ويحك! هذه أشياؤك التي تعبدها، تُلاحقك كل مساء فتتحطم فوق رأسك، ثم تبيت ليلتك تئنّ تحت رُكامها! وتستيقظ صباح كل يوم لتدور كالآلة في دوّامة رتيبة، ترشقك مسامير ذلك الضجيج نفسه، وتخنقك رائحة تلك الملفات نفسها، وتُلهب وجهك لفحات الحرائق ذاتها، وتطول آمالك، وتَتَّسع أطماعك، وتمتد عيناك إلي مختلف الأشكال والألوان، ولا تخرج عن نطاق أشيائك التي لا تعدو أن تكون في نهايه المطاف مُجرد حفنة من تُراب!
ليس لك الساعة يا صاح إلّا أن تفر من أشيائك وأغلالك، لتنظر إلى نفسك من مرآة هادئة، لا انفطار فيها ولا اعوجاج، فهذا الأذان الصادح في الأفق الجميل يدعوك لتتطلع ببصرك إلى السماء، وتُنصت إلى الكلمات التي تتشكل ومضات مشرقة، تلخص قصة الكون المثير كلها في لحظات!
هذا النّور الأزرق القادم من أفقٍ بعيد، يرسم الآن لحظة فاصلة بين الصفاء الصادق والدجل البهيم. فما أن أعلن الكون انبعاث فجر جديد؛ حتى أضاءت صومعةٌ قنديلها الأخضر، لترسم هالتَها الوضّاءةَ صوتًا يتدفق كالشلال الصافي، في شكل دائري، ثم ينطلق نحو كل الجهات.
لعلّك لم تُصغ يومًا ما -وإن كنت سمعت- إلى هذه الرسالة الكونية الملخصة في كلمات الأذان. من أنت؟ بل ما أنت؟ وما حدود آفاقك قبل يومك هذا وبعده؟ وتحاول أن تُجيب، وقد تفر إلى أشيائك الطينية مرة أخرى، لكنك
أبدًا لن تفلح في الهروب، ولا نجاة إلّا في الإقدام؛ لأن الذي تفر منه بركان يتفجّر من أغوار ذاتك، فإن يخمد اليوم، فغدًا له موعد جديد مع أذان جديد!
- فريد الأنصاري, رحمه الله
📖 قناديل الصلاة، مشاهدات في منازل الجمال