محاضرات الشيخ محمود الجياشي @aljayashi Channel on Telegram

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

@aljayashi


محاضرات الشيخ محمود الجياشي (Arabic)

مرحبًا بكم في قناة 'محاضرات الشيخ محمود الجياشي' على تطبيق تيليجرام! إذا كنت تبحث عن مصدر للمعرفة والحكمة، فأنت في المكان الصحيح. يقدم الشيخ محمود الجياشي محاضرات ودروس تبعث بالإلهام والتأمل. فالشيخ الجياشي هو من العلماء المعروفين في العالم العربي، حيث يتمتع بسمعة طيبة واسعة الانتشار. يتناول الشيخ في محاضراته مواضيع متنوعة تشمل الإيمان، الأخلاق، والتاريخ الإسلامي. إن كنت ترغب في الاستماع إلى كلمات تعطيك القوة والأمل في الحياة، فلا تفوت الفرصة للانضمام إلى قناتنا. انضم اليوم واستفد من حكم الشيخ محمود الجياشي وشاركها مع من تحب.

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

25 Jan, 16:14


🟦 ثنائيةُ السِجْنِ والحُبِّ ..
تأمّلاتٌ قرآنيّة في ذكرى شهادة السجين الحرّ موسى بن جعفر عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم
(( قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ ))

تُعدّ ثنائية السجن والحبّ التي تشير إليها الآية الكريمة أعلاه ، من الثنائيات القرآنية المثيرة ، والمقارنات المذهلة في المعرفة الإلهية ، وسيتّضح من خلال بحثنا هذا أثرها العميق في حياة الإنسان المؤمن بجميع مستوياتها العقائدية والأخلاقية والشرعية.
لكن قبل الدخول في بيان معطيات هذه الثنائية القرآنية ، يجدر بنا أن نشير الى فكرتين مهمتين لهما غاية الإرتباط بالثنائية المذكورة .

▪️الفكرة الأولى : ويمكن أن نسمّيها بالفكرة الفلسفية ، وهي أن حقيقة الإنسان وجوهره إنما تكمن في جانبه المعنوي ، وهو روحه ونفسه ، وليس في جانبه المادي الذي هو بدنه الخارجي ، ومن المعلوم فلسفياً وعقائدياً أن الروح التي تمثّل العمق المعنوي والباطني للإنسان ، لا يمكن أن تحيط بها سجون الظالمين الظاهرية ، لأنها تنتمي الى عالم نوراني مجرّد أعلى ، وعليه فإن سجناء الحقّ وإن أحاطت بأبدانهم مطامير سجون الظالمين الدنيوية وظلماتها ، لكن أرواحهم تعيش الحرية المطلقة في عالمها الإلهي ، وتسمو في فضائها النوراني الذي يستحيل الإنفصال عنه !
في ضوء ذلك يمكن القول : أنه يستحيل على السجّان أن يسجن روح السجين ، ويسيطر عليها بين جدران زنزانته ، بالرغم من سيطرته المادية على جانبه البدني والظاهري ! أي أنه يعجز عن تقييد أو سلب حريّته الروحية حتى لو تمكّن من سلب حرّيته البدنية ! لكن ذلك يختصّ بالسجن الدنيوي ولا يشمل السجن الأخروي الذي يكون عقاباً إلهياً للفجّار ، كما قال تعالى : كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ، وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ .

▪️الفكرة الثانية : إننا نعلم أن السجن بمعناه الظاهري هو المكان الذي تسلب فيه حريّة الإنسان قهراً ، وبالتالي يمكن توسعة هذا المعنى ليشمل عدّة مستويات معنوية ينطبق عليها معنى السجن ، منها :

أولاً : السجن العقلي ، وهو جميع الأفكار والإدراكات الخاطئة التي تسلب حرّية التفكير الصحيح عند الإنسان وتكبّله بقيود الجهل ، سواء كان جهلاً بسيطاً أم مركباً ، مما يجعل الإنسان المُصدّق بهذه الأفكار الخاطئة والمنقاد لها ، سجيناً فيها ، ومحروماً من الإستنشاق في فضاء التفكير الحرّ !
ومما يندرج في هذا المعنى أيضاً ، الجهل بمعناه العام ، فهو سجن معنوي ، حيث يعيش الإنسان الجاهل حبيساً في زنزانة الجهل وظلمته.
ثانياً : السجن القلبي ، وهو جميع الإدراكات القبيحة والشهوات المنحرفة والأهواء الضالة والنوايا السيئة والشريرة التي تسيطر على القلوب المريضة ، مما يجعل الإنسان سجيناً مسلوبَ الحرّية قلبياً ومعنوياً ، حبيساً في زنزانة قلبه المريض المظلم ، محروماً من العيش في فضاء النور والسلامة والنوايا الطيبة والحسنة ! كما أشير لذلك في قوله تعالى : ( أم على قلوب أقفالها ) فهي كالسجون المظلمة الموصدة بالأقفال !

ثالثاً : ومما يمكن إدراجه هنا أيضاً ما ورد من أن الدنيا سجن المؤمن ! نعم هو سجن كبير جداً ، يجعلنا لا نشعر بأننا مسجونون فيه ! لكننا لو نسبناه الى عوالم الوجود العليا ، وقايسناه بنشآت الخليقة اللامتناهية في سعتها وكمالها وجمالها ، لأدركنا فعلاً أن الدنيا بالنسبة للإنسان المؤمن سجن حقيقي يجب التحرّر منه !

رابعاً : لو توسّعنا في المستويات المعنوية ودرجات القرب في عوالم الباطن وكمالات المعرفة الإلهية ، لأمكننا القول أن كل مرتبة من مراتب الكمال تعتبر سجناً معنوياً بالنسبة الى المرتبة التي فوقها في الكمال والقرب ، ومن هنا يسعى العارف الحقيقي السالك في منازل القرب والزلفى الى عدم البقاء في المرتبة الأدنى ، لأنه سيكون حبيساً فيها ، بالرغم من حقّانيتها وكمالها في نفسها .. الى غير ذلك من المستويات التي ينطبق عليها معنى السجن بصورة أو بأخرى .
إستناداً لذلك يمكن القول أن المعصوم عليه السلام سواء كان نبيّاً أو رسولاً أو إماماً أو وليّاً يعيش الحرّية المطلقة عقلياً وقلبياً وروحياً بصورة دائمة حتى لو وُضعَ في أعمق سجون الدنيا ومطاميرها المظلمة ! بل سيجعل من هذه السجون سُبلاً في تكامله وحرّيته الحقيقية وزيادة قربه من الله جلّ وعلا !

وبالرجوع الى موضوعنا الأصلي الذي إنطلقنا منه في مستهلّ البحث ، وهو ثنائية السجن وحبّ الله ، فيمكن القول أنّ حديث الحبّ في القرآن واسع في آفاقه .. عميقٌ في مضامينه .. مؤثّر في طرحه .. مختلفٌ في مستوياته .. متعدد في نتائجه وآثاره .. يظنّ القارئ أو الكاتب أنه أخذ حظاً وافراً منه ، فيجمع آيات الحبّ ويتوهّم أنه قد أحاط بها علماً واستوعبها فهماً ! لكنه عندما يمرّ عليها مرّة أخرى سرعان مايجد نفسه أنه حفظ شيئاً وغابت عنه أشياءُ !

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

25 Jan, 16:14


لأن السجن في مثل هذه الحالة محبوبٌ عند الله ، والطرف الآخر مبغوضٌ عند الله ، فلا محالة يكون السجن بعذابه وشقائه ( أحبّ ) الى قلب يوسف من جميع شهوات الدنيا ومغرياتها !
بعبارة أخرى حسب المقياس الإلهي : سيكون السجن بالنسبة إليه هو الحرّية والسعادة الحقيقية ! وسيكون القبول بمتابعة الشهوة ومغرياتها هو السجن والعذاب الحقيقي !
وإستناداً الى قانون ( أحبّ إليّ ) الذي أسسه يوسف الصدّيق وطبّقه في هذه المعادلة الحساسة والحرجة التي مرّ بها ، فلننظر الى حالنا ونرى كَمْ منّا يحسب نفسه حرّاً وهو سجين نفسه الأمّارة بالسوء ، وأسير شهواته وجهله وأهوائه ودنياه الضيّقة !
وكَمْ من سجين بين الجدران وظُلَم المطامير ، وهو يعيش السعادة الحقيقية والحرّية المطلقة !
قال يوسف الصدّيق : ربّ السجن أحبّ إليّ مما يدعونني إليه ! فخرج من سجن الدنيا وأهوائها وشهواتها ودخل في حرّية الله !
وقال الإمام الكاظم عليه السلام : اللهمّ إنّك تعلم أنّي كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك ، اللهم وقد فعلت فلك الحمد ! فخرج من سجن العيش مع الظالمين وتفرّغ لكي يكون حرّاً في عبادة الله .. ثم خرج منه الى حيث حرية الله المطلقة !

في ضوء معادلة ( ربّ السجن أحبّ إليّ ) فلينظر كلّ منّا في أيّ سجن يعيش فعلاً ! فإن السجون تختلف ، ولعلّ سجناً يكون ( أحبّ إليّ مما يدعونني إليه ) ! فادعُ الله أن تبقى فيه خيرٌ لك من حرّيةٍ في غير رضا الله سبحانه !
إذا طبّقنا قانون ( أحبّ إليّ ) المستند للحبّ الإلهي سوف نعرف مَنْ هم المسجونون والمعذّبون حقّاً ! ونعرف مَنْ هم الأحرار والسعداء حقّاً !

محمود نعمة الجيّاشي
وادي السلام-النجف الأشرف

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

25 Jan, 16:14


ومن هنا أحاول في هذا المقال أن أقف من جديد عند نصّ من نصوص الحبّ في القرآن بعد أن وقفتُ عليه في كتابات سابقة ، لكني أتناوله الآن من حيثية أخرى أجد فيها درساً بليغاً من دروس الحبّ الصادق الذي ظهر على لسان أحد أنبياء الله وصاحب ملحمة الحبّ الإلهي وهو الصدّيق يوسف عليه السلام .. حيث قال :
رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ !

في هذه الآية توجد معادلتان متنافيتان تتجاذبان يوسف عليه السلام الى جهتين متضادتين .. الأولى هي دعوة زليخا والإستجابة الى مقتضيات الشهوة ومغريات اللذة المؤدية الى إرتكاب الخطيئة ولو بالقسر والإضطرار !
والثانية هي رفض دعوة الشهوة ثمّ الذهاب الى السجن ، حيث العقاب الصارم والتضييق الشديد والعمل الشاقّ وسلب حرّية الحياة والعيش الكريم !
وبحسب صياغة الآية الكريمة فإن يوسف عليه السلام حَسَمَ التجاذب بين هاتين المعادلتين المتضادتين من خلال اللجوء الى قانون الحبّ الإلهي فقال :
ربّ السجن أحبُّ إليّ مما يدعونني إليه !
والسؤال المهم هنا وهو المقصود من هذا المقال : كيف أصبح ( السجن ) الذي يمثّل العقوبة وسلبَ الحريّة هو الأكثر حبّاً في نفس يوسف ( أحبّ إليّ ) من إستجابة مراودة إمرأة العزيز ذات الجمال الخارق والتي تمثّل تلبية رغبات الشهوة في أبرز مصاديقها ؟!
الجواب عن ذلك ينقلنا الى معرفة القانون الذي يعمل من خلاله نظام الحبّ الإلهي في نفوس الأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين ، وهو أن الإنسان الذي يتحقق في قلبه حبُّ الله سبحانه سوف يدرك معنى الكمالات الحقيقية التي يتّصف بها محبوبه المطلق .. وفي قبال ذلك يدرك أيضاً معنى القبائح والرذائل والخبائث الحقيقية !
بعبارة أخرى : سوف تتحقق في نفسه وقلبه المقاييس الإلهية ، وهي التي ستحكم جميع مستويات وجوده عقلياً ونفسياً وقلبياً وأخلاقياً .. أي لايحبّ إلاّ مايحبّه محبوبه المطلق ! ولايبغض إلاّ مايبغضه محبوبه المطلق ! ولايريد إلاّ مايريده محبوبه المطلق !
فإذا كانت الشهوة المحرّمة مبغوضة عند الله - كما هو الصحيح - فالإنسان الذي يحبّ الله سيبغضها لامحالة مادام يعيش ضمن نظام الحبّ ! وإذا كان السجن محبوباً عند الله فهو محبوب عنده أيضاً ، لأنه يمثّل كمالاً حقيقياً له ، ويحقق له قرباً أكثر لمحبوبه !
وهكذا يتحكّم فيه المقياس الإلهي في جميع أفعاله وأفكاره ومواقفه ، مما ينتج أن تكون حياته إلهية بالكامل معنوياً ومادياً !
ومن المعلوم أن المقياس الإلهي يختلف عن المقاييس المتعارفة بين البشر بسبب الجهل والقصور الذي يحيط بالإدراك البشري المحدود ، والذي يُفقِد الإنسان القدرة على تحديد المصالح الواقعية والكمالات الحقيقية .. فقد يرى أمراً جميلاً ومحبوباً لكنه في الواقع وحسب المقياس الإلهي أمر قبيح يؤدي الى التسافل والهلاك ! وقد يرى أمراً مكروهاً لكنه في الواقع وحسب المقياس الإلهي أمر حسن وفيه الخير والكمال والسعادة الحقيقية .. والى ذلك يشير قوله تعالى :
(( وَعَسى‏ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى‏ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ))
وقوله تعالى : (( فَعَسى‏ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ))
في ضوء ذلك يمكن القول إن ( حبّ الله ) هو السبب التكويني الأهم الذي يضبط المقاييس الإلهية في قلوبنا ، ويعطينا القدرة الكافية في تشخيص الكمال والنقص ، والنفع والضرر ، والسعادة والشقاء ، والخير والشرّ ، والحسن والقبيح .. ويحدّد من هو الأَحبّ لنفوسنا ، السجن الظاهري أم متابعة الشهوة وارتكاب القبيح ؟! بل هو الذي يحدّد قراراتنا المؤثرة في مسارات حياتنا دنيوياً وأخروياً ، معنوياً ومادياً .
ومن هنا فإن الإنسان الذي يخلو قلبه من حبّ الله بجميع درجاته سوف يفقد مقياس الكمال الحقيقي ، وتنقلب لديه مقاييس الحق والباطل والخير والشرّ الى أضدادها فيرى الخير شراً والشرّ خيراً ! ويرى الباطل حقّاً والحقَّ باطلاً ! وحسب التعبير القرآني سيفقد النور الإلهي ويبقى متردداً في الظلمات .. قال تعالى :
(( أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ ))

وقد ذكرنا في مقالات سابقة أن القرآن الكريم يجعل حبّ الله هو العامل الأهمّ والمحرّك الأساس في مسيرة الإنسان التكاملية وحياته الإيمانية .. قال تعالى :
(( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ))
وبالعودة الى المعادلة التي مرّ بها يوسف عليه السلام ، فإنه سيكون واضحاً بناء على مقياس الحبّ الإلهي أنّ السجنَ أحبُّ إليه مما يدعونه إليه من مغريات الشهوات واللذائذ المحرّمة ..

