للعبادات واستحضار الآخرة أثر في تحسين خُلق الإنسان، ومن ظنّ أن التعبد في إظهار التجهم والفظاظة فما أبعده عن حقيقته.
تدبرت في المعنى السابق فوجدت صدق ذلك لأوجه:
- الأول: أن حسن الخلق عبادة، وصاحب هم الآخرة أحقّ باحتساب اللين وطيب الكلام.
- الثاني: أن للتعبد أثر في انشراح الصدر، ومؤدى هذه الانشراحة سماحة في التعامل اليومي.
- الثالث: أن من كانت الآخرة همه ترفع عن سفاسف الانتصار في المواقف العابرة، وأكرمه الله بالرفعة على ضغط اللحظة الغضبية.
- الرابع: أن من ساس نفسه لترك شهوات الدعة قهر نفسه لترك شهوات الاستعلاء على الخلق.
- الخامس: أن المتعبّد يدفعه معرفة مقام الرب لعبادته؛ ومن عرف مقام الرب لم يعوّل على العباد، فلا يتكئ بمشاعره عليهم انتظارًا لرد جميل، أو ثناء جزيل؛ وذاك عين حسن الخُلق.
- السادس: أن العابد يحوطه الشعور بعبور الدنيا، وأننا عن قريب راحلون؛ ومن استحضر هذا المعنى لم يخاصم رجاء شيء مؤقت، والغريب أديب.
- السابع: أن للعبادات أثر في رقة القلب؛ وكثيرٌ مما نراه تعاملات حسنة حقيقتها الرحمة بالخلق.
- الثامن: أن للعبادات أثر في ترتيب الروح، وقانون النفس البشرية أن من أحسن في مراتب الحقوق وعَبَد الله سهل عليه -تلقائيًا- إعطاء كل ذي حق حقه.
- التاسع: أن للعبادات أثر في هضم النفس، وقمع أوهام الاستحقاق؛ فالموفق يعامل الناس على أن إحسانهم فضل؛ إن لم يأتِ سلا، وإن أتى فرح فرحًا حقيقيًا، فيشكر المحسن، ويعفو عن المقصر؛ وهل حسن الخلق إلا هذا!
- العاشر: أن للعبادات أثر العدوى الحميدة، وكل عبادة تدعو أختها، ومن أحسن في واجباته وأتى من نوافله ما استطاع دعاه حسن الخلق فلبّى؛ فالخير عادة.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
علّق الإمام ابن أبي جمرة الأندلسي (ت٦٩٥هـ) رحمه الله: «يترتب عليه من الفقه: أنَّ الخوف إذا كان حقيقيًا يذهب بإغواء النفس وخدعها المعلوم منها، وينقل الطَّباعَ السُّوءَ إلى الحُسْنِ والتَّقويم، ولهذا الإشارة بقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَعِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾؛ فلولا أنَّ الخوف يُحدث في الطباع السُّوء شيئًا حسنًا ما جعله الله تعالى سببًا إلى تقواه، الذي هو أصل الأحوال السَنِيّة، ولذلك قال أهل السلوك: إنَّ القلب إذا خلا من الخوف خَرِب!».