تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان @tadaburbridges Channel on Telegram

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

@tadaburbridges


جمع تدبر القرآن الكريم للمهندس فاضل سليمان

#تدبر_القرآن #فاضل_سليمان #حظر_التجول #آيات_من_القرآن #تأملات_قرآنية #التدبر #إسلاميات #روحانيات #قرآن_كريم #حكم_وأقوال #تذكير

t.me/tadaburBridges


بوت التواصل
@Tadabur_bot

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان (Arabic)

تدعوكم قناة 'تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان' إلى استكشاف عمق وجماليات القرآن الكريم من خلال تدبره برفقة المهندس فاضل سليمان. يقدم المهندس فاضل سلسلة من التفسيرات والدروس التأملية للقرآن الكريم بطريقة مميزة تأسر القلوب والعقول. ستجد في هذه القناة محتوى غني ومفيد يساعدك على فهم القرآن بعمق أكبر وتطبيق تعاليمه في حياتك اليومية. فلا تتردد في الانضمام إلى هذه القناة الرائعة واستفد من الحكم والعبر التي ستجدها هنا. للانضمام، قم بزيارة t.me/tadaburBridges وتابع كل جديد. كما يمكنك التواصل معنا أيضًا من خلال بوت التواصل @Tadabur_bot. انضم الآن واستمتع برحلة تدبر مميزة مع المهندس فاضل سليمان وتعزيز علاقتك بكتاب الله العزيز.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

13 Feb, 09:11


https://www.youtube.com/live/C8rMt2IfAWM?si=vQlkfmKIhp_HJrlx

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

13 Feb, 09:11


فيديو ٩٠٩ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة المائدة - الحلقة ٣٥ الآيات ١٠١ - ١٠٥

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

13 Feb, 09:11


٣٥ 
 
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِين (١٠٢)

كثير من الناس يظنون أن هذه الآية تمنع السؤال، وهذا غير صحيح، فقد ورد تعبير يستفتونك مرتين، ويسألونك في القرآن ١٥ مرة، ولم يذم القرآن من يستفتون أويسألون، بل كان يأمر النبي ﷺ بأن يجيبهم ويعلمهم؛ مثلاً
- (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ (المائدة ٤) - (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ (البقرة ٢١٥)
- (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ (البقرة ٢١٧)
- (يسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ (البقرة ٢١٩)
- (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ (البقرة ٢٢٢) فالإسلام لا يصد الناس عن السؤال، بل يجيبهم ويعلمهم. وقد وقف النبي ﷺ على المنبر وقال للناس (سلوني فَوَاللَّهِ لا تَسْأَلُونِي عن شيءٍ إلَّا أخْبَرْتُكُمْ به ما دُمْتُ في مَقَامِي هذا) كأنه يقول لن أتكلم في أي موضوع، واليوم تركته يوماً مفتوحاً للأسئلة. ولكن إذا سأل الإنسان عن الغيبيات، فليس بالضرورة أن يُجاب على سؤاله، هذا ليس حراماً، لكن ليس من الضرورة أن يجيبه الله سبحانه، لأن الله جعل بعض الأمور تغيب عنا وتصبح غيبيات، إما لمصلحتنا، أو لأن هذا هو نظام الخلق مثلاً، والله -سبحانه- لن يغير نظام الخلق من أجل أحد! سنجد مثلاً (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا) فهل أجاب الله سبحانه؟! بل قال (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ في السماواتِ والأرضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغتَةً يَسألونكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ ولكِنَّ أَكثرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (الأعراف ١٨٧) فالله سبحانه قد يرفض أن يجيبنا عن بعض الأسئلة الغيبية، لأن هذا نظامه في الخلق، نظامه سبحانه أن الساعة تقوم فجأة، ولا أحد يعرف عنها إلا هو، فلا تعتقد أن من حقك أن تأخد إجابة عن سؤال: متى الساعة؟! وهناك أشياء غيبية ليس من مصلحة الإنسان أن يعرفها، مثلاً زوج وزوجة تزوجا وأحبا بعضهما جداً، وأنجبا طفلاً جميلاً، كبر ومات في حادث سيارة، فتألما ألماً شديداً، كان ابتلاءً رهيباً لهما، لو افترضنا أن الله -سبحانه- كشف لهم الغيب قبل الزواج، وعلما أن هذا سيحدث لهم، هل تعتقد أنهما سيأخذون القرار، ويتزوجا أم لن يتزوجا؟! غالباً لن يتزوجا؛ كي لا يمرا بهذا الابتلاء! لكن كل واحد سيبتلى ابتلاءً آخر أيضاً، وربما يكون أشد، وربما لا ينجح في هذا الابتلاء، وهذا يعني أن السؤال عن هذا الغيب لم يكن في محله، فنظام الله سبحانه ألا يكشف لنا الغيب (يا أيها الذينَ آمنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) بعض الصحابة كانوا يسألون عن أشياء خاصة وشخصية، مثل عبد ﷲ بن حذافة؛ عندما وقف وسط الناس، وقال يا رسول ﷲ من أبي؟! وكان الناس أيام ولادته يتكلمون في عرض أمه، فالنبي ﷺ قال له: أبوك حذافة. هذا هو الأب الذي ينسب له، وليس بالضرورة أن النبي ﷺ يعرف الغيب، أو أنه أوحي إليه بحقيقة من أبيه، هذا هو الذي يعرفه النبي، ويعرف الناس وانتهى الموضوع. لماذا يسأل؟! لكن لو كان النبي ﷺ قد أوحي إليه باسم آخر غير اسم أبيه، ستكون فضيحة تدمر حياته وحياة أمه! لذلك لامته أمه كيف يسأل سؤالاً كهذا؟! فكان يمكن أن يتسبب بمصيبة! أن يشكك بأمه أمام الجميع! فما كان من المفروض أن يسأل هذا السؤال. طبعًا هذا لا يقلل من شأن الصحابي الجليل عبد ﷲ بن حذافة، فهو رسول رسول ﷲ ﷺ إلى كسرى، الذي قطع الخطاب الذي أرسله به، وورد حتى في الضعيف قصة أخرى مع هرقل الروم أنه أحضر حذيفة، ووضع أمامه قدراً من الزيت المغلي، وقال له سأرميك فيه لو لم تكفر بمحمد ﷺ والإسلام، فبكى، فقال له أتبكي لأنك خائف؟! قال: أبداً، أنا أبكي لأنني أتمنى لو أن لي أنفساً بعدد شعر جسمي، فتُلقى في النار روحاً تلو الأخرى في الزيت المغلي، وآخذ الثواب من الله تعالى، ولا ارتد عن دين الله! وقد ورد فيه أشياء كثيرة، فنحن لا نقلل من شأن هذا الصحابي الجليل، لكنه أخطأ حين سأل هذا السؤال، والصحابة ممكن أن يخطؤوا.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

13 Feb, 09:11


لذلك النبي قال ﷺ (إنَّ اللَّهَ يبعَثُ لِهذِه الأمَّةِ على رأسِ كلِّ مائةِ سَنةٍ من يجدِّدُ لَها دينَها) ماذا يعني يجدد الدين؟! ذلك يعني يزيل ما علق بالدين من آراء الناس، وآراء العلماء التي قد تكون مناسبة لوقت وغير مناسبة لوقت آخر، ويُبقي ما هو من القرآن والسنة فقط. ويأتي جيل بعده يستنبط ويستخدم القرآن والسنة في إصلاح حياته، وهذا اسمه تجديد الدين، وليس تبديل الدين. التجديد يعني أن تعيد الشيء إلى أصله، وإلى الحالة الأصلية التي كان عليها. مثال: عندما تقول إنك جددت السيارة، يعني تعيد إصلاح سيارتك، فتعود كما كانت حين اشتريتها لأول مرة، حتى اللون تعيده كأول يوم اشتريتها فيه. إذن تجديد الدين يعني إزالة ما علق فيه من الأخطاء والبدع، التي أصبحت غير مناسبة لهذا الزمن، وربما كانت مناسبة لزمن آخر. فالقرآن هنا يعلمنا الموضوعية، ويقول (أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (١٠٤) ماذا يعني؟! يعني التفكير بموضوعية. كما يقول سبحانه:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)

هذه الآية من أخطر ما يمكن؛ لأنه قد يفهمها الإنسان خطأً، وهي أكبر دليل وأحسن مثال على أنه يجب أن يجمع الإنسان كل النصوص الواردة في موضوع حتى يفهمه، لا يجوز أن يقرأها الناس بعيداً عن الآيات التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. لأن البعض فهم منها أنه لا يجب عليه الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر، ويكفي أن يهتم بنفسه (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) كلا، لأن عدم إنكار المنكر مُهلك وموجب للعذاب، ولعن بسببه بنو إسرائيل (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) وماذا أيضاً؟! (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩) فلا يجوز أن أترك النهي عن المنكر أبداً. كذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ واجب أمرنا به الله سبحانه كأفراد وكجماعات، في سورة آل عمران (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤) ثم بعد عشر آيات يخبرنا -سبحانه- عن سبب خيرية هذه الأمة (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (آل عمران ١١٠) فليس لأن جدك الباشا ستكون خير أمة! كلا، عندما تفعل هذا، وعندما تتوقف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله، عندها لن تكون خير أمة، بل ستصبح أسوأ أمة! وبيّن النبي ﷺ طريقة إنكار المنكر، فقال ﷺ (مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ) ماذا يعني؟! من يرى منكراً يغيره بيده لو كان معه سلطة التغيير باليد، أما هو الحاكم أو السلطة التنفيذية، أو أخذ إذناً من الحاكم أن يغير بنفسه. لكن إذا رأيت منكراً، وليس من حقي أن أغير بيدي؟! فإن لم يستطع فبلسانك، تكلم ضد المنكر وانصح وحث الناس على الوقوف ضد المنكر، وانزل للشارع، وتكلم ضد المنكر حتى يتوقف. وإذا لم أستطع التكلم ضد المنكر؛ لأنه في البلاد المتحضرة الذي يتكلم يختفي وراء الشمس، وممكن أن يمكث في السجن طوال عمره! فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان، يعني كل ما ترى المنكر، تقول في قلبك اللهم إن هذا منكر لا يرضيك، لماذا؟! حتى لا تتغير أنت نفسك، وتبدأ تألف المعصية. ومن أمراض القلوب إلف المعصية، فتصبح مع الوقت لا ترى أن المعصية معصية! لكن عندما تثبت وتُثبت نفسك، وتعلم أن المنكر منكر في قلبك، عندها ستستطيع مع الأيام أن تغير المنكر عندما تحين الفرصة. الحديث هذا تجمعه مع الآية ١٠٥ في سورة المائدة؛ ليعطيك النتيجة النهائية:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)

لو بذلت كل جهدك في الإطار الذي شرحه لك الحديث، لن يؤاخذك الله سبحانه على المنكر الذي يمارس في المجتمع، وليس مطلوباً منك إثارة جدل أو فوضى، ولا أن تقاتل قومك؛ لأنهم يعملون البدع (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

13 Feb, 09:11


مثال: يوجد بعض الناس في يوم العيد يذهبون إلى زيارة القبور، وهذا منهي عنه يوم العيد، فالإسلاميون المحترمون الطيبون يذهبون ومعهم الورد، ويقابلوهم على أبواب المقابر، ويهدوهم الورد ويقولون اليوم عيد والنبي ﷺ منع هذا وحرّم هذا، فلنذهب الآن ونفرح بالعيد مع الأهل والأطفال، وبعد العيد سنأتي معكم لنزور القبور. بهذه الطريقة نهي عن المنكر. ولكن يوجد فئة لا تقبل وتبدأ بالجدال والصراخ وتدخل للمقابر، هل مطلوب منا أن نقاتلهم أو نبعدهم بالقوة مثلاً؟! كلا أبداً (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) أنت تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر بأسلوب جميل وبالحسنى، قال النبي ﷺ لمن ظن أن هذه الآية تأمر بالتوقف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال (بل ائتمِروا بالمعروفِ وتناهَوْا عن المنكرِ حتَّى إذا رأيتَ شُحًّا مطاعًا، وهوًى مُتَّبعًا ودنيا مُؤثِرةً وإعجابَ كلِّ ذي رأيٍ برأيِه فعليك بخاصَّةِ نفسِك ودَعِ العوامَّ) أي استمر في دعوتك، لكن لا تضيع وقتك في جدال لن يؤدي إلى نتيجة، بسبب غياب الموضوعية، الموضوعية هي أن يكون النقاش بحثاً عن الحقيقة بالدليل، وليس الانتصار للرأي بأي طريقة، فلما تجد أن كل شخص معجب برأيه، ويدافع عنه، ولا يستمع للآخر، المفروض أنت أيضاً لا تُعجب برأيك، وتستمع للرأي الآخر، لأنك تريد البحث عن الحقيقة. الإمام الشافعي يقول "ما ناظرت أحداً قط، إلا ودعوت الله أن يجري الحق على لسانه". كيف؟! أي أنه يدعو أن يجري الحق، حتى لو كان على لسان من يناظره، ويفوز هو بالمناظرة! يعني أنني إذا كسبت المناظرة في كل مرة، يعني أنني لم أتعلم شيئاً جديداً، لكن حين أشعر أنني غُلبت واقتنعت بكلام الطرف الآخر؛ يعني ذلك أنني تعلمت شيئاً جديداً. هذه أول نقطة، وأيضاً يعد ذلك خطراً على الأنا عندي، وسأظهر بمظهر من لا أحد يستطيع مناظرتي! فيجب أن أخاف على نفسي أيضاً. النقطة الثالثة هي الموضوعية، نحن سندخل للمناظرة لنصل للحقيقة، ومن غير المهم من منا سيصل للحقيقة، هذا هو الأصل! فلا تضيع وقتك في المراء والجدال بهذا الشكل، دع العوام، مثل غرف الكلوب هاوس، كلها مجرد كلام، كل شخص ينتصر لرأيه، ولا أحد يبحث عن الحقيقة، لن تستفد شيئاً من الكلام معهم، فانتقي معاركك وانتقي ما تسمع وما تقرأ، لأن عقلك وعاء؛ فلا تملؤه بالتفاهات، وما أكثرها!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

13 Feb, 09:11


- البحيرة: هي الناقة التي ولدت خمس مرات؛ فإن كان الخامس ذكراً، ذبحوه، فأكله الرجال دون النساء! وإن كان أنثى شقوا آذانها، فقالوا: هذه بحيرة لا تؤكل. فيشقون أذانها، والبحر هو الشق. فكانوا يبحرون الأذن.
- الوصيلة: هي الشاة إذا ولدت سبع مرات؛ فإن كان السابع ذكراً يأكلونه الرجال دون النساء، وإن كان أنثى استحيوها؛ فلا تذبح، وإن كان ذكراً وأنثى في بطن واحد استحيوهما، فلا يؤكل الذكر، وقالوا: وصلته أخته فحرمته علينا! هذه الوصيلة وصلت أخو أخيها.
- الحام: هو الفحل يولد من ظهره، أي أنه هو يلقح الأنثى عشر مرات، فيقولون: حمى ظهره فلا يحمل عليه ولا يُركب، ولا يمنع من ماء أو مرعى، فهم لم يعبدوا الأصنام، ويأتوا بعقيدة جديدة فحسب، بل أيضاً ألّفوا فقهاً جديداً من الخرافات.
هذا الكلام كله كان يمارس ويروج في موسم الحج أيام الجاهلية، ويعلمون هذه التعاليم الجديدة للحجيج والجهلة الذين أتوا إلى الحج! فعندما فرض الله الحج في الإسلام، حذر المسلمون أن هناك ممارسات تكثر في الحج لا علاقة لنا بها، فقد كان هناك كفار ومسلمون يحجون بسبب قرب العهد بأيام الجاهلية، فهذه العادات ممكن أن تختلط، فالله -سبحانه- أخبرنا ما هو الصحيح وما هو الخاطئ، وما هي العبادات من أيام سيدنا إبراهيم؛ مثل (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) هذا من أمور الدين وليست خزعبلات، لأن بعض المسلمين ظنوا أنها من الممنوعات. لكن هذه الأشياء غير موجودة: الوصيلة والبحيرة والحام والسائبة! لكن ما هي المشكلة؟! المشكلة أن البعض لا يريدون أن يكفروا بهذه العادات، ويقولون هذه تقاليد بلدنا، أبي وجدي كانوا يفعلون هذا؛ فقالوا:

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (١٠٤)

هناك من كفر بالله وبرسوله بسبب الآبائية، وهذه طريقة تفكير غير موضوعية، ليس لأنهم لا يريدون أن يُصّلوا أو لا يزكوا أو يحجوا أو يصوموا، وما منعهم من اعتناق الإسلام هو الاستكبار والتفكير غير الموضوعي، يقول: بما أن أبي وجدي لم يفعلوا هذا فلن أفعله! أنا متسمك بالتراث وبالعادات والتقاليد. فهؤلاء (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُول) الذين يريدون أن يطبقوا الخزعبلات، هذه عندما يدعون إلى القرآن والسنة؛ وتعاليمه الجميلة (قَالُوا حَسْبُنَا -يعني يكفينا- مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا) وهم لا يظهرون على أنهم متخلفون ولا مضحكون، بل يظهرون بمظهر المتمسكين بالتراث وبالتاريخ وبالثقافة؛ وبرفض البدع، يعتبرون أنفسهم يرفضون البدعة، لأن القرآن والسنة فيها تعاليم جديدة بالنسبة لهم، فيعتبرونها بدعاً، أبي وجدي كانوا على طريقة معينة، وأنا إنسان محافظ أحافظ على تراث الأجداد! هذا الكلام قد يخدع السذج، فالقرآن يجيب بطريقة منطقية (أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (١٠٤) هل الآباء دائماً كانوا يتمتعون بالحكمة وبالعلم؟! أليس كل جيل كان فيه جهلة!؟ فلو كان آباؤهم جهلة، هل يعقل أنه من الصحيح أن يمشوا على خطواتهم أياً كانت؟! فالقرآن يقول لنا أن نتبع الدليل والبرهان أينما آخذك. لكن الآبائية والتمسك بتراث الآباء هذا الكلام لا ينفع. لاحظ أن الخطاب هنا ثوري جداً، ويشير أيضاً بأن هذا الدين الذي بلغه النبي محمد ﷺ كان جذاباً جداً لجيل الشباب، معظم الصحابة كانوا من عمر خمسة عشر إلى عشرين سنة، والكبار الذين كانت أعمارهم من خمسين فما فوق رفضوا الإسلام، وبين ٢٠ و ٥٠ كانوا بين هذا وذاك. لكن طبيعة هذا الدين غير جذاب للكبار، وجذاب جداً للشباب والصغار، لماذا؟! لأن خطابه ثوري، يثور ضد التقاليد البالية، حتى لو كانت من تقاليد آبائي وأجدادي، يعني لو كانت خطأ، سأرميها في القمامة، لأن القرآن يعلمنا “الموضوعية“ ولو كانت صحيحة، أهلاً وسهلاً سآخذ بها. لكن الكبار الآباء والأجداد ليسوا مع هذا الكلام، لكن عندما نجد هذه الأيام أن الدين جذاب للكبار، وطارد للشباب والصغار، فماذا يعني ذلك؟! يعني أن ما نقدمه للناس ليس فعلاً دين سيدنا محمد ﷺ، لأن دين محمد ﷺ يجذب الشباب وينفر الكبار، بسبب عقليتهم المتحجرة! لكن الذي عقليته متحجرة هو الذي يتمسك، والذي عقليته ثورية هو الذي يريد أن يثور ضد التقاليد البالية، يعني ذلك أننا لا نقدم الدين الصحيح! نحن نقدم تقاليد المجتمع، وعليها بعض الإضافات والبهارات الإسلامية، حتى نشعر بأن هذا هو الإسلام. لكن هذا ليس صحيحاً، ونحن عندنا مشكلة كبيرة فيما نقدمه للناس وللشباب، لذلك يجب إعادة النظر في ذلك كله.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

13 Feb, 09:11


(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) هذه الصياغة توحي أيضاً بتفسير آخر صحيح، وهو أفضل تفسير لهذه الآية، وهو أن الآية تنهى عن السؤال عن التشريعات، والحلال والحرام في الأمور التي لم يرد فيها تشريع بعد، أي أن هذه الآية خاصةٌ بزمن التشريع، فما زال القرآن يتنزل، لكنهم يستعجلون الأحكام. (لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) أفضل تفسير لهذه الآية، هو أنها تنهى عن تشريعات وعن حلال وحرام؛ في الأمور التي لم يرد فيها تشريع؛ وشرع ﷲ نزل بالتدريج، ورأينا التدرج في تحريم الخمر، فيجب ألا يتعجل الناس بنزول التشريعات، إذا كنت أنت مستعداً، فغيرك غير مستعد! فعندما يتعجل الناس تشريعات الله قد يسوؤهم هذا؛ فلا تتعجل الحكم طالما أن القرآن ما زال يتنزل.
وقيل أيضاً أن في هذه الآية حكماً خاصاً في وقت التشريع فقط، أي وقت نزول القرآن (وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ) وطالما لم يذكر فيها حكم بعد يعني معفو عنها (عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) وقيل إن هذه الآية لها حكم خاص بالتشريع في زمن نزول القرآن؛ فطالما أنه لم يتكلم عنها يعني أنه معفو عنها (قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (١٠٢) عندنا مثال لبني إسرائيل، عندما طلبوا من نبيهم أن يعين لهم ملكاً يقودهم؛ ليقاتلوا في سبيل الله، تدبرناها في سورة البقرة (ألَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) نبيهم قال لهم: أنتم لا تقدرون على القتال، ومستواكم الإيماني ليس جاهزاً (قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا) لا تطلبوا هذا (قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) تصنعوا الشجاعة! وقالوا كيف لنا ألا نقاتل بعد كل الظلم الذي رأيناه؟! طبعاً سنقاتل (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦) معظمهم لم يقاتل حين احتاجوا فعلاً للقتال، وكان كلامهم فارغاً، فعندما تكون الشريعة تتنزل والوحي يتنزل، فلا تتعجلوا الأحكام.

نعود إلى موضوع الحج والكعبة التي جعلها ﷲ قياماً للناس والهدي والقلائد. لكن لا تظنوا أنه ولأجل هذه الشعائر التي أقرها الله -سبحانه- في الحج؛ يعني أن كل أمر كانوا يقومون به آباءكم كان صحيحاً! كلا، هناك أعمال كثيرة جداً تعتبر من البدع والمنكرات!

(مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٠٣) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (١٠٤)

من بدع المشركين الذين كانوا ينسبون أنفسهم لملة إبراهيم، أنهم حرموا أنواعاً معينة من اللحوم، وليس كل اللحوم. قال الله في سورة الحج (وَأُحِلَّتْ لَكُم الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ (٣٠) كل الأنعام حلال إلا ما يتلى علينا، ما الذي سيتلى علينا؟! في أول المائدة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ (٣) ومن المحرم أيضاً والذي ورد في السنة؛ كل ذي ناب وكل ذي ظفر. لكن ما أخبار الأمور الأخرى التي كان العرب يحرمونها؟! فالله سبحانه أخبرنا بالأشياء المحرمة علينا في الآية ٣ من المائدة، وهناك بعض الأشياء المذكورة في السنة. لكن ما وضع الأشياء التي كان يحرمها أجدادنا العرب أيضاً؟! منها البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، وهذه كلها خزعبلات وكلام فارغ (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٠٣) كل هذه الأنعام يجوز أكلها.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

12 Feb, 18:05


قال رسول الله ﷺ (إنَّ لِلَّهِ مِئَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ منها رَحْمَةً وَاحِدَةً بيْنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الوَحْشُ علَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَومَ القِيَامَةِ) وفي حديث آخر بما معناه، أن هذه الرحمة هي التي ترفع بها الدابة حافرها، كي لا تؤذي صغيرها. كل هذه من رحمة الله، موزعة على البشر والحيوانات، وبقدرها تسعة وتسعون ضعفاً ليوم القيامة ليرحمنا بها الله سبحانه

(مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (٩٩)

تعبير (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ) ورد ثلاث مرات في القرآن الكريم، لكننا للأسف نفهمه بطريقة خاطئة، أو نفهم المقصود منه بطريقة خاطئة. تتكلم الآية عن الواجب الذي عليك أنت، ليس عن الرسول ﷺ، لو كان الرسول ﷺ عليه أكثر من البلاغ، ماذا سيكون أيضاً من واجباته؟! الإقناع، والهداية. بالتالي لو كان على النبي هداية الناس وإقناعهم، عندها لا يوجد أي كافر أو عاص سيُحَاسَب، سيأتي الكفار والعصاة يوم القيامة ويتحججون بأن النبي ﷺ لم يستطع هدايتهم ولا إقناعهم، فما ذنبهم؟! فعندما يقول الله (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ) إذن يقول الله لك يا متدبر القرآن، ويا من تقرأه كي تفهمه، ويؤثر فيك ولتعمل به؛ الله يرسل لك رسالة بين السطور تقول ”الكرة في ملعبك“ فقد قام الرسول ﷺ بواجبه بشكل كامل وبلغ، والله سبحانه أخبره بذلك. قال الله له (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (البقرة ٢٧٢) أي أنه ليس عليك أن تبذل مجهوداً أكثر من ذلك، بلغ فقط. نعم لقد حاول الرسول ﷺ أن يقنعنا ويهدينا، لكن هذا لم يكن مطلوباً منه، بل زيادة من عنده (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) والآن حان دورك أنت يا من تقرأ القرآن (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (٩٩) وعندها سيظهر هل قمتم بما بلغكم الرسول ﷺ به من آيات الوحي، منكم من سيؤمن، ومنكم من سيكفر، ومنكم من سيؤمن ظاهراً ويكفر باطناً! لكن على من؟! خدع الدنيا كلها، ولكن لن تستطيع أن تخدع الله أبداً (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَاتَكْتُمُونَ (٩٩) العبودية الحقيقية في اتباع ما أمر ﷲ به، كي نرضي الله، ليس من أجل رغبتنا في شيء دنيوي، العبودية الحقيقية بالتقوى، أن يتجنب الإنسان كل ما يغضب ﷲ. الهدف من عبادات الجوارح هو الوصول لمعاني العبودية، عبادات الجوارح مثل: الصلاة، الصيام، الحج، وقراءة القرآن. تؤدى هذه العبادات كلها بالجسم، أي بالجوارح، هدفها أننا نصل للعبودية الحقيقية لله، وأن نتقي الله، يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة ٢١) وكذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة ١٨٣) ويقول الله (خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوةٍ -وهو الوحي- وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ -اقرؤوه وتدبروه- لَعَلّكُمْ تَتَّقُون (الأعراف ١٧١) إذن العبودية مهمة، وأحب الخلق إلى الله أكثرهم عبوديةً له، وأكثر من يحب الله من البشر هم الأنبياء وجميعهم سُمُّوا عبيداً (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ -ذو القوة- إِنَّهُ أَوَّابٌ (ص ١٧) وقال (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (ص ٣٠) ويصف النبي ﷺ كذلك (سُبْحَانَ الَّذِي أسْرَى بِعَبْدهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إلى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ (الإسراء ١) وذكر الرسول محمد ﷺ (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (الجن ١٩) وكذلك (وَاذْكُرْ عِبَادنَا إبْرَاهِيمَ وإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (ص ٤٥) كل هؤلاء الأنبياء ذكروا بالعبودية، لكن العبودية لله تختلف عن العبودية للبشر، كلمة عبودية سلبية جداً، هي سلبية عندما تكون كلمة عبودية بشر لبشر. وهناك فرق بين العبودية لله والعبودية للعبيد؛ عبودية الله إيجابية جداً، يجب أن تقترن بالحب، وعبودية البشر تقترن بالكُره. العبد يكره سيده؛ لأنه يعامله معاملة سيئة، على الرغم من وجود تماثل بينهما، لكن لا يوجد تماثل بينك وبين الله، فلا يوجد لديك شعور بالغضب أو لماذا أكون عبداً له، كلا. العبد يمتص خير سيده؛ بينما في البشر السيد يمتص خير وتعب عبده، يعمل العبد جاهداً طوال النهار والليل وفي نهاية الأمر الربح والمال يرجع إلى السيد.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

12 Feb, 18:05


بينما نحن من نأخذ الخير من سيدنا الله -سبحانه- وتعالى، في حالة العبودية لله يكون للعبد الخيار فيما أراده منه سيده والقرار قراره، فالله سبحانه يقول؛ أريد منك أن تكون إنساناً صالحاً، وأن تتصدق وتصلي، ويعطيك الخيار ولك أن تختار، وتقرر في أن تطيع أو أن تعصي، لو عصيت هناك عقاباً، لكن العقاب ليس فورياً الآن، وإلا سيكون فيه إكراه، والله لا يُكرِهُكَ إنما يتركك تتخذ قرارك بنفسك. لكن في حالة العبودية للبشر، أنت ليس لك قرار، اذهب للعمل في الحضيرة، إن لم تذهب ستُعَاقَب فوراً وتضرب بالسوط، ستُكْرَه على العمل! لكن الله لا يُكره عباده. فعندما يسمع المرء هذه الأحكام الشريعة كلها، والأوامر والنواهي، ومطالبة الله لنا؛ أنه حتى لو أديتم العبادات، فيجب أن تفعلوها بحب وبنية خالصة وصالحة وبمنتهى الإخلاص، فليس المهم أن تتعبد الله دون إخلاص، لا يكفي أن تُصلي بدون خشوع، لا يكفي أن تقرأ القرآن بدون تدبر، أي أنه لا يكفي أن أتعبد إلى ﷲ، بل يجب أن تؤدي عبادات الجوارح بقلبك أيضاً، أن تكون النية خالصة تماماً. فعندما يعلم المرء هذه المعلومات، قد يقول لأجل تشديد الإسلام على مسائل الطهارة والإخلاص وهذه الأوامر، لا يوجد كثيرون ممن يعتنقون الإسلام! هنا في أوروبا؛ رأينا العديد من الأشخاص قالوا صراحة؛ أن الإسلام منطقي جداً، ومن الواضح أنه منهج سليم، لكن فيه متطلبات كثيرة جداً، أنا لا أريد أن أعيش مستقيماً هكذا؛ لا أشرب الخمر ولا أي سخافة، إذن كيف سأستمتع في هذه الحياة! يقول الله للرسول ﷺ ولك يا من تتدبر القرآن، أن Quality أهم من Quantity أي أن نوعية المسلمين؛ أهم من أن يكون عددهم كبيراً، لا تقل من أجل هذا يرفض الناس الإسلام! لو أننا نجعلها أقل تشديداً، سنجد عدداً كبيراً يدخلون الإسلام، فيقول الله (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠٠) نحن لا نريد مسلمين من النوعية الخبيثة، إياك أن تعتقد أن الخبيث مثله مثل الطيب، حتى لو كان الخبيث كثيراً والطيب قليلاً، فالبركة في الطيب! هناك ملاحظة غريبة جداً، من هو النبي الوحيد الذي لم نرَه في القرآن أنه ركز على التوحيد، بالطبع هو دعا للتوحيد، لكن لم يكن التركيز عليه؟! سيدنا لوط، ارجعوا لكل المواضع التي تكلم فيها سيدنا لوط؛ نحن لا نريد من هؤلاء! يجب أن تتوقف المعصية قبل كل شيء، حتى لو كان الخبيث كثيراً، والطيب قليلاً، فإن البركة في الطيب. وكان المسلمون الأوائل دائماً أقل من الروم ومن الفرس في الغزوات، ولكن الله نصرهم نصراً لا مثيل له في التاريخ، بسبب النوعية! كان جيش المسلمين ٢٠ ألفاً، وأمامهم جيش العدو نصف أو ربع مليون، ولكن الله نصرهم نصراً لا مثيل له في التاريخ، وهزموهم هزيمة عظيمة، بسبب النوعية!

(قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠٠)

(يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) يا من يملك عقلاً، ويفكر بشكل صحيح، فمن يفكر يبني نفسه بحيث يصبح من النوعية الطيبة وليس الخبيثة، هذه النوعية التي يبنيها التوازن التربوي، يتعامل تدبر القرآن مع عقلك، فيعلمك الموضوعية وكيف تفكر، ويعلمك عدم التعميم، ويغذيك بالمعارف والعقائد الأساسية، ويتعامل مع قلبك أي مشاعرك فيشحنها بالإيمان. ويتعامل مع نفسك فيهذبها، ويجعلها تنتصر على الأنا الداخلية، وعلى الشهوات وعلى الأهواء. وهذه الآية من الممكن أخذها كشعار في حياة الإنسان، يطبقها على كل شيء، وليس فقط في طبيعة البشر، بل حتى في المال؛ المال الطيب أكثر بركة من الخبيث، حتى لو كان أقل. قد يعمل شخص في وظيفة حلال، وماله منها حلال، لكنه أقل بكثير من مال خبيث يأتي لزميله الذي يأخذ الرشوة! فتجد القليل يكفي أساسيات الحياة، والكثير الخبيث ينفق في إصلاح سيارة معطلة، أو نتيجة حادث، أو علاج ابنه من الإدمان، أو دروس خصوصية للأولاد! فيعمل الإنسان في الحرام، ويأخذ وزراً من أجل المال الأكثر، ثم في النهاية لا يتمتع بهذا المال، ولا يحقق له هذا المال السعادة! المهم أن ما تحصل عليه من الطيبات يبارك الله فيه، سواءً كان كثيراً أو قليلاً.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

12 Feb, 18:05


فيديو ٩٠٨ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة المائدة - الحلقة ٣٤ الآيات ٩٧-١٠٠

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

12 Feb, 18:05


https://www.youtube.com/live/McU9Qp54tKU?si=42cPAXA1nbqGBT9w

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

12 Feb, 18:05


٣٤

(جعل اللهُ الكعبةَ البيتَ الحرامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ والشَّهرَ الحرام والهديَ وَالْقَلَائِدَ ذلكَ لتعلَمُوا أَنَّ اللهَ يعلَمُ ما في السماوَاتِ وما في الأرضِ وأَنَّ اللهَ بكلِّ شيءٍ عليمٌ (٩٧) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨) مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (٩٩)

القضية أكبر بكثير من مجرد حمامة أو أرنب أو غزالة اصطدتها وأنت محرم، القضية قضية عبودية أو تمرد! هناك أشياء حلال، بل هي سنة مستحبة، لكنها تحرم في الإحرام، في الإحرام لا يجوز الجماع مع أنه عبادة يأخذ المتزوجون بها ثواباً من ﷲ، وكلنا نحفظ حديث النبي ﷺ (وفي بُضْعِ أحدِكم صدقةٌ! قالوا: يا رسولَ اللهِ! أيأتي أحدُنا شهوتَه، ويكونُ له فيها أجرٌ؟! قال: أرأيتم لو وضعها في حرامٍ أكان عليه فيها وزرٌ؟ قالوا: بلى، قال: فكذلك إذا وضعها في الحلالِ كان له فيها أجرٌ (رواه مسلم) لكن الجماع في الإحرام لا يجوز، فالعمل الذي له أجر حسنات يصبح في الإحرام حراماً. التطيب بالعطور سنة من سنن النبي ﷺ لكن في الإحرام لا يجوز، وعليه كفارة. حف الشارب وقص الأظافر سنة مؤكدة من سنن الفطرة، مأمور بها وعليها ثواب، وفي تركها وزر، لكن في الإحرام تصبح ممنوعة. لكن لماذا؟! ما هي الحكمة؟! الحكمة هي العبودية، الطاعة. لماذا كانت الشجرة المحرمة في الجنة، محرمة على آدم وحواء؟! هل لأنها مضرة بالصحة؟! هل لأنها مثل الخنزير الذي يأكل الفضلات؟! كلا أبداً، إنما كانت محرمة اختباراً وابتلاءً، بالتالي عندما نحاول أننا نجد حكمة من التحريم، ومن أحكام الله، هذه ليست الإجابات، هذه محاولة للإجابة، الله أعلم إذا كان تحليلنا هذا صحيح أم خاطئ، لكن الأصل في المسألة كلها أنها اختبار وابتلاء. اختبار للطاعة، بالتالي حكم تحريم الصيد وأنتم حُرم، ربطه الله بالعذاب الأليم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٩٤) على الرغم من أن الله -سبحانه- ربط اجتناب الخمر والميسر بالحب وبالإحسان، قال سبحانه في الخمر والميسر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) وأيضاً في سياق تحريم الخمر قال (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣) ففي تحريم القمار والخمر تكلم الله عن الإحسان والحب. وقلنا أن الصغيرة لا تكون صغيرة، إذا استصغرها مرتكبها وأصر عليها، فلا تنظر إلى صغر الذنب، وانظر إلى عظم من تعصاه، هذا هو الأصل (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧) كَعَبَ: أي نتأ فوق الأرض، بمعنى علا فوق الأرض. الكعبة هي عبارة عن حجارة، فما الذي يجعلها مقدسةً؟! ﷲ سبحانه وتعالى هو الذي جعلها البيت الحرام، وجعل لها أحكاماً خاصة (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا (آل عمران) ﷲ -سبحانه- هو الذي أعطاها هذا المقام وهذه الحرمة، فأصبح المكان خاصاً مختلفاً عن أي مكان آخر، جعلها قياماً للناس، سبباً في استقامة الناس. يذهب الإنسان إلى العمرة، ويرجع قوته الإيمانية مرتفعة ويستقيم، ويستمر الإيمان مرتفعاً لفترة، ثم يبدأ الإيمان ينقص وينقص؛ إلى أن تنفد البطارية، فيشعر أنه مشتاق لزيارة الحرم مرة أخرى كي يجدد إيمانه. على الرغم من مشقة العمرة والحج، إلا أن المسلم يكون مشتاقاً أن يرجع باستمرار.بالنسبة لقريش كانت الكعبة سبباً في الرئاسة، كانت كل القبائل تحترمها وتُجلها، وعلى الرغم من أن القبائل الأخرى أكبر وأقوى من قريش، لكن لا يوجد من يعتدي على قريش أبداً، لماذا؟! لأنهم يعيشون حول الكعبة، وينزلون ضيوفاً عندهم في الحج. لذلك ارتبطت سورة الفيل بسورة إيلاف قريش، لأن قريش القبيلة الوحيدة التي كانت قوافلها آمنة، لأنه لا يوجد أي قبيلة تريد أن تفسد علاقتها بقريش، وعندما حمى الله الكعبة من أن تُهدم، أدى هذا لاستمرار إيلاف قريش، بأن تبقى قوافلهم في الشتاء والصيف آمنة.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

12 Feb, 18:05


ولكن لو هُدمت الكعبة لخسرت قريش الإيلاف. وهناك من علماء العدد من اعتبر أن سورتي الفيل وقريش سورة واحدة، فمثلاً في بعض المصاحف قد تجد أن عدد السور ١١٢ بدلاً من ١١٤. يعتبرون الفيل وقريش سورة واحدة، ويعتبرون الأنفال والتوبة سورة واحدة (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥) * (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) فالله سبحانه فعل هذا بأصحاب الفيل لإيلاف قريش، لكي تستمر رحلات الصيف والشتاء لهم. هذا بالنسبة للمكان، عندما يشاء ﷲ أن يعطي خصوصية لمكان. لكن ماذا عن الزمان؟! هناك شهر محرم، وهو الشهر الحرام؛ ﷲ -سبحانه- هو الذي أعطى هذه الشهور الأربعة حرمة خاصة، فأصبحت مختلفة عن باقي الشهور الثمانية (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ (٩٧) ذو القعدة، وذو الحجة، وشوال ورجب، لا يجوز فيها القتال. لماذا؟! وما الفرق بينها وبين باقي الشهور؟! هذا ليس من اختصاصك! التزم بأوامر ﷲ، فالمسألة تعبدية. وكذلك الهدي والقلائد التي على الحيوانات التي تساق للذبح في أثناء الحج والعمرة، وقلنا أن القلائد هي النوق أو الجمال، التي تقلد قلادات في رقبتها، كي يُعرف أنها مهداة إلى البيت الحرام، فيتركها الناس تأكل وتشرب دون أن يزعجوها، كل هذا تعبد! (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧) أهم معلومةٍ يجب أن تعلمها عن ﷲ أنه عالم كل شيء (ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ) يريد الله منك أن تعلم ولا يريدك جاهلاً، وأهم شيء تعلمه هو علم عن ﷲ، تعلم أسمائه وصفاته وأفعاله. وأهم معلومة يجب أن تعلمها عن ﷲ، إنه عالم غيب السماوات والأرض. لماذا خلق الله هذا الكون كله؟! بالمناسبة هذه من الشبهات، فيقول لك أنكم تقولون إن الله حكيم وعنده حكمة، أين الحكمة في أنه خلق كوناً ضخماً وواسعاً جداً، يستهلك فيه كل هذا الجهد وهذه الأموال، وفي نهاية الأمر على كويكب صغير جداً في المجموعة الشمسية، في مجرة من مليارات المجرات يخلق فيه الحياة؟! نحن لا نعلم إن كان هناك حياة أخرى في كواكب أخرى، أو لا يوجد؟ لكن من الممكن أن يوجد هناك حياة، وهناك إشارات أنه يوجد، لكن حتى لو لم يكن هناك حياة، لماذا خلق الله كل هذا الكون الفسيح؟! لماذا الناس موجودين في مساحة صغيرة في أحد الكواكب؟! تكريماً للعلم، من أجل العلم! والدليل في آخر آية من سورة الطلاق (اللهُ الذي خَلَقَ سبعَ سَمَوَاتٍ ومِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لتعلموا) لتعلموا: لام التعليل، كل هذا من أجل العلم (أَنَّ اللهَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ وأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (الطلاق ١٢) من المهم جداً أن تعلم أن الله قد أحاط بكل شيء علماً. وهل هناك شيء آخر مهم لنعلمه؟! نعم، لكن دعنا الآن في كلمة "لتعلموا" الله خلق هذا الكون الفسيح ليكون مدرسة لنا، والمدرسة تكون أقيم وأفضل عندما تكون مدرسة كبيرة جداً، وعدد الطلاب الموجودين فيها قليلون، كي يتعلموا بشكل جيد، يوجد فيها معامل ضخمة قوية، وعدد طلاب قليل. كل طالب لديه آلة وحده، بدلاً أن يجتمع كل عشرة طلاب على آلة واحدة، فيها ملاعب كبيرة، وكل المرافق فيها كبيرة. هذا الكون الفسيح عبارة عن مدرسة لنا نتعلم فيها. إذن من المهم جداً أن تعلم أن ﷲ قد أحاط بكل شيء علماً، وإذا عاقب فإنه يعاقب عقاباً شديداً. ومن الأشياء المهمة التي يجب أن تعلمها عن الله (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨) يجب أن تعلم أن الله لو أراد أن يعاقب فإنه يعاقب عقاباً شديداً جداً، ولو غفر فإنه يغفر مغفرة عظيمة جداً، هو غفور وليس غافر، ولو رحم فإنه يرحم رحمة عظيمة جداً، فهو رحيم وليس راحم، رحيم مصدر الرحمة. فعندما يرحم أو يغفر تكون رحمة ومغفرة عظيمة، وكذلك عندنا يعاقب يكون عقاباً شديداً، كل شيء عنده سبحانه في أقصاه. رحمه الله هي مائة جزء، وواحد من هذه الرحمة أنزله الله عند كل الخلائق في الدنيا، ليس كل البشر، بل كل الخلائق!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

11 Feb, 16:00


حسناً؛ وإن لم يكن الإنسان يعلم هذا الأمر؟! (عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (٩٥) من كان يفعل ذلك قبل أن ينزل هذا الحكم، فالله سبحانه يعفو عنه -لا مشكلة- لكن من يخالف أوامر ﷲ عن تعمد أو استصغاراً لها؛ فكما قلنا ”لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار“ سينتقم الله من المخالف، -انتبه هنا- الحرم مكان للأمن، حتى الحيوان والطائر يأمن على نفسه في الحَرم يعلم أنه في مكان آمن، وهذا هو معنى الحَرم؛ أنه مكان له حرمة، اكتسب حرمته من ﷲ سبحانه وتعالى. شرب الخمر حرام، لكن شرب الخمر في المسجد ليس شرب خمر عادي، هذا فيه تحدي لله سبحانه وتعالى! وبعد ذلك نجد استدراكاً في الآية؛ أن السمك ليس داخلاً في المنع:

(أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩٦)

إذن المقصود هو الذبح، إنما السمك لا يذبح، ومستثنى من الحكم، فيجوز للمحرم أن يصطاد السمك والمأكولات البحرية، ويُذكر مرة أخرى بالتقوى، وأهمية التقوى أنها تذكرك أن الموت حق، والبعث حق، والحساب حق.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

11 Feb, 16:00


وبعد أن تكلمنا وتدبرنا فلسفة هذا الذنب المتكرر السهل الصغير، وليست مسألة صيد أثناء الاحرام فحسب، فيبين لنا الله التفاصيل؛ وما هو الحرام وما هو الحلال بالضبط:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (٩٥) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩٦)

الحَرَم مكان آمن، يأمن فيه الناس على أنفسهم وأموالهم (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) ويكون الناس فيه في حالة من السلام التام مع ﷲ ومع النفس ومع الناس، ومع الحيوان ومع النبات، فلا يجوز قطع شجر الحَرم، ولا قتل ولا صيد حيوان أو طائر الحَرم، ولا يجوز القتال في الحَرم (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) لا تعني فقط وأنتم محرمين للعمرة أو الحج، أو في طريق الحَرم، بل يعني أي شخص في الحرم، فالحَرم محمية إلهية وليست محمية طبيعية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) يعني وأنتم في الحَرم، أو وأنتم محرمين. فالمحرم حتى وإن لم يدخل منطقة الحرم، لا يجوز له أن يصطاد، والناس كلهم سواء كانوا محرمين أم لا؛ لا يجوز لهم الصيد داخل منطقة الحرم، معظم العلماء على أن المدينة ينطبق عليها ذلك أيضاً، لأن النبي ﷺ حرم المدينة، أي جعلها حرماً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ) قتل الصيد متعمداً مُحرم، لكن لو قتل شخص حيوان بالخطأ -صدم غزال بالسيارة- وهو محرم في الطريق إلى مكة، فليس عليه كفارة، لأنه قتل خطأ، ويدخل في هذا أيضاً النسيان، يعني تعمد قتل الصيد وهو محرم، لكنه كان ناسياً أنه محرم، فيعتبر هذا قتل خطأ، لأنه أخطأ واصطاد عند النسيان. لكن لو كان يتذكر ويعرف أنه محرم، ولا يجوز له الصيد ومع ذلك اصطاد وقتل الصيد، فينبغي أن يشتري هدياً للكعبة؛ يُذبح بعد الحج أو العمرة، لإطعام الفقراء، وهذا الهدي يكون (مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) يعني إن اصطاد غزالة؛ هل يحضر غزالة مقابلاً لها؟! هل يوجد غزالة في السوق ليشتريها؟! كلا، (مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) يعني أقرب بهيمة لها، كبش مثلاً، أي الأقرب إلى الحجم أو الشكل أو الثمن؛ من الصيد الذي اصطاده. لكن أنا أتوقف هنا عند تعبير (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ) ماذا يعني (ذَوَا عَدْلٍ)؟! وماذا يعني وليذوق وبال أمره؟! لماذا من يحكم بالكفارة؛ اثنان من العلماء الفقهاء؟! المسألة أبسط من ذلك! لماذا لا يكون حكم فقيه واحد وكفى؟! طبعاً هذه من المسائل المالية، والمسائل المالية تحتاج اثنين شهود عاديين، لكن العلماء قالوا: يجب أن يكونوا اثنين علماء فقهاء يحكمون بالهدي الذي سيقدمه هل يجوز أم لا؟ هل يكفي كبش أم يجب عليه كبشين، أو أن يحضر جملاً؟ ولا يكفي فقيه واحد! فلنفرض أنني اصطدت أرنباً بالليل، والناس في قافلتي نائمون، وذبحت وشويت وأكلت ولم يعرف أحد، ثم كفرت عن ذلك، وأحضرت جملاً وسأذبحه هدياً للكعبة المشرفة ككفارة عن الأرنب، بالتأكيد أنا بذلك أجزأت وقمت بشيء أكبر بكثير، اصطدت أرنب وذبحت جمل! لماذا يلزمني أن أقول لاثنين من علية القوم؟! لو لزم أن أقول؛ سيكون كأني أفضح نفسي أمامهم، وهذا يجعلني أذوق وبال أمري، لأني خالفت أوامر الله سراً، فجعل الناس تعرف أنك ارتكبت هذه المخالفة، لكن لو لم أقل لأحد، وسأكفر بكفارة أكبر بكثير وأغلى من الصيد الذي اصطدته، فهذا أيضاً عقاب قوي، لأذوق وبال أمري، حتى أذوق مرارة مخالفة أوامر الله، لكن الناس سيقولون هذا شخص كريم، ولا يعرفون أنها كفارة! إذن يجب أن أخبر اثنين من كبار المجتمع عندي، ليكونوا على علم، ولأني من الناس التي قد تضعف، هكذا أذوق وبال أمري لمخالفة أوامر الله!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

11 Feb, 16:00


٣٣

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٩٤)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) نداء الله، ليُذكرنا أننا أخذنا قرار الإيمان، وقبلنا شرع ﷲ، وأصبح واجباً علينا أن نتبع شرعه. بالتالي عندما نسمع هذا النداء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) ندرك أن الذي يأتي بعده كلام في منتهى الأهمية، وغالباً أمر من الأوامر الصعبة، ثم نتفاجأ أن الله -سبحانه- يحذرنا من أن نصطاد في أثناء الإحرام بالحج أو العمرة! هل هذا الأمر يستحق أن ينادينا الله بهذا النداء، الذي عادة ما يتبعه أمر خطير مثل الأمر بالوفاء بالعقود وبميثاق ﷲ، وعدم الشرك وعدم شرب الخمر، لماذا يتكلم الله سبحانه عن أمر بسيط مثل هذا، وهو الصيد في أثناء الإحرام، لماذا يتكلم الله عنه بهذه الجدية؟! الله سبحانه قال في آخر الآية ٩٥ (وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (٩٥) هنا يتكلم الله سبحانه عن الصيد في أثناء الإحرام، يعني أدباً من آداب الإحرام؛ عدم الالتزام به له كفارة (وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) لم يقل سبحانه ذلك في الخمر، هذا استوقفني ساعة لأحاول أن أفهم، لماذا يتكلم الله سبحانه بهذه الشدة (وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ) وفي الآية ٩٤ (فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٩٤) يتكلم هنا الله سبحانه عن تعدي الحدود في آداب الإحرام، وهذا ليس بالشيء كثير الحدوث، فالشخص يحرم مرة أو مرتين في حياته، للحج أو العمرة. فكرت ساعة؛ وأنا أريد أن أفهم، نبرة الخطاب عالية جداً عن معصية صغيرة جداً، انتهاك أحكام الإحرام ليست من الكبائر. فهمنا قبل ذلك من حلقات مفاتح التدبر أنك عندما توضع في موقف مثل هذا، أول شيء تُذكر نفسك به هو أن الحكمة موجودة، ولكنك لا تعلمها؛ لأنك جاهل -تجهلها- لكن إياك أن يوسوس لك الشيطان أنك وجدت خطأً في القرآن، لأنك بذلك تصبح كالحمير الذين يصورون فيديوهات يسخرون فيها من القرآن. إذن أول أمر الحكمة موجودة لكنني لا أراها، فماذا أفعل؟! أبحث عنها، أقرأ، وأعمل عقلي، وأدعو نورَ السماوات والأرض أن ينير عقلي وقلبي كي أرى بنوره. سأقول لكم التدبر الذي وقع في قلبي، تدبرنا النهي عن الخمر وعن الميسر وعن الأنصاب -الأوثان- وعن الأزلام- وهي العرافة والدجل والشعوذة- وأخطر ما في هذه الأشياء، هو أنها تُشعر المسلم أنه بخير، من منا يشرب أو يلعب قماراً، أو يعبد أصناماً، أو يذهب إلى دجال؟! لا أحد منا يفعل ذلك! الحمد لله نحن أناس جيدون، هذا لأن هذه المعاصي بعيدة جداً وكبيرة، فلو أن كل المعاصي هكذا فسوف نكون من أولياء ﷲ الصالحين! لأننا حتى لا نفكر فيها، لكن المنطقة الخطر هي المعاصي الأخرى -القريبة منا- التي أحياناً نحاول أن نبرر لأنفسنا، فنقوم بها ونقول إنها من الصغائر وليست من الكبائر، وأبدأ بتبريرها لنفسي، وأسأل هل من الممكن أن نفعلها فقط مرة واحدة؟! مطلوب أن أخذ رشوة لأشتري قطعة أرض، والكل يعمل ذلك! أنا أصلاً لا أتعامل بالرشوة أبداً، لكن لو مرة واحدة خالفت فليست مشكلة! هذه هي المنطقة التي فيها خطر على المسلم المتدين -منطقة التهاون في الحرام- تهوين الحرام. فيقول الإنسان في نفسه: أنا أصلي كل يوم في المسجد، لن يحدث شيء لو لم أضبط المنبه اليوم لأستيقظ للفجر، أتمنى لمرة واحدة أن أنام إلى الساعة التاسعة صباحاً! التهاون وهو تهوين المعصية؛ لأنها لا تبدو معصية كبيرة، لأنها غير متعدية، يعني ليس فيها إيذاء لشخص آخر، ليست قتلاً أو سرقة، فالمعاصي التي بين الإنسان وبين ﷲ يتدخل الشيطان ويهونها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ) تأكيد بلام القسم، يعني والله ليبتليكم الله (لَيَبْلُوَنَّكُمُ) لام القسم ونون التوكيد، ليس ليبلوكم، بل لام القسم، ونون للتوكيد زيادة في التوكيد (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ  بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ) قال (بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْد) ولم يقل ما هو، لتسرح بخيالك، يا ترى غزالاً أم ماذا؟! (تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ) يعني الصيد الذي كنا نخرج له إلى الصحراء لمدة ثلاثة أيام، نبحث عنه ونتعب ونختبئ له، ونجري وراءه أياماً لنحصل عليه؛ ونتعب لنصطاده، سيبتلينا الله وقت الإحرام، أن سيصبح في متناول اليد (تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ) يعني لو مددت يدك ستمسك به (وَرِمَاحُكُمْ) مجرد أن ترمي رمحك ستحصل عليه، هذا الصيد سيأتي أمامك ويقترب منك!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

11 Feb, 16:00


هذه الآية تشرح الآية ١ في السورة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ -من الميتة والخنزير والمنخنقة- غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ.. (١) يعني الصيد حرام عليكم وأنتم محرمون، لماذا ونحن محرمون، ممنوعون من الصيد؟! ويجعل الله -سبحانه- الغزلان تأتي حولنا وتقترب منا؟! لماذا؟! لأنه ابتلاء، ألم يقل (لَيَبْلُوَنَّكُمُ) ليبتليكم ويختبركم. ولماذا يختبرنا؟! أكمل الآية ٩٤ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ) لماذا؟! (لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ) ليعلم الله من يخافه، رغم أنه لا يرى الله، لكنه يعلم أن الله يراه، فالله -سبحانه- غيب ونحن لا نراه، لا أحد يستطيع رؤيته، لكن من متأكد أن الله يراه؟! وهل الله سبحانه يحتاج أن يختبرنا ليعلم من يخافه ومن لا يخافه؟! فالله سبحانه هو أعلم العالمين! قال العلماء: علم ﷲ علمين، علم قديم، وعلم تنجيزي، بعلمه القديم يعلم أن الشيء سيحدث، من سيصطاد وهو محرم؟! فعندما يصطاد، يعلم الله أن علمه القديم قد نزل إلى أرض الواقع، يعلم الصادقين ويعلم الكاذبين، فعندما يصدق الصادق، ويكذب الكاذب؛ يعلم أن علمه قد تم وحدث، فيعلم أن علمه قد حدث. فالله سبحانه لا يعلم شيئاً جديداً ولا معلومة جديدة، بل يعلم أن علمه القديم قد تم وأصبح واقعاً. مثلاً ابنك في الطريق قادم من عمله، ويشاركك موقعه الحي على المحمول، أنت تُشغل الخريطة، وتشاهد موقعه في الطريق، ثم شاهدت أنه وصل البيت فعلاً على شاشة محمولك، أنت متأكد أنه وصل وسيدخل البيت، لكن عندما يفتح الباب، تعرف أن ما كنت تعرفه ومتأكد منه حدث بالفعل وتم، فأنت لم تعرف معلومة جديدة، بل ما تعلمه تحقق على أرض الواقع. ولله المثل الأعلى، فعندما يقول (لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ) الله سبحانه يعلم من يخافه ومن لا يخافه، لكنه يعلم أن من يخافه بالغيب قد خافه فعلاً، فيسمى هذا علم تنجيزياً. لكن علم الله -سبحانه- لا يحتاج تحديث Update (فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٩٤) من يعتدي على حرمات ﷲ بعد هذا كله له عذاب أليم، يا للهول! عذاب أليم لأجل ذنب صغير جداً كهذا!؟ مجرد انتهاك لآداب الإحرام! الذنب نفسه ليس هو المهم، المهم هو المحرك لهذا الذنب، ما الذي دفعك لهذا الذنب؟! ما الفرق بين من لم يسمع أوامر الله سبحانه ويصطاد في الإحرام، وبين من لم يسمعوا أوامر الله واصطادوا في يوم السبت، وغضب الله عليهم ومسخهم قردة؟! نفس الأمر، لماذا عندما سمعتها كقصة من قصص بني إسرائيل؛ لم تتعاطف معهم؟! وهذا نفس الأمر، بني إسرائيل كانوا ممنوعين من الصيد يوم السبت، ونحن نعرف قصة أصحاب السبت، ونعرف أن الله سبحانه مسخهم قردة وخنازير، وهذا نفس الوضع! هنا الله سبحانه أمر الإنسان ألا يصطاد وهو محرم، وأن الصيد سيأتي إليه ويتمختر أمامه، وتناله أيديكم ورماحكم، نفس الوضع تماماً! انس كلمة صَغيرة وكَبيرة التي تخدع بها نفسك! لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار، لا تستهن بالذنب لأنه صغير، لأن الإصرار عليه يحوله لذنب كبير، ولا تيأس من رحمة الله، لأنك ارتكبت الذنب الكبير، لأن الاستغفار يمحو أي ذنب. الله سبحانه ربط هنا ذنب قتل الصيد في حال الإحرام بالعذاب الأليم، ليس لأنك متعرض لهذا الذنب مرة أو مرتين في العمر فقط، عندما تحرم بالحج أو بالعمرة، لكن الله سبحانه لم يربط العذاب الأليم بالذنب، لأن احتماله قليل جداً، ركز جداً! بل لأنك متعرض لذنب قتل الصيد في أثناء الإحرام كل يوم وأنت في بيتك، في مصر أو في فرنسا، أو في كاليفورنيا، أو في اليابان، كل مرة الذنب يبدو لك مغرياً وصغيراً وسهلاً، وتشعر أنك تحتاج أن تفعله ولو لمرة واحدة، فهذا هو ذنب قتل الصيد وقت الإحرام؛ هنا هو الاختبار! ففي كل ساعة أو ثانية عندك شيء صغير مغري سهل، وتعرف أنه خطأ، وتشعر أنك تحتاج أن تفعله ولو مرة واحدة، هذه المرة فقط ألعب القمار، ولن أعود مرة أخرى! سأنظر مرة واحدة فقط!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

11 Feb, 16:00


https://www.youtube.com/live/rS82be-NWwY?si=-sW6SgpkKMYshRHx

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

11 Feb, 16:00


فيديو ٩٠٧ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة المائدة - الحلقة ٣٣ الآية ٩٤ - ٩٦

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

10 Feb, 07:08


السورة اسمها المائدة، وكلمة مائدة ليس معناها طاولة، فالطاولة لا تسمى مائدة إلا إذا كانت مفروشة بالطعام، يعني سُفرة طعام مفروشة، حتى لو وُضع الطعام على الأرض، وكذلك اسمها المائدة بسبب قصة المائدة في نهاية السورة، لكن تجد أن موضوعات السورة واحدة، مثلاً: يريد الله أن يتكلم عن الوفاء بالعقود قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ) حتى تأكلوه، ويريد التكلم عن الطاعة في الحج (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) لما تتحللون من الإحرام تستطيعون الصيد لتأكلوا، ثم يتكلم الله عن أنواع الطعام المحرمة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) كل هذا هو من أنواع الطعام المحرم، وماذا عن الحلال؟! (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلََّ لهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) وقال كذلك (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) أراد أن ينتقد بني إسرائيل؛ لأنهم يعملون بالحرام، ويكسبون أموالهم من الحرام، فقال (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) السحت أموال حرام، فلا يأكل الإنسان المال، ولكنه يجلب بها الطعام، فيأكل هو وأولاده فاستخدم كلمة الأكل، ولم يقل يكسبون من السحت، لكنه اختار كلمة الأكل؛ لأنها الخيط الذي يربط السورة (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) لاحظ الإصرار على ربط الكسب الحرام بالأكل! الخطاب القرآني في السورة أراد التكلم عن البركة التي تأتي من تحكيم الشريعة (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) من فوقهم ينزل المطر، ومن تحتهم يخرج النبات للأكل!
يريد التكلم عن بشرية السيد المسيح، وأنه ليس إلهاً (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ) كانا بشر، يحتاجون طعاماً كي يتحركوا ويكون عندهما طاقة للعيش، وأراد ربط الحلال بالطيب كما ربط الحرام بالخبيث، فاستغل الأكل أيضاً (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا) ذكر الأكل بالذات! السورة فيها خيط يربطها ببعضها وهو فعل الأكل والطعام. كذلك عندما شرع الكفارة عن اليمين الذي هو القسم، هل شرع إعطاء المال نقدًا باليد كالعيدية؟! كلا. بل شرع الإطعام (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ)
أراد أن يعلم المسلمون ألا يطلبوا ولا يسألون أي شيء لا يلزمهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) فأتى لهم بمثال لأتباع عيسى بن مريم، لما طلبوا مائدة ليأكلوا منها (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا) شهوة الأكل تغلبت!

نعود إلى موضوع تحريم الخمر، وأنسب سورة توضع فيها آية تحريم الخمر؛ وهي من المطعومات هي سورة المائدة، بسبب طبيعة السورة من أولها لآخرها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) قلنا إن الخمر كان يراها العرب من الطيبات، والميسر -القمار- كانوا يلعبونه على جَذور، يعني جملاً، ومَن يخسر يتحمل ثمنه، ويذبح لإطعام الفقراء الذين لا يستطيعون شراء اللحم، فكان الميسر يُيسر على الفقراء أكل اللحم، فأراد ﷲ -سبحانه- أن يهذب هذه النوايا الطيبة، بأن العمل الصالح لا يقترن إلا بطرق طيبة وليست خبيثة، فحرم الميسر وألزم الأغنياء الزكاة، فهي أكرم للفقير؛ لأن الزكاة عبارة عن تمليك المال للفقير، تعطي للفقير المال، ويصرفه كما يريد.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

10 Feb, 07:08


٣٢

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٩٢)

النداء رقم ١١ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) في سورة المائدة، إذن استعد لأمر كبير يأتي بعدها وهو تحريم الخمر، بعد تدرج شديد، حُرمت الخمر؛ لأن الخمر من الأشياء التي يحبها الناس جدًا، وخاصة العرب قبل الإسلام، والعالم كله يشربها ولا تعتبر من الخبائث بالنسبة للعرب حينئذ، بالعكس يعتبرونها من الطيبات، فالله غيّر وضعها من حلال إلى حرام، ومن طيبات إلى خبائث، وهذا أمر ليس بالسهل. كيف ذلك؟! في مكة، وبالتحديد بالثلث الأخير من المرحلة المكية، وقبل أكثر من ١٠ سنوات من نزول هذه السورة، ذكر أولاً الفصل بين الخمر وبين الرزق الحسن في سورة النحل (وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٦٧) شرابًا مسكرًا يغيب العقل، ويؤدي إلى حدوث نشوة، ففصل بين المسكرات والرزق الحسن، وكأنه تجهيز نفسي للناس، ثم في أول الفترة المدنية، في العام الثالث أو الرابع نزلت سورة البقرة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا (٢١٩) وكانت الدولة قد قامت، وبدأ الناس يفكرون بطريقة فيها تغليباً للمصالح على المفاسد، وهكذا جُهِّز الناس نفسياً من قبل في سورة النحل، وبعدها عقلياً ومنطقياً في سورة البقرة، لأن المفاسد فيها أكبر من المنافع، ثم نزلت سورة النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ (٤٣) فطالما المسلم لا يستطيع أن يشرب قبل الصلاة كي يركز فيها؛ ويكون واعيًا لما يقول، فلا يصح أن يقرأ القرآن من غير تدبر، فالخمر حُرمت كي نقرأ القرآن بتدبر، ويوجد من لا يشرب خمراً ولا يتدبر أيضاً! فاضطر المسلمون أن يشربوا بعد العشاء فقط، لأن الوقت طويل بين صلاة العشاء وصلاة الفجر، بعد أن كان الشرب في أي وقت من اليوم، وأيضاً لا يستطيعون شرب الكثير كي يستيقظوا باكراً للذهاب إلى المسجد، لأن شارب الخمر لا يستطيع أن يستيقظ وعقله منتبه ليصلي صلاة الصبح مع النبي ﷺ، وهكذا انخفضت نسبة الكحول في الدم، وبذلك جهز الله المسلمون نفسياً وعقلياً وبدنيًا، ودعا عمر بن الخطاب "اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً" كأنه يدعو لتحريمها؛ لأنه كان يحدث بين الناس مشاحنات عندما يشربونها، وهذا الطبيعي في كل مكان حتى في الأفلام، دائماً يصورون المشكلة في الحانة، والناس يضربون بعضهم، وهنا في أوروبا وأمريكا، يحضرون حراس أجسامهم ضخمة من أصحاب مهنة المصارعة والملاكمة إلى الحانات، كي يسيطروا بسرعة على أي مشاحنة وتصادم بين الناس. وحصلت مشاحنة في المدينة، أحد الأنصار سكر وضرب سيدنا سعد بن أبي وقاص وأصابه في وجهه، وحصلت أيضاً مناوشات بين الصحابة الكبار كالزبير بن العوام أو حمزة، ثم نزلت الآية ٩٠ من سورة المائدة، سنوات قبل نزول السورة في العهد المدني، فالآية ٩٠ نزلت بعد أُحد، لكنها وُضعت في المائدة طبقاً للعرضة الأخيرة، في آخر عرضة عرضها النبي ﷺ على جبريل في حضور الصحابة في آخر رمضان قبل وفاته ﷺ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) لماذا وُضعت في المائدة؟! وليس في سورة أخرى مثل النساء أو البقرة، ربما والله أعلم لأن موضوعات سورة المائدة يربط بينها خيط كخيط السبحة الذي يمسك حبات السبحة، وهذا الخيط في المائدة هو الطعام، وهو شيء عجيب جداً! السورة القرآنية فيها موضوعات مختلفة كثيراً، لكن عندما نقرأ السورة على بعضها، وتمر على كل الموضوعات، تشعر بوجود رابط بين الآيات كلها، فلا تشعر أنك تقرأ كلامًا مفككًا، في السينما في صناعة الأفلام يقومون بما يسمى Color correction يعني المادة الفيلمية تدخل جهاز مونتاج، يعطيها كلها مسحة من لون واحد، كذلك السورة القرآنية، تشعر أن كل سورة لها خامة خاصة، كما يوجد خامة قماش حرير وقطن وصوف وقماش بوليستر، وملمس كل قماش يختلف عن الباقي، كذلك السورة القرآنية، أنا أتكلم عن التذوق الفني، سورة المائدة الخيط الذي يربط موضوعاتها هو الطعام.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

10 Feb, 07:08


والأنصاب هي الأصنام، تسمى أنصاب لأنها نُصبت للناس ليعبدوها، الأزلام شرحناها في الآية ٣ من نفس السورة (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ) وهي طريقة للاختيار على أساس التفاؤل والتشاؤم، عن طريق السهام المكتوب عليها رسائل، مثل أمرني ربي، نهاني ربي، سكت ربي عن ذلك! وهكذا. وهي ليست طريقة صحيحة للتفاؤل أو التشاؤم، بل يجب أن يختار الإنسان عن طريق إعمال العقل والأخذ بالأسباب، والاستشارة والاستخارة، ثم الإقبال أو عدم الإقبال عن الأمر. وكل هذه الأمور - الأنصاب والأزلام والخمر- هو رجس (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) رجس يعني شيئاً خبيث مستقذر، وهل من المعقول كل هذا الأشياء مستقذرة؟! فقد كان الناس يشربونها ويشعرون بالسعادة! بل هي رجس، حوّل الله الذوق من أن يستحسن هذه الأشياء إلى جعله يستقذرها، الخمر اللذيذ عندما يشربه الناس يفرحون، والميسر الذي يسليهم وبسببه الفقراء يأكلون اللحم، غَير الله ذوق الناس وجعلهم يرون زاوية أخرى للخمر والميسر لم يروها من قبل.

(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١)

الميسر يطعم الفقراء، فلماذا لا نطعم الفقراء بطريقة أخرى؟! لاحظ خطورة الميسر! كذلك الخمر ربما تكون لذيذة وطعمها حلو، لكن انتبهوا أيضاً لما تفعله بكم، فتوقع بينكم العداوة والبغضاء، فتضربوا بعضكم وقد تقتلون بعضكم؛ فلماذا تفكرون بالجوانب الإيجابية فقط في الخمر والميسر، ولا تبصرون حقيقة الشيطان الذي يفسد علاقاتكم ببعض عن طريق الخمر والميسر؟! والخمارات أو الحانات توظف أبطال المصارعة والملاكمة بسبب حدوث مشاحنات وضرب وتكسير باستمرار، وقد يصل الأمر للقتل! (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ) البغضاء هي الكراهية التي تبقى في القلوب، فعندما يغيب العقل بالسكر فلا يعلم الإنسان بما يحصل حوله، فلا يفرق بين زوجته وزوجة رجل آخر، ومَن هذه البنت، فيغازلها! وربما تتطور الأمور وتحصل مصائب وخيانات نتيجة الخمر! وبعد زوال أثر الخمر لا تزول العلاقة الآثمة التي نشأت في أثناء تأثير الخمر! الحكومة الأمريكية منعت الخمر ١٣ سنة من ١٩٢٠ - ١٩٣٣ حرصاً على مصلحة البلد، ومن أجل الإنتاج، وحفاظاً على العلاقات الاجتماعية، وبسبب الإدمان، وعملوا إعلانات عن تأثيرها، فيبدأ بكأس، وينتهي بالانتحار، والأمر يتطور ثم ينتحر ويترك أرملة ويتيم؛ ولذلك قال الله عنه رجس (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ) السُّكر والانشغال باللعب والميسر يصدّ الإنسان عن الذكر، وهو غذاء القلب، هو الشاحن الذي يشحن القلب بالإيمان، فالخمر والميسر تقلل الإيمان في قلوب الناس؛ لأنها تشغل الناس عن الذكر وعن الصلاة، وتجعل الإنسان غير قادر أن يصلي، ثم يأتي مَن يرى نفسه فيلسوفاً ويقول: أين تحريم الخمر في الآيتين؟! لم يقل الله حرام؛ بل قال فاجتنبوه فقط، ولم يقل حُرّم عليكم! أو ينهاكم ﷲ، اجتنبوه فقط، يجب أن تأتي بلفظ التحريم أو النهي حتى نمتنع من الخمر! مع أن الاجتناب أقوى نوع من أنواع التحريم، اجتنب: أي دع ذلك جانباً؛ يعني اتركه. ومع ذلك أنت تريد لفظ النهي؟! أكمّل الآية (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) يعني كل ما سبق في الآية كان نهياً ستنتهون عن هذا النهي أم لا؟! فمن يتفلسف ويقول الاجتناب لفظ مخفف وغير كافٍ للتحريم، وأريد لفظ النهي صراحة نقول له (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) فالنهي موجود، والأمر بالاجتناب أيضاً موجود، نحن أمرنا باجتناب الخمر، وحتى نفهم خطورة لفظ ”اجتناب أو فاجتنبوه“ يعني النهي موجود، وعلينا أن ندرك خطورة لفظ الاجتناب.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

10 Feb, 07:08


والسنة فصلت في تحريم الخمر وحَرمت شربها، قال رسول ﷲ ﷺ (لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ). وقال أيضاً عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً: عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ) كل هذه الفئات التي تتعامل مع الخمر ملعونة، وليس فقط الشرب! اجتنبوه يعني نحن نكون في جانب والخمر في جانب آخر، حتى المرور، تجنب المرور بجانب خمارة. عندما يُعالج المدمنون على الخمر، وفق برنامج يشمل ١٢ خطوة، يمنع عنهم أن يدخلوا إلى هذه الأماكن أو المرور منها، والابتعاد عن الأصحاب الذين يشربون الخمر، لأن القليل منها سيجعله يرجع إلى الشرب مرة أخرى، فالمطلوب الاجتناب، وليس ترك الشرب فقط! -حُرمت عليكم- يعني لا تشربوها، الخمر والميسر هما إدمان، خرّب ملايين البيوت، ودمر ملايين الأسر! ومع ذلك كل حكومات العالم تسمح به. في الشوارع في أوربا تجد عدة خمارات وعدة أندية قمار متقاربة؛ فلماذا تسمح الحكومات بها؟! من أجل المال! فهي تجارة كبيرة جداً، وفيها ضرائب بالمليارات، فمن أجل الأموال حكومتك ضحّت بمصلحتك، ومن أجل المال حكومتك تنازلت عن المبادئ، لكن ربك لا يضحي بمصلحتك، المبادئ عند الله لا ثمن لها. فمن ينظر إلى التحريم على أنه منع شرب فقط، فلم يفهم شيئاً! لو توكلت على ﷲ وآمنت بحكمته وبعلمه، ستعلم أن كل منع هو في حقيقته عطاء. يقول ابن عطاء ﷲ السكندري: لو رزقت الفهم في المنع صار المنع عين العطاء. إن فهمت قيمة تحريم الخمر ستدرك أنه أنعم عليك بتحريمه.