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

21 Jan, 07:43


🟩 الماءُ الإلهي وأرضُ النّفس .. مقاربةٌ قرآنيةٌ

بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : (( وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ))

أحاول في هذا المقال أن أنتقل من قراءة ( الأرض ) بظاهرها المادي الذي تشير إليه الآية الكريمة ، الى قرائتها ببعدها المعنوي الذي يعني في بعض مستوياته ( أرضَ النفس ) .. فهل تهتزّ نفوسنا وتُنبت كما يحصل للأرض المادية ؟!
يتوقف جواب هذا السؤال على ترتيب بعض الأفكار للوصول الى نتيجة واضحة بخصوص ذلك .
يصف القرآن جميع كمالات المخلوقات وخيرات العالم التي تستديم بها وجودها وتوفّر ضرورات حياتها التكوينية بأنها ( نازلة ) ، وأن الله سبحانه وتعالى هو ( المُنزِل ) .. ولايخفى أنّ من أهمّ المُنزَلات التي ركّز عليها القرآن هو ( الماء ) قال تعالى : (( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى ))
وقال : (( وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ ))

وكأنّ هذا الماء النازل من العالم الأعلى هو الذي يبعث الحياة في العالم الأدنى ، بما يشبه عملية تزاوج تكويني بين الأرض السفلى وبين هذا الماء السماوي النازل عليها ! فتُنبت الأرض من كلّ زوج بهيج !
وفي الآية أعلاه يقول : إن الأرض هامدة قبل نزول الماء .. لكنها تهتزّ وتربت عندما يلاقيها الماء النازل وتبدأ حركة الحياة والإنبات والثمر .
ويظهر من الآيات القرآنية أن هذا النزول والتلقّي التكويني والإنسجام والتفاعل بين العالم السماوي والعالم الأرضي هو سبب حركة عالمنا الأدنى وتكامله وديمومته التكوينية .. أي أنّ كل المخلوقات الأرضية تستجيب لفيض الكمال النازل عليها من العالم الأعلى .
وفي آية أخرى يصوّر القرآن هذا التفاعل بين الماء النازل والأرض الخاشعة فيقول :
(( وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى‏ إِنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ))

ويتوّسع القرآن في مفهوم ( النزول والإنزال ) ليشمل الرسالات السماوية النازلة من الله سبحانه وتعالى فيقول في آيات عدّة : أنزلنا التوراة والإنجيل والفرقان والقرآن هدى للناس .
وعليه فإذا كانت الرسالة السماوية أمراً نازلاً من الله كالماء ، فسيكون قلب الإنسان ونفسه هي الأرض التي يحييها هذا الماء وينبت فيها من كلّ كمال بهيج !
بعبارة أخرى : إن رسالة السماء والوحي الإلهي عندما تنزل على الإنسان لابد أن تهتزّ نفسه وتربت كما يحصل للأرض المادية إذا نزل عليها الماء إهتزّت وربت وأنبتت من كلّ زوج بهيج !
وهذا ماحصل فعلاً للنبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله ، فكان نعمَ الأرض التي إستقبلت الماء السماوي وتلقّت الفيض الإلهي ، لتنبت بجميع الكمالات البهيجة وتهدي الناس أجمعين وتزكّيهم وتعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين !
قال تعالى : (( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ .. عَلى‏ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ))
هكذا نزل الوحي ( الماء الإلهي ) على قلب المصطفى صلّى الله عليه وآله لكي تنبت أرضه المباركة بكلّ خير وكمال ويكون للعالمين بشيراً ونذيراً !

في ضوء هذه المقاربة القرآنية بين الدين الإلهي والماء .. وبين الأرض والنفس لابدّ أن نرى حال أنفسنا وقلوبنا بالنسبة للدين الإلهي النازل عليها ! فهل إهتزّت أرض نفوسنا الجدباء عندما سقاها الله بوحيه ورسالاته ؟! وهل ( رَبَتْ ) فعلاً و ( أنبتت ) من كل زوج بهيج ؟!! أم أنها كانت كالحجارة أو أشدّ قسوة ؟! علماً إن من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار !! وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء !! ومنها مايهبط من خشية الله !!
وهل خشعت نفوسنا فعلاً وتصدّعتْ من خشية الله .. كما حصل ذلك في الجبل الذي أنزل عليه القرآن ؟!!
قال تعالى : (( لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى‏ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ))

هل سألنا أنفسنا : لماذا تهتزّ الأرض الهامدة وتنبت عندما ينزل عليها الماء الإلهي ولايحصل هذا الإهتزاز والإنبات في نفوسنا عندما تشرق عليه أنوار الوحي الإلهي وينهمر عليها الماء الطهور ؟!!
لا أشكّ أن الخلل في ( أرضنا ) ونفوسنا التي ( سبخت ) وقلوبنا التي ( تحجّرت ) !! وإلاّ فإن الماء الإلهي يفلق الحبّ والنوى !
(( إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى‏ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ))

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

21 Jan, 07:43


إذن فليعمل كلّ منّا على لِين قلبه ويصلح أرضَ نفسه ، ويهيؤها لموسم نزول الماء الإلهي لكي تهتزّ وتنبت وتثمر وتكون بلداً طيباً يخرج نباته بإذن ربّه لأن الذي خَبُث لايخرج إلاّ نكداً !!

إذا كنّا ( فلاّحين ) حقيقيين وماهرين فعلاً فلنعمل أولاً في حقول نفوسنا قبل أن نفكّر في إصلاح أراضي الآخرين ونفوسهم ! فقد قالوا في الفلسفة وصدقوا : إنّ فاقد الشيء لايعطيه !
وفي ختام هذه المقاربة القرآنية تراءى في خاطري قول بعض أهل المعرفة :
(( عندما أخبرته أن قلبي من طين سخر منّي ! لأن قلبه من حديد !! قريباً ستمطر سيزهر قلبي ويصدأ قلبه )) !!

محمود نعمة الجيّاشي
وادي السلام-النجف الأشرف

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

13 Jan, 11:48


فلا داعي للتكبّر على ( مبعوثي الله ) !! ولابدّ أن ندرك بعمق أن الأحداث التي تقع أمام أعيننا لاتقع جزافاً ، وإنما لها غايات وأهداف إلهية ذات تأثير مباشر ومصيري على حياتنا ! لأن الكون مترابط تكويناً ويسير بنظام مُحكم ، ونواميس ثابتة على غاية الدقّة ، حسب الحكمة الإلهية العليا المسيطرة على الكون والوجود .
فالأمور التي تحدث أمامنا مهما كانت صغيرة أو كبيرة قد تكون رسائل إلهية تكوينية موجّهة لنا بسبب فعلٍ صدر أو سيصدر منّا وهي تحمل تبشيراً أو إنذاراً أو تنبيهاً !
ومما ينبغي الإشارة إليه هنا أن الرسائل الإلهية قد تكون مباشرة للإنسان ، ويكون المقصود منها نفس الإنسان الذي حدثت أمامه ! وقد تكون رسائل عامّة يبعثها الله للمجتمع ككل ..
كما إن هناك رسائل شديدة وقاسية تأتي بحسب درجة الغفلة الموجودة عند الإنسان !
كما قد تأتي الرسالة الإلهية في بعض الحالات بشكل رمزي ، وعلينا فكّها وفهمها ، كما لو حصل أمرٌ غريب وغير متوقّع في حياتنا ، فلابدّ من التأمل فيه وأخذ العبرة والدرس منه .
ومن الطريف أن هناك ثقافة شعبية موجودة في مجتمعاتنا لها إرتباط مباشر بموضوعنا ، ويعمل بها الناس على مختلف مستوياتهم الفكرية والإجتماعية - بغض النظر عن مدى إدراكهم لعمقها - وهي أنهم يعزمون على فعلٍ ما ويهيؤون مقدماته الضرورية بحساباتهم ، لكن وبشكل مفاجئ يقع حدثٌ ما غير متوقع يمنع من تحقق الفعل الذي عزموا عليه ! فيقولون : ( فيها صالح ) !! أي أنهم في الحقيقة يحسنون الظن بالله سبحانه وتعالى ، ويعتبرون أن الله هو الذي منع من وقوع الفعل ، فيسمّون هذا المانع ( صالحاً ) وليس ( طالحاً ) أو يقولون : ( صالح الله خفي ) ! في إشارة الى أن الله منع ذلك رحمة بهم ولصالحهم ، وإن كانت الحكمة من المنع خافيةً عنهم !
فلنتأمّل بكلّ صغيرة وكبيرة حولنا .. فإن في كل شيء درساً وعبرة ! وأن لانهمل البريد الإلهي المستمر في حياتنا .. لكي لانقول بعد ذلك : يا حَسْرَتى‏ عَلى‏ ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ !
قال تعالى : (( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ))

محمود نعمة الجيّاشي
النجف الأشرف

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

13 Jan, 11:48


🟦 رسائلُ الله الى الإنسان مستمرّةٌ .. فاقرؤوها ولاتغفلوا عنها !

( رؤيةٌ قرآنيةٌ )
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : (( فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى‏ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ))

أحاول في ضوء هذه الآية الكريمة أن أتحدّث عن أحد الموضوعات الجوهرية في علاقة الإنسان بالله عزّ وجلّ ، وهو ما أسميته ( رسائل الله الى الإنسان ) .
وقبل الدخول في بيان المعنى الأساسي المقصود من هذا البحث لابدّ أن نشير الى أن رسائل الله الى الإنسان على نحوين :

النحو الأول : هو رسائل الهداية العقائدية والتشريعية ، ونقصد بها الرسالات السماوية التي جاءت عن طريق الوحي الإلهي للأنبياء والمرسلين .. وهي أعظم أنحاء رسائل الله وأعلاها شأناً وأهمّية ، وأكثرها تأثيراً في حياة الإنسان ومصيره النهائي .. ومن المعروف والثابت دينياً وهو من ضرورات المعرفة الدينية أن هذه الرسالات خُتمتْ بنبوّة النبيّ المصطفى الخاتم محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله ورسالة الإسلام الخالدة .

النحو الثاني : رسائل الله التكوينية .. ونقصد بها جميع الأحداث والمواقف التي تحدث بمشيئة الله وإرادته في حياة الإنسان ومحيطه الذي يعيش فيه ، وتحمل تبشيراً أو إنذاراً أو تنبيهاً للإنسان من الله سبحانه ، سواء كان حدوثها على المستوى الشخصي المباشر للفرد ، أو في محيطه الإجتماعي ، أو حتى في عالم الطبيعة المشهود له بجميع مستوياته ! مثل حدوث ظاهرة كونية كالزلزلة والريح الشديدة والخسوف والكسوف والكوارث الطبيعية ، أو سقوط جدار ، أو ظهور إنسان بمواصفات معيّنة ، أو موت إنسان ، أو عروض آية قرآنية مكتوبة على جدار أو ورقة لم يكن بالحسبان المرور عليها والإلتفات لها ! وغير ذلك من الحوادث المشهودة التي تقع أمام الإنسان مهما صغرت أو كبرت .. بل قد تكون الرسالة عبارة عن فكرة أو حالة معنوية أو شعور باطني معيّن يحصل بشكل مفاجئ في رَوْع الإنسان لم يكن ملتفتاً إليه سابقاً ! فيجعله يغيّر بعض قراراته أو يتردد عمّا عزم عليه قبل حدوث هذا الشعور !

