السؤال :
أحسن الله إليكم، هل القول بحرية تغيير الجنس، كفر أو كبيرة من الكبائر؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه؛ أما بعد:
فالذي يظهر أن ما يزعمه الكفار من القدرة على تغيير الجنس من ذكر إلى أنثى أو بالعكس تغييرًا حقيقًيا، ومعلوم أن التغيير الحقيقي إنما يكون في موضع الذكورة والأنوثة، وهو الفرج= والذي يظهر لي أن هذا ممتنع، فكما لا يقدرون على خلق إنسان من لحم ودم؛ لا يقدرون على جعل الذكر أثنى والأثنى ذكرا، إلا أن يكون شكلًا، فيركب للأنثى شكل ذكر؛ أي: ذكرًا صناعيًا، وللذكر شكل فرج امرأة كذلك، ومعلوم أن الذكر والأنثى لكل منهما طبائع وخصائص، وأخص ذلك الغريزة الجنسية، وهي: ميل الذكر إلى الأنثى، والأنثى إلى الذكر؛ أي: شهوة الاستمتاع من أحدهما بالآخر، وإيجاد الطبائع العقلية والجسدية لا يقدر عليها إلا الله، ومن يزعم القدرة على التغيير الحقيقي فقد جعل نفسه شريكًا لله في الخلق، وإذا كان التصوير يتضمن التشبُّه بالله، وهو من أعظم الظلم كما في الحديث القدسي؛ قال الله: ومَن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة، وليخلقوا شعيرة[1] فكيف بحال من يدعي القدرة على تغيير خلق الله الذي يدعو إليه الشيطان؛ كما أخبر الله عنه أنه قال: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء: 119] ومنه قطع أذان الأنعام[2]، ووصل الشعر، وتفليج[3] الأسنان[4]، وبعد هذا البيان أرى أن مَن يدعي ذلك أو يحاوله إن كان كافرًا أصليًا -يهوديا أو نصرانيا- ففعله لذلك زيادة في الكفر، ومن ادَّعى ذلك وهو ينتسب إلى الإسلام، فهو مرتد؛ لأنه ادَّعى الشركة مع الله في الخلق، فلَعَن الله الكافرين، ومن تشبَّه بهم بشيء من أنواع كفرهم، والله أعلم.
وبعد كتابةِ هذه الفتوى وقفتُ على بحث لطبيب مسلم[5] يصف إجراءات وجراحات التي يقوم بها زاعمو التحويل والتغيير، فذكر أنها تبدأ من الوجه إلى الصدر، ويدخل في ذلك تغيير ملامح الوجه، ونبرة الصوت، وتغيير شكل الصدر بنزع الثديين من الأنثى، وإبدالهما بثُندؤتين[6]، وذلك في تحويل الأنثى إلى ذكر، أو زراعة ثديين بحلمة في تحويل الذكر إلى أنثى، حتى ينتهي هذا العبث إلى الأعضاء التناسلية والمسالك البولية؛ فيعبثون بخلق الله بأنواع الجراحات قطعًا ووصلًا واستئصالًا وترقيعًا، ويهيئون في هذه المواضع مجارٍ للبول كما يهيئون في الأعضاء التناسلية أشكالًا وموادًا يتهيأ معها الجماع.
هذا ما أمكن ذكره من وصف الباحث لما يرومه هؤلاء الكفرة بزعمهم، وما حملهم على فكرة هذا التغيير إلا الكفر بالله والغرور بما أُوتوا من ذكاء وقدرة؛ فحققوا بذلك لأنفسهم السَخَف والسفه، وهم الخائبون الخاسرون المخادِعون المخدوعون الملعونون، ولا يَقبل هذه الدعوى منهم نظريًا أو عمليًا؛ أي: تطبيقيًا إلا من هو مثلهم، وحكمُه حكمُهم عقلًا وشرعًا، قيَّض الله وسلَّط عليهم من يقطع دابرهم، وكفى بالله منتقمًا من المجرمين.
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في يوم الإثنين السادس من شهر رجب من عام ستة وأربعين وأربعمئة وألف.
[1] أخرجه البخاري (5953)، (7559)، ومسلم (2111) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.
[2] كما في أول الآية: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ﴾ [النساء: 119]، أي يقطعونها ويشقّونها. ينظر: غريب القرآن لابن قتيبة (ص136).
[3] التفلُّج أن يُفْرَجَ ما بين الثنايا والرباعيات، وتفعل ذلك العجوز ومن قاربتها في السن إظهارًا للصغَر وحسن الأسنان. ينظر: النهاية (3/468)، وشرح مسلم للنووي (14/106).
[4] لما أخرجه البخاري (5931) -واللفظ له-، ومسلم (2125) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “لعن الله الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات والمتفلِّجات للحسن، المغيرات خَلْق الله، ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله “، وعند أبي داود (4169): عن محمد بن عيسى، عن جرير: “الواصلات” بدل “المتنمِّصات”. وينظر: الصحيحة (2792).
[5] وهو بحثٌ أعدَّه بعض الأطباء المسلمين المتخصصين، وبنى شيخنا -حفظه الله- هذا الجزء من الفتوى على هذا البحث.
[6] مفردها ثُنْدُؤة: قيل: هي لحم الثدي، وقيل: هي أصل الثدي، وقيل: هي للرجل بمنزلة الثدي للمرأة. ينظر: لسان العرب (3/106).