(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٩٢)

بعد أن نهى الله عن أشياء صعبة تعودت عليها الناس مئات السنين، بل آلاف السنين، ذكّر المؤمنون بما أنهم آمنوا يجب عليهم طاعة ﷲ وطاعة الرسول ﷺ، وعندما توصل الآيتان ببعضهما (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ..) هذا نهي وطاعة، النهي عن شرب الخمر وعن الميسر والأزلام، طاعة لله وطاعة للرسول ﷺ (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) ولم يكمل الجملة، باقي الجملة محذوف، تستنتجه أنت (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا..) احذروا أن تقعوا في ما حرّم الله؛ لأن طبيعة الخمر والميسر أن ينزلق الإنسان فيها، يكون إيمانه ضعيفاً، ويصادف أن يقابل بعض شياطين الإنس من أصحابه، فيتحايلون عليه ليذهب معهم الخمارة، فيرفض الشرب، فيصرون عليه بشرب مشروب آخر ويجلس معهم، ثم يقنعونه بقليل من الخمر للتذوق فقط؛ فيقع فيها! لأنه لم يكن حذراً. لذلك قال الله في الأمور التي فيها إدمان، واحذروا! (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ واحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٩٢) احذروا الوقوع في المحرمات؛ لأنكم لو أعرضتم عن أحكام الشرع في القرآن والسنة، لن تضروا إلا أنفسكم، فالرسول ليس عليه إلا أنه كان يبلغكم بوضوح، وقد فعل (فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٩٢) فالنبي عليه أن يبلغك وليس عليه إقناعك. ولتشريف الرسول ﷺ أضافه الله إلى نفسه وبنون العظمة (رَسُولِنَا)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

10 Feb, 07:08


عندما سمع المؤمنون هذه الآية؛ قلقوا على إخوانهم الذين ماتوا قبل تحريم الخمر، ومنهم من مات والخمر في بطنه! فطمأنهم الله عليهم:

(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣)

قد تعترض على تسميتي للخمر بالمطعومات، وتكلمنا عن الطعام الذي صاحبنا طوال السورة، فأي شيء يأخذه الإنسان اسمه طعام. طعِم يعني أخذ؛ ولذلك رأيت أن أنسب سورة لوضع آية تحريم الخمر هي سورة المائدة، مع أن الخمر شراب وليست طعاماً. والدليل في سورة البقرة (فلما فصَلَ طَالُوتُ بالجنودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ومَنْ لَم يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ (٢٤٩) إذن فعل شَرِب سمي طَعِم، وللتوسع في استخدام فعل طعِم، فمن الوارد أن يقول الإنسان أنا منذ أسبوع لم أطعم طعم النوم.
(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) طالما أنها لم تكن محرمة في وقتهم فليس عليهم جناح، لا يلومهم أحد (ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا) من عاش منهم، وعلم بتحريم الخمر، وامتنع من شربها إيماناً بالله وطاعة له (ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا) واستطاع أنه يستمر على تقوى ﷲ ولم يقع في المعصية وأحسن في الاتباع، والإحسان هو أن تعبد ﷲ كأنك تراه؛ لأن الإنسان في الحرام يكون أكثر حرصاً إذا رآه الناس، فاحتمال أن يرتكب الإنسان معصية أو يشرب خمراً في حضور أبيه أو أمه أو حتى أولاده احتمال ضعيف جداً، ولكن قد يتجرأ على الحرام والمعصية وهو وحده، لكن المُحسن هو الذي يعبد ﷲ كأنه يراه، أي وهو وحده كما هو مع الناس؛ لأنه يشعر بأن الرقيب عليه هو ﷲ، لذلك سميت الطاعة في الخلوة إحساناً، عندما تطيع الله وأنت تخلوا بنفسك هذا هو الإحسان. لكن أن تقف وتقيم الليل أمام الناس، قد يكون فيها جزء لله! ولكن أن تختلي بنفسك وأنت تذكر الله وتقوم الليل، وتختلي بنفسك مع القرآن، فهذا هو الإحسان. عندما تكون وحدك وتشعر برقابة الله فأنت من المحسنين (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) في موضوع الخمر، وهذا أخذ مني ساعة أفكر فيه، مع أنها كبيرة من الكبائر، لم يهدد ﷲ بالنار ولا بالعذاب في الآيات؛ مع أن ورد فيها وعيد شديد، لكن جعل الله ترك هذا الشرب الذي تعلق به الإنسان إلى درجة شديدة، فكثير من الناس تتعلق فيه لدرجة شديدة، ولا يتخيلون حياتهم بدون خمر! جعل الله تركه في نظير حب ﷲ؛ جعل الاستمرار على تركه من الإحسان، وقال (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ركز؛ يجب أن تكون العلاقة رقم ١ هي الحب! فلم يتكلم عن العذاب في هذه المعصية مع أنها كبيرة من الكبائر!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

10 Feb, 07:07


https://www.youtube.com/live/P4DlA4bJQgI?si=_sLvgrMlsEC45H_q

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

10 Feb, 07:07


فيديو ٩٠٦ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة المائدة - الحلقة ٣٢ الآيات ٩٠-٩٣

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

09 Feb, 15:34


لماذا تنسى أهم قصة في القرآن كله!؟ القصة التي تضع أساس الحياة، قصة آدم وحواء مع الشيطان، في قصة آدم عندما أعلن إبليس تمرده، ولم يسجد لآدم كما أمره الله سبحانه، ولعنه الله، فماذا طلب من الله؟! في سورة الأعراف (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (١٢) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغرين)(١٣) طرده الله سبحانه من الجنة (قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أنظرني يعني انتظرني، أعطني مهلة إلى يوم يبعثون (قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ) ستُمهل (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖوَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)(١٧) إذن الهدف الرئيسي للشيطان أن يجعلنا غير شاكرين، ماذا تعني غير شاكرين؟! تعني كافرين، لأن الشكر عكس الكفر. ليرى أأشكر أم أكفر. هناك ما يسمى شكر النعمة، وما يسمى كفر النعمة، فلما تقرأ في الآية ٨٩ قول الله سبحانه (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) تعرف أنك لما تحفظ أيمانك وتتقلل القسم وتمسك لسانك، فتأخذ حذرك أن لا تحلف في كل حين، ولا تتسرع في القسم، أنت بذلك تنقذ نفسك من أن تصبح من حزب الشيطان غير الشاكرين لله، وتصبح من حزب الله الذين تكلم الله عنهم في نفس السورة، حزب الله من؟! (وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (٥٦) من صفات حزب الله هؤلاء الرئيسية أنهم شاكرون.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

09 Feb, 15:34


نحن كمسلمين نحتاج مصارف للصدقات والكفارات، يستفيد منها المسلمون وغير المسلمين أيضاً، لعدة أسباب منها: السبب الدعوي، فغير المسلمين لديهم أنشطة إغاثية كثيرة يستفيد منها المسلمون أيضاً، فمن باب المعاملة بالمثل، أنتم مثلًا أعطيتم لأهلنا في الصومال شيئاً، فالمسيحيون عندهم منظمات إغاثية توزع مالًا وطعاماً، وأنا أعلم جيدًا أن عندهم أجندة تنصيرية، لكن في النهاية الظاهر أنهم لا يفرقون بين الناس، وأنهم يعطون لجميع الناس. فأنت أيضًا يجب أن تظهر بهذا المنظر من ناحية دعوية، فيلزم أن يكون عندك مصارف، فمثلاً الزكاة يجب أن تكون للمسلمين، فأنت دائمًا عندما تُجمع التبرعات من الناس تعرف هل هذه زكاة أم لا؟! فيجيبك، ليست زكاة هذه كفارة كذا، فأكون على علم أني ممكن أن أخصص هذا المبلغ في ما يفيد مسلمين وغير المسلمين.

مثلًا خلال حرب البوسنة، بينما كنا نوزع معونات، وفي البوسنة لا تستطيع التفرق بين المسلمين والكرواتين، والكرواتيين الكاثوليك، لكن هناك منظمات كاثوليكية تعطي الجميع. إذن هنا أنا أستطيع أن أصرف من هذا المصرف، فنحن كمسلمين نحتاج معرفة المصارف التي يجب أن توزع على المسلمين، والمصارف التي فيها سعة أكثر ومرونة، فهذه مسألة لوجيستية بالنسبة لنا في العمل الدعوي (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(٨٩) وهناك من يريد أن يكفر عن يمينه وهو أصلاً فقير، ماذا يفعل؟! عليه الصيام، الصيام يعلم الإنسان أن يسيطر على لسانه، ويحسن أخلاقه، فلا يكذب ولا يعد ولا يخلف، وخلال الصيام يكون الإنسان متعباً، أليس عادةً ما يقول الصائم أنا غير قادر على الكلام؟! جميل؛ فالصيام مناسب جداً لهذه المسألة! حتى تتعود أن لا تتكلم وتضبط نفسك، وتمسك لسانك قليلًا، كي تسيطر على لسانك المرة القادمة. فالصيام ثلاثة أيام. طبعًا الجمهور على أن التتابع أفضل، فيصوم الثلاثة أيام متتابعات. وإن كان ليس شرطًا مثل القتل الخطأ، قال سبحانه في القتل الخطأ إذا أفطرت يوماً تعيد الأيام من جديد (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) ولكن في الكفارة لم يقل شيئاً، فممكن أن تكون ثلاثة أيام متفرقة، لكن الأفضل أن تشدد على نفسك قليلًا، فأنت لم تكسِ ولم تطعم ولم تحرر رقبة، وتريد أن تصوم ثلاثة أيام متفرقة كل شهر يوماً! عليك أن تركز أنت لماذا تفعل هذا؟! حتى يسامحك الله، فيجب أن تُري الله من نفسك خيرًا (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ)(٨٩) ومع ذلك ماذا قال جل وعلا؟! (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) أي ليس إذا كان لديك القدرة أن تطعم وتكسي الفقراء بسهولة لأنك غني، فتعقد الأيمان دون خوف، وكل شهر تكفر عن أيمانك! كلا؛ الكلمة لها قيمة في الإسلام (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) معناها قللوا الأيمان ولا تحلفوا كثيرًا. كثرة الحلف ليس من الأخلاق، ليس من المروءة (كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ماذا تشكرون؟! تشكرون نعمته، أن جعل لكم مخرجًا من أخطاء كهذه الأخطاء، كان يمكن أن يكون عقبها نار جهنم! لكنه جعل لك كفارة في الدنيا مفيدة للمجتمع وللفقراء ولك أنت أيضا، بأن تُزاح عنك العقوبة. فهذه وحدها نعمة من الله تشكره عليها. من منا فكر بأن من ضمن نعم الله علينا كفارات الذنوب كهذه؟! أنا متأكد أن أناساً كثر جدًا لم يفكروا فيها. أرأيت كيف أن نعم الله سبحانه كثيرة! مشكلتنا أننا أحيانًا نأخذ كلمة الشكر ببساطة وبسطحية شديدة، وننتبه عندما تُذكر الجنة أو النار، أو الكفر أو الإيمان، لكن التعبير لعلكم تشكرون لا نأخذه بجدية، نمر عليه بسرعة! مع أنه من المفروض أن يذكرنا هذا التعبير بالهدف الأساسي من وجودنا في الدنيا!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

09 Feb, 15:33


وهي من صفات المنافق، قال النبي ﷺ (أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ). بماذا يختص ثلاثة من هذه الصفات؟! الأمانة إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر! يفجر في الخصام، فالمنافق لا أمان له (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) (٨٩) كفارة تعني ما يغطي الوزر، جاءت من كلمة Cover الكفار هم الذين يغطون الأيمان. كفارة تعني ما يغطي الوزر الخاص بحلف اليمين، ما هي كفارته؟! إطعام عشرة مساكين. واختلف أهل العلم؛ هل يلزم العشرة أن يكونوا عشرة مختلفين، أم يصح مسكيناً واحداً لمدة عشرة أيام، أو مسكينين خمسة أيام؟! هناك خلاف، لكن الرأي الأقوى هو أن يمكن أقل من عشرة، ويكون عدة مرات، يعني واحد لمدة عشرة أيام، أو اثنين لمدة خمسة أيام وهكذا، لا مشكلة. ماذا ستطعمه؟! طعام رخيص؟! (إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) ماذا تعني أوسط؟! يعني من أحسن، تطعمون وجبتين، أي أكل يوم كامل. وجبتان إفطار وسحور، غداء وعشاء، يعني طعام كامل. الوسط هو الأفضل، في قصة أصحاب الجنة قال سبحانه (قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ)(القلم ٢٨) أوسطهم تعني أحسنهم (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) يعني من أفضل الأكل الذي تطعمونه لأهلكم، ماذا تطعم أهلك؟! أحسن شيء؛ تطعم أهلك اللحم، إذن ستطعم لحماً، بالتالي ستطعم عشر مساكين لحم، تطعم أهلك السمك، إذن تطعم المساكين سمكاً. وإن كنت لا تريد أن تطعم، وتريد أن تكسي، اكسي المساكين، المهم هو الفقير وليس مصلحتك أنت، أنت ترى الفقراء، وماذا يأكلون في البلد، قد لا ينقص الفقراء الأكل، لكنك ترى أن الفقراء في منطقتك ينقصهم ملابس، ملابس أولادهم مهترئة وغير مناسبة، أي أن الفرق واضح بين ملابسهم وملابس غير الفقراء، فأنت تقرر أنك لمصلحة الفقير ستكسيه. أو تحرير رقبة، أي تحرر عبدًا، تدبرنا في سورة النساء كفارة القتل الخطأ، وكان من ضمن الكفارة تحرير رقبة مؤمنة، والله سبحانه ذكر أنها يجب أن تكون مؤمنةً، أي العبد أو الأمة الذي يعتق يجب أن يكون مسلماً (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)(النساء ٩٢) كل رقبة ذكرت رقبة مؤمنة في كل موضع في الآية (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء ٩٢) ولكن كفارة اليمين في الآية ٨٩ من المائدة قال أو تحرير رقبة وسكت، لم يقل مؤمنة أم غير مؤمنة! الجمهور على أن الكفارات يجب أن تكون الرقبة مؤمنة، سواء حددها الله سبحانه أو لم يحدد، لكن أبا حنيفة أخذ بظاهر النص، في القتل الخطأ قال -سبحانه- رقبة مؤمنة، وفي اليمين وفي الظهار لم يقل. ماذا في هذه الأمور الثلاث؟! التكفير بتحرير رقبة، فبمجرد أن تعتق عبداً أو أمةً هذا يجزئ ككفارة. ولكن قد تقول: لو وجدت عبداً مسلماً وعبد غير مسلم، أكيد أن المسلم أولى بأن أضع مالي في تحريره. هذا أكيد وأبو حنيفة نفسه يرى ذلك أيضاً. لكن عندما تنظر إلى كفارة القتل الخطأ، انظر في حكمة الله سبحانه وتعالى، الأصل في الكفارة ماذا؟! أن تكفر عن ما أخطأت فيه، تعوض الذي أصيب بسبب خطئك بضرر، عن الضرر الذي سببته أنت، فتدفع دية لأولاد القتيل الذي كان يقوم عليهم. والأمة المسلمة التي أخذت منها روح إنسان عندما صدمته بسيارتك، فأنت تذهب وتأتي لها برقبة مؤمنة، لأن الحرية تساوي الحياة. أنت أخذت حياة إنسان، فأعطي للأمة المؤمنة رقبةٌ مؤمنة. فأنت بذلك قمت بزيادة عدد الأحرار في الأمة مقابل الشخص الذي نقص بسببك. لكن في كفارة اليمين أنت تعتق إنساناً لمجرد أنه إنسان. وليس معنى أن أبا حنيفة قال إنها تجزئ يعني بذلك أنه يفضل ذلك! أبو حنيفة لا يفضل ذلك، ولكن في الفقه لا مجال لإعمال العقل.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

09 Feb, 15:27


ولو أقسم شخص أنه لن يشرب اللبن أبدًا، فهذا ليس حرامًا، أن لا يشرب اللبن، لكن لو وجد أنه يحتاج شرب اللبن، وأن هذا سيضره صحيًا، والخير في غير ذلك، وأراد أن يحنث في يمينه يحنث ويكفر عنه. علمنا النبي ﷺ الأصل، ما هو الأصل؟! الأصل تعني الدليل، قال النبي ﷺ (مَن حَلَفَ علَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا منها، فَلْيَأْتِهَا، وَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ) أي فليحنث ويكفر عن يمينه. مثلًا من الناس التي خاضت في حديث الإفك، وهو الشائعات التي أثارها المنافقون حول السيدة عائشة، وأثاروا أنها وقعت والعياذ بالله في الفاحشة، من الناس الذين رددوا الكلام، فوقعوا في هذا أحد الصحابة، وكان اسمه مصطح ابن أثاثة رضي الله عنه، هو ابن خالة سيدنا أبو بكر، وكان ممن شهد بدرًا، فلما حصل الإفك وظهرت براءة السيدة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من فوق سبع سماوات في سورة النور، سيدنا أبو بكر -رضي الله عنه- أقسم أنه لن يعطي مِصطح نفقة، فقد كان أبوبكر يخصص له نفقة شهرية تقريبًا، سيدنا أبوبكر أقسم أن يمنعه هذه النفقة، أن أحداً خاض في عرض بنته، وعرض زوجة رسول الله ﷺ وأم المؤمنين، أقل شيء ممكن أن يقوم به أن لا يعطيه المال، لأنه لا يستحقه! فأنزل الله عز وجل (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (النور ٢٢) فقال أبو بكر؛ بلى والله أحب أن يغفر الله لي، فعفى وصفح عنه، لكن سأل النبي ﷺ كيف أرجع في يميني، لأني حلفت أن لا أعطيه مالاً؟! فقال النبي ﷺ: "كفر عن يمينك، ورد الذي كنت تعطيه لمصطح" اليمين الذي يكفر عنه يكون يميناً قيل بإخلاص، يقوله الشخص وهو لا ينوي أن يقوم بعمل شيء معين، أو بدون إخلاص، مجرد كلمة خرجت من الشخص لم يكن يقصدها. لكن اليمين الكاذبة الغموس، الذي يحلف على شيء كذب، ويعلم أنه يكذب، أو يعلم أنه سيخالف قسمه، قال بعض العلماء أنه ليس له كفارة أبدًا، غموس يغمس صاحبه في النار! لكن شخصاً يحلف على شيء أنه لن يقوم به أبداً، كأن يقول؛ في المستقبل لن أدخل بيت حماي وحماتي وحلف، طبعًا هذا خطأ، وسيضر العلاقات بين الأسرتين، فيكفر عن يمينه، ويدخل بيتهم. كذلك يجوز أن يقسم إنسان في حالة الاضطرار أيضًا، لإنقاذ حياة ناس من ظالم أو طاغية، فيكون اللغو هو اليمين على فعل شيء حرام، لكن يجوز في هذه الحالة أن ينقذ حياة الناس، وهذه المسألة فيها مصلحة كبيرة جدًا، فيها حياة ناس ونحوه. فاللغو هو اليمين على فعل شيء دون نية اليمين، يعني مجرد كلمة خرجت "والله لن آكل، لا أعلم ماذا والله.." وكلمة والله تقال كثيرًا للأسف، وهذا خطأ، لكن غير مقصود به الحلف، ولا مقصود به القسم، هذا لغو، يكفر عنه أيضًا، ويجوز الحنث فيه والرجوع في هذا اليمين، ويكفر عنه. اليمين الذي ترتب عليه معاملات تجارية، أو مصاهرة يعني زواجاً، يجب الالتزام بها! إذا أقسمت أنك ستشتري بيتاً في مدينة كذا، وبناءً على هذا اليمين ترتب زواجاً، لا بد من الوفاء بيمينك، فأنت أقسمت أنك ستعمل شيئاً معيناً، الكفارة لا تُحلك من هذا اليمين، حتى يحلك الطرف الآخر. فعندما يكون الأمر متعدياً لطرف ثالث، أنت لم تعد تقسم بينك وبين الله سبحانه، بل ترتب على ذلك معاملة تجارية أو مصاهرة وزواج على القسم الذي أقسمته. فإن أقسم الرجل قبل الزواج لزوجته أنه لن يتزوج بأخرى، طالما هي على ذمته، أصبح يميناً ملزماً، لأنه ترتب عليه زواج، وأصبح شرطاً في المعاملة، أو في العقد بينهما، والمؤمنون عند شروطهم، لا يستطيع أن يتزوج؛ لأنه أقسم على ذلك. لا يصلح أن يقول حسنًا أنا سأتزوج وأكفر، لأنه يلزم أن يحلك الطرف الآخر من يمينك، فتقول لك أنا أحلك من يمينك تستطيع أن تتزوج. والاتفاقيات التي تكون قبل الزواج هي أولى الاتفاقات بالاحترام، للحديث المتفق عليه عند البخاري ومسلم، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال (إنَّ أحقَّ الشروطِ أن تُوفوا به ما اسْتحْلَلْتُم به الفروجَ) إذا وضعت شرطاً، أو تم الاتفاق قبل الزواج أن المهر مئة ألف، تذهب وتدفع مئة ألف، فهناك إنسانة أسلمتك نفسها بهذا الشرط، لا يصلح أن تقول سأكفر! يلزم أن تحلك هي من يمينك، أنت اتفقت على أي اتفاق يلزم أن تنفذه. وهناك اليمين الغموس، وهو اليمين الذي تقسم على شيء، ونيتك عدم الوفاء بهذا اليمين، نية خيانة، نيتك عند الحلف كانت أنك لن تفي به، هذا اسمه خيانة وغدر.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

09 Feb, 15:27


٣١

(لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩)

المجتمع يصبح مجتمعاً سعيداً وقوياً، عندما تكون علاقات الناس قوية، ولا تكون علاقات الناس قوية إلا عندما يثق الناس في بعضهم، فمثلاً؛ يقال هذه بلد يتعامل الناس فيها بالكلمة، طالما وعدك شخص وعدًا بأن يقوم بشيء معين، إذن بالتأكيد سيلتزم بكلامه، هذا يعني أن درجة الصدق بين الناس عالية، وهذا يؤدي إلى أن يثق الناس ببعضهم، ويحترمون بعضهم جدًا، فيشعر الناس بالأمان في التعامل مع بعض. بينما عندما يقل التزام الناس وصدقهم ووفاؤهم بالوعود، يحتاجون قدراً أكبر من الالتزام بالكلمة، فيلجأون للقسم وللأيمان. فيصبح الناس يقسمون الأيمان كي يصدقوا بعضهم، لأن الكذب انتشر، والكذب من الأخلاق الذميمة حتى من قبل الإسلام، فهذه مسألة فطرية بفطرة الإنسان. الفطرة السليمة تعلم أن الصدق هو الحَسَن، وأن الكذب والخيانة والخداع هو القبيح! أبو سفيان عندما كان كافراً، سأله هرقل الروم عن النبي ﷺ فقال له الحقيقة، وطبعاً حقيقة النبي ﷺ أوصاف جيدة، أي أنه وصف النبي ﷺ وصفًا جيدًا لهرقل، فعندما انتهى قال له الناس الذين كانوا معه في القافلة، ماذا فعلت؟! أنت شكرت في محمد! قال لهم "خشيت أن تقول العرب أني كذّاب" فالصدق من الأخلاق ومن المروءة. لكن لو أن الناس لم يحترموا حتى القسم، سيكون هذا الأمر ضاراً جدًا بالعلاقات التي بين الناس، ستنتهي الثقة بينهم، كما يقال في المثل الشعبي (قالوا للحرامي احلف، قال جاء الفرج) أي أن اللص الذي لا أمانة عنده بالتأكيد سيحلف كذباً! فتخيل ماذا سيحصل عندما ينتشر الحلف الكذب في المجتمع. لذلك يؤكد الله سبحانه على أهمية احترام الأيمان -أي القسم والحلف- فما هو التناسب بين هذا الموضوع، والموضوع الذي سبقه؟! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨) أين نجد حسن التخلص؟! أين العلاقة بين الأكل والحلف؟! لأن الشخص عندما يحرّم على نفسه شيء، يقسم، ألم يقل الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ) ماذا يفعل الإنسان عندما يحرم شيئاً؟! يقسم أنه لن يأكلها، يقسم أنه لن يقوم بفعل معين، فيقول: والله العظيم لن آكل في بيتكم مرة أخرى -قَسَم- فالتحريم الحلال أدخلنا في القسم، لأنه عادةً ما يتم عن طريق القسم، والله لن أضع في فمي العسل مرة أخرى، هذا هنا قسم. فالقرآن يشرح أن هذا من اللغو، طالما لا يقصد به الحلف، وهو مجرد كلمة خرجت وقت الغضب، أو دون قصد، أقسم على عدم فعل شيء بالفعل. هناك ما يسمى يميناً غموساً، وهي التي تغمس صاحبها في النار، يستخدمها الشخص حتى يخرج من موقف، فيقسم وهو نيته أن يقسم كذباً، أو يقسم ونيته أن يحنث في هذا اليمين! طالما أن النية لا يقصد بها شيئاً من ذلك، إذن هو مجرد لغو. مثلًا شخص أقسم على عمل شيء، أو عدم عمل شيء، ثم يجد أن الخير في غير ذلك، هنا شرع الله -سبحانه- لنا ما يسمى بالكفارة، ما هي؟! مثلًا شخص يتحدث مع ابنه في مكالمة هاتفية، وقال له: لماذا تأخرت؟! ألم أقل لك أن لا تتأخر عن الساعة ١٢ ليلًا وتأخرت أكثر؟! والله العظيم لأذبحنك عندما ترجع إلى البيت! هل يلزم أن يبر يمينه؟! كلا طبعًا، لا يجوز أن يبر يمينه، هذا اسمه لغو، وهنا هو أقسم على شيء حرام، فيلزم أن يحنث في يمينه، يحنث في يمينه أي أنه لا يقوم بالذي حلف عليه، يجب أن لا يفعله، ولا يجوز أن يفعله، إذن ماذا يفعل؟! يكفر بالكفارة التي أخبرنا عنها الله سبحانه. أو مثلًا شخص أقسم يميناً بأنه سيصوم يوم العيد، لا يجوز أن يبر يمينه، لأن صوم يوم العيد حرام، يجب أن يحنث ويكفر عن يمنه بعد ذلك. مثلًا شخص أقسم يميناً أنه سيقاطع مسلماً، وقطيعة المسلم حرام، يلزم أن يحنث ويُكفّر عن يمينه.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

09 Feb, 15:26


فيديو ٩٠٥ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة المائدة - الحلقة ٣١ الآية ٨٩

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

09 Feb, 15:25


https://www.youtube.com/live/1PyOHiMVgY4?si=L4TJ5BspRsthiJH-

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

08 Feb, 09:09


الفطرة هي أن تكون قادراً على الحكم على الأشياء الواضحة، لا نحتاج الشريعة لتوضحها، أو تدلنا على تفاصيل الحرام والحلال، فالصدق لا يحتاج دليلاً على أنه حسن وجميل، والكذب والخيانة قبيحة، لا تحتاج دليلاً على أنها قبيحة، وهذه فطرة فطر الله الناس عليها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) لا يجوز أن تُحرّم أي شيء أحله الله لك، لكن الله قال (طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ) هل فهمت الآن ما هو دور كلمة طيبات، التي ظننت أن المعنى بدونها مكتمل! ولن يكتمل المعنى بدونها، كلمة طيبات ربطت الحلال بالحُسن وبالجمال، يجب أن ترى الحلال طيباً وجميلاً. الآية تربيك وتُشكل فطرتك بحيث تكون مشاعرك متوافقة مع شرع ﷲ. بعد ١٠ آيات تأتي آية تقول (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ (المائدة ١٠٠) لن يقول الحلال والحرام، فقد أصبح مفهوماً، ولكن الخبيث والطيب لا يستويان! لأنك تتربى تربية جمالية على قبول الطيب؛ وكره الخبيث. ويجب أن تكون قادراً على التفرقة بين الخبيث والطيب، حتى لو كان هناك شيء في الخبيث أعجبك، إياكَ أن تُخدع وإياكَ أن تستدرج.
انظر لروعة التربية الجمالية، لهذا يجب أن تكون الزاوية التي تقرأ منها الآيات فيها زاوية المشاعر، وأن تفهم كيف تتعامل الآية مع مشاعرك، ليس فقط معاني، بل مشاعر أيضاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) من يحرّم على الناس الحلال الطيب فقد اعتدى، أي تعدى حدوده، واعتدى على حق ﷲ في التشريع! من قال لك أن تُحرّم بدون دليل؟! وطبعاً نحن نعلم أن التحريم لابُد له من دليل، أما الحلال فلا يحتاج إلى دليل. لماذا؟! لأن الأصل في الأشياء الإباحة، إلا ما حُرِم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) لم يَقُل "فمن يفعل ذلك فله عذاب أليم" بل قال (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) لأن العلاقة بالله يجب ألا تبنى فقط على الخوف من النار والطمع في الجنة، بل يجب أن تُبنى أولاً على الحب أولاً! فنجد آيات تخاطب المؤمنين وتخوفهم من النار، وآيات تخاطب المؤمنين وترغبهم في الجنة وفي الفلاح والنجاح. وآيات تخاطب المؤمنين، وتجعل الهدف الأول هو حب ﷲ (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) لم يهدد الله المؤمنين، ولم يخوفهم بالعذاب، بل خوفه من عدم حبه! وهذا يجب أن يخيف الإنسان المرتبط بالله بوجدانه، وقلنا إن حب ﷲ الذي تحتاجه هو أن ﷲ يحبك، فما هي فائدة أن تُحب ﷲ وهو لا يحبك! لأن فيك خصالاً سيئة، لأنه ظالم مثلاً أو فاحش؟! بعض هؤلاء الناس يحبون ﷲ، ولكن الله لا يحبهم؛ لأنهم في ضلال.

(وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨)

لا تحرّموا على أنفسكم الحلال الطيب الذي أحله الله لكم، فالله أحل لكم الطيبات؛ لأن المشقة على النفس ومنعها من أكل الحلال الطيب تُتعب الإنسان مع الوقت، وأنت تحتاج إلى الترويح الحلال، وللمتعة الحلال وللطعم الحلال، وللرائحة الحلال. لماذا تحرم نفسك من متع الدنيا التي من الممكن أن تتقوى به على العبادة؟! إذا كانت بتوازن وبدون إسراف (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) الزهد ليس ترك الدنيا من يدك، الزهد هو أن تكون الدنيا في يدك لا في قلبك، الإسلام يريدك غنياً، وإلا فكيف ستخرج الزكاة للفقراء إذا لم تكن تمتلك أموالاً؟! كيف ستتصدق وتُطعم الجائع، وتكسو العريان لو كنت لا تملك المال؟! الإسلام يريدك غنياً، فتخرج الزكاة والصدقات، لكن الإسلام يُريدك لو ابتُليت بضياع أموالك لا تُصاب بأزمة قلبية، لأن هذا معناه أن المال له أهمية كبيرة في قلبك! المؤمن القوي يستوي عنده زيادة المال ونقصان المال، لأن المال اختبار، في زيادته ابتلاء، وفي نقصانه ابتلاء (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨) لماذا أنتم مؤمنون بالله؛ كي تتقوا مَن غيره؟! إن لم تتقِ ﷲ مَن تتقي؟! هذا هو هدف القرآن الأسمى بالنسبة للإنسان أن يجعله من المتقين (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) الهدف الأسمى للقرآن أن يجعل الإنسان المسلم تقياً، جعلني الله وإياكم من المتقين.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

08 Feb, 09:09


ولكن في يومنا هذا لا أسهل من قول "حرام" وأنا سألت ناس يُسمون "علماء"، ما دليلك؟! فيقول: إنه أخذ بالأحوط! وتجده لا دليل عنده. فلماذا تحرمون أموراً بدون دليل، ولو ظهر فيما بعد ليس حراماً والناس لم تفعله، لن نخسر شيئاً! وهذا الكلام ليس صحيحاً؛ لأننا لو فعلناه في كل أمر سيتحول الدين لمجموعة أحوطيات، ويصبح صعباً على الناس، وهو في الحقيقة أسهل وأيسر بكثير. أضف إلى ذلك أنك عندما تحرّم أموراً قد تكون حلالاً، وعليها آراء قد تجيزها، ولكنك استسهلت وقلت آخذ بالأحوط، وقلت عنها أنها حرام! وبعض الناس لن يستطيعوا التوقف عنها، ويستمرون بفعلها وهم يظنون أنها حرام، فأنت هكذا جرأتهم على شرع الله، مع أنه كان من الممكن أن يفعلوها وهم يظنون أنها حلال، لأن هناك رأياً أيسر. وهذا أخطر ما في الموضوع، أن يحرّم الإنسان ما هو حلال. لذلك من يُحل الحرام، فقد أدخل في الدين ما ليس منه، ومن يُحرم الحلال، فقد أخرج من الدين ما هو منه، وكلا الأمرين خطر جداً! لا يجوز أن تحرموا ما أحل ﷲ بحجة الزهد. أنت لا تريد أن تأكل أكل غالي، مع أنك قادرٌ على ذلك من باب الزهد على نفسك، لكن لا تُلزم أهلك بذلك! الزهد هو أن يبقى الطعام في الثلاجة أمامك وأنت تستطيع أن تسيطر على نفسك كنوع من تربية النفس، لكن لا تلزم أهلك بهذا، ولا تحرم عليهم ذلك. لا تقل لهم أنا لن آكل اللحم، وسأصبح نباتي Vegetarian لأنه حرام أن نذبح الدجاج! أن لا تريد أكل اللحم من باب السيطرة على شهواتك ورغباتك وتربية النفس، فهذا شأنك، لكن لا تحرّم الحلال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) حاول أن تحذف كلمة طيبات، وتقرأ الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا -- مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) أليس المعنى نفسه أيضاً! اقرأ الآية ٨٨ (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨) المهم أن يكون حلالاً، جرب أن تحذف كلمة طيباً واقرأ الآية ٨٨ (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا -- وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨) وهنا أيضاً المعنى نفسه أليس كذلك! كلا، ليس المعنى نفسه! لا يوجد حرف في القرآن زيادة، كل حرف وليس فقط كل كلمة له معنى وله أثر. عندما تكلمنا عن التربية الجمالية في القرآن، قلنا أن القرآن يجعل الإنسان يتذوق الجمال الحقيقي، وهذا يحمي الإنسان من الوقوع في فخ تزيين الشيطان للقبيح والمعصية، فيراها الإنسان جميلة، فتجد الله يتكلم كثيراً عن الجمال وعن التذوق، فيقيك شر الوقوع في فخ تزيين القبيح! في سورة النحل (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦) وكذلك (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨) الله -سبحانه- ذكر الزينة والتزيين والحلية كثيراً في القرآن (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا (الكهف ٧) وبعد أن ذكر الزروع والثمرات والشمس والقمر والنجوم، في سورة النحل (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ (١٣) فتتخيل ألوان الزروع والثمار، وقال عن البحر (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا (النحل ١٤) هذه التربية الجمالية في القرآن تجعل الإنسان ذواق، يتذوق الجمال الحقيقي، ويفرق بين الجميل والقبيح، حتى لا يقع فريسة سهلة للشيطان عندما يزين له القبيح! الشيطان لا يأمر بالمعصية أبداً، بل يزين المعصية (تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (النحل ٦٣) زين الشيطان للبشر أعمال سيئة، زين لهم القتل والسرقة والزنا، وكذلك فعل مع آدم وحواء، لم يقل لهما اعصوا ﷲ لأنه لا يستحق الطاعة! سيكون مجنوناً لو قال هذا الكلام، ولكنه زين لهم الأكل من الشجرة (وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (الأعراف ٢٠) قال لهم ستكونون ملائكة، لا يعصون ﷲ ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون؛ سوف تعصون الله -سبحانه- مرة واحدة؛ لكن لن تعصوه بعد ذلك أبداً، وسوف يصبح من السهل عليكم الطاعة؛ لأن الطبيعة الملائكية لا يوجد فيها شهوات تدفع الإنسان للمعصية، فيجمل القبيح. عندما يربيك القرآن على الجمال، تستطيع تقبيح القبيح وتحسين الحسن بفطرتك (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

08 Feb, 09:09


٣٠

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨)

واضح أن الخطاب القرآني بدأ موضوعاً جديداً يخص تربية المسلمين (لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ) - (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا) وسنتكلم فيه بالتفصيل. اعتدنا أن القرآن الكريم يمتاز بحُسن التخلص عند تغيير الموضوعات، فما العلاقة بين هذا الموضوع والموضوع السابق؟! وكان الكلام عن اليهود، والذين أشركوا هم أكثر الناس عداوة للمؤمنين، وأكثرهم مودة للمؤمنين هم النصارى الموحدون، ومنهم قسيسون ورهبان وأنهم لا يستكبرون، ما علاقة هذا كله بموضوع عدم تحريم الطيبات؟! (لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ) حدثنا الله في الآيات السابقة عن النصارى الموحدين، الذين يُكنون المحبة لنا، ومنهم قسيسون ورهبان، لكن إياكم يا أيها الذين آمنوا أن تتخذوا هؤلاء القسيسين والرهبان قدوة في كل شيء! فلا شأن لنا بأمور هم أضافوها لإرضاء ﷲ، فزهدوا في الدنيا أكثر من اللازم، ونحن ديننا دين الوسطية. في سورة الحديد (وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ (٢٧) بنية حسنة زادوا على الأمر القليل من الزهد والرهبانية، وابتدعوا بدعة تحريم الزواج على أنفسهم، نيتهم كانت خيراً، وهي إرضاء الله عز وجل، لكن الله -سبحانه- لم يأمر بهذا، ونحن لا نتعبد إلى ﷲ إلا بما شرّع، فالأصل في العبادة التحريم؛ إلا العبادات التي أَذِن بها الله عز وجل، فلا يجوز أن أعبد الله بطريقة معينة إلا لو عليها دليل.
والعكس في المعاملات؛ فالأصل في المعاملات أنها كلها حلال إلا ما حرمه الله، أي أنا لست بحاجة إلى دليل، لأثبت أن معاملة معينة حلال، لأن المعاملات كلها حلال، ولكن في العبادات، لا نقوم بعبادة إلا بدليل! فتأتي الآيات بعد آيات الثناء على النصارى الموحدين، تنبهنا وتقول لنا ليس معنى أن الله -سبحانه- أثنى عليهم أن تتبعوا كل شيء فعلوه! لأنه لا يوجد شخص كامل، أو لا يُخطئ. في الحديث الذي رواه أنس بن مالك، وهو متفق عليه في البخاري ومسلم، وهو موجود في الصحيحين "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي ﷺ يسألون عن عبادة النبي ﷺ فلما أُخبروا كأنهم استقلوها! وقالوا: أين نحن من النبي ﷺ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر! قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر أبداً، ولا أفطر وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله ﷺ إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم، له لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي، فليس مني" إذن ما هي سنة النبي ﷺ؟! سنته الوسطية، عدم الغلو في الدين؛ لأن الأمر يبدأ بالغلو -التطرف والتشدد- حتى يتغير الدين كله. وانتقد القرآن أهل الكتاب في سورة النساء والمائدة بسبب الغلو في الدين (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ (النساء ١٧١) (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ (المائدة ٧٧) هناك ١٦ نداء في المائدة، تبدأ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) وفي الآية ٨٧ هو النداء العاشر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٧٨) كان الأمر بعدم اتخاذ اليهود والنصارى الذين يسخرون من الإسلام أولياء. هنا الأمر بماذا؟! عدم تحريم الحلال، وليس عدم تحليل الحرام! (لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ) ولم يقل لا تحلوا ما حرم الله لكم! بل لا تحرموا ما أحل الله لكم، مع أن كلا الأمرين خطأ، فلا يجوز أن نُحل الحرام، ولا أن نُحرم الحلال، والمتوقع أن يقول الله -سبحانه- إياكم أن تحلّوا الحرام؛ لأن معظم الوقت يحل الناس الحرام، يحلّون الفجور ويحلّون الربا، ويحلّون المحرمات طبقاً لأوامر الحكام، ووصل الأمر أنهم يحاولون أن يحلّوا الشذوذ الجنسي! لكن الآية تتكلم في مسألة أخرى، لا تقل خطورة عن تحليل الحرام، وهي تحريم الحلال. هناك من لا يعلم في الإفتاء، ولا يعلم الحُكم الشرعي، وهذا أمر طبيعي، فكثير من الناس لا يعلم الحكم الشرعي، وكثير ممن لديه علم كذلك لا يعلم الحكم الشرعي، لكنه يخجل من قول لا أعلم! الإمام مالك جاءه وفد من اليمن في ٤٠ مسألة، قال في ٣٦ مسألة منها: لا أعلم! وهو الإمام مالك!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

08 Feb, 09:09


فيديو ٩٠٤ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة المائدة - الحلقة ٣٠ الآيتان ٨٧-٨٨

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

08 Feb, 09:08


https://www.youtube.com/live/fvcukjczL_w?si=Xvyq5Ey6OHWzWs2_

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

06 Feb, 11:55


(وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤)

كيف لنا أن نتردد في الإيمان بالله، ونكون مع القوم الصالحين! وهذا يفسر أن الشعوب الواقعة تحت الحكم الروماني، دخلت معظمها في الإسلام فوراً، مع أن الإسلام لا يُكره أحداً على اعتناقه، المسلمين حكموا الهند ١٠٠٠ سنة، وظلوا أقلية إلى اليوم، لكن البلاد المسيحية التي دخلها الإسلام أسلم معظمها فوراً؛ لأن الأريوسية كانت قد جهزتهم (وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤) شيء طبيعي أن نقبل الإسلام، فكيف لا نؤمن بالله! ونكون على يقين أن الله وصفهم في الآية ٨٢ بأنهم متواضعون لا يستكبرون (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) لا يستكبرون لأي درجة؟! ما هي درجة تواضعهم؟! انظر في ذيل الآية ٨٤ أصابنتي الآية بالذهول! (وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤) ليس كل أملهم أن يعتبرهم الله من الصالحين، هم في نظر أنفسهم أقل من ذلك بكثير، كل أملهم أن يدخلهم الله مع الصالحين، فعندما يدخل الصالحين يدخلون معهم، ولا يزكون أنفسهم! تدبر هذا الكلام يا مسلم، يا متكبر يا مغرور يا مَن تعجب بنفسك، ويا مَن تسمون أنفسكم ملتزمين متدينين! وإن أحدًا نادى عليك باسمك دون لقب دكتور أو أستاذ تتضايق وتأكل في نفسك!

(فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ َفِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥)

أنتم لن تدخلوا مع الصالحين، بل أنتم ستأخذون جزاء المحسنين، فهل يوجد إحسان أكبر من ذلك!

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (٨٦)

مَن هم الذين كفروا؟! ارجع ١٠ آيات (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٣) هل رأيتم الجريمة! عندما تُستخدم إحدى آيات القرآن في عكس معناها، فهذا تحريف معاني القرآن! وهذا لا يعني أن نعادي جيراننا من المثلثة أبداً، بل نعاملهم بالبر والقسط، وندعوهم إلى العقيدة الصحيحة كما أمرنا ﷲ، لن نقاتلهم ولن نتشاجر معهم لأنهم كفار؛ في سورة الممتحنة (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) أسأل ﷲ أن يرزقني وإياكم الفهم.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

05 Feb, 15:15


رابع كارثة ارتكبوها فاستحقوا عليها اللعن، هي موالاة الكفار التي نُهينا عنها (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (٨٠) اليهود كانوا يوالون الرومان الوثنيين، ويحرضوهم على قتل الأنبياء، ويوشون بالمؤمنين حتى يقتلهم الرومان. وفي زمن النبي ﷺ والوا قريش وغطفان، وشجعوهم على قتال النبي ﷺ والمسلمين، حتى يهود المدينة الذين كانت لهم وثيقة وعقد بينهم وبين النبي ﷺ خانوه، ووالوا الكفار الذين يعبدون الأصنام ضد الموحدين الذين يعبدون نفس الإله! أخبرني الدكتور صلاح النعمي أن اليهود لا يرون أننا نعبد نفس الإله بالنسبة لهم، وإنما هو إله لليهود فقط، لكن مهما كان من الواضح أننا أقرب إليهم من عباد الأصنام. لاحظ أن كل هذه الكوارث التي ارتكبوها فاستحقوا عليها اللعن، هي في حقيقتها نقض العقد والميثاق الذي بينهم وبين ﷲ، لذلك وردت في سورة العقود التي هي سورة المائدة؛ لأنها تبدأ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (١) ومرة أخرى في هذه السورة، يفصل الخطاب القرآني بين النفس وبين الإنسان، في الآية ٨٠ (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ) فهل هم غير أنفسهم؟! وهذه ثاني مرة يقدم فيها الله سبحانه النفس مفصولة عن الإنسان نفسه، أول مرة كانت في قصة ابني آدم (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ (المائدة ٣٠) وهو نفسه، لكنه فصل النفس لإظهار أنها العدو الأكبر للإنسان، لأنها موطن الشهوات والأهواء، موطن الأنا، المقصود بالنفس هنا هو الأنا التي تسبب الاستكبار. السورة تظهر خطورة النفس والأنا (كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (المائدة ٧٠) بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ: المشكلة كلها في هوى النفس! وفي الآية ٨٠ (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ) لبئس يعني لا يوجد أسوأ من هذا الأمر يمكن أن تقدمه النفس للإنسان، ويجدوه في صحائفهم يوم القيامة، فيحاسبون عليه، يعني النفس بشهواتها وأهوائها، شهوة السلطة وشهوة الشهرة وشهوة الرياء، وشهوة حب التملك وحب المال، قدمت لهم في صحائفهم أعمالاً سيئةً جداً، وماذا سببت؟! (أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (٨٠) سببت أن يسخط عليهم الله، غضب وسخط نفس المعنى تقريباً، إلا أن السخط نوع من الغضب لا يكون إلا من الكبير على الصغير، فعادة يكون مقروناً بالعقاب، فسخط عليهم يعني غضب عليهم غضباً سيصحبه نوع من العقاب. لكن الغضب مثلاً عندما يغضب موظف من مدير الشركة، يتوقف الأمر عند هذا الحد، أما السخط من الكبير للصغير، وممكن أن يقرن ذلك بالعقاب (أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (٨٠) إذن بسبب اتباع أهواء وشهوات النفس سيخلدون في العذاب. الذي كان ممكن أن ينقذهم من هذا العذاب؟!

(وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (٨١)

لو كانوا آمنوا بالله وبالنبي ﷺ وبالقرآن، كما آمن عبد ﷲ بن سلام، وكما آمنت صفية بنت حيي بن أخطب، وريحانة آمنت، وكثير من اليهود يقال منهم مخيريق، فيقال أنه آمن ووهب كل ثروته للنبي ﷺ ثم قاتل في أحد فقتل، ودخل الجنة قبل أن يسجد لله سجدة، وهذا كان يهودياً! وروي أن النبي ﷺ قال عنه مخيريق خير يهود. لكن لماذا لم يؤمن معظمهم؟! (وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) يحبون الفسق، أي الخروج عن طاعة ﷲ، وعن أوامر ﷲ. إذن الفسق هو شهوة من الشهوات، وهو أحد أهواء النفس، وهو نوع من التمرد والاستكبار، وهذه مشكلة في العبودية. وباقي السورة ترسخ فينا العبودية، ولا يخلو أحداً من كونه عبداً، الإنسان الذي لا يحب أن يكون عبداً مطيعاً لله سيكون عبداً مطيعاً لشهوات نفسه ولأهواء الأنا أو النفس.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

05 Feb, 15:15


فانتقل العهد بعد ذلك إلى بني إسماعيل، وظهر النبي ﷺ في العرب.
*ارجع إلى تدبر سورة التين فهي مهمة جداً.
ثالث كارثة١ ارتكبوها فاستحقوا بسببها اللعن (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ: لم يقل كانوا لا ينهون، يتناهون على وزن تفاعل، والتفاعل عمل من طرفين، في سورة والعصر يقول سبحانه (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا -وليس ووصوا- بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣) ليس المطلوب بأن أوصي، إنما المطلوب أن نتواصى ككل في المجتمع، يعني أنا أوصيك وأنت توصيني، أنا آمرك بالمعروف، وأنت تأمرني بالمعروف، أنت تنهاني عن المنكر وأنا أنهاك، فهذا كان خطأهم (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ) غلطتهم أنهم (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ) فلم ينهَ بعضهم بعضاً عن المنكر، كلاً منهم يرى المنكر ولا يتكلم، حتى لو لم يرتكبه. لكن ما الذي يجعل الإنسان يسكت عن النصيحة والنهي عن المنكر؟! الخوف من اللوم، وأن يقال عليه دقة قديمة، ورجعي، ويقولون عنه كذا وكذا فنسكت كي نكون politically correct السائد في مجتمع اليوم أن الذي ينتقد التطبيع مع الشذوذ يصبح متخلفاً ورجعياً، فنسكت! واليوم يوجد شركة عالمية كبيرة، سحبت توكيلها من رجل أعمال في دبي، لأنه انتقد بالقليل من التغريدات، وقال رأيه بموضوع الشذوذ، هذا الرجل ليبارك له الله؛ لأنه لم يخف في الله لومة لائم. كمن وصفهم الله سبحانه الذين يحبهم ويحبونه (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ (٥٤ المائدة) قُل الحق ولو كلفك حياتك! وأمرنا من خلال النبي ﷺ أن نبلغ رسالته كاملة، وإلا فكأننا لم نبلغ شيئاً (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ (المائدة ٦٧) فنحن لا نستطيع تبعيض الدين الإسلامي، لا يمكن أن نأخذ جزءاً ونحذف آخر. اللافت للنظر في الآية ٧٩ (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ) المعصية هي عدم فعل، عدم التناهي عن المنكر، معصية تركية، وليست فعلية، كترك العمل، مثل ترك الصلاة معصية بالترك، القتل معصية بالفعل، الخطير هنا أن الله سبحانه سمى ترك النهي عن المنكر بين الناس بالفعل (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩) مع أنهم لم يفعلوا ولم ينهوا عن المنكر، فسمى الترك فعلاً، لإظهار خطورته الشديدة الواضحة. الأمر اللافت أيضاً، أن معصيتهم لم تكن تركاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما ترك النهي عن المنكر فقط، لكنهم استمروا بالأمر بالمعروف. أليس هذا غريباً؟! لماذا؟! ما الفرق؟! أحياناً الأمر بالمعروف يكون مصدراً للرياء، مثلاً شخص يذكر الناس على الواتساب، وعلى الفيسبوك والتويتر بقيام الليل وصيام الاثنين والخميس، فالناس ستعتقد أنه بالتأكيد بطل العالم في قيام الليل، وفي صيام السنة والنوافل! فيكبر في أعين الناس، وهو طبعاً يعلم أنه عندما يقوم بهذا، فكل الناس يظنون أنه لا يضيع صيام الاثنين والخميس، ولا يفوت قيام الليل أبداً، فلو كان لا يقوم بها، سيكون عنده مشكلة كبيرة مع الله، لأن الناس ترى فيه أكبر بكثير مما هو عليه. المفروض هذه الأمور والنوافل يحث عليها مرة واحدةً فقط، ولا يستمر بالحث كل يوم ليظهر بهذا المظهر، هذا أمر خطير جداً. لكن لو كان ينهى الناس عن التعامل بالربا باستمرار، سيكون دمه ثقيلاً على قلبهم، مع أنه نفسه الذي يذكرهم بقيام الليل وبصيام النوافل، فهو في نظرهم شخص طيب، ويحبون أن يروه ويسلمون عليه، لأنه من الأولياء الصالحين، لكن لو أنه يذكرهم كل فترة، ويحذرهم عن التعامل بالربا، أو عن مشاهدة الأشياء السيئة، سيكون دمه ثقيلاً على القلب. إذن النهي عن المنكر لا يحقق الرياء، فالأمر بالمعروف يمكن أن يحقق الرياء، لكن النهي عن المنكر العكس.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

05 Feb, 15:15


(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (٨٠) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (٨١)

الآية السابقة كانت عن النصارى وغلوهم في السيد المسيح، والفقرة القادمة عن اليهود. وقلنا أن النقل من موضوع إلى موضوع اسمه تخلص، والقرآن يتميز بصفة حسن التخلص، فينقلك من موضوع إلى موضوع دون أن تشعر بالنقلة، ففي نهاية الكلام عن النصارى وبداية الكلام عن اليهود قال (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) مع أن بين داوود وعيسى أكثر من ١٠٠٠ سنة، فنقلك من الكلام عن النصرانية التي بدأت معهم بعد عيسى بن مريم، لليهودية التي كانت موجودة قبله بكثير، وذكر أن أفضل البشر وأرحم البشر وأحن البشر، وأكثرهم حباً للناس، وهم الرسل والأنبياء، لعنوا بني إسرائيل، يعني دعوا عليهم بالطرد من رحمة ﷲ، وفي هذا إشارة إلى قبح ما فعلوه، عندما يقول سبحانه (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى) فلا بد أنهم قاموا بكارثة ليستحقوا هذا اللعن! حتى سيدنا عيسى لعنهم! مع أن المسيحية أكثر دين يدعو للحب والتسامح، ومع ذلك لعنوهم! فما الذي استدعي كل هذا؟! أربع أمور أو أربع كوارث، اسمعها وافهمها وتدبرها واستفد منها يا مسلم، حتى لا تقع فيها فتصبح ملعوناً أنت أيضاً (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) هل ذلك لأنهم من بني إسرائيل؟! كلا، الله سبحانه لا يلعن أي أحد بسبب عنصره أو جنسه.
١- (ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا) المعصية
٢- (وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)
٣- (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩)
٤- (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) موالاة الكفار التي نُهينا عنها، ألم يقل لنا الله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ) نفس الأمر، هم اتخذوا الكفار أولياء.
(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا) ارتكاب المعاصي والتسابق والمسارعة إليها، فالموضوع ليس فقط ارتكاب المعاصي، بل كانوا يسارعون في المعصية! يقول سبحانه (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (المائدة ٦٢) وقلنا أن المسلم قد يقع في المعصية، لكن لا أن يخطط لها، هؤلاء كانوا يخططون لها، ويتسابقون إليها ويتفاخرون بالمعاصي! والحل حتى ننجو من هذا، أن نعمل العكس تماماً، في نفس السورة أمرنا سبحانه (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (المائدة ٤٨) هم يتسابقون للمعصية، لكن نحن نسارع في الخيرات، فنعمل عكس الشيء الخطير لنا، ونربي نفسنا عليه (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) العدوان معصية متعدية إلى الغير، ليست معصيةً بين العبد والرب فقط، كالقتل والسرقة وقطع الطريق، وهم بالغوا في العدوان، فقتلوا خير الخلق، قتلوا الأنبياء الذين اصطفاهم ﷲ. لاحظا (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى) ورد في الإنجيل، وقد ذكرنا القصة في تدبر سورة التين، أن السيد المسيح كان يمشي فوجد شجرة، فقال: هذه شجرة تين نذهب للأكل منها، لكنه وصل فلم يجد سوى الورق، ولم يجد أي ثمار فيها، فلعنها فيبست مباشرة. الناس لا تفهم أن هذه قصة رمزية، فيبدؤون بالسؤال: ما ذنب شجرة التين؟! ولماذا يلعنها فتيبس؟! ولكن هذه قصة رمزية، وشجرة التين ترمز لبني إسرائيل، فعندما لم يجد فيها الثمار، فهذا يعني أنها لن تنتج مؤمنين أكثر، فلعنها.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

05 Feb, 15:15


يقول الدكتور هايام ماكوبي Hyam Maccoby الباحثُ في التاريخ اليهوديِّ المسيحيِّ بجامعة ليوبيك Lübeck أكبرِ مراكز أُوروبا في الأبحاث اليهودية، يقول [إن بولسَ -وليس المسيحُ- هو مؤسس المسيحية كدين جديد، مستقل عن كلٍ من اليهودية التقليدية، والتنوع العَقَدِيِّ للنصرانية اليهودية -يعني من اتبع النصرانية من اليهود، وهم متبعو الدين المسيحي الصحيح، كالمسلمين أو كما نسميهم النصارى الموحدين- وأن هذا الدينَ الجديدَ قد نسخ التوراة، واعتبرها شريعة كان لها صلاحية مؤقتة. إن الأسطورة التي يتمركز حولها الدينُ الجديدُ أصبحت تبشر بوفاة الكائن الإلهي -فهذه العقيدة تقول إن الإله نزل وتجسد وصلب على الصليب أي أنه مات وانتهى، ودخل ثلاثة أيام للجحيم هل تتخيلون؟! وقال: إن الإيمان بهذه التضحيةِ، والمشاركةِ الأسطوريةِ في وفاة الإله، كونّت أو شكلّت الطريق الوحيد للخلاص، ولم يكن لدى المسيح نفسه أي فكرة عن ذلك، وأنه سيكون شيئًا غريبًا بل وصدمة، إذا عرفَ الدورَ الذي كَلَّفَهُ به بولسُ، وذلك باعتباره الإله المُعذَّب] أي أن كل هذا الكلام هو اختراع اخترعه بولس، وكانت مشكلة بولس أنه كان عدواً من أعداء السيد المسيح، ولم يقابله أبداً وجهاً لوجه، لكن بعد رفع السيد المسيح، حصلت معه مشكلة، فكان يريد الزواج ببنت كبير الحاخامات، لكنهم لم يوافقوا، وتزوجت بقيصر الروم، فكره بولس الروم وكره اليهود، وأخذ موقفاً ضد الاثنين. وبولس كان يهودياً، ومعه الجنسية الرومانية، فالروم كانوا يعطون الجنسية للبعض، لذلك كان لديه القدرة على التنقل بين البلاد، ومزايا أخرى غير موجودة عند باقي اليهود، وكان قد درس على يد أكبر فلاسفة الإغريق. ولذلك عندما قال إنه آمن بالمسيح، لم يدخل كشخص عادي ليتعلم، بل دخل كبيراً بينهم مباشرة، كشخص يحمل عدة شهادات دكتوراه! بين مجموعة من الناس، أكثر شخص منهم كان صياد سمك! ولذلك عظموه واتبعوه فكانت النتيجة كارثية، فبدأ بالتعديل بهذه الديانة لتعجب الأوروبيين، لأن الأوروبيين كانوا يكرهون اليهود، ولن يرضخوا للتقاليد اليهودية، فبدّل يوم السبت بالأحد، وهو نفسه يوم إله الشمس Sunday بما أنهم لا يريدون الاحتفال بالسبت مع اليهود، فليكن الأحد! ويريدون علامة ليفرحوا بها، فجعل لهم الصليب، والذي كان موجوداً أساساً عند الرومان. لا يريدون الختان، فألغاه! فكان الرجال يختتنون في الديانة اليهودية، وفي ملة إبراهيم عموماً. وكذلك أحلّ الخنزير وسمح بأكله! قبل أن ننتقل من الآية ٧٧ يجب أن نتدبر ونرى الرسالة المرسلة إلى قلوب المسلمين، حتى يأخذوا العبرة، هل عندنا غلو في فهمنا للدين؟! هل نتبع أناساً مضلّين أحياناً؟! وهي ليست دعوة لترك اعتقاداتنا، ولكن للتحقيق الكثير منها، الذي حصل فيها مغالاة، قد يكون عندنا اعتقاد صحيح، لكن تم تكبيره أكبر من حجمه، أو العكس، اعتقاد صحيح وتم تصغيره وتقزيمه، بحيث يأخذ أقل من حجمه، وكان الواجب أن نهتم به أكثر. إذن يجب أن نفهم فقه الأوليات، وفقه الموازنات وفقه المصالح، وما هو أولى من غيره. وطريقة تفكير الإسلام الموضوعية التي تعلمنا كيف نوازن بين الأشياء، كيف نوازن بين المهم والأهم، وبين غير المهم والأقل أهمية، وكيف نوازن بين المصالح والمفاسد. وبالنسبة لمن نتبعهم ونسمع لهم، إذا كان الذي يكلمك يأتيك بالدليل والبرهان من القرآن والسنة، أهلاً وسهلاً، لكن لا تترك أحداً يلعب بعقلك ويكلمك بدون دليل، كلام مرسل، ولو سألته عن الدليل يقول لك: الشيخ فلان قال، الشيخ فلان كلامه ليس دليلاً مهما كان اسمه! والدليل يعني قرآناً أو سنة، إنما كلام الشيخ ابن باز أو الشيخ القرضاوي، مهما كان عظيماً أو معروفاً ومشهوراً، كلامه يحتاج إلى دليل، فلا يمكن لكلامه أن يعتبر دليلاً، لأن الدليل لا يحتاج إلى دليل. أول ما تعلمته مع الشيخ القرضاوي، هو أنه لا أحد في الدنيا أعظم من أن يقال له: ما دليلك؟! هذا ليس عيباً! ونحن نقول هذا الكلام ونتدبره، حتى لا نقع فيما وقع فيه بنو إسرائيل، فلا نؤلف ديناً، لا تغلو في دينكم، الكلام هنا موجه لنا أيضاً (لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) فهناك الكثير من المُضلين.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

05 Feb, 15:15


٢٨

(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (٧٧)

هذه الآية وردت بعد توجيه الأمر للرسول ﷺ بأن يلوم أهل الكتاب، وتحديداً المسيحيين، على عبادتهم للسيد المسيح والسيدة مريم، ولا تسمعوا لأحد ينكر عبادة السيدة مريم، لأنهم جسدوا لها تماثيل في كل مكان، يسجدون ويركعون لها، ويطلبون منها ويدعونها "يا عذرا" فإن لم تكن هذه عبادة فما هي العبادة؟! وإذا سألتهم يقولون نحن لا نعبد السيد مريم! كل هذا لها وليس عبادة؟! فما العبادة إذن؟! (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦)

بعد أن أمر الله سبحانه النبي ﷺ بأن يسألهم (أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا) أمره أن ينهاهم عن الغلو يعني التطرف، وينهاهم عن اتباع القيادات الدينية الضالة (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) لا تتطرفوا، لا تتشددوا، والغلو في الحق مذموم، فما بالكم بغير الحق! المغالاة في الحق غير محبوب، فكيف بمن يغالي في الباطل! والقرآن هنا يصفهم بأنهم قد غالوا وتشددوا وتطرفوا في الباطل نفسه، وصلوا لأعلى مستوى في الباطل، وهذا يذكرنا بأواخر سورة النساء (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (١٧١) كان خطاب القرآن لأهل الكتاب مباشرة، لأن الله سبحانه يقول (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ) وليس قل يا أهل الكتاب، وهنا الأمر للرسول ﷺ أن يخاطبهم، ويوجه لهم لرسالة نفسها (قُلْ -قل يا محمد- يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (٧٧) الأمر هنا للنبي ﷺ أن يحذرهم من اتباع شيوخ الضلال، من أحبار ورهبان ضالين! وقول [ضعها في رقبة عالم وأخرج سالم! غير صحيح] في سورة الأحزاب قال سبحانه (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (٦٧) من الذي قال هذا؟! الناس في النار، أي أن الناس الذين يدخلون النار حجتهم أن سادتهم وكبراءهم قد أضلوهم، لن تنقذهم تلك الحجة! لو أن العالم أعطاك فتوى وأنت تشك فيها، وتشعر أنها غير صحيحة، لا تتبعها إلا عندما تتأكد، وهذا معنى حديث النبي ﷺ (استَفْتِ قلبَك وإن أفتاك الناسُ وأَفْتَوْك) العالم لو اجتهد وأخطأ، فله أجر على خطئه، لكن أنت لو اتبعت فتواه وأنت تشعر أنها خطأ، لكنك اتبعتها لأنها وافقت هواك، فأنت ستحاسب عليها. لكن كلمة تغلون يعني تتطرفون في شيء، معناها أن أصل هذا الشيء يمكن أن يكون صحيحاً، لكن حصل فيه مبالغة، وهذا صحيح هم أحبوا السيد المسيح، لكن المبالغة في الحب جعلتهم يؤلهونه، لذلك قال النبي ﷺ (لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) لا تبالغوا في الإطراء والثناء علي، ورفعة منزلتي أكثر مما يجب، كما حدث مع السيد المسيح جعلوه إلهاً وعبدوه.
اقرأ ٧٧ ولاحظ خطورة أئمة وشيوخ الضلال:

(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (٧٧)

زلة العالِم، يزل بها عالَم! (قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) ثلاث مرات وردت كلمة ضلوا! بولس ضل واخترع هذه العقيدة الغريبة، التي لا علاقة للمسيح بها أبداً، فأضلّ من بعده مليارات الناس.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

05 Feb, 15:14


فيديو ٩٠٢ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة المائدة - الحلقة ٢٨ الآيتان ٧٧-٨١

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

05 Feb, 15:14


https://www.youtube.com/live/p-ywMzZnSZM?si=nOs-3v51uU91eG7k

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

04 Feb, 08:52


قال الله في سورة آل عمران (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (٤٢) وذكر (اصْطَفَاكِ) مرتين، فقالوا: إن الاصطفاء والوحي عن طريق الملك، لا يكون إلا لنبي، فمرة اصطفاها لتكون أم المسيح، ومرة اصطفاها على نساء العالمين، وطهرها لتكون نبية. والجمهور اعترضوا بأمرين:
أولاً: قالوا أن الله قال في سورة يوسف (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ (١٠٩) أي ما أرسلنا قبلك يا محمد إلا أنبياء رجال.
ثانيًا: في المائدة قال (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) لم يقل نبية، صديقة ليس نبية.
فردوا على هذا الكلام بالآتي (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) من قال أنها رسولة؟! نحن قلنا بأنها نبية وليست رسولة، الآية تتكلم عن الرسل (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ) أرسل رسولًا برسالة. نبأ نبيًّا بنبوءة. إذن الآية تتكلم عن الرسل، فهذه الآية لا تنفي نبوة النساء. الرسول عبارة عن نبي طلب منه الله أن يذهب لقوم معينين، ينذرهم ويبشرهم، وهذا يعرضه للمخاطر الشديدة. أما النبي فهو إنسان أوتي علمًا، وليس بالضرورة أن يذهب ويُبلغ، من الممكن أن يجلس في بيته يُعلِّم ويُفتي من يأتي ليسأل، ويقضي بين الناس في المشاكل، بما آتاه الله من علم، ويحكم بين من يتحاكمون إليه. وهناك حديث ضعيف (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) لكن لو طُلِب من النساء أن تذهب وتُبلِّغ، ستواجه بأمور رهيبة، بالاغتصاب وليس فقط بالقتل، مثل الأنبياء والرسل الذين قُتلوا، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ولن يعرض الله نبياته لهذا أبدًا. هكذا رددنا على الاستدلال بالآية التي في سورة يوسف. تبقى لنا أن نرد على (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) وليس نبية، لم يقل نبية قال صديقة، وهل هناك ما يمنع أن يكون النبي صديقًا؟! هل يوجد صديق؛ نبي في نفس الوقت؟! ابحث في القرآن، ستجد القرآن يأخذك لآيتين (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا) وآية أخرى عن سيدنا إدريس (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا) يعني يُمكن أن يكون الصديق نبيًا، لا يوجد تعارض! المرتان الوحيدتان اللتان وُصف بهم الأنبياء بأنهم صديقون، كان في سورة مريم! (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (مريم ٤١) (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (مريم ٥٦) ولم يوصف في مكان آخر في القرآن أي نبي بأنه كان صديقاً ونبياً في نفس الوقت، إلا في هاتين الآيتين وفي سورة مريم! وهذا الأمر يُدرس بهدوء ودون تشنج، فإن كانت السيدة مريم نبية، ماذا سيضركم؟! لماذا يتشنج الناس، مع أن هذه مسألة فيها خلاف بين أهل السنة والجماعة، والمسائل الخلافية لا يصح فيها الإنكار على المخالف، والإمام ابن تيمية قال: لا يجوز الإنكار على المخالف في المسائل الخلافية. هناك من يتشنج بشدة، ولا يوجد طرف يُنكر على الطرف الآخر إيمانه برأي مخالف طالما هذا الرأي موجود.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

04 Feb, 08:52


(مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥)

المسيح ليس إلا رسولًا، وليس إلهًا، أتت قبله كثير من الرسل وماتوا. هل هذا تقليل من قدر المسيح؟! هناك فتاة مسيحية قالت لي: إنك تقلل من قدر المسيح! قلت لها: أنا أحبه، وأنه من أحسن خمسة مشوا على وجهه الأرض. قالت: إن هذا تقليل منه، وهو الله، فكيف تقول ذلك عليه؟! فأنت بذلك كأنك تسب المسيح. فقلت: أنا آسف جدًا، ولكن يجب أن أقول الحقيقة، هذه ليست إهانة أو سبًا للمسيح إطلاقًا، ونفس هذا التعبير قيل عن النبي محمد ﷺ في سورة آل عمران (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ.. (١٤٤) هذا في الأصل هو الطبيعي للرسل، ليست إهانة، بل بالعكس نحن نحب المسيح ونحب سيدنا محمد ﷺ ونحب سيدنا موسى، ونحب كل الرسل والأنبياء ونجلهم، لكن لماذا نبالغ فيهم؟! هذا لا يرضي الأنبياء أنفسهم، وهذه خيانة للرسالة التي حملوها. مشكلة المسيحيين أن سيدنا عيسى وُلِدَ دون أب، فمن يكون أبوه؟! فيقولون بالتأكيد الله سبحانه وتعالى! أمه صديقة، اختارها الله لتكون سبب وجود المسيح بمعجزة، بولادة عذرية دون تدخل من ذكر، وانتهى الموضوع. أي شيء في الدنيا خارق للطبيعة ليس مستحيلًا، لأن الله الذي خلق قوانين الطبيعة، هو الذي فعلها، اسمها معجزة. هو وهي ليس لهما طبيعة إلا طبيعة البشر العادية جدًا (كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ) دون الطعام سيموتون، سيدنا المسيح دون الطعام يموت، وسيدنا محمد ﷺ دون الطعام يموت، السيدة مريم دون الطعام تموت. بشر يحتاجون طاقة كي يتحركوا ويتكلموا، فيأكلوا، وطبعًا من يأكل يحتاج للإخراج؛ بشر عاديين، لكنهم أفضل البشر وأطهر البشر (انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) تعجب! القرآن يتعجب من أمرهم! انظر كيف نوضح لهم آيات ﷲ ومعجزاته، ومع ذلك انظر كيف يُصرفون (يُؤْفَكُونَ) مبني للمجهول، من الذي يصرفهم عن الحق؟! هم لا يصرفون أنفسهم، ولكن من يصرفهم؟! هوى النفس (كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ) هوى النفس يؤفكها، يصرفها عن الحق مهما كان واضحًا، وكذلك الذين ألَّهوا المسيح أيضًا هوى النفس، هوى النفس هو أخطر شيء على الإنسان.

(قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦)

أيقظهم! وقل لهم: هل من المعقول أن تعبدوا الذي يأكل ويشرب، لأنه يحتاج طاقة لكي يستطيع الكلام أو الحركة، بدلًا من أن تعبدوا ﷲ؟! تعبدون الذي لا يقدر على ضركم ولا نفعكم! المسيح وأمه، وسيدنا موسى، وسيدنا محمد، وكل الأنبياء وكل الرسل، لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا، ولا أحد منهم يملك أي شيء لنفسه هو، الله فقط هو الذي بيده كل شيء، هذا ليس تقليلًا منهم، ولا عدم احترام لهم، بل هذه هي بالضبط الرسالة التي حملوها للعالم كله. ماذا أمر الله نبيه محمد ﷺ أن يقول عن نفسه؟! في سورة الأعراف (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ ولو كنت أعلمُ الْغَيْبَ لاستكثرْتُ من الخيرِ وما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨) أنا مجرد نبي، من يريد شيئاً، فليتوجه إلى ﷲ بالعبادة والدعاء، فالله وحده هو القادر على إعطائك ما تريد (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) في الآية ٧٥ وصف ﷲ السيدة مريم بالصديقة، فقال (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) وشرحت أن أهل السنة والجماعة اختلفوا حول السيدة مريم، فهناك رأيين: رأي الجمهور بأنها لم تكن نبية، ولم يكن هناك نبيات نساء أصلًا. وهناك رأي عند بعض العلماء، أنه لا مانع من وجود نبيات، والأرجح عندهم أن السيدة مريم كانت نبية، واحتمال أم موسى كانت نبية، واحتمال السيدة سارة كانت نبية. فالذين ينكرون نبوة السيدة مريم، يقولون إن قال بمنتهى الوضوح (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) لماذا نزيد من عندنا ونقول أنها كانت شيء آخر، ونقول عنها نبيَّة! فالله قال عنها صديقة! ولكن ما زال هذا رأيًا من آراء علماء أهل السنة والجماعة، مثل رأي الإمام القرطبي، رأي ابن حزم، رأي أبو عبيدة بن المثنى، وهو أحد كبار المفسرين والفقهاء من جيل التابعين.. وغيرهم؛ قال: أنها طالما تلقت وحيًا جليًّا، الوحي الجليّ يعني بشر تكلمه الملائكة، فيكون نبي.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

04 Feb, 08:52


كفر من قال عن المسيح أنه كذاب، وكفر من ألهه! وهم من لم يكذبوا المسيح ولم يكرهوه، لكنهم بالغوا فيه وغالوا فيه، فقالوا أنه هو ﷲ، فهم كفار أيضاً، هل المسيح طلب من بني إسرائيل أنهم يعبدونه؟! (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) لكن ماذا قال للناس؟! (وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (٧٢) هذا ما قاله المسيح، وهو نفس الكلام الذي قاله النبي ﷺ، لذلك اسأل المسيحي: ما الذي أحتاج أن أفعله كي أنجو يوم القيامة وأُدرك الخلاص؟! وكي أدخل الجنة؛ ولا أدخل النار؟! سيقول لك: تؤمن بالمسيح إلهًا وتعبده. جميل جدًا! يعني هذا الذي فيه الخلاص وفيه النجاة؟! سيقول لك: نعم. هل تستطيع أن تخرج لنا نصاً واحداً في الإنجيل الذي في أيديكم اليوم، بعد كل الإضافات التي أضفتموها، وبعد كل التحريف الذي ندَّعي بأنكم حرفتموه، يقول أن المسيح قال للناس أنا ﷲ، أو اعبدوني! انتبه أن تقول لي لا يوجد! فإذا المسيح أتى لكي يخلصنا، والخلاص طبقًا لكلامك في أن أؤمن بأنه هو إله وأعبده، فكيف لا يقول ذلك؟! هل من المعقول أنه جاء وذهب ونسي أن يقولها لنا؟! غير معقول! كيف لا يوجد في الكتاب المقدس نصًا واحدًا يقول ذلك؟! تخيل (وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) البابا شنودة في كتابه الذي يُدرَّس في كل مدارس الأحد، قال [أن المسيح لم يقل أنا ﷲ، ولا قال للناس اعبدوني؛ لأنه لو قال ذلك، لرجمه الناس] وترك هذا الموضوع لتلاميذه يشرحونه من بعده، كلام غير معقول! لكن لماذا لم يقل له الله، والله يعصمك من الناس فقل وبلغ؟! فالمفروض عندهم أنه هو الإله نفسه! يعني الله سبحانه وتعالى قال لسيدنا محمد (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) يعني قم وبلغ، ولا تخبئ شيئًا، والمسيح خبأ ذلك كي لا يرجموه، وهو نفسه من المفترض أنه إله! وفي إنجيل متَّى السيد المسيح قال [فَصَلُّوا أَنْتُمْ هكَذَا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ] إذًا قال لهم أن يصلوا للآب الذي هو ﷲ، الذي في السماوات وليس له هو، فلم يقل لهم صلوا لي واعبدوني! وهذا هو الذي قاله القرآن (وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (٧٢) كجميع الرسل والأنبياء حذرهم من الشرك، وقال لهم أن عاقبة الشرك هو الحرمان من الجنة، ودخول النار، وما للظالمين من أنصار، نفس الرسالة بالضبط، نفس كلام موسى من قبله، ونفس كلام محمد ﷺ من بعده، هي رسالة واحدة، رسالة الإسلام.
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٣) سموا الله "الآب" وجعلوه ثالث ثلاثة، كلهم جعلوهم آلهة، درع الثالوث عندهم: وهو عبارة عن: مثلث به دائرة في المنتصف مكتوب فيه الله، وزوايا المثلث مكتوب بها: الآب، الابن، روح القدس، وكل واحد منهم هو الله، وليس أي منهم الآخر. وهم توصلوا بالنهاية إلى أنه لا يُفهم، ولكن يُؤخذ كما هو. أرسل الله رسالة مع المَلَك جبريل للرسول المسيح، بأن يعبدوا ﷲ وحده، فعبدوا ﷲ، وعبدوا المَلَك، وعبدوا الرسول. وسمُّوا ﷲ الآب، وسمُّوا الملاك روح القدس، وسمُّوا الرسول الابن، وهذا كفر (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ) والمفروض أنه لا يوجد غير إله واحد (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ) وما نهاية هذا الكفر؟! (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٣) الله سبحانه وتعالى يتوعد بالعذاب كل من يستمر في قول هذا الكفر في الاعتقاد. فهل من قال ذلك فقد هلك، وما الذي عليه فعله؟! كلا لم يهلك، ويستطيع أن ينقذ نفسه من الهلاك، ما دام أنه حي يرزق، فما زال لديه فرصة (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤) أمامه فرصة ليتوب ويرجع عن هذا الكفر، فإذا تاب، كل سيئاته تتحول إلى حسنات، فالله غفور، فهو يغفر أي ذنب مهما كان كبيرًا، رحيم يرحم كل إنسان تائب عائد إلى ﷲ، رحيم هو مصدر الرحمة في الدنيا كلها.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

04 Feb, 08:52


فعندما حصلت لهم بعض المصائب، لم يفكروا أن هذا قد يكون عقابًا من ﷲ عن الظلم الذي ارتكبوه في حق الدعاة والهداة المصلحين (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي حَسَبُوها، ولكنهم حسبوها خطأ، فعندما لم ينظروا للإشارات الواضحة والأدلة، تجرؤا. لماذا بعدما قتلتموهم حصلت لكم فتنًا؟! فبعد أن قتلوا هؤلاء الأنبياء، اجتاح نبوخذ نصَّر فلسطين واستعبدهم كلهم وأخذهم إلى العراق، وأُهِينوا، فلماذا حصل لهم ذلك عندما قتلوا الأنبياء؟! في سورة النساء (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (٩٣) من يقتل مؤمنًا عمدًا وظلمًا يغضب الله عليه ويلعنه. وفي سورة المائدة توعد الله الذين يقتلون النفس التي حرم ﷲ بالخزي في الدنيا (ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (المائدة ٣٣) يعني يُفشل كل مساعيهم، ويفضحهم ويُظهر كذبهم، ويُظهر فشلهم ويصبحون أضحوكة، بعد أن كانوا يكثرون الكلام فيما سيفعلونه، ثم نرى خزيًا، فالذي يحدث له كل ذلك، ألا يفكر أن هذا ممكن أن يكون فتنة من ﷲ؟! (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا) أغمضوا أعينهم عن الحق الواضح مثل الشمس، وعموا أنفسهم حتى لا يروا الحقيقة المُرة، وهي أنهم سقطوا في الامتحان الذي امتحنهم به الله. فيظل الظالم في السقوط المتكرر ولا يتوب؛ لأنه يُعمي نفسه عن الحقيقة! لماذا قدم الله العمى على الصمم؟! لأن الشخص إذا أغمض عينه أو أدار وجهه حتى لا يرى، يمكن أن ينبهه أحد فيقول له: انظر! انظر! ويمنعون أنفسهم من السمع (وَصَمُّوا) سدوا آذانهم، كي لا يسمعون ما يسمعونه، حتى التنبيه. هناك دعاة إلى الخير في كل زمان ينبهون الناس ويحذرونهم وينذرونهم، لكن الناس يعُمون أنفسهم، وتُصم آذانهم عنهم، فهم مرتاحون للضلال الذين هم فيه (ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) لكن الله سبحانه وتعالى رحيم، فتاب عليهم بأنه أرسل أنبياء آخرين، فتابوا واتبعوهم، ثم "عادت ريمة لعادتها القديمة" ومارسوا كل المعاصي التي نهى ﷲ عنها، ولما نزل بهم عقاب أيضًا (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) وأنه ليس عقاب من الله مرة أخرى؛ لأنهم لا يريدون أن يحاسبوا أنفسهم، فعموا مرة أخرى، وصموا مرة أخرى، هل كلهم؟! كلا، القرآن يعلمنا الموضوعية وعدم التعميم (كَثِيرٌ مِنْهُمْ) ليس الكل عاد ولكن معظمهم. لكن هل سيفرق الله بين الذين تابوا، والذين ظلوا على بغيهم؟! فقد تاب بعضهم ثم عاد إلى الضلال (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) لا تخافوا، الله يرى كل شيء يفعلونه، ولن يظلم أحد ولن ينسى أحد، كل شيء مكشوف. فالذين قتلوا الأنبياء وكذبوهم وحاولوا قتل المسيح هم الكفار؟! نعم، لكن على الطرف الآخر هناك من كفر بطريقة أخرى، ليس فقط الذين كذبوا المسيح وحاولوا قتله، هم الذين كفروا!

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (٧٢) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

04 Feb, 08:52


٢٧

سورة المائدة بدأت (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (١) والسورة كلها تذكير بالعهود والعقود والمواثيق التي أخذها ﷲ على عباده، وأهمية الوفاء بالعهود والعقود والمواثيق بين الناس بعضهم البعض، وبين الناس وبين الله، وفي الآية ٧ (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ) يذكرنا الله جميعًا بالميثاق الذي واثقنا به وهو الإيمان. ثم ذكر الله ميثاق بني إسرائيل الذي لم يحترموه (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا (١٢) ثم بَيَّنَ الله خطورة نقض المواثيق والعهود مع ﷲ، وذكر نتيجتها وأثر نقض العهود على بني إسرائيل (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً (١٣) ثم وصلنا إلى قمة العهود عندما قال الله تعالى لرسوله ﷺ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ (المائدة ٦٧) أي إن هناك عهداً أخذه ﷲ على النبي ﷺ هو أن يبلغ رسالته كاملة، دون أن يكتم منها شيئاً، وهذا أيضًا ميثاق على الرسول ﷺ وعهد على الرسول. في الآية ٧٠ يحدثنا ﷲ عن مدى تمادي بني إسرائيل في نقد ميثاقهم مع ﷲ:

(لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (٧٠)

ميثاق الله على الناس عمومًا، وعلى بني إسرائيل خاصة، لأنهم أمة أرسل الله فيهم رسلًا كُثر، وهذا الميثاق هو أن يؤمنوا بالله ولا يشركون به شيئًا، ويؤمنون بكتبه كلها، ورسله جميعهم، ولكن ماذا فعلوا بالرسل؟! كذبوا مجموعة منهم، وقتلوا مجموعة. ونلاحظ هنا أن الله عندما ذكر التكذيب (كذبوا) بصيغة الماضي، وعندما ذكر القتل (يقتلون) بصيغة المضارع، وكأن هذا تحذير للنبي ﷺ بأنهم ما زالوا يُقتلون حتى اليوم، ومازال الاستعداد لقتل الرسل موجودًا بداخلهم، وبالفعل حاولوا اغتيال النبي ﷺ، فقد صعد شخص جبان منهم فوق سطح بيت، وكان يريد أن يلقي بحجر الرحى -وهو حجر يستخدم لطحن الغِلال- على رأس النبي ﷺ وهو حجر ثقيل جدًا. فما الدافع الذي دفعهم لقتل الرسل؟! هوى النفس، وشهوة حب السلطة، شهوة حب جمع المال، وشهوة حب الشهرة، شهوة حب التميز عن الناس. فلا يريدون أن يتسلط عليهم أحد، ولا يترأسهم (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ >> بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ) أخطر عدو هو هوى نفسك! في سورة البقرة انتقدهم الله -سبحانه- قائلاً (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (٧٨) أيضاً هوى النفس! والحل مع هوى النفس هو إخضاعها بالتربية لأوامر ﷲ، وليس الاستكبار، فالمشكلة في هوى النفس، أنه يجعل الإنسان يستكبر.

(وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (٧١)

قد يسأل الإنسان نفسه: لماذا لم يفكروا في إمكانية أن ما فعلوه من جرائم وقتل للأنبياء، من الممكن أن يكون اختبارًا من الله -سبحانه- وتعالى، فتنة: أي اختبار (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) لم يخطر ببالهم أن يفكروا، فعندما يفكرون، يجدون أن هذا الرجل كان يدعو للخير، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر؟ لماذا يعتقدون أن شخصًا حاولوا قتله مثل المسيح أو سيدنا محمد ﷺ ليس بنبي، وأنهم يدَّعون النبوة؟! ما الشيء السيئ الذي فعله السيد المسيح؟! وما الشيء السيئ الذي فعله النبي محمد ﷺ؟! بل بالعكس كان معهم معجزات، والنبي محمد ﷺ جاء بالقرآن الذي لا يستطيع أن يتحداه أحد، ما الذي يجعلهم يفعلون ذلك؟! لماذا يعتقدون أنه كذاب، فكل كلامه دعوة إلى توحيد ﷲ وعبادته، والعطف على الفقراء، والوقوف مع الحق، والوقوف في وجه الباطل والظلم. ما السيئ في ذلك؟! ألم يفكر أحد منهم أن الوضع الذي هم فيه من الممكن أن يكون فتنة، أي اختبار، وفتنة يمكن أيضًا أن تعني عقابًا (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

04 Feb, 08:51


فيديو ٩٠١ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة المائدة - الحلقة ٢٧ الآيتان ٧٠-٧٦

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

04 Feb, 08:50


https://www.youtube.com/live/ra5JB0b6srk?si=kqzvfncKXLtiX37a

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

03 Feb, 09:34


(إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩) قلنا أن كل (لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) في القرآن لها قراءة أُخرى عند الإمام يعقوب بالفتح (فَلَا خَوْفَ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) وقلنا لا خوفَ بالفتح، يعني لا خوف إطلاقاً، إنكار لجنس الخوف، الخوف نفسه ليس موجودًا. مثال: إذا قال لي شخص اشتر سيارتي ٥٠٠٠ دولار. فأقول له: لا مالٌ معي، أي ليس معي مال يكفي. لكن لو قلت: لا مالَ معي بالفتح، سيكون المعنى ليس معي دولار واحد، أنا مُفلس، أي جنس المال ليس موجودًا. فما حكاية الخوف والحزن؟! الخوف يكون من المستقبل، كالخوف من الفقر ومن الظالم ومن العدو، والخوف من أشياء لم تحدث! أما الحزن يكون على ما فات، الحزن على مال ضاع، أو على حبيب مات، أو على شيء حصل في الماضي. فهؤلاء المؤمنون بالله واليوم الآخر، مؤمنين بقدر ﷲ، فيقبلون ويرضون بكل ما قَدَّرَهُ ﷲ، وقد يحزنون ولكن لا يبالغون في الحزن والخوف، لم يقل لا يخافون ولا يحزنون، بل قال (فَلَا خَوْفَ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) لأن المؤمنين يخافون، هم مؤمنون نعم ولكنهم يخافون؛ لكن المؤمن لا يخاف من عدو، أو من كافر، أو من فقر، أو من أقدار ﷲ، بل يخاف من ﷲ. في تَدَبُرْنا للآية ٢٣ (قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا..) هؤلاء هم الشجعان الذين شجعوا بني إسرائيل على الجهاد، وصفهم الله أنهم يخافون، أي يخافون ﷲ. إذن لا خوف عليهم يعني لا يُخَافُ عليهم من النار، نحن لا نخاف عليهم من النار والحساب! ولا خوف إطلاقاً عليهم، فلا يوجد عاقل أو مؤمن فاهم دينه يخاف عليهم أن يذهبوا إلى النار أو أن يعاقبوا، ولكنهم يخافون من الله. ولم يقل: لا حُزْنَ عليهم، لا نحزن عليهم من عقاب الله، لأننا نحزن عليهم على فقدهم مثلاً. خلاصة الإيمان بالقضاء والقدر في سورة الحديد (لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ (٢٣) فالإنسان لا يفرح بما أعطاه الله، لأن النعمة اختبار، وليس بالضرورة أنها مكافأة، ولا يحزن على ما فاته من أمور الدنيا، سواء مال أو أرض أو منصب، فلا تأس عليها، لأن ذلك قد يصيبك بضرر، أو يكون المال سببًا لطغيانك، والله يعلم هذا فيمنعه عنك. رُوِيَ عن النبي ﷺ أنه قال: (إنَّ اللَّهَ -عز وجلَّ- يحمي عبدَهُ المؤمِنَ من الدُّنيا كما يحمي أحدكم مريضَهُ الطَّعامَ والشَّرابَ) مثال: إذا كان لك قريب تُحِبُهُ، وهو مريض بالسكري في الدم، فأنت تُخْفِي عنه الكنافة والبقلاوة؛ لأننا نحبه ونعرف أن هذا الطعام سيضره، فلأننا نحبهم نخفي الأكل المضر عليهم، حتى لو كانوا يحبون أكله! كذلك الله -سبحانه- إذا كان يحبك وأنت فقير، ولم يعطِك المال، لأنه يعلم أن المال إذا زاد عندك سيطغيك، فحماك منه بحرمانك إياه! أيضاً التعبير دقيق جداً، لم يقل الله "ولا حُزْنَ عليهم" لأن الله قال للنبي ﷺ في سورة النحل، وفي سورة النمل (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ(٧٠ النمل) فنحن لا نحزن على المجرمين؛ لأنهم لا قيمة لهم، إنما المؤمن الصالح غالٍ، فنحزن عليه عندما نفقده، لكن هو لا يحزن على نفسه، فإذا مرض فذنوبه تقل، وإذا جاع رَق قلبه، وإذا مات قابل ربه، فقال "ولا يحزنون" ولم يقل "ولا حزن عليهم" فنحن نحزن عليهم لأننا نحبهم.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

03 Feb, 09:34


فتقيموا تعاليم التوراة والإنجيل والقرآن، وتطبقوها في حياتكم (قُلْ) يا محمد لأهل الكتاب في ذلك الوقت وهم يهود المدينة، أن يقيموا التوارة والإنجيل والقرآن الكريم (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا) أي سماع القرآن سيزيد معظمهم -كثيراً منهم وليس كلهم- لأن بعضهم يقرأ القرآن فيؤمن، لكن معظمهم يزداد في الطغيان والكفر. كفر بمن؟! بك أنت يا محمد، وبالقرآن، سيقولون عليك كذابًا ومُدَّعِي النبوة. تصور ماذا سيقول له بعد ذلك؟! (فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٦٨) أي لا تحزن عليهم. انظر إلى الفرق: هم يكفرون به، ويقولون عنه كذابًا ومُدَّعِيًا للنبوة، ويقولون عنه مجنون وكاهن، وهو يحزن عليهم؛ لأنهم سيهلكون أنفسهم، والنبي ﷺ كان يحزن عليهم؛ لأن لديه عاطفة إيمانية تجاه كل إنسان، وهذه من صفات المؤمن.

(إِنَّ الذينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا والصَّابِئُونَ والنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩)

بعد الآية ٦٨ التي تقول لليهود والنصارى، لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل والقرآن، أي -ما اُنْزِلَ إليكم- قد يأتي في ذهن الإنسان سؤال: ما مصير أجيال أهل الكتاب الذين لم يروا النبي ﷺ؟! فتأتي الآية ٦٩ تجيب عن هذا السؤال (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى) ولكن بشرط (مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩) أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، ومن هم الصابئون؟! هم الصابئة المندائية وموجود منهم أُناس حتى الآن في العراق، وهم أتباع سيدنا يحيى ﷺ وعندهم كتاب اسمه "كَنزا رَبا" ولما رآه سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وسمع ما فيه، اعتبرهم من أهل الكتاب، وأخذ منهم الجزية، وكذلك أفتى فيهم أبو حنيفة والشافعي، وهم أئمة عاشوا في العراق، وعاصروهم ورأوا كتابهم، وأفتوا أن يعاملوا معاملة أهل الكتاب، ومن ينظر في عقائدهم يجدها أنقى وأقرب إلى التوحيد من النصرانية، بل وربما تتفوق على اليهودية. هؤلاء الصابئة المندائية، وهم لا يعبدون الكواكب كما تقول بعض الكتب والتفاسير، ومن يعبدون الكواكب هم الصابئة الحرَّانية، وهؤلاء بعث الله فيهم سيدنا إبراهيم، وهم دين مختلف تماماً، لا علاقة له بالصابئة المندائية إطلاقاً، وكانوا يسمون أنفسهم بالصابئة الحرانية دوماً، وسموا أنفسهم صابئة في أيام الخليفة العباسي المأمون، كي يتركهم ويعدّهم كأهل الكتاب! والنقطة الأخرى هي أنه من ظاهر الكلام كلمة "الصابئون" كان يجب أن تكون منصوبة، فتصبح الصابئين لأنها اسم إن منصوبًا، فبالتالي "الذين آمنوا" اسم إن في محل نصب، فمن يعتقد أن "الذين هادوا" وما بعدها معطوف على اسم إن، سيُفاجأ من كلمة الصابئون، لأنها من المفترض أن تكون "والصابئين" لأنها جمع مذكر سالم، فانكشف بذلك لأي من يفهم اللغة العربية أن تكون مرفوعة. لاحظ (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا) يعني المسلمين (وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِر) أي من كان منهم مؤمن بالله وباليوم الآخر. هل هم الذين آمنوا وهم المسلمون مؤمنين بالله وباليوم الآخر؟! فلماذا يخصص الله منهم من آمن بالله واليوم الآخر؟! فكل المسلمين آمنوا بالله واليوم الآخر، إذن إن الذين آمنوا قائمة بذاتها. واسم إن هو "الذين آمنوا" فقط، وخبر إن محذوف تقديره "لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون" أو "لهم الجنة" مفهوم من السياق، إذن اسم إن هو الذين آمنوا، وخبر إن محذف، فأصبح "الذين هادوا" مبتدأ في محل رفع، "والصابئون" معطوف عليه مرفوع، والنصارى معطوف عليه أيضاً مرفوع. وهؤلاء الفئات الثلاث الذين خصص الله منهم، فمن ينجوا منهم؟! من آمن بالله واليوم الآخر، فلا تحزنوا عليهم، وهم من أهل الفترة الذين لم يروا النبي ﷺ، لذا هم أيضاً نجوا ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون مثل "الذين آمنوا" وهذا شرح تفسير ابن عاشور أفضل من فسر هذه الآية.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

03 Feb, 09:34


٢٦

وصلنا للحلقة ٩٠٠ من تدبر القرآن دون توقف والله يبارك فيمن واضب معنا، ولم نتوقف ٣ أعياد فطر و ٣ أعياد أضحى، فلم نتوقف حتى في يوم العيد، وكان من بعض ردودكم "أن القرآن هو الراحة، فكيف نأخذ راحة من الراحة" وأنا سعيد بذلك جداً، ويتقبل الله منا ومنكم.

(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٦٨)

نريد أن نفهم سياق هذه الآية، بماذا يذكرنا تعبير تقيموا التوراة والإنجيل؟! يذكرنا بالآية ٦٦ (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ) وكانت رداً على الآية ٦٤ (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ…) هم قالوا يد ﷲ مغلولة ويبخل علينا، لأنهم كانوا في ظروف اقتصادية صعبة، فقال القرآن أنهم لو أقاموا التوراة والإنجيل لبارك الله لهم ولرزقهم من كل اتجاه، وهذا خبر، يخبرنا القرآن نحن المسلمين أن أهل الكتاب لو كانوا أقاموا التوراة والإنجيل لبارك الله لهم في رزقهم؟! وبعدها قال الله للنبي ﷺ بلغ كل الرسالة، ولا تكتم شيئًا منها خوفاً من أن تُغضب أحداً، وإن كنت تخشى على أمنك وأمانك فالله يعصمك من الناس (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٦٧) وفي الآية ٦٨ أخذ النبي ﷺ الأمر، وقالها لهم في وجوههم، أنه يجب عليكم أن تقيموا التوراة والإنجيل "قُلْ" فعل أمر يعني قل يا محمد (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ..) بلغهم يا محمد، ليس الواجب عليكم أن تقيموا التوراة والإنجيل وتتبعوا ما أمركم به ﷲ كي تأكلوا من فوقكم ومن تحت أرجلكم فقط، فالوحي لا يؤخذ للبركة فقط، بل يجب أن يُطَبق، ومن لا يتبع الوحي فليس له دين أصلاً ولا تقوى "لستم على شيء" ركز؛ لأن هذا سينعكس على أمر خطأ نفعله في عبادتنا، فيجب ألا يكون هدف الإنسان من اتباع الوحي هو الأكل والشرب، بل هناك ما هو أهم وهي العلاقة بالله (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) لم يقل: قل يا أهل الكتاب لن يأتيكم الرزق من فوقكم، ومن تحت أرجلكم حتى تقيموا التوراة والإنجيل، لذلك يضايقني جداً فِهْمَ بعض الناس لآيات سورة نوح، وهم يستغفرون كثيراً من أجل الرزق! (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا ربكُمْ إنهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١) ويمدِدكُم بِأموالٍ وبَنِينَ ويَجعَل لَكُم جَنَّاتٍ ويجعل لَكُمْ أَنْهَارًا (١٢) فالناس فهموا أننا نستغفر الله كي يفتح علينا بركات من السماء، ويعطينا أموالاً وبنين، وهذا الفهم خاطئ، فسيدنا نوح يأمر الناس أن يستغفروا ﷲ بشكل أساسي، لماذا؟! ستقول لي: كي يرسل الله عليهم السماء مدراراً، ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لهم جنات وأنهاراً؟! سأقول: أنت لم تفهم المقصد الأساسي من الآية، ركز قليلاً، فسيدنا نوح يأمرهم بالاستغفار؛ لأن ﷲ غفار (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا) لأن الله غفار نستغفره؛ لأنه يغفر لنا، وهذا هو أهم شيء، يجب أن نركز على أن يُغفر لنا ونُرحم، فإذا غفر لنا بارك ﷲ لنا، وأرسل السماء علينا مدراراً، وأمدنا بأموال وبنين، وجعل لنا جنات وأنهاراً. الأساس أن نستغفر الله كي يغفر لنا، ولا أستغفر الله كي يمدني بالمال! لا تكون العلاقة مع الله بهذه الصورة إطلاقاً، هل سيفتح الله بركات السماء لكل من يستغفر؟! كلا، إلا لو قَبِلَ منه استغفاره، عندها سيغفر له ويبارك له.
نعو إلى الآية ٦٨ في ضوء هذا الفهم (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٦٨) لستم على دين؛ ولا تدين ولا تقوى (حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) حتى تقيموا أي تستقيمون، وتنفذوا الأوامر، وتجعلوها حقيقة في حياتكم.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

03 Feb, 09:34


فيديو ٩٠٠ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة المائدة - الحلقة ٢٦ الآيتان ٦٨-٦٩

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

03 Feb, 09:33


https://www.youtube.com/live/W_jjwzwb6qo?si=XaOBC2pAADCVkazr

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

02 Feb, 17:44


تدبر هذه الآية وضع نفسك داخلها؟! ينادي ﷲ النبي ﷺ بأي لقب؟! "يا أيها الرسول" إذن هناك رسالة ومرسل إليهم، أنا وأنتم المرسل إليهم، فنحن المسلمين مرسل إلينا النبي محمد ﷺ، فالله يناديه بصفته رسول يحمل رسالة لي ولك، ويأمره يبلغ كل الرسالة، وبلهجة شديدة (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) والنبي ﷺ فعل ذلك فعلاً. ولكن لماذا الله يقول له ذلك في آخر عمره، بعد أن انتهى من التبليغ؟! وهذا يجيب عن السؤال الذي سألناه قبل قليل، وأجلنا إجابته، وهو أن هذه الآية تحمل رسالة لي ولكم: أننا يجب أن نتبع هذا الدين كله، في العقائد والعبادات والأخلاق والأعمال، وليس لأحد أن يختار وينتقي ما يناسب هواه! وأهل الكتاب انتقدهم الله؛ لأنهم فعلوا ذلك، فقال عنهم (أفتؤمنونَ ببعضِ الكتابِ وتكفرونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزيٌ فِي الحَيَاةِ الدُنْيَا وَيَوْم القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ (البقرة ٨٥) إذن نحن مأمورون باتباع الدين كله، والنبي ﷺ مأمور أن يبلغ الدين كله. ثم قال له الله (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٦٧) الله هو الحافظ، وهذه الآية من دلائل النبوة، لأن النبي ﷺ كان له حرس، فكان بعض الصحابة يحرسون النبي ﷺ ويقفون على باب خيمته ليلاً، وفي أثناء السفر وفي الغزوات، لأنه عُرْضَة للاغتيال. تذكر السيدة عائشة أنهم كانوا داخل البيت، وسمعوا خشخشة السلاح خارج الباب، فقال النبي ﷺ: من في الباب؟! فقال: أنا سعد بن أبي وقاص. وجاء سعد متطوعاً ليحرس النبي ﷺ بنفسه. وكان هناك محاولات لقتله، ولكنها فشلت والحمد لله. فقد كان بعض الأنبياء يُقْتَلُون فلا يوجد ما يمنع من أن النبي ﷺ يُقْتَل. وبعد نزول (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) أمر النبي ﷺ حراسه بالانصراف، وهذا دليل على صحة نبوته، فلو كان يدعي النبوة لما صرف الحراس! قالت السيدة عائشة رضي ﷲ عنها: قال النبي ﷺ بعد أن نزلت هذه الآية قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْصَرِفُوا، فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ) بالتأكيد لن يؤلف آية تجعل الحرس ينصرفون عنه، ويُعَرِّض حياته للخطر، ولقال حديثاً يأمر فيه الصحابة أن يحرسوه! خاصة أن حينئذ تكررت محاولات لاغتيال النبي ﷺ، فقد حاول ١٤ من المنافقين ملثمين أن يغتالوه في طريق العودة من تبوك. فلو كان ﷺ مدعياً النبوة لألَّف آية تقول "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحرس النبي من الأعداء" وليس العكس، لكن هذا كلام ﷲ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

02 Feb, 17:44


(وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٦٤) الإيمان بالله سبب كبير جداً للوحدة بين الناس، وكلما ابتعد الناس عن الوحي وعن الدين، كلما ازدادت الخلافات بينهم، ووصل الأمر إلى العداوة والكراهية. أهل الكتاب بينهم كراهية تاريخية، بين اليهود والمسيحيين، وبين اليهود بعضهم بعضاً، وبين المسيحيين بعضهم بعضاً، وحاولوا أن يشعلوا نار الحرب مع المسلمين أكثر من مرة وأطفأها ﷲ، وظهر ذلك بعد أن طُرِدُ بنو النضير من المدينة، فجمعوا ١١٠٠٠ رجل من قبائل العرب، وحاصروا المدينة واستمر الحصار شهراً، ولو نجحوا لاستُأصل الإسلام تماماً، ولكن الله هزمهم وحده بالريح (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٦٤) ستجدهم دائماً وراء الفساد في كل مكان، فالله أمر الإنسان بإعمار الأرض، وهم يفسدون فيها.

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥)

ضيعوا فرصة كبيرة جداً؛ لأن العقل فالمنطق والعقل يقول إنه عندما يبعث الله نبياً مثل محمد ﷺ في منطقة مثل الجزيرة العربية، فيها عُبَّاد أصنام، فالمفروض أنهم أول من يؤمن به؛ لأنهم من المفترض أنهم موحدون وليسوا عُباد الأصنام، ولكن ما حصل أن معظمهم كفر به، ومعظم من آمن كان من عَبَدَ الأصنام (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) في الآخرة كانوا سيدخلون جنات النعيم، وفي الدنيا كانت ستفتح عليهم بركات من السماء والأرض.

(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (٦٦) شرحناها سابقاً.

(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنزِلَ إليكَ مِنْ رَبِّكَ وإن لَم تَفعَل فما بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهدِي القَوْمَ الكافرينَ (٦٧)

(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ) مرتين ذُكِرت في القرآن، وكلها في سورة المائدة. هذه الآية أُشكِلَت على المفسرين؛ لأن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن، وفي الشهور الأخيرة من الدعوة، وقال الله فيها (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (٣) أي أن النبي ﷺ قد بلغ الرسالة. ولو نزلت في بدء الدعوة في مكة، أو حتى قبل ذلك بسنوات في بداية المرحلة المدنية، لقلنا إن الله يشجع النبي ﷺ على البلاغ دون خوف، لكن لماذا في هذا الوقت الله يقول ذلك للنبي ﷺ؟! (بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ) الرسول بلغ وانتهى! سأؤجل الإجابة عن هذا السؤال قليلاً. لكن لننظر أولاً هل النبي ﷺ لم يُبَلِغ فالله يأمره ليبلغ؟!
مثال: لما أب يرى ابنه المجتهد في الدراسة أن يدرس، فيقول له ادرس، ادرس. هل معنى هذا أن الولد لا يدرس، والأب غاضب منه؟! كلا، بل هو يشجعه على الاستمرار في الدراسة. فلما يقول الله للنبي ﷺ بعد ما أكمل له الدين، وأتم له الرسالة، ونزلت الشريعة، فيقول له بَلِغ! يعني استمر في البلاغ حتى آخر نفس، وتظل رسالة للمؤمنين، أننا يجب أن نستمر في التبليغ لآخر نفس في حياتنا. أيضاً مجيء هذه الآية في وسط الكلام عن اليهود والنصارى من نعيش معهم في كل مكان، له قيمة مهمة جداً، وهو أن القرآن صريح في بيان فساد عقائدهم، فبعض الدعاة سيحاولون أن يميعوا الخطاب، ويقولون أننا كلنا على صواب، ويمكننا الوصول لإرضاء الله بأي طريق، سواء الإسلام أو اليهودية أو المسيحية، وذلك لإرضاء الجميع. لا تحاول يا محمد تغير الرسالة وبلغها كما هي، ولو غيرت شيئاً فيها، فكأنك لم تبلغها أصلاً، لأن الإسلام غير قابل للتبعيض، فلا تبلغ بعض الدين وتكتم البعض، كي تُرضِي غير المسلمين أو خوفاً منهم (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) نداء (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ) تكرر مرة أخرى في هذه الآية، فنادى الله النبي ﷺ بهذا النداء مرتين في القرآن وفي المائدة، المرة الأولى الآية ٤١ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) والمرة الثانية في الآية ٦٧ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

02 Feb, 17:44


(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا) ماذا يعني ذلك؟! هل القرآن سيُزِيد الطغيان والكفر عند الناس؟! هل هذا معقول؟! أليس من المفروض أن يُزِيد التقوى والإيمان؟! إن العسل طعام طيب ومفيد جداً، وفيه شفاء للناس، لكن إذا كان في الجسم مرض كالسكري، لو أكل مريض السكر عسلاً سيضره، إذن المشكلة ليست في العسل، وإنما المشكلة في الجسم المريض. وكذلك القرآن شفاء ومفيد للقلب، ولكن مفيداً للقلب الصحيح المستعد لتلقي القرآن، والقلب المتواضع المتدبر الذي يبحث عن الحكمة والعلم، أما القلب المتكبر، فلن يفيده القرآن، بل سيزيده كِبر، ويزيده كفراً وغروراً، وشرحنا هذا المبدأ في سورة البقرة (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (٢٦) هل يضل الله بالقرآن كثيراً من الناس، ويهدي بالقرآن كثير من الناس؟! كيف يضل القرآن أي إنسان؟! في آية المائدة (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ -هو القرآن- طُغْيَانًا وَكُفْرًا) كيف؟! ارجع لمثال البعوضة في سورة البقرة، المثل بالبعوضة هو أن الدنيا لا تساوي عند ﷲ جناح بعوضة، وقد وَرَدَ ذلك في السنة، وربما يفهم إنسان الحكمة من هذا المثل، وقد لا يفهم إنسان آخر الحكمة، حتى لو كان مؤمناً، ليس بالضرورة أن يفهم المؤمن كل شيء، قد يحصل أن المؤمن يسمع آية ولا يفهمها. لما أسمع آية فيها مثال ولا أفهم هذا المثال، ماذا أفعل؟! أقول يا ربي فهمني. ابن تيمية كان لما تستصعب عليه مسألة، ويفكر فيها كثيراً، ولا يجد الإجابة، كان يذهب إلى المساجد المهجورة، ويدخلها ويصلي فيها، ويُعفّر وجهه في التراب تواضعاً لله ويقول: يا معلم آدم علمني، يا معلم إبراهيم علمني، يا معلم محمد علمني. ما معنى ذلك؟! أنه واثق من وجود حكمة، لكنه غير قادر للوصل إليها. فالمؤمن لا ينتقد كلاماً ﷲ أبداً، والمؤمن يعلم أن الحكمة موجودة، لكنه لم يجدها. أما الكافر المتكبر، فيقول: لا توجد حكمة، بل يوجد أخطاء في القرآن (فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) صحيح قد يكون مثال البعوضة أَشْكَلَ عليَّ قليلاً ولم أفهمه، لكني متأكد أن هذا هو الحق من ربي، حتى لو كنت لا أفهمه. أما الكافر (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا) الكفار يسخرون من القرآن، ويسخرون من كلام ﷲ، وهذا ضلال. ما الذي سبب ضلالهم؟! مثال البعوضة هو من القرآن، فهل القرآن أضلهم؟! أكمل الآية (يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا) حسب حالة الإنسان النفسية، التي يقترب بها من القرآن، فإذا دخل بحالة تواضع كالتلميذ يريد أن يتعلم فالقرآن سيُعَلِمه، أما إذا دخل متكبراً على القرآن فلن يتعلم شيئاً، بل القرآن سيضله! فالله يضل بالقرآن كثير من الناس، ويهدي بالقرآن كثير من الناس وهذا كلام مخيف. وما الضمان أني لو قرأت القرآن سأهتدي ولن أضل؟! هل نخاف من قراءة القرآن؟! كلا، لا تخف، أكمل الآية (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ) الإنسان هو من يحدد، أيهتدي أم يضل؟! فمن يقترب من القرآن بأدب المتعلم ويريد أن يصل إلى الحكمة، سيعطيه القرآن الحكمة، ومن يقترب من القرآن اقتراب المستهزئ الباحث عن أشياء يسخر منها، ويستغلها في الصد عن سبيل ﷲ، سيعطيه القرآن ذلك!

قبل بضع سنوات كان هناك برنامج أسبوعي لأحد الملحدين مع مُنَصِر، وكل أسبوع يختاران آية من القرآن، يسخرون منها ويستهزؤون بها، فسألت نفسي: لماذا هؤلاء يقرؤون القرآن، ويختارون آية كل أسبوع يستهزؤون بها؟! لماذا لم يهدهم القرآن، طالما أن القرآن كتاب هداية؟! فوجدت إجابتي في هذه الآية! القرآن يهدي من يطلب الهداية، ويضل من يطلب الضلال، ماذا تريدون؟! هل تريدون السخرية؟! خذوا هذه الآية (كهيعص) هيا يا تافه أنت ومن معك، اذهب واعمل عنها حلقتين في اليوتيوب وقل كهيعص! الدنيا هكذا، من يطلب شيئاً يأتيه! فمن طلب الهداية تأتيه الهداية، ومن طلب الضلال يأتيه الضلال.

ارجع إلى الآية ٦٤ (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا) حسداً للنبي ﷺ فكلما ينزل عليه الوحي وتنزل سورة، يشعرون بالحسد والبغضاء والكراهية، فيزدادون طغياناً وكفراً. كُفْر بالنبي ﷺ وبأدلة نبوته التي تتحقق كل يوم أمام أعينهم، وطغياناً لأنهم يحكمون بغير شرع ﷲ، ويخالفون تعاليم حتى التوراة.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

02 Feb, 17:44


٢٥

(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٦٤)

في الثقافة اليهودية هناك احترام كبير جداً لله، لدرجة أنهم لا يقولون اسمه أبداً، بل يقولون "هاشيم" يعني الاسم، وفي كتبهم الإنجليزية لا يكتبون GOD كاملة، بل يكتبونها G-D لكن العجيب جداً أنهم يَصِفُون ﷲ بالنقص في الكتاب المقدس، ويقولون إن ﷲ ندم؛ لأنه أخطأ باختيار طالوت! (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ (البقرة ٢٤٧) طالوت عندهم في الكتاب المقدس اسمه شاؤول، وباقي القصة في الكتاب المقدس هي أن الرب اكتشف أنهم كانوا على حق في رفض طالوت، واكتشف أنه أخطأ وندم! (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) كلمة يد فلان مغلولة: تعني هو بخيل لا ينفق، وممسك للعطاء والمال، في سورة الإسراء (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (الإسراء ٢٩) أي لا تبخل لدرجة عدم الإنفاق، ولا تفرط وتبذر. لما حدثت في المدينة بعض الظروف الاقتصادية، وتأثرت تجارة اليهود، فقال "بعضهم" وليس كلهم (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) أي وصفوا ﷲ بالبخل. لماذا قال الله (وَقَالَتِ الْيَهُود) وعمم، مع أنه ليس كل اليهود قالوا ذلك؟! لأن الباقيين لم ينكروا عليهم، وقبلوا أن يُقال هذا عن ﷲ عز وجل! والمفروض لما نسمع إساءة مثل تلك بالذات الإلهية ماذا نفعل؟! (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا) هذا دعاء. لكن هل الله يدعو؟! كلا، الله لا يدعو، ولكن عندما الله يدعو في القرآن، فهو يعلمنا هذا الدعاء. فلا نكن كباقي اليهود الذين سمعوا الإساءة إلى الذات الإلهية، وسكتوا! فأصبح حكمهم حكم من قالها (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا) دعاء عليهم (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) وبعد أن ندعو عليهم رداً على إساءتهم، يجب أن نُقِر بأن ﷲ كريم جواد واسع (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) ولو قلت لهم ذلك، سيقولون فلماذا لا يكرمنا ويرزقنا وحالنا تغير للأسوأ؟! فيرد عليهم القرآن في الآية ٦٦

(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (٦٦)

الله سبحانه خالق هذا الكون، أعطانا إياه، وأعطانا طريقة استخدام، كي نعرف استخدامه، ونستفيد منه أقصى استفادة. مثال: لو اشتريت سيارة جديدة، فإما أن تجلس وتكتشف كل ما فيها وتجرب، وقد تُصيب وقد تُخطئ، أو أن تقرأ تعليمات المصنع، وتعرف كل زر فيها، وما هو عمله، فتستفيد أقصى استفادة من السيارة عندما تطبق التعليمات. هذه التعليمات هو الوحي، فلو أن أهل الكتاب طبقوا تعاليم التوراة والإنجيل التي نزلت عليهم من ربهم لوجدوا بركة كبيرة، وأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، أي أن الله عندما يفتح أبواب الرزق من كل اتجاه، من فوقهم ينزل مطر، فيخرج به الزرع من تحت أرجلهم. من كان يُصَدِّق أن سائلاً أسوداً لزج، رائحته مقززة، يخرج من تحت الأرض، يجلب مالاً أكثر من الذهب، ويحول البلد الفقير إلى أغنى بلاد العالم في ظرف شهور! ألم نرَ ذلك في النفط؟! من يصدق أن معدناً كهذا يغير حياة البشر! ومن يُصَدِّق أن معدن مثل اليورانيوم لو وجد تحت الأرض سيكون ثروة ضخمة جداً فوق الخيال! (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) منهم فرقة مقتصدة، أي لم تسرف في العصيان، وأطاعوا ﷲ لكنهم الأقلية، أما الأغلبية (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ) فالأغلبية يعملون السيئات.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

02 Feb, 17:42


فيديو ٨٩٩ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة المائدة - الحلقة ٢٥ الآيات ٦٤-٦٧

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

02 Feb, 17:42


https://www.youtube.com/live/SVvxtp_GcAg?si=eqiOgapZZEe9R_vH

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

01 Feb, 09:44


لاحظ أن الآية ٦٢ انتقدت ثلاثة أشياء فيهم؛ والآية ٦٣ أشارت إلى أنه كان الأحسن لهم أن رجال الدين ينهوهم عن أمرين فقط، اقرأ ٦٢ (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) انتقدت المسارعة في ١- (الْإِثْمِ) ٢- (وَالْعُدْوَانِ) ٣- (وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ)،  لكن ٦٣ انتقدت العلماء والربانيون (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣) (قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) فقط، أين العدوان؟! لماذا لم يذكره؟! لماذا لم يقل "لولا ينهاهم الربانيون عن الإثم والعدوان والشتائم القذارة وقلة الأدب وأكلهم السحت" ولكنه لم يقل العدوان، لأنه سيكون ضعفاً من المسلمين، فكل ما نطلبه من علمائهم أن ينهوهم عن قلة الأدب وأكل الحرام! العدوان اتركوه لنا نحن، لأن لو قلنا كان من المفروض رجال الدين ينهوهم عن الاعتداء علينا، سيكون ضعفاً منّا؛ نحن كفيلون بوقف العدوان، لكن لو يضبطهم رجال الدين عن قلة الأدب وانعدام لأخلاق فقط! من يعتدي علينا نعرف كيف نواجهه ووقفه عند حده، نحن لسنا ضعافاً، لكن لا نجاري أحداً في قلة الأدب. لاحظ كيف أن آيات القرآن تحرجهم وتضعهم في موقف محرج وتتهكم عليهم بحدود وبأسلوب قوي وراقٍ جداً.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

01 Feb, 09:44


وبعد تدبرنا سور البقرة وآل عمران والنساء، أصبح واضحاً جدًا أن كثيراً من المنافقين، كانوا من خلفية يهودية.
*راجع تدبر آيات البقرة ٧٦ و ٧٧
فقد كانوا يتظاهرون بالإسلام، ويصلون مع المسلمين في المسجد، وكأنهم صحابة! ثم يرجعون في الليل إلى الحاخامات اليهودية، فلاموهم لأنهم يخبرون المسلمين عن أدلة نبوة النبي ﷺ في التوراة، فلما يتكلم الله هنا عن المنافقين وعن اليهود في نفس الآية، إذن هو يتكلم عن اليهود الذين تظاهروا بالإسلام (وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (٦١) عندما يأتون إليكم في المسجد ويقولون آمنا، وقد دخلوا بالكفر. وهم يقولون آمنا كانوا كفار وقتها، ولم يكونوا مؤمنين (وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) لأن ليس كل من يدخل بالكفر يخرج به. البعض يدخل بالكفر ويخرج بالإيمان. كثير من الناس طُلب منهم التدقيق في القرآن لكي يستخرجوا أخطاء يهاجمون بها الإسلام، فلما قرأوه أسلموا! فليس كل من يدخل بالكفر يخرج بالكفر. أما هؤلاء المنافقون فقد دخلوا بالكفر وهم ينطقون بكلمة الإيمان، وخرجوا بالكفر أيضًا (وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (٦١) ﷲ فقط هو من يحكم على سريرة الناس، وعلى ما في صدور الناس. للأسف كثير من المسلمين يحكمون على نيات الناس، وهذا منهي عنه، في سورة الحجرات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ (١٢) لا يجوز محاكمة الناس على نياتهم.

(وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢)

هناك أشياء تميزهم وهي: أنهم يسارعون في ارتكاب المعاصي، فأمر الله المؤمنين، بالمسارعة في الخيرات؛ لكن هؤلاء يسارعون في الإثم والعدوان! عكس ناس من أهل الكتاب أيضًا، ولكنهم يسارعون في الخيرات، في سورة آل عمران (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) يتكلم الله عن "فئة" من أهل الكتاب، وهذا من موضوعية القرآن، وهي عدم التعميم فهم (لَيْسُوا سَوَاءً)! أما هؤلاء المنافقون من أصل يهودي، فيسارعون في الإثم، والإثم: هي الذنوب التي بينهم وبين ﷲ (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) والعدوان: وهي الذنوب التي فيها اعتداء على حقوق الناس (وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) أكل السحت: هو الحرام كالرشوة والغش والربا، أي المال الناتج عن الحرام بأنواعه المختلفة. سؤال: هل المسلم لا يقع في هذه الذنوب؟! نعم، يقع المسلم في الذنوب، لكن المؤمن يزل وينزلق، فيقع في المعصية، ولكن لا يخطط لها. هؤلاء يسارعون فيها، ويتفنون في الإثم والعدوان وأكل السحت، ويتنافسون فيه (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)

(لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣)

(لَوْلَا) أي لو كان علماؤهم والقساوسة والحاخامات فقط أمروهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر! لكن للأسف علماؤهم غير مهتمين بإنكار المنكر، يرونهم على المعاصي فلا ينهوهم! وهذا الذي نراه اليوم، ينتشر المنكر والمعاصي، ورجال الدين في الكنائس والمعابد اليهودية يخافون أن ينهوا الناس، لكي يستمروا في المجيء للكنائس، والتبرعات لا تنقطع! لأن من يقول حرام كثيراً يكون دمه ثقيلاً؛ فلا يوجد أي أحد في الكنيسة أو المعبد ينهى الناس عن العلاقة المحرمة إلا في إطار الزواج، فأصبح هذا أمراً طبيعياً لا يتكلم أحد فيه! وحجتهم عدم تنفير الناس! (لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣) من هم الذين بئس ما كانوا يصنعون؟! هل هم الذين ارتكبوا المعاصي، الذين يقولون الإثم ويأكلون السحت؟! أم العلماء والربانيون والأحبار الذين لا ينهون عن المنكر؟! من المقصود بها؟! المقصود كِلا الفريقين، جُمعوا مع بعض في هذا اللوم وفي هذا التوبيخ؛ لأن من يفعل المعصية ويرضى بها ولا ينهى عنها، فهم في الإثم سواء، لا فرق! نحن كمسلمين نتدبر الكلام، يجب أن نخرج منه بدروس وعبر، فإذا فسد العلماء فسدت الأمة! وإذا توقف العلماء عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سعيًا وراء إرضاء السلاطين والحكام والأغنياء، فقل على الأمة السلام.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

01 Feb, 09:44


ألم يقولوا إنه لا دين أشر من دين الإسلام؟! فقل لهم: أتحبون أن أقول لكم أشرُ من هذا؟! فيرد عليهم بما قالوا عن أنفسهم، فقد ادعوا أنهم أبناء ﷲ وأحباؤه، وأنهم بالتأكيد سيدخلون الجنة، ويأخذون ثواباً، فالصيغة فيها تهكم، لأن كلمة مثوبة يعني ثواب لغة، وقد تقال على النافع والضار، لكن اصطلح على أنها تستخدم فقط للنافع، يثوب يعني يعود، فالثواب هو الأجر الذي يعود به العامل إلى بيته بعد انتهاء عمله، فعادة سيرجع بمال أو بطعام أو شيء نافع، فكلمة مثوبة، لا تستخدم في العادة في العقوبة إلا إذا كانت تهكماً (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ) أتحبون أن أخبركم بثواب من ﷲ فيه شر أكثر من ذلك؟! فهم يقولون إن الإسلام شر، فتعالوا لأريكم الأشرّ ما هو؟! أنَّ يلعن الله أناساً ويغضب عليهم، ويجعل منهم قردةً وخنازير وعبد الطاغوت (مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) يقول لنا الله سبحانه لا تدعوهم يسبونكم ويسبوا دينكم، ولكن لا تدخلوا في جدال وضرب، فقال بتهكم بما أنهم قالوا على دينكم أنه أكبر شر في الدنيا، فقولوا لهم أتحبون أن أقول لكم ما هو الشر الأكبر؟! وهي أن يعطي الله أناساً ثواب، بأن يمسخهم قردة وخنازير، وهذه هي عقوبة أصحاب السبت، وهذه قصة موجودة عندهم! وبما أننا تكلمنا عن المسخ، فقد قيل إنها في الذين تحايلوا على شرع الله، واصطادوا يوم السبت، وهم عندهم تعليمات أن لا يصطادوا، ولا يعملوا أي عمل يوم السبت، ويجب أن يتفرغوا للعبادة، وخففها الله عن المسلمين وجعلها ساعة واحدة يوم الجمعة، وهي صلاة الجمعة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) أما بني إسرائيل، لهم يوم كامل ٢٥ ساعة، من مغرب الجمعة لمغرب السبت. والذين تحايلوا على شرع ﷲ واصطادوا يوم السبت عن طريق التحايل، مسخ الله وجوههم بأن أصابهم مرض، فأصبحوا شبه القردة والخنازير، ولم يأكلوا ثلاثة أيام، ثم ماتوا! وهذا رأي، وهناك رأي آخر، يقول جعلهم الله يشبهون القردة والخنازير في أخلاقهم، القرود عراة، قرد البابون يمشي ومؤخرته هي أعلى ما فيه، لدرجة أنها أصبحت شتيمة، أنه يمشي مثل القرد، أي أنهم أصبحوا يمشون وسوآتهم عارية، فأصبحوا لا يبالون بستر العورة. والخنزير لا يشعر بالغيرة على أنثاه، فأصبح الذين احتالوا في السبت متصفين بالدياثة، أي أن الشخص منهم ليس لديه مانع بأن زوجته تكون فيما يسمى Open relationship ذات أخلاق سيئة، وهم لا يعتبرونه سيئاً أبداً، بل أصبح هو الطبيعي! فهذان رأيان في تفسيرها (مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) عَبَدَ: جمع عبد، مثل ثمار> ثمر، عباد> عبد، عبد الطاغوت أي خُدام الطاغوت. والطاغوت هو كل من لا يحكم بشرع الله، فقد جعل الله منهم خدام، يخدمون كل من يحكم بغير شرع ﷲ! انتبه للفرق بين المسلمين وبينهم، في سورة المائدة قال سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ (٨) فالقسط عندنا شيء أساسي. وقال سبحانه للنبي ﷺ (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (المائدة ٤٢) أما هم لم يصبحوا فقط ظالمين، بل أصبحوا خدماً لكل ظالم وكل طاغية! مع أن نبينا موسى ﷺ وهم عكسه تماماً كان يقول (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (القصص ١٧) نعوذ بالله من أن نكون مثلهم، من عبد الطاغوت.
نعود إلى الآية ٦٠ هل رأيتم من أشر؟! (أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (٦٠) هؤلاء الملعونين والممسوخين، ومن عليها غضب الله مكانهم هو أشر مكان. ألم يقولوا أنه لن يخسر أحد أكثر من المسلمين؟! تعالوا لنريكم من سيخسر، ومكانهم النار. هؤلاء في حالة من الضلال أكثر من الذين ترون أنتم أنهم ضالون وهم المسلمون. وطبعاً المسلمون ليسوا ضالين، لكن لأننا نقول كلمة شر بمعنى أشر، صيغة أفعل تفضيل، فهي تهكم، لأنه عندما أشر من يعني الاثنين، شر ولكن أحدهما شر أكثر من الآخر، هم قالوا على وضع المسلمين أنه شر، فالله أمر النبي ﷺ أن يقول لهم تعالوا لتروا شراً أكبر يعني تهكماً.

(وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (٦١) 

السياق يتكلم عن بني إسرائيل، لكن المعنى واضح منه أنه يتكلم عن المنافقين، لأن الذي يقول بلسانه شيء، ويبطن في قلبه شيء آخر، فهو منافق!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

01 Feb, 09:44


٢٤ 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧) هذا نهي للمؤمنين أن يجعلوا ولاءهم وإخلاصهم وتحالفاتهم مع الذين يستهزئون بالإسلام ويسخرون منه (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (٥٨) وعلى قراءة ورش "هزوءاً" أي يستهزؤون بها، كلما سمعوا الأذان يسخرون منه. عندما يختار الله سبحانه الأذان، لأنه يقام في الليل والنهار، فهؤلاء يسخرون من دينكم طول الوقت. والنبي ﷺ والصحابة لم يكونوا أبدًا يهود سابقين، ولا نصارى سابقين تركوا اليهودية أو النصرانية وآمنوا بالإسلام، بل معظم الصحابة والأغلبية الساحقة من الصحابة كانوا قبل الإسلام من عباد الأصنام، فالعجيب والمفروض أن اليهود والنصارى باعتبار أن نظرة كل فريق منهم لنفسه أنهم مؤمنون بالله وموحدون، أن يكونوا فرحين بأن عدداً من عُباد الأصنام تركوا عبادة الأصنام وآمنوا بالله، في عقيدة تشبه إلى حد ما عقائدهم، لكن الغريب أنه لم يهمهم ذلك، بل يتمنون أن المسلمين يتركون الإسلام، ولو إلى الشرك وعبادة الأوثان مرة أخرى! في سورة البقرة تدبرنا (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ (١٠٩) يردوكم: الإنسان يُرد إلى ما كان قبل ذلك، ودّ: يود ويحب الكثير من أهل الكتاب، أن تعودوا كفاراً تعبدون الأصنام، وألا تبقوا مسلمين. وهنا نجد أن الله سبحانه في هذه الآية، يأمر ﷲ النبي ﷺ بأن يواجههم في هذه المسألة:

(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (٥٩)

هذه الآية لها سبب نزول، وهو أن مجموعة من يهود المدينة، منهم أبو ياسر بنُ أخطب، ورافعُ بن أبي رَافع، وعازر، وزيد، وخالد، وأشيع، هم مجموعة من اليهود المؤثرين، ذهبوا إلى النّبي ﷺ فسألوه عمّن يُؤمِن به من الرسل، فلمّا ذكر عيسى ابن مريم، قالوا لا نؤمن بمَن آمن بعيسى، وطالما أنك آمنت بعيسى نحن لا نؤمن بك أبداً، ولا نعلم ديناً شَرّاً من دينكم، ولا يوجد دين فيه من الشر مثل دينكم؛ لأنهم يؤمنون بعيسى عليه السلام، وما نعلم أهلَ دين أقلّ حظّاً في الدنيا والآخرة منكم أي ولا نعلم أي شخص أتعس منكم في الدنيا والآخرة؛ لأنكم آمنتم بعيسى. فشتموا المسلمين والإسلام والنبي ﷺ لماذا؟! لأنهم آمنوا بعيسى! إذن دينكم هذا هو شر دين في الدنيا، لماذا؟! هذا كثير جداً! وقالوا: أنتم أكبر الخاسرين في الدنيا والآخرة؟! أمر الله النبي ﷺ أن يواجههم ويسألهم عن سبب كل هذا الحقد الذي في قلوبهم، ما سبب هذه الكراهية؟! (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا) النقمة: هي الغضب الشديد، لماذا أنتم حاقدون وغاضبون منا هكذا؟! (إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ) كل هذا الغضب لأننا قلنا (أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ) لأننا مؤمنون بالله، وبما أنزل إلينا من آيات الوحي، الذي هو القرآن ولأننا قلنا آمنا بما أنزل من قبل من التوراة والإنجيل؟! (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (٥٩) هذه الآية حيرت المفسرين! لأنك تقول لهم هل أنتم حزينون لأن نحنُ المؤمنين بكذا وكذا، فتذكر أشياء هم معترفون بها؛ لأنهم مؤمنون بالله وبالقرآن وبالتوراة وبالإنجيل، هم معترفون بأنك مؤمن بهذه الأديان فعلًا، لكن هم غير معترفين أن أكثرهم فاسقين! لماذا تقول بل لأن (أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ) هم بالأصل غير معترفين أن أكثرهم فاسقين! معنى ذلك، كما أننا مؤمنون بالله وبالقرآن وبالكتب السابقة، فنحن مؤمنون بأن أكثركم فاسقين، أنتم فسقتم من دين ﷲ. فهذا لا يعني لأن أكثرهم فاسقون، بل لأننا مؤمنون، وبأن أكثرهم فاسقون، وهذا نوع من رد الإهانة. نحن آمنا بالرسل كلها والكتب كلها، وأنتم فسقتم بأنكم تؤمنون ببعض الرسل وبعض الكتب، وتكفرون ببعض الرسل والكتب. ثم انتقل الخطاب القرآني ليقابل هجومهم على الإسلام بتهكم قاس جدًا:

(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ ۚ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (٦٠)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

01 Feb, 09:43


فيديو ٨٩٨ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة المائدة - الحلقة ٢٤ الآيات ٥٩-٦٣

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

01 Feb, 09:42


https://www.youtube.com/live/qND35cLuESE?si=S6v7Ff4WzG0lqcmo

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

30 Jan, 10:35


ثم يجعلك تشمئز من هذا الخنوع، فيقول عندما تؤذنون للصلاة فإنهم يسخرون من الأذان (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (٥٨) احفظ كرامتك، هؤلاء أناس يسخرون من شعائر دينك بصفة مستمرة. ستقول إني أؤلف، أين شعائر دينك؟! سأقول لك الآذان، فمن يسخر من الأذان بالتأكيد سيسخر من شعائر أخرى، هل تريد أن تقنعني أن من يسخر من كلمات الأذان الجميلة الرائعة ألن يسخر من الحج مثلاً؟! ومن ملابس الإحرام، أو من الطواف، أو من الرجم، أو أي شعيرة من شعائر الحج؟! لماذا لم يقل يسخرون من الحج؟! وقال إنهم يسخرون من الأذان؟! لأن الحج مرة في السنة، بينما الأذان خمس مرات على مدار اليوم (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (٥٨) هذا شأنهم طوال الوقت، يسخرون من دينكم ومن شعائركم. لاحظ أن الآية تشعرك بأن المسألة لو لم تكن ديناً، فهي مسألة كرامة، احفظ كرامتك، وابتعد عن الذين يسخرون منك، ومن دينك طول اليوم.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

30 Jan, 10:35


(وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (٥٦)

أنتم الفائزون! هذا لمصلحتكم! أنت بانتمائك إلى المؤمنين، وبانحيازك للمسلمين الموحدين، أصبحت عضواً في حزب ﷲ ضد حزب الشيطان! والدنيا كلها عبارة عن معركة بين الحق والباطل، إياكم أن تنضموا إلى فريق الباطل، الانضمام لحزب الله يحتاج اشتراكاً، والاشتراك ليس نقود تُدفع كل شهر، بل خصال وطباع في شخصية الإنسان، نجدها متناثرة في القرآن والسنة، مثلاً: خصال عِباد الرحمن في أواخر سورة الفرقان، ذكر الله ١٢ صفة من صفات عباد الرحمن، وأرجو أن تراجعوا تدبرها، فهي رائعة (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا -التواضع- وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا -مسالمين مؤدبين- (٦٣) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا -يقومون الليل لله- (٦٤) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا -يخافون من العذاب- (٦٥) وخصال حديث أبي ذر في مسند الإمام أحمد، وهذا قول أبي ذر وليس حديثاً نبوياً، يقول (أمَرَني خَليلي ﷺ بسَبعٍ: أمَرَني بحُبِّ المَساكينِ، والدُّنُوِّ منهم) أن تحب المساكين وتتقرب منهم، وليس أن تبعث لهم مالاً مع خادمك، أو العامل الذي يعمل عندك، بل مهم الدنو منهم، وأن تذهب إليهم، وتجلس معهم على الأرض (وأمَرَني أنْ أنظُرَ إلى مَن هو دوني) أنظر لمن هو أقل مني بالمال وبالصحة لأحمد الله، ولا أنظر لمن هو أعلى مني وأحسده! (ولا أنظُرَ إلى مَن هو فَوْقي) لا أنظر لمن هو فوقي، فأغلي طول الوقت وأحسده، وأفكر من أين أستدين المال كي لا أكون أقل منهم، ونتنافس في الدنيا! (وأمَرَني أنْ أصِلَ الرحِمَ وإنْ أدبَرَتْ، وأمَرَني ألَّا أسأَلَ أحَدًا شيئًا) ألا أطلب أي شيء من أي أحد، تلاحظ الكلام كله عن خدمات تقدمها للناس، ثم لا تطلب أنت أي خدمة منهم.
يُروى أن سيدنا أبو بكر الصديق، كان راكباً على الجمل مع مجموعة من الأشخاص، منهم راكبين، ومنهم من يمشي على رجليه، فوقعت منه العصا، فأجلس الجمل ونزل ليحضرها، وأخذ ذلك وقتاً، فسأله أحد الصحابة "ماذا فعلت؟! فقال: سقطت العصا فأحضرتها، قال له: أتنزل لتحضرها؟! لو قلت لي فأعطيك إياها، فأجابه: أخبرك شيئاً وتكتمه عني؟! عاهدت رسول الله ﷺ في خمسين من أصحابه، ألا أسأل أحداً شيئاً" فالنبي ﷺ كان يربي مجموعة قريبة منه تربية عالية، أن يخدموا الناس، ولا يطلبوا خدمة من الناس. أكمل قول أبي ذر (وأمَرَني أنْ أقولَ بالحقِّ، وإنْ كان مُرًّا - ولو كان على رقبتي أقول الحق- وأمَرَني ألَّا أخافَ في اللهِ لَومةَ لائمٍ، وأمَرَني أنْ أُكثِرَ من قولِ: لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ؛ فإنَّهُنَّ من كَنزٍ تحتَ العَرشِ) كل هذا لا يأتي إلا بالتربية، تربية النفس، ثم تأتي الآية المخصصة للآية ٥١ وشرحناها قبل ذلك:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧)

لو أن الولاية المقصودة هي مستوى أقل من التحالف، لأن بعض الناس يعتبرون الصداقة والتعامل التجاري والتعامل مع الجيران نوعاً من الولاية، وهو ليس كذلك، لكن لو كان من الولاية، في هذه الحالة احذروا أن تظهروا أي مودة للناس؛ الذين يسخرون من دينكم، لأنك لو قبلت السخرية من دينك، والاستهزاء بدينك، سيقل قدر ﷲ في قلبك، ويهتز الإيمان عندك، ويوقعك في النفاق، في سورة النساء (وقَدْ نَزَّلَ عليكم في الكتابِ أَنْ إذا سَمِعْتُم آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا ويُستهزأُ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره) هذا من أجل مصلحتك! لا تجلس معهم، ولا تسمع الاستهزاء بآيات الله، لأنك لو استمريت بسماع هذا الكلام، ستكون منهم (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (النساء ١٤٠)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

30 Jan, 10:35


(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (٥٥)

نهى الله سبحانه عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء في الآية ٥١ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ) فمن نتخذه ولياً يا رب؟! (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (٥٥) هؤلاء هم الذين تتخذوهم أولياء، في سورة البقرة (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ (٢٥٧) إذن أول نقطة (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) انتبهوا (وَرَسُولُهُ) وفي سورة الأحزاب (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ (٦) النبي ﷺ أقرب إلينا من أنفسنا، وهو أقرب إنسان لنا، في منزلة الأب، لكنه لم يقل إنه أبونا، لأنه سبحانه قال (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُم وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ) لكن أزواجه أمهاتهم، فهو بمنزلة الأب لنا، نقول لأمهات المؤمنين: يا أمي، كان الصحابي يكون أكبر من السيدة عائشة، ويقول لها يا أماه! وما حالنا مع بقية المؤمنين؟! (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ (يونس ٧٢) إذن الله سبحانه منعكم من ولاية اليهود والنصارى، لأنه لا يصح أن يترككم تعتمدون على الذين لا يحملون لكم الخير، ولا الود ولا الحب، يكرهون دينكم، فلا يصح أن تثقوا بهم، وتضعون أسراركم وثرواتكم وحساباتكم وقواتكم تحت رحمتهم، وأبدلكم بدلاً منهم الغير محدود، من؟! الله سبحانه وتعالى، إن كان منعكم من ولاية المحدودين، فقد أبدلكم ولاية ﷲ الغير محدود، أعطاك أفضل الناس (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ أمنوا) ورسوله الذي يستمد العون والتأييد من الغير محدود، من الله سبحانه، فمن لديه تحالف أقوى؟! من يحالف روسيا وأمريكا وغيرها، أم من يحالف الله سبحانه وكل مؤمن؟!
وصفات المؤمنين هي:
- إقامة الصلاة وعدم التهاون فيها.
- ايتاء الزكاة بحب وبإقبال على ﷲ، لاحظ اسمها "ايتاء" وليس دفع أو إخراج الزكاة، لم ترد هكذا بالقرآن أبداً، دائماً ترد يؤتون الزكاة، ماذا يعني يؤتون؟! أي إنهم يوصولوها إلى الفقراء بأنفسهم، لذلك ترجمناها في جسور Bringing أي وهم راغبون لله.
- وهم راكعون، يعني وهم خاضعون لأمر ﷲ، ليس خوفاً من شرطة التهرب الضريبي، وهذا هو الفرق بين الزكاة والضرائب التي تضعها الدول العادية، تُحدد الضرائب ثم توزع الشرطة لتكشف من يتهرب من الدفع، ولكن المؤمن يؤدي فريضة الزكاة وهو حريص أن يدفعها قبل موعدها، بينما الضرائب التي تجمعها الدولة فيكون حريصاً أن يدفعها في آخر لحظة، ويُحضر محاسباً ماهراً ليحاول أن يغير، ويضيف على المصاريف ليقلل الضرائب قدر الإمكان، حتى لا يدفع قرشاً أكثر مما يجب أن يدفعه! لكن في الزكاة ضمير الإنسان هو الذي يراجعه. طبعاً الشيعة هنا استغلوا واقعة حصلت في مسجد النبي ﷺ عندما جاء سائل يسأل، وسيدنا علي كرم الله وجهه كان يصلي، فخاف أن يذهب السائل قبل أن ينهي صلاته، فمد يده للسائل وهو راكع، فخلع منه الخاتم وأخذه، فقالوا: إن هذه الآية تقصد سيدنا علي بن أبي طالب، وأنها دليل على أنه كان يجب أن يكون هو الخليفة الأول بدلاً من سيدنا أبي بكر، كلام طفولي جداً وخطأ جداً، لأن "إنما" هي أداة حصر، يعني لا ولاية، إلا في هؤلاء -ﷲ ورسوله والمؤمنين- ويقصد المؤمنين كلهم، وليس سيدنا علي فقط، فيصبح لا ولاية ولا طاعة لأي حاكم بعد سيدنا علي للأبد! ليس هذا هو المقصود أصلاً، المقصود هو لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء. فمن إذن يا رب؟! المؤمنون طبعاً. هل المؤمنون أفضل من اليهود والنصارى، ويستطيعون أن يحمونا وينفعونا مثلهم؟! كلا، بل أفضل منهم لأن وليهم ﷲ ورسوله، يعني بدل المدد والعون من المحدود من روسيا وأمريكا، أيّاً كان، يأتيكم المدد والعون من الغير محدود. اليهود والنصارى محدودو القدرة، أما ﷲ سبحانه فهو غير محدود القدرة، افهموا! من سيتصرف هكذا، فقد انضم إلى الفريق الغالب.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