وهذا النحو من الرسائل الإلهية هو المقصود في منظور بحثنا هذا .. ولابدّ أن نؤكّد أنّ هذا النوع من الرسائل غير منقطع ولا مختوم ! بل هو مستمر مادام الإنسان في هذه الحياة وكلّ حسب إستحقاقه الذي يحدّد نوع وقوّة الرسالة التي يبعثها الله له من خلال حدث معيّن ! مضافاً الى الى إن هذه الرسائل غالباً ما تكون دقيقة وعميقة وذات حساسية خاصة لا يدركها إلا من يستطيع قراءتها وفكّ رموزها ! ولعلّ كلّ واحد منّا لديه تجربته الخاصة مع رسائل الله ! وقد وصلته بعض هذه الرسائل وشاهد أثرها المباشر في المنعطفات التي مرّت بها مسيرة حياته !
فرسائل الله التكوينية لاتنتهي ، وفي كل لحظة تمرّ في حياتنا ثمّة رسالة أو رسائل لله فيها ! فلا تغفلوا عنها ؛ لأنها موجّهة إليكم حسب إستحقاقكم ، ولعلّها لاتعود أو يتكرر إرسالها مع إهمالها والإعراض عنها .. وعلى الأقل أن يُعوّد كلّ منّا نفسه على وجود رسالة لله في الأحداث والمواقف التي تدور حوله !

وبالعودة الى الآية التي إفتتحنا بها البحث نجد أنها تستعرض بشكل إستثنائي أحد الرسائل التكوينية التي بعثها الله للبشر في الأيام الأولى من وجوده على الأرض .. وقد تشرّف بحمل هذه الرسالة الإلهية مبعوثٌ لاينتمي الى نوع البشر والإنسان ، ولايتكلّم بلغتنا ، بل لاتوجد بيننا وبينه أي رابطة للتواصل المعرفي !! إنّه ( الغراب ) هذا الطائر الذي أعطى درساً إنسانياً وأخلاقياً بليغاً للبشر ، حسب ما تحدّثنا به صياغة الآية الكريمة حول مافعله هذا ( المبعوث الإلهي ) !
يقول : فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى‏ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ

فالباعث هو الله ! والمبعوث هو الغراب ! والمبعوث إليه هو إبن آدم صاحب الخطيئة الأولى ، والمرتكب الأول لجريمة القتل في التاريخ البشري !! ونوع الرسالة هو ( البحث في الأرض ) ! وهدف الرسالة هو : أن يريه كيف يواري سوأة أخيه ! والمهم أن ( قابيل ) فَهِم هذه الرسالة وأدرك الدرس الأخلاقي البليغ الذي حمله الغراب له ! ولذلك أصبح من النادمين ! أي أدرك قُبحَ مافعله بأخيه وشناعة ماصدر منه بعد القتل بعدم دفنه !

هكذا تأتي رسائل الله .. لانستغرب إن كان المبعوث لنا غراباً أو حيواناً أو نملة أو نحلة ! أو حجراً أو شجراً أو وردة أو تفاحة ! أو أي حدث صغير يقع أمام نواظرنا ..

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

12 Jan, 12:44


🟪 قانونُ إصابةِ السيئاتِ صاحبَها وإرتدادها عليه !

بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : (( فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ماكَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ ))

درجتُ في أبحاثي ومقالاتي السابقة أن أصطلح على المضامين والمعطيات القرآنية التي أُوفّق للتأمّل فيها والكتابة عنها ، بأنها ( قوانين وقواعد قرآنية ) ، وذلك لأن القانون يمثّل قضية كلّية تعطيناً منهجاً شاملاً وعاماً ، يمكن تطبيقه على جزئياته وصغرياته ، وبالتالي يمكن الإستفادة منه في كل مورد أو حالة ينطبق عليها بشروطه وقيوده .
وهذا هو حال آيتنا المباركة المذكورة في صدر البحث ، فإنها تتكفل بيان أحد أهمّ القوانين القرآنيّة ، والسُنن الإلهية التي تحكم أعمال الإنسان تكويناً ، وهو ما يمكن أن نسمّيه بقانون إرتداد السيئات على فاعلها وإصابته مباشرة ! والذي دلّت عليه عدّة آيات كريمة جاءت جميعاً بلفظ ( الإصابة ) .
حيث يتجلّى إعجاز الصياغة القرآنية هنا في إختيار مفردة ( الإصابة ) دون غيرها من المفردات الأخرى ، لبيان نتيجة الأعمال السيئة والذنوب والمعاصي التي تصدر من الإنسان ، إذ كان بالإمكان إختيار صياغة أخرى ، والقول مثلاً : أن هناك عقاباً أو عذاباً إلهياً يترتب على إرتكاب المعصية والعمل السيء .. لكن هذا التعبير يعجز عن إبراز الدلالة الحقيقية على واقع المعاصي والسيئات ، وبيان أثرها التكويني الدقيق ، ويقصر عن تجسيد نتيجتها الحتمية على مرتكب المعصية ! لذا إختار القرآن مفردة ( الإصابة ) بالخصوص للتعبير عن ذلك .
في ضوء صياغة قانون الإصابة القرآني ينبثق السؤال التالي :
ما معنى إصابة السيئات أصحابها ؟! وكيف نتصور أن العمل السيء الصادر من الإنسان سيرتد ويصيب صاحبه ؟! خصوصاً إذا أخذنا بنظر الإعتبار أن الإصابة في معناها اللغوي تعني الوصول الى الشيء وإدراكه وإنها لا تخطئه ! كما نقول : أصاب السهمُ الهدفَ ، أي لم يخطئه ، وأصابت الرميةُ ، ومن هنا أيضاً سمّيت المصيبة مصيبةً ، أي أنها لم تخطئ هدفها !
وهذا يعني في ضوء مجريات بحثنا حول الصياغة القرآنية ، أن العمل السيء والمعصية إنما هو في حقيقته التكوينية رميةٌ يسددها الإنسان العاصي نحو نفسه ! ومن المميزات العجيبة لهذه الرمية أنها يستحيل أن تخطئ هدفها ، الذي هو الرامي نفسه ! أي فاعل السيئة !! فهو الرامي وهو المرمى !! وهو المُصيب وهو المُصاب !!
لا شكّ إننا جميعاً ندرك في تصوراتنا الأولية الساذجة أن الأعمال الصادرة منّا تذهب بإتجاه الآخرين لا باتجاهنا نحن ! لأننا نمثل مصدر هذه الأفعال ومنشأها وعلّتها القريبة ! فكيف نكون في الوقت ذاته مقصدَ أعمالنا وهدفها وغايتها ؟! أي أننا المبدأ أو العلة الفاعلية لهذه الأعمال فكيف نكون منتهى وعلة غائية لها ؟!
إن قانون إرتداد المعاصي على فاعليها وإصابتهم يقلب هذه المعادلة رأساً على عقب ! ويؤكد لنا أن هناك سُنناً ونواميس إلهية تحكم حياتنا التكوينية على غير ما ندركه في أفهامنا وتصوراتنا المعروفة في حياتنا العقلية والعقلائية !
هكذا يتجلّى المعنى العميق لحقيقة المعصية وعلاقتها بفاعلها من خلال هذا القانون الإلهي الذي يقرره القرآن الكريم حسب الصياغة المذكورة .
ولو تأملنا المشهدَ القرآني العام حول أعمال الإنسان ، لوجدناه يقرر بصورة صريحة وحاسمة ، أنّ جميع مايصدر من الانسان من أعمال سوف يرجع عليه مباشرة !
ولنا أن نتساءل بعمق ودهشة عن حقيقة هذه المعادلة المثيرة والخطيرة في الوقت نفسه !
إذ كيف نتصور أن الانسان عندما يصدر منه الظلم فهو في الحقيقة يظلم نفسه ؟!
وكيف إذا خادع الآخرين فهو يخدع نفسه ؟!
وكيف إذا بخلَ فإنه يبخل على نفسه ؟!
وكيف إذا مكرَ فهو يمكر بنفسه ؟!
وكيف إذا بغى فهو يبغي على نفسه ؟!
وكيف إذا نكثَ فهو ينكث بنفسه ؟!
وكيف إذا أساء فهو يسيء لنفسه ؟!
إن هذا القانون القرآني العجيب يعبّر في عمقه عن قانون تكويني يربط الإنسان بجميع الأعمال الصادرة منه ، بحيث يكون هو هدفها الذي تنتهي إليه !
إستناداً لذلك ، إذا أدرك الإنسان هذه العلاقة التكوينية بينه وبين عمله وفعله ، واعتقد بها فعلاً ، وانكشف له يقيناً أن كل مايصدر منه يرتد عليه تكويناً ، فسوف يصعب أو يتعذّر صدور المعصية منه ! لأن عقله العملي يحكم بدفع الضرر المحتمل ، فكيف بالضرر المتيقن ؟!!
ومن أجل تقريب هذه الفكرة وبيان أثرها التكويني ، نضرب مثالاً حسياً على ذلك :
لو جئنا بإنسان ووضعناه في مكان ما ، وأعطيناه مجموعة من الحجارة ، وقلنا له : توجد خاصية فيزيائية لهذا المكان ، وهي أن الحجارة التي ترميها بأي إتجاه سوف تعود إليك وتصيبك وتضربك أنت !

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

12 Jan, 12:44


بالتأكيد لا يمكن لهذا الانسان أن يقوم برمي حجر منها ، بل ولا يفكر في فعل ذلك أصلاً ! والسبب في ذلك ، هو إن هذا الشخص أصبح لديه يقين بنتيجة رمي الحجارة ، وأنها سترتد عليه وتصيبه هو نفسه لا محالة ! وهكذا هو قانون الإصابة الذي يقرّره القرآن في الآية المذكورة في مستهل البحث .
في ضوء قانون الإصابة القرآني آنف الذكر ، سيكون حالنا مع أعمالنا في الدنيا كحال هذا الشخص الموضوع في هذا المكان ، بمعنى أن أي عمل قبيح أو سيّء - كالظلم والفساد وسائر المعاصي - يصدر منّا ، سوف يرتد ويعود علينا ويصيبنا لا محالة ، سواء في الدنيا أم الاخرة ! كما قال تعالى : إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها .. وقال : ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله !
بعبارة أخرى أكثر إثارةً وتأثيراً ، إننا في أعمالنا السيئة كأننا نصوّب الس....لاح بدقة عالية نحو أنفسنا !! وكل معصية أو عمل سيّء يصدر منّا هو عبارة عن طعنة في النفس حسب قوتها ومقدار سوئها وضررها !!
وعليه فيمكن أن نسمّي كلّ عملٍ سيّء أو قبيح يصدر منّا عمداً واختياراً بأنه ( مُصيبة ) ! فاعلها ومفعولها هو الإنسان نفسه ! فهو الصائب والمُصيب وهو المُصاب في الوقت نفسه !! وباختصار شديد نحن ضحايا أنفسنا ليس إلا !!
إذن فالسيئات حسب الإصطلاح القرآني هي في الحقيقة ( مُصيبات ) !! إلا ما غفر الله منها ، وعفى عنها وأذهبها ، حسب قانون التوبة والمغفرة القرآني.
قال تعالى : ( وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )
وما دام الحديث قد إنجرّ الى مفردة ( المصيبة ) في القرآن بشكل عام ، فمن الجدير بذلك أن نربط البحث بقوله تعالى : ( الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) فإن هذه الآية الكريمة وإن إرتبطت في الثقافة المتشرعية العامة بمصيبة الموت فقط ، لكنها في الحقيقة أعمّ من ذلك ، لأنها تتحدث عن حال المؤمن الحقيقي عندما تمرّ به مطلق المصائب سواء الموت أم غيره ، أي الحوادث التي تصله وتنال منه في آثارها ونتائجها ، وتقرر أن ردّ الفعل الصحيح تجاه أيّ مصيبة ، هو أن يتمسّك المؤمن بعروة التوحيد التي لا انفصام لها ، حسب ما يقرره قوله تعالى : ( قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ) وهو من أعظم صياغات المعرفة الإلهية والتوحيدية في القرآن ! أي أن مواجهة المصائب بما فيها مصائب الذنوب والمعاصي ، والتخلص من آثارها ، لا يتحقق إلا بالرجوع الى الله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، والتمسّك بعروة توحيده الوثقى ، والإعتراف بأننا له ، منه بدأنا وإليه راجعون ، وحده لا شريك له ، لنكون من الذين قال فيهم : ( أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )

إذن .. فلنرحم أنفسنا باللجوء الى حصن التوحيد والولاية الإلهية ، ونحصّن أنفسنا ونقيها بالأعمال الصالحة ، والأفعال الحسنة ، والنوايا الطيبة ، ولا نجعل أنفسنا هدفاً نمزّقه بسِهام أعمالنا السيئة ، ورميات أفعالنا القبيحة ونوايانا الخبيثة ! فنكون من الذين كانوا أنفسَهم يظلمون وأنفسهم يصيبون ! ثمّ نواجه الجواب الإلهي يوم الحساب : ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّـهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ !
قال تعالى : فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ .

