وإن هجَم الشّجاعُ على جبانٍ فما تُجدِي العلومُ العَسكريّة
فلسطيني أعزل يُطلِق النّار على جندي صهيونيّ مدجّج بالسّلاح بعد الاستيلاء على قنّاصته في مشهَد عظيم ينافِس الشماهِد التمثيلية. الإعلام العبري يتحفّظ عن نقل حالة الجندي بصدق، حيث يكتفِي بالقول أنه أصِيب بجراح خطِرة في الرّأس.
رأيت صديقيْ الشهيدَ النحيلَ الذي وجهُهُ صارمٌ وَهْوَ طَيِّبْ وفي جذعه مَيَلانٌ خفيف، كمن ينطح الريح، نحو الأمامْ ويرفع كِتْفَيه كاللا مبالي أو المتهيِّبْ وينطق بالحقِّ يومَ الخصامْ ويرسم طفلاً يسميه حنظلةً، وهو يعقد كفيه من خلفهِ، فيلخِّص، لا قصَّةَ الناسِ منذ احتلال فلسطينَ بل حالةً منذ آدمَ يعرفها الخلقُ، ليست سكوتاً وليست كلاماً وليست قتالاً، وليست سلاماً إذا وقع الظلمُ لفَّ الغموضُ نوايا الشهيدْ فللموت تغطية فذة، يتحير فيها الجنودْ يدورون حول قتيلٍ، ولا يعرفون متى، وبأي عقابٍ لهم سيعودْ يخافون من نصرهم، وهو باقٍ، سؤالاً يُلح عليهم على كل قابيلَ، يبكي بصدقٍ أمام الجسدْ: "جَعلتُ الحياةَ، حياتي أنا، بيديَّ، مهدَّدَةً للأبدْ" ويظل الصبيُّ، وكفاه من خلفه، جسداً للوعيدْ مسيحاً بدون وسامةِ تمثاله الذهبيِّ يُخشِّنُ كفيه شغلُ النجارةِ، نحتُ البشارةِ من سنديانٍ عنيدْ وفي ثوبه رقعةٌ شعره واقفٌ كأشعه شمسٍ ملخَّصةٍ أو خطوطٍ تدل عليها ورجلاه أكبر من أي أرض يسير إليها سوى بلد في الخيال البعيدْ إن "ناجي العلي" ليس يرضى بلاداً من النهر للبحر حسبُ ولكن نشيداً له بلدٌ، فالقوافي قوافي البلادِ، كما والحدودُ حدودُ النشيدْ ليس يقبل بالظلم حتى من الأَخِ، بل هو أشرس في لومِهِ الأخَ لا صدفةً، كان أولُ قتلٍ على وجهها أَخَوِيَّاً لذلك مات وحيداً، ولكن وحيداً سَويَّاً وكان صديقي قوياً وكان نبياً وحنظلة كان منه كتاباً، خطاباً إلى ساهرين على نسخهِ تحت سقف ضعيف الإنارةِ خشَّن أيديَهم، مثل حنظلة، قَدُّهم للحجارةِ ما كان حالَ على قتله الحَوْلُ حتى نَمَت في البلاد الحناظلُ عُزْلاً تقاتلُ كلٌّ مسيح مُشيح عن الكاهنية والصيرفي الذي باعهم كالعبيدْ
أقول رأيت صديقي النحيل الشهيد الوحيد الطريدْ ويرسم لي ولداً رافعاً وردة ويصبِّحني لا أخون الوصيةَ يا سيدي ، ما بقيتُ وما بقي الناس في بلدي يسمعون القصيدْ يُصَبِّحُكم سيدي ويقول لكم لا تضيعوا الدماءَ على الملك، كم قبلَكم ما أُضيعت دماءٌ على دُوَلٍ ثم ضاعت بلا أَثَرٍ بل على مَثَلٍ سَائِرٍ قَاتِلُوا فكرةٍ تحمل الأرضَ حملاً لكي لا تميدْ فثم حوائجُ غير الحدودِ وأجهزةِ الأمنِ تعطيكمُ الفرْقَ بين الفناءِ وبين الوجودْ وخطٌّ يحدِّدُ حَنْظَلَةً رافعاً يَدَه للورى بالوُرُودْ هُوَ خَطُّ الحدودْ.
الذكرى الرابعة والثلاثين لاغتيال ناجي العلي. تجدر الإشارة أنه تم اغتيال ناجي في الثاني والعشرين من تموز يوليو عام 1987 في لندن، ليدخل حالة الموت السريري ويستشهد في التاسع والعشرين من آب أغسطس من العام نفسه.
عراقيَّةٌ لهجةُ الحزنِ أصلًا ألا أيّها الحزنُ من سبّبك و فوق الخلائق من ركّبك ألا أيّها الحزنُ من درّبك أن تغنّي مسترسلًا هكذا فيا دهر كُفَّ الأيادي عنهم قليلًا و حسبك يا دهر أنّهم كرمًا علّموا الحزنَ أن يُطرِبَك!