه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم في حديثِ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمانِ رضي الله عنهما: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ»، قال: قلت: «كَيْفَ أَصْنَعُ ـ يَا رَسُولَ اللهِ ـ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟» قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ»(٨)، والطاعةُ لهم في المَنْشَطِ والمَكْرَه، والعُسرِ واليُسر، مشروطةٌ بغيرِ معصيةِ الله تعالى لدلالةِ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم أنه قال: «عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ؛ فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ»(٩)، ولحديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم قال: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ؛ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»(١٠).
لذلك كان إحسانُ الظنِّ بولاةِ الأمرِ مُتَحَتِّمًا، ومِنْ لوازمِ طاعتهم: مُتابَعتُهم في الصوم والفطر والتضحية: فيصوم بصيامهم في رمضان، ويفطر بفِطْرهم في شوَّالٍ، ويضحِّي بتضحِيَتِهم في عيد الأضحى؛ ومِنْ لوازمِ طاعتهم ـ أيضًا ـ عَدَمُ إهانتهم، وتركُ سَبِّهم أو لَعْنِهم، والامتناعُ عن التشهير بعيوبهم، سواءٌ في الكتب والمصنَّفات

فتاوى الشيخ فركوس

05 Nov, 21:08



الفتوى رقم: ٩٨٠
الصنـف: فتاوى الأسرة - عقد الزواج - الحقوق الزوجية - الحقوق المنفردة
في حدود مطالبة المرأة زوجها بسكن مستقل
السـؤال:
تسكن امرأةٌ متزوِّجةٌ مع عائلة زوجها، وكثيرًا ما تتفاجأ بدخول أقارب زوجها البيتَ من غير استئذانٍ، بالإضافة إلى وقوعها في خلوةٍ بين فترةٍ وأخرى مع أخ الزوج الذي بدأت تظهر عليه علامات البلوغ، فما عليها فعلُه في مثل هذه الحالات؟ وما واجب الزوج؟ وهل يصحُّ لها المطالبة ببيتٍ مُستقلٍّ ليزول عنها الحرج؟
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالواجبُ على الزوجة أن تسترَ محاسنَها وكلَّ ما يكونُ سببًا في الفتنة، فإن كانت في بيتها فلا يجوزُ للأجنبيِّ -ولو كان من أقارب الزوج- الدخولُ عليها أو مباغتتُها وهي غير متحجِّبةٍ، أو مع غير ذي محرمٍ لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِيَّاكُمْ وَالدُخُولَ عَلَى النِّسَاءِ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الحمْوَ؟ قال: «الحَمْوُ الموْتُ»(١)؛ ذلك لأنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، كما لا تجوز الخلوةُ بواحدٍ منهم أو من غيرهم ممَّن ليسوا بمَحْرَمٍ لها لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَيْطَانُ»(٢)، فالخلوة بالأجنبية مثار شهوةٍ، والشهوة الجنسية لا حدود لها، ولها الجلوس مع زوجها أو مع ذي محرمٍ لها إن كانت مستترةً بلباسٍ سابغٍ يخفي عورتَها ولا يُظهر مفاتنَها ولو مع أقاربه، لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ»(٣).
هذا، وعلى المرأة -في هذه الوضعية الحرجة- أن تحترز قدْرَ الإمكان عن الوقوع في هذه المحاذير التي لا يعبأ بها معظم العائلات والأسر ويغفلون عن نتائجها الضارَّة، كما أنه لا ينبغي لها تكليفُ الزوج بتوفير مسكنٍ خاصٍّ في الحال إذا كانت حدودُه الماليةُ لا تفي بهذه المطالبة، أو يكون الحجم الماليُّ يُثقل كاهلَه لقوله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، ولقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦].
فإن كان قادرًا على إزالةِ مفسدةِ الاختلاط والخلوةِ بتوفير مسكنٍ مستقلٍّ وجب عليه ذلك في الحال ليصون فيه عرضَه، ويحفظ أهلَه ويدفع الحرجَ عنهم، وإن لم يقدر وجب عليه تقليلُ المفسدة بأخذ الاحتياطات اللازمة لتجنُّب الخلوة والاختلاط في البيت، ونصيحةُ أقاربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وتعريفُهم بالحكم الشرعيِّ وتعويدُهم على التزامه، مع التعامل في تقديم النصيحة لهم بخلق الأناة والحلم والصبر إلى أن يفتح الله وهو خير الفاتحين.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٠ صفر ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٥ فبراير ٢٠٠٩م
(١) أخرجه البخاري في «النكاح» بابُ: لا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلاَّ ذو محرمٍ، والدخول على المُغيبة (٥٢٣٢)، ومسلم في «السلام» (٢١٧٢)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
(٢) أخرجه الترمذي في «الفتن» باب ما جاء في لزوم الجماعة (٢١٦٥) من حديث عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «الإرواء» (٦/ ٢١٥).
(٣) أخرجه البخاري في «الجهاد والسير» باب من اكتُتب في جيشٍ فخرجت امرأته حاجَّةً أو كان له عذرٌ: هل يُؤذن له (٣٠٠٦)، ومسلم في «الحج» (١٣٤١)، من حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

