وحينما لم تقاتل الأمة أعداء الله: أُهدرت كرامتها، واستُبيحت مقدساتها، وانتُهكت أعراضها، وسُفكت دماؤها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ . إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
عباد الله:
إنّ البديل عن ثقافة الجهاد والاستشهاد بمفهومه القرآني الصحيح هو أن يخسر الإنسان حياته ويضحي بنفسه في سبيل الباطل:
فإمّا أن يحشره الأعداء رغماً عنه للقتال في صفهم، وهذا ما حصل قديمًا حتى في الحروب العالمية، واليوم هناك الكثير ممن هم في صف أمريكا وإسرائيل، وما أكثر من قُتِلَوا وقَاتَلوا قبل ذلك حيث أرادت منهم أمريكا وإسرائيل أن يقاتلوا، فقاتلوا وقُتِلُوا وخسروا.
أو قد يُقتل الإنسان في حالة من الاستسلام، والعجز التام، والانسحاق بجبروت الأعداء.
أو قد يُقتل الناس في قضايا عبثية، ولا تستحق هدر التضحيات من أجلها؛ فنجد الكثير قد يتحمَّسون للقتل والقتال والمعارك الضارية، ويدعون إلى النكف القبلي، أو النفير العام، ويندفعون بكل حماس من أجل قضايا لا تستحق حتى أن تسيء فيها بكلمة إلى أخيك المسلم، مثل: نزاع بسيط على أرض، أو في قضايا بسيطة معينة، ويمكن حلها بكل بساطة إذا توفرت الإرادة الصادقة والوعي وصفاء النفس؛ حيث يمكن حلها بصلح، أو بحكم قضائي.
فالذي لا يجند نفسه في سبيل الله، ولا يوطن نفسه للشهادة في طريق الله؛ فإنه قد يقتل وهو في طريقٍ آخر؛ فيكون ممن خسر الدنيا والآخرة والعياذ بالله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}.
أيها المؤمنون:
كما أنّ البديل عن ثقافة الجهاد والاستشهاد هو: حالة التخاذل والوهن والضعف والتقصير والتفريط، والتهاون والإهمال واللامبالاة، وانعدام الحس الإنساني والأخلاقي والشعور المعنوي، وهذا هو ما عليه حال الكثير من الدول العربية والإسلامية، ومن كوارث ذلك تمكّن أمريكا وإسرائيل الذين لهم رصيد إجرامي كبير، ومن أهم الأمثلة على جرائمهم ما يحصل في (غزة ولبنان).
ومن أكثر عوامل التفريط والتخاذل هو الخشية من الموت، والتهرب والقلق من التضحية، وهذا هو ما أكّده الله كثيراً في القرآن الكريم، من مثل قوله تعالى: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا}، ويقول الله أيضاً وهو يوبِّخ، ويعاتب، ويكشف سوء رأي البعض، ممن يمتلكون نظرةً سلبية تجاه التضحية في سبيل الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا . أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}، ويقدِّم القرآن الكريم أيضاً درساً عجيباً ومهماً عن قومٍ من الأقوام، ممن كانت لديهم هذه الرؤية تجاه التضحية في سبيل الله في إطار الموقف الصحيح الذي يحميهم، ويدفع عنهم خطر أعدائهم؛ فيقول الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ . وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
عباد الله الأكارم:
إنّ من المضحك المبكي في نفس الوقت: أن تجدَ أمة الملياري مسلم يتفرجون على ما يحصل من جرائم يندى لها جبين التاريخ والإنسانية في غزة ولبنان، ولو كان القليل من هذه الجرائم بحق أي أمةٍ أخرى من أمم الأرض كاليهود أو النصارى أو الوثنيين أو حتى بحق عباد البقر؛ لَمَا سكتوا ولتحركوا لمواجهة ذلك، بينما نحن المسلمين يراد لنا أن نسكت وأن نتفرج حتى يصل الدور إلينا.
وقد وصل الحال بالبعض إلى التواطؤ والمساندة لأعداء هذه الأمة، والبعض يعيشون حياتهم وكأن الأمر لا يعنيهم، وها نحن نجد أنّ الرسول "صلوات الله عليه وعلى آله" يقول في نصٍ مشهور ومعروف بين الأمة: (مَنْ أَصْبَحَ لاَ يَهْتَمُّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ سَمِعَ مُسْلِماً يُنَادِي: يَا لَلْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