محمود نعمة الجيّاشي
وادي السلام-النجف الأشرف

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

12 Jan, 12:41


https://youtu.be/3RbNX7Db130?si=N4Xbnw7KeIdVK0ys

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

12 Jan, 12:40


https://youtu.be/03EusKd9UQY?si=_sTLTMNpyfLxcLr7

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

12 Jan, 12:40


https://youtu.be/KuE-pFB5hqM?si=mz9MIg4M0Y6Hhe6g

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

12 Jan, 12:40


https://youtu.be/8sHM4UmQXmw?si=bw9s6lEK9exIZ-s_

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

12 Jan, 12:40


https://youtu.be/C2trZ6o5tE8?si=9L-hc_LlL_reCorR

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

12 Jan, 12:39


https://youtu.be/XjRypdwxyoM?si=EFgEkpxnVW8tH1Vd

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

12 Jan, 12:39


https://youtu.be/WC2JRS4TX_M?si=lVixZ4AZRHUYW5OJ

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

12 Jan, 12:39


https://youtu.be/i0tSF2eFQs4?si=0u-YQrVLJlH9R7oo

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

12 Jan, 12:38


https://youtu.be/JSgB9aKftnE?si=Eq-Qi-fOHMbNjkQm

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

12 Jan, 12:38


https://youtu.be/kxr8gbERwkE?si=b8Jpw3NxVBhGkMHN

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

12 Jan, 12:37


https://youtu.be/n4jSO89JSmY?si=GdbhNHxPj8VT3wh8

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

12 Jan, 12:37


https://youtu.be/yPzuRmx6uVk?si=6K09uQj-EARtdU7S

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

12 Jan, 12:37


https://youtu.be/GAQ9G158X1U?si=F2V_hu97rc22mdLa

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

12 Jan, 12:37


https://youtu.be/8fs4S_TUlAI?si=qJlZNNZY0G5yP-q8

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

04 Jan, 13:24


تأمّلوا في قولهم ( طبتم ) قبل قولهم ( إدخلوها ) فإنها صياغة تراتبية معبّرة عن أن بصمة المرور والهوية التعريفية لدخول الجنة هي ( طيبة القلب ) ! وحيث تمّ التأكّد من بصمة القلب ( طبتم ) إذن حصل الإذن بدخول الجنّة ( فادخلوها خالدين ) ! أي أن الشخص الذي يحمل مقداراً من الخبث بأي نسبة كانت ، سيتعذّر بل يستحيل عليه تكويناً عبور ( جهاز الكشف الإلهي ) ودخول الجنّة ! فالطيبات للطيبين ، والطيبون للطيبات !
وفي هذا المجال أيضاً يمكن قراءة الحديث المعروف : إن الله لا ينظر الى أجسامكم ، ولا الى صوركم ، ولكن ينظر الى قلوبكم !
وذلك لأن الأجسام والصور الظاهرية ليست مشخّصات حقيقية في السُنن الإلهية لكشف حقيقة الإنسان وما ينطوي عليه باطنه وجوهره ، بالرغم من أننا نعتمد عليها في تعريف الأشخاص والتمييز بينهم في نشأة الدنيا !
ومن هنا فقد يختلف ظاهر الإنسان عن باطنه في الحياة الدنيا ، لكن الأمر ليس كذلك في الآخرة ويوم الحساب ، لأنه يومٌ تبلى فيه السرائر ، وتنكشف فيه البواطن وتظهر فيه مكنونات القلوب ، ويُعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام !
قد يمرّ الإنسان بسلام ، ويتجاوز أجهزة الكشف و ( السونار ) الدنيوي ! ويعيش بين الناس بهوية ظاهرية مزوّرة تخالف هويته القلبية والباطنية ! لكن لنعلم جميعاً أننا مقبلون لا محالة على جهاز المراقبة والتصفية الإلهي ، الذي سيكشف بصمات قلوبنا ، وتظهر فيه ملامح وجوهنا الحقيقية تبعاً لبصمة القلب ، في يوم تبيضّ فيه وجوه وتسودّ فيه وجوه ! وبسبب إنكشاف البواطن والقلوب سيَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ !! بل لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً !!
هكذا يلعب القلبُ ومحتواه هذا الدور الخطير والجسيم في تحديد شخصية الإنسان وسلوكه ومصيره النهائي وحياته الأبديّة ! ومن هنا نجد أيضاً أن أصدق العلاقات وأجلّها شأناً وأعظمها قدراً هي ( علاقة الحبّ ) وذلك لأن الحبّ ينشأ تكويناً من هويّة الإنسان الحقيقية وجوهره الباطني الذي لا يقبل التزوير والتحايل ، وهو القلب !
في ضوء هذه المعطيات القرآنية حول نظام تحديد الهوية ومعرفة شخصية الإنسان الحقيقية في الآخرة ، فليحافظ كلّ منّا على مُعرِّفهِ الواقعي وهويته الحقيقية ، التي لا يحمل غيرها ، ولا يحملها غيره ! وهي قلبهُ !
قال تعالى : إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ .

محمود نعمة الجيّاشي
وادي السلام-النجف الأشرف

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

04 Jan, 13:24


🟪 هويّةُ الإنسانِ وحقيقتهُ .. بين بصمةِ القلبِ وبصمةِ العينِ وبصمةِ الصوتِ وبصمةِ الإصبعِ !

🔹تأمّلات في الهوية التعريفية بين الدنيا والآخرة
بسمه تعالى
تلعبُ الهويةُ الشخصيةُ دوراً كبيراً ومؤثراً في الحياة العامة والخاصة في المجتمع البشري ، إذ لا يخفى دورها الحساس والخطير في إبراز مشخصات الفرد وتعريفه للناس الآخرين ، ولنا أن نتصوّر مقدار الفوضى والإرتباك الهائل وإنهيار النظام التعريفي الذي سيصيب الحياة في المجتمع العقلائي ، وما يترتب عليه من نتائج وخيمة في ضياع الحقوق والمسؤوليات ، فيما لو غابت منظومة الهويات الشخصية من حياتنا !
ومن هنا نجد أن كل سلك وظيفي أو تخصص عملي أو مهني ، سواء في المؤسسات والدوائر العامة أو الخاصة ، قد صنع لنفسه نظاماً خاصاً ، ولوناً وشكلاً محدداً ، للهوية الشخصية التي تعرّف الأفراد المنتمين إليه فعلاً !
ومن المعلوم أيضاً أن نظام الهويات الشخصية ونظامها التعريفي قد تطوّر تطوراً هائلاً بمرور الزمن ، تبعاً للتطور التكنولوجي والتقدم العلمي الذي يطبع الحياة البشرية بكل مجالاتها وتخصصاتها .
فبعد أن ظلّت الهوية الشخصية لردح طويل من الزمن تعتمد تقليدياً على بصمة الإصبع والصورة الشخصية الفوتغرافية التي يتمّ تثبيتها على كارت الهوية الورقي كمعرّف رئيسي وحاسم لصاحب الهوية ! نجد الآن ظهور معرّفات ومشخّصات جديدة فرضتها التكنولوجيا الحديثة من أجل حفظ المعرّف الشخصي للفرد وحمايته من عمليات التزوير والإحتيال ، والذي تترتب عليه حقوق الإنتماء والمسؤولية والإمتيازات .. وذلك مثل بصمة الصوت وبصمة العين ، أو أي نوع آخر من الرموز الألكترونية الخاصة بصاحب الهوية ، والتي لا يمكن أن يشاركه فيها شخص آخر .
هذا هو حال النظام التعريفي للإنسان في نشأة الدنيا ، ولا ندري ماذا يخبّئ لنا المستقبل العلمي والتكنولوجي من طرق أخرى قد نراها الآن مستحيلة أو ضرباً من الخيال !
وكيف كان ، فإن موضوع الهوية الشخصية لم يكن هو المقصود أولاً وبالذات من حديثنا في هذه الخاطرة ، وإنما كان ذلك لمحة مختصرة ننتقل من خلالها الى الحديث في الفكرة المقصودة من حديثنا هذا .
ويبدو بالإستناد الى بعض المعطيات القرآنية والعقائدية أن نظام الهوية التعريفية للإنسان والبصمة الشخصية للفرد ، ليس مختصاً بنشأة الحياة الدنيا ، وإنما سيكون معمولاً به حتى في النشأة الآخرة ويوم الحساب ! لكن الفرق بين نظام التعريف الدنيوي ونظام التعريف الأخروي يعود الى الإختلاف التكويني بين قوانين الدنيا والآخرة والنواميس الوجودية التي تحكمهما !
فإن الهوية التعريفية والبصمة الشخصية في الحياة الدنيا ، ترتبط بالجانب المادي من الإنسان ، وهو هذا البدن المادي ، سواء كانت صورة فوتغرافية للوجه أو بصمة الإصبع أو بصمة الصوت أو بصمة العين ، ومن المؤكد أن هذا النظام المادي المرتبط بالبدن غير معمول به في الحياة الآخرة ، بل يستحيل العمل به حسب ما ثبت في محلّه من أبحاث المعاد في المعرفة الدينية .
ومن هنا فإن نظام الهوية التعريفية للإنسان في الآخرة سيرتبط بجانبه المعنوي ، وهو الجانب الروحي والقلبي من وجوده ، وبناء على ذلك نستطيع القول أن البصمة التي تعرّف الإنسان وتشخّصه عن غيره في الآخرة هي بصمة روحية أو قلبية لا محالة !
ومما لا شكّ فيه أن البصمة القلبية والروحية أكثر ثباتاً وأقوى تعريفاً بحقيقة الإنسان وهويّته وإنتمائه الفعلي ، لأنها ترتبط بالجانب الثابت من وجوده ، لا أنها ترتبط بالجانب المتغير والزائل ، الذي هو البدن المادي !
نستطيع التأكيد على حقيقة هذه البصمة القلبية الأخروية بالإستناد الى بعض المعطيات القرآنية ، منها :
قوله تعالى : يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
إذ من الواضح هنا أن سبب النجاة يوم القيامة هو كون الإنسان صاحب قلب سليم ، وبالتالي فإن جهاز الكشف والتعريف الأخروي الإلهي لو صحّ التعبير سيتجّه الى القلوب ، لتشخيص السالمة قلوبهم وتمييزهم عن المريضة قلوبهم ! فيكون مُعرِّف الإنسان حينذاك هو ( الهوية الروحية ) أو ( البصمة القلبية ) ! وهي بصمةٌ لا تقبل الخطأ والإشتباه والتزوير والإحتيال ! وإن فرضنا إمكان تزوير البصمة البدنية الظاهرية أو تغييرها ، فإن ذلك غير متصور أصلاً في البصمة القلبية الباطنية ، لأنها تمثّل حقيقة الإنسان وجوهره وكينونته ! وهي واحدة لا تقبل الإثنينية ولا التعدّد ! وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه !
ومن الآيات القرآنية الدالة على نظام البصمة القلبية أيضاً ، قوله تعالى في خطاب الملائكة لأصحاب الجنّة : ( حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ )

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

01 Jan, 16:34


🟪 الدُّنْيَا سُوقٌ رَبِحَ فِيهَا قَوْمٌ وَخَسِرَ آخَرُونَ !
( تأمّلات صباحيّة بين سوق النجف الكبير والعتبة العلوية المطهّرة )

لاتخفى العلاقة الجغرافية والقرب المكاني بين السوق الكبير والحضرة العلوية المطهّرة ، فكلّ من دخل السوق من جهة ساحة الميدان وإستمرّ في مشيه من دون مانع أو عارض فإنه سيصل الى العتبة المطهرة جزماً ! لكن ماهو الربط الديني والمعرفي والأخلاقي بين هذين الأمرين لكي يستحقّ أن ندوّن بصدده هذه الخاطرة ؟!
تجدر الإشارة أولاً الى أنني لستُ بصدد ذمّ العمل في السوق ، لأن التكسّب وطلب الرزق الحلال قد يكون واجباً أو مستحباً شرعاً ، بل قد يدخل تحت عنوان الطاعة الشرعية ، كما هو معلوم ، وإنما غاية ما أحببت الإشارة إليه هنا هو الإستفادة من رمزية السوق وقربه من العتبة المقدسة ، وإنعكاس هذه الثنائية المعبّرة من الناحية المعنوية على العلاقة بين الدنيا والآخرة ، ومسير الإنسان بينهما .
وهذا يستدعي أن أذكر جزءاً من برنامجي اليومي عند الذهاب الى الدرس والتحصيل في الحوزة العلمية ، فقد إعتدتُ منذ فترة طويلة عند وصولي الى مركز المدينة في ساعات الصباح الأولى ، أن أترجّل ماشياً سالكاً الطريق داخل سوق النجف الكبير بإتجاه العتبة العلوية المقدسة .
أحاول أن أنشغل خلال هذه المسافة ببعض الذكر والتسبيح المستحب عند دخول الأسواق كما ورد في بعض الروايات عن أهل البيت عليهم السلام ، بالرغم من أني لستُ بتاجر ولا متكسّب ولا يرتبط عملي بالسوق إطلاقاً !
لكني خلال دقائق المشي المعدودة داخل السوق أنشغل أيضاً بالتأمّل في معروضات السوق المتنوعة ، ومناظر البضاعة الخلّابة التي يزخر بها هذا السوق التاريخي ، الذي يُعدّ من المعالم الرئيسية في مركز المدينة القديمة.
في لحظة ما تجد نظركَ أسيراً وهو يتقلّب في زوايا السوق ، ومواجهة المنظر المتلألأ والمشهد الأخّاذ لمحلّات الصاغة وبيع الذهب والمجوهرات الثمينة .. والخواتم والسبح والأحجار الكريمة .. من الكهرب والزمرّد والياقوت والفيروزج والعقيق ! ناهيك عن المشهد اللامع والبرّاق لمحلّات المقتنيات النحاسية بجميع أشكالها الرائعة التي تعكس جمال الماضي العريق ، وعبق الحضارة العربية والإسلامية ، والثقافة الغنيّة والمتنوعة والأصيلة للمجتمع العراقي !
كذلك لا ننسى المشهد المبهر والمثير لمحلّات الأقمشة الساحرة والملابس الأنيقة .. وأزقّة المحلّات المتخصصة بالزي العربي والعباءات الرجالية الفاخرة !
وبين ذلك كلّه تجد نفسك محاطاً بنسيم مفعمٍ فوّاح تختلط فيه الروائح الزكية المنبعثة من محلّات العطور والبخور والأطياب التي تملأ جانبي السوق !
لكن يبقى المشهد الأكثر إثارةً وإهتماماً هو المنظر المدهش لحلوى النجف الشهيرة ( دهين أبو علي ) والتي أخذت طريقة عرضها للزبائن والمتبضعين أنساقاً جديدة في السنين المتأخرة ! من حيث أسلوب العرض والإنارة المركزة وإضافة مُكسّرات الفستق والجوز واللوز وحتى القشطة ! مما جعل محلاّت بيع الدهين هي الأكثر زحاماً وإقبالاً في ساعات الذروة !
لا شكّ أن هذا المشهد المتنوع والثري في مناظره .. المثير في تأملاته ! سينتهي بنهاية السوق الكبير من الجهة المقابلة للحرم العلوي المطهّر ... إذ بمجرّد الخروج من بوابة السوق ومواجهة الصحن الشريف ستجد نفسك أنك خرجت من عالمٍ ودخلت في عالمٍ آخر يختلف عمقاً ومعنىً ومضموناً ! وأثراً وتأثيراً !
سيغمرك شعور مفاجئ وسريع بأن كل ما رأيته ، وما تعلّقت به الروح من مشاهد السوق الجميلة ومعروضاته الثمينة ، لا قيمة له في الحقيقة أمام باب عليّ عليه السلام ! سيكون السوق بجميع ما فيه من إِنسٍ وأُنسٍ ! قد أصبح خلفك تماماً ! وانقطعتَ عنه مادياً ومعنوياً ! ظاهراً وباطناً ! وأقبلتَ بقلبك وبدنك على عالمٍ روحيٍ فسيحٍ ، يملؤه النور والكمال والبهجة اللامتناهية ! وتتصاغر بل تأفل أمام إشراقاته جميع صور الدنيا ومشاهدها غلاءً ورخصاً ! ولو ركّزتَ قليلاً وأغمضتَ عينيك الباصرتين وتأمّلت بعين البصيرة في أعماق فؤادك أثناء وقوفك بين هذين العالمين المختلفين ، لبانَتْ لك حقيقة قوله تعالى : ( وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) ..