29 Oct, 21:19


الصبرُ والحِلْمُ والرِّفق في الدعوة إلى الله إلَّا إذا ظَهَرَ مِن المَدْعُوِّ العنادُ والظلم؛ فلا مانِعَ مِن الإغلاظ عليه لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ﴾ [التحريم: ٩]، وقولِه تعالى: ﴿وَلَا تُجَٰدِلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡۖ﴾ [العنكبوت: ٤٦]، ومِثْلُ هذه الأساليبِ التي دَعَا إليها الشرعُ الحكيمُ إنَّما تقرَّرَتْ لتحقيقِ المقصود مِن الدعوة إلى الله تعالى، وهو إخراجُ الناسِ مِن الظلمات إلى النور؛ قال تعالى: ﴿ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ﴾ [البقرة: ٢٥٧]، وتحقيقُ هذه الغايةِ كان مِن وراءِ بعثة الرسل، والدُّعاةُ إلى اللهِ يقصدون هذه الغايةَ نَفْسَها، وينشطون لها لإخراجِ الناسِ مِن ظُلْمةِ الكفر إلى نورِ التوحيد، ومِن ظُلْمةِ المعصيةِ إلى نور الطاعة، ومِن ظُلْمةِ الجهل إلى نور العلم؛ ذلك العلمُ الذي يَتَوصَّلُ به المُسْتمسِكُ إلى مَعْرِفةِ دينِ الله الحقِّ، ويسلك فيه ـ بصدقٍ وعلمٍ ـ سبيلَ الدعوةِ إلى الله مع مَن معه على هذا المنوالِ لقوله تعالى: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٠٨﴾ [يوسف]؛ وبهذا يدعو فيه إلى الوحدةِ بالتوحيد والاتِّباع، وبهما يعمل على تحقيقِ الاجتماع والائتلاف، والحذرِ مِن الفُرْقة والاختلاف، عملًا بقوله تعالى: ﴿وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ﴾ [آل عمران: ١٠٣]، وقولِه تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ﴾ [آل عمران: ١٠٥]، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا، أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»(٢)، وقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ المَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»(٣).
لذلك كان خيرُ ما سَعَى إليه المسلمُ وبَذَلَ فيه النَّفْسَ والمالَ هو العلمَ بالكتاب والسُّنَّة؛ إذ عليهما مَدَارُ السعادةِ والنجاح في الدنيا والآخرة؛ فلْيَحْرِصِ المرءُ على تحقيقِ الغايةِ مِن الدعوة إلى اللهِ بتحقيقِ وسيلتها بإخلاصٍ وصدقٍ؛ فلا يُثبِّطُه العَجْزُ والكَسَلُ فهما خُلُقان ذميمان، ولا يمنعُه العُجْبُ والغرورُ مِن الاستزادة والاستفادة؛ فإنَّ العُجْب والغرورَ مِن أَكْبَرِ العوائق عن الكمال، ومِن أعظمِ المَهالِكِ في الحال والمآل.
وأخيرًا أسأل اللهَ تعالى أن ينصر دينَه ويُعْليَ كلمتَه، ويخذل أعداءَه، ويوفِّق القائمين على الدعوة إلى الله لِمَا فيه خيرُ دينِهم وصلاحُ أمَّتهم.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
 
مستخرج من مقدمة كتاب
- مجالس تذكيرية على مسائل منهجية -
١٤٢٤هـ / ٢٠٠٣م
 
(١) انظر: «التمهيد» لابن عبد البرِّ (٢٣/ ١٠)، «البيان والتحصيل» لابن رشد (١٨/ ٣٢٧).
(٢) أخرجه الحاكم في «المستدرَك» (٣١٩)، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» (١٠/ ١١٤)، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال ابنُ عبد البرِّ في «التمهيد» (٢٤/ ٣٣١): «وهذا ـ أيضًا ـ محفوظٌ معروفٌ مشهورٌ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عند أهلِ العلمِ شهرةً يكاد يستغني بها عن الإسناد»، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢٩٣٧).
(٣) أخرجه أبو داود في «السنَّة» بابٌ في لزوم السنَّة (٤٦٠٧)، والترمذيُّ في «العلم» بابُ ما جاء في الأخذ بالسنَّة واجتنابِ البِدَع (٢٦٧٦)، وابنُ ماجه في «المقدِّمة» بابُ اتِّباعِ سنَّةِ الخلفاء الراشدين المهديِّين (٤٢)، مِنْ حديثِ العرباض بنِ سارية رضي الله عنه. وحسَّنه البغويُّ في «شرح السنَّة» (١/ ١٨١)، والوادعيُّ في «الصحيح المسند» (٩٣٨)، وصحَّحه ابنُ الملقِّن في «البدر المنير» (٩/ ٥٨٢)، وابنُ حجرٍ في «موافقة الخبر الخبر» (١/ ١٣٦)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢٥٤٩) وفي «السلسلة الصحيحة» (٢٧٣٥)، وشعيب الأرناؤوط في تحقيقه ﻟ: «مسند أحمد» (٤/ ١٢٦).
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

