تعال أحك لك حكاية:
كنا في الأسر كلما جاء أخ جديد كان منذ ساعات قليلة أو أيام في العافية بالخارج يحسب ويرتب لدنياه كأنه يعيش أبدا، لاهٍ عن المصحف والذكر وأحيانا عن الصلاة في وقتها، فإذا دخل وقلنا له: خذ اقرأ قليلا في المصحف لبس عليه الشيطان فيقول: والله نفسي مصدودة وذهني غير حاضر.
وكأن المصحف ليس إلا للنفوس الحاضرة، والقلوب الواعية!
ثم بعد إلحاح يأخذه مستحيا فلا يكاد يمسكه ليقرأ صفحة أو أكثر قليلا زائغ العينين بلا تركيز حتى يتركه .. وهذا مما ران على القلوب من الانشغال بالدنيا والانشغال عن أمور الآخرة إلا ببعض المظاهر ..
بعد قليل يبدأ ذهنه في الانقطاع عن مشاغل الدنيا والانفصال عنها، ومعايشة وضعه الجديد، فيمسك المصحف ملتجئا، وإذا به يجد ملاذه، ثم هو يتعود إمساك المصحف، وما هو إلا قليل حتى يستعيد لذة القرآن، ومتعة القراءة، وهذا شأن كتاب الله عز وجل (عزيز) إذا التفتَ عنه فارقك وأعطاك ظهره، فإذا عاودتَ عادت إليك لذته.
فما هو إلا قليل حتى تجد الأخ لا يجد وقتا للحديث مع من حوله، فإما مشغول بالمصحف، وإما لاهج بالذكر، وكأنه يروي أرضا طال جدبها واشتاقت للري حتى وجدَتْه ..
فإذا به يخبرك بعد أيام أنه ختم، وبعد أيام أقل يخبرك بختمة أخرى، ثم هو صار يذكر ما كان عليه بالخارج فيحكي لك كيف كان لاهيا، وكيف هو فضل الله عليه بهذا الأسر، وإذا هو قد عاد قلبه للعمل، وصارت عينه قريبة الدمع، وتحولت حتى ملامح وجهه واستنار، مع أنا لا كتب معنا، ولكنه المصحف وحده مع ذكر الله عز وجل، ففيهما الكفاية والشفاء، وهذه ليست قصة شخص، بل قصة مكرورة في أماكن وظروف مختلفة.
لذلك أقول دوما: المصحف خير وسيلة للعودة السريعة، دعك من كل الوصفات .. أمسك المصحف وانهل من معينه الذي لا ينضب وستجد أثرا أسرع مما تخيلت ..
ونصيحتي هذه ليست لأحد دون أحد، بل هي لنفسي ثم -أيضا وخاصة- لمن أخذتهم كتب العلم عن كتاب الله عز وجل، حتى انعكس عندهم مفهوم طلب العلم، فصار هدفا في ذاته تُترك العبادة لأجله ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
#مقالات_أبي_علياء