27 Jan, 17:34


بعد أن ساءت الظنون وأظلمَت الدنيا وانسدّ الأفق: ها هي جموع النازحين تعود إلى مناطقها في شمال غزة بفرح وسرور واحتساب، بعد قصة صمود طويلة، فنسأل الله تعالى أن يحفظهم ويثبتهم ويجبر مصابهم ويعوضهم خيراً في الدنيا والآخرة.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

27 Jan, 11:44


كلمة شرعة أو شريعة يعني الطريق إلى الماء، شرع الماء: أي ذهب يشرب من البئر، فالشرعة والشريعة هي المكان الذي يرتوي منه الإنسان، وينهل منه ما يريحه وما يحافظ على حياته (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ) مشيئة ﷲ أن الإسلام ينزل على عدة مراحل، مع عدد من الرسل وعدد من الكتب؛ بحيث تصبح كل مرحلة فيها أمة تُختبر برسولها وتُختبر بكتابها، وكان من الممكن أن تكون العملية كلها بكتاب واحد ورسول واحد، ينزل للبشرية وانتهى الأمر! لكن لم يحدث هذا الأمر، رب العالمين اختار هذه الطريقة (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ) كي تختبروا فيما آتاكم من كتاب، وفيما أتاكم من رسول، كل أمة ينزل لها رسول وينزل لها كتاب وتختبر، هل ستؤمن أم ستكفر؟ (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) تسابقوا إلى الخير، تسابقوا إلى الإيمان إلى العمل الصالح، من كل أمة هناك من نجح في الاختبار، وهناك من سقط في الاختبار، ندعو الله أن يغفر لنا ويرحمنا، عندما ندخل الجنة لن نكون لوحدنا، بل سنرى المؤمنين من أمة موسى من بني إسرائيل، والمؤمنين من أمة إبراهيم، والمؤمنين من أمة نوح، والمؤمنين من أمة عيسى، وسنقابل المؤمنين من كل أمة! هناك من نجح في الاختبار، وهناك من سقط في الاختبار. عندما يكون هناك سباق أو مسابقة الناس تريد أن تعرف النتيجة (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) أليس هذا سباق؟! متى ستكون النتيجة؟! (إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨) كلكم سترجعون إلى الله، ويعلن لكم من فاز ومن خسر، من سَبَق ومن سُبِق، والذين اختلفوا مع بعض حول الحق والباطل سينبئهم الله (فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

27 Jan, 11:44


الإسلام نفسه يقول لك ذلك، بمعنى آخر، يا أيها الإنسان أنت مسلم لا تكن كالحيوان -أعزكم الله- لا تسمع لأحد يتكلم كلاماً مرسلاً بدون دليل، لأن الإسلام قويٌ واثق من نفسه، واثق من الحق، وكل من فَكر واستخدم عقله وصل للحقيقة؛ وهي أن الدين عند الله الإسلام، الشاب أو الشابة عندما سيفكر بهذه الطريقة الموضوعية لا أحد يستطيع أن يقنعه بدين آخر، ولا بإله آخر ولا بطريقة حياة أخرى أبداً! لا يصلح أن يقول لك أحد Gay life الإسلام هو الذي علمنا الموضوعية وعدم التعميم، الإسلام يقول لنا "ليسوا سواء" يعني ليسوا مثل بعض، فلا تعمم، الناس يقولون أنت تعرف أن اليهود دائماً ما يخالفون العهود، القرآن قال (أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُون (البقرة ١٠٠) القرآن يقول ليسوا كلهم فريق واحد، منهم من يخالف عهوده، لكن ليس كلهم، فلماذا أنت تعطي رأياً آخر؟! الآن هم أعداؤك أليس كذلك؟! لماذا نحاول أن نعطي لأنفسنا صورة غير حقيقية عن عدونا، هل لكي نخدع أنفسنا؟! لماذا؟! أنت تحتاج أن تعرف عدوك، وطالما أننا سنفكر في صحة كل كلمة نسمعها ونقرأها، إذن يجب أن يكون عندنا مرجع يقول لنا ما هو الصواب وما هو الخطأ، بعد أن وصلنا بعقلنا وبالدليل إلى صحة الإسلام وصحة القرآن، وأنه من عند الله، فيكون المرجع هو كلام الله دون شك، الحق هو القرآن. إذن التفكير النقدي له سقف وهو القرآن، القرآن لا تستطيع أن تنقده، لكن ممكن أن تتدبره، النقد هو البحث عن الصحة أو الخطأ، ثم بعد ذلك تعقل الكلام كي تستفيد منه، إنما التدبر هو البحث عن الفوائد وعن الحكمة، وليس البحث عن أخطاء، لأن هذا غير ممكن! بعد أن تأكد لك أن القرآن من عند الله، والله هو المتصف بالكمال، إذن القرآن كلامه كاملاً، والقرآن كامل، بعد ذلك أمر الله النبي ﷺ بأن يحكم بما أنزل الله، وماذا قال أيضاً في الآية ٤٨ ؟ (وأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) النبي ﷺ لن يتبع هواه بالتأكيد، بل إن هواه أصبح تبعاً لما يريد الله، لكن الله ينهاه عن اتباع أهواء الناس، هم الذين سيقولون له لا داعي لأن تحكم لنا بشرع الله هذه المرة، فقط هذه المرة، أو إن أمكن أن تتهاون قليلاً في هذا الموضوع، فهم على مزاجهم وعلى أهوائهم سيطلبون عدم تحكيم الشريعة، فماذا قال الله له ﷺ؟ (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) لاحظ أن الله وصف التوراة في الآية ٤٤ وقال فيها هدى ونور، ووصف الإنجيل في الآية ٤٦ وقال فيه هدى ونور، وعندما وصف ما نزل على محمد ﷺ لم يقل فيه هدى ونور، لماذا؟! صحيح أن الآية ٤٨ وصفت القرآن وصفاً جيداً، وقالت (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) وصف قوي جداً، أقوى من وصف التوراة والإنجيل، الذين هما مصادر الهدى والنور، فقد جعل القرآن هو المهيمن عليهم، يعني هو المقياس الذي يقاس به لمعرفة الحق والباطل الذي أضيف أو لم يضف! لكن يبقى السؤال: لماذا لم يقل فيه هدى ونور؟! التوراة وصفت أن فيها "هدىً" بالتنكير نكرة، ركز في كلمة "هدىً" أي ليس بالضرورة لو كان فيها كل الهدى لقال "فيها الهدى والنور" لكن لم يقل، بل قال (فيها هدى ونور) والإنجيل فيه هدى ونور؛ ليس بالضرورة أن يكون كل الهدى، جزء من الهدى، كل كتاب نزل فيه هدى ونور، لكن هدى ونور يناسبان المرحلة التي نزل فيها هذا الكتاب، أما القرآن فهو الذي نزل بكمال الدين وإتمام النعمة. في الآية ٣ ماذا قال الله؟ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) فإذا ذكر الهدى والنور في القرآن، تُذكر معرفة، لأن الهدى والنور في القرآن هو كل الهدى والنور، الهدى الكامل والنور التام، الله يكلم المسلمين في سورة الأعراف (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (١٩٣) فجاءت معرفة وليس نكرة، لأنها كل الهدى. وكذلك في سورة الأعراف بعدها بخمس آيات في الآية ١٩٨ (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) معرفة أيضاً، هذا هو الهدى كله، انتهى الأمر! نرجع مرة أخرى إلى الآية ٤٨ ونكمل (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) كل أمة نزل لها هدى ونور يناسب شريعتها ومنهجها، الهدى والنور الذي نزل في التوراة، والهدى والنور الذي نزل في الإنجيل، نزل بما يناسب الشريعة والمنهاج.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

27 Jan, 11:44


*توجد حلقة يوتيوب على قناة مؤسسة جسور اسمها "كيف تثبت أن القرآن حقاً كلام الله؟!" تشرح أن هناك أربعة احتمالات للقرآن لا خامس لهما، إما أن يكون من عند الله، أو من عند بشر، والبشر إما أن يكون النبي نفسه ﷺ أو أن يكون هو الذي ألفه، أو يكون من عند إنسان آخر، والنبي ﷺ أخذه منه، والاحتمال الرابع أن يكون من عند الشيطان، ليس من عند بشر، لكن أيضاً ليس من عند الله، من عند شيء آخر، يعني كائن آخر وليكن الشيطان. وفي هذه الحلقة قمنا بعمل شيء اسمه Proof by Elimination في الرياضيات، لو كان عندك شيء له أربعة احتمالات ولا خامس له، وأثبتت أن ثلاثة من الاحتمالات هذه مستحيلة، إذن الاحتمال الرابع هو الحقيقي بكل تأكيد (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) يعني فعلاً من عند الله، وما فيه هو الحق. لو اختلف مع أي كتاب آخر يكون ما فيه هو الصحيح، وماذا يعني هذا؟! أن الوحي هو السقف. ركز جيداً، القرآن يشجع بل ويعلم، بل ويربي القارئ المتدبر على التفكير النقدي، ركز جيداً! وأريد أن يعرف أولادكم هذا الكلام، وهذا ضروري جداً! لأن الكثير من أولادنا أصبحوا يتلقون الكلام ويصدقوه دون أن يبحثوا عن صدق الكلام، القرآن علمنا أن لا نصدق أي كلام بدون دليل، أين؟! في سورة الكهف التي أُمرنا أن نقرأها كل أسبوع! لماذا يقول الله اقرأ سورة معينة كل أسبوع؟! هل للبركة التي فيها؟! بالتأكيد لا، فالقرآن كله بركة، إذن رب العالمين كان سيقول يمكنك اختيار سورة اقرأها كل أسبوع، لأن القرآن كله بركة، لكن لماذا يقول السورة هذه بالذات، يجب أن تقرأها كل أسبوع؟! لأن فيها معاني معينة مهمة جداً لحياتك، يجب أن تتجدد عندك كل أسبوع على الأقل، لأنك ستحتاجها في حياتك. ومن ضمن هذه المعاني في سورة الكهف، معنى في قصة أصحاب الكهف، الشباب الذين ناموا في الكهف، ماذا قالوا؟! (هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّن (١٥) ينتقدون قومهم الذين عبدوا أصناماً مع ربهم (اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ) لو كان عندهم دليل فقط على ذلك؟! فالقرآن يقول؛ لو هناك دليل على آلهة مع الله سنعبدها، ماذا تريد أكثر من هذا؟! وهذا معناه أنك ستخرج من الإسلام، لأن المسلم لا يؤمن إلا بإله واحد وهو الله، لكن القرآن يقول؛ إذا كان هناك دليل على آلهة أخرى أخرج من الإسلام! هذا منتهى القوة، القرآن يتحدى، ويُعلم المسلم أنه يجب أن يصل لوجود الله بالدليل، وهذه المشكلة! أولادنا فتحوا أعينهم على تحفيظنا لهم لقرآن، لم نثبت لهم قبل ذلك وجود الله، ولم نثبت لهم أن القرآن من عند الله، لا بد من أننا نصل إلى الإيمان بالدليل، حتى لا يكون الإيمان عن طريق التقليد، فيجب ألا يقلد الشخص في العقيدة، ممكن أن يقلد في الفقه، ليس من الضروري أن أعرف دليلاً على كل حكم من أحكام الفقه، أنا أثق في هذا الإمام، فاتبع مذهبه أو مذهب ذاك الإمام، على عكس العقيدة، كل شخص فينا يجب أن يصل لوجود رب العالمين بنفسه، القرآن هو من يعلمنا هذا الكلام، النبي ﷺ في مناظرة مع نصارى نجران، ماذا قال له الله في سورة الزخرف؟ (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (٨١) القرآن يقول اتبع الدليل، حتى لو أخرجك الدليل من الإسلام، لأن هذا لا يمكن أن يحصل! لا يمكن الدليل يخرجك من الإسلام!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

27 Jan, 11:44


ألوهية المسيح التي يؤمنون بها، ضد المكتوب في الإنجيل الحالي، الثالوث المقدس هو ضد المكتوب حالياً في الإنجيل! مفهوم الخلاص عند البروتستانت خاصة، ضد المكتوب في الإنجيل!

*مقاطع خدعة التبشير موجودة باللغة الإنجليزية أيضاً لمن لا يتكلم العربية، أو يحبذ اللغة الإنجليزية، فهو موجود تحت اسم: Missionaries Deceptions على قناة Bridges Foundation

(وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) عليك أن تعرف أن هناك اختلافاً في القراءة، نحتاج أن نقف عنده قليلاً، الجمهور يقرأها هكذا (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ) فيكون المعنى، أن أهل الإنجيل يجب أن يحكموا بما أنزل الله فيه، لكن كيف يقول الله ذلك بعد نزول القرآن الذي ينسخ الإنجيل؟! الآن نحن أمام شريعة نهائية كاملة تامة، نزلت على محمد عليه الصلاة والسلام. فيصبح المعنى أن أهل الإنجيل يجب أن يحكموا بصدق نبوة محمد التي نزلت في الإنجيل، فيعتنقون الإسلام، ثم يحكمون بما أنزل الله في القرآن. وهناك قراءة أخرى اسمها قراءة حمزة، تكسر اللام، لا تُقرأ: ولْيحكم، وتقرأ: ولِيحكمَ بفتح الميم؛ وكسر اللام (وَلِيَحْكُمَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ) ولْيحكمَ: فعل أمر، ولِيحكمَ: أصبحت إخبار عن سبب إنزال الإنجيل على عيسى بن مريم. الفرق بين وَلْيَحْكُمْ - وَلِيَحْكُمَ أهل الإنجيل، أصبح فعل أمر، رب العالمين يأمر أن يحكموا به، ولِيحكمَ: أصبحت إخبار عن ماذا؟! رب العالمين يقول (وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِيَحْكُمَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ) أي رب العالمين آتى سيدنا عيسى الإنجيل فيه هدى ونور، ومصدق لما بين يديه من التوراة، كي يحكم به أهل الإنجيل، فأصبح إخبار بأحكامه. قد يقول البعض، لماذا فرق الله بين كتبه، فحفظ القرآن من التحريف، وترك التوراة والإنجيل يحرفان؟! نقول لهم: ليس معنى أن الناس حرفوا كتاباً من كتب الله أن الكتاب قد ضاع، التوراة والإنجيل تم الحفاظ عليهم طبعاً، من يريد أن يقرأ التوراة والإنجيل يمكنه أن يشاهد حلقات أو مقالات تدبر القرآن، فالقرآن حفظ التوراة والإنجيل، وكل العقائد التي تريد أن تقرأها، التي كانت في التوراة والإنجيل، موجودة هنا في القرآن، لذلك قال الله في الآية التي تليها (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ) إليك مفرد مخاطب، إذن القصد مباشرة هو سيدنا محمد ﷺ

(وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨)

أنزلت إليك الكتاب يا محمد، الكتاب يقصد به القرآن (مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) يؤكد ما سبقه من الكتب، ويقول إنها كتب حقيقية (وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) ما تسمعونه من اليهود والنصارى خذوه واعرضوه على القرآن، إذا أيد القرآن هذا الكلام، يكون هذا الكلام لم يحرف وصحيح، أما إذا القرآن عارض هذا الكلام عقائدياً، إذن هذا الكلام مدسوس ومحرف، أما إذا سكت القرآن، فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، ولا نستطيع الحكم عليه! وفي هذه الآية يخاطب الله النبي ﷺ ويقول له (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ) يا أيها الرسول (الْكِتَابَ) أي القرآن (بِالْحَقِّ) كلمة "بالحق" تحتاج وقفة، هنا لدينا نقطتان مهمتان جداً فيما يخص القرآن:
أولاً، هل الكتاب هذا حقاً من عند الله؟!
ثانياً: لو هو فعلاً من عند الله، هل ما فيه هو الحق؟! أم طاله بعض التحريف؟!
فعندما يقول الله (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ) فهو يؤكد كل نواحي الحق في القرآن، مثلاً في سور الإسراء يقول الله (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (١٠٥) بالحق أنزلناه، أي حقاً نزل من عند الله.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

27 Jan, 11:44


٢٠

(إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٤) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥)

يجب أن نعرف أن حكم القصاص هذا ليس في قتل الغيلة، قتل الغيلة يقصد به الاغتيال، وهذا لا يطبق عليه القصاص، القصاص يكون في حالة شخص قتل آخر في مشاجرة، ليس في قتل غيلة، حتى لو قصد أن يقتله، لكنه ليس اغتيالاً؛ والاغتيال يقام عليه الحد.

(وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (٤٦)

(وَقَفَّيْنَا) الواو واو عطف، تعطف جملة على جملة، على ماذا عطفت جملة (وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)؟! على الجملة التي قبلها (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ) بعدها مباشرة، بعثنا عيسى بن مريم يصدق ويؤمن بالتوراة التي جاءت قبله، فيعطف عليها (وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ) أي أنه مؤمن بالتوراة، ويقول بصدق التوراة، ويبشر ويدعو بالتوراة (وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ) وأعطيناه أيضاً كتاباً آخر اسمه الإنجيل (فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ) والإنجيل أيضاً يصدق التوراة، عيسى صدق التوراة، وقد ورد حتى في الكتاب المقدس، موجودٌ فيه أن السيد المسيح عليه السلام قال [ ما جئت لأنقض الناموس ] ولكن جاء ليؤكده، أي إنه لم يأت ليلغي شريعة موسى عليه السلام، ولكن جاء يؤكدها. عيسى بن مريم شهد بصدق التوراة، وأنها من عند الله، والله أنزل له كتاباً آخر ألا وهو الإنجيل، ماذا فيه هذا الكتاب؟! (وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ) القرآن وصف التوراة في الآية ٤٤ أنها مصدر للهدى والنور (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ) وهنا في الآية ٤٦ وصف الإنجيل أنه أيضاً مصدر للهدى والنور. (وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ) القرآن لم يهاجم الكتب التي جاءت قبله كما يظن البعض، القرآن تكلم عنها باحترام وإجلال، وتكلم عنها بتعظيم وجعلها مصدراً للهدى والنور والجمال، فقال (الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ) وجاء القرآن قائلاً عن الإنجيل أنه مصدر للهدى والنور، كما قال عن التوراة أنها مصدر للهدى والنور! أي أن القرآن يقول عن الكتب الخاصة بالأمم السابقة أنها مصدر لهداية الناس، وإلى طريق الله، وإلى الصراط المستقيم، لذلك يتوعد القرآن الذين حرفوا وبدلوا الكلام عن مواضعه في هذه الكتب. فالقرآن لا يهاجم الكتب عندما يقول إنها حرفت، ولكن القرآن حافظ على التعاليم الخاصة بها بداخله، فهذا لا يعني أن القرآن يهاجمهم، ثم الله سبحانه وتعالى في القرآن يأمر المؤمنين، أن يحكموا بتعاليم الإنجيل وأحكام الإنجيل، بالرغم من تحريف الإنجيل، لكن هذه إشارة إلى بقاء كثير من الأحكام الجيدة الصالحة التي تصلح المجتمع في الإنجيل، ولكنهم لا يحكمون بها! فالخنزير محرم في الإنجيل إلى هذا اليوم، لكن كلام البشر يلغي كلام الله عندهم، بوليس الرسول ألغى ذلك!

(وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤٧)

هذا الكلام يقال بعد أن نزل القرآن، ألستم أنتم غير مؤمنين بالقرآن ولا بالإسلام!؟ احكموا إذن بما عندكم! بوليس قال إن المسيح مات على الصليب من أجلنا، فأزال عنا كل الخطايا، افرحوا إذن، فلم يعد يوجد شيء حرام! أرجو أن تشاهدوا مقاطع خدعة التبشير، فهي المصل الذي تعطوه لأولادكم ضد التنصير والتبشير بالمسيحية، وأنا سميتها خدعة التبشير، لأن الخدعة هنا هي أن الكنيسة تبشر وتعلم الناس تعاليم معينة وعقيدة معينة، ضد الكتاب الذي بين أيديهم حالياً، حتى بعد التحريف!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

27 Jan, 11:43


فيديو ٨٩٤ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة المائدة - الحلقة ٢٠ الآيات ٤٦-٤٨

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

27 Jan, 11:43


https://www.youtube.com/live/2PTHTwoT9OI?si=Mndv2qTRvGsgHV_d

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Jan, 08:28


(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥) في الإسلام، عائلة المقتول هم الذين يقررون، هل يُعدم القاتل انتقامًا لأبيهم أم يدفع لهم الدية ويقبلونها، فتنفعهم في حياتهم. لذلك قال الله تعالى في سورة البقرة (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩) عندما يُقتل القاتل ينتهي الثأر بين العائلات، عندما يقرر العفو عن القاتل، ويقبل أهل القتيل الدية فلن يقتلوه بعد ذلك؛ لأنّ القصاص يكسر دائرة العنف، ولو لم يُطبّق القصاص، يدفع ذلك أهل القتيل أن يقتلوا القاتل إن لم يُقتَل، في الغرب يحدث أن أهل القتيل الذين تدمرت حياتهم ينتظرون أن يخرج القاتل من السّجن ليقتلونه؛ لأنّهم أُجبِروا أن يروه ماشيًا أمامهم على رجليه، وصُنعت أفلاماً كثيرة عن هذا الأمر!
إذن (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) القصاص على طريقة الله، الحاكم عندما يقتل القاتل، فلا يظل تأثره بين العائلات، وإن قبل أهل المقتول الدية، فلا يجوز أن يقتله أهل المقتول بعد ذلك.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Jan, 08:28


لكنّ الكلام هذا غير مقبول وغير مستساغ، أيّ إنسان يتدبّر ويعقل الكلام، يعلم أن الإنسان إذا ارتكب نفس الذّنب بالضّبط بنفس النية فحكمه نفس الحكم، فمن ينكر حكم الله وشرعه يعدّ كافرًا، ومن لا ينكره ولكن لا يطبقه يعد فاسقًا، ومن لا ينكره ولكنه لا يطبقه بين طرفين فهو ظالم. وليس لأنّ هذا يهوديّ وهذا مسيحي! بل لأن الله لا يظلم أحدًا. وأيضًا أرى أنّ هذه هي فائدة الالتفات في الآيات الثّلاثة، من الإفراد إلى الجمع، فالله يقول كل من لم يفعل هذا فهو كذا؛ إذن الذنب واحد والحكم واحد يطبق على الجميع (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ) إنسان واحد (فَأُولَئِكَ) جمع، إذن هو حكم عام لجميع الناس (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤٧) أهل الإنجيل، من المفترض أن يحكموا بما أنزله الله فيه، ومن لا يحكم بما أنزل الله، ولم يقل بما أنزل الله في "الإنجيل" (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) تركها عامّة (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) في أيّ كتاب (فَأُولَئِكَ هُمُ) أهل الإنجيل أو غيرهم كُلّهم سواء (الْفَاسِقُونَ (٤٧)

نعود إلى الآية ٤٥ (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥)

(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا) يعني في التوراة، لأنّها آخر كتاب ذُكِر في الآية التي قبلها؛ فالضّمير يعود عليها (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ)
ما فائدة أن يقول (العين بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ) طالما سيقول (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ)؟! لماذا لم يقل أنّ النّفس بالنّفس والجروح قصاص؟! أي الذي قتل يُقتَل، والذي جُرح أي جُرح يُجرَح مثله، فلماذا ذكر العين والأنف والسّن والأذن بالذّات؟! ربّما لأنّ إصابتها لا تُسمّى جُرحًا، العين تُسمَل أو تُفقَأ، والأنف تُجدَع في اللغة العربية، السّن تُكسَر، الأُذن تُقطَع؛ إذن هناك محذوفات تقديرها (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا) أي التوارة (أَنَّ النَّفْسَ-تُقتل- بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ -تُسمل أو تفقأ- بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ -تُجدع- بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ -تُقطع- بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ -تُكسر- بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) بعد هذا، أيّ جرح يقابله جرح مثله.
هنا توجد شبهة، وهي قسوة الشّريعة الإسلاميّة ووجود عقوبة الإعدام، في الوقت الذي قامت معظم دول العالم بإلغاء هذه العقوبة، واستبدلتها بالسّجن، نرد ونقول: من قال إن الشّريعة تفرض عقوبة الإعدام؟! هلّا قرأت الآية جيّدًا؟! (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥) يعني أنّ الله تعالى يُشجّع على عدم تطبيق الإعدام، ويشجع أولياء الدّم أن يعفوا عن القاتل ويقبلون الدّية، قال للذي يعفو (فَمَنْ تَصَدَّقَ) بحقه في القصاص (فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) أي تكفير عن ذنوبه، فالله يشجعنا أن نعفو. ولكنّ الفرق بين الشّريعة الإسلاميّة والقوانين الوضعيّة في الغرب بالذات، هو أنّ القانون الوضعي يجعل العفو قرارًا في يد الحكومة، ويكون قد أجبر أسرة المقتول على العفو رغماً عنهم، وبالتّالي عندما يرون القاتل في الشارع بعد خروجه من السجن وإن كان بعد مرور ٢٠ عامًا، يمكن أن يقتله أحد أبناء المقتول، لكن عندما تجعل الشريعة الإسلامية قرار العفو في يد أسرة المقتول وأولاده؛ فلما يعفون عنه، فإن رأوه في الشّارع لن يقتلوه؛ لأنّهم هم الذين اختاروا أن يخرج وأن ينتفعوا بالدّية؛ لكن في الغرب لا يأخذون تعويضاً عن أبيهم الذي مات، والدّخل الشّهري الذي كان يدخل للأسرة من عمل الأب يفقدونه، بل ويدخل القاتل السّجن ٢٥ عامًا يأكل ثلاث وجبات، لا يقدرون أن يأكلوا مثلها، ويُكمل تعليمه في السّجن، في حين أن عائلة المقتول دُمرت حياتهم، ولم يكملوا تعليمهم، بل المجرم قد يحصل على الدّكتوراه في السّجن، ويختار نشاطاً معيناً، ويتعلّم بيانو في السّجن! وكُلّ هذا على حسابهم؛ لأنّهم يدفعون الضّرائب، وبعد ١٥ عامًا يخرج، دون أن يكمل فترة عقوبته، بسبب حسن السّير والسّلوك، بعدما دمّر حياة عائلة، وأصبح الأبناء مدمنين مخدّرات، هل هذا عدلٌ أم ظلم؟!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Jan, 08:28


وهنا يأتي سؤال في منتهى الدقة: النهي عن ماذا؟! هل يمكن أن نبيع القرآن بثمن غير قليل؟! النهي واضح (وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا) إن فرضنا أنه جاءنا ثمن كبير، هل يصح أن نبيع آيات الله؟! ما الثمن العادل لآيات الله، بحيث لو جاءنا ثمن أكبر منه، يكون فرصة ونبيع؟! كلا، فلا يوجد في الدنيا كلها ثمن يساوي آيات الله، مال الدنيا كلها، ومتاعها ومناصبها كلها، لا تساوي شيئاً مقارنة بآيات الله (ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) وقال (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ) كل متاع الحياة الدنيا قليل، وليس قليلًا فقط، بل هو مؤقت لا يدوم (وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) فعندما يقول الله (فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا) لأن كل أموال الدنيا، وكل مناصب الدنيا ومتاعها لا تساوي الوحي، لذا فلا تفرطوا فيه أبدًا (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٤) لم يقل من لم يحكم بما أنزل الله فهذا هو الكافر، بل قال (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمُ) مفرد (فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) جمع، التفات في العدد من الإفراد للجمع، وهذا يفيد التعميم، يعني كلهم، ليس هناك عذر لمن لم يحكم بما أنزل الله. قد يقول البعض أن الآية تتحدث عن اليهود، فمن لم يحكم بما أنزل الله من اليهود فهم الكفار ولا دخل لنا، وهذا غير صحيح، فإذا لم يحكم اليهود بما أنزل الله فهم الكافرون! ونحن ماذا نكون إذا لم نحكم بما أنزل الله؟! فقد حدث التفات من المخاطب المفرد إلى الجمع في قوله (فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) أي أن كل من لم يحكم بما أنزل الله فكلهم كافرون. وكذلك تختم الآية ٤٥ (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥) والآية ٤٧ تنتهي (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤٧) هل هم كافرون أم فاسقون أم ظالمون؟! الآية ٤٥ تقول:

(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥)

لماذا قالت هذه الآية الظالمون؟! لأن هذه الآية تتكلم عن الحكم بين الناس، النفس بالنفس يعني الحكم في جرائم القتل، العين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن، هذه قضايا التعذيب! الذين يعذبون الناس ليعترفوا على أمور ما. وهنا لم يقل الله من لم يحكم بما أنزل الله فهو ظالم؛ لأنّه يحكم بين طرفين، والنّاس تستحق أن يُحكم بينها بالعدل، ولا عدل أكثر من شرع الله. بينما الآية ٤٤ كانت تتعامل مع الحكم في أحكام العقيدة، وليس أمور الحكم بين الناس (فلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) أمر عقائدي (وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا) تمسكوا بدينكم (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٤) إذن من يحكم في العقائد بغير ما أنزل الله كأنه يُنكر نبوة محمد ﷺ أو يقول إن الله ليس مُشرِّعًا، وليس هناك شريعة، فقد ارتكب خطأ عقائدي، فكل من يقول هذا كافر؛ لذلك نجد التفاتًا من صيغة المفرد إلى الجمع (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٤) لو أن أحدهم يعترف بأن الله تعالى له شرعًا، لكنّه غير قادر أن يُطبّق هذا الشّرع؛ لأنّ له مصالح دنيويّة تجعله غير قادر أن يتنازل عنها، كالسياحة، فلن ينتفع دون أن يُقدّم الخمر في فندقه، ولا مانع من نادٍ ليلي في الفندق أيضًا، هذا لا يحكم بما أنزل الله، ولكن ليس إنكارًا؛ ولذلك هو ليس كافرًا، ولكنّه فاسق، خرج من أحكام الله رغم أنّه يعلمها جيّدًا، كقولنا فسقت التمرة؛ أي انفصل غلافها عنها. وآخر الآية ٤٧ تقول (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤٧) وهكذا فهمنا الفرق بين ختام الآيات الثلاثة. وهناك من قالوا إن الآية الأولى تكلّمت عن التوراة، ولذلك (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٤) والآية ٤٧ تتكلّم عن الإنجيل (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤٧) فالمقصود هم المسيحيّون؛ إذا لم يحكموا بما أنزل الله فهم فاسقون، واليهود إذا لم يحكموا بما أنزل الله فهم كافرون! والآية الثالثة تتحدث عن المسلمين، إن لم يحكموا بما أنزل الله فهم ظالمون فقط!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Jan, 08:28


وسيدنا نوح وصف نفسه في سورة يونس فقال (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) وبماذا أوصى سيّدنا إبراهيم وسيّدنا يعقوب أولادهما؟! (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (البقرة ١٣٢) سيدنا يعقوب هو إسرائيل يوصي بني إسرائيل أن يعتنقوا دين الإسلام. ما دين أتباع موسى؟! ليس اليهودية! في سورة يونس (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) إذن أتباع موسى مسلمون. وأتباع المسيح ليسوا مسيحيون، في آل عمران ماذا قال الحواريون؟! (قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) أتباع المسيح مسلمون. وفي سورة النمل سيدنا سليمان ملك ونبي بني إسرائيل، إلى ماذا دعى العالم، لأي دين؟ اليهودية؟! وماذا كتب في الخطاب الذي أرسله إلى ملكة سبأ (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ(النمل ٣١) وهي ماذا قالت؟! (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (النمل ٤٤) مسألة منطقية جدًا؛ المُرسل هو إله واحد، والمُستقبِل هو نوع إنساني واحد، لأن البيض ليسوا أفضل من السود، ولا الرجال أفضل من النساء، ولا العرب أفضل من الهنود، إله واحد يعني مُرسِل واحد، ونوع إنساني واحد يعني مُستقبِل واحد، فبأي منطق نفس المُرسِل يُرسِل رسائل مختلفة متناقضة لنفس المُستقبِل؟! إذًا هي نفس الرسالة -دين الإسلام- لكنّه أرسلها مع عدد كبير من الرسل عبر الزمان، وعدة كتب كلها فيها شعار التوحيد "لا إله إلا الله -رسول هذا العصر- رسول الله" في وقت موسى كان موسى، وفي وقت عيسى كان عيسى، وبعد نزول آخر الأنبياء أصبح "محمد رسول الله" وستبقى هكذا إلى يوم القيامة، لا اله إلا الله محمد رسول الله، من يريد أن يصبح مسلمًا لا بد أن يشهد بآخر نبي. ولماذا آخر نبي بالذات، لماذا لا يشهد بهم كلهم؟! لأننا نؤمن بوحدة الرسالة، فمن يشهد بآخر رسول فهو يشهد بإيمانه بهم كلهم، نعود إلى سورة المائدة (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ) يعني النبيون الذين أسلموا، والربانيون: الذين ينتسبون إلى الرب وغايتهم إرضاء الله، والأحبار: أي العلماء. أحد المترجمين العظام للقرآن، الدكتور محمد محمود غالي، وكان مؤسس وعميد كلية اللغات والترجمة في الأزهر، قد ترجم الأحبار إلى The doctors وتعني الأحبار لكننا قد ترجمناها The rabbis فالعلماء والأنبياء، يحكمون بالتوراة لمن؟! (لِلَّذِينَ هَادُوا) أي المسلمين الذين قالوا إنا هُدنا إليك، أي يارب نحن تبنا إليك ورجعنا إليك، ويقال أن تسميه اليهود تعود إلى قبيلة يهوذا، ولهذا قيل هدنها إليك، ركز في (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ) الألف والسين والتاء مع الفعل في اللغة العربية، يعني طلب الفعل، استخرج: طلب الإخراج، استغفر: أي طلب المغفرة، استحفظ: طلب الحفظ، استحفظوا: أي أن الله أوكل إليهم مهمة حفظ التوراة؛ لذلك حُرِّفت، لماذا لم يُحرّف القرآن؟! لأن الله هو الذي حفظه وتكفل بحفظه وليس المسلمين (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر ٩) تولّى الله حفظ القرآن؛ لأنّه هو الرّسالة الأخيرة، فلا بُدّ أن يبقى حُجّة على الناس (فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) لا تخافوا الناس وخافوني أنا، ولمن موجه هذا الكلام؟! من الذين يقول الله لهم (فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) هل هم اليهود؟! بل الكلام لكل الناس في وقت نزول الآية، يقول الله لليهود لا تخافوا من النّاس، وخذوا القرار الصّحيح، واتّبعوا محمد ﷺ والقرآن. والكلام أيضًا للمسلمين، بعد أن ذكر لكم الله أخطاء بني إسرائيل، فلا تبيعوا دينكم ولا تبيعوا آيات الوحي، ولا تشتروا بها ثمنًا قليلًا.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Jan, 08:27


١٩
(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢) الله تعالى خيّر النبي ﷺ وكذلك أي حاكم مسلم في أن يحكم بين اليهود والنصارى الذين في بلده بحكم الشريعة الإسلامية -إذا هم طلبوا ذلك- ولكنّ الأفضل أن يحكّموا بشرعهم، المهم أنّنا لو حكمنا بينهم أن نحكم بالعدل ودون محاباة لأحد، وقال له (وإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا) وكأن الخطاب القرآني يشجع الإعراض عنهم. ثمّ يتعجّب الخطاب من طلبهم أنّ يحكم النّبي ﷺ بينهم:

(وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٣)

لا يوجد استفهامًا في القرآن غرضه طلبه الفهم؛ فالله عالم بكل شيء، لكن هناك أغراضاً مختلفة للاستفهام، منها التعجّب أو الإنكار على النّاس، والغرض هنا هو التعجّب (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ) لماذا جاءوك يُحكّمونك، وهم عندهم التّوراة فيها أحكام الله؟! التعجب ليس معناه أن الله يتعجب، بل إن الله يثير التعجب لدى القارئ، بمعنى: فكر لماذا جاءوا يحكمونك وعندهم التوراة؟! وفيها أحكام الله! (فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ) وليس الحكم، حكم الله بالتنكير، ورد للجنس، أي فيها جنس الأحكام كُلّها، وليس حكماً معيناً. لماذا جاءوا يُحكّمونك وهم عندهم الأحكام؟! الله يعلمنا كيف نقدح ذهننا، وأن يفهم المسلم ما هي أجندة الآخر، عندما يطلب منه شيء ولا يستجيب مباشرة دون أن يُفكّر، بل ويبحث خلف هدفه، ونفكر بطريقة سياسية وبهدوء. في الحالة التي ذكرناها في الآيات السابقة، أن أجندتهم كانت محاولة تفادي الرّجم، فذهبوا إلى النّبي ﷺ لعلّه يحكم بالجلد؛ لأنّ الوارد في القرآن كعقوبة على زّنا غير المحصن هو الجلد، فظنّوا أنّه سيحكم بهذا الحكم، إذن هم لديهم أجندة، وليس لأنّهم يريدون الحق (ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ) وبعد أن حكمت لم يقبلوا حُكمكَ، ولا قبلوا حكم التّوراة! (وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) هؤلاء ليسوا مؤمنين حتّى بالتّوراة! وآخر ما ذكر في الآية هو التوارة؛ إذن مقصود أنهم لا يؤمنون بالتوراة أيضاً (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٣) أكثر تهمة يتّهمنا بها في الغرب أنّنا معادون للسّامية، وأنّنا نكره اليهود واليهوديّة! وأفضل ردّ عليهم هو الآية ٤٤

(إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٤)

الله واحد، لكنه سبحانه يتكلّم بصيغة العظمة، نون العظمة (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ) لأنها أمرٌ عظيم، وكتابٌ عظيم، يا من تقولون أنّ الإسلام مُعادٍ للسّاميّة؛ انظروا ماذا يقول القرآن عن أخته التوراة، وكيف يصفها (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ) القرآن يصف التّوراة بأنّها مصدر للهدى والنّور، في نفس السّورة وُصِف النّبي محمد ﷺ أنّه نور (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥) الكتاب هو القرآن بالتالي فالنور هو النبي ﷺ وصف بأنه نور من ﷲ (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦) الله يُخرج بالنّبي ﷺ وبالقرآن النّاس من ظلمات الشّرك والكفر إلى نور التّوحيد والإيمان، ونفس هذا الهدى وهذا النّور موجود في التّوراة، حسب وصف القرآن فهدى الله ونوره لن يختلف باختلاف الكتب (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ) التّوراة مصدر للهدى والنّور، يعني الإيمان وشريعة الله (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا) هل يوجد أنبياء أسلموا؟! نعم فكُلّ الأنبياء مُسلمون، إن كنت تعتقد أنّ الإسلام بدأ بسيدنا مُحمّد ﷺ فأنتَ هكذا لا تفهم مبادئ العقيدة، الإسلام هو دين الله الذي ارتضى لعباده منذ خلق الأرض وما عليها، كُلّ أنبياء الله مسلمين، أي أسلموا وجههم لله، استسلموا لقضاء الله وقدر الله وأوامر الله.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Jan, 08:23


فيديو ٨٩٣ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة المائدة - الحلقة ١٩ الآيات ٤٣-٤٥

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Jan, 08:22


https://www.youtube.com/live/AafCiTfm688?si=QC_-uwpxbO1bkXiE

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

25 Jan, 10:57


(وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢) لو الدنيا كلها ظلمت أنت لن تظلم يا محمد، وإن ظلمت الدنيا بأكملها، فليس أنت الذي ستظلم يا مسلم، نحن في الإسلام، ليس لدينا إلا العدل -القسط- لماذا؟! لأن ﷲ يحب المقسطين، ونحن أهم أهدافنا هو إرضاء ﷲ.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

25 Jan, 10:57


(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) أكّال: صيغة مبالغة من أكل، يعني دائمًا يأكلون سحتًا، السحت: هو الحرام بكل أشكاله، سواء مال مسروق، أو من غش السلع في التجارة، أو ربا أو رشوة، أو أي نوع من أنواع الحرام. ومن المهم للغاية أن ينتبه الإنسان للطعام الذي يأكله، ويتأكد أنه من مال حلال. فقام سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ فقال يا رسولَ اللهِ ادعُ اللهَ أن يجعَلَني مستجابَ الدَّعوةِ فقال رسولُ اللهِ ﷺ (يا سعدُ أطِبْ مَطْعمَك تكنْ مستجابَ الدَّعوةِ والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِه إنَّ العبدَ يقذِفُ اللُّقمةَ الحرامَ في جوفِه ما يُتقبَّلُ منه العملُ أربعينَ يومًا وأيُّما عبدٍ نبَت لحمُه من سُحْتٍ فالنَّارُ أَوْلَى به) فهؤلاء فسدت فطرتهم من كثرة أكل الحرام! ومعنى فساد الفطرة هو: عدم القدرة على تحسين الحسن، وتقبيح القبيح الواضح، فهؤلاء الذين يرون أن العلاقات الشاذة ليس بها مشكلة، فهذا فساد فطرة، وإن لم يشارك فيها، يكون القبيح أمامه ولا يرى أنه قبيح! فأصبح الواحد منهم سماعًا للكذب، يفتح البرامج ويشاهد كل ليلة الكذابين، وهو يعرف أنهم يكذبون عليه، وهو يحب أن يُكذب عليه، ويحب أن يسمع كذبهم، لماذا؟! لأن الحقيقة تخيفه، فلا يريد الحق ويكره الحق، وسيقول هؤلاء الناس في النار لمالك خازن النار في سورة الزخرف (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) يريدون دائمًا أن يسمعوا الكذب، يحبون أن يُكذب عليهم، ويحبون أن يصدقوا الكذب، هؤلاء موضعهم بالنار سينادون على مالك خازن النار قل لربك أن يميتنا، لم نعد نتحمل العذاب، سيجيبهم بل أنتم باقون في النار (لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) فهم لفساد فطرتهم كرهوا الحق، سماعون للكذب ليسوا كذابين، بل هؤلاء الذين يسمعون للكذابين ويشجونهم أن يستمروا في الكذب، هم جمهور الكذابين ومتابعيهم، أكمل الآية ٤١ (وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٤١) قلنا عندما تجد كلامًا بمعنى أن الله هو الذي أضل أناساً، أو لم يرد أن يطهر قلوبهم، فمعناه أن الله يقصد فئات معينة، مثل: الخائنين والظالمين الكاذبين، وكل إنسان باستطاعته أن يضع نفسه ضمن هذه الفئات أو خارجها (وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ) الفتنة هنا معناها أن يعذبه الله، لأن فتن الذهب هو حرقه على النار، فمن يرد ﷲ أن يعذبه بسبب أفعاله التي عملها في الدنيا (فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) لن تستطيع أن تساعده، وهذا الكلام للنبي محمد ﷺ حتى هو لن يستطيع مساعدتهم (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) لأن هؤلاء هم الذين أراد الله أن تظل قلوبهم فاسدة؛ لأنهم هم الذين تمادوا في الكفر والعناد حتى سقطوا من عين ﷲ، فلم يعد يلتفت إليهم (لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٤١) سيظلون يسمعون الكذب ويقبلونه، ويظنون أن الدنيا جميلة، برغم الظلم والحرام الذي يرتكبونه، إلى أن يخزيهم الله في الدنيا، فيقعون على رقابهم ويُفضحون، وسيأتي يوم سيتمنون لو أنهم قد ماتوا قبل أن يأتي! وهذا ينطبق على كل إنسان يعيش حياة مزدوجة، عنده حياتان، حياة أمام الناس يتظاهر فيها بالتقوى، وحياة سرية فيها علاقات محرمة ومعاص، والله يستر عليك ويمهلك لعلك تتوب، فإذا لم تتب تُفضح، هل تتوقع أن يستر الله على انحرافاتك دائمًا؟! (لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٤١) شخص ارتكب السرقة مرة واثنين وثلاثة، وستر الله عليه، سيفضحه بعد ذلك، وسيُظهر أنه سارق، ويظهر أنه مرتشٍ!

(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢)

بعد أن أظهر الله حقيقتهم للنبي ﷺ ترك له أن يختار، لو جاؤوا يطلبون أن تحكم بينهم، فأنت مخير أن تحكم أو تُعرض عنهم، لا مشكلة في ذلك، كما ترى المصلحة، إذا كان في مصلحة المجتمع أن تحكم بينهم بحكم الشرع، احكم، وإذا رفضت فهذا حقك، وفي الشريعة الإسلامية من حق الأقليات أن تحكم بشريعتها الخاصة، إلا لو طلبوا أن يتحاكموا بشريعة الإسلام (وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا) يعني لن يضرك أن ترفض أن تحكم بينهم، وكأن القرآن يفضل ألا يحكم بينهم الرسول ﷺ وأن تتحاكم الأقليات لشرعها؛ حتى لا يقول أحدهم أننا نفرض عليهم شرعنا. لكن المهم هو أنك لو قررت أن تحكم بينهم أن تحكم دائمًا بالقسط أي بالعدل. وهذه وصية الله لنبيه ﷺ على الكفار!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

25 Jan, 10:57


وحكمهما في الإسلام وفقًا للقرآن هو الجلد لغير المحصن، والرجم للمحصن يعني للمتزوج، لكن في التوراة الحكم هو الرجم، وفي الإسلام تطبق على الأقليات غير المسلمة في شريعتهم، فيبدو أن اليهود أتوا للنبي ﷺ على أمل أن يقول لهم اجلدوهم، فالنبي ﷺ رمى الكرة في ملعبهم، وقال لهم: ماذا تقول التوراة؟! قالوا: التوراة تقول أن يحممان ويجبهان ويجلدان، يحممان: يعني توضع الحمم على وجهيهما، يعني يلطخ وجهيهما باللون الأسود، ويجبهان: يعني يركبان حمارًا، ظهرهما لظهر بعض، ويطاف بهما في الشوارع ليُفضحا ثم يجلدان، فالنبي ﷺ قال لهم كذبتم، بل التوراة تقول بالرجم، فقالوا: كلا، التوراة لا تقول بالرجم، فقال النبي ﷺ لهم هاتوا التوراة واقرءوها، فأتوا بالتوراة وأخفوا آية الرجم، حتى نفهم ما معنى أخفوا الآية، يجب أن نعلم ما هيئة التوراة، فالتوراة ليست في هيئة كتاب عادي أو كالقرآن، التوراة تُحفظ في المعبد اليهودي في شكل أسطوانة، التوراة مكتوبة في ورقة واحدة طويلة للغاية، وتُلَفّ حول بعضها مثل أسطوانتين، وعندما يفتح الحاخام التوراة، تُفتح من جهة، أي ينشر من إحدى الأسطوانتين، فيستطيع أن ينشر ما يريد أن يقرأه ويجعله هو الظاهر، ويطوي ما يريد أن يخفيه، بأن يلف الموضع الذي لا يريده أن يظهر حول الأسطوانة الأخرى، بحيث يكون النص غير ظاهر. أنتم كيهود ذهبتم للنبي ﷺ تطلبون رأيه، فلماذا ترفضونه؟! إلا لو أنكم عاقدون النية على قبول رأي معين، ورفض أي رأي آخر، تنوون قبول رأيه إن قال بالجلد، وسترفضونه إن قال بالرجم، لماذا؟! لأنه رأي لا يرضيكم (وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) سمعت فلاناً يعني سمعت صوته، لكن أسمع لفلان يعني أحب آراءه وأقبلها، أسمع للدكتور بسام جرار يعني أحب وأقبل آراءه (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) يعني يحبون أن يسمعوا الكذب، وهم يعلمون أنه كذب! هناك أناس يحبون أن يُكذب عليهم؛ لأن الكذب يطمئنهم، فيقولون لهم الدنيا جميلة والحال مريح، والأسعار ستنخفض وسنصبح بلدًا متقدمًا، والناس تعلم أن هذا كذب، لكنهم يحبون سماعه، لأنه يريحهم (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوك) هم جواسيس، أتوا ليسمعوا رأيك، وينظرون ما تقول، ثم يذهبون ليكتبوا تقارير عنك لقوم آخرين غير ظاهرين في الصورة، لكن كل شيء يصل إليهم وهم جالسون في مواضعهم (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) وتعبير (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ) ألم يمر علينا قبل ذلك في المائدة؟! (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ…(المائدة ١٣) كلا، ليس فيها تشابه، في أول المائدة (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) وهنا (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ) ما الفرق بينهما؟! من هم الذين حرفوا الكلم عن مواضعه، هم الذين نقضوا ميثاق ربهم (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ.(المائدة ١٣) هؤلاء هم الأجيال الأُولى التي قتلت الأنبياء، وحرفت كلمات التوراة بتأويلات فاسدة، وتفاسير على هواهم، وحرفوها بتغيير كلمات موضع كلمات أخرى، وكذلك بتبديل فقرات بأخرى! لكن الذين حرفوا الكلم من بعد مواضعه هم يهود المدينة -بعدهم بألفي سنة- أي الأجيال المتأخرة، أضافوا تحريفًا لكلام التوراة بعد مدة من استقرار أحكام التوراة، بتأويلات فاسدة أو محاولة قراءة آية وترك أخرى؛ ليصلوا إلى ما يريدون، فقيل عنهم (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) بعد مدة طويلة، استمروا بالتحريف، ومعظم التحريف هو عن طريق تفاسير على هواهم، ليس لها قاعدة (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) يقولون لبعضهم البعض لو أن محمدًا وافق على كلامكم تصرفوا كأنكم تأخذون بكلامه وبحكمه، لكن لو خالف ما تريدون لا تأخذوا بكلامه (إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) وهذا انعدام الموضوعية، وغياب كامل للتقوى والأمانة، كون الشخص يذهب ليستفتي المفتي، وفي نيته أن ينفذ كلامه فقط، لو الحكم وافق هواه، شيئًا مذهلًا! كيف تفسد فطرة الناس إلى هذه الدرجة؟! ماذا يأكل هؤلاء الناس لتفسد فطرتهم بهذا الشكل؟! قال الله بعدها في الآية ٤٢ (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

25 Jan, 10:57


١٨

بعد أن أنزل ﷲ عقوبات الخيانة والغدر في جريمة الحرابة والسرقة، لأن الجريمتين فيهما عنصر الغدر والخيانة، فقطاع الطرق يختبئون في طريق القوافل ثم يقطعون الطريق ويروعون الناس، ويرهبون المسافرين الآمنين، ويقتلونهم ويسلبون أموالهم، وتعبير "قطاع الطرق" ليس تعبيراً قديماً انتهى زمنه، بل ما زالت هذه الجريمة موجودة حتى يومنا هذا، وما زال هناك من يقطع طريق الناس، ويقتلوهم ويأخذون أموالهم أو سيارتهم! وكذلك السارق الذي ينشل محفظة من جيب شخص، أو يكسر باب بيت في حال عدم وجود أصحابه، ويدخل ليسرق البيت، ويأخذ ما غلا ثمنه وخف وزنه.
ثم يتكلم الله عن نوع آخر من الخونة:

(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ومِنَ الذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَومٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ مِنْ بَعدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُم هذا فَخُذُوهُ وإن لم تُؤتَوهُ فاحذَرُوا ومَنْ يُرِدِ اللهُ فِتنَتَهُ فَلَنْ تملِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شيئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَم يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ولهُمْ في الآخِرَةِ عذابٌ عَظِيمٌ (٤١)

نبرة الحب واضحة في الآية، يواسي الله نبيه ﷺ فيناديه بلقب (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ) ناداه بهذا النداء مرتين، وكلاهما في سورة المائدة، في الآية ٤١ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) مقام الله كبير، أعظم من مقام الرسول ﷺ بل لا يوجد مقارنة، فلماذا يناديه بهذا الاحترام الشديد؟! تخيل أب لديه ابن، والابن طبيب ماهر، لكن أحد المرضى كانت حالته المرضية شديدة، ومات في العملية، فالأب وجد ابنه متضايقًا كما لو أنه يلوم نفسه أو خائفًا من أن يكون هو السبب، فالأب يريد أن يوصل لابنه أنه فخور به، فيناديه: يا دكتور لا تلُم نفسك، أنت أديت ما عليك، مع أنه أبوه، وممكن أن يناديه باسمه، لكنه يناديه بلقبه، ليؤكد له أنه فخور به، وأنه في نظره طبيب ماهر، بالتالي عندما يكفر الناس، برغم أن الرسول ﷺ تعامل معهم، ولم يؤمنوا بل ونافقوا، فمن الممكن أن يظن الرسول ﷺ أنه هو السبب، لأنه لم يوصل لهم الرسالة بطريقة صحيحة، أو بأسلوب يقبلونه، فالله الذي أرسل الرسول ﷺ عندما يناديه بلقب الرسول، ويكلمه عن الذين كفروا، وأن الأمر ليس خطأك، بل ولا تحزن عليهم، فإنه يؤكد له أنه راضٍ عنه كرسول (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُكُم) من هم هؤلاء؟! المنافقون طبعاً، قالوا آمنا بأفواههم، لأن من في المدينة كلهم أصبحوا مسلمين، وللحفاظ على مراكزهم وعلاقاتهم، أعلنوا الإسلام وأخفوا في قلوبهم الكفر. لماذا لم يوجد منافقون في مكة؟! لأن الإسلام لم يكن قويًا، لكن الإسلام في المدينة أصبح هو الحاكم، وبالتالي أصبح من مصلحة البعض أن يكون لديهم علاقة جيدة بالمسلمين، فيُظهر النفاق (يُسَارِعُ فِي) يعني يظهر بسهولة، يسارع فيه الشيب، يعني يظهر عليه، المنافقون في ظاهرهم أنهم من المسلمين -من مجتمع المسجد- لكنهم يظهر عليهم بجلاء مظاهر الكفر، مثل موالاة الكفار، لذلك قال سبحانه (الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) لكن واضح أنهم ليسوا مسلمين، فالله يقول للنبي ﷺ لا تُحزن نفسك أبدًا عندما ترى حالهم هكذا، لا يستحقون أن تحزن لأجلهم، هذه نبرة حب من ﷲ لرسوله (وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ) هؤلاء يأتون ليسألوك ثم لا يصدقون، لأنهم يريدون أن يسمعوا الكذب وليس الحقيقة، هم لا يبحثون عن الحقيقة، لأن الحقيقة لن تسعدهم ولن تسرهم. وهنا حدثت قصة، وهي أن مجموعة من اليهود زنا منهم رجل وامرأة، فاختلفوا في حكمهما، كيف يعاقبونهما؟! فذهبوا إلى النبي ﷺ ليحكم بينهم، هنا سؤال: لماذا يذهب اليهود المتكبرون على المسلمين، وهم لا يؤمنون بنبوة النبي ﷺ، يذهبون إليه ليحكم بينهم وهم عندهم التوراة؟! هناك عدة آراء، منها -وهذا ما اقتنعت به- أن في تعاليم اليهود يجب أن يطيعوا الحاكم الذي يحكم المنطقة التي يعيشون فيها؛ لأن اليهود تناثروا في العالم، وأصبحوا يعيشون في جماعات صغيرة، فمن ضمن تعاليمهم وثقافتهم أن يكونوا مطيعين للحاكم ولنظام الحكم، أو على الأقل يظهرون الطاعة؛ ليتفادوا الصدام معهم، لأنهم يمكن أن يُمحوا من على وجه الأرض، حتى لو لم يكن هذا الحاكم الذي يطيعونه يهودياً، فلما ذهبوا للنبي ﷺ قال لهم أن حكمهما في التوراة أن يُرجما.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

25 Jan, 10:56


فيديو ٨٩٢ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة المائدة - الحلقة ١٨ الآيات ٤١-٤٢

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

14 Jan, 13:21


(وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين (١٣) التعبير بصيغة المضارع (وَلَا تَزَالُ -يا محمد- تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ) أي أن الخيانة مستمرة لا تتوقف، وستظل ترى منهم خيانات مستمرة يا محمد! فبنو قينقاع كانوا أول من خان، ثم بنو النضير خانوا، وبعدهم بنو قريظة، بعد أن نقضوا حلفهم مع المسلمين وحاربوا مع المشركين، وهنا نرجع إلى الموضوعية وعدم التعميم (وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ >> إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) طبعاً ليس كلهم، وبالتأكيد منهم منصفون، مثل عبد ﷲ بن سلام، ويامين بن عُمَير، وصفية بنت حيي بن أخطب، وريحانة وغيرهم من اليهود الذين أسلموا. كيف نتصرف مع هؤلاء؟! (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣) هؤلاء تعفوا عنهم مباشرة، كأنهم لم يعملوا أي مشكلة معك، وليس هذا فقط، بل أيضاً تصفح. وهناك فرق بين العفو والصفح: عفوت عنك أي أنني لن أعاقبك، لكن ربما لا يزال في نفسه شيء منه، لا يزال هناك أثر نفسي! لكن أصفح يعني أن أنسى أي مشكلة وأي إحساس داخلي ضدك، كما يقول أولاد البلد في مصر يقولون "مسامح، مسامح، صافي يا لبن يرد ويقول: حليب يا قشطة" أي أن النفس من داخلها أصبحت صافية كأنه لم يحدث شيء! فالصفح هو أن تصفو النفس في مشاعرها أيضاً. والدرجة الأعلى أيضاً هي الإحسان إليهم (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣) إذا أخطأ عليك واعتذر منك وندم، فتعفو عنه وتنوي عدم عقابه، وتصفح، أي أن نفسك تصفو من ناحيته، وأيضاً تجلب له هدية، أو تدعوه إلى الطعام؛ وبذلك أنت وصلت لدرجة الإحسان. أسأل ﷲ أن يجعلني وإياكم من المحسنين.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

14 Jan, 13:21


قد تقول ما ذنبهم، فالله هو الذي جعل قلوبهم قاسية؟! سأقول لك ارجع للآية ١٥٥ و ١٥٦ في سورة النساء، وسترى أنهم هم الذين كفروا أصروا على الكفر، فأعطاهم الله ما يريدون، أعطاهم قلوباً شديدة قاسية لا تعود عن الكفر (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وكُفرِهِمْ بآياتِ اللهِ وقتلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلفٌ بَلْ طبعَ اللهُ عليهَا بكفرِهِمْ فلا يؤمِنُونَ إلا قَلِيلًا (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (١٥٦) التأكيد ثلاث مرات على أنهم هم الذين كفروا، أصروا على الكفر، وبعد ذلك لعنهم الله، وجعل قلوبهم قاسية، مثل أبي لهب وزوجته حتى بعد نزول سورة المسد (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (٢) سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥) أيضاً لم يرجعوا عن الكفر بغبائهم، ولا حتى من باب إحراج الإسلام، لأنهم بعد نزول سورة المسد، لو نطقوا بالشهادتين لأثبتوا أن القرآن خطأ، وأن ﷲ -جل وعلا- لا يعلم الغيب، فكيف يعلم وهم قد أسلموا؟! فالله -سبحانه- في هذه السورة قال أنهم سيموتون على الكفر! لكن قسوة القلوب تجعل العِند يعمي الإنسان حتى عن التفكير (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) حرفوا كلام الله، وبدَّلوا كلاماً مكان كلام، أي حذفوا من التوراة فقرات وكتبوا فقرات، وحرفوا الكلم عن مواضعه، أي عن معانيه، وأصبحوا يفسرون التوراة على هواهم بدون أصول للتفسير -تفسير باطني- أما نحن عندنا أصول للتفسير، مثلاً أول أصل هو تفسير الكتاب بالكتاب، أي عندما أقول لك أن هذه الكلمة معناها كذا، والدليل أن الله سبحانه استخدمها في موضع آخر بمعنى كذا، وأجلب لك الدليل، هذا يسمى تفسير الكتاب بالكتاب، أو بالسنة أي أن النبي ﷺ فسر هذه الآية، وشرحها بأن معناها كذا، أو بدليل من اللغة العربية، وأجلب لك دليلاً من الشعر الجاهلي، كي أثبت أن العرب من قبل نزول القرآن كانت تستخدم الكلمة هذه بمعنى كذا. لكن التفسير الباطني لا يخضع لأصول ولا لقواعد، هو مجرد أهواء. مثلاً بعض جهلاء الشيعة يفسرون (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) هل تعلم بماذا يفسرون معناها؟! أن الله يأمر بذبح عائشة! ولا حول ولا قوة إلا بالله، لمجرد أنهم يكرهون السيدة عائشة رضي ﷲ عنها وأرضاها، ويريدون أن يسيئوا إليها بأي شكل. مثال آخر لتفسير الشيعة (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (١٩) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (سورة الرحمن) يفسرون ذلك بأن البحرين هما الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء، واللؤلؤ والمرجان هما الحسن والحسين. على أي أساس من اللغة، أو من الكتاب، أو من السنة، يفسرون هذا الكلام!؟ لا يوجد أساس له، مجرد هوى! وهذا هو التحريف لمعاني كلام ﷲ.
نرجع إلى الآية ١٣ (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) قال ابن عباس [تركوا نصيباً؛ مما أمروا به في كتابهم] وهو الإيمان بمحمد ﷺ، لأن اليهود كان عندهم نبوءات باقتراب موعد خروج نبي آخر الزمان، وأنه سيخرج من أرض فيها "حرّات" جمع حرّة، أي مساحات فيها نتوءات صخرية، لا تستطيع الخيول أن تمشي فيها، وفيها نخيل. وبسبب ذلك جاءوا من فلسطين، واستوطنوا مناطق معينة في الجزيرة العربية، مثل يثرب وخيبر ونجران، على أمل أن يخرج من بينهم نبي آخر الزمان، ولما ظهر النبي ﷺ من بين العرب وليس من بين بني إسرائيل، ومعه كل علامات النبوة المنصوص عليها عندهم (وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) ماذا يعني نسوا؟! أي تركوا العمل، وليس النسيان بمعنى الفقد من الذاكرة، وهل يأتي النسيان بمعنى آخر غير الفقد من الذاكرة؟! نعم، تأتي بمعنى ترك العمل، وهذا المعنى وارد في سورة طه إذا عدنا إلى تفسير الكتاب بالكتاب (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (١١٥) آدم نسي، يعني ترك العمل بأوامرنا، وليس نسي من الذاكرة (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) تركوا العمل، أي لم يؤمنوا بالنبي ﷺ.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

14 Jan, 13:21


من اللافت للنظر (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا) لماذا يذكر الله سبحانه هذا التفصيل في آية عن الميثاق والإيمان والعمل الصالح، وجزاء العمل الصالح ودخول الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، والكفر والضلال، لماذا؟! (وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا) تفصيلة إدارية جداً، لماذا؟! لأن الدنيا ليست كلها روحانيات، فالمسلم يسمو روحياً، ولكن يجب أن يبقى واعياً، ويفكر تفكيراً إدارياً ومنظماً، فالمسلم ليس ساذجاً، تنظيم الناس وتعيين قيادات عليهم شيء جيد، ولا يعتبر تفريقاً للجماعة، والنبي ﷺ كان تفكيره إدارياً، فبعد بيعة العقبة الثانية هل تعلمون ماذا حدث؟! وهذا من حكمة النبي ﷺ قبل الهجرة بثلاث سنين، قابل ستة من كفار يثرب في وفد الحج، سألهم من أين أنتم؟! وسألهم هل من أصحاب يهود؟! وكان سؤالاً غريباً قليلاً، وعرض عليهم الإسلام، وكان يذكرهم أنهم من أصحاب اليهود في المدينة الذين يتحدثون عن نبي آخر الزمن الذي سيظهر، وتناقشوا فيما بينهم أنه الرسول الذي يتكلم عنه اليهود وأسلموا، وفي السنة التي تليها جاء خمسة من هؤلاء الستة، وإضافة لهم جاء سبعة آخرون، وبايعوا النبي ﷺ وأسلموا، وهذه كانت تسمى بيعة العقبة الأولى. فأرسل النبي ﷺ معهم مصعب بن عمير، وأسلم على يده العشرات. وفي آخر سنة قبل الهجرة عند بيعة العقبة الثانية، كانوا ٧٥ شخصاً من المدينة ثلاث نساء و ٧٢ رجلاً، وهم يُمَثِلون وفداً من المسلمين الذين أسلموا على يد مصعب بن عمير في سنة واحدة، بعد البيعة طلب رسول الله ﷺ أن يختاروا اثني عشر زعيمًا، يكونون نقباء على قومهم، ومسؤولون عنهم في تنفيذ بنود هذه البيعة. فهل يعقل أن يتعامل رئيس الدولة مع كل فرد منهم؟! لا يعقل! والذين بايعوه كانوا ٧٥ شخصاً من المدينة، وهم يُمَثِلون وفداً، فكان عليهم أن يختاروا زعماء للتواصل مع النبي ﷺ بسهولة، ولما تم اختيار هؤلاء النقباء، أخذ عليهم النبي ﷺ ميثاقًا آخر، بصفتهم رؤساء مسؤولين، وتم اختيار تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، نقباء الخزرج:
١- أسعد بن زُرَارَة بن عدس.
٢- سعد بن الرَّبِيع بن عمرو وكان معروفاً واستشهد في أحد.
٣- عبد الله بن رواحة بن ثعلبة. وهو شاعر الرسول ﷺ كان القائد، واستشهد في غزوة مؤتة.
٤- رافع بن مالك بن العَجْلان.
٥- البراء بن مَعْرُور بن صَخْر.
٦- عبد الله بن عمرو بن حَرَام.
٧- عبادة بن الصامت بن قيس.
٨- سعد بن عبادة بن دُلَيْم.
٩- المنذر بن عمرو بن خُنَيْس.
ونقباء الأوس:
١- أُسَيْد بن حُضَيْر بن سِمَاك. وهذا شخص مهم جداً، وكان قد ذهب ليقتل مصعب بن عمير بحربته؛ لأنه يُؤلب عليهم نسائهم وعبيدهم، فقال له مصعب استمع إلي، فإن لم يعجبك لك عليّ ألا أكلم أحداً من أهلك، فغرز حربته في الأرض لتكون جاهزة، جلس لدقائق ثم قام مسلماً، وأخذه إلى زعماء القبائل.
٢- سعد بن خَيْثَمَة بن الحارث.
٣- رفاعة بن عبد المنذر بن زبير.
وبعدها عقد اجتماعاً مع النقباء الاثنا عشر، وقال لهم «أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء، ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم، وأنا كفيل على قومي» أي أن الرسول ﷺ كفيل على المسلمين في مكة، وهم كفلاء على المسلمين في المدينة، مسؤولون عن النظام وتطبيق بنود البيعة، قالوا: نعم. إذن النظام مطلوب في كل شيء، ولكن هل معنى ذلك أن المنظمين يجب أن يحالفهم التوفيق؟! قلنا من قبل، التوفيق من عند ﷲ. ركز في الآية (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا >> وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ) معية ﷲ فيها التوفيق والنصر والنجاح، أما التنظيم واختيار النقباء وعقد الاجتماع والانتخابات، فهذا كله أخذ بالأسباب، أما النصر من الله سبحانه.