29 Oct, 21:19


الكلمة الشهرية رقم: ٢
سبيل إصلاح الأمة
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإنَّ الأُمَّةَ اليومَ تشكو مِن تَدَاعي الأممِ عليها بدياناتها ولُغاتِها وثقافاتها وأنواعِ سلوكاتها وأنماطِ أخلاقها؛ فتبعيَّةُ أُمَّتِنا المقهورةِ لها تبعيةُ ذُلٍّ وصَغَارٍ وضعفٍ، والمعروفُ مِن السنن الكونية أنَّ القويَّ يَسْتَحْوِذُ على الضعيف ويُهينُه، وهذا الخَطَرُ المُحْدِقُ بأُمَّتنا راجعٌ إلى بُعْدِها عن دينها وثوابتها، وانسلاخِها مِن تراثها وقِيَم دينها، وانصهارِها في حضاراتِ غيرِها مِن الأُمَمِ نتيجةَ الغزوِ الإعلاميِّ والثقافيِّ، وتوسيعِ دائرة نشاطات التنصير وشبكاته؛ الأمرُ الذي ـ إن لم يُسْتَدرك ـ قد يُفْضِي إلى الإبادة كما أُبيدَتْ أُمَمٌ مِن قبلها، ومَخْرجُ هذه الأُمَّةِ مِمَّا تُعاني منه ونجاحُها مرهونٌ بعودتها إلى دينها على ما كان عليه سَلَفُها الصالح؛ إذ «لا يُصْلِحُ آخِرَ هذه الأُمَّةِ إلَّا ما أَصْلَحَ أَوَّلَها»(١)، ولا تتمُّ دعوةُ الحقِّ إلَّا بهذا المنهجِ السنِّيِّ السلفيِّ القائمِ على توحيد الله الكامل، وتجريدِ مُتابَعةِ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، والتزكيةِ على صالِحِ الأخلاق والآداب؛ فإنه بقَدْرِ اتِّباعِ هذا المنهجِ والتربيةِ عليه والالتزامِ به يكون الابتعادُ عن الانحراف والضلال والتبعية.
إنَّ أعلام السلفِ فاقـوا غيرَهم مِن أصحابِ الفِرَق والطـوائف في مُخْتَلَفِ الميادين، سواءٌ في التصوُّرات المتجسِّدة في القضايا الكبرى الخاصَّةِ بالله سبحانه وتعالى، وكذا مخلوقاته في الحياة والكون، أو في المبادئ الإسلامية والقِيَمِ المُنْبَثِقةِ منها، التي سَلَكُوها في مُواجَهةِ التحدِّيات العلمية والعَقَدية التي أُثِيرَتْ في عصورهم، أو في المُنْطَلقات التأصيلية التي بَنَوْا عليها فَهْمَ الإسلامِ والعملَ به نصًّا وروحًا، أو في التفاعل مع الأحداث والوقائع المُسْتَجِدَّةِ التي واجَهوها وتصدَّوْا لها. كُلُّ ذلك يُنْبِئُ عن تَكامُلِ هذا المنهجِ الربَّانيِّ القويمِ في التصوُّر والقِيَم والمبادئ، وفي العملِ والإصلاح والتربية، وفي السلوك والتزكية؛ فكان أَنْ أنَارَ اللهُ به طريقَ المُهْتَدين، وأضاءَ به صدورَ العالَمين شرقًا وغربًا، وصانَ به دينَه وحَفِظ به كتابَه عن طريقِ الْتزام أعلام السلفية به جيلًا بعد جيلٍ، مِن صَدْرِ الإسلام إلى زماننا الحاضر؛ ذلك لأنَّ هذا المنهجَ السلفيَّ هو منهجُ الإسلامِ المصفَّى نَفْسِه، البيِّنةُ مَعالِمُه، المأمونةُ عواقبُه، يسيرُ على قواعدَ واضحةٍ، ويتحلَّى بخصائصَ جامعةٍ، فمِن قواعده: الاستدلالُ بالكتاب والسنَّة، والاسترشادُ بفهمِ سَلَفِ هذه الأُمَّة، ورفضُ التأويل الكلاميِّ، وعَدَمُ مُعارَضةِ النقل برأيٍ أو قياسٍ أو نحوهما، وتقديمُه على العقل مع نفيِ التعارض بينهما كما يُنفى التعارضُ بين النصوص الشرعية في ذاتها، وجَعْلُ الكتابِ والسنَّةِ ميزانًا للقَبول والرفض دون ما سواهما.
ومِن خصائصه الجامعة: شمولُه، وتوسُّطُه بين المَناهِجِ الأخرى، ومُحارَبتُه للبِدَعِ وتحذيرُه منها، واجتنابُ الجَدَلِ المذموم في الدِّين والتنفيرُ منه، ونَبْذُ الجمودِ الفكريِّ والتعصُّبِ المذهبيِّ، ومُسايَرتُه للفطرة والاعتقادِ القويمِ والعقلِ السليم.
فمثلُ المُناسَباتِ المُهِمَّةِ في حياةِ أُمَّتنا وحياةِ رجالها تُمَثِّلُ ـ بصدقٍ ـ فُرَصًا للتقويم والتقدير والمُراجَعة، كما تفتح مَجالًا واسعًا للتفكير في كيفيةِ نَشْرِ هذا الدِّينِ المصفَّى في أرضنا وعلى رُبوعها وعلى نطاقٍ واسعٍ بتربيةِ الناسِ على دينهم الحقِّ، ودعوتِهم إلى العمل بأحكامه والتحلِّي بآدابه، وإبعادِهم عن أنماط الضلالات الشركية وأنـواع الانحرافات الفكرية ومُخْتَلَف الأباطيل البدعية، التي شوَّهَتْ جمالَ الإسلامِ وكدَّرَتْ صفاءَه، وحالَتْ دون تَقَدُّمِ المسلمين، وكانَتْ سببًا لهذا البلاءِ الذي يعيشه المسلمون اليومَ.
إنَّ هذا المنهجَ الربَّانيَّ بمَسْلَكِه التربويِّ ومُبْتَغاه الدعويِّ وبُعْدِه المَقاصِديِّ لا يُوجَد له صدًى واسعٌ إلَّا بانتهاجِ أسلوبِ اللِّين والموعظةِ الحسنةِ بعيدًا عن التبكيت والغِلْظةِ والفجاجة؛ فإنَّ اللِّين ـ في مَجالِ التعليمِ والإعلام والنصح والدعوة والموعظة الحسنة ـ لَهُوَ مِن أَهَمِّ الأسبابِ في انتفاعِ الناسِ بدعوةِ الدُّعاةِ ومِن أهمِّ البواعث على تَقَبُّل توجيهاتهم وإرشاداتهم؛ قال تعالى: ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ﴾ [النحل: ١٢٥]؛ فليس مِن الحكمةِ الدعوةُ بالجهل لأنه يضرُّ ولا ينفع، وليس مِن الموعظةِ الحسنةِ والجدالِ بالحسنى الدعوةُ بالعنفِ والشدِّةِ لأنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ وأَعْظَمُ؛ ذلك لأنَّ الأسلوب العنيفَ المُؤْذِيَ الضارَّ يَشُقُّ على الناسِ ويُنَفِّرُهم مِن الدِّين، بل الواجبُ