الحياة الدنيا التي كان يمثّلها السوق بجميع ما فيه من لذائذ ورغبات وشهوات وما قطعتَ فيه من خطوات ! ثمّ خرجتَ منه وتركته خلفك !
والآخرة التي هي الحياة الحقيقية هي التي شخصت أمامك الآن وتجسّدت في حرم أمير المؤمنين عليه السلام ، وصراطه المستقيم .. حيث مرقد قسيم النار والجَنّة !

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

01 Jan, 16:34


هكذا تمثّل في ناظري بل تجسّد في قلبي ووجداني مشهد المرور بالسوق الكبير ثمّ الخروج نحو العتبة العلوية ! فقد وجدته مشهداً دقيقاً وصادقاً وناطقاً يجسّد المرور بالدنيا ( السوق الكبير ) الذي تُلبّى فيه الرغبات وتُشبع فيه الشهوات ، وتتضارب فيه الأهواء وتشتبك فيه المعاملات ، بين الذهب والمجوهرات ، وفاخر العطور واللباس وأنواع الأحجار الكريمات ! وصولاً الى حلوى الدهينة !! ثمّ الخروج الى الآخرة ( الحضرة العلوية ) التي تشعّ على النفس بأقدس الأشراقات ، وتفيض على الروح بأنفس الكمالات !
هكذا أحببت في هذا المشهد الصباحي المتكرر أن أفهم حديث الإمام الهادي عليه السلام : الدُّنْيَا سُوقٌ رَبِحَ فِيهَا قَوْمٌ وَخَسِرَ آخَرُونَ !
بالتأكيد سنمرّ جميعاً في سوق الدنيا ، بل نحن الآن فيه فعلاً ! لكن حذارِ أن نجعل هذا السوق أكبر همّنا ومبلغَ علمنا ! فما هي إلا خطوات قليلة وأيام وساعات متصرّمة نعيشها في سوق الدنيا .. لنجد الدنيا قد أصبحت ماضياً خلفنا .. وأننا خطونا باتجاه حياة أبديّة خالدة ! ولا ينفعنا يومئذ أن نقول : يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي !!

ملاحظة : أرجو حفظ المقاربة الرمزية والجانب المعنوي في الخاطرة بدون أي لوازم أخرى غير مقصودة .

محمود نعمة الجيّاشي
بين السوق الكبير والعتبة العلويّة المطهّرة

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

30 Dec, 11:31


https://youtu.be/ofHdFBD0oGE?si=rsFn-Eq_R_pE4-Ph

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

30 Dec, 11:31


https://youtu.be/whdGfEx65nE?si=rfZk3IYKSRKgGoix

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

30 Dec, 11:31


https://youtu.be/1-M9UzRUE-w?si=Maudp4f7dgBPBbbq

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

30 Dec, 11:30


https://youtu.be/OBl84tYS2wA?si=e2nEv5p8KbauA2GB

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

30 Dec, 11:30


https://youtu.be/sJfkW3S7pGw?si=aFh_A-hVRRML9Qbs

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

30 Dec, 11:30


https://youtu.be/rskgoMt-B9Q?si=UWVdeBFRzXwzb1Jo

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

30 Dec, 11:29


https://youtu.be/huhAvVEeOYE?si=xq5lR4xVCYDVdrzC

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

30 Dec, 11:29


https://youtu.be/YXrZwAta64g?si=4yFkiBEAaOE2nMS8

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

30 Dec, 11:29


https://youtu.be/r_BLdGRHmqI?si=nctbFjy5CWpzpS4x

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

30 Dec, 11:29


https://youtu.be/6zyNMdv-EQw?si=rrliweNnq9lvRGJm

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

30 Dec, 11:28


https://youtu.be/DM44ESrO8p8?si=nrAfXhzspA-mGX_c

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

30 Dec, 11:28


https://youtu.be/LgitwXVCVvY?si=O3LGDMhG_tYU0vyI

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

30 Dec, 11:28


https://youtu.be/CcrusMwBZ8M?si=ULB9sULbNP9mN8SM

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

30 Dec, 11:28


https://youtu.be/h4cqWhoo12I?si=0tYNllJA7heRUz-j

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

27 Nov, 11:29


📚بسمه تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

صدر حديثاً عن دار تراتيل الجزء العاشر من سلسلة نداءات القرآن ( نداء الخير ) محاضرات الشيخ محمود الجيّاشي ..
يطلب من دار تراتيل - النجف الأشرف - سوق الحويش - السيد تحسين الموسوي
موبايل :
07723729449

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

27 Nov, 11:27


https://youtu.be/Flj6nDZSbqk?si=pFVmo3jWSSH0273l

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

27 Nov, 11:27


https://youtu.be/AviI5ePu34g?si=UPRiSy_zPVtBv9Eu

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

27 Nov, 11:27


https://youtu.be/CWLZBsIocMU?si=M4XoeUbD21TRRhVU

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

27 Nov, 11:27


https://youtu.be/S7FS4zJ3yAE?si=ojgjCuHvexP2E6nI

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

27 Nov, 11:26


https://youtu.be/flX02LKJ2ZA?si=gKBtrwsotC-wdBoD

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

27 Nov, 11:26


https://youtu.be/kkld-7K4mX0?si=pdMYEaeqkO65Ps-4

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

27 Nov, 11:26


https://youtu.be/FvXxbs3KDXk?si=NOcdVxSMXmQcUOk4

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

27 Nov, 11:26


https://youtu.be/OkTzj2kvAJs?si=1AkDAm0zD26Ddywa

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

27 Nov, 11:25


https://youtu.be/PqLcYWZCg1I?si=ZT_ouo0E3N3YNPPT

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

27 Nov, 11:25


https://youtu.be/Ivx8etOp8J8?si=WJAj-a_0qldEULwd

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

27 Nov, 11:25


https://youtu.be/x5g2qKqLuxc?si=plv3QVoisZzbTSa6

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

27 Nov, 11:25


https://youtu.be/z0S3pE35-qw?si=ECLG9l8ZLGe-pC8t

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

27 Nov, 11:24


https://youtu.be/0b0Jem4doFQ?si=I7wK8_7UqDjmpzxG

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

27 Nov, 11:24


https://youtu.be/s0vy2OiYEEs?si=qLtC5M3sUl1if2gc

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

27 Nov, 11:24


https://youtu.be/Dhzh0iF4ZiY?si=Dnu1pgkyvuSkm-Yo

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

27 Nov, 11:24


https://youtu.be/rpU5gkjbKdI?si=zaEpNkM73imMO8O1

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

25 Sep, 20:02


بسمه تعالى
قال تعالى {۞ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة : 122].

على بركة الله ننشر لكم روابط قنوات دروس سماحة الأستاذ الشيخ محمود الجياشي دامت بركاته وحسب الجدول التالي:
يوم السبت درس نداءات القرآن الساعة / 9:00 صباحا.

يوما الأحد والأثنين درس آيات الأحكام الساعة / 9:00 صباحا.

يوما الثلاثاء والأربعاء درس فقه الأخلاق الساعة 9:00 صباحا.

المكان : الحويش - مقابل مسجد الأنصاري - فرع مدرسة الإمام الصادق عليه السلام - الباب الثاني على اليمين.

روابط قنوات الدروس على موقع التيليجرام:
رابط قناة بحث النداءات القرآنية 👇
https://t.me/Wedding1445

رابط قناة درس آيات الأحكام 👇
https://t.me/Sheikh1446

رابط قناة درس فقه الأخلاق 👇
https://t.me/estateM

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

20 Sep, 13:20


🟩 الولادات المباركة .. جادّة الإحتياط .. وسبيل النجاة .. والقلب السليم

السابع عشر من شهر ربيع الأول هو يوم مولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله
ومولد الإمام جعفر الصادق عليه السلام
ومولد السيد الشهيد محمد الصدر قدس سره .. كما هو معلوم .
ومن المُلفِت للنظر أنّ كل ولادة من هذه الولادات المباركة تمثّل عصراً إصلاحياً جديداً .. وفتحاً إلهياً كبيراً في المعرفة الدينية والدعوة الإلهية والإصلاح الرسالي بجميع مستوياته الدينية والإجتماعية والفكرية والأخلاقية ، وقد تركت كلّ ولادة من هذه الولادات الميمونة أثرها البالغ في التاريخ الإنساني عموماً .. والإسلامي خصوصاً مع حفظ فارق المرتبة بين المولودين فيها .
فيوم السابع عشر من ربيع الأول يمثّل نقطة تحوّل كبرى في تاريخ البشرية جمعاء ، حيث ولد خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلوات الله وملائكته عليه وآله .. النبيّ العظيم .. والرسول الكريم الذي خُتمت برسالته المباركة رسالات السماء جميعاً.. فكان صلوات الله عليه الرحمة الكبرى في عالمي الغيب والشهادة .. والآية الحقيقية العظمى للسفارة الإلهية .. والنور الإلهي الأعظم الذي أشرقت به الأرض مبشراً ونذيراً .. ليخرج الناس من الظلمات الى النور .
ويمثّل هذا اليوم أيضاً نقطة تحول كبرى في التاريخ الإسلامي خاصة حيث ولد الإمام الهمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام الذي أرسى أُسسَ المذهب الحقّ وقواعده ، وحدّد معالم الإسلام المحمدّي الأصيل في خضم الصراع الفكري والعقائدي وتشتت المذاهب الذي كان يحكم ذلك العصر عقائدياً وأخلاقياً وفقهياً وفكرياً ..حتى نُسِب المذهب الحقّ الى إسمه المبارك.
ويمثل هذا اليوم أيضاً نقطة تحوّل كبرى في تاريخ مذهب أهل البيت عليهم السلام .. حيث ولد المرجع الديني الشهيد السعيد السيد محمد الصدر قدس سره .. الذي أرسى قواعد المرجعية الناطقة التي تمثّل الإمتداد الشرعي للإمامة الإلهية الحقّة في زمن الغيبة الكبرى رافعاً شعار : الدين بذمتكم والمذهب بذمتكم .. لاينبغي التفريط فيه لا بقليل ولا بكثير .
ومن الملفت للنظر في هذه المناسبة أيضاً أن سيدنا الشهيد قدس سره كان يجدّد الوكالات الشرعية لوكلائه في يوم السابع عشر من ربيع الأول تيمّناً بهذه المناسبة المباركة .. ولا يخفى أن ذلك يحمل إشارة رمزية دينية وأخلاقية عميقة لمعنى أن يكون طالب العلم وكيلاً للمرجعية الدينية وأن يكون تاريخ تلك الوكالة في يوم ١٧ ربيع الأول خصوصاً ! مُذيلاً نَصّ الوكالة بهذه الوصية ذات الدلالات الكبيرة في معنى المسؤولية الدينية تجاه الله والنفس والمجتمع .. حيث يقول :

(( ... وأوصيه أن لايترك جادّة الاحتياط فإنه سبيل النجاة ..وأن لاينسانا من الدعاء للفوز في يوم لاينفع فيه مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم ))
فما أحوجنا اليوم لجادّة الاحتياط .. وسبيل النجاة .. والقلب السليم !! بعد أن أظلمت القلوب .. وتكدّرت النفوس .. وانحرفت العقول .. وعمَّ البلاء !!
اللهمّ إجعله ربيعَ النور والهداية والفرج والنجاة بحقّ المولودين فيه إنك سميع مجيب.