(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣)

(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ) هذه حيثيات اللعن، أي حيث أنهم نقضوا عهدهم لعناهم، فالله سبحانه يقول لماذا لعنوا؟ بسبب أنهم نقضوا ميثاقهم، فلا آمنوا بعيسى ولا بمحمد ﷺ ولا بأنبياء آخرين، وطبعاً لا نصروهم ولا ساندوهم، بل قتلوا أنبياء مثل زكريا ويحيى، وحاولوا قتل المسيح ومحمد ﷺ، وربما هناك أشياء أخرى في الميثاق لم يؤدوها مثل الزكاة. فعندما نقضوا ميثاقهم (لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) لعنهم الله أي طردهم من رحمته، وجعل قلوبهم قاسية في الكفر الذي اختاروه، وفي عدم التأثر بذكر ﷲ الذي اختاروه

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

14 Jan, 13:21


(وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) الإيمان بالرسل هو ما يقي الإنسان من العذاب، لماذا؟! لأن الله قال (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (الإسراء ١٥) إذن والآن بعد أن بعث الرسول، ماذا سيفعل سبحانه؟! سيعذب من لم يتبع الرسول محمد ﷺ فليس لديك خيار آخر، إذا وجد الرسول يجب أن تؤمن به وتسانده (وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) التعزير هو النُصرة مع التعظيم، تنصر وتعظم، فأنت لا تنصر شخصاً ضعيفاً، بل تنصر شخصاً عظيماً جاء يحمل رسالة عظيمة قد تغير العالم، فأنت تشارك في حركة ضخمة من شأنها أن تغير العالم! وهذا بالضبط عكس ما فعله بنو إسرائيل مع سيدنا عيسى وسيدنا محمد ﷺ، يقول سبحانه (وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) لكنهم كفروا بهما، ولم يكفروا فقط بل حاولوا أن يقتلوهما، بني النضير حاولوا قتل النبي ﷺ، واليهود أيضاً حاولوا قتل السيد المسيح (وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) ألم ندفع الزكاة!؟ هنا المقصود بها الصدقات، أي ما زاد عن الزكاة الواجبة. انتظر قليلاً! ذكر الصدقات غير الواجبة، وهي نوافل مذكورة في الميثاق، فيجب أن يقوموا بها، فمن يقدم قرضاً حسناً لله فهو يدفع صدقات غير واجبة، فيستحق بعدها (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) أليس بذلك الصدقات غير الواجبة، أصبحت واجبة؟! بما أن الله وضعها كشرط في الميثاق، فلن تكون نافلة! فكيف يضع الله سبحانه النوافل في الميثاق، فهو بذلك أوجبها؟! ربما هذه الآية من الآيات التي جعلت أبا ذر الغفاري يقول رأيه الذي يخالفه فيه كل الصحابة والفقهاء، وعندي حلقة في ذكرى وعبرة عن أبي ذر الغفاري في هذا الموضوع، أبو ذر ذهب أن في المال حقاً غير الزكاة، أكثر من الزكاة، وأن المال يجب أن يُنفق طالما أنه يوجد جائع، ويجب ألا يتم الادخار حتى لا يبقى أي جائع. ولكن لما تأملت في الأمر، وجدت أن ليس كل الأغنياء يخرجون الزكاة، فأنت عندما توجب على أغنياء المسلمين أن يخرجوا كل أموالهم، ويدفعون غلطة الأغنياء البخلاء الذين لا يدفعون الزكاة، فأنت بذلك تُفْقِر أغنياء المسلمين، فرأى أبا ذرٍ غير صحيح. ولما تأملت في الأمر أكثر، وجدت أن إيتاء الزكاة من أركان الإسلام، ماذا يعني من أركان الإسلام!؟ أي أنه أقل شيء يحتاج الإنسان أن يعمله كي يُعْتَبر مسلم أن تخرج ٢.٥ بالمئة من مالك، فهي الحد الأدنى، لكن الفضل من ﷲ وإدخال الإنسان جنات تجري من تحتها الأنهار، والنعيم المقيم الكبير العظيم في الجنة، يزيد كلما زادت أعمال الإنسان، لذلك عندما يقول سبحانه (وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) فهذا فعلاً معناه النوافل التي تزيد ذلك، لكن هذا ليس مقابل ألا يدخل النار ويدخل الجنة، لكن هذا لأجل الفضل الكبير من الله سبحانه. فما جاع فقير إلا بتخمة غني، لأن الله -سبحانه- جعل المال في الدنيا يكفي الجميع، ولو أنه أعطى أشخاصاً أكثر من غيرهم، لكن جعل دورهم أن ينفقوا زكاة أموالهم، بحيث أن لا يبقى ممن أعطاهم أقل جائعاً أو ينام دون غطاء. فلو أن كل الأغنياء أخرجوا زكاة أموالهم، لما بقي على الأرض جائعاً واحد، ولكن نحن لسنا في عالم مثالي، فدائماً سيظل هناك أُناس لا يدفعون الزكاة، بل أغلبية الناس لا يدفعون الزكاة، قالَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ (إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ الْمِائَةُ لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً) فالناس مثلها مثل مئة جمل، وبالكاد تجد جملاً يمكن أن يركب عليه ويكون راحلة، أما الباقي فيستفاد منها من اللبن أو اللحم، فلا تتوقع أن يأتي يوم قريب يكون فيه معظم الناس صالحين، للأسف الناس من سيئ إلى أسوأ! وأنت ترى المصائب التي تحدث هذه الأيام. أنت واجبك أن تؤدي الزكاة، ويبقى هناك فقراء، وهذه فرصة للتجارة مع ﷲ، لماذا؟! زكاة المال عليك لمالك، والذهب والفضة هي ربع العشر الذي تدفعه، أو ٢،٥٪ فهذا أقل القليل، وسيبقى لك ٩٧.٥%، ولو أنك ضاعفت المبلغ، وجعلته ٥٪ هل ستصبح فقيراً؟! سيبقى لك ٩٥٪. ولو ضاعفته ثلاثة أضعاف وجعلته ٧،٥٪ هل ستصبح فقيراً؟! كلا بل يبقى لديك ٩٢.٥% جرب هذا، والله سترى بركة في مالك وفي أولادك لم ترها في حياتك كلها، فقط عليك أن تتاجر مع الله (فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) بعد كل هذه الهداية من يكفر يكون ضائعاً، ضل: ضاع وتاه (فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) فأحياناً عندما يضل الشخص الطريق يجد نفسه في مكان لطيف وجديد جميل، يستمتع بما حوله، ولكن احذر أن تظن أنك لو ضللت ستضل في مكان جيد. كلمة السواء يعني سوي، لأنك ستجد نفسك في طريق سيئ جداً وليس سوي.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

14 Jan, 13:21


وميثاق المسلمين (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١٠) هل هذا الكلام خاص ببني إسرائيل؟ كلا، هل هو خاص ببني إسماعيل؟! كلا، إذن لمن موجه هذا الكلام؟! موجه عموماً لكل الأمم، وهذه الآية عامة لكل الذين آمنوا، وكذلك لكل الذين كفروا، فإذن الرسالة الموجهة في الآية ١٢ موجهة للمسلمين، وإن كانت على شكل قصة، يُقص فيها ما حدث مع أمة من الأمم التي قبلنا، وهي بني إسرائيل، لكنها رسالة لك أيها المسلم (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) الرسالة موجهة لك، فبني إسرائيل الآن لا يقيمون الصلاة، ولا يقرأون القرآن! وأول أمر طبعاً هو إقامة الصلاة، وهي الصلة التي بين العبد وبين ﷲ، فالصلاة مهمة، لأن الإنسان يُوقِف فيها كل تفكيره في الماديات وفي الدنيا، ويتواصل مع السماء، فتسمو روحه بالتواصل مع الملأ الأعلى، مسألة خطيرة جداً، لذلك فالصلاة أهم شيء. ثم إيتاء الزكاة، وهي الصلة التي بين العبد وبين الناس، وليس أي ناس، بل أهم ناس وهم الفقراء، الفقير هو سبب دخولك الجنة وليس الغني، لذلك هم فئة مهمة جداً. يمكن للشخص أن يُصلِح ما بينه وبين الناس الذين من نفس مستواه الاجتماعي، فيقيم مائدة فخمة، ويشتري لهم هدايا غالية، فتنمو العلاقة بينه وبينهم، والرسول ﷺ قال (تهادوا تحابوا) لكن إيتاء الزكاة، المقصود به صلاح العلاقة بين الأغنياء والفقراء، فالمجتمع يجب أن يقلل الفجوة التي بين الأغنياء والفقراء، والمجتمعات التي تزيد فيها الفجوة بينهم ستنفجر في يوم من الأيام، كالبالون يستمر بالانتفاخ إلى أن ينفجر! لذلك يجب إصلاح حال الفقراء أنفسهم لتصلح العلاقة بين الفقراء والأغنياء، وإلا فكيف تظن أنه ستُصْلَح العلاقة فيما بينهم؟! أن يقيم الأغنياء حفلة ويدعوا الفقراء ليعطوهم شهادات تكريم؟! الفقير يحتاج إلى الأكل، وأن يطعم أولاده، ويشتري لهم ما يلزمهم، فيجب إصلاح حالهم مادياً، فيذهب من قلوبهم شعور الحقد والحسد، وكذلك ينمو عند الأغنياء الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، وشعور الحب في ﷲ، والرغبة في إصلاح أحوال الناس، وتقليل الفجوة بينهم وبين الفقراء.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

14 Jan, 13:21


٩

(وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (١٢)

هل الخطاب القرآني غيّر الموضوع، وسيتكلم عن بني إسرائيل؟! هناك من يظن أن بني إسرائيل قصة للتسلية، عندما لا نجد شيئاً نقوله نتكلم عليهم لنقضي الوقت! وهذا ليس صحيحاً، بني إسرائيل أمة لا تذكر لحشو الوقت فقط، بنو إسرائيل أمة مهمة جداً، هم أكثر أمة ذكرت في القرآن، فعلوا أخطاء وكوارث علينا أن نتفاداها، وكذلك قاموا بأشياء جيدة، فيجب أن نتذكر دائماً أننا ممكن أن نستفيد من تجاربهم. وهم أكثر أمة ذكرت في القرآن؛ لأنها أكثر أمة شبيهة بنا، وأخطاؤهم التي وقعوا فيها هي بالضبط نفس الأخطاء وقعنا بها، أو نحن معرضون للوقوع فيها، وبالتالي من المفترض أننا عندما نسمع الله سبحانه يتكلم عن بني إسرائيل أن نركز ونعلم أن الكلام موجه لنا، وهو كلام مهم جداً، فمثلاً في سورة الجمعة (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بئسَ مثلُ القومِ الذِينَ كَذَّبُوا بآيَاتِ اللهِ واللهُ لا يهدي القوم الظَّالمين (٥) الذين لم يحملوها بحق، ولم يفهموها ويطبقوا ما فيها، شبههم الله بالحمار الذي يحمل كتباً على ظهره ولا يُقَدِر قيمتها! فيجب أن نفهم أن الرسالة موجهة لنا نحن المسلمين، لأن بني إسرائيل لا يقرؤون القرآن، إذا كان الذين حمّلوا التوراة ولم يحملوها شبههم الله بالحمار، إذن من حمّلوا ما هو أعظم من التوراة -القرآن- ولم يحملوه، ماذا يكونون؟! أكيد ليسوا غزلاناً؟! ولا حتى حمير أيضاً، بل أقل من الحمير! فالكلام من أجلنا، وليس لكي نضحك عليهم، لذلك قال سبحانه (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) لم يقل الله سبحانه، بئس مثل بني إسرائيل، فالآية انتهت نهاية عامة (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ) كل المكذبين لآيات الله، وليس فقط لآيات القرآن، لكل قوم يكذبون بآيات ﷲ.

نعود لآية ١٢ في المائدة (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا) ما علاقة هذه الآية، بالآيات التي قبلها؟! ارجع للآية ٧ تجد قول الله سبحانه (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ..) بعد أن ذكر الله الذي واثقنا به نحن كمسلمين، ذكر ميثاق بني إسرائيل (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا) ما هو ميثاق بني إسرائيل؟! تكملة الآية (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا (١٢) هذا الجزء في الميثاق الذي عليهم، وهو إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والإيمان بالرسل ومساندتهم وإقراض الله قرضاً حسناً، لكن ما الجزء الذي على الله؟! (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (١٢) هل هذا الميثاق يُشبه ميثاق المسلمين، أم أنه نوع مختلف من المواثيق؟! فهناك عقود مثل عقد البيع وعقد الإيجار كلاهما عقود، ولكن نوعين مختلفين من العقود. عقد بني إسرائيل، وعقد المسلمين من نفس النوع بالضبط، عندما تقرأ الآية ١٢ من منتصفها، وانسَ أنها لبني إسرائيل، واحذف الجزء الأول (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) ونبدأ من بعده (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) تشعر أن الله يكلم المسلمين، فلو أن أحداً لم يقرأ (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا) لن يعرف أن الله -سبحانه- يكلم بني إسرائيل، فهذا هو ميثاق المسلمين بالضبط، أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويؤمنوا بالرسل وينصروهم ويتصدقوا، فالكلام موجه للمسلمين أيضاً.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

14 Jan, 13:20


فيديو ٨٨٣ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة المائدة - الحلقة ٩ الآيات ١٢-١٣

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

14 Jan, 13:20


https://www.youtube.com/live/l0hkE4tqfA4?si=-rk6tcBEw2myyC_b

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

13 Jan, 09:36


وبعد أن أخذت بالأسباب، تلجأ إلى الله، لأن كل هذه الأسباب لا تساوي شيئاً، ولا حتى بصلة! لا الطبيب، ولا الوصفة ولا الأدوية ولا الصيدلية ستعمل أي شيء! بعد أن أخذت بالأسباب، تلجأ إلى مسبب الأسباب، وكأن الأسباب لا تساوي شيئاً. لأنه أحياناً يكون هناك مريضان من نفس السن ونفس الجنس ونفس الطول ونفس الوزن، وعندهما نفس المرض، ويذهبان لنفس الطبيب، وأخذا نفس الدواء، أحدهم يشفى والثاني يموت! إذن الشفاء ليس في الدواء، إلا إذا وضعه ﷲ فيه. الجميل في هذه الآية هو أن نعمة الله وهي الأمن، تمت، والله سبحانه هو الذي كف أيدي الأعداء عن المسلمين بأخذهم الأسباب.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ -متى؟!- إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١)

الدروس التي في الآية كثيرة (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) ذكر النعم عبادةٌ منسية، وهي عبادة مهجورة، على رأي الأستاذ مجدي الهلالي، فالناس هجروا ذكر النعم، وهي عبادة مفيدة جداً إيمانياً، لأننا مع الوقت نألف النعمة، ونظن أنها ذاتية -يعني شيئاً فينا- وننسى أنها نعمة، فلا نشعر بالنعمة، إلا إذا فقدناها. لذلك الناس الذين لا يتذكرون نعم ﷲ عليهم يدخل لهم الشيطان من مدخل، وعندما يحدث له شيء سيئ يفكر: لماذا يفعل الله بي هكذا؟! أنا لم أعش يوماً جيداً، وهو غارق في نعم ﷲ! لكنه يعتبرها حقاً له، يجب أن تكون موجودة، ولا يتذكر أنها نعم. فعندما يذكر الإنسان نفسه أن هذه نعم باستمرار، يستطيع أن يصبر على المصائب؛ لأنه يرى باقي النعم. بعض الصالحين رأوا رجلاً أبرص البدن، أعمى العينين، مشلول القدمين واليدين، وكان يقول "الحمد لله الذي عافاني؛ مما ابتلى به كثيراً من خلقه، وفضلني عليهم تفضيلاً. فسأله رجل: ومما عافاك؟! أنت فيك كل المصائب؟! برص وأعمى العينين، ومشلول القدمين ثم تقول الذي عافاني؛ مما ابتلى به كثيراً من خلقه، وأيضاً فضلني عليهم تفضيلاً؟! مم عافاك؟! فقال: ويحك يا رجل؛ جعل لي لساناً ذاكرًا، وقلباً شاكرًا، وبدنًا على البلاء صابرًا، اللهم ما أصبح بي من نعمة، أو بأحد من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر" ذِكر النعم هو ما يصبر الإنسان على مصائب الدنيا، ومن ينسى نعم ﷲ هو الذي يقنط وربما يكفر. إذن ذكر النعم والتوكل على ﷲ من الدروس الكبيرة في هذه الآية التي تستفيد منها في التدبر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ -الأخذ بالأسباب- وَاتَّقُوا اللَّهَ -أمر بالتقوى- وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) التوكل على الله. قال رسول ﷲ ﷺ (لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكُّله؛ لرزقكم كما يرزق الطيرَ، تغدوا خماصًا وتروح بطانًا) الطيور تخرج بحثاً عن الطعام، وتأخذ بالأسباب فيرزقها ﷲ، تخرج خماصاً، يعني في مخمصة جائعة، وتروح -يعني ترجع- تِرَوَح بطاناً يعني بطونها ممتلئة وشبعة. إذن الإنسان الذي يتوكل على ﷲ، ويُعمل عقله، ويبذل ويجتهد ويطلب الرزق الحلال، سيرزقه الله من حلاله.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

13 Jan, 09:36


وقالوا نعلم أن المسلمين عندهم صلاة بعدها، يحبونها أكثر من عيالهم، يقصدون صلاة العصر، فعزموا على أن يهاجموهم في أثناء صلاة العصر، فنزل جبريل -عليه السلام- بصلاة الخوف في سورة النساء (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ -يقف صفاً ليصلي مع النبي ﷺ والصف الآخر يراقب ويحرس ولا دخل له بالصلاة- وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ -حتى الذين يصلون معهم أسلحتهم- فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً) وقلنا إنهم يصلون مع قائد الجيش، بطريقة فيها تبادل المواقع، وأخذ الحذر والأسلحة حتى من يصلي. فعندما نفذ المسلمون كلام الله سبحانه، وصلوا لأول مرة بهذه الطريقة، تفاجأ المشركون ولم يهاجموهم، وأمن المؤمنين مكر الكفار، وهذه نعمة يذكّرهم بها الله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) ماذا يعني (يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ)؟! بسط اليد كناية عن توجيه ضربة، يقال [مد يده عليه] يعني ضربه، بسط يعني مداً، كما يقول أحدهم: أنت مددت يدك علي! كناية أنه ضربه. في نفس السورة ابن آدم قال لأخيه (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (المائدة ٢٨) فالله سبحانه يقول أيها المؤمنون، اذكروا نعمة ﷲ عليكم، وهي نعمة الأمن من مكر العدو، عندما أوشك الكفار أن يوجهوا لكم ضربة قوية، فكف الله أيديهم عنكم. لكن انتظر، هل الله سبحانه هو الذي كف أيديهم عنهم!؟ أم الصحابة هم الذين صلوا صلاة الخوف، فلم يستطع الأعداء أن يهاجموهم؟! فكيف أن الله هو الذي كف أيديهم؟! لو تدخل الشيطان، ووسوس لك بذلك، فاتق ﷲ، أكمل الآية وستفهم (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) يجب أن تتقوا ﷲ، وتنسبوا كل خير لله، ﷲ سبحانه هو الذي علمكم صلاة الخوف، فعندما طبقتم كلام الله سبحانه فقد أخذتم بالأسباب، وهذا معناه أنكم توكلتم على ﷲ؛ لأن الأسباب لا تأتي بنتيجة دائماً. فكان من الممكن أن تصلوا صلاة الخوف، ومع ذلك يهاجمكم الأعداء ويهزموكم! مثلاً حملت امرأة، وذهبت لأفضل طبيبة نساء وتوليد، تابعت معها، واهتممت بالتغذية في أثناء الحمل، وتغذت غذاء متكاملاً فيه فيتامينات وبروتينات وكل العناصر، وتحملت الصداع ولم تأخذ أدوية ومسكنات، لتحافظ على الجنين، كما قالت لك الطبيبة بالضبط، وعندما وضعت كان طفلاً جميلاً وجسمه خال من أي تشوهات والحمد لله، هذا بفضل من؟! الطبيبة والالتزام بتعليماتها، أم بفضل الله؟! توجد نساء تابعن مع نفس الطبيبة، والتزمن بكل تعليماتها، وجاء الجنين مشوهاً! إذن الأخذ بالأسباب عبادة نقوم بها؛ لأن الله أمرنا بها، لكن ليست الأسباب هي التي تؤدي إلى النتائج فقط! خالق الأسباب، هو الذي كتب الأقدار التي تحدث، مسبب الأسباب هو من بيده كل شيء. النبي ﷺ قال (تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً إِلاَّ الْهَرَمَ) يعني إلا الشيخوخة. إذن الأخذ بالأسباب هنا هو اتباع الطب النبوي، أن تذهب لطبيب ماهر يفحصك، ويكتب العلاج وتحضره من الصيدلية، وتأخذ الدواء في موعده، ثم تلجأ إلى ﷲ، هذا هو الطب النبوي ما رأيك؟! (تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ) يعني اذهبوا للأطباء، وخذوا الأدوية في مواعيدها هذا معناها، وليس كما فعل بعض الناس من خرافات وأشياء غريبة، فيحضرون قشر البطيخ، ويضعوه على رأسهم! وحتى الأشياء التي كان يفعلها الرسول ﷺ لا تعني أنها تنفع لأي شخص، مثلاً: الحجامة مفيدة جداً، وأنا شيخي الشيخ أحمد أبو شادي، كان أكثر شخصاً يروج للحجامة، وكاد هو أن يموت بسبب الحجامة، وهو لا يعلم أن من لديه زيادة سيولة في الدم لا يجوز أن يقوم بالحجامة، فدخل للعناية المشددة والإنعاش لمدة عشرة أيام! فالأصل هو التداوي، وهذا معنى الحديث، أن تذهبوا لمن يفهم بالطب، وتأخذوا الأدوية بوقتها.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

13 Jan, 09:36


الذين آمنوا في مقابل الذين كفروا، فيكون وعملوا الصالحات في مقابل وكذبوا بآياتنا، لكن التكذيب بالآيات ليس عملاً، بل هو اعتقاد، يعني عمل قلبي! عمل الصالحات تعني أنه ينفق في الخير، يجاهد في سبيل الله، يعني عملاً جسدياً وبذلاً بالمال، لكن التكذيب بالآيات عقيدة وعمل قلبي. إذن الذين آمنوا في مقابل الذين كفروا، هذه عقيدة إيمان وتلك عقيدة كفر، كلاهما عمل قلبي، لكن كيف يكون ”عملوا الصالحات“ وهو عمل بالجوارح، كالتعاون على البر والتقوى، في مقابل ”كذبوا بآياتنا“ والتكذيب عمل قلبي؟! كنت أتوقع أن تكون (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَعملوا السيئات) لتصبح موزونة مع الذين آمنوا وعملوا الصالحات. لاحظ في الآية (والَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا) إلا إذا كان التكذيب بآيات ﷲ هو سبب عمل السيئات، فالذين يتعاونون على الإثم والعدوان، يعملون السيئات، لماذا يعملونها؟! لأنهم يكذبون بآيات ﷲ! فقال الله سبحانه (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا) إذن عمل السيئات سببه الجذري هو التكذيب بآيات الله، فهم يقرؤون القرآن، ويعرفون أن الله سبحانه وعد المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالمغفرة والأجر العظيم. إذن لماذا لم يؤمنوا ويعملوا الصالحات!؟ لأنهم يكذبون بهذا الكلام ولا يصدقونه! ويعرفون أن الله توعد الكافرين بالعذاب في الجحيم، لكنهم لا يصدقون، ويكذبون بآيات ﷲ، لذلك يتجرؤون على عمل السيئات، وعلى الإثم والعدوان. خطورة هذا هو أن بعض المكذبين يقولون: نحن لا نخاف من أي عقاب في الآخرة، لو كان هناك فعلاً آخرة وعقاب، فلن نعاقب لأننا لا نضر أحداً، ولا نؤذي أحداً! أي أنهم يعتقدون كون الشخص كافراً، لكنه لا يضر أحداً، ولا يؤذي أحداً، فهذا يعني أنه لن يعاقب، لكن الآية ترد عليهم وتقول: من قال لكم أن العقاب مرتبط بالعمل فقط؟! من قال لكم أن العقاب مرتبط بإيذاء الناس؟! العقاب مرتبط بالعقيدة والاعتقاد، لذلك لو كان قال سبحانه (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَعملوا السيئات أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) لكان العقاب قاصراً على الكافر الذي يضر الناس ويعمل السيئات، الذي يسيء إلى الناس، لكنه سبحانه قال (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١٠) جعل العقاب واستحقاق الجحيم بسبب العقيدة وحدها. لذلك أنا أركز على هذه النقطة، لأنها خطيرة فعلاً! وربما يظن البعض أن هذا فيه ظلم، لماذا يدخل النار شخص يعامل الناس باحترام، ولا يضر الناس؟! الرد عليه هو: ورب العالمين، ألا يستحق أن يعامل باحترام أيضاً؟! مشكلة التفكير بهذه الطريقة هو أنه تفكير إنسانوي بحت، فالتفكير الإنسانوي الذي سيطر علينا جعلنا نعتقد أن الإنسان هو مركز الكون، ولو كان الإنسان يتعامل جيداً مع الآخرين، فإن الحياة صحيحة، ويجب ألا يتعاقب في الآخرة، لكن من قال هذا الكلام؟! أن الإنسان لو تعامل مع الآخر بشكل جيد، تكون الحياة صحيحة، ويتم إخراج ﷲ بالكامل من المعادلة! لو أنك تطيع أباك وأمك، فالله سبحانه أيضاً يستحق الطاعة، لو أنك تشكر الناس على خدماتهم لك، فالله أيضاً يستحق الشكر، لو أنك تحب الناس، فالله أيضاً يستحق الحب! وفي الحقيقة ﷲ يستحق الطاعة والشكر والحب أكثر من كل الناس. لذلك يجب أن تجعل ﷲ هو محور حياتك، والأساس في الإسلام أن يعرف الإنسان أن الله سبحانه هو مركز هذا الكون، وهو مركز حياتنا، وليس الإنسان. إذا أردت أن تنجح في حياتك في الدنيا وفي الآخرة، اجعل إرضاء الله سبحانه محور حياتك (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١٠) أصحاب تدل على المصاحبة، يعني هؤلاء هم مُلاّك الجحيم، صاحب العمارة يعني مالكها، الناس تتغير والشقق تباع وتؤجر، لكن صاحب العمارة مقيم فيها دائماً؛ لأنه ليس مستأجراً. المستأجر يؤجر سنة أو عشر سنين ثم يتركها ويذهب. فكلمة أصحاب الجحيم، تعطي إحساساً بأبدية البقاء في الجحيم، هذا هو مكانهم!

(يا أيها الذينَ آمنوا اذكُرُوا نِعمةَ اللهِ عليكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أيدِيَهُمْ عَنْكُمْ واتَّقُوا اللهَ وعلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمِنُونَ (١١)

هذه الآية فيها دروس كثيرة جداً، في إحدى الغزوات، ويقال إنها ذات الرقاع، وقف المسلمون ليصلوا الظهر، فالمشركون من قبائل أنمار وثعلبة ومحارب وهذه كلها من غطفان، من المناطق الشرقية من السعودية الآن، فالمشركون عندما رأوهم يصلون الظهر، ندموا أنهم لم يغتنموا الفرصة ويهاجموا المسلمين وهم يصلون.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

13 Jan, 09:36


٨

بعد أن أمر ﷲ المؤمنون بالعدل، حتى مع أعدائهم في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (٨) وهذا أمر صعب وليس سهلاً، لأن الشيطان له مداخل، الشيطان يوسوس للإنسان ويقول له، لو كان عدوك مكانك، هل كان سيشهد بالقسط ويقول الحق، أم كان سيشهد زوراً ليضرك؟! لذلك قال تعالى (كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ) أنتم إذا قمتم إلى الشهادة فأنتم تقومون لله لا لفلان ولا لغيره، ولا لأن فلاناً يستحق أن نشهد بالحق، ولا لأن غيره لا يستحق، ثم أمر -سبحانه- المؤمنين بالتقوى لذلك ختم الآية (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (٨) فأنت تقوم لله لتشهدوا بالحق، حتى لو كان هذا الحق على حساب حياتك! (اتَّقُوا اللَّهَ) وردت ٥٧ مرة في القرآن، ١٢ مرة في سورة المائدة، إذن مسألة الوصول للتقوى من الأهداف الرئيسية للسورة، لكن الأمر يحتاج إلى تحفيز بالترغيب والترهيب، فقال تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩) الترغيب (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١٠) الترهيب.
الترغيب بذكر وعد ﷲ، والسورة بدأت (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (١) فمن يأمر بالوفاء بالعقود وبالعهود وبالوعود هو نفسه من يعد، بماذا وعد الله -سبحانه- في الآية ٩ (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) من الذي وعد؟! الله سبحانه وتعالى، الذي أمر في بداية السورة بالوفاء بالعهود، لذلك يقول سبحانه في سورة التوبة (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) فلا يوجد أحد أوفى بعهده من الله! إذن الإنسان عندما يسمع هذا الوعد من ﷲ (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩) يجب أن يكون متأكداً من تحققه. عندما يعد إنسان إنساناً آخر يكون هناك احتمال أن يفي بوعده، كلما زاد احتمال أن يفي بوعده زاد احتمال أن يكون فيه خير، لكن مهما كان الإنسان فيه خيراً، ممكناً أن تحدث ظروف أو يموت، فلا يفي بوعده، إذن هناك دائماً احتمال ألا يتحقق الوعد! لكن عندما يعد الله سبحانه فكأن الوعد قد تحقق بالفعل (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) المشكلة ليست في وفاء ﷲ بوعده، المشكلة فيك أنت يا إنسان، هل تستحق أن تكون من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستحقوا هذا الوعد بالمغفرة والأجر العظيم، أم لا؟! هذه هي المشكلة، المشكلة ليست بالوعد من الله إن تحقق أم لا، المشكلة في الإنسان، هل يستحق أم لا؟! وليست بوفاء الله بعهده سبحانه. الجملة فيها تقديم وتأخير، أصلها (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ.. أَجْراً عَظِيماً) أجر نكرة، ولو قال الأجر العظيم، لكان الأجر معروفاً، فيجب أن نكون على علم بماهية الأجر (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ الأَجْر العَظِيم) فهنا نحن نعرف ما هو الأجر، لكن عندما يقول أجراً عظيماً نكرة يؤدي إلى التشويق، يعني "حزر فزر" ما هو الأجر؟!
مثلاً: يقال أبوك أحضر لك هديةً -نكرة-
فلو قال أحضر لك الهدية، يعني أنه يعرف ما هي الهدية، لكن نكرة يعني فكر، يا ترى ماذا أحضر لك؟! إذن المعرفة لا يوجد تشويق، لهذا ذكر الله سبحانه (أجرٌ) نكرة للتشويق فيما يخص نوع الأجر. وأيضاً أراد أن يخصص هذا الأجر الغير المتوقع لهذه الفئة فقط دون غيرهم، يعني هذا الأمر الذي لا نعرف ما هو ومتشوقون لنعرفه هو لفئةٍ معينةٍ، فقال ”لهم“ لهم هم فقط، وليس هم والضيوف، ليس هم والجيران، ليس هم وكل جمهورية مصر العربية (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ -هم فقط- مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) لهم هم فقط دون الناس كلهم، هم فقط لهم المغفرة والأجر العظيم. هذا الترغيب، لكن أين الترهيب؟!

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١٠)

الذين كفروا مضاد الذين آمنوا، لاحظ الآية التي قبلها (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) إذن أتوقع أن مضاد ”وعملوا الصالحات“ سيكون ”وعملوا السيئات أولئك أصحاب الجحيم“ الآية التي قبلها (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) وفي الترهيب قال (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١٠) فيكون (الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) في مقابل (الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

13 Jan, 09:35


فيديو ٨٨٢ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة المائدة - الحلقة ٨ الآيات ٩-١١

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

13 Jan, 09:35


https://www.youtube.com/live/Mi0Pq2mH6TM?si=Eq6DhlCKO1KhvACJ

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

12 Jan, 07:54


في اللغة العربية ما يُقدَّم في الذِّكر يكون التركيز عليه، هناك من يقول إنه هو الأهم، لكن لا يُمكِن أن يقال هو الأهم، خاصة إذا كان أحد الأطراف هو الله، وليس هناك أهم من الله. لكن يُمكن أن أقول إنه هو المُقدَّم، ويُسَلَّط الضوء عليه، وفي اللغة العربية ما يُقَدًَم ذكره في البداية هو ما يُرَكَّزُ عليه. في سورة النّساء وهي سورة مشحونة بالأمر بالعدل مع اليتامى والنّساء وإعطاء الناس حقوقها، وقدََّم الله القِسط، فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ (١٣٥) إنما سورة المائدة تتكلم عن احترام العقود والمواثيق، خاصة مواثيق ﷲ التي واثقكم بها، ميثاق الإيمان وميثاق الإسلام، حتى إنك ممنوع من أن تسترجع الشعائر المسروقة منك التي كنت تنوي أخذها للهدي في الكعبة، ذكرنا أنه يجب عليك احترام ميثاق الله له، لأنه ما دام السارق محرماً فهو آمِن! فعندما يأمرك الله بأن تعدل مع عدوَّك، يمكن الشيطان أن يقول لك: هذا لا يستحق والله، تخيَّل لو أن الموقف معكوس، كان سيشهد زوراً حتى يُدخلك السجن، فالشيطان يتدخل ويوسوس لك بأنه لا يستحقّ، فالله يُذكِّرك أنَّك لن تشهد من أجله هو، ولا لأنه يستحقّ أم لا، لكن أنت ستشهدُ لله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ… (٨) ليس من أجل عدوَّك، أو من أجل سارق، أم إن كان يستحقّ أو لا يستحِقّ، أنت عليك أن تقول الحقّ! أنت تقوم لله، لأنه يوجد عقد بينك وبين ﷲ، وميثاق لا بد أن تحترمه. هل رأيت دقَّة التعبير القرآني وعلاقة كلّ آية بموضوع السورة؟! يجعل هناك تقديماً وتأخيراً واختياراً لتقديم القِسط الأول قوّامين بالقِسط أو قَوَّامينَ لله، شهداءَ بالقِسطِ أو شُهداء لله، حقيقة هذا كلام رائع.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

12 Jan, 07:54


لو ظلمك مجرمون ظلمة، من الوارد أنّ تشعر بكره لهم، لكن هذا ليس معناه أنّ تشهد زوراً لكي تضرّهم، أو تمتنع من الشهادة حتى تضرهم! أيضاً نلاحظ أنّ الله لم يقل (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا) المؤمن لا يظلم، وليس وارداً أساساً، لكن يمكن ألا يعدل! أليس عدم العدل ظلماً أيضًا؟! الظلم وأنت تحكم بين الناس تحكم بالحق لشخص آخر لا يستحق، أنت هكذا ظلمت. لكن لو امتنعت من الحُكم من الأساس في قضية ما، ولم يُحكم فيها فبقِيت معلّقة، لا أحد يستطيع أن يقول أنّك ظَلَمت، لكن نستطيع أن نقول إنك لم تعدل؛ لأنك امتنعت من الحُكم، هذا الامتناع أو عدم العدل هو نوع من الظلم لكنه أخفّ، هو ليس ظلماً بَيِّن وواضح. مثال: لو أنّكَ شهدتَ شهادة زور، ممكن من شهدتَ ضدّه أن يدخل السجن؛ لكن لو امتنعتَ من الشهادة هو لن يدخل السجن، فالقضية مُعلَّقة على شهادتك، وأنت تمارَضتَ أو غِبتَ، فأنت هنا لم تَعدِل، وهذا نوع من الظُّلم، لكنه ليس بَيِّن (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا) أقلّ نوع من الظُّلم ممنوع، وليس النهي عن أنْ تَظلِموا، الظلم ليس وارداً أصلاً! لو ظَلَمت سيكون مصيركَ جهنم وبئسَ المصير، لكن الله يقول (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا) يعني لا تجعلوا كُره ناس، وتركها مفتوحة، ولم يُبيِّن كرهُكم لهم، ولا كرهُهم لكم، لا تجعلوا هذا الكُره أن يوصلكم لعدم العدل، وليس يجعلكم تظلمون. لا تتركوه يجعلكم ترتكبون أقل نوع من الظلم، وهو عدم العدل. قلنا الشهود ممكن أن يشهدوا زوراً، ويمكن أن يمتنعوا من الشهادة، والأمرين ممنوعان وكلاهما نهى الله عنهم أصلاً، في سورة البقرة في آية الدَّين (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا… (البقرة ٢٨٢) وهنا (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (٨) بعد أن نهاهم عن عدم العدل، عاد وأمَرَهم بالعدل مرة أخرى ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) قد يقول أحدهم، وماذا سأستفيد من العدل مع شخص أكرهه، أو هو يكرهني؟! فالله يُحفّزُك على العدل، ويقول لك (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) أنت من أول ما بدأت تتدبر القرآن وهدفك أن تصبح من المُتَّقين حتى تهتدي إلى ﷲ، ألستَ أنت من طَلبتَ الهداية في الفاتحة؟! وقلت (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) فالبقرة بدأت بأنّ هذا القرآن هو الهدى للمتَّقين، وليس الكافرين أو المنافقين (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) فأنت كل هدفك أنَّ تصِل للتَّقوى؛ انظر كيف تركِّز الآية على التقوى، اقرأ آخر الآية (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (٨) بالعدل أنت تقترِب من التَّقوى، فاشهد بالحق واتَّق ﷲ، واحذر، فالله خبير بكل ما تعمل. يمكن يوم الجلسة التي ستشهد فيها تتظاهَر أنّك لم تستيقِظ في الوقت المناسب، قد تخدع زوجتك، وتقول لها أن المنبه لم يعمل، لكن الله خبير، وهو الذي يعرف أنّك لم تُشغِّل الجرس في المنبه قاصداً! لو خدعت الدّنيا كلها لن تخدَع ﷲ. اقرأ الآية مرة أخرى وركز بماذا تذكرك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (المائدة ٨) ألم تذكرك بآية في سورة النساء؟! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٣٥) ما الفرق بينهما؟! آية النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ… (١٣٥) وآية المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ… (٨) ما الفرق بين (قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّه) و (قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ)؟!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

12 Jan, 07:54


٧


(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٧)

الميثاق هنا، ممكن جدًا أن يكون الصلاة التي ذُكِرت في أول الآية ٦ ثم فوجِئنا أنَّ الآية كلها تتكلم عن الطهارة والوضوء والغُسل والتيمم، ثمّ الآية التي بعدها ٧ (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ) فقد يكون الميثاق المذكور هنا هو الصلاة، لأنّ صلاتَكَ لن تُقبل إلا لمّا تتطهّر من الحدث الأصغر والأكبر بالماء أو بالتيمم بالتراب، والصلاة لا تتمُّ إلا هكذا، فأنت تتطهر حتى تُؤدِّيَ الميثاق الذي بينك وبين ﷲ في وقته، الصلاة التي صليناها في ميدان القتال، في سورة النساء صلينا صلاة الخوف من أجل ميثاق بيننا وبين ﷲ، وبعدها قال الله (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (النساء ١٠٣) موقوتاً يعني له توقيتات محددة (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ، إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٧) وقيل أيضًا أنّ الميثاق معناه كل ميثاق مع ﷲ، ميثاق الإيمان بالله وميثاق الإسلام الذي هو (إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) لماذا يناديكم الله في هذه السورة يا أيها الذين آمنوا؟! حتى يذكركم أن هذا الإيمان ميثاق واثَقكم به، ربطكم بكلمتكم! أنت قلتَ لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، هذا ميثاق أوثقت به نفسك فقلتم سمعنا وأطعنا، وما قيمة الإسلام لو لم تستسلم لأوامر ﷲ؟! (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٧) التقوى أنّ تعرِف نقاط ضعفك، فتكون حذراً حتى لا تقع في معصية ﷲ، مثل مدمن الخمر بعد أن يُعالج من الإدمان ببرنامج من ١٢ خطوة؛ أي برنامج لعلاج الإدمان يكون فيه خطوات، وعندما ينتهي من برنامج العلاج، يظل لديه برنامج للوقاية يحميه من الانتكاس والعودة إلى الإدمان، يستمر طوال العمر، فيبتعد عن أي مكان فيه خمر، ممنوع أن يدخل حانة، ممنوع أن يجلس مع أناس يشربون الخمر؛ وهذا اسمه اتقاء. التقوى في الإسلام هكذا، تعرف أنّ عندك نقطة ضعف في موضوع معين، ابتعد عنه تمامًا (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٧) الله يعلم ما في صدوركم، ولم تُطلعوا عليه أحداً أبدًا، الله يعلم نواياك فانتبه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (٨)

من أهم مهام الإنسان التي اختاره الله من أجلها ليكون هو الخليفة في الأرض، والمسؤول عن إدارة كوكب الأرض، هو تحقيق العدل وإقامته، قلنا القسط من قسطاس، وهي كلمة أعجمية معربة Justice قسطاس (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ) قوموا لله واشهدوا بالحق (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا) إياكم أن تجعلوا مشاعركم تتحكم في قراراتكم فيما يخص العدل والحق، الشنآن يعني الكراهية والكره، لا تجعلوا الكُره يدفعكم لعدم العدل، ولم يقل شنآنكم لقوم، يعني كرهكم لناس، ولم يقل شنآن قوم لكم، يعني كُره ناس لكم، أو كُرهكم أنتم لهم، تركها مفتوحة تقبل المعنيين. لا نتحدث هنا عن السماح للمؤمن أن يكره أو لا يكره! نحن نتحدث عن المشاعر، يَجِبُ ألاّ تتدخل في قراراتِك فيما يخصّ الحقّ والعدل؛ حتى لا تكون منحازاً.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

12 Jan, 07:52


فيديو ٨٨١ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة المائدة - الحلقة ٧ الآيتان ٧-٨

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

12 Jan, 07:52


https://www.youtube.com/live/BXGaguDifcQ?si=X3MJOMZZOhxMhyS7

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

11 Jan, 08:44


(وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) ينصركم ويعطيكم القوة والسلطان (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦) بأن تستخدموا هذه النعمة، في التعاون على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، هذا هو شكر النعمة القوة والسلطان، وأن تعاونت على الإثم والعدوان، فقد كفرت النعمة، فلن يعطيك النعمة، حتى يطهرك بالعبودية. لو علم الناس أن عندهم كنز! كنز وﷲ اسمه القرآن.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

07 Jan, 21:41


فقد يكون معناها، أن يكره المسلم عدوه الذي يظلمه، ويمكن أن يكون العدو هو الذي يكرهه، والله سبحانه يقول لا تترك الكراهية تكون سبباً للاعتداء، سواء عندك أو عند غيرك، لاحظوا الدقة في هذه الآية (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا) يعني حتى الذين صدوكم عن المسجد الحرام، لا تعتدوا عليهم، ولا تجعلوا غضبكم وكرهكم لهم، يدفعكم لتعتدوا! قد تقول: لكنهم يستحقون كل شر! ولكن أنت مسلم، من غير المفروض أن يصدر منك شر، الله سبحانه أجاز لك القتال، والقتال له شروط وله مكان وهو ميدان القتال، لكن ترويع الناس وإرهاب الناس في الشوارع وفي مواسم الحج وغيره غير جائز، فالمؤمن من أمن الناس من لسانه ويده (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢) (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) البر: هو التوسع في عمل الخير، التقوى: هو تفادي كل شيء يوقع في معصية. إذن علينا أن نتعاون في منع الأشياء التي تسبب المعاصي، ونتوسع في أعمال الخير، فالبر عمل، والتقوى امتناع (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) الإثم: هو المعصية والذنب، فلا تتعاونوا مع الناس في الأشياء، التي تجلب المعاصي والذنوب كالحفلات ووصفها بالترفيه! إذن الإثم: هو المعصية والذنب، العدوان: هو عدم العدل أو تعدي الحدود، يعني ليس كل عقاب عدوان، لكن عدم العدل عدوان، العقاب بطريقة تتجاوز حدود الشرع والعرف عدواناً. إذن الإثم عمل، والعدوان امتناع من العمل، وهو امتناع من العدل، مثل البر فهو عمل والتقوى امتناع من المعصية. فأمرنا الله أن نتعاون مع بعض، ومع غير المسلمين على البر والتقوى، ولا تتعاونوا لا مع بعض ولا مع الآخرين على الظلم، ولا على الاعتداء على الآمنين (إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) هذا المقطع رائع، عندما تدبرته أثر بيّ بشكل كبير! وقد يفهم بطريقتين: أن الله منعك من أن تنتقم وتعتدي على من اعتدى عليك من قبل، ويمكن أخذه على أنه تحذير شديد للمؤمنين، من الاعتداء على الكفار، حتى الكفار الذين صدوهم عن المسجد الحرام (إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
وفي نفس الوقت المقطع يؤخذ على أنه تقوية لي، كي أستطيع الانتصار على نفسي وعلى شهوة الانتقام التي بداخلي، فما كنت سأفعله فيهم كعقاب على أذاهم لي، هو لا شيء مقابل عقاب الله سبحانه (إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الله سبحانه الذي لو التزمتُ بأوامره، ولم أتعد حدودي، فهو الذي سينتقم لي ويرد إلي حقي، وعقاب الله لن يكون مثل عقابي لهم! فلاحظ أن نفس المقطع فيه تحذير وتحفيز، هذا يصبرني ويجعلني لا أعتدي. هل هناك أعظم من ذلك؟! وهل بعد كل هذا، هل يجرؤ أحد على قول الإسلام يحُث على الإرهاب؟!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

07 Jan, 21:41


الرأي الثاني يقول أن الآية ليست صريحة في أن ﷲ هو الذي حرم هذه الأشهر، لكن من الواضح أنه سبحانه أقر هذه الأشهر، فعندما يقول سبحانه (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) فمن الواضح أن الله سبحانه هو الذي قسم الأشهر، لكنه لم يقل إنه هو الذي قرر منها أربع حُرم، بل قال (مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) وكثير من المفسرين قالوا إن المقصود من (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) كل الشهور ١٢ فلا يظلم الإنسان نفسه فيها. فمن غير المفروض أن يظلم الإنسان نفسه بالاعتداء على غيره في أي شهر، ولا يسمح له بأن يظلم نفسه في أي شهر، ولا يظلمها في الأشهر الحرم، كلا! هذا لا يجوز، المفروض ألا يظلم نفسه أبداً في أي شهر. ولكن لا خلاف على أن الإسلام احترم الشهور الأربعة، لأن فيهم مصلحة للناس، وتقليلاً من سفك الدماء، وأي أمر فيه مصلحة يقرها الإسلام، والشريعة تقر أي قانون وضعي من وضع الإنسان، طالما أنه يحقق العدل والسلم والمصلحة بين الناس. وليس أي قانون من صنع الإنسان يكون غير شرعي، لو أن قانوناً اتفق الناس عليه يحقق العدل والمصلحة، ولا يخالف مبادئ الشريعة، فالشريعة تقره وتعتبره قانوناً شرعياً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ) كل المُهدى إلى الكعبة، حتى لو كان غير مُشَعر، يعني لا علامات على ظهره تدل أنه شعائر، مجرد أن تكون إبلاً مع الحجاج فهي أكيد هدي (وَلَا الْقَلَائِدَ) القلائد جمع قلادة، يعني عقد من الليف والنباتات، يوضع في رقبة البعير، ليكون دليلاً أنه من الهدي، فمن يسوق معه من هذه الإبل، فهذا دليل أنها ستذبح في الحرم. فالناس تتعامل بشكل جيد مع هذه الجمال، وتتركها ترعى عندها، ولا تعتدي عليها وهكذا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ) ولا تعتدوا على الحجيج المتوجهين إلى البيت الحرام (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ) حتى لو كان لكم عندهم حقوق (آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ) يعني متجهين إليه، اتركوهم طالما ارتدوا ملابس الإحرام وساقوا الهدي، لعل ﷲ يتوب عليهم ويهديهم (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا) لو رضي الله عنهم وتفضّل عليهم، سيؤمنون ويهتدون (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) لاحظ أن الصيد كان محرماً علينا في أثناء الإحرام، حتى الصيد خارج الحرم، والآن الله سبحانه يقول (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) فعل أمر، يأمرنا بالصيد بعد التحلل من الإحرام، لكن هل تذكرون أنكم بعد التحلل من الإحرام، ذهبتم للصيد؟ مع أن هذا فعل أمر! إذن بهذه الآية نستدل على أنه ليس كل فعل أمر في القرآن يدل على الوجوب، ولا حتى على الاستحباب، لكن يمكن فعل الأمر أن يدل على الجواز فقط! فعل الأمر هنا معناه أنه يجوز الصيد لمن يريد بعد التحلل من الإحرام. لا تخافوا وتظنوا أنه يجب الصيد بعد الحج، وأن حجكم غير كامل، بل هو كامل بإذن الله (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢) هذه الآية قمة في الدعوة إلى العدل، وعدم الاعتداء على الناس مهما كان، يقول الله سبحانه، لا تجعلوا الكُره يدفعكم للاعتداء على الناس، الإسلام لا يأمرك أن تحب عدوك، الإسلام يعلمك أن لا تظلم عدوك إذا تمكنت منه، وكن عادلاً معه. ولا يبيح لك الاعتداء عليه، إلا إذا اعتدى هو عليك، فعندها تعتدي عليه بمثل ما اعتدى عليك (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ -كراهية قوم- أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا) الكفار الذين اضطهدوكم وطردوكم من دياركم في مكة، وصدوكم عن العمرة، عندما جئتم لتعتمروا في عام الحديبية، لا تجعلوا غضبكم وكرهكم لهم، تعتدون عليهم، قال الله سبحانه (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ) ولم يحدد أي قوم، ولم يحدد هذه الكراهية إذا كانت منهم لكم، أو منكم لهم.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

07 Jan, 21:41


صحيح أنه من الناحية القانونية من حق الصحابة مصادرتها، لكن الله سبحانه يربي الصحابة وهم في حالة الإحرام تربية روحية، فيقول لهم لا تتركوا شهوة الانتقام واسترجاع الحقوق تتحكم فيكم، عوّدوا أنفسكم على الصبر واحترام شعائر ﷲ. خاصة وأن الذين أخذوا حقكم محرمين وذاهبين ليحجوا، فاتركوهم يحجون ويذبحون، لعل ﷲ يهديهم، ويعيدوا لكم الحقوق، وإن لم يعيدوا لكم الحقوق فأمسكوهم خارج الحرم بعد الحج، لكن عودوا أنفسكم على السيطرة على النفس. ثم ماذا طلبت منا الآية الأولى؟! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) هؤلاء مشركون وسرقوا إبلكم، لكنهم في حالة إحرام ومتوجهين إلى بيت ﷲ الحرام، وهم في الحرم في حالة عقد مع الله لماذا؟! قال سبحانه في آل عمران (فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا (آل عمران ٩٧) إذن هناك عقد بين ﷲ وبين الناس، أن من يدخل البيت الحرام آمن (أوفوا بعقد ﷲ) ألاحظت ذلك؟! قال سبحانه "أوفوا بالعقود" ولم يقل أوفوا بعقودكم، إذن رغم من أنه لا عقد بينكم وبينهم، بل لكم عندهم حقوق، ومن حقكم معاقبتهم، لكن هم في حالة الإحرام، متوجهون إلى الكعبة يوجد عقد بينهم وبين ﷲ، أوفوا بهذا العقد؛ لأنكم أنتم أهل ﷲ. الله سبحانه قال للمسلمين وهم يدخلون مكة (وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ - هذا في قتل مكة- كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (البقرة ١٩١) يعني المسجد الحرام له احترام، والمفروض أن الإنسان ينسى في المسجد الحرام قوته، لأنه يشعر بالعبودية، وشجره يُحترم فلا يُقطع، الحيوان فيه يُحترم فلا يذبح فيه إلا الهدي؛ لأنه مُهدى للبيت العتيق، قال الله عنه (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) وحتى الحجر وهو أقل المخلوقات، الحجر لا حياة فيه، جعلك الله سبحانه تُقبله، وإن لم تستطع الوصول إليه بسبب الزحمة تسلم عليه في الطواف، فإذا كان هذا حالك في الحرم مع المخلوقات، بالتأكيد يجب في الحرم أن تكون مسالماً مع الناس، وتنسى خلافاتك وعدواتك، وهذا حالنا في الحج (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) نعود إلى الآية ٢ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) الله سبحانه حرم عليك الصيد وأنت محرم، في الآية الأولى (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) إذن الله سبحانه حرم الصيد في أثناء الإحرام، وحرم الشعائر، يعني الحيوانات المشعرة التي ستُذبح في الحرم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ) فهذه الشعائر حتى لو كانت لكم لا تستحلوها اتركوها. قبل الإسلام كانت العرب تحرّم القتال في الأشهر الحرم، وهم أربعة: ثلاثة أشهر سَرد متتابعة، وواحد فرد، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ثلاثة شهور متتابعة سرد، ورجب وحده، بعدهم بخمسة شهور. لماذا؟! العرب اتفقت على هذا من قبل الإسلام، والهدف من تحريم القتل والقتال في هذه الأشهر، هو تأمين الناس في السفر في موسم الحج وموسم العمرة، فكان السفر غير آمن، فكانت تحدث اعتداءات وغارات على القبائل، وهذا سيضر موسم الحج والعمرة. ذو القعدة قبل ذو الحجة، فالناس تخرج من مدنها وقُراها وتسافر إلى مكة في ذي القعدة، وتصل في ذي الحجة الذي تحج فيه الناس، وتعود إلى بلادها في المحرم، وهو الشهر الذي بعد ذي الحجة، والناس عائدون في القوافل لبلادهم البعيدة. ثم ترك خمسة شهور، وحرّم رجب، لمن أرد أن يعتمر. كان يُصاحب موسم الحج أسواق، مثل سوق عكاظ ومجنة وذي المجاز، وهي كمعرض دولي، كمعرض القاهرة الدولي مثلاً، للمنتجات القادمة من الشام واليمن، ومسابقات للشعر والخطابة، مهرجانات ضخمة ثقافية وتجارية، وهناك خلاف بين العلماء، هل هذا النظام نظام الأشهر الحرم، بقية من تعاليم ملة إبراهيم عليه السلام، أم هي اتفاقية اتفق عليها العرب لمصلحتهم من أجل الحج والعمرة، ولتنتعش الأسواق وتأمن الناس في السفر، لأنه كان خطراً، ويحصل اعتداءات على القوافل وقطع للطرق. الرأي الأول يقول هذا من دين إبراهيم، ويحتج بالآية في سورة التوبة (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

07 Jan, 21:41


٣

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢)

عند مقارنة الآيتين، نجد آية تُحل وآية تمنع (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ) - (لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ) فطالما يوجد إباحة، فهناك أيضاً نهي، الدنيا ليست أخذ فقط، يجب أن يكون هناك أخذ وعطاء، هذا أول شعور جاءني من النظر إلى الآيتين. فهمنا الآية الأولى فيما سبق وتدبرناها، والآية ٢ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ) مثل الآية الأولى نفس النداء، أنتم الذين آمنتم، إذن أنتم الذين ارتضيتم بالله رباً ومشرّعاً، الآية السابقة أحل لكم، وفي هذه الآية يُحرم عليكم، سمعاً وطاعة يا رب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ) يعني لا تتهاونوا في العبادات والشعائر. في سورة الحج (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) فالمسلم يجب أن يعظم شعيرة الصلاة، ويعظم شعيرة الزكاة والصيام، يعظمها يعني يحترمها، ويتحدث عنها بتعظيم، ويحبب الناس فيها، ويؤديها كما يجب أن تُؤدى بسننها، يعظم شعائر ﷲ. لكن أيضاً اصطلح على إطلاق الشعائر على شعائر الحج، أي أن الناس تعودت إطلاقها عليها، واستُخدمت بهذا المعنى في القرآن الكريم في سورة البقرة (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (البقرة ١٥٨) العبادات التي تؤدى في الحج تسمى شعائر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ) يعني لا تتهاونوا في شعائر الحج، ولا في إحرامكم وطوافكم وسعيكم، بعض القبائل العربية كانت تعتبر الصفا والمروة ليست من شعائر الحج، فنزلت الآية (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) لأن الحج كان موجوداً قبل بعثة النبي محمد ﷺ، فالعرب كانوا يعتبرون أنفسهم على ملة إبراهيم عليه السلام، وإن كانوا منحرفين تماماً عن ملة إبراهيم! لكن كان يؤدى الحج، وفيه لحد كبير من شعائر سيدنا إبراهيم. وتُطلق "شعائر" أيضاً على الحيوانات التي تُذبح في الحج، في سورة الحج (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) البدن جمع بدنة يعني جملاً أو بقرة (لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ (الحج ٣٦) أي إذا وضعت على جنبها وذُبحت فكلوا منها، وقد شرحنا الآية من قبل. وشعائر أيضاً معناها إبل مشعّرة، يعني الإبل التي تُذبح في الحرم، مهداة إلى البيت، كانوا يُشعرونها، أي يجرحونها في سنامها في أعلى منطقة منها، فيسيل الدم على ظهرها قليلاً ثم يجف، تاركاً علامة أو شعاراً يميزها، بحيث تعرف الناس أنها شعائر ذاهبة لتُذبح في الحرم. فيرحب بها الناس، ويتركونها ترعى وتأكل من أرضهم، وتشرب من مائهم. كان هناك رجل اسمه شريح بن ضبيعة، ولقبه "الحُطَم" من قبيلة كبيرة اسمها قبيلة بكر بن وائل من اليمامة، وهي المنطقة التي ظهر فيها مسيلمة الكذاب، مرّ الحطم مع مجموعة من الفرسان على المدينة، ودخل على النبي ﷺ وقال له: أنت إلى ماذا تدعو؟ فشرح له فالنبي ﷺ الإسلام، فقال له: دعني أفكر؛ حتى لا أستعجل في القرار وأستشير رجالي، ثم خرج ولم يُسلم، وهم خارجون من المدينة وجدوا إبل الصدقة فسرقوها، وخرج الصحابة خلفهم حتى يستردوا الإبل، لكن لم يدركوهم. وفي السنة التي بعدها، علم الصحابة أن الحطم ذاهباً للحج، أي أنه سيذهب لمكة، ويسوق أمامه الهدي، والهدي هو الهدية من البدن من الجمال التي ستذبح عند البيت الحرام، ويطعم منها الفقراء، وهي أساساً مال حرام سُرق من الصحابة! فالصحابة قالوا هذه الإبل التي سرقها السنة الماضية هي لنا، فمن حقنا أن نستردها، فنزلت الآية تقول، اتركوها لأنها ستذبح في الحرم.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

07 Jan, 21:40


فيديو ٨٧٧ من مقاطع #حظر_التجول #تدبر سورة المائدة - الحلقة الثالثة الآية ٢

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

07 Jan, 21:40


https://www.youtube.com/live/kxv68RdR0XQ?si=Im054wzDNOzJ-Ryo

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

06 Jan, 08:29


(غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (١) يعني بشرط ألا تصطادوا وأنتم محرمون، فلا تصطد غزالًا وأنت مُحرِم. هناك حكمان نريد أن نفرق بينهما، أولاً: لا يجوز الصيد في الحَرَم، ولا يقصد بالحرم المسجد الحرام فقط، إنما المنطقة المحيطة بالحرم، من التنعيم شمالًا حتى مشعر عرفة جنوبًا، ومن الجعرانة شرقًا، حتى حي الحديبية غربًا، هذه المنطقة كلها تعدّ محمية طبيعية، لا يجوز قطع شجرها ولا صيد أو قتل حيواناتها، ولا يجوز الذبح في الحرم، كل الطيور واللحوم التي تؤكل، تذبح خارج منطقة الحرم، لا يذبح في الحرم إلا الهدى، وهي البهائم المهداة إلى الكعبة، التي تُذبح ضمن شعائر الحج، قال الله تعالى (هَدْيًا بالِغَ الكَعْبَةِ) فالله -عز وجل- في الآية أجاز ذبح بهيمة الأنعام، شرط أن تكون حلالًا، يعني ليست ميتة ولا منخنقة ولا موقوذة ولا متردية، ولا ما أكل السبع، وسنشرح كل هذا لاحقاً في الآية ٣ وبشرط ألّا نصطادها ونحن محرمون. إذن الصيد في الحرم لا يجوز طوال السنة، والصيد أيضًا لا يجوز للمحرم. شخص أحرم بالحج أو بالعمرة، لا يجوز أن يصطاد حتى لو كان خارج الحرم! أنت الآن محرم، خلعت ثيابك وارتديت ما يشبه الكفن، وأسلمت نفسك وجسدك لله، فلا تستطيع أن تنزع شعرة، ولا تقص ظفرًا، كيف ستصطاد؟! عليك نسيان النعم الأنعام؛ لأنك متجه إلى المُنعم نفسه، اترك الأشخاص غير المُحرمين يصطادون ويذبحون وأنت كُل، لكن لا تصطد. هنا ممكن يقول أحدهم، ما هي الحكمة من كل هذه التفاصيل؟! (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (١) البناء الروحي والنفسي الصحيح للمسلم يجعله باستمرار مستحضر شعور العبودية، يطيع ﷲ في كل أوامره، حتى لو لم يدرك الحكمة (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) من الممكن أن نتفكر في الحكمة، ولكن إذا لم نجدها، نطيع، مهما كانت الأوامر، فلا ننسى العبودية لله أبداً. عندما تركب الطائرة، تضع ثقتك في شركة الطيران، لا تطلب أن ترى سجل صيانة الطائرة، ولا تطلب السيرة الذاتية للطيار، لأنك وضعت ثقتك في شركة الطيران! إذن عندما يُحرّم رب العالمين عليك، ويُحل لك بشروط، فأقل شيء هو أن تتوكل على ﷲ، وتضع ثقتك فيه.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

06 Jan, 08:29


شرط أن يكون الاتفاق حلالاً، وماذا يعني بشرط اتفاق حلال؟! لو أن شخصًا نذر أن يصوم يوم العيد، مع أنه لا يجوز، فهل يصوم؟! كلا، هذا حرام ولا يصوم، هذا يُسمى لغوًا، يجب ألا يلتزم بهذا العقد، كأن يغضب أحدهم، ويقول لابنه في الهاتف، وﷲ العظيم عندما تأتي لأذبحنك! وعندما يرجع ابنه، هل يذبحه؟! لا يجوز له أن يذبحه، هذا لغو، ويجب ألّا يفّي بالقسم، ولكن يجب عليه أن يكفّر عن اليمين الذي أقسمه، بأن يطعم ١٠ مساكين أو يكسوهم، أو يحرر رقبة، أو يصوم إذا لم يجد. القسم بالله ليس عبثًا ولعبًا، أن يقسم الإنسان وينذر، ثم لا يبر بقسمه، يجب عليه أن يفعله، وعليه أن يدفع حتى لا يعود. كذلك العقود مع الناس، إذا كان في العقد شرط حرام وغير شرعي فلا يجوز أن يؤديه. مثلاً امرأة تعمل راقصة، وعندها عقد مع الملهى لمدة سنة، والله تاب عليها. هل يجب أن توفي بعقدها؛ لأن الآية تقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وتذهب لترقص في الملهى؟! بالتأكيد لا يجوز، بل تتوقف عن الذهاب إلى الملهى على الفور. وبالنسبة للعقد عندنا قاعدة الأصل "الأصل هنا تعني الدليل" وهو حديث النبي ﷺ (الصلح جائز بين المسلمين) قلنا الصلح يعني الاتفاق، يتصالحان يعني يتفقان اتفاقاً، يصلح المعاملة بينهما. قال النبي ﷺ (الصُّلْحٌ جائزٌ بَيْنَ المُسلِمينَ، إلَّا صُلْحًا حرَّم حلالًا، أو أحَلَّ حرامًا) يعني العقود بين الناس ملزمة وتجوز، إلا العقود في الأمور المحرمة. وكذلك الشروط التي يضعها الناس، إلا الشرط الذي يحلّ حراماً أو يحرم حلالاً. فقد وُجِدت عقود في الجاهلية، يتعاقد فيها بعض الرجال الأبطال الفرسان على نصرة المظلوم، أحد الصحابة سأل النبي ﷺ عن تلك العقود، فقال (لعلّك تسأل عن حلف لُجَيْم وتَيْمَ، قال: نعم، قال: لا يزيده الإسلام إلاّ شدّة) كان هناك حلف، اسمه لُجيم وتيم، كان لنصرة المظلوم، أبطال الحلف يأخذون حق المظلوم من الظالم، سُئل النبي ﷺ هل يجوز أن يبقى في الحلف؟ فأجابه إن الإسلام يزيد هذه الأحلاف ويؤيدها، ثم قال عن حلف الفضول، جمع فاضل، ويعني الأفاضل من القوم، وهو حلف اتفق فيها الناس في الجاهلية لينصروا المظلوم، فقال النبي ﷺ أنه لو دُعي له في الإسلام لأجاب، يعني خلال الإسلام، لو دعا الكفار النبي ﷺ ليدخل معهم، سيدخل معهم، أيعقل الدخول مع الكفار؟! نعم، لأنه حلف يحث على البر والتقوى. هذا من باب ما ذُكر في آخر الآية ٢ (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) فيجوز التعاون مع الناس كلهم، مسلمين وغير مسلمين، على البر والتقوى، على رفع الظلم عن المظلومين، البر هو التوسع في الخير، والتقوى هو عدم الوقوع في الحرام، ولكن لا يجوز التعاون على الإثم والعدوان مع مسلمين أو غير مسلمين! يتجه الإسلام دائماً في تشريعاته التي تخص التعامل مع الكفار أو مع المجرمين، يتجه في الاتجاه الذي يحقق أمن المجتمع. هدف رئيس من أهداف الشريعة هو أن تجعل الإنسان آمنًا على نفسه وماله وعرضه وكرامته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) البهيمة اسم لكل حيوان يقف على أربع أرجل، والأنعام هي الإبل والبقر والغنم والضأن. لماذا لم يقل أُُحلت لكم الأنعام؟! البهيمة هي الأنعام، لماذا قال بهيمة الأنعام؟! لأن المقصود هو بعض الحيوانات الوحشية، التي تشبه هذه الأنعام، فممكن نُلحقها بها، مثل الجاموس الوحشي، يُلحق بالأنعام وبالبقر، ويعدّ من بهيمة الأنعام، وكذلك الظباء والغزلان تلحق بالضأن والماعز، لأنه ليس مسموحًا لنا أن نأكل أي بهيمة، يجب أن تكون بهائم نباتية، ولا يجوز أكل كل ذي ناب، وذي ظفر من السباع والأسود، والصقور والنسور في الطيور، كل حيوان يأكل اللحوم لا يجوز أكله للمسلمين، وسبحان ﷲ سبب ظهور مرض جنون البقر، كان هو وضع بروتين حيواني في العلف، كي يكبر البقر، ويكون وزنه كبيراً، فكانت النتيجة ظهور مرض جنون البقر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) سمح لنا بأكل بهيمة الأنعام، التي هي البهائم، التي يمكن أن تلحق بالأنعام، مثل الظباء والغزلان والجاموس الوحشي، إلا ما يُتلى علينا، يعني هناك بعض القيود في الآية ٣ (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ولَحمُ الْخنزِيرِ ومَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ والْمَوْقُوذَةُ والْمُتَرَدِّيَةُ والنَّطِيحَةُ وما أَكَلَ السَّبُعُ...) أي ممكن أكل بهيمة الأنعام، شرط أن تكون مذبوحة بطريقة حلال، ولا تكون ميتة أو مخنوقة.. إلخ.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

06 Jan, 08:29


٢
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (١)

أول ملاحظة هو بداية سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) بينما بدأت سورة النساء (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) مع أن السورتين مدنيتان، لماذا؟! الأمر في سورة المائدة بالوفاء بالعقود، وأيضاً فيه إخبار بأن هناك أنواعًا من الحيوانات تَحِل ويجوز ذبحها وكلها، ولكن لا يجوز الصيد وهم محرمون، إذن هذه تكليفات، وﷲ سبحانه لا يكلف الكافر إلا بالإيمان أولاً، لكن قبل أن يؤمن لن يكلفه بالالتزام بحلال ولا حرام، الأمر في سورة النساء (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ (١) الأمر بتقوی الله، اتقوا ﷲ وآمنوا، إنما النداء في سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) وتكرر هذا النداء ١٦ مرة في سورة المائدة، ودائماً عندما ينادي الله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) إذن سيأتي بعدها تكليف مهم وربما صعب، لذلك فإن الله يُذّكر المؤمنين أنهم هم الذين اتخذوا قرار الإيمان بالله، أنت اتخذت الله إلهاً ورباً ومُشرِعاً، يشرع لك تشريعات ستقبلها وتنفذها، وبذلك أصبح من مسؤولياتك، طالما أنك اتخذت قرار الإيمان، سواء ولدت مسلماً وبقيت على الإيمان بقرارك، أو دخلت الإسلام وهذا بقرارك أيضاً! إذن مسؤوليتك أن تطيع أوامره وتنتهي عن نواهيه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) أوفوا يعني أعطوا بالكامل، توفى يعني أخذ بالكامل، توفّاه ﷲ يعني أخذه أو استرده، أوفى يعني أعطى بالكامل. أوفوا بالعقود جمع عقد، يعني ربط، العقد يربط للإنسان باتفاقياته، أوفوا بالعقود يعني أدّوا ما عليكم من حقوق بالكامل، وأول عقد هو عقد الإيمان، وهذا عقد موجود في فطرة الإنسان، مزروع في خلاياه في وجدانه في DNA للإنسان، يقول الله في سورة الأعراف (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (١٧٢) إذن الله -سبحانه- جعل الإيمان به في فطرة كل إنسان وطبيعته، لذلك يقولون إن العلماء اكتشفوا أن الأطفال يولدون مؤمنين، وهذا يعني أنهم اكتشفوا في فطرة الإنسان المولود أنه يؤمن بوجود خالق! لذلك الملحد الذي يكفر بوجود الخالق يخالف هذا العقد مع الله، إذن أول عقد هو: الإيمان. ثاني عقد هو: عقد الإسلام، من يُعرَض عليه الإسلام عليه أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر والقضاء والقدر، وبذلك يصبح مسلمًا، ويقوم بوظيفة الخليفة في الأرض، هذا عقد عمل، ويحقق المهام المطلوبة منه، وهي العبادة والدعوة إلى الخير وإعمار الأرض وإقامة العدل، ولكن العقود تكون بين طرفين، ولكل طرف حقوق على الآخر! هل هذا يعني أن لنا حقوقًا على الله؟! نعم، قال رسول ﷲ ﷺ لمعاذ بن جبل (يَا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ وما حقُّ العبادِ عَلَى الله؟! قَالَ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللّهِ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً. وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَفَلاَ أُبَشِّرُ النَّاسَ؟! قَالَ: لاَ تُبَشِّرْهُمْ. فَيَتَّكِلُوا) فأخبر بها معاذ قبل موته تأثماً، أي أن سيدنا معاذ أخبر الناس بحديث رسول الله ﷺ قبل موته، خوفاً من أن يكون قد كتم علماً. المسألة كبيرة وعميقة، ما معنى العبادة؟! وما معنى عدم الشرك بالله؟! أنت لَمَّا تخاف من مخلوق، فأنت أشركتَ بالله (فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي) ثالث عقد هو عقد يضعه الإنسان على نفسه، يُلزم به نفسه، سواء مع ﷲ أو مع الناس! ركز جيداً؛ النَذر مثلاً، هو عقد ألزم الإنسان به نفسه مع الله، لمّا ينذر شخص بأن يتصدق بمئة ألف جنيه إن نجح ابنه، فعند نجاح الولد، يصبح إلزاماً عليه أن يتصدق بهذا المبلغ، هذا عقد الإنسان وضعه على نفسه، والله لم يفرض عليه ذلك! وأيضاً أي اتفاق بين الإنسان وبين إنسان آخر، يجب أن يلتزم به، سواء عقد إيجاراً أو بيعاً أو شراء، أو أي عقد أو اتفاق، بشرط أن يكون مشروعاً، أي الشريعة تسمح به، أي أنه اتفاق حلال، وهذا يسري عليه أيضاً الإنسان، هو من وضع العقد على نفسه، وأيضاً نفس الأمر في الحَلِف، فإذا حلف شخص أن يفعل شيئًا، أي أقسم، وهذا عقد مع الله، أنت أقسمت به فلا بد أن تفعله!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

06 Jan, 08:28


فيديو ٨٧٦ من مقاطع #حظر_التجول تدبر سورة المائدة - الحلقة الثانية الآية ١

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

06 Jan, 08:27


https://www.youtube.com/live/kOVZieLm5Hs?si=GSrT5czSf4f6-ceg

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

05 Jan, 13:48


وأحكام الصيد في البر والبحر وحال الإحرام، وذلك في الآية ٩٥ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) وأحكام وتشريعات كثيرة جدًا. ولا بد أن نلاحظ التناسب بين سورة النساء وسورة المائدة، وأول شيء انتقدته سورة النساء في بني إسرائيل هو نقض الميثاق مع الله، في الآية ١٥٥ (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) وأول ما بدأت بها سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لا تكونوا مثلهم يا مسلمون، وتفادوا الخطأ الذي وقع فيه بنو إسرائيل، وأول عقد على المسلم والمسلمة يجب أن يُوفوا به هو العقد مع ﷲ، قبل الوفاء بعقد البيع وعقد الشراء وعقد الإيجار، بالتالي ورد معنا الميثاق طوال سورة النساء وسورة المائدة، وتجدر الإشارة إلى أن كلمة ميثاق، وردت في القرآن الكريم ٢٥ مرة، منها ١١ مرة موزعة على سورتيّ النساء والمائدة، إذن هناك اهتمام شديد في هاتين السورتين بمسألة المواثيق والصدق في العهود، لذلك تتشابه سورتا النساء والمائدة، بسورتي البقرة وآل عمران، من ناحية الاتحاد في الموضوعات التي تعالجها السورتان، فسورتا البقرة وآل عمران كان فيهما اتحاد في موضوعات التوحيد والربوبية، وسورتي النساء والمائدة فيهما اتحاد في موضوعات القوانين والأحكام التي تنظم المجتمع من حيث المواريث والزواج والطلاق والحلال والحرام في الطعام، وعقوبة السرقة وعقوبة الخيانة.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

05 Jan, 13:48


فالآية الأولى وفق رواية حفص (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ أُحِلَّتۡ لَكُم بَهِيمَةُ ٱلۡأَنۡعَٰمِ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ غَيۡرَ مُحِلِّي ٱلصَّيۡدِ وَأَنتُمۡ حُرُمٌۗ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ مَا يُرِيدُ (١) أما في عن ورش، فنجد الآية الأولى تنتهي بعد كلمة العقود، فتصبح الآية الأولى هي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (١) والمدرسة المدنية وضعت فاصلاً بعد كلمة العقود، وقسمت الآية الأولى إلى آيتين، وكذلك فإنّ الآية ١٥ في المصحف الكوفي، قُسمت إلى آيتين في مصحف ورش، ووُضع فاصل بعد كلمة "ويعفو عن كثير" لتصبح (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ (١٦) وأصبحت (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (١٧) آية قائمة بذاتها ورقمها ١٧، بالتالي فإن مصحف ورش يزيد آيتين على عدد الآيات في المصحف الكوفي، ولذلك تصبح آيات السورة ١٢٢ دون اختلاف بين المدارس في أي كلمة، بل هو مجرد اختلاف في فواصل الآيات، وهذا اجتهاد علماء، وليس بالاعتماد على الوحي، وينطبق ذلك أيضاً على المدرسة البصرية فلديهم ١٢٣ آية حيث يضعون فاصلاً في الآية ٢٣ لتصبح آيتين (قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ) ووضعوا فاصلاً هنا وبالتالي (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) سورة المائدة مهمة، فهي تبني أمة، فتجد فيها عقائد وأصول الدين العظيمة، مثلاً في الآية ٣ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) وهي عقيدة أن الإسلام هو دين ﷲ الذي يرتضيه للبشر جميعاً، وكذلك في الآية ٤٨ (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) التي توضح عقيدة أن القرآن هو المهيمن على الكتب السابقة والعقائد الأخرى، والتي سنمر عليها ونتدبرها بإذن ﷲ في هذه السورة، فإن ذكر لنا أحد نص من الإنجيل أو التوراة، فإنه يجب أن نعود إلى القرآن، ونعرض النص عليه؛ لأن القرآن هو المهيمن، وهو الذي يحسم إن كان هذا النص صحيحاً أو هو نص من النصوص المحرفة، وهو غير مقبول في عقيدة الإسلام. وتجدر الإشارة إلى أن بناء الأمة لا يقتصر على البناء العقائدي فقط، وإنما هناك بناء أخلاقي مهم جداً، فأول آية من سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (١) وفيها توضيح لخلق الوفاء والصدق في الاتفاقات، وكذلك الآية الثانية (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ(٢) وهو خلق التعاون على الخير، وخلق عدم التعاون على العدوان، والاعتداء على الناس، وفي الآية الثامنة (كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (٨) وفيها خلق العدل حتى مع العدو، وأخلاق أخرى كثيرة سنتدبرها بإذن ﷲ في هذه السورة، والتي يحتاجها العالم في زماننا! عندما اكتشف الأمريكي مكان بن لادن، ماذا فعلوا به؟! قتلوه ورموه في المحيط، لكن لماذا لم يأخذوه ويذهبوا به ليتكلم أمام الإعلام، ويعرض روايته أمام الناس؟! لماذا ألقوه في المحيط؟! ولماذا لم تدفن جثته دفناً عادياً؟! إذن هناك أخلاق تنقص العالم، والقرآن هو الذي يزرع هذه الأخلاق التي يفتقدها الناس وحتى الدول والحكام، إذن فلا بد عند بناء الأمة عقائديًا وأخلاقيًا وقانونيًا من وجود تشريع، والسورة مليئة بالتشريعات، فمثلاً تحتوي السورة على أحكام اليمين واللغو، وذلك في الآية ٨٩ (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (٨٩) والتي توضح أنواع اليمين وأنواع كفارات اليمين، وسبب كفارة اليمين، كي يتوقف الإنسان عن القسم كذباً، ولذلك يجب أن تكون هناك عقوبة رادعة! وكذلك حكم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، وذلك في الآية ٩٠ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وهذا أول تحريم للخمر في البشرية، فلم يحرم الخمر قبل ذلك في أي شريعة، وهذا معناه أن البشرية وصلت لمرحلة من النضج، أنه يمكن في هذه المرحلة تحريم الخمر.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