فتاوى الشيخ فركوس

19 Oct, 09:56


النساء، وهذا القَدْرُ قد يحصل بمجرَّد المشابهة، وقد نبَّه على هذه القاعدةِ شيخُ الإسلام ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ في كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفةَ أصحاب الجحيم».
هذا، وتزول الآفتان السابقتان فيما إذا لَبِسَتِ المرأةُ سروالًا وفوقه ملابسُ سابغةٌ؛ حيث ينتفي فيه التشبُّهُ بالرجال لتحوُّل المظهر الخارجيِّ الظاهر إلى لباسٍ داخليٍّ مستورٍ تختفي فيه المعاني السابقةُ، ويتحقَّق به السَّترُ والاحتجاب المطلوبُ ـ شرعًا ـ مِنَ النساء تحصيلُه، وضِمْنَ هذا المنظورِ قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «فلو لَبِسَتِ المرأةُ سراويلَ أو خفًّا واسعًا صلبًا كالمُوقِ(١٠) وتدلَّى فوقه الجلبابُ بحيث لا يظهرُ حجمُ القدمِ لكان هذا محصِّلًا للمقصود»(١١).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٧ من المحرَّم ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٣ جانفي ٢٠٠٩م
 
(١) أخرجه أبو داود في «الصلاة» بابُ ما جاء في خروج النساء إلى المسجد (٥٦٧) مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما. وصحَّحه النوويُّ في «الخلاصة» (٢/ ٦٧٨)، وأحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد» (٧/ ٢٣٢)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٧٤٥٨). وأخرجه البخاريُّ (٩٠٠) ومسلمٌ (٤٤٢) بلفظ: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ» دون زيادة: «وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ».
(٢) أخرجه مسلمٌ في «اللباس والزينة» (٢١٢٨) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) انظر: «شرح مسلم» للنووي (١٤/ ١١٠)، «فيض القدير» للمناوي (٤/ ٢٠٩)، «تنوير الحوالك» للسيوطي (٣/ ١٠٣).
(٤) أخرجه أبو داود في «اللباس» بابٌ في لُبس الشهرة (٤٠٣١) مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما. وصحَّحه العراقيُّ في «تخريج الإحياء» (١/ ٣٥٩)، وحسَّنه ابنُ حجرٍ في «فتح الباري» (١٠/ ٢٧١)، وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (١٢٦٩).
(٥) أخرجه أحمد (٢١٧٨٦) مِنْ حديثِ أسامة بنِ زيدٍ رضي الله عنهما. قال الهيثميُّ في «مَجْمَع الزوائد» (٥/ ١٣٩): «فيه عبد الله بنُ محمَّد بنِ عقيلٍ، وحديثُه حسنٌ وفيه ضعفٌ، وبقيَّةُ رجاله ثقاتٌ»، وحسَّنه الألبانيُّ في «جلباب المرأة المسلمة» (١٣١).
(٦) أخرجه البخاريُّ في «اللباس» باب: المتشبِّهون بالنساء والمتشبِّهات بالرجال (٥٨٨٥) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(٧) أخرجه البخاريُّ في «اللباس» بابُ إخراجِ المتشبِّهين بالنساء مِنَ البيوت (٥٨٨٦) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(٨) أخرجه أبو داود في «اللباس» بابٌ في لباس النساء (٤٠٩٨) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٥٠٩٥).
(٩) الخَفَر: شدَّة الحياء، [انظر: «النهاية» لابن الأثير (٢/ ٥٣)، «مختار الصحاح» للرازي (١٨٢)].
(١٠) المُوق: خفٌّ غليظٌ يُلبس فوق الخفِّ، [انظر: «مختار الصحاح» للرازي (٦٣٩)، «المعجم الوسيط» (٢/ ٨٩٢)].
(١١) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٢/ ١٤٨).
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