(( الغرض من نشر صورة الوكالة الشرعية هو ربط المنشور بالمناسبة المقصودة لا أكثر )).

محمود نعمة الجياشي

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

11 Sep, 09:18


بسمه تعالى
(( وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ))

بتوفيق من الله العليّ القدير يستأنف الشيخ محمود الجياشي دروسه الحوزوية في الموسم التحصيلي الجديد وذلك يوم السبت ١٠ ربيع الأول ، وحسب الجدول الآتي :
1. يوم السبت - بحث نداءات القرآن - 9 صباحاً .
2. يوما الأحد والإثنين - شرح آيات الأحكام - 9 صباحاً .
3. يوما الثلاثاء والأربعاء تكملة شرح مقدمة القيصري - 9 صباحاً .
4. سيكون هناك درس في شرح كتاب فقه الأخلاق يومي الإثنين والثلاثاء من كل إسبوع الساعة 10 صباحاً .

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

10 Sep, 07:13


🟩 إقترانُ نُزولِ الوَحْيِ الإلهيّ وصفةِ ( العَبْدِ ) في القُرآنِ

بسم الله الرحمن الرحيم
طالما شغل موضوع علاقة الإنسان بالله سبحانه وتعالى ، وفلسفة إرتباطنا بنشأة الغيب والعالم الإلهي الأعلى ، مساحةً مهمةً في منظومة المعرفة الدينية ، بل أصبحت معرفة جوهر هذه العلاقة وآثارها في حياة الإنسان الدنيوية والأخروية ركناً أساسياً في فلسفة الدين وحضوره في الحياة البشرية على مستوى جميع الرسالات السماوية وخطابات الوحي الإلهي .
إذ بعد التسليم والإيمان بأن الله سبحانه خالقنا وربّنا ، ونحن محتاجون له في وجودنا حدوثاً وبقاء ، غالباً ما يطرح التساؤل التالي :
ماهي العلاقة الحقيقية التي تربط الإنسان بالله سبحانه وتعالى ؟ وماهي الصفة الواقعية التي نستحقها تكويناً أمام ربّنا وخالقنا عزّوجلّ ؟
وبعبارة أخرى : ماهو جوهر الصفة الوجودية التي تحكي عن حقيقتنا التكوينية ، وترسم حدود علاقتنا الدقيقة بالله سبحانه ؟
بأي صفة نتكلّم مع الله ؟ وبأي صفة ندعوه ؟ وبأي صفة نتقرّب إليه ؟
ماهو جوهر وجودنا الحقيقي الذي يربطنا بالله ، ومن خلاله نسير في صراط الكمال الى عالم الغيب والنور الأعلى ؟

بالتأكيد لا نريد أن نبحث هنا عن صياغات فلسفية في حقيقة هذه العلاقة ، ونتكلم بلغة العلة والمعلول ، والغنى والفقر ، والواجب والممكن ، والقديم والحادث ، والوجود الرابط والمستقل فلسفياً ، إذ من المعلوم أن هناك عدّة رؤى صاغها الفلاسفة والحكماء قديماً وحديثاً لتقريب علاقة الإنسان بالله سبحانه وبيانها تكويناً .. بل المنظور الأساسي لهذا البحث هو تصوير العلاقة المذكورة بما ينسجم مع منظومة المعرفة الدينية ، ومعطيات الوحي الإلهي ، ومايترتب على ذلك من آثار عقائدية وأخلاقية وشرعية تحدد مصير الإنسان النهائي أمام الله عزّ وجلّ .
في هذا المجال نحاول أن نركّز هنا على إحدى المعادلات القرآنية التي تكشف الصفة الحقيقية التي تربط الإنسان بالله سبحانه ، وتكون سبباً في قربه لله وصعوده في درجات الكمال ، وقناةً وجوديةً لتلقّي الفيض الإلهي وانفتاح أبواب الغيب وعالم النور والملكوت .

إن المعادلة القرآنية المذكورة ترتكز على طرفين أو عنصرين رئيسيين ، وهما:
▪️وصف الإنسان الكامل في القرآن بأنه ( عبدٌ لله ) .
▪️الإتصال بالغيب وإنزال الوحي الإلهي .
حيث نجد أن القرآن ركّز على إقتران هذين العنصرين بصورة مثيرة وملفتة للنظر ، وربط في عدّة آيات قرآنية بين صفة ( العبد ) وبين ( إنزال الوحي ) ، ويظهر من هذا الربط والإقتران القرآني أن القرآن بصدد الإشارة الى العلاقة التكوينية بين هذين الأمرين ، والتأثير المتبادل بينهما ، ومن ثمّ الكشف عن حقيقة الدور الحاسم لصفة ( العبد ) في تمكين الإنسان من تجاوز حدود عالم الشهادة والإتصال بعالم الغيب وتلقّي الوحي الإلهي .
وللوقوف على هذه الحقيقة نمرّ على بعض الآيات القرآنية التي ركّزت على الإقتران المذكور . منها :
قوله تعالى : (( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ))

حيث نصّت هذه الآية الكريمة على أن رحلة الإسراء والمعراج والوصول الى عالم الغيب ، ورؤية آيات الله الكبرى حصلت للنبيّ الأكرم بصفته ( عبداً لله ) حيث قالت : أسرى بعبده ، مما يدلّ على المدخلية المباشرة والمؤثرة لصفة ( العبد ) .
ومنها قوله تعالى : (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى‏ عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً ))
‏ وقوله تعالى : (( تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى‏ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً ))

فكلا هاتين الآيتين الكريمتين تنصّان على أن إنزال الكتاب وإنزال الفرقان حصلا للنبيّ الأكرم بصفته ( عبداً لله ) .
وهكذا الحال عندما نصل الى سورة النجم التي تتحدّث بشكل مفصّل عن وصول النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله الى مقام قاب قوسين أو أدنى ، فنجد التركيز على صفة ( العبد ) في العلاقة الوَحْيانية بين الله سبحانه وبين نبيّه الخاتم ، حيث يقول :
(( فَأَوْحى‏ إِلى‏ عَبْدِهِ ما أَوْحى‏ )) .
وهكذا نرى الإقتران نفسه بين صفة العبد وإنزال الوحي يتكرر في آيات أخرى كقوله تعالى :
(( هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى‏ عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ إِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ))
وقوله : (( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى‏ عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ))
وقوله : (( ... إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى‏ عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ))

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

10 Sep, 07:13


بل نجد أن الله سبحانه عندما يذكر نزول الوحي على أنبيائه الآخرين فإنه يذكرهم بصفة ( العبد ) أيضاً ، كقوله تعالى :
(( ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ))
وقوله : (( قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ))
وقوله : (( اصْبِرْ عَلى‏ ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ))
وقوله : (( وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى‏ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ ))
وقوله : (( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ))
وقوله : (( ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً ))

حيث نلاحظ في هذه الآيات الكريمة التركيز الواضح على ذكر صفة ( العبد ) المقترنة بإنزال الوحي والكتاب والنبوّة ورؤية آيات الله الكبرى والإطلاع على عالم الغيب ، ولو كانت هناك صفة أخرى غير ( العبد ) لها مدخلية في ذلك لذكرها الله سبحانه لأنبيائه ورسله ، وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدلّ وبصورة حاسمة على أن هؤلاء الأنبياء والمرسلين إنما نالوا هذا المقام العظيم من حيثية كونهم ( عبداً لله ) لا من حيثية أخرى .
وفي لمحة رائعة أخرى يصرّح القرآن بأن صفة ( العبد ) شاملة أيضاً للملائكة المقرّبين ، وأن الأنبياء والملائكة لا يستنكفون أن تكون صفتهم أمام الله هي ( العبد ) حيث يقول :
(( لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً ))
ثمّ يترقى القرآن ويقرر أن صفة ( العبد ) شاملة لجميع الكائنات والمخلوقات في السماوات والأرض ، قال تعالى :
(( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً ))

في ضوء هذه المعطيات القرآنية والبيانات السماوية تنكشف لنا معالم الصفة الحقيقية وحدود الواقع التكويني الذي ينبغي للإنسان أن يتّصف به في مقام معرفة علاقته بالله سبحانه والتقرّب إلى ساحة قدسه وكبريائه .
فلا تكامل .. ولا صعود .. ولا تقرّب .. ولا رؤية لآيات الله .. إلاّ من باب أن يكون الإنسان عبداً حقيقياً لله سبحانه وتعالى ، وهذه الحقيقة هي التي تفسّر لنا فلسفة العبادة في منظومة المعرفة الدينية بشكل عام ، أي أن الإنسان في حقيقته مملوك لله سبحانه بالملك التكويني الحقيقي من جميع جهات وجوده ظاهراً وباطناً ، فلا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولاحياة ولا نشوراً ، ومن كان مملوكاً بهذا الملك التكويني المطلق فلا يليق به حقيقة إلاّ أن يكون عبداً لمالكه وهو الله عزّ وجلّ ، ويؤسس على ذلك جميع مستويات علاقته بالله تشريعاً وتكويناً ، أي أن يحافظ دائماً على زيّ العبودية وآدابها ورسومها تجاه خالقه ومالكه وهو الله سبحانه ، ومن هنا تتجلّى لنا حكمة قراءة سورة الفاتحة وكونها جزءاً لا بديل له في الصلاة الواجبة التي هي عمود الدين ورمز العبادة الأكبر ؛ لأننا نقول فيها : إيّاك نعبد وإياك نستعين ، وهذا يعني تحطيم كل ألوان العبودية لغير الله سبحانه وتعالى ، وذلك بأن يتمحض الإنسان عبداً لله وحده لاشريك له .

بناء على هذه المعطيات أيضاً نستطيع القول بحسب اللغة الحديثة أن ( شفرة ) الإتصال بالغيب والوصول الى عوالم النور والملكوت هي أن يكون الإنسان ( عبداً ) لله .. وكلّما تجلّت عبودية الله سبحانه في حياته وتعمّقت على مستوى الظاهر والباطن ، والقول والعمل ، والجوانح والجوارح ، كان أقوى في التكامل ، وأسرع في الوصول الى مشرعة القرب الزلفى ورؤية آيات ربّه الكبرى .
قال تعالى : (( ثُمَّ اسْتَوى‏ إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ))

محمود نعمة الجيّاشي
وادي السلام-النجف الأشرف

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

07 Sep, 09:35


🟩 هل وصلكم سلامٌ خاصٌ من الإمام الصادق عليه السلام ؟!
اقرأوا هذه الرواية ولنتشرف جميعاً بردّ السلام على الإمام عليه السلام .
ورد في الكافي عن الكليني رحمه الله :

قال زيد الشحّام : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : إقرأ من ترى أنه يطيعني منكم ويأخذ بقولي السلام ، وأوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ والورع في دينكم ، والإجتهاد لله ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وطول السجود ، وحسن الجوار ، فبهذا جاء محمّد صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ .
أدّوا الأمانة الى من ائتمنكم عليها برّاً أو فاجراً ، فإن رسول الله كان يأمر بأداء الخيط والمخيط ، صِلوا عشائركم ، واشهدوا جنائزهم ، وعودوا مرضاهم ، وأدّوا حقوقهم ، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل : هذا جعفري ، ويسرّني ذلك ، ويدخل عليّ منه السرور ، وقيل : هذا أدب جعفر ، وإذا كان غير ذلك دخل عليّ بلاؤه وعاره وقيل : هذا أدب جعفر ، فو الله لحدّثني أبي أن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي عليه‌ السلام فيكون زينها ، أدّاهم للأمانة ، وأقضاهم للحقوق ، وأصدقهم للحديث ، إليه وصاياهم وودائعهم ، تسأل العشيرة عنه ، ويقولون : من مثل فلان؟ إنّه أدّانا للأمانة ، وأصدقنا للحديث .
عليك السلام بجوامع السلام .. سيدي ومولاي أيها الصادق يابن رسول الله .. ورحمة الله وبركاته .

