أصرَّت ابنةُ أختي على إرسالِ تسجيلٍ صوتيٍّ لصديقتي، (لأنَّها تَعتقدُ أنَّ صديقَتي هي صديقتُها، ولا أَدري مَن الذي نَصَّ هذا القانون!). كما أنها رفضَتْ إخباري بما تنوي قولَه.
فراودَني الفضولُ، فسألتُها: هل تريدين أن تشتكي مِنّي وتُخبريها أني خرجتُ ولم أُصطحبكِ مَعي؟
فأجابَتْ بنبرةِ استنكارٍ، وكأنَّ الفكرةَ لم تخطرْ لها أصلاً: لا، لا! ألسْنا صديقتينِ؟
ثم أتبعتْ ردَّها ببيتٍ من الشعر:
"سلامٌ على الدنيا إذا لم يكُنْ بها
صديقٌ صدوقٌ صادقُ الوعدِ مُنصفَا".
ابتسمتُ متعجبةً وسألتُها: وما علاقةُ هذا البيتِ بالموضوع؟
فأجابَتْ بانفعالٍ، كأنها انزعجَتْ مِن عدمِ فهمي لما ترمي إليه: تذكَّري ما قال الشاعرُ قبل هذا! ألم يقل:
"ويُظهِرُ سِرًّا كانَ في الأمسِ قد خَفا"؟
وهذا سرٌّ بيننا، فكيف أُفشيَه ونحنُ صديقتانِ؟
فضحكتُ من طرافتها، ومن دهشتي بقدرتها على الاستدلالِ بالشعرِ، وربطِ الحكمةِ بالموقفِ بعفويةٍ.
فاستحضرتُ قولَ أبي تمّامٍ:
"ولولا خلالٌ سَنَّها الشعرُ ما درى
بُغاةُ العُلا مِن أينَ تُؤتى المكارمُ".
وكأنها، رغم صِغَرِ سنِّها، أدركتْ أنَّ الأدبَ ليسَ مجردَ كلماتٍ تُقرأُ وتُحفظ، بل هو هويةٌ للإنسانِ، ينسابُ داخله دون وعيٍ، فيثيرُ شعورَه، ويدفعهُ للتبصُّرِ، ويحثُّه على التفكُّرِ، فيُلهمُه الحكمةَ، ويعزِّزُ الأخلاقَ في قلبِه.
أما مِن ناحيةٍ أخرى، فهي تُفشي أسرارَ العالمِ كلَّه، وإن لم تجد سرًّا، اخترعَتْ واحدًا لِتُفشيه! ولا تتجاوزُ صداقتُها لأحدٍ بضعَ دقائقَ أحيانًا، إلا أنها خلالَ هذه المدةِ القصيرةِ تُظهرُ وفاءً وإخلاصًا عظيمينِ، وفي هذا الوقتِ غالبًا لا تجدُ ما تُفشيه… لأنها أفشتهُ قبلَ أن تبدأَ الصداقةَ أصلاً! 😆
#وصال_النجار