19 Oct, 09:56



الفتوى رقم: ٩٩١
الصنف: فتاوى الأسرة - المرأة
في حكم لُبس المرأة للبنطلون
السؤال:
كثيراتٌ مِنَ النسوة المسلمات يسألن عن حكمِ لباس السِّروال أو البنطلون الخاصِّ بالمرأة المجسِّم للعورة، والظهورِ به أمام الزوج بُغيةَ التزيُّن له أو تحقيقِ رغبته في ذلك، فإِنْ كان هذا جائزًا فهل يُعمَّمُ الحكمُ في ذلك على الظهور به أمامَ النساء وأمام الأولاد في البيت؟ نرجو مِنْ فضيلتكم تفصيلًا في المسألة، ووفَّقكم الله إلى قول الصواب.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالأصلُ في النساء أنهنَّ مأموراتٌ بالاستتار والاحتجاب دون التبرُّج والتكشُّف؛ لذلك فالمرأة ترتدي مِنَ الثياب ما يُصْلِح حالَها ويُناسِبُ مقصودَ الشارع المحقِّق لمعنى الستر، ولا يُشْرَع لها ضِدُّ ذلك، ولا يبعد عن أهل النظر أنَّ مقصودَ الثيابِ في معناه وعِلَّته يُشْبِهُ مقصودَ المساكن، وقد جاء في شأن المساكن والبيوت قولُه تعالى: ﴿وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَى ﴾ [الأحزاب: ٣٣]، وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ المَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ»(١)؛ إذ المساكنُ مِنْ جنس الملابس، والعلَّةُ فيهما الوقايةُ ودَفْعُ الضرر، فالوقايةُ مِنَ الحرِّ والبرد وسلاحِ العدوِّ ونحوِ ذلك يُوجَدُ في المساكن والملابس؛ لذلك قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمۡ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلۡحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأۡسَكُمۡ﴾ [النحل: ٨١]، وقال تعالى: ﴿وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡء﴾ [النحل: ٥] أي: مِنَ البرد.
وإذا تَقرَّر أنَّ الشريعة تأمر النساءَ بالاستتار والاحتجاب فإنَّ هذا المقصود الشرعيَّ يظهر في التفريق بين لباس المرأة ولباس الرجل، فاللباسُ إِنْ كان عائدًا إلى ذات الستر فهذا يُؤْمَر به النساءُ لأنه أسترُ لهنَّ؛ إذ إنَّ كُلَّ لباسٍ قريبٍ مِنْ مقصود الشارع بالاستتار فالنساءُ أَوْلى به، وكان ضِدُّه للرجالِ إلَّا ما استثناه الدليلُ.
أمَّا إِنْ كان اللباسُ عائدًا إلى العادة، وتَضمَّن في ذاته السترَ المطلوب: فإِنْ جَرَتْ عادةُ أهل البلاد أَنْ يَلْبَس الرجالُ مِثْلَ هذه الثيابِ دون النساء؛ فإنَّ النهي عن مثلِ هذا يتغيَّر بتغيُّر عاداتِ الناس في أحوالهم وبلادهم.
ومِنْ مُنطلَقِ هذا التقعيدِ فإنَّ السروال أو البنطلون معدودٌ مِنْ أخصِّ ثياب الرجال، فإِنْ كان محجِّمًا للعورة ومحدِّدًا لأجزاء البدن ومُظْهِرًا لتقاطيع الجسم فهو بهذه الصفةِ لا يجوز للرجل بَلْهَ المرأة، سواءٌ مع المحارم أو الأجانب مِنْ بابٍ أَوْلى، ويتعيَّن المنعُ عليها مِنْ جهتين:
ـ الجهة الأولى: أنَّ في لُبسه فتحًا لِبَابِ لباسِ أهل النار وتشبُّهًا بهم في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا»(٢)، والمرادُ به النساءُ اللواتي يلبَسْنَ الخفيفَ مِنَ الثياب الذي يَصِف ولا يستر، فهنَّ كاسياتٌ بالاسم عارياتٌ في الحقيقة(٣)، والتشبُّهُ بأهل النار أو بالعاهرات لا يجوز شرعًا؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»(٤)، وحتَّى يغيب معنى التحجيم والعري أمَرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الرجلَ الذي كسَا امرأتَه قُبطيةً فقال: «مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً؛ إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا»(٥).
ـ والجهة الثانية: أنَّ في لُبس البنطلون تشبُّهًا بالرجال في أخصِّ ثيابهم، وقد جاءَتْ صيغةُ النهي بلفظ التشبُّه في قول ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ»(٦)، وقولِه: «لَعَنَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم المُخَنَّثيِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ»(٧)، وفي حديثٍ آخَرَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالمَرْأةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ»(٨)، وقد علَّق الحكمَ باسْمِ التشبُّه، سواءٌ في اللباس أو في غيره، ولا يخفى أنَّ المشابهة في الأمور الظاهرة تُورِث المشابهةَ في الأخلاق والتناسبَ في الأعمال؛ فالمرأةُ المتشبِّهةُ بالرجال تنطبعُ بأخلاقهم؛ الأمرُ الذي يُنافي الحياءَ والخَفَرَ(٩) المشروعَ للنساء، ويتجسَّد فيها معنى التبرُّج والبروز ومشاركة الرجال؛ فيؤدِّي ذلك إلى إظهار بدنها كما يُظْهِره الرجلُ، وتطلب العلوَّ على الرجل كما تعلو الرجالُ على

فتاوى الشيخ فركوس

12 Oct, 21:12


المُسْتَدْرِكين.

