📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ تَفاقَرَ افْتَقَرَ"
معادلة أخرى يكشف عنها الإمام أمير المؤمنين (ع): تربط بين التفاقر والفقر، وهي تحمل معاني عميقة، وتوجيهات أخلاقية واجتماعية مهمة، فيشير الإمام (ع) فيها إلى آثار التظاهر بالفقر والادعاء بحالة من الاحتياج والتذلل المصطنع، حيث يرى أن هذا السلوك يؤدي إلى الفقر الحقيقي، سواءً كان مادياً أو معنوياً.
التفاقر لغة: مشتق من الفعل "تَفَاقَرَ"، وهو يدل على تَصَنُّع الشيء أو إظهاره بشكلٍ مبالَغ فيه.
واصطلاحاً: يعني التظاهر بالفقر والاحتياج، رغم عدم وجود فقر حقيقي، وقد يشمل ذلك شكوى الحال، والتَّذَلُّل لطلب المعونة، أو محاولة كسب تعاطف الناس بادعاء الفقر والفاقة.
لماذا قد يتفاقر الإنسان؟
قد يتفاقر بعض الناس طمعاً في كسب مساعدة مادية أو معنوية من الآخرين، ظناً منهم أن ادعاء الحاجة يثير شفقة الناس ويدفعهم إلى دعمهم، وقد يكون المنشأ لذلك حُبُّ الشخص أن يكون محور اهتمام الآخرين، فيلجأ إلى التفاقر لإثارة انتباههم، وقد يستخدم الشخص التفاقر كحيلة للتهرب من مسؤولياته والتزاماته المالية والاجتماعية، كالأب الذي يديم الشكوى من قِلَّة ذات اليد، أو الشخص الذي يتهرب من مساعدة المحتاجين، "فيكسر يده ويشحذ عليها كما يقال في المثل الشعبي"، وغالباً ما ينشأ التفاقر من ضَعف في الإيمان بالله والثقة برازقيته، بل من سوء ظنِّه بالله إنه إن أنفق فلن يُخلِفَ الله عليه ما أنفق، وقد رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "لَا يَصْدُقُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَكُونَ بِمَا فِي يَدِ اَللَّهِ أَوْثَقَ مِنْهُ بِمَا فِي يَدِهِ"
أما آثار التفاقر فكثيرة أهمها:
الأثر النفسي: يؤدي التفاقر إلى النَّيل من كرامة الإنسان أمام نفسه وأمام الآخرين، مِمّا قد يولد لديه شعوراً بالنقص وانعدام الثقة بالنفس.
الأثر الروحي: حيث يُعدُّ التفاقر نوعاً من الكذب والرياء، مما يُبعد الإنسان عن الله ويؤدي إلى ضعف الإيمان.
الأثر الإجتماعي: فبالتفاقر يفقد الإنسان احترام الآخرين وتقديرهم إذا اكتشفوا كذبه وادعاءه، والمجتمع عموماً يزدري المتفاقرين ويشنأ فعلهم
الأثر الاقتصادي: التفاقر قد يؤدي إلى إهمال السَّعي الحقيقي في العمل والكسب، مما يوقع الإنسان في الفقر الحقيقي، كما أن السمعة السيئة الناتجة عنه قد تحرم الشخص من فرص كثيرة.
وإذا كان التفاقر مذموماً فإن إظهار الغِنى ممدوح، فكما أن المجتمع يزدري المتفاقر ويشنئه وينفر منه، فإنه يمدح المُستغني ويحترمه، ولذلك حَثَّ الإسلام المسلم على إظهار النِّعَم التي أنعم الله بها عليه، فقد رُوِيَ عن الإمامُ موسى الكاظمِ (ع) أنه قال: قال سَيّدُنا الصادقُ (ع): "إنّ اللَّهَ يُحِبُّ الجَمالَ والتَّجْميلَ، ويَكْرَهُ البُؤْسَ والتَّباؤسَ، فإنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ إذا أنْعَمَ على عَبدٍ نِعمَةً أحَبَّ أنْ يَرى علَيهِ أثَرَها. قيلَ: وكيفَ ذلكَ؟ قالَ: يُنَظّفُ ثَوبَهُ، ويُطيِّبُ رِيحَهُ، ويُجَصِّصُ دارَهُ، ويَكنِسُ أفْنيَتَهُ، حتّى إنّ السِّراجَ قَبلَ مَغيبِ الشَّمسِ يَنْفي الفَقرَ ويَزيدُ في الرِّزقِ"
خلاصة القول: إن هذه الجوهرة الكريمة "مَنْ تَفاقَرَ افْتَقَرَ" تُعد درساً أخلاقياً واجتماعياً يمكن تطبيقه في كل زمان ومكان، وتوجِّه السلوك الإنساني، حيث تدعو إلى الصدق في التعبير عن الحال، والاعتماد على الله في الرزق، وتجنُّب السلوكيات التي تؤدي إلى الإذلال والتقليل من الكرامة، وتُبرِز أهمية التوازن في التعامل مع المال، من غير فخر واستكبار وطغيان، ولا تذلل واحتقار وهوان.
✍ السيد بلال وهبي
سحَرَ يوم الأحد الواقع في: 24/11/2024 الساعة (04:20)