في كتاب الإمتاع والمؤانسة:
قيل: شهدْتُ شُريحاً القاضي وقد جاءته امرأة تُخاصمُ رجلاً، فأرسلتْ عينيها وبكتْ بكاءً شديداً.
فقلْتُ له: يا أبا أُمَيَّة، ما أظُنُّ هذه البائسة إلا مظلومة!
فقالَ لي: إنَّ إخوةَ يُوسف {جاؤوا أباهم عشاءً يبكون}!
هذا هو شأن الناس دوماً، يكونُ أحدهم ظالماً مفترياً، ثم يجلسُ يتشكَّى كأنَّهُ المظلوم.
يجلدُكَ أحدهم بِسَوْطِ لسانه، ويأكلُ لحمكَ في كلِ المجالس، فإذا فاضَ بكَ الكأس، وما عادَ فيكَ ذرة احتمال، فرددْتَ عليه بعض قوله، لرأيته قد لبسَ عباءةَ التُقى، واتهمكَ بما هو غارق فيه!
مشكلةُ الناسِ أنهم لا يعرفون إلا رداتِ الأفعال، أما العذابات المتكررة، الإهانات التي لا تحتملها الجبال، الظلم الذي تراكمَ فوق بعضه حتى بلغَ عنانَ السماء، فلا يراه أحد!