وأهلُ الإيمان ـ في وحدةِ عقيدتهم ونُظُمِهم ـ يعلمون أنَّ مَنْصِبَ الإمامِ الأَعْظَمِ ضروريٌّ في نظامِ الدِّين والدنيا لا سبيلَ إلى تَرْكِه، وأنَّ كِلَا النِّظامَيْن لا يَسْتغني أحَدُهما عن الآخَرِ؛ فنظامُ الدنيا ضروريٌّ في نظام الدِّين، ونظامُ الدِّين ضروريٌّ في الفوز بسعادةِ الآخرة؛ لذلك كان مِنْ أَعْظَمِ واجباتِ الإمام الأَعْظَمِ سياسةُ الناسِ وَفْقَ شَرْعِ اللهِ وأَمْرِه؛ فهي أمانةٌ مُلْقاةٌ على عاتِقِ الإمام الأعظمِ للقيام بها في هذه الأمَّةِ وتحقيقِ كافَّةِ مُتَطلَّباتِ ما تَنْشُدُه الرعيَّةُ المسلمة في هذه الحياةِ مِنْ حِفْظِ الدِّينِ والتوحيدِ والشريعة، وإزالةِ الظلم وإقامةِ العدل بتحكيمِ شَرْعِ الله، وتحقيقِ الأمنِ وسياسةِ الدنيا، وغيرِها مِنَ المَطالِبِ الشرعية؛ عملًا بقوله تعالى: ﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمٗا لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ ٥٠﴾ [المائدة]، وقولِه تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ ٤١﴾ [الحج].

وبالمُقابِلِ فإنَّ على الرعيَّةِ واجباتٍ تُؤدِّيها تُجاهَ الإمامِ الأعظمِ منها: طاعتُه في المعروف، وبَذْلُ النصحِ له، وإكرامُه والدعاءُ له، واستئذانُه، والصبرُ على جَوْرِه، وعدَمُ الخروجِ عليه، ونحوُ ذلك مِنْ حقوقِ الإمام الأَعْظَمِ على رعيَّته.

هذا، وفي خِضَمِّ المُعْتَرَكِ الدعويِّ، فإنَّ أَعَزَّ ما يُقدِّمُه الداعي لأمَّتِه أَنْ يَسْلُكَ بها السبيلَ الأَسْلَمَ الذي يُحقِّقُ به مَعْنَى التغيير، ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ﴾ [الرعد: ١١]، دون عَجَلةٍ مُورِّطةٍ في الفساد والإفساد.

والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

 

الصـادر في العـدد الثالث من مـجلة منابر الهدى
في محرم /  صفر ١٤٢٢ هـ.

(١) أخرجه مسلمٌ بهذا اللفظِ في «الإمارة» (١٩٢٠) مِنْ حديثِ ثوبان مولى رسول الله رضي الله عنه، وبألفاظٍ أُخَرَ مِنْ حديثِ غيرِه، وأخرجه البخاريُّ في «الاعتصام بالكتاب والسنَّة» بابُ قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ» يُقاتِلون وهُمْ أهلُ العلم(٧٣١١) مِنْ حديثِ المُغيرةِ بنِ شُعْبةَ رضي الله عنه، ولفظُه: «لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ». 

فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

12 Oct, 21:12


الكلمة الشهرية رقم:

١ التوحيد والاتِّباع سبيل الوحدة والاجتماع

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فإنَّ الأُخُوَّةَ الإيمانيَّة قد عَقَدَها اللهُ ورَبَطَها أَتَمَّ ربطٍ بعقيدةِ التوحيد الذي هو الغايةُ مِنْ إيجادِ الخَلْقِ وإرسالِ الرُّسُلِ وإنزالِ الكُتُب، وهو دعوةُ المُجدِّدين في كُلِّ عصرٍ وزمانٍ؛ إِذْ لا تخلو الأرضُ مِنْ قائمٍ لله بالحجَّة؛ فلا تنقطع دعوةُ الحقِّ عن هذه الأمَّةِ مِنَ العهد النبويِّ إلى قيام الساعة، و«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»(١)، ومَزِيَّةُ أَهْلِها أنهم معروفون بمَواقِفِهم في كُلِّ جيلٍ ببيانِ التوحيد والتحذيرِ مِنَ الشرك بمُخْتَلَفِ مَظاهِرِه، وبيانِ السنَّة مِنَ البدعة، ونصرةِ أهل الحقِّ والعلمِ وتكثيرِ سَوادِهم، ونَبْذِ أهل الشرك والبِدَعِ وإذلالهم، لا يمنعهم تفرُّقُ الناسِ عنهم أَنْ يُؤْتَمَرَ بهم فيما يأمرون به مِنْ طاعة الله تعالى وما يَدْعون إليه مِنْ دِينٍ ويفعلونه ممَّا يُحِبُّه اللهُ تعالى؛ إذ الحكمةُ ضالَّةُ المؤمن؛ فحيث وَجَدَها فهو أَحَقُّ بها، ولا ينتصرون لشخصٍ انتصارًا مطلقًا سوى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا لطائفةٍ إلَّا للصحابة رضوانُ الله عليهم، مع تركِ الخوضِ فيهم بمُنْكَرٍ مِنَ القول، والتنزُّهِ عن الكلام في واحدٍ مِنَ الصحابة بسوءٍ؛ فأهلُ هذا الموقفِ مُتَّفِقون على أنَّ كُلَّ واحدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قولِه ويُتْرَكُ إلَّا رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولم يَقَعْ منهم ـ بحمد الله ـ اتِّفاقٌ على ضلالةٍ؛ فهذه مِنْ سِمَاتِ أهلِ الحقِّ ومَلامِحِ الفِرْقةِ الناجية خصَّ اللهُ بها أَهْلَ السنَّة: يَدْعون إلى إصلاحٍ غيرِ مُبْتَكَرٍ مِنْ عندِ أَنْفُسِهم كما هو شأنُ منهجِ أهلِ الزَّيغ والضلال؛ ذلك لأنَّ منهج الإصلاحِ واحدٌ لا يقبل التعدُّدَ، يتبلورُ حُسْنُه بإحياءِ الدِّين وتجديدِه مِنَ العوالق والعوائق التي ليسَتْ منه، مِنْ غيرِ أَنْ يَعْتَرِيَهُ تبديلٌ ولا تغييرٌ؛ فالدِّينُ محفوظٌ، والحُجَّةُ قائمةٌ، وما رَسَمَهُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم هو عينُ المنهج الإصلاحيِّ، ولا يتمُّ لنا إصلاحٌ إلَّا به، وقد سَلَكه أهلُ القرونِ المفضَّلة، وآثارُهم محفوظةٌ عند العُلَماء، ولن يَصْلُحَ آخِرُ هذه الأمَّةِ إلَّا بما صَلَحَ به أوَّلُها.

