الحمدلله رب العالمين وصلاة وسلاما على أشرف المرسلين أحبتنا من أهل القرآن
كثير من النقاد والباحثين يتبع سياسة الهدم لا الإصلاح فكأننا ندور حول أنفسنا فلا نرتقي ونهينا عن الهدم قال تعالى(وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين)أي لا توافقهم بل صحح مسارهم وأصلح ما أفسدوه فالإصلاح يقتضي تقويم معوج لا هدمه
وتدخل الشبهة على كثير من المصلحين ألا وهي (لا فائدة، ازل كل هذا العمل ولنعمل غيره) وتدب روح اليأس في الصف فيأتي التأكيد بنفس السورة على أن الإصلاح هو المكسب الحقيقي للنجاح لا سياسة الهدم و البناء من جديد قال تعالى(إنا لا نضيع أجر المصلحين)
نعم هناك أمور لا يصلح معها إلا الهدم وإعادة البناء ولكنها قليلة جدا أما معظم القضايا فعلاجها الإصلاح والترميم وإلا لو أخذنا بمبدأ الهدم والبناء في كثير من القضايا فإننا ندور حو أنفسنا ونهلك فرصتنا في الحياة فتضيع آخرتنا
*ومن خلال هذين المنهجين(الهدم والبناء) & (الإصلاح والترميم) يختلف الخلائق في شتى الأبواب والعلوم المادية والسياسات والاقتصاد والدول حتى العلوم الشرعية
ومنها أيضا المتخصصون في علم القراءات
فتجد العالم الثقة هو الذي لا ينتحل علم سابقيه بل يصفيه ويحققه ويصلح بالحجة ما اختلف عن الصواب ويزيد منه فيرفع الله قدره ويذيع صيته ويكون عند الله محمودا ويلحقه الله بركب سلفه ومع أن العلم ليس من وضعه ولكن جازاه الله تعالى جزاء المخلصين وعلى قدر نياتكم تؤجرون وجعل له من الحسنى في الدنيا والثناء الحسن كمؤسس العلم نفسه بل ينسب له أيضا ألم يقل تعالى(إنا لا نضيع أجر المصلحين) فيقال :التحقيق هو ما قاله فلان، ولكن فلان رجح كذا وكذا، وهكذا مع ان القول أصلا ليس قوله، ومع أن هذا العالم من الخلف أصلا ولكنها بركة العلم، قال تعالى(إنا لا نضيع أجر المصلحين)
وعلى هذا يخرج الدعوى التي رُمِيَ بها ابن الجزري وغيره وهي أنه كان ياخذ الفائدة من غيره وينسبها لنفسه قال السخاوي:
( إِلَّا أَنه كَانَ إِذا رأى للعصريين شَيْئا أغار عَلَيْهِ وَنسبه لنَفسِهِ وَهَذَا أَمر قد أَكثر الْمُتَأَخّرُونَ مِنْهُ وَلم ينْفَرد بِهِ)
[الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، ٢٥٩/٩]
وفي الحقيقة مع التمحيص لا أرى ذلك إلا على نحو ما ذكرت لك أقصد (الإصلاح والترميم)
*وفى جهة أخرى حيث تتعدد الظنون فقد تجد الباحث يحكم على مجهود سابقيه بالبطلان فيحكم عليه بالهدم ولكنه عند الهدم لن يجد الأصول التي يبني عليها العلم إلا أن يكون هو السارق الحقيقي لعلم السابقين وينسبه لنفسه ومثل هذه الشريحة كثير اليوم من المتأخرين - إلا ما رحم ربي - إنه لا يقفز على علم السابقين فحسب بل على علم أقرانه أيضا بلا رحمة ويكون السبق لرقم الإيداع وساعتها تضمن الملكية ونسي صاحبنا ( أن الله لا يهدي كيد الخائنين) و(لا يصلح عمل المفسدين) وأن للنقل والاقتباس ضوابط وحدودا، قال النووي رحمه الله تعالى :
(ومن النصيحة أن تضاف الفائدة التي تستغرب إلى قائلها فمنفعل ذلك بورك له في علمه وحاله ومن أوهم ذلك وأوهم فيما يأخذه من كلام غيره أنه له فهو جدير أن لا ينتفع بعلمه ولا يبارك له في حال. ولم يزل أهل العلم والفضل على إضافة الفوائد إلى قائلها نسأل الله تعالى التوفيق لذلك دائما)
[بستان العارفين للنووي، صفحة ١٦]
فلله در أصحاب الهمم ولا تقل( لم يترك القديم للجديد شيئا) يتكلم عنه ولكن قل:
(فإني وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم يستطعه الأوائل)
لا ان يأخذ الباحث جهد غيره دون نسبته ولا أن يقف( محلك سر) دون أن يقدم لدينه شيئا قبل الرحيل
وأخيرا لا تقف كمكتوف الأيدي
قال ابن الجوزي رحمه الله :
((إِن لم تكن أسدا فِي الْعَزْم وَلَا غزالا فِي السَّبق فَلَا تتثعلب يَا هَذَا الْجد جنَاح النجَاة وكسلك مزمن من كد كد العبيد تنعم تنعم الْأَحْرَار من امتطى رَاحِلَة الشوق لي يشق عَلَيْهِ بعد السّفر
(على قدر أهل الْعَزْم تَأتي العزائم ... وَتَأْتِي على قدر الْكِرَام المكارم)) [ابن الجوزي، المدهش، صفحة ٢٢٩]
فإياك أن تموت كما ولدت فهذا هو الخسارة الحقيقية ولا تقدم لصحيفتك شيئا واختر معالي الأمور دوما والعلم رأس مال وافر لاصحاب العزمات والحمدلله رب العالمين
آبوعبدالله المقرئ