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

06 Sep, 14:35


▪️المستوى الأول : الهجرة العقلية ، ونعني بها أن يهجر الإنسان جميع الإدراكات الخاطئة ، والمفاهيم المحدودة ، والأفكار القبيحة والشريرة ، ويخرج من مرحلة الجهل البسيط والمركّب الى حيث العلم واليقين ، ويتّجه بعقله الى طلب النور الإلهي في حقيقة نفسه القدسية التي تتجلّى فيها نفخة الروح الإلهية ، فيكون بذلك قد خرج من بيته العقلي مهاجراً الى الله !
▪️المستوى الثاني : الهجرة القلبية ، ونعني بها أن يهجر الإنسان جميع النوايا والإدراكات القلبية القبيحة ، ويتخلّص من الأمراض القلبية ، كالعمى والزيغ والإقفال والنفاق والجحود والختم والطبع وغيرها من الأمراض القلبية التي ذكرها القرآن ، ويتّجه بقلبه الى حيث النور والبصيرة الإلهية ، وذِكْرِ الله الذي تطمئنّ به القلوب ، ليصل بعد ذلك الى غاية هجرته القلبية التي تتحقق في مقام ( أتى الله بقلبٍ سليم ) فيكون بذلك قد خرج من بيته القلبي مهاجراً الى الله !
▪️المستوى الثالث : وهو المستوى الأعمق والأوسع لمعنى الهجرة المعنوية ، ونعني به أن يهجر الإنسان جميع العوالم ومستويات الخليقة ، ويتّجه نحو العالم الإلهي الأعلى ، وبعبارة أخرى : هجر ماسوى الله تعالى ظاهراً وباطناً ، وهذا المستوى هو أعمق معاني الهجرة التي يدلّ عليها قوله تعالى : ( مهاجراً الى الله ) و ( مهاجرٌ الى ربّي ) ! بل هو الذي يستفاد من قوله تعالى : فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ .
في ضوء ذلك أيضاً لا بدّ أن نشير الى أن هناك هجرتين متعاكستين في الإتجاه ، ومتضادتين في النتائج ، الأولى هي التي تكلّمنا عنها آنفاً ، وهي الهجرة الى الله ، ويمكن أن نسمّيها الهجرة الى الأعلى .
والثانية هي الهجرة الى الأسفل من خلال التمسّك بالدنيا ، والتوجّه الى الذنوب والمعاصي ، ومتابعة النفس الأمارة بالسوء ، فيكون الله هو ( المهجور ) في هذه الهجرة ! ومن هنا ستختلف هاتان الهجرتان في الغاية والنتيجة ، فالهجرة الى الله سوف تنتهي بالنجاة والوصول عالم النور والكمال المطلق والحياة والسعادة الأبدية ، في حين تنتهي الهجرة الثانية الى الهلاك والشقاء والظلمات الأبدية !
ومن المعلوم في المعرفة الدينية أن الرسالات السماوية بجميع معطياتها الكونية والعقائدية والأخلاقية والشرعية تدعونا الى الإلتحاق بالهجرة الى الله ، كما قال تعالى :
(( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ))
إستناداً لهذه المعطيات القرآنية فليحفظ كلٌ منّا إتّجاه هجرته ، وليضبط بوصلة مسيرته الوجودية من الإنحراف عن خطّ الهجرة الإلهية ( الصراط المستقيم ) .. وليكن لسان حاله قولاً وفعلاً وقلباً وعقلاً هو : إني مهاجرٌ الى الله ! فإذا أدركه الموت ظاهراً أو باطناً فقد وقع أجره على الله .

قال تعالى : (( الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ ))

محمود نعمة الجيّاشي
وادي السلام-النجف الأشرف

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

06 Sep, 14:35


إضافة الى إنّ الهجرة تستبطن دائماً معنى البحث عن النجاة والإبتعاد عن الخطر والضرر ، واستمرار الحياة عند الإنسان المهاجر ، فيهاجر الشخص من بلد الى بلد آخر ، ومن مجتمع الى آخر ، قاصداً النجاة والسلامة إنسانياً أو دينياً أو فكرياً ، ومن هنا تمّ تأسيس منظمة دولية تعنى بشؤون الهجرة والمهاجرين في العالم .

وفي ضوء المصطلح القرآني للهجرة ستكون الهجرة الى الله هجرةً الى الخلاص الكامل والنجاة النهائية والحياة الكاملة الأبدية .. وهذه الهجرة هي التي يقف في طريقها الشيطان لكي يمنع الإنسان من سلوك سبيل الكمال والطاعة والقرب الإلهي ، كما يعبّر القرآن عن ذلك في قوله تعالى : ( قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ .. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ ) .

ومن الملفت للنظر أن القرآن عبّر عن النهي عن المحرّمات بصيغة ( الهجر ) ، كما قال تعالى مخاطباً نبيّه الخاتم صلّى الله عليه وآله : وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ، وقد ذكر المفسّرون أنّ الرجز إسمٌ لكل قبيح مستقذر من الأفعال والأخلاق ،فالأمر بهجره أمرٌ بترك كل ما يكرهه الله ولا يرتضيه مطلقاً ، كالأخلاق الرذيلة الذميمة ، والنوايا السيئة ، والأفعال القبيحة في الشرع والعقل . وبالتالي فإن خطاب : ( والرجزَ فاهْجُر ) سيكون موجّهاً لجميع المؤمنين لامحالة ؛ لأنه صياغة مختصرة وحاسمة للنهي الشامل لكلّ المحرّمات الشرعية والأخلاقية ، الظاهرية والباطنية ، في الشريعة ، ومن هنا ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله : أفضل الهجرة أن تهجر ما كره الله .

يؤكّد القرآن ومن خلال صياغة دقيقة مبدأَ هذه الهجرة والغاية التي تصل إليها ، ويحدّد الإتجاه الصحيح الذي يسير فيه المهاجر ، حيث يقول : وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ ورَسولهِ .
هكذا تبدأ الخطوة الأولى ونقطة الإنطلاق في مسيرة التكامل التي يرسمها القرآن لهجرة الإيمان ، فيقرر أن خروج المهاجر يبدأ من ( بيتهِ ) .
وفي منظور هذا البحث يمكن أن نعطي لمعنى ( البيت ) عدّة أطروحات ومستويات تختلف في المقدمات والنتائج بحسب المعنى أو المستوى المأخوذ في كل أطروحة ، نذكر منها :
▪️الأطروحة الأولى : البيت بمعناه الظاهري المعروف ، وهو المكان الذي يسكنه الإنسان ويعيش فيه مع عائلته ، والهجرة منه تعني ترك هذا البناء مع جميع إمكاناته المادّية ، أي التضحية به من أجل غاية الهجرة .
▪️الأطروحة الثانية : البيت بمعنى العائلة نفسها ، وليس البيت بمعنى الغرف والأثاث وماشابه ، فإن الكيان المعنوي للعائلة يعتبر بيتاً حقيقياً للإنسان ، والهجرة منه تعني ترك الإرتباط العائلي والخروج من هذا البيت إذا كان البقاء فيه يتعارض مع مقتضيات الإيمان بالله سبحانه ، ويمنع من السير في سبيل الله وتقواه .
▪️الأطروحة الثالثة : البيت بمعنى المجتمع أو البيئة والمحيط الإجتماعي الذي ينشأ فيه الإنسان ، والهجرة منه تعني تركه ، أي هجر هذا المحيط الذي يسود فيه الكفر والباطل والفساد ، والتوجّه نحو مجتمع آخر يحقق فيه الإنسان مقتضيات إيمانه .
فإذا تحققت الهجرة في كل من هذه المستويات الثلاث سوف ينطبق على المهاجر قوله تعالى : خرج من بيته مهاجراً الى الله ؛ لأنه هجر أمكِنة الكفر، وهجر الأشخاص الضالين، وهجر الأعمال والأقوال الباطلة، وهجر المذاهب والأقوال والآراء التي تتنافى مع دينه ومعتقده ، وهذا يعني أنه توجّهَ نحو الله سبحانه وتعالى .
لكننا يمكن أن نتقدّم خطوة أخرى في معرفة معنى البيت ، ونتجاوز مدلوله الظاهري الذي ذكرناه في الأطروحات السابقة ، لكي نطرح معنى أعمق في مستوياته المعنوية والباطنية إن جاز التعبير ، وذلك من خلال الإطروحة التالية :
▪️الأطروحة الرابعة : البيت بمعنى النفس ، فإن النفس هي الكيان المعنوي الذي يمثّل باطن الإنسان ومحتواه الداخلي ، وبالتالي يمكن القول أن النفس هي البيت المعنوي الذي يعيش فيه الإنسان ، ويمارس فيه حياته المعنوية ، فيكون معنى الهجرة من بيت النفس الى الله سبحانه هو خروج الإنسان من ( الأنا ) الذاتية ، وتحرّره من سجن النفس ، وأهوائها وشهواتها المنحرفة ، ونواياها السيئة ، وتجاوز غاياتها الضيّقة وآفاقها المحدودة ، والخروج من ظلماتها العميقة ، الى حيث النور الإلهي والكمال اللامتناهي ، وبذلك يتحقق أيضاً قوله تعالى : خرج من بيته مهاجراً الى الله !
ويمكن أن نتصوّر للهجرة من البيت المعنوي للنفس عدّة مستويات معنوية ، منها :

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

06 Sep, 14:35


🟩 الهِجْرَةُ الى اللهِ

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى : (( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ))

لا يخفى أن موضوع الهجرة والمهاجرين في سبيل الله يشغل مساحة واسعة في المعرفة الدينية والقرآنية على وجه الخصوص ، وتترتب عليه مجموعة من الآثار العقائدية والإجتماعية والأحكام الشرعية في الفقه الإسلامي .
ومما يلفت النظر في هذا الموضوع أن أغلب الأنبياء والمرسلين عليهم السلام عاشوا حالة الهجرة في سبيل الله ودعوة الحقّ ، كما يحدّثنا القرآن عن ذلك في بعض الآيات التي إستعرضت قصص الأنبياء والمرسلين وبعض مراحل حياتهم قبل الدعوة وبعدها .
ولبحث الهجرة أبعاد متعددة ومستويات مختلفة ، بحسب زاوية البحث التي يأخذها الباحث في النظر الى موضوع الهجرة ويرتب عليها نتائجها الخاصة ، سواء على المستوى العقائدي أو الأخلاقي أو الإجتماعي أو الفقهي .
لكننا نحاول في هذا البحث المختصر أن نتناول مفردة الهجرة من زاوية أخرى تستند الى بعض الصياغات القرآنية التي تتجاوز المعنى الظاهري والمشهور للهجرة ، والذي يعني هجرَ الإنسان المؤمن وطنَه والخروج من بين القوم المشركين إلی أرض لا يعترضه فيها المشركون ولا يمنعونه من عبادة ربّه ومقتضيات إيمانه، كما حصل في الهجرة الأولى الى الحبشة ، والهجرة الكبرى الى المدينة المنوّرة .
في هذا المجال يمكن التركيز على صياغتين قرآنيتين فريدتين ، تأخذ الهجرة فيهما أفقاً أوسع ، وتدلّان على معنى أعمق للهجرة في المنظور القرآني .

الصياغة الأولى : قوله تعالى : فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى‏ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

الصياغة الثانية : قوله تعالى :
وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً

إن مايميّز هاتين الصياغتين عن باقي آيات الهجرة في القرآن هو التصريح بأن غاية الهجرة فيهما هو ( الله ) عزّ أسمه ، حيث قالت الأولى : إني مهاجر الى ربّي ، وقالت الثانية : مهاجراً الى الله .
ومن المؤكّد أن توجّه هجرة الإنسان الى الله مباشرة يعطي دلالة عميقة عن حقيقة السير التكاملي الذي ينبغي أن يحكم حياتنا الإيمانية ، والذي سيكون له آثار واسعة في جميع مستويات حياتنا الظاهرية والباطنية ، والدنيوية والأخروية ، وبالتالي يمكن القول أن ( الهجرة الى الله ) ليست إلاّ أحد تجلّيات التوحيد والمعرفة الإلهية ، بل هي قانون عام وسنّة تكوينية تحكم حياتنا الإيمانية ، بحسب الصياغة التي يقدّمها القرآن حول مفهوم الهجرة.

فالهجرة الى الله في الإصطلاح القرآني هي قافلة تكوينية تسير من عالم النقص الى عالم الكمال .. من عالم الظلمات الى عالم النور .. من عالم الفناء الى عالم الخلود والبقاء .. من عالم الموت الى الحياة الأبدية الطيبة .. من نشأة الممر الى نشأة المُستَقَرّ .. وأول المهاجرين الذين يقودون مسيرة هذه القافلة هم الأنبياء والمرسلون ؛ لأنهم الأدلاّء على الله ، وسفراء الله الى خلقه ، وهم الذين أوكل الله إليهم قيادة مسيرة البشرية وهدايتها وإخراجها من الظلمات الى النور .
في ضوء هذه الحقيقة القرآنية ستكون الهجرة بالمعنى المذكور ملازمة للإيمان لا محالة ، وسيكون كل إنسان مؤمن مهاجراً في الحقيقة ، وتبعاً لذلك تكون حياته الظاهرية والباطنية بجميع مستوياتها وتفاصيلها عبارةً عن خطوات في مسيرة هجرته الطويلة نحو الله سبحانه ؛ لأن لسان حال كلّ مؤمن هو : إني مهاجر الى ربّي !
ومن هنا يؤكد القرآن أنه إذا أدركه الموتُ وهو في هذه الهجرة فقد وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ! لأنه مهاجر الى الله .
بعبارة أخرى : إن تعبير وقوع الأجر على الله يعطي دلالة عميقة على حقيقة الهجرة الى الله في الحسابات الإلهية ، وأن جزاء هذه الهجرة وأجرها بدرجة من العظمة لايمكن أن يوفّيه إلا الله سبحانه وتعالى نفسه !
وبعبارة ثالثة أدقّ : إن الهجرة الى الله تعني في عمقها أن يكون طرف المعاملة مع المؤمن هو الله نفسه ، وكأنّ الله يقول : مادمتَ مهاجراً إليّ فأنا الذي أتعامل معك مباشرة ، ويقع أجرك عليّ بالخصوص لا على غيري ! وهذا مايعبّر عنه القرآن بالتجارة الرابحة التي لن تبور .

ولا بدّ أن نشير هنا الى إنّ مفردة ( الهجرة ) تختلف عن مفردة ( السفر ) والذهاب ؛ لأن الهَجْر يعني الترك الكامل .. وهو يعطي دلالة عميقة على عدم العودة !