هذا، واجتـماعُ الأمَّةِ على الضلال مُحالٌ، وظهورُ سبيلِ الحقِّ ـ هدايةً وإصلاحًا وتقويمًا ـ مقطوعٌ به، ودوامُ ثباتِه آكِدٌ ومُحَقَّقٌ لا مَحالةَ، ﴿وَعۡدَ ٱلصِّدۡقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ ١٦﴾ [الأحقاف]، لا يَضُرُّهُ ما يَعْلَقُ به مِنْ بَرَاثِنَ حاقدةٍ ومَخالِبَ حانقةٍ تَتجاهلُ عِزَّه ومَفاخِرَه، ولا تُريدُ سوى أَنْ تَصُدَّهُ وتعوقَ مَسيرتَه وتَحُدَّ انتشارَه، وصمودُهُ بَاقٍ يتحدَّى المُكابِرين والحاقدين والجاهلين، واللهُ الهادي إلى سواءِ السبيل.

ومَرَدُّ السبيلِ إلى طاعةِ الله وطاعةِ رسوله الباعثةِ على فِعْلِ الخيرات، والنفرةِ مِنَ الشرور والمَفاسِدِ والمُنْكَرات، تلك الطاعةُ المُزَكِّيةُ للنفسِ والمُكمِّلةُ لها، الجالبةُ لسعادتِها في الدنيا والآخِرَة، ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ١٤ وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ ١٥﴾ [الشمس]، ﴿وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَٰٓئِكَ رَفِيقٗا ٦٩ ذَٰلِكَ ٱلۡفَضۡلُ مِنَ ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيمٗا ٧٠﴾ [النساء].

وأهلُ الإيمانِ في وَحْدةِ عقيدتِهم ونُظُمِهم أمَّةٌ مُتميِّزةٌ لا نظيرَ لهم بين الأُمَم، وشريعتُهم لا يَقْتصِرُ نَفْعُها على أمَّةِ الإسلام، وإنَّما هي عامَّةٌ للبشرية جَمْعاءَ، صالحةٌ ومُصْلِحةٌ لكُلِّ زمانٍ ومكانٍ، شاملةٌ لكُلِّ قضايَا الحياة؛ فلا تخلو مُعْضِلةٌ عن استنباطِ حَلٍّ لها مِنْ أدلَّةِ التشريعِ والقواعدِ العامَّةِ غيرَ مُفْتَقِرةٍ إلى غيرِها؛ فهي مُسْتَغْنِيَةٌ عن النُّظُمِ والتقنيناتِ الأخرى؛ ذلك لأنها أُسِّسَتْ على قواعدَ مُحْكَمَةٍ، وبُنِيَتْ أحكامُها على العدالة والاعتدالِ مِنْ غيرِ إفراطٍ ولا تفريطٍ، مُراعِيَةً في ذلك مَصالِحَ الدِّينِ والدنيا؛ فهي تَسْمو باستقلالها عن غيرِها مِنْ نُظُمِ البشر في أصولها وفروعها، تلك هي النعمةُ التي أَتَمَّها اللهُ تعالى على هذه الأمَّةِ وأَكْمَلَ بها لها دِينَها، قال تعالى: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ﴾  [المائـدة: ٣]؛ فكمالُ هذا الدِّينِ وتمامُه قاضٍ بالاستغناءِ التامِّ عن زياداتِ المُبْتَدِعين واستدراكاتِ

فتاوى الشيخ فركوس

07 Oct, 12:16



الفتوى رقم: ٩٩٤
الصنـف: فتاوى الأسرة - عقد الزواج - إنشاء عقد الزواج
في الجمع بين الزواج والدراسة
السـؤال:
هل يجوز عقد الزواج على فتاةٍ تدرس في الجامعة، وهي ترغب في التوقف، غير أنَّ أباها يرفض ذلك ويُلزِم الخاطب بالعقد، مع العلم أنه لم يبق من الدراسة سوى النَّزر اليسير؟ وبارك الله فيكم.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فيجوز العقدُ على امرأةٍ أو الدخولُ بها مع التزامِ شرط وَليِّها في مواصلة الدِّراسة حتى تنتهيَ منها، بشرط خروجها بالضوابط الشرعية وخلوِّ دراستها من محذورٍ شرعيٍّ(١)، إذ لا منافاةَ بين الزواج والدِّراسة لإمكانية الجمع بينهما تحقيقًا لمصالح الزواج لقوله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ»(٢).
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٩ ربيع الأوَّل ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ١٦ مارس ٢٠٠٩م
 