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

02 Sep, 18:22


🟩 الإلتحاقُ بركبِ الصّالحين وإتّباعهم .. كلبُ أصحابِ الكهفِ إنموذجاً

رؤية رمزية

بسم الله الرحمن الرحيم
(( وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً ))

تناولتُ في مقالات وأبحاث سابقة بعض مضامين سورة الكهف ، وقلت أن هذه السورة المباركة وحادثة دخول الفتية في الكهف ، وبقائهم فيه هذه المدة الطويلة ، ثمّ إنبعاثهم من جديد ، تحتوي من علوم القرآن ومباحث التوحيد والمعرفة الدينية وجواهر الكنوز الإلهية مايحتاج الى مجلدات ضخمة لتدوين مايمكن أن ندركه بعقولنا القاصرة ، ونناله بقلوبنا المقفلة ، من الخزين الهائل لدقائق ومستويات المعرفة الإلهية التي إنطوت عليها آيات سورة الكهف ! بل إنّ ذلك جارٍ في جميع سور القرآن وآياته ، فهو البحر الذي لا تدرك أعماقه ، ولا تنفد خزائنه ، كما قال سبحانه : وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .
في هذا المقال نحاول أن نقف أمام مشهد آخر من المشاهد المثيرة لهذه القصّة الإلهية الخالدة ، ولعلّ أخذ العِبرة والموعظة من هذا المشهد سيحمل نوعاً من الغرابة أو نحواً من الإثارة ، بعد أن نعرف أنه لا يتعلّق مباشرة بالفتية أصحاب الكهف ، بل لا يتعلّق بالبشر أصلاً ، بل بتعلّق بمخلوق آخر ! بالرغم من أنه يعدّ من المشاهد الرئيسية في هذه القصّة القرآنية المباركة !
ومن أجل الوصول الى بيان الملامح الكاملة للمشهد المذكور لنتأمّل في مفردات الآية الكريمة التي إفتتحنا بها البحث ، وهي قوله تعالى : وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً .

تشرع الآية الكريمة بوصف حال الفتية بعد دخولهم الكهف ، من خلال إستعراض أحد مشاهد الرعاية الإلهية والكرامة الربانية التي شملتهم ، والتي ستضمن لهم المحافظة على مؤهلاتهم البدنية ، وسلامتهم الصحية ، أثناء هذا النوم الطويل الذي سيستمر لأكثر من ثلاثة قرون من الزمن ، بلا ماء ولا غذاء ولا قيام ولا مشي ولا يقظة ! فهم رقود تقلّبهم يد العناية الإلهية ذات اليمين وذات الشمال ، خشية الضرر البدني الذي سيلحق بهم فيما لو رقدوا على جهة واحدة خلال هذه الحقبة المتطاولة من السنين !
وبدلاً من أن تستمر الآية الكريمة ببيان وصف حال الفتية بعد رقودهم ، يظهر لنا في البَيْن مشهدٌ جديدٌ ومفاجئ ومثير لا علاقة له بحال الفتية ! وهو مشهد الكلب الذي كان يرافق أصحاب الكهف ! حيث يرسم لنا القرآن صورة إستثنائية لحال الكلب المذكور تتوسط مشاهد الحديث عن حال الفتية ! فلم يقل مثلاً : كان الكلب معهم أو برفقتهم أو رابضاً بالقرب منهم ، بل ذكرَ الكلب بطريقة فريدة وبارزة ، حيث قال : وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد !
ولو تأمّلنا مفردات هذه الصياغة لظهر لنا مايلي :
أولاً : إن الآية نسبتْ الكلب لهم جميعاً ، فقالت : كلبهم ، مع أن هذا الكلب في الحقيقة ليس كلبهم بالمعنى الدقيق للنسبة ، بل هو رافقهم في طريق هروبهم ، أو كان كلباً لراعي الغنم الذي إلتحق بهم في الطريق المذكور ، بل إن بعض المصادر التاريخية تذكر أنهم حاولوا طرد الكلب أو التخلّص منه لئلّا يتسبب بكشف مكانهم وافتضاح أمرهم ، لكنّ الكلب المذكور أصرّ على البقاء معهم حتى وصل معهم الى الكهف ! وبالتالي فإن تصريح القرآن بأنه ( كلبهم ) يعطي دلالة عميقة ومؤثرة على علاقة الكلب بالفتية بعد دخولهم الكهف وشمولهم بالعناية الإلهية .
تجدر الإشارة الى أنّ التركيز على صورة الكلب تكرّر بشكل إستثنائي مرة أخرى في الآيات اللاحقة من سورة الكهف ، وذلك عندما تساءل الناس عن عدد أصحاب الكهف ! فقال :
( سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ )
والملفت للنظر هنا هو تعبير ( رابعهم كلبهم .. سادسهم كلبهم .. ثامنهم كلبهم ) إذ كان يمكنه القول : ثلاثة معهم كلبهم ، أو خمسة معهم كلبهم ! لكنه قال : رابعهم أو سادسهم كلبهم ! ولا يخفى أنّ هذا التعبير يعطي للكلب - لو صحّ التعبير - مقاماً مميزاً بحيث يكون رابعاً أو سادساً أو ثامناً ، لثلاثة أو خمسة أو سبعة رجال من أولياء الله ! أي يكون مكمّلاً لعدّتهم ، وفرداً من الأربعة أو الستّة أو الثمانية !!

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

02 Sep, 18:22


ثانياً : إن الآية الكريمة وصفته بأنه باسط ذراعيه ، ولا يخفى أن هذا التصوير الفنّي لمشهد الكلب - لو صحّ التعبير - يوحي برمزية قوية وإبراز مقصود من المتكلّم الحكيم ، للوضع الذي كان عليه الكلب في تلك اللحظة ! إذ كان من الممكن أن يذكر وجود كلب معهم أو بقربهم فقط ! فلماذا يتمّ التركيز على وصفه بهذا الوضع المميز ؟!
من المؤكد أننا لا ننكر أن حالة بسط الذراعين هي الحالة الطبيعية لوضع الكلب عندما يكون على الأرض كما هو معلوم ، لكن السؤال هنا حول التركيز أو التصريح القرآني عنها ، وجعلها مشهداً رئيسياً بارزاً في سياق القصّة ، خصوصاً مع مقابلتها بالصورة التي ذكرها القرآن للفتية ، فقد وصفهم بأنهم ( رقود ) لكنه وصف كلبهم بأنه ( باسط ذراعيه ) ! ولا يخفى أن هذا الوضع البدني يمكن أن يشير الى أن الكلب كان في حالة سيطرة تامة على مدخل الكهف من خلال وصف بسط الذراعين ، أي أنه لم يكن واقفاً أو مرتبكاً أو متردداً في حركته !
وعلى أيّ حال فإننا وفقاً للمعطيات المذكورة ، وبغض النظر عن البحث الفقهي حول نجاسة الكلب ، وكذلك البحث التاريخي حول إسم الكلب وعائديته الملكية ، يمكن أن نقرأ مشهد وجود كلب أصحاب الكهف وبهذه الصورة التي يرسمها القرآن ، قراءةً معنويةً تتجاوز المدلول الظاهري للنصّ القرآني ، من أجل الوصول والظفر ببعض النتائج المعنوية والأخلاقية التي تنفعنا في حياتنا الإيمانية وعلاقتنا بالله عزّ وجلّ ، فنقول :

أولاً : من المعلوم عند المتخصصين في علم الحيوان أن للكلب خصالاً محمودة ، حتى بالغ بعضهم في مدحه وألّف كتاباً سمّاه: ( تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب ) ! وهو الأديب محمد بن خلف المرزباني .
ولا يخفى أن أهمّ صفة إيجابية عُرف بها هذا الحيوان هي ( الوفاء ) حتى أصبح مضرباً للمثل فيها ! وذلك لمقدرتهِ العالية على تذكّر صاحبه ولو بعد انقطاع طويل عنه ! وبالتالي فإن وجود الكلب وإظهاره بهذا الدور البارز في القصّة ، وإصراره على مرافقة أصحاب الكهف ، يمكن أن يعطي دلالة رمزية عميقة ومعبّرة عن مبدأ الوفاء في رحلة هؤلاء الفتية ، وخوضهم هذه الملحمة الإلهية التي إنتهت بهذه الكرامة العظيمة ! وهذا يعني رمزياً إنه لا يمكن لأي مسيرة تكامل أو نهضة إصلاح ديني أو أخلاقي أو إنساني أن تقوم وتثمر بدون مبدأ الوفاء !
بعبارة أخرى : إن رمزية ( باسط ذراعيه بالوصيد ) تدلّ على أن هذا الكلب كان يحرسهم في أشدّ لحظات الخطر المحدق بهم .. فهم كانوا رقوداً وهو باسط ذراعيه في فتحة الكهف ! وهذا يعني معنوياً ورمزياً أن ( الأوفياء ) هم فقط المكلّفون بحماية كهف الإصلاح وحراسته ! وإلاّ فستُضرب حركة الإصلاح من الظهر كما حصل في حادثة الرماة ( غير الأوفياء ) على جبل أُحُد !!

ثانياً : إن إلتحاق الكلب بأصحاب الكهف ووصوله معهم ، ومشاركته لهم في هذه الحادثة الفريدة ، ثمّ نَيْله شرف البقاء معهم ، وشموله بالكرامة الإلهية في البقاء حيّاً ، وإنبعاثه معهم مجدداً بعد أكثر من ثلاثمائة سنة ، وتسجيله كرقم مميز تاريخياً في حادثة أصحاب الكهف ! كلّ ذلك يمكن أن يرمز الى أن طريق التكامل والوصول الى الأهداف العليا والغايات السامية مفتوح من خلال الإلتحاق برحلة الصالحين والمصلحين ، لكنّه مشروط بالإتّباع المطلق ، والتمسّك التامّ بهم مهما كانت النتائج المترتبة على ذلك ، لأن هذا الكلب رافق الفتية ، وأصرّ على البقاء معهم وهم يعيشون موقفاً مصيرياً وحاسماً ، ويمرّون بأشد الظروف صعوبة وقساوة ، لأنهم في خطر مُحدق يهدد حياتهم ومصيرهم بالكامل !
فطوبى للأوفياء الملتحقين والمتمسكين برحلة الإصلاح والتكامل ، والذين سيحرسون كهف المصلحين في كل زمان !
قال تعالى : وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّـهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً .

محمود نعمة الجيّاشي
وادي السلام-النجف الأشرف

ملاحظة : أرجو التركيز على المنحى الرمزي للمقال لكي لا يختلط مع حيثيات علمية وتفسيرية أخرى فيضيع مقصود الكاتب .

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

30 Aug, 07:15


🟩 من وحي النبوّة - مجموعة بحوث ومقالات حول النبوّة والأنبياء والمرسلين عليهم السلام نشرت سابقاً وتمّ جمعها وإصدارها في هذا الكتاب بمناسبة قرب الموسم النبوي المبارك في شهر ربيع الأول .

يطلب من دار تراتيل - النجف الأشرف - سوق الحويش
السيد تحسين الموسوي
07723729449

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

23 Aug, 18:23


🟥 الوداع لا يعني الفراق

🔹كما قد ينتهي موسم الحجّ .. ولاينتهي التوحيد والبقاء عند الله !
🔹وكما قد ينتهي شهر رمضان .. ولا تنتهي ضيافة الله والبقاء على مائدته !
🔹وكما قد ينتهي وقت الصلاة .. ولكن لاتنتهي الصلة بالله والبقاء في حضرته !
🔹كذلك إنتهى موسم الزيارة .. ولكن لم ينتهِ الحسين والبقاء في كربلائه !
فلا تودّعوه وداع مفارق !

ذهبنا الى الحسين لزيارته في كربلاء .. فلنرجع الآن الى الحسين في حياتنا وبيوتنا ووظائفنا ومدارسنا وأعمالنا .. بل لا معنى أصلاً لأن نعيش الحسين أياماً معدودات .. ثم نفارقه !
السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ .. أَنْتَ لِي جُنَّةٌ مِنَ الْعَذَابِ .. وَهَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي .. غَيْرَ رَاغِبٍ عَنْكَ .. وَلَا مُسْتَبْدِلٍ بِكَ سِوَاكَ .. وَلَا مُؤْثِرٍ عَلَيْكَ غَيْرَكَ، وَلَا زَاهِدٍ فِي قُرْبِكَ .
لم ننسكم من الدعاء والزيارة جميعاً

محمود نعمة الجيّاشي
كربلاء الحسين عليه السلام

محاضرات الشيخ محمود الجياشي

04 Aug, 10:39


وأن لا تنتهي هذه المسيرة التكاملية النورانية بإنتهاء موسم الزيارة .. بل لابدّ للإنسان المؤمن أن يستمر بالمشي فيها في جميع لحظات حياته .. وأن يكون الحسين عليه السلام حاضراً بنوره معنا دائماً سواء كنّا في كربلاء أو خارجها .. وأن لا تنقلب مسيرة حياتنا بعد إنتهاء موسم الزيارة الى الإتجاه المعاكس فنخرج من النور الى الظلمات ! ومن الحياة الى الموت ! ومن الهداية الى الضلال ! ومن الطاعة الى المعصية ! بل ينبغي لنا أن نستمرّ بالمشي ونحثّ الخطى ولا نفقد إتجاه حركتنا التكاملية نحو الحسين عليه السلام في جميع لحظات حياتنا ومستوياتها الظاهرية والباطنية .
قال تعالى :
أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ماكانُوا يَعْمَلُونَ .

محمود نعمة الجيّاشي
وادي السلام-النجف الأشرف