(١) هذا إذا خَلَتْ دراستها من اختلاطٍ آثمٍ، أمَّا إذا كان الشرط قائمًا على الدراسة المختلطة فراجع الفتوى رقم ٩٧٦ الموسومة بـ: «في عدم تأثير الشرط الباطل في مقتضى العقد»
(٢) أخرجه البخاري في «النكاح» باب: من لم يستطع الباءة فليصم (٥٠٦٦)، ومسلم في «النكاح» (١٤٠٠)، من حديث عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه.
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

فتاوى الشيخ فركوس

27 Sep, 22:47



الفتوى رقم: ١٠٠٦
الصنـف: فتاوى الأسرة - المرأة
في حكم اغتسال المرأة خارجَ بيتها
السـؤال:
ما حكم امرأةٍ تطهر من الحيض أو تُصيبها جنابةٌ وهي في محلٍّ بعيدٍ عن مقرِّ سكناها، ويوجد به حمَّامٌ منفردٌ، وهي تترك خروجَ الوقتين أو الثلاثة من الصلاة ليتسنَّى لها الرجوع إلى مَنْزِلها للاغتسال؛ لأنها سمعت أنَّ المرأة لا يجوز لها أن تضع ثيابها في غير بيتها، فهل يجوز لها -والحال هذه- أن تتيمَّم وتصلي؟ أم تنتظر حتى ترجع إلى البيت فتغتسل ثمَّ تقضي ما فاتها؟ وجزاكم اللهُ كلَّ خير.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالمرأةُ كالرجل في الحكم لا يجوز لها أن تؤخِّر صلاتَها عن وقتها المحدَّد شرعًا، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ [النساء : ١٠٣]، أي: أجلاً محدَّدًا لا يجوز تجاوزه إلاَّ لعذر، ورفع الجنابة والاغتسال من الحيض من لوازم صِحَّة الصلاة، فإن كان لها حمامٌ منفرد مأمونٌ في المحل الذي نزلت فيه فلها أن تغتسل فيه، ولا تُفوِّت الصلاة عن وقتها، كما لها أن تغتسل في أي مكان في سفر أو حضر يحصل فيه الأمن في الفندق كانت أو في غيره من غير انتياب للحمامات العامَّة أو الشعبية، لقوله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «الحَمَّامُ حَرَامٌ عَلَى نِسَاءِ أُمَّتِي»(١)، ولقوله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الحَمَّامَ»(٢)؛ لأنَّ في الحمامات الجماعية غالبًا ما لا تستر المرأة عورتها من النساء.
هذا، واغتسال المرأة معلومٌ بالضرورة، وإذا كان اغتسالها لسُنَّة الإحرام في الحجِّ والعمرة على وجه الاستحباب ‑وهي في سفرها‑ فمن بابٍ أولى إذا كان الغسل في حقِّها واجبًا.
أمَّا حديث: «وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنِ امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ أَحَدٍ مِنْ أُمَّهَاتِهَا إِلاَّ وَهِيَ هَاتِكَةٌ كُلَّ سِتْرٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّحْمَنِ»(٣)، فإنَّ ظاهرَه محمولٌ على التكشُّف للأجنبي وعدم الاستتار بلباس التقوى ويدخل في النهي ‑أيضًا‑ نزع الثياب في الحمّامات العامَّة؛ ذلك لأنَّ الفضيحة تحصل بالتكشُّف وعدم المحافظة على ما أمرت به بالتستُّر بالجلباب عن الأجنبي، فينال منها ما يحرِّك به شهوته، ويطمع في المزيد فتقع الهتيكة، والجزاء من جنس العمل.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٥ جمادى الأولى ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ١٠ مايو ٢٠٠٩م
(١) أخرجه الحاكم في «المستدرك»: (٤/ ٣٢٢)، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (٢/ ١٢٩٢).
(٢) أخرجه الترمذي في «سننه» كتاب الأدب، باب ما جاء في دخول الحمام: (٢٨٠١)، والحاكم في «المستدرك»: (٤/ ٣٢٠)، وأحمد في «مسنده»: (٣/ ٣٣٩)، من حديث جابر رضي الله عنه. وحسنه الألباني في «صحيح الجامع»: (٦٥٠٦)، وصححه في «صحيح الترغيب والترهيب»: (١٦٤)، و«آداب الزفاف»: (٦٧).
(٣) أخرجه أحمد: (٦/ ٣٦١)، والطبراني في «المعجم الكبير»: (٢٤/ ٢٥٣)، من حديث أم الدرداء رضي الله عنها. والحديث صححه الألباني في «آداب الزفاف»: (٦٠). وانظر: «الترغيب والترهيب» للمنذري: (١/ ١١٩)، و«مجمع الزوائد» للهيثمي: (١/ ٦١٧)، و«السلسلة الصحيحة» للألباني: (٧/ ١٣٠٨).


فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

14,058

subscribers

15

photos

2

videos