05 Jan, 13:48


١

تُعدّ سورة المائدة مدنية وهي من آخر ما نزل من القرآن، إن لم تكن هي آخر ما نزل من القرآن فعلًا، وهناك خلاف بينها وبين التوبة في جانب النزول، إن كانت نزلت أولاً، أم أن سورة التوبة نزلت أولاً، وغالباً نزلت السورتان في نفس الوقت، وذلك لأن السورة الواحدة لم تكن تنزل كلها مرة واحدة؛ لذلك لا يوجد في سورة المائدة أحكام منسوخة، بل كل الأحكام التي فيها هي نهائية؛ لأنها من آخر ما نزل من القرآن الكريم، حتى قيل عن سورة المائدة أنها مكية؛ لأن معظمها نزل بمكة في حجة الوداع، فهي السورة التي تحتوي على الآية الكريمة التي نزلت في يوم عرفة الآية ٣ (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) والصحيح أنها سورة مدنية نزلت بمكة، ولكن اتفقنا على تقسيم السور إلى مكية ومدنية، طبقاً للفترة التي نزل فيها القرآن، بصرف النظر عن الجغرافيا أو المكان الذي نزلت فيه الآيات، بالتالي هناك فترة تسمى الفترة المكية وهي ١٣ سنة التي تسبق الهجرة النبوية، وكل ما نزل فيها يعدّ مكياً، وفترة تسمى الفترة المدنية وهي ١٠ سنوات التالية، أي بعد الهجرة، فالمائدة نزلت في مكة بعد الهجرة، بالتالي ماذا تُعدّ السورة؟! إذن هي سورة مدنية. حيث أنّ معظم سورة المائدة نزلت في حجة الوداع في مكة وتحديداً في عرفات، وكانت حجة الوداع في الفترة المدنية، وقد ورد فيها "عن جبير بن نفير قال: حججت فدخَلتُ على عائِشةَ فقالت: هل تَقرَأُ سُورةَ المائِدةِ؟! قال: قُلتُ: نَعَمْ. قالت: فإنَّها آخِرُ سُورةٍ نزَلَتْ، فما وجَدتُم فيها مِن حَلالٍ فاستحِلُّوه، وما وجَدتُم فيها مِن حَرامٍ فحَرِّموه" وورد في الحديث الضعيف: أن رسول الله ﷺ قال (المائِدَةُ مِن آخِرِ القُرْآنِ تَنْزِيلًا، فَأحِلُّوا حَلالَها وحَرِّمُوا حَرامَها) وهذا حديث ضعيف ومعناه صحيح، إذن سورة المائدة هي سورة مدنية، ومن آخر ما نزل من القرآن، أي أنها نزلت في الشهور الأخيرة من حياة النبي ﷺ لأن النبي ﷺ مات بعد حجة الوداع، أي بعد حوالي ٨٠ يوماً من حجة الوداع، وتوفي بعد ثلاثة شهور، أما أسماء سورة المائدة: فالاسم الأول هو المائدة؛ وهو الاسم الأشهر والمستخدم في المصاحف، وسبب التسمية، لأنّه ورد فيها قصّة المائدة الّتي سألها الحواريّون من عيسى عليه السّلام، عندما قالوا له أن يطلب من الله أن ينزل عليهم مائدة من السماء، ووردت باسم سورة المائدة في كلام عبد اللّه بن عمر، وعائشة أمّ المؤمنين، وأسماء بنت يزيد.. وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، إذن هذا أهم اسم لسورة المائدة، أما الاسم الثاني فهو سورة العقود، وسبب التسمية هو ورود لفظ العقود في أول السورة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) والاسم الثالث هي سورة المنقذة، وقد سماها العلماء بهذا الاسم لأنها تنقذ صاحبها من العذاب، إذا حرم حرامها وأحل حلالها. من كثرة ما فيها من أحكام الحلال والحرام، سميت المنقذة، وأيضًا لورود حديث شديد الضعف، يكاد يكون حديثاً دون سند أصلاً، الذي يسميها المنقذة، ولكن لأنه شديد الضعف فلن أذكره، والاسم الرابع هو سورة الأخيار، وأنا أحب هذا الاسم جدًا، مع أن كلمة الأخيار ليست موجودة في القرآن كله إلا مرتين، وذلك في سورة أخرى هي سورة ص في وصف الأنبياء في الآيات (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدي وَالْأَبْصارِ (٤٥) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ(٤٧) لكن سورة المائدة سميت بسورة الأخيار؛ لأنها تبدأ بأمر الوفاء بالعقود، لذلك كان الصحابة يقولون عن الإنسان الذي لا يفي بوعده أو باتفاقاته، بأنه لا يقرأ سورة الأخيار، أما الاسم الخامس فهي السّورة الّتي يذكر فيها المائدة، وعدد آياتها ١٢٠ آية، لكن عدد آياتها في مصاحف ورش ١٢٢ آية، وهذا لأن ترقيم الآيات ليس وحيا من ﷲ، إنما هو اجتهاد للعلماء، واسمهم علماء العدّ، الذين يعدون آيات القرآن وهي سبعة مدارس؛ وترى المدرسة الكوفية في مصاحف رواية حفص عن عاصم بن أبي النجود الكوفي، أن سورة المائدة تحتوي على ١٢٠ آية، بينما في المدرسة المدنية والمكية والشامية ترى أنها تحتوي على ١٢٢ آية؛ ولذلك فإنّ مصاحف ورش عن نافع المدني تحتوي على ١٢٢ آية، وفي المدرسة البصرية تحتوي سورة المائدة على ١٢٣ آية، مع الإشارة إلى أنه لا يوجد خلاف بين جميع المدارس في أي كلمة في الآيات، ولكنّ الاختلاف بينهم هو في فواصل ٣ آيات.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

05 Jan, 13:46


فيديو ٨٧٥ من مقاطع #حظر_التجول تدبر سورة المائدة - الحلقة الأولى المقدمة

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

05 Jan, 13:46


https://www.youtube.com/live/l4ag0UsCeck?si=upR2mSVFhkHutCpf

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

04 Jan, 08:12


سورة المائدة


https://youtube.com/playlist?list=PLukAHj56HNKaKxiF3jdiNAeVA6tM3KoH8&si=WSTT-F2GULlNR0a-

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

04 Jan, 07:31


(وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) إن ﷲ يعلم من أخذ حق من؟! ويعلم من تبرع بحقه لمن. وتختم السورة بترجمة الإيمان إلى عمل، فتكون سورة النساء في بداياتها أحكام المواريث، وفيها أنصبة الربع، الثمن، السدس للنساء، عندما تكون زوجة أو أمًا، وانتهت بأحكام مواريث، فيها أنصبة النساء النصف والثلثين، بعد أن جهزت المسلم نفسيًا لقبول هذه الأنصبة الكبيرة، فالمرأة في الجاهلية لم تأخذ أيًا منها، فالسورة نزعت من قلب القارئ المتدبر حب الدنيا والماديات، ووضعت مكانها حب الجنة والرحمة والهداية وحب العدل، وهذا يعيدنا لبداية سورة النساء، ويجعلنا نفهم أكثر، لأنه دائمًا أول السورة له علاقة بآخرها، أول السورة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١) ما هي ترجمة التقوى؟! تقول الآية التي تليها (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (٢) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (٣) وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤) كل هذا ترجمة للتقوى، فإن عدم أكل أموال اليتامى ومهور النساء وميراثهن، والعدل مع الزوجات، كل هذا ترجمة للتقوى، التقوى ليست مظاهر التدين التي تبدو في شكل شعر في وجه الرجل، أو نقاب على وجه المرأة، التقوى لا بد للإنسان أن يترجمها لعمل.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

04 Jan, 07:31


وبعدها ركزت السورة في معان عقائدية أخرى تماماً، وأظهرت لنا أخطاء اليهود وأخطاء النصارى، كي لا نقع بها ونتفاداها، وبينت لنا الطريق الصحيح، الذي يجب على المسلم أن يسلكه، وهو طريق الإيمان بالله والاعتصام به، لكي يصبح من الناس الذين قال الله عنهم (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) وهذا جميل جدًا. وتأتي آخر آية تغير الحالة العامة للآيات، تحولنا إلى فقه واستفتاء للنبي عن أحكام المواريث، والنسب، والنصف، والثلاثين، الموضوع تحول لأمور مادية جدًا. لماذا؟! لأنك لو ظننت أنك ستدخل الجنة، وتهدى إلى الصراط المستقيم، لأنك تطيل لحيتك فأنت تضحك على نفسك، لو ظننت أنك ستدخل الجنة، لأنك تحفظ القرآن، فأنت تضحك على نفسك! أين ترجمة الإيمان الذي تدعيه؟! ترجمة الإيمان في العمل، لو حفظت القرآن وأطلت لحيتك، ثم أكلت حقوق أقاربك في الميراث، وأكلت حقوق النساء في الميراث، وأكلت حقوق النساء في المهور، فهل تظن أن طريق جهنم للكفار فقط! (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) احذر وركز، وإياك أن تأتي يوم القيامة وأنت ظالم! فلا تقل إن من عادات بلدنا أن الذهب للبنات والأرض للذكور، فعندهم ذهب بعشرة أو مئة ألف جنيه أعطوها للبنات، وعندهم أرض ثمنها خمسة ملايين أعطوها للذكور، وفق أهوائهم، لكن في شرع الله كل التركة تُقسّم، وبعد تقسيم التركة يتبادلون إذا أرادوا، ولكن كلًا منهم يعرف ما هو نصيبه، ويعرف ما هي قيمته، لكيلا يُحتال عليه لكونه يتيمًا أو لأنها أنثى! (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦) هذه السورة تخاطب الرجال حتى لا يظلموا النساء، وتتكلم عن الرجال، لذلك كلمة يستفتونك، دليل على أن رجال الإسلام، كانوا يشعرون أن وضع المرأة في الجاهلية فيه ظلم لها، فطلبوا الفتوى من النبي ﷺ في أمور النساء، ونزلت التشريعات لتنصف النساء، بطلب من الرجال الأتقياء، ولا نحتاج النسوية الراديكالية، وهي حركة نسوية متطرفة، المسلم رجل أو امرأة لديه حساسية شديدة من الظلم، يخاف أن يأتي يوم القيامة وهو ظالم! طبعاً هناك من فهم أن معنى أن تنزل هذه الآيات بطلب من الرجال، فإن لم يستفتِ هؤلاء الرجال، لما نزلت هذه الآيات، بل كانت ستنزل هذه الآيات، ولكن انتبه إلى نقطة، أن هناك طريقة تعليم لطيفة جدًا، اسمها طريقة التعليم بالسؤال والجواب، أنا لكي أعمل فيديو لطيفاً، يُعلم بطريقة جديدة، أجعل المادة بشكل سؤال وجواب، فعندما أجد "يسألونك، قل" فإن هذا يعني أن العلم منزل بطريقة سؤال وجواب، ولو لم يسألوا لنزل أيضًا (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ) الكلالة هم ورثة الإنسان الذي يموت وليس له أصل ولا فرع، أي لا أبوين ولا أولاد، فلو كان له أخت، فإنها تأخذ نصف التركة، والباقي لأقرب عصبة، يعني لأقرب ذكر من أقاربه، انتبه إلى أن أنصبة الربع والثمن والسدس أتت في أول السورة، ثم كلمك الله ورفع مستوى التقوى عندك، ثم جاءك بالأنصبة الكبيرة للإناث، لأنك مُعدّ الآن لتلقي هذا (وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ) هو سيرث كل شيء لو لم يكن لديها أحد، لأنه أكثر الذكور قرابة، فلو مات هو ولديه أختين أو أكثر، فيأخذن ٦٦٪ يعني الثلثين (فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦) لو مات وترك أختاً أو أخوين، أو أخ أو أختين أو ١٠ إخوة ذكوراً وإناثاً (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) نعتبر كل رجل بنتين، ونقسم الميراث على عدد البنات، ثم نعطي الأنثى نصيباً، ونعطي الذكر نصيبين. لماذا؟! تحدثنا في هذا الموضوع سابقاً وشرحناه، وقلنا إن الموضوع له علاقة بالقوامة التي تضع التزامات مادية كبيرة على عاتق الرجال للإنفاق على الأسرة (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) هكذا يبين ﷲ لكم أحكام المواريث، لكيلا يضلّ أحد، لأن من يأكل حقوق النساء والأيتام، فهو ضال!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

04 Jan, 07:31


في سورة النساء، حذر الله من اتباع خطوات المنافقين وأهل الكتاب، الذين كفروا وزاغوا عن الطريق الصحيح، وبين لنا أن التقوى والهداية تُترجم على شكل أعمال، فلا يمكن للمتقين أن يستغلوا قوّتهم في ظلم الأيتام والنساء، فالمتقون المهتدون هم أول من ينصف النساء، ويدافع عن حقوقهم، وأول من يدافع عن حقوق الأيتام! وتكلمت السورة عن حقوق النساء المهضومة، سواء في المهر أو الميراث أو غيرها.

(فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (١٧٥)

الذين آمنوا بالله، أي بكل صفاته وأسمائه وأفعاله كلها وسننه كلها، واعتصموا به، أي أنهم لم يطلبوا العزة عند آخرين، بل اعتصموا به، وطلبوا أن يثبتهم على الهداية، ويسمى بالاعتصام من المعصم، لأنه عندما يقوم أحدهم بالاستنجاد وهو يغرق، فيأتي من سينقذه ويمسكه من المعصم، لذلك سمي الاستنجاد من الخطر "اعتصام" اعتصموا به يعني استنجدوا بالله من الخطر، فأي طريق آخر غير طريق الله، هو طريق خطر، لذلك الاعتصام بالله هو طريق النجاة الوحيد، في سورة آل عمران (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) هذا اعتصام بالله، وفي الآية ١٧٥ (فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) هل الدخول في رحمة الله هو شيء جيد؟! هل كل هذا كي يدخلنا الله في رحمته! أتستهين بكلمة يدخلهم في رحمته؟! معناها أنهم قد دخلوا الجنة! لماذا نقوم بالعمل الصالح؟! هل كي يدخلنا الله الجنة؟ كلا طبعًا، لا يوجد عمل صالح يكفي لكي يدخل أي إنسان الجنة. النبي ﷺ قال (لنْ يُدْخِلَ أحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ. قالوا: ولا أنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: لا، ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بفَضْلٍ ورَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وقارِبُوا، ولا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ: إمَّا مُحْسِنًا، فَلَعَلَّهُ أنْ يَزْدادَ خَيْرًا، وإمَّا مُسِيئًا، فَلَعَلَّهُ أنْ يَسْتَعْتِبَ) حتى النبي ﷺ كيف يكون هذا؟! هو أكثر من قام بأعمال صالحة، وأكثر واحد في الدنيا لديه حسنات في صحيفة حسناته هو النبي ﷺ، ولكن لا توجد أعمال تكفي لشكر نعم ﷲ، المشكلة في الشكر على النعم، سجل النعم لا أحد يستطيع أن يشكر الله عليه، نحن نعمل العمل الصالح لكي يدخلنا الله في رحمته، فإذا أدخلنا في رحمته دخلنا الجنة، عندما تقول رحم ﷲ فلاناً، يستهين الناس بهذه الدعوة، وكأنها دعوة عادية! ولكنها أفضل دعوة للمتوفى (فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ) يضاعف لهم الثواب، ويتفضل عليهم بأجر، لم يكونوا يتخيلونه ولا يتوقعوه (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا(١٧٥) من الغريب بعد أن يدخلهم في رحمة منه وفضل، أن يهديهم إليه صراطًا مستقيمًا! ماذا يعني هذا؟! لماذا سيهديهم الله بعد أن دخلوا الجنة؟! هذه الآية تأتي في مقابل الآية ١٦٨ و ١٦٩ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) ففي الآخرة سيُهْدَى الكفار والظالمين إلى طريق جهنم، والذين آمنوا وعملوا الصالحات، سيهديهم إليه (صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) كل ما يهمهم أن يصلوا إلى ﷲ، لذلك قال (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ) هم لا يريدون صراطاً مستقيمًا فقط، بل يريدون طريقاً مستقيماً يصل بهم إلى ﷲ، ﷲ غايتهم وهذا هدفهم، وهذه هي الهداية، أن تريد الطريق إلى الله. لماذا نقرأ القرآن ونتدبره؟! نحن نقوم بكل هذا لنمشي في طريق إلى الله. ثم تختم السورة ختاماً غريباً جدًا، انظر كيف كنا في مستوى عالٍ وقوي على نحو إيماني وروحي، وختام السورة:

(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦)

ختام السورة غير متوقع، في أول السورة كان الكلام كثيراً عن حقوق النساء، وأحكام المهر وأحكام المواريث، وتوصية بالنساء وعدم ظلمهن، كلمة نساء وردت في القرآن ٢٦ مرة، منها ٢٠ مرة في الثلثين الأولين في سورة النساء، في أول ١٣٠ آية من ١٧٦ آية.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

04 Jan, 07:31


٦١

(فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٧٣)

كل مؤمن اختار أن يؤمن بالله وأن يعمل الصالحات، أي ينتهي عن النواهي التي نهى ﷲ عنها، فيفعل ما أمره ﷲ به من العبادات، والإحسان إلى الناس، وإلى خلق ﷲ. فهناك من فهم أن آمنوا وعملوا الصالحات، معناها أن تعطي بضعة جنيهات للمحتاج، ويظن أنه ليكون مؤمناً يكفي أن يصلي ويصوم رمضان، ويخرج زكاته كل عام، وانتهى عند هذا! وبعد ذلك يمكنه أن يعيش حياته، ويرتكب المعاصي! كلا، اعملوا الصالحات تشمل الانتهاء عن النواهي، وتشمل غض البصر وحفظ اللسان وحفظ السمع، وكل ما نهى الله عنه، مشمولًا في عمل الصالحات (فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) فتنال أجر الصلاة، وأجر الصدقة وأجر غض البصر (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) وستأخذ أجرك مضاعف ١٠ أو ٧٠٠ أو ١٠٠٠٠٠ ضعف، والله يضاعف لمن يشاء فضلاً منه (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا) أما من قال لك أنا لست عبداً، ولا أسجد لأحد، ما دمت لم أسبب ضررًا لأي إنسان فهذا يكفي! فإنه بذلك متكبر، يتكبر عن عبادة ﷲ وعن طاعة ﷲ، والكبر هو معصية الشيطان، في سورة الأعراف رفض الشيطان أن يسجد لآدم، وعاتبه الله قائلًا (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣) فيكون المتكبر قد ارتكب نفس المعصية التي جعلت من إبليس شيطاناً (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٧٣) من يتكبر ويستنكف عن عبادة ﷲ، سيعذبه الله عذابًا أليمًا، إياك أن تظن، أنه من الممكن أن توجد كلمة في أي لغة من اللغات تعبر عن مدى الألم الذي يوجد في عذاب النار، كلها كلمات تقرب المعنى، لكن لا يمكن وصف عذاب النار كما هو في الآخرة، ومن يظل في العذاب، فهو باقٍ في انتظار توقف العذاب، لو كان هناك أحد ليساعده أو من يشفع له عند الله، لكن من يستنكف ويتكبر عن عبادة ﷲ، لن يجد من يساعده (وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٧٣) أي أنه لن يستطع قريباً ولا غريباً أن يساعدهم على الخروج من عذاب ﷲ، الولي هو الذي يساعد الإنسان لقرابة أو لصلة بينهما، والنصير هو شخص يساعد الإنسان تعاطفاً معه.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (١٧٤)

نداء لكل إنسان على وجه الأرض، جاءكم نبي نزل عليه قرآنًا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) يا أيها الناس جميعاً (قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ) النبي برهان من ﷲ، لأن مهمته أن يبرهن أي أن يوضح للناس الحق، ويفرق بينه وبين الباطل، عندما نقول هذا بحث مبرهن، أي مثبت بالدليل القاطع، وليس منشوراً على الفيس بوك، هذا مبرهن بالدليل القاطع (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا) القرآن الذي أنزل معه هو نور نُزِّل عليه، إليكم أنتم ومن أجلكم أنتم، نزل نور لينير القلوب، ويزيح الظلمة منها، وينير لكم الطريق في الدنيا، ولينير لكم الصراط يوم القيامة، فالقرآن نور، وقد طلبتم الهداية في الفاتحة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) وسورة البقرة ابتدأت بقوله (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) فاستجاب الله لدعائكم في الفاتحة، بأن أعطاكم هذا الكتاب الذي لا ريب فيه هدى للمتقين، وبيّنت البقرة ثلاثة أنواع من الناس الذين يتعاملون مع الهداية، الكافرين، والمنافقين والمتقين، وفي آل عمران، تكلم الله عن الراسخين في العلم، وكيف أنهم بعد الهداية يظلون في حالة من الإخبات والخشوع، يطلبون من ﷲ أن يبقيهم على الهداية (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

04 Jan, 07:30


فيديو ٨٧٤ من مقاطع #حظر_التجول #تدبر سورة النساء حلقة ٦١ الآيات ١٧٣-١٧٦

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

04 Jan, 07:29


https://www.youtube.com/live/oEhD-y8vlPk?si=ZeLHkvwMJos8LOCd

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

02 Jan, 12:32


(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) لماذا ذُكِرَت الملائكة الآن؟! ما هي مناسبة ذكر الملائكة؟! هناك من فهم هذه الآية أنها دليل على أن الملائكة أفضل من الأنبياء، ومن قال بذلك هم المعتزلة، الملائكة المقربون أفضل من الأنبياء، جبريل وإسرافيل وميكائيل، كبار الملائكة، وإلا فلماذا يقول الله (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) فلا بد أن الله يقصد أن الملائكة أفضل وأعلى من المسيح، ولا يستنكفون أن يكون عباد لله، وهذا خطأ كبير! أهل العلم اتفقوا أن الأنبياء أفضل من الملائكة، لكن هناك من يرون أنه ليس فقط الأنبياء (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (البينة ٧) "الْبَرِيَّةِ" أي البريئة أي المخلوقات، الذين آمنوا وعملوا الصالحات لديهم شهوات واستطاعوا السيطرة عليها، إنما الملائكة الذين لا يعصون ﷲ لأن طبيعتهم هكذا، ليس لهم شهوات تجعلهم يعصون ﷲ، فمن الأفضل؟! كلاهما يسبحون ويعبدون ومؤمنون! الأفضل هم البشر، لديهم شهوات ويستطيعون السيطرة عليها، وبالتأكيد الأنبياء هم أفضل البشر، وأفضل الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فلماذا ذكر الله الملائكة في هذه الآية؟! (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (١٧٢) لأن المسيح ليس هو فقط من عُبد على أنه ابن ﷲ، الملائكة أيضاً عُبدت من بعض القبائل العربية على أساس أنهن بنات ﷲ، فبما أن الآية ذكرت إن المسيح لا يستنكف أن يكون عبداً لله، ففي الوقت ذاته يذكرنا القرآن أن الملائكة أيضاً عُبدوا على أنهم بنات الله، لا تستنكف أيضًا أن يكونوا عباداً لله. هناك نوعان من الآلهة التي عُبدت من دون ﷲ، آلهة ألّهت نفسها، مثل فرعون الذي قال (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) ألّه نفسه، وآلهة غير عاقلة صُنعت وألّهت كالأصنام، وهناك فضلاء كسيدنا عيسى والملائكة، لم يطلبوا من أحد أن يعبدهم، بل على العكس، أمَرُوا الناس بعبادة ﷲ، فعبدهم الناس، فهذه الآية تبرّئهم من تأليه أنفسهم (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (١٧٢) هناك التفات في العدد، من الإفراد إلى الجمع [ولمن لا يفهم معنى الالتفات، لا بد من مشاهدة دورة "مفاتح التدبر" على يوتيوب في قناة مؤسسة جسور، وهي دورة مهمة جدًا شاهدوها، لأن فيها شرحاً للالتفات] في الآية التفات في العدد من الإفراد إلى الجمع (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ) مفرد (وَيَسْتَكْبِرْ) مفرد (فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا) جمع، من سيتكبر عن عبادة ﷲ، فالله سيحشرهم جميعاً. ماذا يعني هذا؟! أي من تكبر، ومن لم يتكبر، لكي يرى من لم يتكبر جزاء كل من تكبر! النصارى الموحدون والأريوسيون الذين أُلقوا للسباع أحياء، وعُذبوا ونُشروا بالمناشير سيحشرون إلى ﷲ، مع من عذبوهم ومع من ألّهوا المسيح، ومع من آمنوا بالثالوث المقدس؛ لكي يشاهدوهم! وموضوع طبيعة المسيح أريقت بسببه دماء ملايين لن أقول مئات الآلاف، بل ملايين على مر القرون، وصف النبي ﷺ هذه الفترة لأصحابه بقوله (خذوا العطاءَ ما دامَ العطاءُ، فإذا صاروا رشوةً على الدينِ فلا تأخذوه ولستم بتاركيه يمنعُكم الفقرَ والحاجةَ ألا إن رحى الإسلامِ دائرةٌ فدوروا مع الكتابِ حيثُ دارَ ألا إن الكتابَ والسلطانَ سيفترقانِ فلا تفارقوا الكتابَ ألا إنه سيكونُ عليكم أمراءُ يقضونَ لأنفسِهم ما لا يقضون لكم، فإذا عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم، قالوا: يا رسولَ اللهِ كيفَ نصنعُ قال كما صنع أصحابُ عيسَى ابنِ مريمَ نُشِروا بالمناشيرِ وحُمِلوا على الخُشُبِ موتٌ في طاعةِ اللهِ خيرٌ من حياةٍ في معصيةِ اللهِ) لموت في طاعة ﷲ، خير من حياة في معصيته!  الإسلام يثني كثيرًا على النصارى الموحدين، الذين وقفوا كالصخرة في وجه بدعة تأليه المسيح، والثالوث المقدس، مثل الإبيونيين وأتباع بولس الشمشاطي، وأتباع أريوس.. وغيرهم كثير.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

02 Jan, 12:32


لماذا المغالاة في المسيح بهذه الطريقة؟! لماذا هذا الغلو وهذا التطرف؟! نُكمل لنرى قصة الثالوث المقدس (فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ) قلت له: والله أنا محرج جدًا من أجلك، هل هذه هي الآية التي تقول إنها تدل على اعتراف القرآن بالثالوث!؟ يا رجل يا عاقل (وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ) ألم تقرأها وتفهمها؟! لماذا تردد الكلام كالببغاء، كلام في كتيب حقير بنصف جنيه، بدلًا من أن تذهب وتفتح القرآن، وتبحث عن الآية وتقرؤها بنفسك، قبل أن تحرج نفسك هذا الإحراج (وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ) هل هذه الآية التي تدل على الثالوث؟! اسمع الكلام القادم (انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ) كفوا وانتهوا أفضل لكم (انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ) نبرة الغضب واضحة جداً من ادعاء الثالوث، الله غاضب، وأكثر ما يغضب الله أن يدعي أحد أن الله له ابن! (إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (١٧١) أخبرني هل ما زلت متأكداً من أن الآية تؤيد مبدأ الثالوث؟! لا يوجد إلا إله واحد، سبحانه هو منزه عن كل نقص (سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) أي لو أن الله له ولد فهذا نقص، والله منزه عن النقص! بالنسبة للإنسان من الجيد ومن الكمال أن يكون عنده ولد، لكي يعينه عندما يكبر ويعجز، ولا يعود قادراً على دخول الحمام بنفسه، ولا على الأكل بنفسه، لكن بالنسبة لله فهذه علامة نقص وليست كمال، وﷲ منزه عن كل نقص (سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) لماذا؟! لأنه هو الغني عن الولد، لا يحتاج إلى أحد، ويحتاجه كل المخلوقات (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (١٧١) هو الغني الذي يملك كل ما في السماوات وكل ما في الأرض (وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) يدبر أمور الخلق، لن يحتاج إلى ولد لكي يعينه على تدبير أموره عندما يكبر، ولا يحتاج إلى إله آخر معه كي يساعده. المسيحيون يؤمنون أن الآب خلق الابن، والابن خلق العالم. لماذا؟! لم لا يوجد إله واحد يخلق كل شيء؟! فهما إلهان، فيقول المسيحي، كلا، هو إله واحد، كيف هو إله واحد، هل الآب هو الأبن؟! يقول، لا، الآب ليس هو الابن، والآب ليس الروح القدس، والآب هو الله، والابن هو الله، وروح القدس هو الله، كل واحد منهم هو الله، ولكن ولا واحد منهم هو، أي واحد من الاثنين الآخرين. كلام لا يدخل العقل! والله أنا لا أفتري عليهم، هذا هو شرح الثالوث المقدس، وطبعًا هو غير مفهوم، فمذهب القديس فيكتور في القرن الثاني عشر أن الثالوث لا يمكن فهمه يؤخذ كما هو! إذن ما هو المسيح الذي أتى من غير أب وبمعجزة خطيرة؟! ألا يفترض أن يكون له وضع خاص؟! اسمع الإجابة وستعرف ما هو المسيح..

(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (١٧٢)

ماذا يعني هذا؟! هذا يعني أنه شرف للمسيح عليه السلام أنه يكون عبداً لله، سيدنا محمد له ألقاب كثيرة وأوصاف كثيرة، أشرفها وأرقاها وأعلاها هو عبد ﷲ، في سورة الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ (١) وفي سورة الجن (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (١٩) كذلك المسيح هو عبد ﷲ، ويتشرف بأن يكون عبداً لله، ما هي أول كلمة قالها المسيح؟! لم يقل ماما وبابا كما يتحدث الأطفال، كان لديه يوم واحد تكلم فيه في المهد، وقال (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (مريم ٣٠) أول كلمة (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ) وليس ابن ﷲ، مع أن المشكلة كانت من هو والده، انتبه لهذه النقطة، المشكلة من هو والده! ولكي تُبرّأ السيدة مريم، تكلم في المهد، فالمفترض أن يقول من هو أبوه، فقال أنا عبد الله، لأنه سيقال عنه في يوم من الأيام أنه ابن الله (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ) فلا يترفع عن أن يكون عبدًا لله، ولا حتى الملائكة المقربين من ﷲ، يترفعون عن كونهم عبيدًا وعبادًا لله.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

02 Jan, 12:32


وهذا في الحقيقة دليل على عظمة الإسلام، مليار وسبعمئة مليون إنسان يحبون النبي محمد ﷺ جدًا، يحبونه أكثر من أولادهم وأكثر من آبائهم وأمهاتهم، لا يوجد واحد منهم يعبده، انظر إلى وسطية الإسلام، كيف يستطيع أن يسيطر على المشاعر، مهما كانت قوية، ويضع لها الإطار الذي لا تخرج عنه (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) لا تبالغوا في المغالاة، والغلو في الدين يعني في التطرف، يا أهل الكتاب لا تكونوا من المتطرفين في دينكم (وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ) هذا معناه أن ما يقولونه على ﷲ ليس هو الحق، بل الباطل، فما هو تصحيح هذا الباطل (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ) فقال لي: هو كلمة ﷲ، وأنتم عندكم كلام ﷲ غير مخلوق، فالمسيح غير مخلوق! فسألته: كم ابناً لله؟! قال لي: واحد، المسيح فقط هو ابن ﷲ المولود، لأن الإنجيل فيه أبناء كثير لله، فآدم سمي ابن ﷲ، وسليمان ابن الله، وداود ابن ﷲ، ويعقوب ابن ﷲ، أبناء كثيرون جدًا، لكن المسيح له وضع خاص، لأنه الابن المولود لله، طبقًا للأناجيل المحرفة بالطبع! قلت له: جيد، وأنت أخرجت من القرآن أنه كلمة ﷲ، ولو أخرجت لك من القرآن، أن ﷲ له كلمات أخرى وليست كلمة واحدة، فيكون معنى كلمات ليس هو المعنى الذي فهمته أنت، بأنه ابن ﷲ! فبماذا وُصِفت السيدة مريم في القرآن؟! التي يفترض أنها أم كلمة ﷲ، أو أم الإله عندهم، في سورة التحريم (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (١٢) فهذه الآية فيها كلمات وليست كلمة واحدة فقط، وأنت قلت إن الله له ابن واحد، إذن كلمة ﷲ لا تعني ابن ﷲ، بل لها معنى آخر (وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ) أي صدقت بمعجزات ربها وكتبه، المسيح مخلوق، بقوله تعالى "كُن" معجزة، وآدم مخلوق "بكُن" معجزة، وهي أنثى حملت دون تدخل من ذكر، بكُن، بكلمة الله معجزة، وحواء خلقت من آدم بكُن معجزة، وأنا وأنت خلقنا من ذكر وأنثى معجزة (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون (الروم ٢١) إذن كل احتمالات الخلق تمت، بدون ذكر كان خَلق المسيح، وبدون ذكر ولا أنثى كان خلق الإنسان الأول، ومن ذكر فقط كان خلق حواء، ومن أنثى فقط كان خلق المسيح، ومن ذكر وأنثى أنا وأنت! فهذه معجزات دالة على قدرة ﷲ الذي إذا أراد شيئًا قال له كُن فيكون، فلا تقم بتحوير الحقائق، وتقل لي إن المسيح كلمة ﷲ، هناك كلمات كثيرة لله، المقصود أنه معجزة من معجزات ﷲ، وهل هناك من ينكر أن السيد المسيح ليس معجزة بحد ذاته؟! (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ) هل من المعقول لو أنها تعني إله أن يقول الله عز وجل ألقاها؟! (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا) فلا يليق أن يُلقي بإله (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ...(١٧١) "وَرُوحٌ مِنْهُ" ما الشيء المميز في كونه روح منه؟! ألم يخلق كل إنسان نتيجة نفخ الروح التي أعدها ﷲ له؟! لقد قال الله للملائكة عن آدم مرتين، في سورة ص، وسورة الحجر (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) ما المميز في مسألة، وروح منه، في المسيح؟! أي إن الله عندما خلق آدم وشكّله وسواه وأعطاه صورته، لم تكن القيمة فيه، لأن القيمة كلها في نفخ الروح، الروح التي أعدها الله للإنسان، غير الروح الطبيعية التي أوجدها الله في الحيوانات لتعطيها الحياة، هذه روح أخرى مميزة، أُعدت للإنسان خاصة، كلنا من هذه الروح التي أعدها الله للإنسان، في سورة الأنبياء (فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا (٩١) أي أنه روح من ضمن الأرواح الشريفة، التي أعدها الله، القرآن هو نفسه روح، في سورة الشورى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا (٥٢) أي أنه رحمة من ﷲ، فالقرآن رحمة، والمسيح روح ﷲ، يعني رحمة ﷲ، ستقول هذا شيء تميز به المسيح، ولكنه ليس بشيء مميز أبدًا، لأن هذا ينطبق على كل الأنبياء، قال النبي عن نفسه ﷺ (إنما أنا رحمة مُهداة) فالمسيح رحمة، ومحمد ﷺ رحمة، وموسى رحمة، وإبراهيم رحمة، فمن رحمة الله بالبشرية أن أرسل لهم الأنبياء كي يهديهم، ورغم ذلك هناك يقولون، هل خلق الله الناس ليدخلهم النار؟! فلماذا أرسل لهم الأنبياء، ولم يتركهم كفار؟!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

02 Jan, 12:32


٦٠
صدق أو لا تصدق، الآية التي سنتدبرها هي أكثر آية في القرآن يستغلها المنصرون للتبشير في أوساط المسلمين، ويستغلونها كدليل على أن الإسلام يُقر بالثالوث المقدس -الآب والابن والروح القدس إلهًا واحداً- أتاني شخصياً رجل يدعو إلى النصرانية منذ حوالي ١٠ سنوات، وطلب أن يجلس معي في مكتبنا الخاص بمؤسسة جسور في مصر، وعمل مقدمة طويلة عن أهمية أن يلتزم الإنسان بكتابه الذي يؤمن به، وأنّه إذا أثبت لي أن المسيح غير مخلوق في القرآن، وأن الثالوث المقدس يوجد في القرآن إشارات تشير إليه، فالمفروض أن أقبل هذا الكلام، وأعلن فوراً قبولي للمسيح كمخلّص شخصي لحياتي، وقال لي: قال الله في القرآن (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ) وللعلم المسيحيين لا ينكرون أن المسيح نبي، لكنهم يقولون إنه نبي وإله في وقت واحد، هو الإله المتجسد في جسد إنسان، وهو نبي يدعو الناس، لكنه إله وابن إله، المهم في هذه الآية هي كلمة الله (وَكَلِمَتُهُ) طالما أنه كلمة ﷲ، وأهل السنة عندهم الكلمة غير مخلوقة، فكلام الله غير مخلوق، فيكون المسيح غير مخلوق، ثانياً قال الله في القرآن (وَرُوحٌ مِنْهُ) في نفس الآية، إذن هو روح ﷲ، وبهذا يكون الثالوث مذكورًا في الآية: ﷲ، والكلمة -التي هي الابن عندهم فالابن هو كلمة ﷲ- والروح القدس. أكمل حديثه واتكأ، وانتظر مني أن أنزل على ركبتي وأعلن له أني قد تركت الإسلام وأصبحت مسيحياً من إيماني بالقرآن! أنا لم أصدق طبعًا السذاجة التي أمامي، وقلت له: هل قرأت الآية قبل الآن، وهو ممسك في يده بكتاب اسمه "أنت تحكم، أنت تقرر" سجلت حلقتين عنه، هو كتاب تنصيري يُوزع في سيارات الأجرة على الركاب، وفي مواقف الحافلات؛ قال لي: نعم قرأت الآية ها هي، وهو يريني في هذا الكتيب الصغير هذين المقطعين (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ) (وَرُوحٌ مِنْهُ) وهو يقول لي هل هذا قرآن أم ليس بقرآن؟! قلت له: أنا فعلًا محرج بالنيابة عنك، تعال لنقرأ الآية بشكل جيد دون قص ولصق، اقرأ الآية بشكل جيد اقرأها من أولها (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (١٧١) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (١٧٢)
فقلت له، ما رأيك؟! تعال نحلل هاتين الآيتين كلمة كلمة، كي نرى القص واللصق الذي تقومون به أنتم (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ) أي يا أهل الكتاب من النصارى، بعد أن كلم الله أهل الكتاب من اليهود في أمر المسيح، وعاتبهم على الكفر به وبأمه، وباتهامهم لها في شرفها، وهي البتول العذراء الطاهرة المطهرة، وعاتبهم على تفاخرهم بمحاولة قتله وصلبه! هنا يعاتب النوع الثاني من أهل الكتاب الذين غالوا في المسيح، هناك من غالوا في الكفر به وهم اليهود، وهناك من غالوا في تعظيمه وهم النصارى، يعاتبهم على الغلو في المسيح وتعظيمه بطريقة تخرجهم من الملّة وتخرجهم من الدين، تخيلوا شخصًا متدينًا، ومن شدة تدينه عمل أشياء تخرجه من الدين، قال النبي ﷺ (لا تطرُوني كما أطرتِ النصارَى ابنَ مريمَ إنما أنا عبدٌ فقولوا عبدُ اللهِ ورسولُه) أي لا تبالغوا في تعظيمي كما فعلوا، فنحن نحب النبي محمد ﷺ جداً، تخيل أن يحب أحدهم النبي محمد ﷺ لدرجة أن يعبده، أو أن يقول إنه ابن الله! فيكون بذلك قد خرج من الدين تماماً، وكفر بالإسلام، فالنبي ﷺ حذر من هذا.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

02 Jan, 12:31


فيديو ٨٧٣ من مقاطع #حظر_التجول #تدبر سورة النساء حلقة ٦٠ الآيات ١٧١-١٧٢

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

02 Jan, 12:31


https://www.youtube.com/live/RSa9G7yb-ZM?si=ciwQxfYNxlAB-B9l

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

01 Jan, 08:58


فإن الله يملك ما في السماوات وما في الأرض، الكلام مخيف لأن فيه نبرة غضب، ولكن المؤمنين الذين يقرؤونه الآن ويتدبرونه لا يخافون (وَكَانَ اللَّهُ عليما حكيما (١٧٠) الله يعلم من المؤمن ومن الكافر ومن المنافق ومن الصادق، وبحكمته لا يظلم أحدًا أبدًا، فلا يخف منكم أحد.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

01 Jan, 08:58


معنى لن يغفر الله لهم، أي إن الله كان من الممكن أن يغفر لهم، ولكنه لن يغفر لهم، لكن لتشنيع وإظهار شناعة ما قاموا به، استخدم الله لام الجحود، وهي اللام التي بعد "كان" (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) عندما نقول: لم يكن فاضلاً ليكذب، تختلف عن قول فاضل لم يكذب، فاضل لم يكذب، أي أنه ممكن أن يكذب لكنه لم يكذب، أما قول لم يكن فاضلاً ليكذب، أي إن الكذب ليس من شيمة فاضل، وليس من طبيعة فاضل، فهو أمر غير وارد بالأساس، فلا يوجد احتمال أن يحدث هذا. لام الجحود تجحد مبدأ الكذب أصلًا، لذلك سموها لام الجحود (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) ليس من سنة ﷲ أبدًا أن يغفر لمثل هؤلاء الذين لا يستحقون! ولذلك الأمر هنا يخص ﷲ ولا يخصهم، لذلك أنا أرى في هذه الآيات تحذيرًا شديدًا للمسلمين الذين يأخذون دور محامي الدفاع، ويقولون طوال الوقت، أليس من الجائز أن يدخل الله الكفار الجنة، أليس من الجائز أن يدخل الله الملحدين الجنة؟! الإجابة (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) مستحيل؛ لأن الأمر يخص سنن ﷲ، وليس من سنة ﷲ أن يغفر لأمثال هؤلاء، فعليك أنت أن تُشغل بنفسك؛ لأنك لا تضمن الجنة لنفسك أصلاً (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (١٦٩) يصعب على الإنسان أن يعاقب ابنه، عندما يأتي أحدنا ليعاقب ابنه يشعر بالانزعاج ويستصعب الأمر، والله يقول أن هذا لا يصعب على الله (وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) بالنسبة لله ليس من الصعوبة بشيء أن يعاقب الكافر ويعذبه ويدخله جهنم، إن هذا أمر سهل جدًا على الله (وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) ليس لهم إلا جهنم، والله لا يظلم أحداً، وهم استحقوا هذا، فقد أعطاهم الله كل سبل الهداية، أنزل إليهم أنبياء ورسلًا وكتب ومعجزات، وحفزهم على الإيمان، وحدثهم عن الجنة ونعيمها، وخوّفهم من النار وعذابها، وبعد كل ذلك إذا اختار أحدهم طريق النار فلا يلومن الله أحد إذا أدخله النار. في الآية ١٦٥ (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) كان من الممكن أن يكون للناس حجة على الله، لو لم تصلهم الرسالة؛ لأن هذا مبدأ قانوني، لا جريمة إلا بقانون، هل يُعقل أن يأت أحد، ويقول لك إنه قد أتى ليعتقلك، وستدخل السجن مدة شهرين، فتسأله لماذا؟! يقول لك ألم تأكل دجاجاً؟ تقول له: نعم أكلت دجاجاً، فيخبرك أن الدجاج ممنوع، فتسأله هل يوجد قانون منعه؟! يقول لك لا! فإذا لم يكن هناك قانون ولا تشريع، فلا توجد جريمة، لا جريمة إلا بتشريع، فعندما يُرسل الله الرسل، ويُنزل الكتب ويوصل الدعوة، فلا يظل للناس حجة على الله بعد الرسل، انتهى الأمر. و"أهل الفترة" التي تأتي بين نبيين، ولم يكن هناك دعاة وقتها، ولم تكن تصلهم الدعوة، هؤلاء لهم وضع خاص ولديهم فرصة ثانية، إن الله لا يدخل أحد النار دون رسول (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا (الإسراء ١٥) فلا يمكن أن يعاقب الله تعالى على شرب الخمر قبل نزول آية تحريم الخمر، وكذلك لا يمكن أن يعاقب الله الناس على الكفر قبل أن يبين طريق الإيمان الصحيح للناس، الخطاب القرآني يلتفت للناس كلها الآن، ويكلمهم في الآية ١٧٠

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلهِ ما في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧٠)

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ) كل الناس مسلمين ويهود ونصارى، وملحدون وعُبّاد أصنام وعبّاد أبقار والجميع، يا أيها الناس احذروا، النبي ﷺ عندما نادى الناس، قال: يا فاطمة اعملي، فإني لا أغني عنك من ﷲ شيء، يا صفية -عمته أم الزبير بن العوام- اعملي فإني لا أغني عنك من ﷲ شيء، يا عباس -عمه- اعمل فإني لا أغني عنك من ﷲ شيء. خطاب الإيمان للناس كلها، حتى أقرب الناس للرسول ﷺ لن يفيدهم أنهم أقاربه، لو كان استطاع أن ينفع أقاربه لنفع أبي لهب (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ) فآمنوا خيرًا لكم أنتم، وليس خيراً لله، إياكم أن تظنوا أن الله سيستفيد من إيمانكم (فَآَمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ -أنتم- وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧٠) ولو كفرتم فالله غني عنكم، ولا ينقص من ملك ﷲ شيئاً، هو يملك كل ما في السموات وما في الأرض، إن الله -عز وجل- غني عنكم وعن إيمانكم.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

01 Jan, 08:58


٥٩

(لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (١٦٦) هذا معنى ضخم وعميق جدًا، الله سبحانه وتعالى يواسي النبي ﷺ حتى لا يحزن عندما يجد الكفار يكفرون بالقرآن، ويدّعون أنه ليس كلام ﷲ، ويخبره أن ربك يشهد أنه هو الذي أنزله، والملائكة يشهدون، ويكفيك أن يشهد ربك (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ) يليها (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) إن هذا الذي أنزل لأمر عظيم جدًا، متلبس بعلم الله، أي إن هذا الكلام متلبس بعلم الله (وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) عندما يشهد الله على صحة القرآن وصدق النبي ﷺ، فمن يكفر بهما فما وضعه؟ هل سيغفر له؟!

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (١٦٩)

إنَّ حرف توكيد يؤكد ما بعده (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد وبالقرآن، وصدوا الناس عن الإيمان، والمقصود بهم هنا يهود المدينة، وأهل الكتاب بصفة عامة، الذين لديهم إشارات تدل على صحة نبوة النبي ﷺ في كتبهم، ورغم ذلك كفروا، ولم يكتفوا بالكفر، بل صدوا الناس عن الإيمان؛ لأنهم كتموا براهين النبوة في كتبهم (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (١٦٧) فهؤلاء لا بد أنهم ضالون عن الطريق الصحيح، وضلالهم فوق الطبيعي (قَدْ ضَلُّوا) قد أيضًا حرف توكيد يؤكد ما بعده (قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا) أي لو كانت الهداية من طريق، فهم متجهون في الطريق المعاكس تمامًا (قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا) من الممكن أن يتوه المرء، ويكون قريباً من المكان الذي يريد أن يصل إليه، ولكن هؤلاء في مكان آخر تماماً، فلا يأتي أحد منكم ويدافع عنهم، ويسأل ألا يجوز لهؤلاء أن يدخلوا الجنة؟! (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ولا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) أي إن الله لن يهديهم لأي طريق، هناك طريق واحد سيهديهم له، وهو طريق جهنم (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وكانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا (١٦٩) الذين كفروا وظلموا النبي ﷺ بعدم تصديقهم وتكذيبهم له، ألم يقولوا عنه كاذبًا، فهم ظلموا النبي ﷺ وظلموا الصحابة عندما خانوهم في غزوة الأحزاب، واعتدوا على نساء المسلمين، وظلموا كل الناس عندما كتموا عنهم العلم الموجود بكتبهم وبراهين صدق النبوة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) نحن هنا نتكلم عن معصيتين الأولى: معصية الكفر، والثانية: معصية الظلم، سواء كان عند أهل الكتاب أم لم يكن، نحن نتكلم عن معصيتين منفصلين متقاربتين، ولكنهما في نفس الوقت من المعاصي الكبيرة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) إنّ هذا التعبير ورد مرتين فقط في القرآن، وكلتا المرتين في سورة النساء (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) مرة وردت مع المنافقين، ومرة مع الذين كفروا وظلموا، في الآية ١٣٧ و ١٣٨ وَرَدَت مع الذين استمروا في التأرجح بين الإيمان والكفر، حتى ثبتوا على الكفر، لكنهم لم يعلنوه، ليستمروا بالاحتفاظ بمكاسب مادية ومناصب دنيوية في المدينة مع المؤمنين، لكنهم إذا تعاملوا مع الكافرين ساندوهم، كأنهم منهم، فأولئك هم المنافقون، وتعبير (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) جاءت في سياق الحديث عن المنافقين في الآيات السابقة (إنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (١٣٧) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٣٨) هؤلاء هم المنافقون، وفي الآية ١٦٨ نرى قوله تعالى (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) في سياق الآية (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (١٦٩) لم يقل الله إن الذين كفروا وظلموا لن يغفر لهم، لماذا لم يقلها الله عز وجل بهذا الشكل؟! وما الفرق أليست تحمل نفس المعنى؟ كلا، هي لا تحمل نفس المعنى.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

01 Jan, 08:57


فيديو ٨٧٢ من مقاطع #حظر_التجول #تدبر سورة النساء حلقة ٥٩ الآيات ١٦٧-١٧٠

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

01 Jan, 08:57


https://www.youtube.com/live/gohrtGJI3AU?si=i7KT4irb8sV9MxDo

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

31 Dec, 08:46


كقصة جحا والحمار، وحجا هو شخصية خيالية، كان يركب حماره، وابنه يسير بجواره، فمروا على جمع من الناس، فقالوا: انظروا للرجل القاسي يركب على الحمار وابنه الصغير يسير بجواره! فقال: إنهم أصابوا فهم محقون بقول ذلك، وأردفه خلفه على الحمار وساروا، فمروا على أناس آخرين، فقالوا: انظروا للقساة! يركب فردان على الحمار الذي لا يستطيع أن يستغيث أو ينطق، فقال: إنهم محقون، فنزل جحا وسار بجوار الحمار وابنه راكبًا، فقال الجماعة الذين مروا عليهم حينما أكملوا سيرهم: انظروا كيف يدلل الناس أبناءهم، فتنتج أجيال فاسدة، وهل يعقل أن يركب الولد الشاب الحمار، بينما أبوه الرجل الكبير في السن يسير على قدميه، قال: هم محقون، فأنزل ابنه ليسير بجواره، وفي أثناء سيرهم، مروا على جماعة من الناس، فقالوا: انظروا لهؤلاء المجانين لديهم حمار ولا يستخدمونه، فقال: إنهم محقون، وحمل الحمار هو وابنه.
هذه القصة أحبها جدًا، معناها أنك لن تُرضي الناس مهما فعلت، لذا ركز في إرضاء الله، وأحب أن ألفت نظر القارئ لشيء، وهو أن بداية ذكر الأنبياء بسيدنا نوح مع أن وجد قبله آدم وشيث! ولكن لا نريد أن ننسى أن هذه الآية وردت في سورة النساء (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (١٦٣)
فالبداية بنوح قد تكون لحكمة، وهي التذكير بمسألة القوامة الواردة في سورة النساء (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ (٣٤) الآية التي يسيء كثير من الرجال استخدامها، ليُكرهوا النساء على أمور لا يردنها، ويخرسوهن بها كلما حصل خلاف، لينفذوا رغباتهم، نعلم أن سيدنا نوح زوجته كافرة وفي النار، في سورة التحريم (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) لماذا لم يستغل سيدنا نوح مسألة القوامة، وأجبر زوجته على الإيمان، وعلى دخول الإسلام، مع أن هذا كان سيكون في مصلحتها؟! فهذا يؤيد منطقنا في شرح آية القوامة، إنها خاصة بما ورد فيها، في مسألة الإنفاق على الأسرة والحماية أنهما مسؤولية الرجل، وطالما يقوم بهاتين المهمتين فكلمته في هاتين المسألتين هي النافذة، إذا حدث فيها خلاف، لكن هذا ليس معناه التعنت وإجبار الزوجة على ما لا تريد في الأمور الأخرى، وكل شيء آخر يجب أن يكون بالتراضي والتفاهم والتشاور، حتى الأمور البسيطة كفطام الرضيع، تكون بالتشاور والتراضي (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا (البقرة ٢٣٣) لأن الله يتحدث عن المطلقين، فأرى أن السبب في البداية بذكر سيدنا نوح كان مقصوداً في سورة النساء خاصة والله أعلم.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

31 Dec, 08:46


(أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) يعني عن طريق إرسال ملك من الملائكة، وهو سيدنا جبريل عليه السلام، فكل آية من القرآن، أوحى بها إلى سيدنا محمد ﷺ، جاءت عن طريق ملك، أما السنة هي إلقاء في روع النبي ﷺ لكن القرآن هو أقوى نوع من أنواع الوحي، وهو الوحي الجلي (إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (الشورى ٥١) اختص الله سيدنا موسى بهذه الطريقة في الوحي، وهي بالتكليم المباشر -أن يسمع كلام ﷲ دون أن يراه طبعًا- وهكذا ذكر الله كل طرق الوحي، والوحي نزل إليهم ليحقق أمرين:

(رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٦٥)

(رُسُلًا مُبَشِّرِينَ) يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالجنة والنجاة (وَمُنْذِرِينَ) ينذرون الناس عمومَا من أن الكفر والسيئات والمعاصي، وعاقبتهم عقاب الله والنار! مبشرون ومنذرون في نفس الوقت، لماذا؟! كي لا يقول أحد: من أين لي معرفة أنه كان يجب علي أن أؤمن بالله وأدخل الإسلام؟! فكل هؤلاء كانوا أنبياء الإسلام، وكل ما جاؤوا به من وحي هو كتب الإسلام، لأنه لو ثبت أن إنساناً واحداً لم تبلغه دعوة الرسل والكتب فلن يعذبه الله، وهؤلاء يسمون أهل الفترة -يعني بين نبيين- لا يوجد من يبلغهم لا بالكتب ولا بالرسل (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (الإسراء ١٥) ورد فيهم أحاديث، أن الله يرسل لهم نبيًا في عُرصات يوم القيامة، لكن يختبرون اختبارا سريعًا، ويرون ناراً لن يمر بها العاصي، ومن يمر بها ينجو وهكذا.
إذن غير المسلم الذي لم تبلغه الدعوة أو لم تبلغه بطريقة صحيحة، ما زال لديه فرصة أخرى، أنت كمسلم يا من تشغل نفسك بغير المسلم؛ وتسأل عنه لماذا سيدخل النار!؟ انتبه لنفسك، أنت الذي ليس لديك فرصة أخرى، هو لم تبلغه الدعوة، وقد يكون لديه فرصة أخرى (وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٦٥) الله هو العزيز أي مصدر العزة، فمن ابتغى العزة فعليه بالإسلام والإيمان بالله وكتبه ورسله، فلا عزة في الكفر، (حكيمًا) أي مصدر الحكمة، فمن ابتغى الحكمة والعلم فليطلبها في الإسلام وكتبه. أما بالنسبة للقرآن يا محمد، فيكفيك أن ﷲ وملائكته يشهدون بأنك صادق وبأن القرآن من عند ﷲ. الآية ١٦٦ جميلة جدًا، بها مشاعر رائعة، وهذا جمال التدبر، يجعلك تنظر إلى بعد رابع غير ظاهر، وهو بعد المشاعر وليس فقط المعاني..

(لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (١٦٦)

لم يقل الله يشهد بصدقك يا محمد، بل قال إنه يشهد بما أنزل إليك، بسلامة القرآن وصدقه، وكل اهتمام النبي ﷺ كان بالقرآن، النبي ﷺ كان يحزن عندما يكذبه الناس، ليس لنفسه، ولا يغضب لنفسه لأنهم قالوا كذاب، بل كان يحزن للقرآن، كان يحزن حبًا في القرآن، فلا يريد أن يقول الناس عنه أنه ليس كلام ﷲ، فالله يطمئنه على القرآن، فيقول له يكفيك أن ﷲ يشهد بصدق ما نزل إليك (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) أنزل أعظم كلام في الدنيا، لأنه متلبس بعلم ﷲ، هذا الكلام الذي نقرأه ونتدبره، منذ بدأنا التدبر على مدار ٣٧٠ يوماً، حتى تدبر هذه الآيات، هو أعظم كلام في الدنيا، لأنه علم الله، أنت تقرأ علم الله، لو أنك تقرأ كتابًا لأينشتاين سيكون لديك ثقة كبيرة جدًا في الكلام العلمي المدون، لأنه صدر من أعظم العلماء، فما بالك أن تقرأ كلام الله، ويقول لك سبحانه أنه (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) أي فيه علم وليس فقط الله الذي يشهد، بل الملائكة أيضَا يشهدون على صدق القرآن، ولكن ﷲ يكفيك (وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (١٦٦) يكفيك أن ﷲ شهيد على صدقك يا محمد لو كذبك العالم كله، فيكفيك أن ﷲ يصدقك، وبمفهوم المخالفة، ولو صدقك العالم كله فهذا لا يكفيك إذا كذبك ﷲ، وهنا تدبر مهم هو: لا تأبه للناس، وركز في علاقتك مع ربك، أنت لا يستحيل عليك إرضاء الناس، ركز في إرضاء ﷲ، وليس معنى هذا أن تهمل الناس، ولكن أرضِ الله بمعاملة الناس معاملة حسنة، لترضي ﷲ وليس لترضي الناس، أحد الأخوة في كندا أتى إليَّ وقال انصحني، فقلت له: سأعطيك نصيحة توصلت إليها في حياتي، معذرة في اللفظ "طز في الناس" قال متعجباً، ماذا! قلت: أجل، أنا أقول لك ذلك، ليس من المهم أن يرضى الناس؛ فالناس لن ترضى أبدًا، فقال: هل يعني ذلك أن أكون سيئًا وفظاً مع الناس؟! فقلت: بل بالعكس، ركز في إرضاء الله بخدمتك للناس، خدمتك لهم بإرضاء الله، لا لإرضائهم، الناس لن يرضوا، وإن رضوا عنك ابدأ بمراجعة نفسك!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

31 Dec, 08:46


عيسى ابتلي ابتلاء شديداً بالتآمر عليه وخيانته من أحد حوارييه، يهوذا الإسخريوطي، يأتي بعده أيوب الذي ابتلي بالمرض الشديد، ويونس الذي ابتلي ابتلاء شديد بالحبس في فم الحوت، ثم ألقي بالعراء وهو سقيم ومريض، ثم سليمان وداوود اللذان كانا نبيين وملكين ممكنين في الأرض، وعندهما جيوش وثروات، ليأتي سيدنا هارون بين هذين النوعين من أنبياء بني إسرائيل، بين يونس وأيوب المبتلين، وبين سليمان وداود الممكنين، لأن سيدنا هارون كان مزيجًا من النوعين، لأنه كان وزيرًا لسيدنا موسى، أي من جهة عنده شيء من التمكين، سيدنا موسى أعطاه قيادة بني إسرائيل عندما ذهب لميقات ربه، فهو ممكن نوعاً ما كسليمان وداوود، وكان مبتلى بأن القوم استضعفوه، وصنعوا العجل وعبدوه في وجوده، فكان مستضعفاً ومبتلى كأيوب ويونس، لذلك وجوده بينهم كأنه ربط بين الأنبياء المبتلين والأنبياء الممكنين، لأن في الحقيقة زمنياً هو قبلهم كلهم في موضعه الزمني، كان بعد الأسباط سيدنا عيسى، وختمت الآية (وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) بذكر الزبور وهو كتاب سيدنا داوود، الذي لم يختلف فيه اليهود ولا النصارى، ويسمى حالياً مزامير داوود، وهي مجموعة أناشيد وترانيم، يعترف بها الفريقان من أهل الكتاب، إذن فما الذي لا يعجبكم في القرآن؟! وقد أوحي بنفس الطريقة التي أوحي بها لكل هؤلاء الأنبياء، بداية من نوح، ومن بعده لإبراهيم ونسله، إلى عيسى ومن يشبهه في الابتلاءات، حتى الزبور الذي تعترفون به وأكثر الكتب إيمانًا به، فماذا في القرآن مختلف؟! وهؤلاء ليسوا كل الرسل كذلك..

(وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (١٦٤)

يقال إنه في وقت ما، في كل شارع من شوارع مدن وقرى بني إسرائيل كان يوجد فيه نبي، هناك روايات أن عدد الأنبياء كلهم ١٢٤٠٠٠، وروايات تقول ٣١٣ ألفاً، وهذا غير مستبعد، وهذا العدد هو على مستوى العالم، وليس في بني إسرائيل فقط، لأن الله سبحانه وتعالى قال في سورة فاطر (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (٢٤) كل أمة في العالم جاءهم نذير، جاءهم نبي، لذلك عندما ندرس ونتعمق في الأديان، نجد أدياناً عجيبة في آسيا، فيها من يعبد السمك والبقر، وإفريقيا فيها من يعبد الأصنام، وتجد رسالة التوحيد موجودة في نص من نصوص كتبها، بل إن اسم ﷲ موجود في أحد أهم كتب الهندوس ٤ مرات، وعندهم نص من النصوص كأنه ترجمة الفاتحة تمامًا، لكن مشكلة تلك الأديان أنها أعطت وزناً لتلك المعبودات، فتجد أهم كتاب لدى الهندوس يشتمل على معاني توحيدية اسمه الريجفيدا، يعني التنزيل، لديهم ١٣ كتاباً بنفس الوزن ونفس الأهمية، لكنها كتب كتبها بشر وعلماء، فأخطر شيء أن يقوم الناس بإعطاء وزن الوحي لكتب كتبها الإنسان المعرض للخطأ، الذي يؤخذ منه ويرد عليه، لذلك دائمًا في الإسلام القرآن هو رقم واحد، ثم بعد القرآن تأتي السنة، ثم بعد السنة يأتي الإجماع، أي إجماع الصحابة وذلك لدى الأحناف، ثم بعد ذلك يأتي آراء العلماء، وآراء العلماء ليست مقدسة، منهم من يخطئ، ومنهم من يصيب، هذا ما يُبقي الإسلام قوياً وفي أمان من التحريف (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) الله لن يذكر قصص كل الأنبياء في القرآن، لأن المهم هو العبرة، والقرآن ليس سجلاً ولا كتاباً تاريخياً يسجل فيه أسماء وقصص الأنبياء (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (١٦٤) ثم جاء ذكر سيدنا موسى، وهو ثالث رسول من أولي العزم من الرسل، الذي لم يذكر في الآية ١٥٣ لماذا؟! ليذكر وحده، لأن الله اختصه بطريقة في الوحي لم تحدث لأحد غيره، وهي أن كلمه الله بنفسه، لماذا قال الله كلمه تكليما؟! ألا يكفي أن يقول وكلم ﷲ موسى؟! ذكر الله المصدر، ليثبت أنه كلمه بالكلام، أي تواصل معه بالكلام، أي إن سيدنا موسى سمع كلامًا من الله. لماذا يذكر الله المصدر؟! (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (الشورى ٥١)
(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ) يكلمه ﷲ هنا يعني يتواصل معه (إِلَّا وَحْيًا) أي عن طريق الإلهام أو الرؤى الصالحة مباشرة، بأن ينفث في نفسه أو روعه (أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) كما كلم موسى، بأن جعله يسمع كلامًا، ولا يرى المتكلم، كما كلمه عند الشجرة في الواد المقدس طوى، وسيدنا موسى لم يكن يدري مصدر الكلام، فكان سبحانه يكلمه (مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

31 Dec, 08:45


٥٨

(إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (١٦٣)

ما مناسبة هذا الكلام بعد الكلام عن اليهود والنصارى وموقفهم من السيد المسيح؟! الآية ١٦٣ موضوعها الأساسي هو الوحي، هذا يرجعنا إلى الآية التي قال فيها الله لسيدنا محمد ﷺ (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً…(١٥٣) في هذه الآية تكلمنا عن يهود المدينة الذين طلبوا من النبي ﷺ أن يتنزل الوحي بشكل معين ليقبلوه، أن ينزل عليه جملة واحدة من السماء، وليس منجماً على مدار ٢٣ عاماً، أو أن ينزل وحي في شكل كتاب لكل واحد منهم، يطلب منه شخصياً أن يتبع سيدنا محمد ﷺ، ثم في العشر آيات التي بعدها ذكر الله أمثلة من كفرهم بالوحي وبالأنبياء، خاصة سيدنا عيسى، فوصل بهم الفُجر أن يتآمروا على قتله وصلبه، كما قتلوا أنبياء آخرين بغير حق، ثم رجع الكلام مرة أخرى عن الوحي في الآية ١٦٣ يقول الله للنبي محمد ﷺ أنا أوحيت إليك يا محمد، كما أوحيت إلى كل الأنبياء والرسل قبلك، فلا شيء يدعوهم أن يطالبوا بطريقة مختلفة في الوحي بالنسبة لك (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (١٦٣)
(إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ) أول رسول (وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) الذين سبقوا سيدنا نوح كانوا أنبياء أيضًا كشيث وآدم،
يعني الوحي جاءك بنفس الطريقة -كما هي- التي جاء بها للرسل كلهم من أول نوح إلى آخر واحد، وفيما بعد سنتطرق للحديث عن سبب البداية بنوح بالذات وفق ما وقع في قلبي (وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (١٦٣) كل الأنبياء بما فيهم إبراهيم أبو الأنبياء وأولاده إسماعيل وإسحاق، وطالما اليهود هم الذين يطالبونك بطريقة معينة ليقبلوا الوحي، فقل لهم كل أنبياء بني إسرائيل تلقوا الوحي بنفس الطريقة (وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ) إسرائيل وهو يعقوب وأولاده الأسباط يعني بنو إسرائيل، قلنا إن يعقوب كان عنده ١٢ ولدًا، ذرية كل واحد منهم اسمها سبط، كما يقول العرب قبيلة، اليهود لا يقولون قبيلة بل يقولون سبطًا، فالأسباط ليس مقصوداً بهم الاثنا عشرة ابن لسيدنا يعقوب، بل مقصود بهم الأنبياء الذين بعثوا في ١٢ سبطاً على مر الزمان، لذلك في ترجمة جسور ترجمنا الأسباط إلى Grandsons ووضعنا في الهامش أن معناها هم الأنبياء الذين بعثوا من ذرية أبناء يعقوب، وهؤلاء عددهم ضخم جدًا، عندما ننظر في ترتيب الأنبياء في هذه الآية نجده ترتيبا فنياً جداً، انظر لترتيب الأنبياء في الآية، الآية فيها ثلاثة مقاطع، كل مقطع يبدأ باسم واحد من أولي العزم من الرسل، من هم أولي العزم؟! أولهم نوح، يليه إبراهيم، ثم موسى، ويليه عيسى ويليه محمد ﷺ، هؤلاء هم الخمسة أنبياء الكبار الذين أثرت دعوتهم في البشرية، فسموا أولي العزم من الرسل. والخطاب موجه إلى محمد ﷺ، فالله يقول له (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ -يا محمد- كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى -أول مقطع- نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ -ثاني مقطع- وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ) سيدنا إبراهيم ثاني نبي من أولي العزم من الرسل، وأولاده النبيين إسماعيل وإسحاق وحفيده يعقوب -إسرائيل- وأولاده الأسباط بنو إسرائيل، ثم يبدأ المقطع الثالث بسيدنا عيسى، وهو رابع أولي العزم، ويترك سيدنا موسى (وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (١٦٣)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

31 Dec, 08:45


فيديو ٨٧١ من مقاطع #حظر_التجول #تدبر سورة النساء حلقة ٥٨ الآيات ١٦٣-١٦٦

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

31 Dec, 08:44


https://www.youtube.com/live/Cunx2xcuI-w?si=I-ePjmjsmEmME0nz

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

30 Dec, 10:38


فالله سبحانه يثني على الراسخين في العلم من اليهود، وعلى المؤمنين الذين هداهم الله للإيمان، وليس من الضروري أن يكونوا من العلماء، منهم السيدة صفية ريحانة.. وآخرين لم يكونوا راسخين في العلم، لكن انفتح قلبهم للإيمان (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ -أثنى ﷲ عليهم؛ لأنهم يؤمنون بالوحي كله- وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ -المؤمنين عموماً- أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (١٦٢) هؤلاء قد يكونون المؤمنين من المهاجرين والأنصار. ألاحظت أن الله سبحانه، لم يقل المقيمين الصلاة!؟ فهذه صفات كلها معطوفة على بعضها، هنا (لكن) يأتي بعدها مبتدأ وخبر، لذلك الراسخين مبتدأ، معطوف عليها المؤمنون، بالتالي الكلمة مرفوعة، لم يقل المؤمنون، وكذلك المؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر، كلها مرفوعة بالواو؛ لأنها جمع مذكر سالم. لماذا لم يقل المقيمون الصلاة؟! لماذا لم يرفعها بالواو؟! قال (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ) هذا اسمه كسر الإعراب، لكسر المتوالية، وهذا للفت للانتباه، أن المقيمين الصلاة ليست معطوفة عليهم! كسر الإعراب هو كسر للاختصاص، أي بأن هؤلاء حالة خاصة، فكأن الله سبحانه يقول أن هناك وضعاً خاصاً لمقيمي الصلاة، كأنه يقول وأخص بالمدح المقيمين الصلاة، فأصبحت منصوبة لأنها مفعول به، ولم تعد معطوفة. إذن أثنى الله على الراسخين في العلم والمؤمنون والمؤتون الزكاة، وأخص بالمدح المقيمين الصلاة، وجعل لهم وضعاً خاصاً. لأن الصلاة أحد أركان الإيمان، لكنها تجمع كل الأركان الأخرى، فالصلاة تحوي شهادة أن لا إله إلا الله في التشهد، وإذا كان المسلم مريضاً، يمكن أن يصلي وهو جالس، أو مستلقي على جنبه، فالصلاة لا تسقط إلا عن الميت. لكن المريض ممكن أن لا يصوم، فيقضي صيامه عند عافيته، أو يدفع الكفارة، ويمكن للفقير أن لا يزكي، وممكن أن يكون المسلم غير قادر ماديًا أن يحج، أو غير قادر جسديًا على الحج، تسقط عنه هذه الأركان. لكن لا يمكن أن تسقط عنه الصلاة! الصلاة لا تسقط إلا على الميت لأهميتها، ولأنها تجمع بين كل أركان الإيمان، فالصلاة تحتوي على الشهادتين، وعلى الصوم لأنك تمتنع من الأكل والشرب في أثناء الصلاة، فإذا أكلت وشربت في أثناء الصلاة فقد بطلت صلاتك، لذلك يقال لمن توضأ ثم أكل أن يعود إلى المضمضة قبل الصلاة، فما يتبقى في الفم بعد الأكل إذا بلعه في أثناء الصلاة وكان حجمه بقدر الحمصة، فقد بطلت صلاته! والصلاة تحتوي على الزكاة، فبقيامك بها أنت تضحي بوقتك، وكان يمكن أن تتاجر في هذا الوقت! والصلاة فيها حج للبيت، وهو بأنك تتوجه للكعبة، فهي قبلتك للصلاة. لذلك للصلاة وضع خاص، فقال الله (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ) كسر الإعراب ولفت الانتباه، بأنّ هؤلاء يخصهم بالمدح دون غيرهم، وأولئك ما هو وضعهم؟! (أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (١٦٢) هؤلاء مقابل الذين قال عليهم الله سبحانه (وَأعتَدْنَا لِلْكَافِرِيْنَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيْمً) إذن الله -سبحانه- عنده عذاب أليم وعنده أيضًا أجر عظيم، وفي النهاية الإنسان هو من يختار. فهل الله يجبر الإنسان أن يكون مصيره العذاب الأليم؟! كلا. وهل الله يجبر الإنسان أن يكون مصيره الأجر العظيم؟! كلا. الله يحب أن يكون لنا الأجر العظيم، اللهم اجعلنا منهم.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

30 Dec, 10:38


(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ -أول معصية- وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ -ثاني معصية- وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ -ثالث معصية- وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ -رابع معصية، وهنا تأتي العقوبة- بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ -خامس معصية- عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) البهتان للسيدة مريم والكفر بها وبالسيد المسيح (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) افتخروا بقتلهم للسيد المسيح! فكان عقابهم على هذه المعاصي الكبيرة هو اللعن والطبع على قلوبهم، لماذا؟! لكي لا يظن أحد بأن العقوبة هي تحريم بعض المأكولات التي ذكرت في الآية ١٦٠ فقط! لأنه من الوارد جداً في هذا السياق أن يظن البعض بسبب نقضهم ميثاقهم وباقي المعاصي.. (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠) فهذا غير صحيح، أولاً: هناك فواصل كثيرة قبل هذه الآية، ثانياً: هذه جرائم ومعاصٍ عقائدية كبيرة جداً، فلا تكون عقوبتها تحريم بعض الطعام! حرم الله عليهم شحوم البقر والغنم باستثناء أماكن معينة، في سورة الأنعام (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ (١٤٦) إذن لماذا سمح الله بها بعد ذلك للمسلمين؟! أليس الله عندما يحرِّم شيئاً يكون مضراً ، مثل الخنزير والخمر؟! كلا، ليس بالضرورة أن يكون الشيء المحرم مضراً! فقد يحرم الله الشيء للتأديب، وحرم الله هذه المحرمات على اليهود للتأديب (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠) لأنهم ظلموا أنفسهم بكثرة الجدال، كما قالوا لموسى إن البقر تشابه علينا، بدل أن يذبحوا أي بقرة، عندما قال لهم إن الله يأمرهم أن يذبحوا بقرة، فبدؤوا بالجدال! فهذا نوع المعاصي التي عوقبوا عليه بتحريم بعض المأكولات. لكن لا يعاقبهم سبحانه بتحريم شحم الغنم والبقر لأنهم نقضوا ميثاقاً وقتلوا الأنبياء، هذه الجرائم كبيرة استحقوا عليها اللعن.
(وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٦١) وهذه خطايا تخص حقوق الناس، يصدون عن سبيل ﷲ، وعن الإيمان، ويأخذون الربا المنهي عنه. عندهم الربا محرم، ومع ذلك عملوا به، وعلى مر التاريخ كان اليهود من أكبر المرابين! ورد في سفر التثنية [لاَ تُقْرِضْ أَخَاكَ بِرِبًا، رِبَا فِضَّةٍ، أَوْ رِبَا طَعَامٍ، أَوْ رِبَا شَيْءٍ مَّا مِمَّا يُقْرَضُ برِبًا لِلأَجْنَبِيِّ تُقْرِضُ بِرِبًا، وَلكِنْ لأَخِيكَ لاَ تُقْرِضْ بِرِبًا -تثنية إصحاح ٢٣] فعندهم أحكام للربا، ومحرم فيما بينهم، لكنه غير محرم أن يقرضوا الأجنبي بربا، لكنهم أكبر الناس الذين عملوا بالربا، لذلك استحقوا من ﷲ عذاب أليم (وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٦١) (وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ) منها احتلال بلاد الناس، يعني احتلال فلسطين تعتبر من أكل أموال الناس بالباطل (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٦١) هذه الأشياء استحقوا عليها العذاب الأليم. وكعادة القرآن يربينا على الإنصاف والموضوعية، فليسوا جميعاً كذلك.

(لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (١٦٢)

ليس كلهم مثل بعض، منهم راسخين في العلم، كل همهم هو أن يصلوا إلى الحقيقة، وليس تحقيق أجندات خاصة، مثلاً حُيي بن أخطب كان عنده علم، وعرف أن النبي ﷺ هو النبي الذي ينتظرونه، عندما سأله أخوه: أهو هو؟! قال: نعم، أتعرفه وتثبته؟! قال: نعم، فما في قلبك منه؟! قال: عداوته ما بقيت.
أهم شيء عنده كان الأجندة، وليس أن يعتنق الحق! كفر لأنه ليس راسخاً في العلم، فالراسخ في العلم يتبع الدليل والبرهان، ويذهب مع الدليل أينما ذهب، فالراسخون في العلم مستعدون في أي وقت عندما يظهر لهم الحق أن يصححوا اتجاههم ومسارهم، ويعودوا إلى نقطة البداية، ويمشوا من البداية في الاتجاه الصحيح، مثل عبد ﷲ بن سلام، كان حاخاماً فأسلم.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

30 Dec, 10:38


ومن غير الطبيعي أن يسري الله سبحانه بإنسان ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بظرف لحظات! وعندما يجعل الله سبحانه النار برداً وسلاماً، هذا أيضاً شيء غير طبيعي (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (الأنبياء ٦٩) نار كبيرة جداً وشديدة جداً، بحيث أنهم لم يكونوا قادرين على الاقتراب منها لكي يلقوه فيها، فرموه بالمنجنيق، فالله سبحانه عطل خاصية الإحراق بالنسبة لإبراهيم فيها. هل هذا طبيعي؟! وهذا أيضًا غير طبيعي! كل هذه معجزات لكن هل الإسلام يحث المؤمنين على الإيمان بالخرافات؟! كلا طبعًا، الإسلام جاء لتحرير العقل من الخرافات. الخرافة هو أن يقول إنسان أن المسيح رفع نفسه في السماء، أو أن محمد بن عبد ﷲ ﷺ أسرى بنفسه من مكة إلى بيت المقدس، أو أن إبراهيم ﷺ منع النار من أن تحرقه، أو أن موسى شق البحر بعصاه، هذه خرافات! أما أن نقول إن ﷲ سبحانه رفع المسيح، وأسرى بمحمد ﷺ، وجعل النار بردًا وسلامًا على إبراهيم ﷺ، وشق البحر لموسى ﷺ، فهذه معجزات، لأن ﷲ هو خالق الطبيعة وقوانين الطبيعة، وهو فقط الذي يستطيع أن يغير هذه القوانين، ويعطلها عن العمل، ثم يعيدها مرة أخرى. إذن هل هذا ينمي الاستعداد لقبول الخرافات عند المسلمين؟! كلا، بل على العكس، عندما تؤمن أن ﷲ فقط هو عالم الغيب، وهو وحده القادر على كل شيء، ويصبح حراماً عليك بل إنه كفر وشرك بالله أن تطلب من إنسان أن يخبرك الغيب، أو أن يحميك من القدر، أو أن يغير الأقدار، فالإسلام يبرمجك ضد الخرافات، فلا تذهب إلى دجال أو مشعوذ حتى على سبيل المزح، وتدفع له وتطلب منه! لا أحد يعلم الغيب إلا ﷲ، ولا أحد يغير الأقدار إلا ﷲ، هذا يحررنا من الخرافات.

(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (١٥٩)

السيد المسيح سيعود في آخر الزمان، فيصلي مع المسلمين، ويكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويثبت للعالم أن أتباعه الحقيقيين كانوا هم المسلمين، وليس الكاثوليك ولا الأورثوذوكس ولا البروتستانت، ولا أي أحد آخر في الدنيا! ثم سيؤمن أهل الكتاب به، ويوم القيامة سيشهد على كل أجيالهم وكل طوائفهم التي سجدت للصليب ولتماثيل السيدة العذراء، وسجدت للسيد المسيح وجعلوه إلهًا! يقول سبحانه (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ -أي لا يوجد أحد من أهل الكتاب- إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ -لام القسم- قَبْلَ مَوْتِهِ -أي قبل موت المسيح نفسه، وليس موت الشخص من أهل الكتاب، وإن كان هذا قد ورد بأحد التفاسير لكنه ضعيف- وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) كيف سيشهد عليهم؟! في سورة المائدة (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) سيسأل الله سبحانه سيدنا عيسى أمام الناس: هل أنت قلت للناس أن يتخذوك وأمك إلهان من دون الله؟! (قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) اسمع إذن شهادة المسيح هي (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ -كنت أنا شهيداً عليهم عندما كنت بينهم- فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) هذه هي شهادة السيد المسيح على النصارى يوم القيامة!
أما بالنسبة لليهود..

(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٦١) لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (١٦٢)

لماذا قلت في تدبر الآية ١٥٥ أن العقوبة على الجرائم والمعاصي المذكورة هي الطبع على قلوبهم واللعن؟!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

29 Dec, 11:26


(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (٢٧) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣) ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) فكل ما تحدث عنه المسيح وهو في المهد معجزة، ولادته معجزة، وحياته وموته معجزة، حياته كلها عجيبة جداً. السؤال هو: أين معجزة الكلام في المهد عند المسيحيين؟! لم يسجلها إلا القرآن، الإسلام فقط هو الذي يثبتها، وغير موجودة في المسيحية، ولا يستطيعون أن يشرحوا كيف عاشت السيدة العذراء البتول بريئة مُبرأة (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ -هذه هي النقطة السادسة التي تجعلهم ملعونين- وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) نريد أن نتوقف عند هذه النقطة (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) وادعاءهم أنهم قتلوا المسيح وصلبوه، توقفت عند كلمة ”رسول ﷲ“ من الذي قال ”رسول ﷲ“ هم قالوا (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) إذن لو كانوا يعرفون أنه رسول ﷲ، لماذا قتلوه؟! أم أن هذا قول ﷲ؟! هل هم قالوا (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) ثم قال ﷲ سبحانه (رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) إذن لماذا يصفه الله سبحانه بأنه رسول ﷲ؟! بماذا ستفيد؟! هل لكي نفهم أنه حمى رسوله، فلم يقدروا عليه؟! الجواب: أولاً الأنبياء والرسل يمكن أن يُقتلوا، وقُتل كثير من الأنبياء، منهم زكريا ويحيى، وآخرين لا نعرف أسماءهم ولا قصصهم. الأغلب أن هذا الوصف هو قولهم هم، وقالوه تهكماً (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) كما تهكم فرعون وقال (قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (الشعراء ٢٧) هل معنى هذا أن فرعون مؤمناً بأن سيدنا موسى رسول من الله؟! كلا طبعاً، لكنه قالها تهكماً! في سورة الحجر، ذكر الله لنا أن الكفار عندما كلموا النبي ﷺ قالوا له (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) فهل هم معترفون بأن الوحي أنزل إليه؟! كلا طبعاً، لكنهم يقولونها للسخرية. وأهل مدين سخروا من سيدنا شعيب، وقالوا له (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (هود ٨٧) هم غير معترفين إنه حليم ولا رشيد، ولا حتى أنه رسول أساساً! إذن اليهود الذين كفروا بنبوة سيدنا عيسى هم الذين قالوا (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ -وهذا يظهر العنت والتكبر- وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

29 Dec, 11:26


(وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ) ولا يوجد دليل عند أي فرقة من هذه الفرق، والرأي الذي لا دليل عليه اسمه ”ظن“ فلا يوجد دليل عند أي فرقة، وظل هذا الأمر غير محسوم حتى نزول القرآن، ليبين الحق (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) اليقين الذي جاء به القرآن هو أن السيد المسيح لم يُقتل! لكن أحياناً القرآن يسكت عن بعض التفاصيل التي لا تفيد، كقصة أصحاب الكهف (سَيَقُولُونَ ثَلَٰثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًۢا بِٱلْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُل رَّبِّىٓ أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ) فماذا ستستفيدون إذا علمتم عددهم؟! المهم هو الدرس في القصة وليس التفاصيل (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) أين الجواب؟! يقول الله سبحانه وتعالى في الآية ١٥٥ (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥) بسبب أنهم نقضوا العقد، وماذا أيضاً؟! (وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ) وكفرهم بالمعجزات وبآيات ﷲ، ماذا سيحدث لهم بعد؟! (وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) وأيضاً قتلوا الأنبياء، وعملوا مسرحيات محاكمات وهمية، لكي يعطوا القتل غطاء شرعياً، ماذا سيحدث لهم أيضًا؟! (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ) بسبب إصرارهم على عدم فتح قلوبهم للوحي وللإيمان، ماذا سيحدث لهم أيضا؟! (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥) بسبب كل هذا، طبع الله على قلوبهم بحيث أن الكفر الذي اختاروه يثبتون عليه بالفعل، وهذا الذي حدث! عندما نجد حيي بن أخطب يؤكد لأخيه ياسر بن أخطب، وهذا الكلام ترويه ابنته السيدة صفية بنت حيي، وأنها سمعته عندما كانت صغيرة، فأكد له أن النبي ﷺ هو فعلاً نبي آخر الزمان المذكور في كتب بني إسرائيل، وأنه متأكد من ذلك، ومع ذلك لن يؤمن به مهما حدث! فقلبه مطبوع عليه، طبع عليه الله، ولن يعتنق الحق. فعندما سأله أخوه: أهو هو؟ قال: نعم، أتعرفه وتثبته؟! نعم، فما في قلبك منه؟! قال عداوته ما بقيت! وعندما نجد أبا لهب، بعد نزول سورة تبت يدا أبي لهب وتب، ما زال مصراً هو وزوجته على الكفر، ولم يسلما حتى من باب المشاغبة، لأنهما لو أسلما لأثبتا عدم صحة القرآن، لكن بالرغم من ذلك لم يسلما! إذن طبع الله على قلوبهم، بسبب الأربع الأمور السابقة. نقضهم ميثاقهم، كفرهم بآيات ﷲ، قتلهم الأنبياء بغير حق، قولهم قلوبنا غلف، وأيضاً بسبب (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (١٥٦) وادعاؤهم على السيدة مريم أنها ارتكبت الفاحشة. وأيضاً بسبب قولهم (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ الله) كل هذه هي حدثيات وأسباب لإهلاكهم أنفسهم. إذن (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (١٥٦) وادعاؤهم على السيدة مريم أنها ارتكبت الفاحشة، لذلك أنجبت المسيح بدون أب، هنا يوجد أمر عجيب جداً، اليهود في العصور المتأخرة هم الذين قالوا على السيدة مريم الكذب والبهتان، وغمزوها في شرفها، واليوم تسمع الحاخامات يسألون عن ولادة السيد المسيح بدون أب، أو ما يسمى بالولادة العذرية، يضحكون ويقولون: مثل كل البنات اللاتي في المدرسة وفي الجامعة، اللاتي يحملن بدون زواج ويضحكون! يطعنون السيدة مريم في شرفها! لكن في وقت السيدة مريم عاشت كريمة مكرمة، ولم يرد أنها اتهمت بالزنا، ولا حوكمت ولا رُجمت، مع أن اليهود كانوا متشددين في هذا الأمر جداً. السؤال إذن: كيف بُرئت السيدة مريم عليها السلام؟! كيف عاشت بريئة مكرمة؟! لا أحد يستطيع أن يرد على هذا السؤال غير المسلمين! بنت بعمر ١٢ سنة وغير متزوجة، تحمل وتلد، لا يمكن أن يبرئها إلا شيء واحد فقط، وهو أن يتكلم الطفل بمعجزة، ويقول أنها ولدته ولادة عذرية معجزة، يجب أن تحدث معجزة فتبرئها، وهذا ما أثبته القرآن، لكن المسيحية ليس فيها نص واحد يذكر الكلام في المهد كمعجزة للسيد المسيح، مع أن عندهم الكثير من المعجزات الأخرى.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

29 Dec, 11:25


أخذوا وزر قتل المسيح، مع أنهم لم يقتلوه! والآية تتكلم عن يهود المدينة الآن، وكذلك عن اليهود في وقت المسيح، فهم لم يقتلوا المسيح، لكنهم ظنوا أنهم قتلوا المسيح، هم تسببوا بقتله، لكن الرومان هم من صلبه، ومع أن المسيح لم يُقتل ولم يُصلب بل رفعه الله سبحانه، لكنهم أخذوا وزر قتله بسبب ادعائهم ذلك وهم فخورون به وراضون عنه، فكأنما قتلوه. لاحظ الآية (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) بسبب قولهم فقط وليس قتلهم، فهم لم يقتلوه، لكن مجرد قولهم أنهم قتلوه، استحقوا اللعن لهذا! والحقيقة أني لم أفهم هذه الآية طول عمري (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) لم أفهم كيف يعني يشبه لهم المسيح؟! يعني أناس تعرف المسيح، هذا جيد، فكيف يُصلب إنسان آخر أمام أعينهم، ويقتل ويظن الناس أنه هو؟! طبعاً قيل أن الله سبحانه ألقى شبهه على إنسان آخر، لكن لا يوجد دليل على ذلك، ولا يوجد نص يقول هذا. تعالوا نفهم موضوع صلب المسيح وقتله الذي يدعيه اليهود والنصارى، رغم اختلافهم الشديد حول طبيعة السيد المسيح ﷺ فالمسيحيون يعتقدون أنه هو الله، وأنه هو ابن ﷲ إله من إله. واليهود يرون أنه شخص مدع وكاذب، ادعى أنه المسيح، وما زال اليهود منتظرين المسيح الذي يسمونه "ماشيح" لكن اليهود والنصارى يعتقدون أنه قتل مصلوبًا على الصليب، اليهود وشوا به للرومان وتخلصوا منه، ورأى المسيحيون أنه كان عليه أن يموت، لأنه بدمه يفدي البشرية ويطهرها من الخطيئة الموروثة، لأن سيدنا آدم عندما أكل من الشجرة المحرمة كتب على الإنسان الجحيم؛ لأنه ورث خطيئة آدم، فالمسيح بالنسبة لهم هو إله متجسد بجسد إنسان، ونزل ليُقتل على الصليب، فيطهّر الناس من خطيئة آدم. والسيد المسيح لم يقل اسم آدم على لسانه ولا مرة! في الإنجيل الذي عندهم، لم يذكر المسيح اسم سيدنا آدم أبداً، وكل هذا الكلام ضد العقيدة الإسلامية، لكن دعونا نفهم كيف يمكن أن يشبه عليهم، المسيحيون يقولون إنه يجب أن يقتل ويصلب لكي يخلص العالم، وقال الله سبحانه لا قتلوه ولا صلبوه. كيف ذلك؟! بأن شبّه لهم، وأخطؤوا فيه! هناك من يقول إن شبه المسيح، ألقي على يهوذا الأسخريوطي، وهو أحد الحواريين، لكنه خان المسيح بمبلغ ٣٠ درهم فضة، فأُخذ هو وأُلقي عليه الشبه، وقتل مكانه عقاباً له! وهناك من قال إن شخصاً غيره صُلب واعتقدوا أنه هو! وفي جميع الأحوال، أخطؤوا وصلبوا شخصاً غيره. طوال عمري كنت أتساءل، كيف يخطؤون في شخص معروف جدًا، ووجه مألوف بالنسبة لهم! إلى أن شاهدت فيلم The passion of the Christ للمخرج Mel Gibson نرى فيه الممثل الذي مثل السيد المسيح، والممثل الذي مثل يهوذا الاسخريوطي، الذي خان المسيح، وشكلهما مختلف عن بعض، فمن يعرفهما صعب جداً أن يخطئ بينهما! لكن ما لا ينتبه له الناس، أن الذي صلب وقتل عُذِّب وجُلِد بشدة بما يسمى Flagrant وهي عبارة عن سوط له عدة ذيول، في نهاية كل منها قطعة من الرصاص، تلتصق بجلد الشخص وتهشمه، فالشخص الذي عُذب لم يكن شكله كالشخص الطبيعي، وتغير! فلو وضعت الصور الثلاث لممثل المسيح وممثل يهوذا والشخص الذي صُلب، ستكون الأمور واضحة، لن نستطيع أن نحدد من هو الشخص الذي صُلِب. فلو أن أحداً رأى شخصاً وجهه وجسده مشوه تماماً لا يستطيع أن يحدد من هو! إذن نستطيع الآن أن نفهم معنى شبّه لهم، فالأمر لا يحتاج إلى معجزة، فلو كان فيها معجزة لذكر الله سبحانه هذه المعجزة، خاصة وأن الرواية الإنجيلية تقول إنه وقت الصلب بدأت زوابع وعواصف وأمطار، والجو كان سيئاً، والجنود الرومان كانوا يدفعون الناس بعيدًا عن الصليب ٣٠ قدماً، فالناس كانوا يقفون بعيداً مع جو العواصف والأمطار، وشكل الشخص المصلوب الذي تغير! وكذلك من المؤكد لو أن أحداً من معارفه وحوارييه انتبه أن المصلوب شخص آخر، أكيد لن يصرخ ويقول يا جماعة هذا شخص آخر، سيفهم أن هناك معجزة حصلت، وأن شخصاً آخر صلب مكانه! (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) لاحظ (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) فعلاً الطوائف المسيحية الأولى التي آمنت بالمسيح اختلفوا فيمن صُلب بدلاً من المسيح، كان هناك فرق من النصارى، منهم موحدين ومشركون مثل Carpocratians & Bassilidians & Corinthians منهم من قال إن الذي صُلب بدل المسيح هو شخص ليبي اسمه سمعان القيرواني، وفيهم من قال أن يهوذا الأسخريوطي الخائن، الذي كان من الحواريين هو الذي ألقي عليه شبه السيد المسيح، وصلب بدلاً عنه، وفيهم من قال إن شخصاً تطوع من الحواريين، ليُلقى عليه شبه المسيح، ليموت مكانه كعملية فدائية، فاختلفوا في هذا الأمر.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

29 Dec, 11:25


٢- (وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ) لم يخضعوا لآيات موسى ولا القرآن، ولا أي آيات تجعلهم يؤمنون، سيدنا المسيح وحده آية، مولده آية ورفعه آية، حياته كلها آيات، شيء عجيب! لكنها لم تؤثر فيهم.

٣- (وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) قتلوا الأنبياء، فحكموا عليهم بالإعدام في ظلمًا وزورًا في محاكمة صورية، فالسيد المسيح حُوكِم أمام مجمع السنهدرين المكون من ٧٠ قاضياً متخصص في الشريعة، فحكموا عليه بالقتل، فأوشوا به للرومان، والرومان ذهبوا ليقبضوا عليه، وظنوا كلهم أنهم ألقوا القبض عليه وصلبوه، والحقيقة أنهم ألقوا القبض على شخص آخر. وهذا معنى بغير حق، لأنهم يحاولون إعطاء صورة شرعية لقتل الأنبياء، وفي الحقيقة أن القضاء عندهم كان قضاء فاسداً، مثل كل أمة فاسدة، الناس فيها لا تأخذ حقوقها أمام القضاء، فالأمة التي لا تستطيع الاطمئنان للنظام القضائي هي أمة فاسدة.

٤- (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥) وبسبب أنهم قالوا قلوبنا غلف أي مغلفة. لماذا يوضع الغلاف على الإناء؟! لكي لا يخرج منه شيء، ولا يدخل فيه شيء، هم قالوا قلوبنا فيها عقيدة مغلفة، لا نغيرها ولا نقبل إضافة عقائد أخرى لها، لن نخرج شيئاً منها، ولن ندخل شيئاً كذلك. أي نحن غير مستعدين أن نغير شيئاً من معتقاداتنا نهائياً (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥) الطبع هو الختم، ختم الله على قلوبهم لكي تظل كما هي على الكفر. ستقول معقول؟! ما ذنبهم هم؟! الله سبحانه هو الذي طبع عليها، سأقول ركز في الآية، واعلم أن الله جعل النظام في أمر العقيدة أنه من يطلب شيئاً يأخذه، من يطلب الهداية يهتدي، ومن يطلب الكفر يكفر، والله يريد الناس جميعًا أن تهتدي وتؤمن، لكنه لا يجبر أحداً على الإيمان. عندما تذهب إلى مطعم وتطلب البرجر، يأتي لك البرجر، فإذا جاء لشخص بجوارك طبق كباب وكفتة، هل تلوم صاحب المطعم أنه أحضر لك البرجر، وليس كباب وكفتة؟! ما طلبته أنت، جاء لك! ركز في الآية (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ) هم الذين قالوا قلوبنا مغلفة، ولن تقبل أي عقيدة أخرى، ولن تغير اعتقاداتها (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ) فحقق الله لهم ما يريدون، فطبع على قلوبهم، أي ختم عليها بحيث يظلون على الكفر، فقبل كلمة (طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا) ذكر الله سبحانه (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ) أي أنها رغبتهم التي صرحوا بها، أنهم أقفلوا قلوبهم، ولا يريدون دخول أي شيء عليها، وبعد الطبع، أكد أنها بسببهم هم (بِكُفْرِهِمْ) ثم يأتي أحد فيقول إن الله طبع عليها؟! (فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥) إلا قليلاً تعني أن قليل منهم آمنوا وكانت فطرتهم سليمة، أمثال عبد ﷲ بن سلام، ويامين بن يامين أو بن عمير، والسيدة صفية بنت حيي بن أخطب، أسد بن كعب القرظي، أسيد بن كعب القرظي، رفاعة بن قرظة القرظي، ريحانة بنت زيد من بني قريظة وهذه كانت أمة رسول الله، إذن من طلب الهدى هداه ﷲ.
٥- قولهم على السيدة مريم بهتاناً عظيم:

(وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (١٥٦)

تكرار كلمة كفرهم لافت للنظر، فقد وردت ثلاث مرات في هاتين الآيتين، كل كلمة منها لها معنى مختلف في الآية ١٥٦ (وَبِكُفْرِهِمْ -بالمسيح- وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) أي بكفرهم بالمسيح (وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) أي أنها أنجبت ابناً غير شرعي بدون زواج! وفي الآية ١٥٥ كلمة "كفرهم" وردت مرتين (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ) إذن كفرهم بالمعجزات وبآيات الوحي (وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ) أي بازديادهم في الكفر، وتصميمهم على عدم إدخال أي اعتقادات في قلوبهم غير الموجودة عندهم أصلاً.

(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

29 Dec, 11:25


٥٦

(يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآَتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (١٥٣) من المقصود هنا؟! اليهود، أي يهود؟! هؤلاء يهود المدينة في عهد النبي ﷺ وقلنا إن كعب بن الأشرف طلب من النبي ﷺ أن ينزل عليهم كتاباً لكل واحد منهم في بيته، وقالوا إنهم يريدون رؤية الكتاب يتنزل عليه! إذن هؤلاء هم اليهود في زمن النبي ﷺ، لكن لماذا يقول الله سبحانه (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً)؟ الذين سألوا موسى وقالوا أرنا ﷲ جهرة وعبدوا العجل، فهذا كان في عهد سيدنا موسى، قبله بأكثر من ٢٠٠٠ سنة، أي أكثر من عشرين قرناً، وبين سيدنا موسى وسيدنا عيسى ﷺ ١٥٠٠ سنة! بين سيدنا عيسى وسيدنا محمد حوالي ٦٠٠ سنة، ويوجد مبدأ إسلامي في سورة الأنعام هو (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (١٦٤) كما يقول المثل المصري [كل واحد يحمل قربة بتشر على دماغه] فلا يحاسب إنسان بذنوب غيره! لكن لماذا يشبه الله جيلاً جاء بعد أكثر من ٢٠٠٠ سنة، بأجداده الذين كفروا وارتكبوا الموبقات؟! وسألوا سيدنا موسى أن يريهم الله جهرة وعبدوا العجل، فما علاقتهم مع يهود المدينة؟! اقرأ الآية ١٤٠ (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) قلنا إن من يسمع معصية ويرضاها، كان كمن شهدها وإن غاب عنها! فمن يسمع عن جريمة مثلاً وهو لم يشهدها، بل وقد تكون من عصر آخر، لكنه رضيها، أي لو كان موجوداً كان سيشارك فيها، فكأنه فعلها! أي من يرضى بشيء عمله غيره، فكأنه هو الذي عمله بالضبط. هل يهود المدينة في عهد النبي ﷺ خَطَّأوا جيل أجدادهم، على الأخطاء التي ارتكبوها أم ارتضوها؟! رضوا بها، وظل اليهود على اعتقاداتهم الفاسدة في الأنبياء وفي الكتب، وبذلك حُرِّف الدين. وحتى اليوم هم يكفرون بالأنبياء الذين قتلوهم، ويكفرون بزكريا ويحيى ولا يعتبرونهم أنبياء، وكذلك السيد المسيح، يعتقدون أنهم قتلوه وصلبوه ويفخرون بذلك!

(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (١٥٦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧)

إذن بسبب الآتي:
١- (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ) الميثاق يعني العهد المغلظ الذي أخذه الله عليهم، بأن يؤمنوا بجميع الأنبياء والرسالات، وهم نقضوا العهد والميثاق، لاحظ هنا جمال اللغة العربية، التوثيق هو بالربط، شد الوثاق أي يربط شيئاً بالحبل. كذلك الميثاق يربط الإنسان بكلمته، أي من لسانه واتفاقه، والعقد هو أن تعمل عقدة بالحبل لكي تربط شيئاً. نقض العهد هو عكس العقد، ويعني أن تحل العقدة (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) يعني فككت الصوف بعد أن أنهت عمله، أي نقض العقد أو الاتفاق يعني فكه. وبالتالي الاتفاق بين طرفين اسمه ميثاق وعقد، وخرق الاتفاق اسمه نقض وحل، فيقول أنا في حِل من الميثاق (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ) أي؛ بسبب خرقهم للعقد الذي بينهم وبين ﷲ.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

29 Dec, 11:24


فيديو ٨٦٩ من مقاطع #حظر_التجول #تدبر سورة النساء حلقة ٥٦ الآيات ١٥٥-١٥٧

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

29 Dec, 11:24


https://www.youtube.com/live/eAycpMiuYR0?si=4UOFYxfFwe9Nb2Tl

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

28 Dec, 07:57


بنو إسرائيل تذمَّروا واعترَضوا (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ) هناك من قال إن الله رفع الجبل فوق رؤوسِهم لِيهدِّدهم إن رفضوا التّوراة، فسيُنزِل الجبل على رؤوسِهم، لكن هذا غير مقبول! ومعظم المُفسرين قالوا إن هذا مستحيل، وهو ضدّ مبدأ أساسي في الدّين، وهو لا إكراه في الدين، الله لا يُجبر أحد أبداً على شرعه، مجرّد أن الله يرفع الجبل فوقهم ليُريهم قدرته فيَتّقوا الله، هذا ليس معناه أنه يُكرِههم، لكن نصّ الآية لا يقول أنّه هدّدهم بأن يُوقع الجبل عليهم، ربما ظن بعضهم أنّ الله سيوقِع الجبل على رؤوسِهم، لكن الله لم يقل هذا، ولم يهدِّد بهذا، في سورة الأعراف (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧١) المقصود من رفع الجبل، هل رأيتم قوة الله؟! أنتم أيضاً خذوا التوراة بقوة وادعوا الناس، واحملوا همّ الدّعوة، وهذا الميثاق الذي عهِدَ به الله إليكم؛ فأنتم أمّة الإسلام. الله يعهِد إليهم أن يحملوا هذه الرسالة للناس، الشَّاهد أنّ الله رفع الجبل أمامهم لمّا تذمّروا ليروا قدرته. في سورة البقرة (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣) وورد في التفاسير أنهم سجدوا على جانب وجوههم؛ لأنهم كانوا ساجدين، وينظرون في نفس الوقت على الجبل المرفوع فوقهم؛ ولذلك في بعض الصلوات اليهودية يسجدون على جانب من وجههم، ليس مثلنا. لكن اليوم هم يفسِّرونها تفسيراً آخر، هذه السجدة عندهم اسمها "نفيلا عالهبانيم" يعني النّزول على الوجه، ويسجدون ويميلون على الخدّ الشّمال، لأنهم يقولون لأنّ الحضور الإلهي يكون عن يمين الإنسان، فهم ينظرون نحو ﷲ! لكن أصل المسألة ما ذكرناه وشرحناه.
نعود إلى الآية في النساء (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (١٥٤) أعطاهم الله تشريعات، وأمرهم بالجهاد (وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا) أُمروا بالدخول إلى مدينة أريحا من بابها، لكنهم خافوا من القتال (وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ) أُمروا بعدم العمل يوم السبت وتخصيصه للعبادة، نحن نخصّص ساعة يوم الجمعة للعبادة ولا نعمل فيها، هم كان عندهم يوم كامل ٢٤ ساعة (وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (١٥٤) أخذ الله عليهم عهد، الميثاق هو طاعة ﷲ وأنبياؤه، والإيمان بكل أنبياء الله، وأمروا أن يأخذوا التوراة بقوة، أي يحترمونها وينفّذوا أوامِر الله فيها.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

28 Dec, 07:57


قضى الله عليهم، فصُعِقوا وماتوا، ثم بعثهم مرة أخرى، ماذا يعني؟! يعني حتى لا يُفكِّرَ أحد المسلمين ويقول لماذا لم يستجب الله لهم كي يقتنِعوا ونرتاح؟! وكل واحد يحصل على كتابه؟! هذه ليست سنَّة ﷲ، الله لا يستجيب لطلبات الأمم، الأمم تستجيب لطلبات ﷲ -سبحانه- وتعالى وليس العكس. ﷲ -سبحانه- وتعالى يأمر ولا يُؤمَر (لا يُسئَلُ عمَّا يفعل وهم يسألون) مشكلتنا اليوم أنّ الحال انقلب، فتسمع من يقول، أنا غاضب! لماذا فعل بِيَ الله هكذا؟! هل تُريد أن تختبِرَ الله أم هو الذي يَختبِرُك؟! الحال اليوم مقلوب مع المسلمين ومع غير المسلمين. فغير المسلمين يتمادَون ويطلبون طلبات غريبة، ويريدون نزول كتاب بطريقة معيّنة، وطلبوا أن يَرَوْا الله، فصعقهم. وهذه ليست حالة التّمرد الوحيدة عندهم (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآَتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (١٥٣) صنعوا صنم على شكل عِجل وعبدوه بعد أن رأوا معجزات لم ترها أمَّة قبلهم في التّاريخ! رغم كل معجزات موسى التي رأوها، وكذلك انشقاق البحر، وقالوا (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) وقال لهم موسى (كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) ورأوا كيف نجّاهم الله من الغرِق، وغرق فرعون وجنوده الذين كانوا يستعبدونهم ويُعذبونهم، وقبل أن تجفَّ أرجلهم من الماء الذي نجوا من الغرق فيه، صنعوا صنماً يشبه أصنام الفراعنة الذين كانوا يستعبدونهم! عجل أبيس ليس صنماً على شكل إنسان مثل أصنام العرب، بل صنم على شكل من كانوا يستعبِدونهم؛ لأنّ نفسيّتهم نفسية العبيد وليست نفسية الأحرار. قد يكون الإنسان عبداً لكن نفسيته حرّة، مثل سيّدنا بلال عنده روح الأحرار، لكن هؤلاء يُحِبون الاستعباد ويكرهون الحرية.
ورغم ذلك قبل الله توبتهم، وعفا عنهم، وقوَّى موسى ونصرَه على أعدائِه (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآَتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (١٥٣) قال لهم الله خذوا الميثاق، لكنهم قالوا التوراة فيها شرائع كثيرة، ونحن لا نريدها.

(وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (١٥٤)

فلما نزلت التوراة، وجد بنو إسرائيل أنّ فيها تشريعات كثيرة، فرفضوها وتذمّروا من كثرة القوانين والتّشريعات والتّعليمات، مع أنّ هذه التشريعات لتنظيم الحياة. الناس في ذلك الوقت لم يكن عندهم قوانين واضحة تبيِّن الصَّح من الخطأ، وتبيِّن الحقوق والواجبات للناس، لذلك الناس كانت تفرح لمّا يُصبح عندها قوانين تنظِّم حركة الحياة، الفلاسفة اليونانيون والرومان كانوا يجتهدون لعمل أنواع التّشريعات التي تنظِّم حياة الناس، لأنهم يحتاجونها، وكانوا يفرحون بها، وحتى الشريعة كان الناس هم من يطلبونه، فعندما يوحد قانون يُجرَّم السرقة مثلاً، ويعترض عليه البعض، فَهُم إمّا سارقون أو ينوون أن يسرِقوا، لذلك لا يُريدون قانوناً يُحرِّم السرقة! كذلك إذا وجد قانون يُجرِّم التَّحرش، ويعترض عليه البعض، فهم إمَّا متحرشون أو يريدون التحرش. وهذا يُوضِّح الفرق بين بني إسرائيل الذين اعترضوا على نزول التشريعات، وبين صحابة رسول ﷲ ﷺ الذين كانوا دائمي السؤال، ويفرحون بنُزول قوانين وتشريعات، كلمة "يسألونك" وردت ١٥ مرة في القرآن، ويستفتونك مرتين! الصحابة هم من يسألون فهم يُريدون أن يَفهموا
- (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)
- (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)
- (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)
- (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)
- (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ)
- (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) يسألونك، يسألونك.. ما معنى هذا؟! معناه أن الصحابة كانوا هم الذين يستنطقون رسولَ ﷲ ﷺ ويستعجلون التشريعات، ويُريدون أن يعيشوا بطريقة صحيحة ترضي ﷲ.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

28 Dec, 07:57


٥٥

بعد أن ذَكر الله اليهود والنّصارى، وأنَّ كل فريق منهم يريد أنه ينتقي من الدّين ما يريد ويترك ما لا يريد، يريد أن ينتقي أنبياء ويترك أنبياء، يريد أن ينتقي كتب ويترك كتباً، ذكر طلب عجيب جداً طلبه بعض يهود المدينة، ومنهم كعب بن الأشرف.

(يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآَتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (١٥٣)

طلبوا أن ينزل لكل واحد منهم كتاب من السماء باسمه هو من الله، ويأمره أن يتبع محمد ﷺ فإذا كل واحد منكم سيتلقى وحياً، فما الحاجة إلى الرسل؟! ويتعامل مع كل إنسان وحده، ويُنزّل عليه تعاليم دينه، وهناك رواية أنهم طلبوا أن ينزل القرآن كله جُملة واحدة، وأن يشهدوا نزوله بأعينهم، فهناك رأي يقول إن التوراة نزلت جملة واحدة على موسى ﷺ، وهناك من قال لم تنزل جملة واحدة! فأرادوا أن ينزل القرآن بالطريقة نفسها. وطبعاً القرآن يختلف عن التوراة وعن كل كتب الإسلام الأخرى، في أنه هو نفسه المعجزة والرسالة، بينما التوراة أو الإنجيل كانت الرسالة، وكانت هناك معجزات حِسِّية منفصلة، كعصا موسى التّي تنقلب ثعباناً وتشقّ البحر، وتُفجِّر عيون الماء من الصَّخر، ويده التي يضعها تحت إبطه فتخرج بيضاء من غير سوء. وكذلك المسيح كان عنده الرسالة وهي الإنجيل، وعنده معجزات منفصلة عن الرسالة، وهي معجزات حِسِّية، منها شفاء الأكمَه والأبرص، وإحياء الموتى بإذن ﷲ وهكذا. إنّما القرآن مختلف، فهو الرسالة الأخيرة لا توجد بعده رسالة، والرسالات التي قبله مؤقتة، بالتالي لا يمكن أن يعتمد على معجزات مادية؛ لأن المعجزة المادية مؤقتّة أيضاً، ليست حجَّة إلا على من رآها، والأجيال التي وصلهم خبرها بالتواتر. الرسالة الأخيرة الخالدة تحتاج إلى معجزة أخيرة خالدة، لذلك القرآن هو الرسالة والمعجزة في نفس الوقت، ولن ينزل مراعاة لِمِزاج أحد! وأراد الله أن ينزل القرآن منجَّماً -مجزء- على مدار ٢٣ سنة، يُعالج الموضوعات في وقتها، ويُربّي أمّة ستحمل لواء الدّعوة إلى أن تقوم الساعة. التّوراة والإنجيل لم تُحرِّم الخمر، لكن القرآن حرَّم الخمر، وهذا استدعى تربية أولاً، ثم تدرُّج في التّشريع، إلى أن أصبح تحريم الخمر ممكناً للمدمنين عليها. بالتالي الخمر حرِّمت بعد حوالي ١٨ أو ١٩ سنة من بدء نزول القرآن، ويُقال سنة ٦ بعد الهجرة. كذلك الفرائض التي فُرضت على الناس، كانت تحتاج إلى تربية، فالله -سبحانه- وتعالى لا يخضع لأهواء وآراء وطلبات الكفّار! والنّبي محمد ﷺ كبشر، عندما يَسمع هذه الطلبات السخيفة من يهود المدينة قد يُحبط، فيُثبِّته الله ويقول له، إن طلبوا منك كتاباً ينزل من السماء فقد طلبوا من زمِيلك موسى أكثر من ذلك! (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ) هل يوجد ما هو أكبر من هذا؟! هل تعرف ماذا طلبوا؟! اشترطوا على الله كيف يُنزِّل كلامه! أي أنهم قالوا يا محمد، قل لربّك أن يُنزلَ كلامه بهذه الطريقة! وهناك أكثر، تصور ماذا طلبوا من موسى؟! (فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً) تعدّى الأمر من اشتراط طريقة نزول كلام الله، إلى ذاته العلية نفسها! لا يريدون أن يُغيِّروا طبيعة نزول كلام الله، بل يريدون أن يغيّروه، ﷲ -سبحانه- وتعالى لا تُدرِكه الأبصار، وهم طلبوا أنّ تُدرِكه الأبصار، فهذا طلب أسخف وأكبر وأشنع مِما طلبوه منك! وأي إنسان يسمع هذا الكلام سيهدأ ويطمئن؛ لأنّ موسى نجح في دعوته ورضي الله عنه، وأصبح من أولي العزم من الرّسل، ومرّ مع بني إسرائيل بتجربة أسخف من هذه التجربة، إذن هذه التجربة بإذن ﷲ ستمرّ. ففي الآية طمأنة لقلب النبي ﷺ وتسَلية، لست أول نبي يتجرؤون عليه (فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) القصة بالتفصيل في البقرة (وإِذْ قُلْتُم يَا مُوسَى لَنْ نُؤمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهرَةً فَأَخَذَتكُمُ الصَّاعِقَةُ وأَنْتُم تَنظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثنَاكُمْ مِنْ بَعدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

28 Dec, 07:56


فيديو ٨٦٨ من مقاطع #حظر_التجول #تدبر سورة النساء حلقة ٥٥ الآيات ١٥٣-١٥٤

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

28 Dec, 07:56


https://www.youtube.com/live/A0qIPk5ii40?si=R5iw8QaYu0ftDt0R

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Dec, 13:16


(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ) غير مقبول أن يؤمن الإنسان بالله، ولا يؤمن برسله! الربوبيون يقولون نحن نؤمن بأن هناك خالقاً لهذا الكون، لكنه لم يرسل رسلاً ولا كتب ولا يوجد أديان، وهناك من يقول نؤمن بالقرآن، ولا نؤمن بالسنة! وهذا تفريق بين ﷲ ورسله، إذا كنت مؤمناً بالله فيجب أن تؤمن بصفات ﷲ، ومن صفاته الحكمة، وليس من الحكمة أن يخلق كائنات عاقلة قادرة على الاختيار بين الحق والباطل، ولا يتواصل معها ليدلها على طريق الحق وطريق الباطل. تخيل أنك خلقت مخلوقات صغيرة، ووضعتها على المنضدة، وهذه المخلوقات تفهم وتعقل، من الطبيعي أن تخبرها أنك خلقتها، وتعرف نفسك وتعلمهم ما يؤذيهم وما يضرهم وما ينفعهم، وأن يبتعدوا عن حافة المنضدة كي لا يقعوا عنها، ولله المثل الأعلى. إذن طالما أن الله حكيم، فمن الحكمة أن يتواصل مع مخلوقاته.
في سورة طه لما سأل فرعون موسى عن ﷲ، سيدنا موسى قال كلمة بليغة جداً ومختصرة جداً (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (٤٩) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠) خلق دون هداية = عبث، خلق مع هداية = نظام محكم. الله خلق هذا الكون بمنتهى الحكمة والإحكام، إذن من يؤمن بالله يؤمن برسله، ومن يؤمن برسله يؤمن بالسنة، ومن غير المقبول أن يؤمن الإنسان بالقرآن دون السنة (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١٥٠) لا يوجد طريق إلى الهدى في هذه الطريقة.

(أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (١٥١)

هذا هو الكفر الحقيقي، وأعد الله للكافرين عذاباً مهيناً، ولماذا عذاب مهين؟! لأنهم وجهوا الإهانات للأنبياء، فقالوا هذا كذاب، وهذا مدعي نبوة، وهذا ساحر وهذا كاهن، وهذا مجنون! فأعد الله لهم عذاباً مهيناً. ومعظم من فعل هذا، كانوا محترمين في مجتمعاتهم، هذا حاخام، وذاك بابا فاتيكان، تذكرون بابا الفاتيكان الألماني الذي شتم الإسلام في خطبة من أوائل الخطب التي قالها، لما تولى منصب بابا الفاتيكان! ومؤسسة جسور ردت عليه رداً قوياً. فقال إن مفهوم الألوهية غير مفهوم في الإسلام! فهؤلاء المحترمون في الدينا، عقابهم سيكون الإهانة يوم القيامة، قال الحق -تبارك وتعالى- في سورة الحجر (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) يعد الله نبيه ﷺ أنه سيكفيه هؤلاء، وقبل أن ينتقل القرآن من هذا المشهد، سيعطينا الوجه الآخر المشرق..

(أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (١٥١) وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (١٥٢)

مَن يؤمن بالله ورسله كلهم، ولا يفرق بين أحد منهم طبعاً، ونحن المسلمين لدينا ارتباط بالنبي محمد ﷺ عاطفي أكبر؛ لأنه نبينا المباشر، وعندنا سيرته الكاملة، ونعرف كل تفاصيل حياته، والمعاناة والصبر والجهاد، وما مرَ فيه حتى يصل إلينا هذا الدين، هذا كله يجعل حبه في قلوبنا أكبر من حب الأنبياء الآخرين، مثلاً سيدنا اليسع أو ذي الكفل لا نعلم عنهم تقريباً شيء مجرد أسماء ذكرها القرآن، سيدنا موسى ذُكر كثيراً وسيدنا إبراهيم وإسماعيل ويوسف والمسيح ابن مريم، نعم نعرف تفاصيل كثيرة عن حياتهم وجهادهم، لكن يظل القلب يميل إلى النبي محمد ﷺ أكثر، لذلك قال العلماء، لا نفرق بين أحد منهم في النبوة، ولا نقول هذا أفضل من هذا، ونهى النبي ﷺ عن المفاضلة بين الأنبياء (مَن قال إني خير من يونس بن متى فقد كذب). واختار سيدنا يونس بالذات، لأنه ورد في القرآن أنه أخطأ لما غضب وترك قومه، وأنه استغفر وهو في فم الحوت، وعاد إلى الدعوة مرة أخرى، وأرسله الله إلى مئة ألف أو يزيدون، لكن حتى هذا النبي الذي ذكر لنا القرآن خطأه، لا يجوز أننا نفضّل سيدنا محمد عليه، هذا كلام خطير! لكن ﷲ -سبحانه وتعالى- لا يحاسبنا على مشاعر قلوبنا، فلا نتكلم ولا نفاضل بين الأنبياء! انظر الفرق بين هذا الدين الذي يدفع أتباعه للإيمان بكل الأنبياء، وحب كل الأنبياء واحترامهم مثل بعض، انظر إلى الفرق بينه وبين أديان محرّفة، تؤمن بأنبياء وتُكذب أنبياء آخرين، هذا هو الإسلام، هذه هي عظمة هذا الدين. لا يوجد دين مثل الإسلام أبداً، الحمد لله على نعمة الإسلام، وعلى نعمة القرآن.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Dec, 13:16


ليس الواجد، من يجد المال ليدفعها ومع ذلك يماطل، ولا يريد الدفع، فهذا يحِل عرضه، يعني أن يُحّذر الإنسان الناس منه، ويشكوه للقاضي، ويتكلم عنه ويقول عنه لص وسارق، حتى لا يحتال على آخرين (وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) ﷲ وحده يعرف، إن كان المظلوم مظلوماً فعلاً أم لا، وسمع ما قال ويعلم الحقيقة، يقول الإمام الرازي "(وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) تحذير من التعدي في الجهر المأذون فيه، يعني فليتق الله، ولا يقل إلا الحق، ولا يقذف مستوراً بسوء حتى لا يصبح عاصياً لله بذلك، وهو تعالى سميع لما يقوله، عليم بما يضمره" إذا استثنى الله المظلوم بأن يجهر بالسوء فليس معناه أن يفتري عليه، بل عليه أن يتقي، وليس كل شيء يخطر في بالك هو صحيح! بالأخص عندما تحكم على الناس، ليس من حقك أنك تصنف الناس، فتقول عن هذا فاجر وذاك منافق.
أحد الصحابة واسمه مالك بن الدخشُم، كان عنده علاقات ببعض المنافقين، وبعض المنافقين كانوا مكشوفين، فلما رأى الصحابة أنه يُكثر من لقاء المنافقين، فقال عنه أحد الصحابة أنه منافق، فغضب النبي ﷺ وقال "لا تقل ذلك، ألا تراه قد قال لا إله إلاّ الله، يريد بذلك وجهَ الله، فقال: فإنَّا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين" يعني أخاكم هذا الذي ظننتم فيه ظن السوء هو يستغل علاقاته بهم في دعوتهم، بينما يظهر أمام الناس على أنه منهم، فهو داعية! (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) لا تتسرعوا في الحكم على الناس، وعلى كل إنسان منا أن يركز مع نفسه، لن يدخل أحدنا النار بسبب جاره! لماذا تقول عنه منافق، ماذا فعل معك!؟ ليس لكم سلطة على الناس، ويكفي كلام عن الناس! طالما أنك لم تُظلم فلا تتكلم عن أحد. قال رسول الله ﷺ (أن ﷲ يكره لكم ثلاثاً، قِيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال) ربك لا يحب أنه يرى المسلم أو المسلمة يهمز أو يغتاب أو يتكلم على هذا أو هذه. القيل والقال هي الغيبة والنميمة، وهي ليست من خُلق المسلم، وكذلك لا يحب الله إضاعة المال؛ وكثرة السؤال بالطلب والدَين من الناس. اقرؤوا كتاباً للشيخ محمد الغزالي، اسمه "خُلق المسلم" أنا أعرف عائلة مصرية أسلمت بعدما قرأت الكتاب.

(إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (١٤٩)

عندما ظُلمتَ أصبحت لك رخصة أن تتكلم عمن ظلمك، لكنك أبديت له خيراً، فوضعت عينك في عينه وأمام الناس، ولم تقل عنه شيئاً، مع أنه توقع أنك تتكلم عنه وتفضحه (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ) حتى وهو غير موجود، لم تتكلم عنه ولم تفضحه، ولم تقل كيف ظلمك، وهذا لا يعني أنه ظلمك (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا) أعلى درجة هي أنك تعفو عمن ظلمك، فالدرجات الثلاث رائعة جداً، وممكن أن يعفو الله عنك بعفوك عمن ظلمك (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (١٤٩) لما عفوت عنه، فقد تخلّقتَ بصفات ﷲ، فالله عفو وقدير، وأنت عفوت عنه وأنت قادر على فضحه، ولكي يستطيع الإنسان أن يعفو عن ظالم ظلمه وأكل حقه، يتذكر أنه يريد من ﷲ العفو، ويتذكر أن الظلم الذي وقع عليه لا يقارن بمعصيته لله، فطالما أنت تحتاج عفو الله عن معاصيك الكبيرة والعظيمة والكثيرة، اعفُ أنت عمن أكل حقك، أو سخر منك، والله يعوضك، تعوّد أن تعفو كي يعفو الله عنك، لكن الله لا يلزمك بالعفو في المظالم العامة! قاض فاسد أو حاكم طاغية، لا يجب العفو عن هؤلاء؛ لأنها مظالم عامة، لكن المظالم الشخصية فالإسلام يشجعك أن تعفو عنها، كما قال النبي ﷺ (أن تَعْفُو عمّن ظلمك، وتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ وتَصِلَ من قطعك)
ثم انتقل الكلام إلى انتقاد شديد لليهود وللنصارى بسبب رغبتهم في الابتداع في الدين.

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١٥٠)

اليهود مؤمنين بالله وبموسى وبالتوراة، لكنهم لا يؤمنون بعيسى ولا بمحمد، ولا بالإنجيل ولا بالقرآن، والنصارى مؤمنين بموسى وبالتوراة وبالإنجيل، بصرف النظر عن التحريف، لكنهم لا يؤمنون بمحمد ﷺ ولا بالقرآن، وألهوا سيدنا عيسى! كل منهم يشكّل ديناً على هواه! فقال الله لهم (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١٥٠) هذا كفر بالله، حتى لو قلتم أنكم مؤمنون بالله، فمجرد أنكم تفرقون بين ﷲ ورسله، ويقولون نؤمن ببعض الرسل ونكفر ببعض الرسل، أتريدون أن تجدوا طريقاً للهداية وللجنة، بهذه الطريقة؟!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Dec, 13:16


٥٤

(لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (١٤٨)

قيل في وجه الظالم، يقول الإنسان السوء لإيقافه عن ظلمه، كأن يتحرش شخص بامرأة في الشارع، فتجهر بكلمة احترم نفسك مثلاً، وهذه الكلمة في مصر تعتبر إهانة، لأنها تحرجه وهذا من سوء القول، والله لا يحب أن إنساناً يحرج إنساناً، ويقول له احترم نفسك، أو تقول المرأة للمتحرش احترم نفسك، وفي هذه الحالة لا يكره الله من هذه المرأة ذلك، لأنها توقف التحرش والظلم الواقع عليها بهذا القول، قال الحسن البصري "إلا أن ينتصر من ظالمه" يعني ينتقم من الذي ظلمه؛ لأن طبيعة الإنسان حب الانتقام. في سورة النحل (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦) فالله يحب أن تصبر على الإساءة، لكنه لا يجبرك عليها، ويسمح بأن تعاقب كما عوقبت، فإن شتمك شخص، فتشتمه نفس الشتمة التي شتمك بها، إلا إذا كانت بالوالدين -الأب أو الأم- يعني لا يجوز لك أن تشتم أباً أو أم إنسان، شتمك بالأب أو الأم لأنك بذلك أدخلت ناساً لا ذنب لهم! فإذا قال أحدهم للآخر مثلاً "يا ابن الحمار" لا يجوز أن يردها عليه، والله يحب أن تصبر (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) الأولى والأكرم والأليق بالمسلم أن لا يرد هذه الشتيمة.
ويقال إن آية النساء نزلت في أبي بكر رضي الله عنه [فإن رجلاً شتمه فسكت مراراً، ثم رد عليه، فقام النبي ﷺ، فقال أبو بكر: شتمني وأنت جالس، فلما رددتُ عليه قمتَ! قال النبي ﷺ: إن ملكاً كان يجيب عنك، فلما رددتَ عليه، ذهب ذلك الملك وجاء الشيطان، فلم أجلس عند مجيء الشيطان].

فطالما هناك شتائم وسجال، فالشياطين ستحضر، وتتغير النبرة وهذا لا يليق بالنبي ﷺ (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (١٤٨) الله سبحانه وتعالى يريد أن يحمي آذان الناس في المجتمع من الألفاظ التي تجرح السمع (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (الإسراء ٣٦) نحن نحاسب بما نسمع ونرى ونقول، فلا يجوز أن نطلق السمع والبصر في كل شيء، فالبصر والسمع هي مدخلات، تدخل في عقل الإنسان مشاهد وأصوات، تؤثر في المشاعر والقلب، لذلك منع ﷲ الناس من كشف عوراتهم حتى لا يجرح بصر الآخرين، هذه العين التي تقرأ القرآن، لا يجب أن تلوثها بالنظر إلى مشاهد تضر القلب، حتى يستمر القلب بالتأثر بالقرآن التأثر المطلوب، كذلك الأذن لا يجب أن تُجرح بألفاظ أو بكلام يضر المشاعر والقلوب، لا نسمع للغيبة ولا النميمة ولا الكذب ولا البهتان، ولا الشائعات ولا نرددها ولا الألفاظ القذرة، هذا السلوك ينافي كمال الإيمان، عن ابن مسعود أن رسول الله ﷺ قال (ليس المُؤمِنُ بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الفاحشِ ولا البَذيءِ)
الطعان: كثير الطعن، الذي يطعن في ذمم الناس، فيلمح إلى صفاتهم السيئة.
واللعان: الذي يلعن أي شيء، كثير اللعن، الفاحش الذي يقول ألفاظ أو كلام يجرح الحياء، فيه إيحاءات جنسية.
أما البذيء: الذي يقول ألفاظ مقرفة.
من يقول هذه الألفاظ هل يعتبر كافر؟ لا ليس كافر، ولكن ليس المؤمن إيماناً كاملاً من تخرج منه هذه الألفاظ، هذا يطعن في كمال الإيمان، وهذا يعرّض الإنسان لبغض الله له.
عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ أنه قال (ما من شيءٍ أثقلُ في ميزانِ المؤمنِ يومَ القيامةِ من خُلقٍ حسنٍ وإنَّ اللهَ يُبغضُ الفاحشَ البذيءَ). وعن أبي داود عن عائشة رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه قال (إنَّ اللهَ تعالى يُبغِضُ الفاحِشَ المُتفَحِّشَ) أي ناس ألفاظهم قذرة، ولكن هناك من يظن أن الشتائم شطارة، ودليل على الرجولة! وهذا نقص في الشخصية وعقد نفسية، فيكثر الشتائم بين المراهقين وكذلك التدخين، ظناً منهم أنها دليل الرجولة! وهي ليست من الرجولة بالعكس! والله يحمي أُذن المؤمن، فقال (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) استثنى الله من ظُلم، لكن لا يجب التوسع في هذا، لأن كل واحد يظن أنه مظلوم يشتم مَن ظلمه، لأنه يعتبر ظالماً! وبالتأكيد غير مقصود أن ﷲ يجب أن يجهر المظلوم بالسوء، الله لا يحب أن يسمع السوء ممن ظُلم، لكنه استثناه من البغض، فلا يبغض من ظُلِم ورد الشتيمة للظالم، وكذلك في حالة التقاضي أو الشهادة مستثنى كذلك، مثلاً شاهد في محكمة سيضطر إلى أن يغتاب المتهم ليقول الحق، فيقول عن شخص أنه لص، وورد في ذلك حديث يجيز الكلام عن شخص بنية قول الحق، قال ﷺ (مَطْلُ الغنيّ ظلم يُحِل ماله وعقوبته) وفي رواية (ليُّ الواجد ظلمٌ يحِل عرضه وعقوبته) ما معنى مطل الغني؟! يعني الغني الذي عليه دفع مال ويماطل، لايريد دفع الدَّين، وهذا ظلم يحِل ماله، ويُعاقب أي يُؤخذ منه المال، حتى يُرد إلى أصحابه.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Dec, 13:14


فيديو ٨٦٧ من مقاطع #حظر_التجول #تدبر سورة النساء حلقة ٥٤ الآيات ١٤٨-١٥٢

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Dec, 13:13


https://www.youtube.com/live/wb-R3FJ-Osg?si=OAx45N1XsiBXL__J

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

25 Dec, 10:40


(مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (١٤٧) إن المطلوب من الإنسان أن لا يكفر، أن لا يكفر الكفر بنوعيه، وقلنا إن هناك كفر بالله وكفر بالنعمة، الكفر بالنعمة يُمسح بالشكر، والكفر بالله يُمسح بالإيمان. لكن العجيب أن الله قدم الشكر على الإيمان، فقال (إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ) وليس إن آمنتم وشكرتم، لم يصل المفسرون فيها إلى رأي يتفقون عليه، وقد ورد فيها كلام كثير، منها أنه تقديم وتأخير، فالمقصود هو إن آمنتم وشكرتم، لأن الإيمان مقدم على الشكر في كل شيء، لكن ما الدليل على أن هناك تقديماً وتأخيراً؟! عندما نتدبر أكثر نجد أن نعم ﷲ تنقسم إلى: نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد. ركز هنا: نحن نتدبر ِلمَ قدم الله الشكر على الإيمان، وقال إن شكرتم وآمنتم وليس إن آمنتم وشكرتم؟ قلنا إننا نشكر على النعمة، والنعمة نوعان، أول نعمة: هي أن ﷲ أوجدك من العدم، ثم تأتي نعمة الإمداد: أي أنه أمدك بالمال وبالصحة، وبالنعم كلها التي قد أنعمها عليك وأغرقك بها، ومن ضمن النعم، بل وأول النعم وأهمها التي أمدك ﷲ بها، هي نعمة الإيمان، بالتالي الإيمان هو أول نعم الإمداد، لكن سبقته نعمة الإيجاد، فصحيح أن الإنسان لن يشكر ﷲ على نعمة الإيجاد، إلا إذا آمن بالله أولاً، ولكن ترتيب النعم من ﷲ يأتي الإيجاد أولا ثم الإيمان (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ) والواو على كل حال لا تدل على الترتيب، لأنها ليست ثم، فلم يقل -سبحانه- شكرتم ثم آمنتم. وعلى فرض أننا نتدبر، لماذا ذكر الشكر قبل الإيمان؟ فقلنا الشكر يكون على النعم وأول نعمة هي نغمة الإيجاد، ثم يليها نعمة الإمداد، وأولها نعمة الإيمان (وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (١٤٧) لماذا هذا الاسم؟ الله -سبحانه- يذكر نعمه علينا، ويقول إن ما ينجي الإنسان هو أن يشكر ﷲ، فما ينجي الإنسان من العذاب هو شكر الله (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ) فلماذا يذكر اسمه الشاكر؟ (وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) الإنسان يشكر الله، وليس أن الله هو الذي يشكر، ولكن من أسماء الله الشاكر فالله -سبحانه- يشكر الناس على أعمالهم ويكافئهم، أي أن الله يقول أنك من المفروض أن تشكر الله، فعلى ماذا تتكبر؟! إن كان الله بعزته وجلاله شاكراً، يشكر الناس على أعمالهم، فتأسى بالله سبحانه وتعالى، وكن شاكراً أنت أيضاً. تخلقوا بصفات ﷲ -سبحانه- وتعالى، عنده أسماء تسمى بأسماء الجمال، منها الشاكر والشكور والغفور والرحيم، تخلقوا بهذه الصفات عندما تشكر أنت، وترحم وتغفر، فأنت تتخلق بصفات ﷲ.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

25 Dec, 10:40


فلماذا يميل المسلم للكفار بدلاً عن المسلمين؟! (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (١٣٩) فبدلاً من أن يطلب الإنسان العزة عند الكفار، ماذا يفعل؟! يعتصم بالله (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ) يتوقفون عن طلب العزة عند الكفار، فالعزة عند العزيز مصدر العز الحقيقي، فليتوبوا ويصلحوا ما أفسدوا، ويعتصموا بالله، وأن يتوقفوا عن الرياء أيضاً (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) هكذا يصبح الدين خالصاً لله والنية سليمة، أهم خصلة عند المنافق أنه يرائي، يقول سبحانه (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ …(النساء ١٤٢) يجب أن يتوقفوا عن الرياء، وأن يشحنوا أنفسهم بالإخلاص لله (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) ينتمي إلى المؤمنين مجدداً، ويعامل كمؤمن بشكلٍ طبيعي جداً. حاطب بن أبي بلتعة، الذي قال عنه سيدنا عمر لقد نافق الرجل، بعد فتح مكة حمل خطاب النبي ﷺ للمقوقس في مصر، أي أن النبي عاد إلى الاعتماد عليه تماماً، فقد كان خطأً منه، وتاب عنه تماماً، فهو لم يكن منافقاً، وقد وقع في ذنب كبير جداً فيه خصلة من خصال النفاق. وبعد أن تاب عامله النبي معاملة طبيعية، وكان أحد سفراء النبي ﷺ للملوك، بل أحد أهم الملوك المقوقس الذي كان يحكم نيابة عن هرقل الروم (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (١٤٦) المؤمن عندما يتوب عن أي خصلة من خصال النفاق، يحول الله سيئاته لحسنات، ويعطيه أجراً عظيماً جداً، فباب التوبة مفتوح، ولا بد أن يكون مقابل الدرك الأسفل من النار لا بد أن يكون هناك أجر عظيم، فهو إن كان منافقاً فسيدخل في الدرك الأسفل من النار، فإذن لو تاب فسيقابله أجر عظيم (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (١٤٦) هذا يعيدنا للآية ١٤٥ التي لم نذكرها (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّار وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥) فإذا تاب الإنسان غفرت له كل ذنوبه، وتحولت إلى حسنات، مقابل الدرك الأسفل من النار لو كان مات على النفاق. (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (١٤٦) هل يعقل بعد كل هذا أن يؤتيه الله أجراً عظيماً؟! وبعد أن يقوم المسلم بأعمال النفاق، ويتسبب بالضرر للناس، ويتسبب بالضرر للمجتمع، هل يعقل أنه لو تاب أن الله لن يعذبه؟! هل هذا كلام منطقي؟! نعم منطقي جداً. استفهام تعجبي لماذا تستغرب!

(مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (١٤٧)

استفهام تعجبي، هدفه تأكيد أن ﷲ لم يخلق الخلق كي يعذبهم، لماذا تظن أن الله يريد تعذيب الناس؟! (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ) ماذا يستفيد الله من أن يعذبكم، طالما أنكم تشكرونه وتؤمنون به! كلام يخاطب العقل بالمنطق. الإنسان الذي يعاقب خصمه، لماذا يعاقبه؟! يعاقبه بسبب إيقاعه الضرر عليه، فعندما يعاقبه عقاباً شديداً فهو يريد أن يرد الضرر بضر! هل يستطيع أحد أن يضر الله عز وجل؟! لا يستطيع مخلوق أن يضر الله، فماذا يستفيد الله عندما يعاقبنا؟! (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (١٤٧) ستقول، فلماذا يعاقب المخطئ أصلاً؟! لإن الله يضع عقوبات ليحمينا من بعضنا البعض، مثلاً الله حرم القتل، هل لأنه يخاف أن يقتله أحد!! بل لأنه يريد أن يمتنع الناس من أن يقتل بعضهم البعض، فوضع عقوبة للقتل. لماذا حرم السرقة؟ هل لأنه يريد أن يمنع اللصوص من سرقته؟! لا يستطيع أحد أن يسرق شيئاً من الله طبعاً، ولا أن يضر الله -سبحانه- أصلاً! ولكن يضع عقوبة للسارق كي يحمي الناس من بعضها البعض. لكن المعاصي التي بين العبد، وبين ﷲ إذا تاب منها، فلا يعاقبه ﷲ.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

25 Dec, 10:40


٥٣

الآيات السابقة بينت لنا خطورة المنافقين، ولكن في الآيات القادمة سنشعر بأن القرآن يحذرنا كمؤمنين من أن نقع نحن في النفاق:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (١٤٤)

أول خطوة من خطوات النفاق، هي أن يفضّل المؤمن الكافر على المؤمن في القرابة، وفي القرب منه والتحالف معه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) فلان يلي علان، أي أنه بجانبه دائماً، إذن التحذير: لا تتقربوا من الكافرين أكثر من المؤمنين، اجعل دائمًا أقرب الناس لك من المؤمنين، من تأتمنه على سرك وعلى مالك وعلى نفسك، يجب يكون إنساناً تقياً مؤمناً وليس فقط مسلماً. لا تنخدع بالناس بسبب أنهم مسلمون فقط، وكذلك لا تضع يدك بيد الكافر ثم تلوم نفسك بعدها. أحد الصحابة وهو حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- أرسل خطاباً لقريش فيه تحذير بأن النبي ﷺ يعد جيشاً لفتح مكة، ونزل الوحي بالخبر للنبي ﷺ، فأرسل الزبير بن العوام وعلي بن أبي طالب بسرعة، ودلهم على المرأة التي تحمل الخطاب، ولحقاها في الطريق بين المدينة ومكة، فطلب منها سيدنا علي بن أبي طالب أن تعطيهم الخطاب، فقالت ليس معي شيء. فقال لها: إما أن تخرجي الخطاب أو لأكشفنك -أي سينزع لباسها ليجد الخطاب- وهذا يعتبر أمناً قومياً، فالعمل جائز في حالة وجود خطر على الأمن، هناك أشياء يجوز القيام بها للحفاظ على أمن الجميع. فأخرجت الخطاب من ظفائرها. فأمر النبي بإحضار حاطب، وقال النبي ﷺ له: ما حملك على هذا يا حاطب؟! فقال: يا رسول ﷲ، والله إني لمؤمن بالله ورسوله، وما تغيرت وما بدلت، ولكني امرء ليس لي في القوم أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليهم. يعني أنا لست مثلكم، ليس لي قوم ولا عشيرة يحمونني، فأحببت أن يكون لي فضل عندهم، فحدثتني نفسي بأن أخدمهم خدمة يذكروني بها، فلا يضروا أهلي. فقال عمر بن الخطاب: دعني أضرب عنقه يا رسول ﷲ فقد نافق، أي أنه نافق وكفر؛ لأنه خان الأمة. فقال النبي ﷺ: لا يا عمر، لعل ﷲ قد اطلع على أهل بدر، فقال اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم، فأنزل ﷲ -سبحانه- الآية الأولى في سورة الممتحنة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ (١) قد يوشك الإنسان أن يقع في النفاق، فأول شيء يجب أن يبتعد الإنسان عنه هو أن يتخذ أعداء الله أولياء من دون المؤمنين، وإلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (١٤٤) لو قام المسلم بهذا العمل، فقد أدخل نفسه بدون شك في طائفة المنافقين، ووضع نفسه تحت طائلة العقوبات الشديدة من ﷲ للمنافقين، لكن الحمد لله باب التوبة مفتوح (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (١٤٦) إذا وقع الإنسان في خصلة من النفاق ثم تاب، تاب ﷲ عليه، والتوبة تكون بالآتي (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) تابوا عن العمل الذي أوقعهم في النفاق، فيتوقفون عنه، وينوون عدم العودة إليه، ويندمون عليه ويستغفرون ﷲ. إذن التوبة لها أركان:
أولاً: الإقلاع، فإذا نوى أحدهم عدم شرب الخمر، يجب أن يتوقف عن شرب الخمر فوراً، فهل يعقل أن يتوب عن شرب الخمر، وهو مستمر بالشرب؟! بل يجب أولاً أن يتوقف عن شرب الخمر، فأول ركن الإقلاع.
ثانياً: النية الصادقة على عدم العودة، العزم على عدم العودة، حتى لو عاد فيتوب مجدداً، ولكن المهم أنه عندما يتوب أن تكون نيته صادقة أنه لن يعود، حتى لو عاد مئة مرة، يتوب مئة مرة! لكن أهم شيء أن تكون النية صادقة.
ثالثاً: الندم، أن يكون نادماً لا أن يتذكر أيام المعصية بالشوق والحنين، بل أن يندم على هذه المعصية ويستغفر الله. ولو أفسد هذا العمل شيئاً فلا بد أن يصلح ما أفسده (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا) أي أصلحوا ما أفسدوه.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

25 Dec, 10:40


فيديو ٨٦٦ من مقاطع #حظر_التجول #تدبر سورة النساء حلقة ٥٣ الآيات ١٤٤-١٤٧

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

25 Dec, 10:39


https://www.youtube.com/live/Ca27eVUIg_M?si=EI1FZ2mC_NeJOLnM

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

24 Dec, 05:53


والخيانة وإخلاف الوعد (وإذا ائتمن خان وإذا وعد أخلف) معصية ناتجة عن شهوة حب الدنيا، حب الماديات والمناصب، فيخون لأن الماديات عنده أهم من الأمانة! والفُجر في الخصام معصية ناتجة عن شهوة الانتقام، فينتقم بقدر أكبر من الضرر الذي وقع عليه، لأن شهوة الانتقام أصبحت عنده أهم من العدل والقسط في معاملة الناس، في سورة النحل (وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُوا۟ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ وَلَئن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَیۡرࣱ لِّلصَّـٰبِرِینَ (١٢٦) إن صفعك أحدهم تصفعه، وإن ضربك بقبضته تضربه بقبضتك، ولكن الفُجر في الخصام، أن شهوة الانتقام غلبت على أهمية العدل في معاملة الناس. يمكن أن يكون في الشخص كل هذه الصفات، فيكون منافقا خالصاً، ومع ذلك هو مؤمن بوجود ﷲ، فيذكر ﷲ من آن لآخر، لكي يريح ضميره ويخدع نفسه، ويظن أنه بهذا القدر القليل من الذكر فإن الله سيغفر له، فهو يعرف أنه كاذب وأنه خائن وأنه يخلف الوعد، وهو يعرف أنه يفجر في الخصام، ولكن من آن لآخر يستغفر الله، ويكون فرحاً جداً أنه قام بهذا، سعيد أنه ذكر الله، ويخدع نفسه! ولكن لا يهمه حقوق الناس الذين ظلمها هؤلاء كلهم. لماذا إذن؟! (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (١٤٣) الذبذبة هي صوت الشيء المعلق الذي يتحرك بحركة اهتزازية يسمى ذبذبات، فهو اصطلاحاً صوت الشيء الذي يذهب ويرجع، لذلك سمي الذباب ذباباً، لأنك تذبه فيطير ويرجع مجدداً على نفس المكان. فهم مذبذبون ذاهبون وعائدون بين الكفار والمؤمنين (لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ) لا يعلنون كفرهم كالكفار فيصبحوا كفاراً، ولا هم مؤمنون بقلوبهم كالمؤمنين فيكونوا مؤمنين (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (١٤٣) حكم الله -سبحانه- على فئة المنافقين بالضلال، لكنه ترك في يد كل شخص أن يجعل نفسه من المنافقين، أو أن يخرج نفسه منهم ويضع نفسه مع المؤمنين، فمن يجعل نفسه من المنافقين، فقد دخل في الطائفة التي حكم ﷲ عليها بالضلال، وهؤلاء لن تجد لهم سبيلاً، ولا طريق لهم للنجاة. رزقني ﷲ وإياكم الإخلاص، وأعاذني ﷲ وإياكم من النفاق، لأن النفاق سيصيبنا جميعاً شيء منها. خصال المنافق يجب أن ينظر المرء إلى نفسه، ويطلب النصيحة من أصدقائه وأحبابه، ويسمعهم دون أن يحزن، يرى ما هي العيوب التي فيه! وإذا وجد في نفسه خصلة من خصال المنافق، أن يأخذ الموضوع بجدية بالغة، ويتعامل معه بجدية.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

24 Dec, 05:53


لماذا يقومون من الأساس؟! (يُرَاءُونَ النَّاسَ) لكي يراهم الناس وهم يصلون، مشهد من مشاهد التمثيلية، وجزء من الخدعة، قال رسول الله ﷺ (إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم الشِّركُ الأصْغَرُ، قالوا: وما الشِّركُ الأصْغَرُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: الرِّياءُ؛ يقولُ اللهُ -عزَّ وجلَّ- لهم يومَ القِيامةِ إذا جُزِيَ الناسُ بأعمالِهم: اذْهَبوا إلى الذين كنتُم تُراؤون في الدُّنيا، فانظُروا هل تَجِدون عِندَهُم جزاءً؟!) الرسول ﷺ يقول إن أكثر شيء يخاف علينا منه هو الرياء، والرياء نوع من الشرك الأصغر. أن يعمل الإنسان أعمالاً لكي يُعجَبُ الناس به. فيقول الله -عز وجل- للإنسان، اذهب لمن كنت تقوم بأعمالك أمامه لكي تعجبه، انظر إن كان سيجازيك، أما أنا لن أجازيك. إذن الرياء شرك، ولن يسلم منه أحد منا فاحذروا. لذلك أنصح بدورة التربية الروحية، لأنها تُصحح الرياء، والتربية التي تحمي الإنسان من الرياء تكون بالمواظبة على أداء النوافل والسنن سراً، فالتحدي الذي يواجهك هو أن تحسن من نفسك ومن أخلاقك، وهذا لن يحصل إلا بشيئين:
١- أن تدرك عيوبك
٢- أن تعمل على إصلاحها
تدرك عيوبك، بأن تسمع نصيحة الناس من أحبابك ومن أعدائك، ستجد في كلامهم عيوباً حقيقية فيك، حتى لو لم يكن كل كلامهم صحيحاً، فستجد بعض كلامهم فعلاً مفيداً لك. فتحاول أن تدرك عيوبك بأن تستمع إلى نصائح أحبابك، وتستفيد من شتائم أعدائك، مثلاً عدوك يقول لك أنت بخيل أو شديد البخل، فربما أنت فيك بخل فعلاً، قبل أن تشتمه وتتسرع فكر وابدأ بالعمل على نفسك، وابدأ بالعمل على ترويض نفسك لإصلاح العيوب، بأن تقوم بعمل يخالف عيبك، وتبالغ فيه قليلاً، إلى أن ترتد نفسك إلى الحالة الطبيعية. مثلاً عرفت وأدركت أنك بخيل، فتبالغ في الإنفاق، حتى ترد نفسك إلى معدل الإنفاق الطبيعي، ولكن تعوّد نفسك على استطاعتك على الإنفاق. كذلك لو أدركت أنك مُرائي، وتحب أن تقوم بالعمل الصالح لكي يراك الناس، وهذا من صفات المنافقين، فتقوم بالأعمال الصالحة سراً، مثلاً تنوي الصيام، ولاتقول أنا صائم، ولن يعرف أحد أنك صائم، وعندما يزل لسانك وتخبر الناس بأنك صائم، اعتبر نفسك أفطرت، ونصيحة مني لك أمسك كأساً من الماء واشربه وأبطل صيامك، حتى لو تبقى للمغرب نصف ساعة، لكي تربي نفسك، فعندما تصوم المرة القادمة يكون صيامك لله وليس للناس! فتصوم صيام النافلة، دون أن ترسل الرسالة في مجموعات الواتساب، تذكرهم أن غداً الاثنين والسنة أن نصوم، لا يوجد داع لهذا العمل، صُم ولا تقل لأحد، الناس يعرفون أن غداً الاثنين، ويعرفون أن من السنّة صيام الاثنين لأنك لو أرسلت الرسالة فإنهم سيفترضون أنك صائم. إنوِ الصيام دون أن يعرف أحد. فإذا أعطاك أحدهم قطعة من الشوكولاتة، ستجد نفسك تريد أن تقول له شكراً أنا صائم، لأن اليوم الاثنين، وأبونا ربانا على هذا، فتذكر أنك صائم صيام سرياً هذه المرة، لن تقول لأي مخلوق، فقل له شكراً، فإذا أصر بأن تتذوق قطعة، أخبره أنك لا تستطيع، وأنت فعلاً لا تستطيع لأنك صائم، أخبره أنك ستأخذها ثم تأكلها لاحقاً، لأول مرة تصوم لله وليس للناس. وهكذا في النوافل كلها، قُم الليل دون أن تخبر أحداً، صلِ المغرب في الجامع دون أن تصلي السُنة، وصلِها في غرفتك في البيت، بينك وبين ﷲ، هل تستطيع عمل هذا؟! فعندما تقوم من المسجد دون أن تصلي السنة، ستجد الناس ينظرون إليك بنظرة استغراب، فتسمع صوتاً يقول لك ارجع بسرعة وصل ركعتين، أفضل من أن يظن الأخوة أنك لم تعد تصلي السنة! من يقول لك هذا هو الشيطان، والشيطان يحب أن تصلي كي ترائي، إياك أن تظن أن الشيطان يكره أن تصلي، هو يكره أن تصلي بصدق وإخلاص وخشوع، ولكنه يحب أن ترائي الناس حتى في الصلاة! (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (١٤٢) قالوا إنهم لا يذكرون ﷲ إلا قليلاً، أي بالقدر الذي يطلع عليه الناس، أي سأصلي وأنا في المسجد، فيبدأ في الصلاة والناس كلها تشاهده، ولكنه لا يسبح في سجود ولا ركوع، ولا هو مؤمن أصلاً بالله، فالعملية كلها بالقدر الصغير الذي يذكر فيه الله، والقدر الذي يراه الناس. لكن بصراحة هذا التفسير فيه تسطيح للمسألة قليلاً، وفيه تسطيح لفهم النفاق، فنحن هكذا افترضنا أن كل المنافقين على درجة واحدة من النفاق، وهذا غير صحيح، هناك منهم من هو مؤمن بالله لكنه لا يستطيع التغلب على شهواته، التي تجعله إذا حدث كذب، وإذا ائتمن خان، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر. ومنهم غير المؤمن بالله، فهم على درجات في النفاق. فهذه الصفات الأربعة عند المنافق ناتجة عن شهوات، فالكذب معصية ناتجة عن أي شهوة؟! شهوة كره الظهور بمظهر المخطئ، فالإنسان يكذب إذا سألت من كسر هذا؟! يقول أنا لم أكسره، كي لا يبدو بمظهر الخاطئ!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

24 Dec, 05:53


وهم يمشون تهنئهم الملائكة (بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) قبل أن يدخلوا الجنة تهنئهم الملائكة، مبارك لكم اليوم، أنتم فزتم بالفوز العظيم، ستدخلون جنات عالية على روابي وجبال، وسترون الأنهار وهي تجري من تحتكم في الوديان، خالدين فيها وليست مؤقتة كالدنيا (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ) المنافقون كانوا يمشون مع المؤمنين، ويظنون أنهم قد خدعوا الله وسيذهبون إلى الجنة (انْظُرُونَا) أي انتظرونا (نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) عندما يتعطل ضوء السيارة في الظلام، تنتظر مرور سيارة مع ضوء، فتسير ورائها وتستعين بنورها، فالمنافقون يقولون للمؤمنين امشوا ببطئ، لأننا نمشي وراءكم نقتبس من نوركم (قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا) وما أن يلتفتوا ليروا من أين يلتمسون النور (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (١٣) سوراً ينزل فوراً ليفصل بينهم، الدنيا ظلام ونزل بينهم سور (يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ -أين أنتم؟ أين ذهبتم ألم نكن معاً؟!- قَالُوا بَلَى -نعم كنا معاً ليس على الصراط فقط، ولكن في الدنيا أيضاً- وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ -في الدنيا- وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (١٤) في هذا اليوم المنافقين والمنافقات الذين ادعوا الإسلام، ولكنهم في الحقيقة حاربوا الإسلام وكرهوا الإسلام، وكانوا في الطابور الخامس داخل الأمة، ليس لديهم نور ينير أمامهم ولا في أيديهم، وكذلك ينزل سور يفصل بينهم وبين المؤمنين، فيشعرون بالرعب الشديد (قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا) لم يقل الله -سبحانه- من قال هذا، فليس بالضرورة أن يكون المؤمنون هم من قالوا ذلك، والغالب أن هذا قول الملائكة (قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا) يقصد عودوا إلى الدنيا فأتوا بنور منها، اذهبوا فأقروا القرآن بتدبر واعملوا الصالحات وتصّدقوا! ومن لم يأت بنور من الدنيا لن يكون معه نور في الآخرة من الآخر. فعندما ينادون المؤمنين (يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) سينادون على المؤمنين من خلف السور (يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) لاحظ الالتفات في أزمنة الأفعال (يُنَادُونَهُمْ) مضارع لكي يستحضر المشهد، وكأنه يحصل أمامك مع أن الفعل الذي سبقه فعل ماض، والذي بعده سيعود إلى الماضي أيضاً (يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) وكأنك تراهم وهم ينادونهم، ألم نكن سوية؟! ما الذي حدث؟! (قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ -في الدنيا- وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ -في الدنيا- وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (١٤)

نعود إلى سورة النساء ١٤٢، كل هذا لنفهم ماذا يعني يخادعون الله وهو خادعهم (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (١٤٢)
(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) فهمنا أن الله لا يخدع الناس ليدخلهم النار، ولكن الجزاء من جنس العمل، شخص مخادع أراد أن يخدع الله، فيدعه الله ليخدع نفسه (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (١٤٢) هؤلاء المنافقين يظهرون بمظهر المسلمين، وكانوا يقفون في الصفوف الأولى من الجماعة، لأن هذا جزء من الخداع، ولكن في داخلهم عندما يقومون للصلاة يقومون وهم كسالى، فالإنسان يتكاسل عن الشيء الذي لا يريد أنه يعمله، فتجده لا يقوم لصلاة الفجر، ويقول لك أن وقت الصلاة الساعة ٤ صباحاً، من الصعب جداً أن أقوم من النوم وأنا متعب جداً. ولكن لو كان عنده موعد طائرة الساعة ٤ الصبح فلن تفوته، لن يتكاسل عن السفر؛ لأنه يريد أن يسافر ويشعر بالحاجة إلى السفر، لكنه لا يشعر بالحاجة إلى الصلاة، فيتكاسل عن الصلاة (وإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

24 Dec, 05:53


٥٢

المنافقون رغم خطورتهم على المجتمع الإسلامي، لأنهم لا يظهرون أمام الناس، لكنهم في حقيقة الأمر يخسرون خسارة كبيرة جداً (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (١٤٢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (١٤٣) لكي نفهم معنى تعبير (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) لا بدّ أن نرجع إلى الآية ٨ و ٩ في سورة البقرة (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ -منافقين- (٨) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٩) وفي قراءة (وَمَا يَخْادَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) أي أنهم يحاولون أن يخدعوا الله، ويخدعوا المؤمنين (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا) يمكن أن يخدعوا المؤمنين، لكن لا يستطيع أحد أن يخدع الله عز وجل (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ) في آية سورة النساء، أي أنهم يحاولون أن يخدعوا ﷲ والمؤمنين، لكنهم لا يستطيعون أن يخدعوا إلا المؤمنين (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٩) إذن هم يخدعون أنفسهم فقط، ولكنهم لا يشعرون بذلك، عندما يظنون أنهم يخدعون الله، ولكن الله قد كشف خداعهم، فهم بذلك إنما يخدعون أنفسهم فقط، وهذا معنى (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) خادعهم: أي أنه يتركهم ليظنوا أنهم خدعوا المؤمنين والله كاشفهم، فيخدعون أنفسهم. لأنهم ظنوا أنهم عندما يتظاهرون بالإيمان أمام النبي ﷺ وأمام المؤمنين، أنهم خدعوا الله بهذا الشكل، وسيكونون يوم القيامة مع المؤمنين على الصراط، وفجأة ينطفئ النور، ويبقون في الظلام خائفين أن يقعوا من على الصراط، فينادون المؤمنين، انتظرونا نريد أن نمشي وراءكم، ونتبع نوركم نحن لا نملك نوراً، فيقال لهم ارجعوا واحضروا نوراً. فيظنون بأنهم قصدوا أن يرجعوا إلى أول الصراط ويحضروا نوراً من هناك، لكن القصد أن يرجعوا إلى الدنيا ليحضروا نوراً، لأن النور على الصراط هو نور القرآن ونور الهداية في الدنيا. فيظنون أنهم سيجدون النور في بداية الصراط فيلتفتون، وبمجرد أن يلتفتوا ينزل سور يفصل بينهم، من ناحية المؤمنين السور فيه الرحمة، ومن ناحية الكافرين السور مبطن بالعذاب. فهم ظنوا أنفسهم أنهم خدعوا الله جل وعلا عندما بدؤوا الصراط مع المؤمنين، وظنوا أنفسهم سيدخلون معهم الجنة، وفجأةً تنقلب الأمور عليهم، وتظلم الدنيا وينزل سور يفصل بينهم، فمن هو الذي خدع الآخر! هل عرفوا أن يخدعوا الله؟! الله سبحانه هو الذي خدعهم، تركهم يخدعون أنفسهم، ويعتقدون أنهم خدعوا الله وأنه سبحانه لا يعلم حالهم.
في سورة الحديد نرى الخدعة التي حاولوا أن يخدعوا الله بها، وكيف انقلبت عليهم، فخدعهم الله بأن تركهم ليخدعوا نفسهم (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) بين أيدي المؤمنين ضوء مثل ضوء السيارة، الضوء أمامهم ينير لهم وأيديهم اليمين فيها نور، معهم شيء إضافي لينظروا إليه، وأيضاً معهم نور يسير أمامهم (بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) هذا يوم يمشي الناس على الصراط في ظلام دامس، ومن يقع يقع في النار! الآيات القادمة في منتهى البلاغة وقمة في التصوير الفني، الكلمات عبارة عن عدسات، تصور المشهد بكاميرا تصوير (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) هناك نور ينير لهم الطريق أمامهم (وَبِأَيْمَانِهِمْ) وفي أيديهم اليمين ينير لهم، فإذا أرادوا النظر يميناً أو شمالاً يُحركون النور، ويشيرون به ويشاهدون أمامهم. النور الذي ينير أمامهم هو القرآن والوحي الذي اتبعوه في الدنيا، والنور الذي في أيمانهم هو العمل الصالح، هو الكتاب الذي أخذوه باليمين "أصحاب اليمين" الصدقة التي أخرجوها في الدنيا هي ما ينير لهم الصراط يوم القيامة.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

24 Dec, 05:51


فيديو ٨٦٥ من مقاطع #حظر_التجول #تدبر سورة النساء حلقة ٥٢ الآيات ١٤٢-١٤٣

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

24 Dec, 05:51


https://www.youtube.com/live/BqA7Xgd9L6g?si=8nQU_vttLKOKUAUE

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

23 Dec, 09:07


ولكن هل نصر الله -سبحانه وتعالى- السيدة سمية التي عُذِّبت وشُقَّت نصفين في مكة؟! هل نصر الله أصحاب الأخدود، الذين أُلقوا في النار أحياء؟! هل نصر الله السيد المسيح؟! طبعًا عند المسيحيين بأنه صلب، ولكن عندنا أن الله رفعه، ولكن لم يكن للسيد المسيح انتصار مادي، لكن الله نصرهم معنويًّا، أي أنهم انتصروا في معركة المبادئ، وإن لم ينتصروا في المعركة المادية التي تحتاج إلى قوة وعتاد، لم يكن يريد الكفار أن يقتلوا السيدة سمية، وإنما كانوا يريدونها أن تكفر، ولم تكفر ولم تعطهم ما يريدون، والله -سبحانه- نصرها بأن ثبتها على عقيدتها ولم تُهزم. وكذلك أصحاب الأخدود، لم يكن الملك يريدهم أن يموتوا محروقين، كان يريدهم أن يكفروا، فلما هُزم الكافر في معركة العقيدة، ولم تستطع عقيدته أن تهزم عقيدة المؤمن، فلجأ إلى القتل والتعذيب والحرق! فنصرهم ﷲ بأن ثبتهم على الإسلام إلى أن ماتوا، فنالوا ثواب الشهادة، وباء الكافرين بوزر القتل. كذلك هناك بعض الأحداث التي تظهر لنا وكأنها هزائم، ولكن إذا اُستغلت بالطريقة الصحيحة لتصحيح المسار سنفهم أنها كانت نصراً من ﷲ. أنا أرى أن فتح مكة بدأ يوم أُحد؛ لأن هزيمة أُحد الثقيلة علمت المسلمين درساً في أهمية طاعة الرسول ﷺ والالتفاف حول القيادة، وحتى موت أصحاب الأخدود، أعطى المسلمون قوة في التمسك بالحق عبر العصور، ووفاة السيدة سمية كذلك، فنحن دائمًا ما نفخر ونقول، إن أول شهيد في الإسلام امرأة وقفت ضد الكفار وثبتت! فالبعض يراها هزائم من الناحية المادية، ولكنها اُسْتُغِلَّت لرفع معنويات الملايين من الناس فيما بعد، وتحقيق الانتصارات.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

23 Dec, 09:07


ما هي هذه الخصال الأربعة؟ "إذا اؤتمن خان" عندما يؤتمن على أمانة يخونها، ويكذب أكثر مما يصدق، فيغلب عليه الكذب "وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر" لا يحترم عهوده ومواثيقه، يعد ولا يفي بوعده، يعطي موعد الساعة الخامسة، ويحضر في الخامسة والربع، وكلما أعطى موعداً أخلفه، فعندما نقول إذا عاهد غدر، يعني هذا دأبه طول الوقت لا يفي بوعده. "وإذا خاصم فجر" يعني أحياناً يحدث بينه وبين بعض الناس خصومه، لكن هذا لا يبرر أن التخاصم يجعل أحدهما يقتل الآخر، أو يضره ضرراً شديداً جدًا! فمثلًا، جاران يتخاصمان على مكان إيقاف السيارة، فيقوم أحدهما بقتل الآخر، إذا خاصم فجر، يعطي الأمور أكبر من حجمها بشكل مبالغ. أو مشكلة ميراث مثلًا، فيقوم أحدهم بقتل الآخر، هذا يسمى الفُجر في الخصام.
(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيات اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (١٤٠) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (١٤١)

هؤلاء المنافقين لهم وجهان، وكلمة النفاق من النفق، يحفره حيوان اسمه الجربوع، وهو حيوان بين الفأر والأرنب يسمونه بالهامستر، يحفر نفقاً بمخرجين، فإذا أتى الخطر من جهة، يخرج هو من الجهة الأخرى وهكذا. فهؤلاء المنافقون مثل الجربوع، عندهم نفق، من جهة يخرج في وسط المؤمنين ويكون معهم، ومن جهة أخرى يخرج في وسط الكافرين، كما يقال "معهم معهم، عليهم عليهم" وهو ذو الوجهين. يقول سبحانه (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) أي ينتظرون ليروا ماذا سيحصل معكم (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) لو قدر الله لكم النصر يقولون كنا معكم أعطونا جزءاً من الغنائم، يريدون أن يأخذوا من المؤمنين وقت المنفعة (وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ولو أصبح للكافرين نصيب من الغلبة في القتا، يقولون للكافرين نحن الذين منعنا المؤمنين من أن يفتكوا بكم وشتتنا أنظارهم عنكم وحميناكم. فيذهبون للفريق المنتصر ويكلموهم، ويثبتون أنهم معهم (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (١٤١) الله -سبحانه وتعالى- هو الذي سيحكم بين الناس يوم القيامة (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) السبيل يعني الطريق، السبيل إليه مختلفة عن، السبيل عليه، هنا يقول سبحانه (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) وليس إلى المؤمنين، السبيل إليه يعني الطريقة التي نصل له بها ونرافقه، أين السبيل إلى الله؟! أي كيف أصل إليه؟ السبيل عليه يعني الطريقة التي نغلبه بها (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) أي لن يجعل الله سبحانه وسيلة للكافرين ليغلبوا بها المؤمنين يوم القيامة، أي في الحجة يوم القيامة، حجة المؤمن ستكون أقوى من حجة الكافر، والمؤمن هو الفائز يوم القيامة، لذلك قال تعالى (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) لأن هناك من قال إن هذا في الدنيا، وهذا مخالف، لأن الكافرين غلبوا المؤمنين في عدة معارك، فلو قلنا أن (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) في الدنيا فهذا يخالف التاريخ، لأنه قد حدث بعض الانتصارات والغلبة للكافرين على المؤمنين في الدنيا. وهناك آخرون قالوا المعنى أنه في الدنيا لن يغلب الكافرون المؤمنين الصادقين؛ لأن المؤمن إذا كان صادقََا، فوجب أن ينصره الله، لأنه الله قال في سورة غافر (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

23 Dec, 09:07


(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ) أي في القرآن في سورة الأنعام (أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيات اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) قوموا فورًا من المجلس الذي فيه استهزاء، وفيه كفر بآيات ﷲ، ولو استطعت الرد وإفحام الحمار الذي يسخر من كلام الله رُد عليه، فإن لم تستطع الرد لأي سبب فيجب أن تقوم فورًا، وتحمي عينيك وأذنيك، وتحمي قلبك من سماع هذا الكلام المُهلك! هذا الكلام مهلك لمن يقولونه ولمن يسمعونه أيضًا. هناك أناس غريبون جدًا، يسمعون طوال اليوم شبهات ممن يهاجمون الإسلام، ويطلبون لي أن رد على هذه، ورد على تلك! لماذا تسمعون لهم من الأساس؟! هل تعتقدون أنه من السهل عليّ أن أسمع هذه الفيديوهات، وهو يسخر من القرآن؟! صعب جدًّا عليَّ أن أسمع شيئاً كهذا. يجب أن ننزل الله -سبحانه وتعالى- منزلته في قلوبنا (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (١٤٠) لو قبلت أيها المؤمن الجلوس والاستماع للاستهزاء بكلام ﷲ فقد أصبحت منافقاً، وسيجمع الله المنافقين مع الكافرين في جهنم، ولن ينفع المنافق أنه في يوم من الأيام دخل المسجد وصلى، فمثله كمثل الكافر الذي استهزأ يوم القيامة، ومثله كمثل الذي سمع ورضي بالاستهزاء. وهذا يؤسس لحكم خطير، وهو حكم الإقرار، فإذا حدثك شخص على معاصي ارتكبها، وأنت سمعت ورضيت ورأيت بأنها مغامرات عاطفية، بدل أن تسميها باسمها: فساد أخلاقي، زنا، ورأيت أنه شرب مشروبات روحية، بدل أن تسميها باسمها خمراً، فتأخذ أنت وزراً مثله تمامًا، مع أنك لم تعمل هذا، طالما سمعت ورضيت، فكأنك فعلت! بما أنك سمعت ولم تنُكر وتقول اللهم إن هذا منكر لا يرضيك، فكأنك فعلته! فلو عرفت مثلًا أن هناك مذبحة قُتل فيها أبرياء، فسمعت ورضيت لأنك لا تحبهم، ورضيت بسفك دمائهم، تأتي قاتلاً يوم القيامة، قال ﷺ (إذا عُمِلتِ الخطيئةُ في الأرضِ؛ كان من شهِدها فكرِهَها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها، فرضيَها كان كمن شهِدها) عندما تحصل خطيئة في الأرض، وكان الشخص موجوداً، ورآها تحصل أمامه، ولكنه كرهها في قلبه، ولا يستطيع فعل شيء، لأنه يخاف من الضرر، فكأنه غاب عنها. ومن غاب عنها، ولم يكن موجودًا، لكنه كان راضياً وفرحاً بها، فكأنه مع الذين فعلوها. هذا كلام خطير، لكنه منطقي جدًا. فالله -سبحانه وتعالى- لا يضره إذا شرب إنسان الخمر، أو لم يشرب! فلو أن شخصاً لم يشرب لأنه لم يكن موجودًا، فيصبح كأنه شرب، فمن الطبيعي أن يعاقَب على نيته. مثال: شخص ذهب لشرب الخمر، وهو في الطريق تذكر ﷲ، وأنه لا يريد أن يُغضب ﷲ، فاستغفر وعاد إلى البيت صلى ركعتين ولم يشرب. هل مثله كمثل الذي ذهب ليشرب خمراً، فلما وصل إلى مكان بيع الخمر لم يستطع الدخول؛ لأن المكان مزدحم أو مغلق، فعاد إلى البيت وهو حزين أنه لم يدخل ولم يشرب، فهل مثله كمثل الذي اتقى وعاد إلى البيت؟! كلا طبعاً. هكذا فهمنا ماذا تعني (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) من يرضى بالمعصية مثل من ارتكبها (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (١٤٠) لكن أرجو ألا يفهم أحد خطأً، ويظن أن عقوبة الكافر كعقوبة المنافق، بالتأكيد لا، ﷲ سبحانه لا يظلم أحدًا أبداً، كل شخص عقوبته تتناسب مع جريمته، لذلك فالكافر عقابه يوم القيامة أخف من المنافق! بعد ثلاث آيات (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا (١٤٥) المنافق في قاع النار، في أسوأ مكان في النار، أسفل المشركين والكفار والملحدين! والنفاق درجات، والمنافق له عدة خصال، وللأسف الكثير من خصال المنافقين موجودة فينا، هذا لا يعني أننا منافقون، قلنا أن النفاق عملية تحول تحدث بالتدريج، فمن يجد في نفسه خصلة أو خصلتين من النفاق يجب أن يأخذ الأمر بجدية، ويربي نفسه بسرعة، ويقاوم هذه الخصال، ويطردها فورًا. أهم حديث يشرحها هو حديث في أعلى درجات الصحة، حديث متفق عليه، حديث عبد ﷲ بن عمرو، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله ﷺ قال (أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ) من كانت فيه الأربع خصال، كان منافقًا حتى النخاع، ومن كانت فيه خصلة منها يكون فيه خصلة من خصال النفاق، حتى يتركها، فيسلم من النفاق.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

23 Dec, 09:07


٥١

(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيات اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَديثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (١٤٠)

لمن يُوجه هذا الكلام؟! للمؤمنين أم للمنافقين؟! ارجع ثلاث آيات (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْديَهُمْ سَبِيلًا (١٣٧) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٣٨) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (١٣٩) المنافق لا يولد منافقاً، بل هي عملية تحول تحصل لبعض الناس، فيدخل أحدهم للإسلام ظاهريَّا ويُبطن الكفر من أول يوم، وقد يدخل أحدهم الإسلام فعلًا، ولكنه يظل مذبذباً بين الإسلام والكفر، حتى يثبت الكفر في قلبه، ولا يعلن ردته عن الإسلام فيصبح منافقاً. فما الذي يساعد على تثبيت الإنسان المذبذب على الكفر، بدل أن يثبت على الإيمان؟! بمعنى ما هي الأشياء التي تجعل من المسلم منافقاً؟! ما المعين على صناعة المنافق؟! من هذه الأشياء التي تساعد على النفاق:
١- اتخاذ أعداء الإسلام من الكافرين أولياء، فيرى المسلم في التحالف معهم عزة وقوة، بدلًا من التحالف مع المسلمين الذين يعبدون الله عز وجل.
٢- أن يقبل الاستهزاء بالله. لكن هل يوجد من يقبل الاستهزاء بالله؟! نعم، فمن يقبل الاستهزاء بكلام ﷲ فقد قبل الاستهزاء بالله سبحانه وتعالى. وإذا قبل المسلم أن يجلس في مجلس فيه سخرية واستهزاء بآيات القرآن، فهذه ثاني نقطة تجعله منافقاً (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيات اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَديثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (١٤٠)
لنحلل الآية (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ) أي كتاب؟! التوراة أم الإنجيل؟! هنا يكلم الله سبحانه المؤمنين، فيكون المقصود هو القرآن. أي أن الله يقول لهم ويخاطبهم: قلت لكم من قبل، لا تقعدوا مع الذين يستهزؤون بالقرآن، إذن يوجد آيات سابقة لهذه الآية في القرآن، تكلمت في نفس الموضوع، أين هي؟! قبل نزول هذه الآية بعشر سنين، نزلت في سورة الأنعام في مكة، والتي تسمى سورة النِعَم (وإذا رَأَيتَ الذِينَ يَخُوضُونَ في آياتنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في حَديثٍ غَيْرِهِ وإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشيْطَانُ فلا تَقْعُدْ بَعدَ الذِّكرَى مَعَ القومِ الظالِمِينَ (٦٨) الخوض هو المشي في الماء أو في الطين -المشي في شيء مائع- وأصبح المصطلح يستخدم دائمًا في الأشياء الملوثة، فلما ينزل أحد في شيء قذر، يُقال بأنه خاض في المجاري؛ لذلك عندما يتكلم أحد على أحد في غيبته، نقول خاض فيه الكلام، يعني كلام سيئ سواء نميمة أو غيبة أو بهتان. هاتان الآيتين في النساء والأنعام لا يُحذران من الخوض في آيات الله أي الاستهزاء بها، كلا، فالمستهزئ بكلام ﷲ في الأصل كافر، الآيات لا تحذرنا من الاستهزاء، بل تحذر من قبول الاستهزاء. فأنت كمسلم كيف تقعد مع الذين يسخرون من دينك، ومن كلام ربك!
إذا كنت أنا في دولة، تسمح بالاستهزاء بكل شيء ليس فقط بالقرآن، ولو تكلمتُ سأسجن؟! الآية تقول لا تقعد معهم على الأقل، قاطعهم! أنت لا تستطيع إيقاف هذه السخرية، فعلى الأقل قاطعهم وأعرض عنهم. لكن الخطورة أن المسلم يجلس ويستمع للاستهزاء بكلام ﷲ، والله -سبحانه وتعالى- له قدر من الاحترام في قلب الإنسان، فإذا اهتز هذا الاحترام وهذا القدر يُصبح القلب عليلاً مريضاً، وكلما سَمِعَ أكثر وأكثر من هذا الاستهزاء، كلما مرض القلب أكثر وأكثر، ومن ثم يفقد القلب القدرة على المقاومة، ويتمكن منه الكفر والنفاق. وهكذا يصبح منافقاً! فأول مرة لن يعجبه الكلام الذي فيه سخرية من القرآن، ثم سيسكت، وفي النهاية يعجبه الكلام، فيصبح منافقاً.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

23 Dec, 09:05


فيديو ٨٦٤ من مقاطع #حظر_التجول #تدبر سورة النساء حلقة ٥١ الآيات ١٤٠-١٤١

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

23 Dec, 09:05


https://www.youtube.com/live/BrtzOnCOI9I?si=g_Ram0g2iJwZNzrZ

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

22 Dec, 10:54


(لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) هذا يجحد أن يغفر الله لهؤلاء، لأن ليس من سنة ﷲ أبداً أن يغفر لمثل هؤلاء الذين ازدادوا كفراً (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (١٣٧) لأنهم تنقّلوا بين الإيمان والكفر عدة مرات، ثم اختاروا الثبات على الكفر، وكان من الممكن لهم أن يثبتوا على الإيمان، أي أنهم لم يساعدوا أنفسهم، لذلك عندما يكون لدينا مثل هؤلاء الناس المذبذبة ننصحهم بعدم السؤال عن الشبهات، فيسألوني باستمرار أسئلة الشبهات وأجيب عنها! ومشكلتهم أن قلوبهم بحاجة أن تُشحن بالإيمان. كان هناك حالة من الحالات، شخص كان مسلماً، ثم ارتد عن الإسلام، وبقي ملحداً لمدة، من ثم بمتابعة التدبر لأشهر أسلم وعاد إلى الإسلام، قبل أن يُجَاب عن الشبهات عنده، لأن تلك الشبهات لم تكن في الحقيقة هي سبب الردة، لا يوجد أحد يرتد عن الإسلام لأن الرسول ﷺ تزوج السيدة عائشة وهي صغيرة، هذا غير حقيقي وهذه كلها حجج! الكفر والإيمان هو قرار يأخذه الإنسان، ثم يسوق له الأعذار، إذن هم أخذوا القرار للاستمرار على الكفر (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٣٨) هل هذه بشرى؟! كأننا كنا نرى خطوات إنتاج المنافق، لا يوجد شخص يولد منافق، فيظل يتأرجح بين الإيمان والكفر، مذبذب بينهما، وخطأه أنه لا يقوي الإيمان في قلبه، فينتهي به الأمر إلى الاستقرار على الكفر، لكن لا يظهره كي لا يفقد مصالح معينة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، فيصبح منافقاً، يظهر الإيمان ويبطن الكفر داخله، مع الكفار هو كافر، ومع المؤمنين هو مؤمن! فقال الله أنذر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً، لكنه لم يقل أنذر، بل قال بشر! البشرى هي الأخبار الجميلة، وهذا تهكم عليهم، لذلك في ترجمة جسور وضعنا هامشاً يقول، إن هذا تهكم Said in sarcasm (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٣٨) هذه ليست بشرى، هذا خبر سيئ جداً.

(الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (١٣٩)

معظم المنافقين سبب نفاقهم أن لديهم علاقات قوية جداً بالكافرين، لأنهم غير واثقين أن الإسلام سينتصر في النهاية، أو أن الإسلام يحقق لهم العزة! بالتالي العقلية المادية جعلتهم يتخذون الكافرين أولياء -حلفاء- رأينا في سورة الحشر أن المنافقين كانوا على تواصل مع بني النضير دون علم الرسول ﷺ وبعثوا لهم رسالة وحذروهم من قدوم الرسول ﷺ وقالوا لهم اثبتوا، ونحن سنأتي بألفي رجل، ونحارب معكم (وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ) وفي النهاية المنافقين ورطوا اليهود وليس العكس. كان المنافقون على تواصل مع اليهود في المدينة، بل كثير من المنافقين من أصل يهودي، وكانوا يكشفون أسرار النبي ﷺ والصحابة. تخيل الجو الذي كان يعيش فيه الرسول ﷺ عندما كان يرسل النبي ﷺ سرية عسكرية، كان يطلقهم في اتجاه، ثم يفتحون خطاب التعليمات بعد مسير يومين في الصحراء، لكي يعلموا ما هي المهمة المطلوبة منهم. هذا معناه أن الجو في المجتمع المسلم كان غير آمن، بسبب وجود هذا الطابور الخامس، وهم مجموعة من الخونة، لا أحد يعرف من هم، يتواصلون مع زعماء الكفار وأعداء الإسلام، ويكشفون لهم أسرارنا، وهذا أخطر شيء على المسلمين (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (١٣٩) استفهام تعجبي (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) تعجب ممن يترك مصدر العزة وهو العزيز، ويطلب العزة من عند الأذلة الكافرين!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

22 Dec, 10:54


لماذا عندما فصّل الكفر، قدم الكفر بالكتب قبل الكفر بالرسل؟! لأن في الإيمان، آمن الناس بموسى أولاً، ولم يؤمنوا بالتوراة أولاً، رأوا المعجزات فآمنوا بموسى وبصدقه، وبالتالي ترتب على ذلك الإيمان بالتوراة. كذلك المسيحيون، رأوا المسيح ﷺ ومعجزاته شفاء الأبرص والأعمى، ويصنع من الطير على هيئة الطير، فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، فآمنوا بصدق المسيح أولاً، ثم آمنوا بالكتاب الذي معه وهو الإنجيل، لكن في الكفر، من يكفر يكفر بالكتاب أولاً، لأنه لم تعجبه الأوامر والنواهي، فيكفر بالكتاب ثم يكفر بالنبي محمد ﷺ، ملحد مشهور كان متديناً جداً، وكان يريد أن يصبح داعية، وألحد من سنوات. بقي شهور وهو يهاجم الإسلام والقرآن في فيديوهاته، وعندما يتكلم عن النبي يقول ﷺ تلقائياً، وبقي لديه احترام للنبي ﷺ فترة. فالكفر يتم أولاً بالكتاب ثم بالنبي (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (١٣٦) بقيت أفكر مدة من الزمن في الحكمة من جعل الإيمان بالملائكة من أركان الإيمان؟! لماذا بهذه الأهمية؟! الملائكة بالنسبة لنا هم حملة الكتب إلى الرسل، والتركيز عندنا على الرسالة في الكتاب سنة الرسول نفسه، والإله الذي يصفه لنا الكتاب ونعبده، والملائكة التفاصيل ليست من مهمتهم، فوجدتُ أن الإيمان بالله إيمان بالغيب، لأننا لا نرى ﷲ، ولا يمكن أن نثبت وجوده بالحواس الخمسة، وكذلك الملائكة لا يمكن إثبات وجودهم بالحواس الخمس، لأنهم من الغيب، لكن الإيمان بالله أسهل من الإيمان بالملائكة، لأن إثبات وجود ﷲ عقلاً ممكن، والفلاسفة على مر الزمان أثبتوا وجود ﷲ، وسموه السبب الأول، لكن إثبات وجود الملائكة عقلاً غير ممكن، نحن نؤمن بالملائكة لإيماننا بالله، وبصدق القرآن وبصدق النبي ﷺ فنصدق ما قاله لنا الله في القرآن، ونصدق ما قاله لنا الرسول ﷺ في السنة، لذلك نؤمن بالملائكة، لا يمكن أن تجد إنساناً يكفر بالله لكنه يؤمن بالملائكة، بالتالي الإيمان بالملائكة يثبت حقيقة الإيمان بالله وبالكتاب وبالرسول. هل صدقت القرآن، وصدق السنة أم لا؟! هل تصدق الرسول أم لا؟! هو أخبرك أن هناك ملكاً للجبال وملكاً للرياح، والقرآن ذكر الملائكة، إذن هناك ملائكة. ومن يكفر بأركان الإيمان هذه (فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) أي أنه أخذ الطريق الخاطئ، ولن يصل إلى الهداية، هذا كله طريق إلى أين؟! ضلّ عن الطريق، عن السبيل وعن الصراط المستقيم الذي يقود إلى الهداية. فأنت عندما تقول (ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ) فقال الله (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) فهذا الكتاب هو الهدى، فإن حِدت عن هذا الكتاب فمصيرك أن تضل ضلالاً بعيداً. ثم تكلم ﷲ عن نوع آخر، مخاطب أيضاً بخطاب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ)

(إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (١٣٧)

هي طائفة من الناس في قلوبها مرض، مذبذبة بين الإيمان والكفر، يؤمنون ثم يرجعون إلى الكفر، ثم يؤمنون، ثم يعودون إلى الكفر. ما الحل معهم؟! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا) الحل أن يربوا أنفسهم إيمانياً، يستزيدوا باستمرار من الإيمان، إلى أن يثبتوا على الإيمان، التربية الإيمانية التي تقوي الإيمان في القلب، وشحن القلب بالإيمان، الذين في قلوبهم مرض يتأرجحون بين الإيمان والكفر، فهم على أعتاب النفاق. لذلك الآية ١٣٦ التي خاطبت كل هذه الفئات بنفس الكلمات، أسلوب في منتهى العبقرية؛ لأنها خاطبت المؤمنين إيماناً كاملاً، والمؤمنين إيماناً ناقصاً، والمؤمنين إيماناً مذبذباً، الذين يتنقّلون بين الإيمان والكفر، وخاطبت المنافقين أيضاً. لذلك قلت لا تتعجلوا وتنحازوا لتفسير ضد تفسير آخر، قد يكون الجمع بين التفاسير وارد جداً، طالما أنها ليست متضاربة (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا) أي أنهم ثبتوا على الكفر (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (١٣٧) لم يقل ﷲ لن يغفر لهم (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) ﷲ لن يغفر لهم، أي أنه كان من الممكن أن يغفر الله لهم، لكن هو لن يغفر لهم، لكن (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) لتشنيع ما فعلوه، استخدمت لام الجحود، اللام التي تأتي بعد كان (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) لم يكن محمد ليكذب، هذا يجحد الكذب، أي أن الكذب ليس من طبيعة محمد، غير وارد أصلاً، ولا يوجد أي احتمال لحصول هذا، جحد لمبدأ الكذب، لذلك سميت لام الجحود.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

22 Dec, 10:54


إذن الرأي الثالث الخطاب لأهل الكتاب، لكن نداء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) غريب نوعاً ما، لأن الله لا ينادي أهل الكتاب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) لذلك لا أتفق مع هذا الرأي أيضاً. وكذلك وردت قصة غريبة جداً ولكنها صحيحة، وهي أن بعض اليهود أسلموا، منهم عبد الله بن سلام، ويامين بن يامين، وكثير غيرهم من الصحابة، الذين أصلهم من بني قريظة، ومن بني النضير، ذهبوا إلى الرسول ﷺ وقالوا: يا رسول ﷲ، نحن آمنا بك وبالقرآن، وبموسى والتوراة، لكن نريد أن نحتفظ ببعض ما كنا عليه. ما معنى هذا؟! قالوا نحن لا نريد أن نؤمن بعيسى ولا بالإنجيل، لأنهم تربوا من صغرهم على كره السيد المسيح، فاليهودي يتربى من صغره؛ على أن السيد المسيح هو الدجال حاشاه، ولا يحبون الملائكة، فاليهود يكرهون سيدنا جبريل، في سورة البقرة (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) الدين لا يتبع أهواءكم، هذا الكلام يصح عندما تقول لك زوجتك، اشتري لنا طماطم للسلطة، فتذهب وتختار الطماطم الجيدة، ولا تختار الطماطم السيئة، لكن نحن لا نختار طماطم! هذا دين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ) أي أنكم تؤمنون بالله وبمحمد ﷺ والقرآن (وَالْكِتَابِ) والكتاب أي جنس الكتب كلها، ليس كتاباً معيناً (الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) وكل الكتب السابقة (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (١٣٦) فآمن هؤلاء بالفعل وحسن إسلامهم، منهم سيدنا عبد ﷲ بن سلام، ويامين بن يامين، وغيرهم من الصحابة من أصول يهودية، وكانوا من أجلاّء الصحابة. لكن أياً من هذه الآراء هو الصحيح؟! هل يخاطب الله المؤمنين فعلاً؟! أم اليهود الذين آمنوا، لكن إيمانهم غير كامل، لأنهم لا يريدون الإيمان بعيسى عليه السلام؟! أم المنافقون الذين تظاهروا بالإيمان؟! لا تتسرعوا ولا تنحازوا لأي تفسير من التفاسير، قبل أن تروا، هل هذه التفاسير متعارضة أصلاً؟! هي ليست متعارضة، قوة الخطاب القرآني، أنه يخاطب عدة فئات بنفس الكلام، ويكون هذا الخطاب ملائماً لهذه الفئة وتلك، فيخاطب كل فئة بنفس الكلمات، لكن بالرسالة التي تناسبها. بالنسبة للمؤمنين، ما هي المشكلة عندما يقول الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ)؟! هل تحصيل المُحَصل مستحيل؟! هذا الكلام غير صحيح، إذا كان هذا المحصل ليس له نهاية، الله يتكلم عن الإيمان، والإيمان في القلوب ليس له نهاية، وليس له حدود، فالإنسان يستمر بالازدياد من الإيمان، والله خاطب النبي ﷺ في سورة محمد (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (١٩) لكن النبي ﷺ يعلم أنه لا إله إلا ﷲ، ولكن هذا الإيمان لا حدود له، وسيدنا إبراهيم طلب من ﷲ أن يرى كيف يحيي الموتى كي يطمئن قلبه (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قلبي (البقرة ٢٦٠) أي ليزيد الإيمان في قلبه! إذن لا مانع أبداً في أن يكون المؤمنون من ضمن الفئات المخاطبة في هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) خاصة وأن الخطاب في الآية السابقة كان للمؤمنين فعلاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ (١٣٥) وبعدها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (١٣٦) إذن المؤمنين أحد الفئات المخاطبة بهذه الآية. أحياناً الخلاف بين المفسرين يكون خلافاً وهمياً، وآراؤهم يمكن الجمع بينها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) الكتاب أي جنس الكتاب، بمعنى كل الكتب وليس كتاباً معيناً (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (١٣٦)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Nov, 09:31


المثل يقول "القانون لا يحمي المغفلين" أنت غفلت وحُكم عليك، ولم تستطع أن توثق حقك، فلا تنزعج، ولا تجد في نفسك حرجاً من حكم الله، لك أن تنزعج من نفسك فهذا خطؤك أنت، لكن لا بد من الرضا الدائم بحكم ﷲ، يقول سبحانه في سورة المائدة (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠) هل تريدون حكم الجاهلية؟! هل يشرّع الله سبحانه السميع البصير، الذي يبصر كل شيء ويسمع كل شيء، العليم مصدر العلم كله، فعلم الله كامل لا يحتاج إلى تحديث مثل علمنا، الحكيم مصدر الحكمة الذي لا يظلم مثقال ذرة، لا يظلم أي أحد، يشرّع تشريعات، وبعد ذلك تأخذ تشريعات البشر؟! البشر ينسون ويجهلون أشياء، وعندهم شهوات وأهداف ومصالح، أهذا الذي لن يظلمك، والله سبحانه سيظلمك؟! هل سيشرع البشر تشريعات لا تُخطئ؛ والله سبحانه سيُخطئ حاشاه؟! هذا ضد اليقين (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) هذا ضد اليقين بأن ﷲ هو الفتاح الذي يفتح بين الناس، في سورة سبأ (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦) أي أن الله سبحانه هو الذي سيفتح بين الناس بالحق، ويبين لهم ما هو الصح وما الخطأ، كيف؟! سيشرع تشريعات تبين الصواب من الخطأ. لذلك من معاني اسم الله الفتاح، هو المشرّع الذي يشرع، ليعرف الناس الحق من الباطل، ومن أسمائه الحكم، أي أنه يحكم بين الناس، لكن من الذي شرّع؟! اسم الله الفتاح يحمل في طياته معنى التشريع والمشرع، لذلك ترجمتها في جسور The legislator وقد ناقشت الشيخ الددو بهذا، وقد وافقني أن اسم الفتاح هنا بمعنى المشرّع، وهذا المعنى الذي يحمله بهذه الآية خاصة.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Nov, 09:31


بسبب جلوس الرجل على الطريق، احتجاجاً على الأوضاع التي تضره، حرك الماء الراكد، وأعلم الناس بمشكلته، مما ضغط على جاره الظالم فرفع عنه الظلم، هذه الوسائل السلمية التي ليس فيها إراقة دماء جائزة إسلامياً، ولكن ليس معنى أنها جائزة أنها الحل في كل مشكلة، فالشريعة تجيز أشياء لكن ليس بالضرورة أن يكون فيها الحل، قد لا يكون من الحكمة استخدام وسيلة جائزة، ومن يقدر هذه المسألة؟! أولي الأمر هم من يقولون أن نفعل هذا أو لا نفعل، لذلك يجب طاعة أولي الأمر منعاً للفتنة، هذه الوسيلة جائزة شرعاً، لكن ليس بالضرورة أن تناسب كل مكان وكل زمان. لكن بالتأكيد الإسلام لا يطلب من المسلم الخنوع والخضوع والذلة لظالم أبداً، ولكن إذا ثار الناس على ظالم فيجب تجنب الفتنة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) أولي الأمر منكم يعني الذين اخترتموهم ليمثلوكم بحق، هم قيادة جماعية، وليست قيادة فردية، لا يمكن أن تسلم الأمة أمرها لفرد ممكن أن يضيعها، وقد وصف ﷲ المؤمنون في سورة الشورى (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وأمرهم شورى بينهم أي أن هناك مجموعة تستشير وتأخذ القرارات، بل ومن الممكن أن يحدث نزاع بين المؤمنين وبين أولي الأمر، ومنهم الحاكم، فإذا رأى الناس أن أولي الأمر اختاروا رأياً غير صحيح أو غير مناسب للظروف، فمن الممكن أن يجادلوهم فيه (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ -إذا تنازعتم أنتم وأولي الأمر- فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩) وهذه الآية ترد على المَداخِلة، والذين يقولون إنه لا يجوز معارضة الحاكم أبداً، يمكن أن نعارض الحاكم، ونعارض أولي الأمر، لكن كيف نعارضهم هذا هو المهم؟! (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩) من الممكن أن نجادلهم، ونثبت خطأهم من الناحية الشرعية، يعني نقول لهم: نحن نطيعكم طاعة مشروطة، والشرط هو أن تطيعوا ﷲ والرسول ﷺ فإذا استطعنا أن نثبت أنهم خالفوا الشرع، فإما أن يغيروا رأيهم، أو يثبتون لنا أن فهمنا خطأ، وأنهم لم يخالفوا الشرع، هذا الأسلوب الراقي الهادئ السلمي في التنازع، يؤول وينتج عنه الإصلاح، ولا يؤول إلى الفتنة (ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) ينتج عنه شيء جيد وحسن، تأويلاً من المآل. لكن نلاحظ الشرط الذي وُضع (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩) شرط الإيمان هو التحاكم إلى شرع ﷲ، مثلاً: اثنان من المسلمين بينهما خلاف في موضوع، ويعيشان في بلد قانونه يخالف شرع ﷲ، لا يصح لهما كمسلمين أن يحتكما إلا لشرع ﷲ، وعليهما أن يذهبا لحكم ثالث مسلم عنده علم شرعي، ولديه علم في الموضوع محل الخلاف، وليكن موضوعاً تجارياً مثلاً، وهو الذي يحكم بينهما، هذا شرط للإيمان، يقول سبحانه (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) وبعد خمس آيات في الآية ٦٥ من سورة النساء، يقسم الله سبحانه بنفسه (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ -من خلافات- ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥) يقسم الله سبحانه بنفسه (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ) إلا لو ماذا؟! إلا إذا حكّموا الإسلام، وشرع الإسلام القائم على القرآن والسنة، وليس فقط يحكّمون الشرع، بل ويرضون تمام الرضا بحكم شرع ﷲ (يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ -في قلبهم- حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وإلا فلماذا اسمه إسلام إذن؟! لأنه استسلام كامل لشرع ﷲ وحده، نحن نسلم أنفسنا لله (إنَّا لِله) نحن ملكه. وما المشكلة في إنسانٍ يُحكِم الشرع بينه وبين أخيه، وإذا حُكم ضده ينفذ الحكم الشرعي؟ ويدفع الدية أو الغرامة أيّاً كان ما عليه، أو أيا كان الحكم، لكن في داخل نفسه يكون منزعجاً؟! كلا، يصح أيضاً (ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) لماذا إذن؟! لماذا يتضايق هو بعد الحكم؟! لأنه يشعر أن الحكم ليس عادلاً، أو ليس حكيماً، أو ليس صحيحاً، لا يجوز، هذا ليس استسلاماً، وليس إسلاماً، يمكنك أن تتضايق من نفسك لأنك لم تستطع أن تحمي حقوقك، أو توثقها كما قال لك الله، أنت لم تكتب عندما أقرضت الدَين، كما أمرك الله في سورة البقرة الآية ٢٨٣، انزعج وتضايق من نفسك ومن إهمالك، وليس من حكم الله!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Nov, 09:31


٢٨

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩)

هذه أكثر آية يستخدمها الطغاة والحكام الظالمون، ليفرضوا على الناس طاعتهم في كل شيء، حتى في الظلم والباطل، وفيما لا يرضي الله سبحانه، وظهرت طائفة من مدعي العلم الذين استخدموا هذه الآية في تحريم معارضة الحكام، وحرّموا المظاهرات والاعتصامات، الطائفة التي يسموها المَداخِلة، ماذا تقول الآية؟! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) أول مصيبة هي عدم فهم معنى (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) واستخدامها في وصف الحاكم الذي يحكم بلاد المسلمين، الذي يسمونه ولي الأمر، ويقولون ألم يقل الله سبحانه وأطيعوا أولي الأمر! أولاً: تسمية الحاكم ولي الأمر تسمية ليست شرعية، وخطأ من الناحية اللغوية، لأن مفرد أولي الأمر ليست ولي الأمر، فمن الناحية اللغوية وليّ الأمر هو الذي يتولى أمر الضعيف الذي لا يستطيع تولي أمره، بسبب صغر سن أو مرض أو ضعف عقلي أو جسدي، صيغة الجمع لولي الأمر ليست أولي الأمر بل أولياء الأمر، إذن ولي الأمر جمعها أولياء، وليس أولي، وأولي الأمر لم يرد لها مفرد، ومعناها أصحاب الأمر، كما نقول أولي الألباب، أي أصحاب الألباب والعقول، وهي ذوي الألباب، إذن أولي معناها ذوي. أمر الله سبحانه بطاعة ﷲ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ) وأمر بطاعة الرسول ﷺ (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) أفرد سبحانه طاعة لله، وطاعة للرسولﷺ أي أن ﷲ سبحانه مشرّع، والرسول ﷺ مشرّع أيضاً، لا يحتاج النبي ﷺ أن يأتي بدليلٍ من القرآن كي نطيع أوامره، القرآن هو المصدر الأول للتشريع، والسنة هي المصدر الثاني للتشريع، بينما مع أولي الأمر، لم يقل وأطيعوا أولي الأمر منكم، بل قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) لم يقل وأطيعوا أولي الأمر منكم، لم يفرد لهم طاعة خاصة، فطاعة أولي الأمر مشروطة بطاعة الله والنبي ﷺ يعني أطيعوا أولي الأمر، إذا أطاعوا ﷲ ورسوله، وأولي الأمر ومفردها ليس ولي الأمر، ومن الخطأ تسمية الحاكم ولي أمر، لأن ذلك لم يرد أبداً في الإسلام، فالأمر النهائي في الإسلام يجب ألا يكون لفرد واحد، فتكون له طاعة مطلقة، وإلا سيفسد هذا الإنسان، الحكم في الإسلام يكون لأولي الأمر، ومن بينهم الحاكم، أي أن الحاكم يرأس مجموعة للحل والعقد، يعني أهل الحل والعقد في الشريعة، وهم ممثلو الناس والشعب، يمثلون المهندسين والأطباء وكل الناس، هم مجلس النواب المنتخب من أعضاء، عندهم علم بالشرع والسياسة والاقتصاد والاجتماع، وليس بالضرورة أن هذا ينطبق على مجالس النواب هذه الأيام، لكن المهم أن يكونوا منكم (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) أن يمثلوكم فعلاً بحرية. الحاكم يمثل السلطة التنفيذية، وأولي الأمر يستطيعون عزل الحاكم إن مارس الظلم ولم يطع الله ورسوله، وأساء استخدام السلطة والقوة، فمن حق أولي الأمر أن يأمروا الناس، بمعارضته والخروج والتظاهر، وعلى الناس أن يطيعوهم هم، لأن الطاعة لأولي الأمر، لأن أولي الأمر عدد كبير من الفقهاء والعلماء الذين يستطيعون تقدير المصالح والمفاسد. عندما يكون هناك حاكم ظالم، فليس بالضرورة أن الخروج للتظاهر يكون من المصالح، فإذا كان بطريقة عشوائية وغوغائية يمكن أن يكون من المفاسد ويؤدي إلى فتن. وتقدير المصالح والمفاسد يعود إلى علماء وفقهاء وهم ليسوا أصحاب دين فقط، بل أصحاب دين وشرع وسياسة واقتصاد واجتماع، يستطيعون تقدير هذه المسائل. يسأل بعض الناس: هل التظاهر والاعتصام من الشرع؟! نعم، ولكن ليس بغوغائية، يجب أن يكون من يأمر بذلك أولي الأمر أو العلماء، وقد خرج الصحابة بأمر من رسول ﷲ ﷺ عندما جهر بالدعوة في مكة في مظاهرة من صفين، صفٌ يقوده عمر بن الخطاب، وصف يقوده حمزة بن عبد المطلب، إذن المظاهرة لها أصل في الشرع، لكن بنظام وبأمر من قيادة المسلمين، وليس بعشوائية. وبالنسبة للاعتصام (فقد جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ ﷺ يَشكو جارَهُ، فقالَ: اذهَب فاصبِر فأتاهُ مرَّتينِ أو ثلاثًا، في كل مرة كان جاره يسيء إليه ويظلمه ظلماً شديداً، فقالَ النبي: اذهَب فاطرَحْ متاعَكَ في الطَّريقِ -أي أخرج أثاثك وأغراضك للطريق واجلس اعتصم- فطرحَ متاعَهُ في الطَّريقِ، فجعلَ النَّاسُ يَسألونَهُ -لماذا تجلس كذلك- فيُخبِرُهُم خبرَهُ، فجَعلَ النَّاسُ يلعنونَهُ -يلعنون الجار على ما فعل في جاره من ظلم- فعلَ اللَّهُ بِهِ، وفَعلَ -أي أن شهّر به- فجاءَ إليهِ جارُهُ فقالَ لَهُ: ارجِع لا تَرى منِّي شيئًا تَكْرَهُهُ)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Nov, 09:31


فيديو ٨٤١ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة النساء حلقة ٢٨ الآية ٥٩

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Nov, 09:30


https://www.youtube.com/live/AV1Y_IAfGFQ?si=mzriVYSGRIK7HaPi

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

25 Nov, 14:46


وهذا كان دارجًا في ذلك الزمان، أن يضع الناس حاجياتهم عند بعض أمانة، حتى ينتهي من قضاء أموره، ثم يعود ويأخذها، وقد نجد ذلك غريبًا، ولكن عندما نقرأ مثل هذه الأحداث يجب أن نعود إلى ذلك الزمن، ونفهم كيف كان يتعامل الناس في ذلك الوقت! فأمر النبي ﷺ بإحضار طعمة وسأله عن الدروع، فاعترف أنه هو من سرقها، ولكن أهله قالوا إنه أخطأ ولن يعود إلى فعل ذلك، ولا داعي لقطع يده، ونحن نضمن أخلاقه، وأرادوا أن يلصقوا التهمة باليهودي بإدانته وعقابه، فهو يهودي! وطبعًا النبي ﷺ لا يمكن أن يفكر في ذلك، ولكن مع ذلك نزلت الآية ١٠٥ في سورة النساء، تؤكد أن العدل لا يعرف مسلمًا أو غير مسلم (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (النساء ١٠٥) خصيماً أي تخاصم بالنيابة عنهم، أي تدافع عن الخائنين. نرجع إلى الآية ٥٨ (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) هناك آداب للحُكام -القضاة- وهي يجب أن يعدلوا ويساووا بين الناس، حتى لو كانت القضية بين أمير وغفير، فالاثنان وضعهم في المحكمة يكون متساوياً. قال الشافعي رضي الله عنه [ينبغي للقاضي أن يُسَوِّي بين الخصمين في خمسة أشياء: في الدخول عليه، والجلوس بين يديه، والإقبال عليهما، والاستماع منهما، والحكم عليهما] أي أن يدخلوا مع بعض، ويجلسوا في نفس مستوى الجلوس، وليس الغني له كرسي مريح، والخصم فقير يظل واقفاً، الإقبال عليهما، طريقة القاضي في كلامه لهما واحدة، فلا ينادي أحدهم بلقبه مثل: يا دكتور، والآخر باسمه فقط، بل يجب المساواة بالنداء، وإذا نادى أحدهما بالكُنية، فينادي الآخر بالكنية مثله، فلو كان هناك تفريق بالمعاملة في المحكمة، فكيف سيطمئن الناس للعدالة بينهم في المعاملة عند الخصومة! والاستماع منهما، أي يسمح لهما بنفس وقت الكلام، فلا يأخذ أحدهما راحته في الكلام، والآخر يُختصر معه الوقت ولا يُسمع منه، والحكم عليهما طبقاً للشرع. والحُكم ليس بالضرورة أن يكون في الخصومة فقط، بل أيضًا في أمور أخرى كالمباريات أو في سباق رياضي، أو مباراة رياضية، لا يكون فيها الحكم بالشريعة، فهي لعب بين فريقين يلعبان بالكرة، فهو موضوع ليس مهماً إطلاقََا، فهم أحضروا شخصاً وعيّنوه حكماً بينهم، فهو لن يحكم بالشرع، بل سيحكم بقانون الكرة (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) أي سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وفي أي مسألة مهمة أو تافهة، فلا فرق ويجب أن تحكم بالعدل، فالَحَكَم آثم إن لم يحكم بالعدل، حتى لو كانت مسألة في أمر غير مهم من أمور الدنيا، فهذا لا يعطيه الحق أن يتهاون في أمر العدل، لأنه محاسب وقد يدخل النار بسبب هذه السيئة، مع سيئات أخرى قد ترجح كفة الميزان، الآية عامة، والقسط هو الهدف الرئيس عند المسلمين. القسط من كلمة قسطاس Justice أي منتهى العدل. هل هذا الكلام جيد أم سيئ؟! بعض الناس يرون أنه سيئ، وأنه يجب أن يكون هناك مزايا لبعض الفئات في المجتمع، ويجب أن المسلم يُميز عن غير المسلم، والرجل يُميز عن المرأة، والضابط يُميز عن المدني، فالناس مقامات! وهذا كلام فارغ، لأنه في العدالة لا يوجد فرق، والتاريخ الإسلامي مليء بالأحداث التي تدل على العدالة، كقصة المسيحي القبطي -المصري- الذي اقتص من ابن عَمْرُو بن العاص في عهد عمر بن الخطاب، فهذا الخطاب للجميع دون تمييز بين الفئات (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (٥٨) أي نِعْمَ ما يعظكم به ﷲ، أفضل شيء هو ما يعظ الله به الناس (إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) ربك يسمع أنين المظلومين ويرى حال المضطهدين، وأنزل كل الرسل وكل الكتب السماوية من أجل إحلال القسط، في سورة الحديد الآية ٥٢ (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا -كل الرسل- بِالْبَيِّنَاتِ -أي المعجزات- وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ -كل الكتب السماوية- وَالْمِيزَانَ -ميزان الحكمة الذي نفرق به بين الحق والباطل، ثم تأتي لام التعليل- لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) كل ذلك ليُقسط الناس ويعدلون، وهي وسائل سلمية؛ فهل الإسلام دين حرب أم دين سلام؟! الإسلام دين عدل، إذن يجب أن يعدل الناس باستخدام الوسائل السلمية، فإن لم تأت هذه الوسائل بنتيجة، ماذا نفعل؟! (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) فإذا لم يأتِ العدل بالسلم يأتي بالقوة؛ لأن الهدف الأسمى هو إحلال القسط، فلو استبدلنا الطاغوت الكافر، بطاغوت مسلم، نكون قد أضررنا بالإسلام أكبر ضرر، وفتنا الناس عن الإسلام.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

25 Nov, 14:46


النبي ﷺ كان يستأذن زوجته لكي يقوم الليل، لأن هذا الوقت هو حقها. إذن الإنسان له حقوق على نفسه في الراحة والترويح عنها، فإن القلوب تمل، ولا يمكن أن يقرأ القرآن دائماً، فيجب أن يروح عن نفسه، ويخرج مع أهله، ويأكل وينام جيداً. ولكن هناك فرقاً بين الأمانة التي بينك وبين ﷲ، والتي بينك وبين الناس، فإن لم يرد الإنسان الأمانات إلى أهلها، فيكون بذلك ظالماً للناس، لكن لو لم يَرُد لله الأمانة، أي كفر بدلًا من أن يؤمن، وحق ﷲ أن يؤمن الإنسان به، أو لم يُصلِ، أو لم يطع الأوامر، ولم ينتهِ عن النواهي، فالإنسان هنا يكون ظالماً (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤) هل الإنسان يكون ظَلَمَ الله عندما لم يرد حقوق الله؟! كلا بالطبع، فلا أحد يستطيع أن يظلم الله، وهذه الآيتان جاءت مرتين (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (البقرة ٥٧/الأعراف ١٦٠) من يكفر هو ظالم لنفسه وليس ظالم لله، فلو اجتمع الناس على أن يضُروا إنساناً فلن يضروه إلا إذا سمح الله بذلك، فكيف يَضرون الله! إذن هو ظَلَمَ نفسه، وهو الذي أدخل نفسه النار. ودائماً يردني سؤال يستخدمه المروجون للإلحاد، لزعزعة الإيمان في قلوب الشباب، والسؤال هو: هل خلق الناس كي يدخلهم النار؟! ما هذا الإله الذي يخلق الناس، ثم يدخلهم النار؟! والجواب: الله لم يَخْلِق الخَلق ليُدْخِلهم النار، بل ليُدْخِلهم الجنة، ولكن هم من يرفضون، كيف ذلك؟! خلقهم أحرار قادرين على الاختيار، ودلهم على طريق الجنة وطريق النار، ثم حثهم وحفزهم على اختيار ما يُدخل الجنة، ونهاهم وأرهبهم من اختيار ما يدخل النار، وهذه اسمها "الهداية" هداية الله تشبه لوحات الشوارع التي تحمل إرشادات، تدل الناس على الطريق الصحيح، فلو أن الناس لا ينفذون الإرشادات، فإنهم سيضيعون، فلا تلقي اللوم على إدارة المرور، وتقول هل إدارة المرور تعطي الناس رخص قيادة، كي تُضلهم! أنت لم تتبع الهدى، فلا يلومن الإنسان الله عند اختيار الخطأ، ويدخل النار، فهو يعرف جيداً أنه سيدخلها لو سار في هذا الطريق (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (٥٨) تعامل الله مع الأطراف كلها، قال للطرف الذي له الحق، اكتب دَيْنَك قبل أن تقرض الناس، وتثبته بوثائق وإثباتات وشهود تحفظ بها حقك، وأنَزَّلَ الله أطول آية في القرآن لحفظ هذه الحقوق. ثم تعامل مع الشهود وحذرهم من أن يرفضوا أن يشهدوا؛ لأن الشهادة تُعِيد الحقوق لأصحابها، ولكي يُحكم لصاحب الحق (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا (البقرة ٢٨٢) وحذر الكَتَبَة من عدم التعاون في كتابة العقود والديون؛ لأنه في ذلك الوقت كثير من الناس لم يكونوا يعرفون الكتابة، فالناس يحتاجون تعاونًا من الذين يعرفون الكتابة، أما الآن فالعقود مطبوعة وموجودة في المكتبات (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ) الله أعطاك علمًا فلا تبخل به (فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) الذي يُملي هو الذي اقترض (وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) الكاتب والذي يملي الاثنين (وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا..) كأن يستغل الكاتب عدم معرفة الدائن والمدين للكتابة، فيكتب مبلغ أقل مما أُخِذَ لصالح أحد الطرفين، ويبخس الآخر. وكلم الله من عليه الحق، سواء دين أو أمانة (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) وقال (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) من تبقى لم يكلمه الله؟! الحُكَّام أي القضاة، الذين سيحكمون بين الناس عندما يختلفون (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) أول ملاحظة هي”الناس“ كل الناس، بصرف النظر عن الدين، فإن كنا سنحكم بين مسلمين أو بين مسلم وكافر، أو بين اثنين كافرين، فلا فرق في الحكم. وفي نفس السورة في الآية ١٠٥ قال الله (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) كان هناك رجل مسلم اسمه قتادة بن النعمان، سُرِقَ منه أسلحة وطعامًا، ومن سرقها مسلم آخر اسمه طعمة بن أُبَيْرِق، وكان أبوه منافقًا، أما هو فمُخْتَلف فيه، هل تاب قبل أن يموت أم لم يتب، فالمنافق في ذلك الوقت يُنظَر إليه على أنه مسلم، ونحن نتكلم هنا عن مسلمين اثنين، أخفى طعمة عدد من الدروع عند يهودي اسمه زيد بن السمين، وأعطاها إياه أمانة خوفََا من أن يجدوها عنده، ثم وجدوا الدروع في بيت اليهودي، من آثار الدقيق الذي ظهرت آثاره في الأرض، فاليهودي وضح لهم أن الدروع ليست له، وأن رجلًا مسلم اسمه طعمة وضعها عنده أمانة!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

25 Nov, 14:46


٢٧

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا، وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (٥٨)

ما علاقة هذه الآية بما قبلها؟ قال الله عن بني إسرائيل في الآية ٥٣ (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ، فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) أي لو كان لهم سلطة على الناس سيظلمونهم ولن يعطوهم حقوقهم، حتى لو كانت حقوقهم شيء بسيط جداً لا قيمة له، مثل النقير وهي نقطة في نواة التمر، لكن ﷲ سبحانه (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ (٤٠) فعليك أن تَتَخَلَّق بأخلاق ﷲ، واحذر أن تقع فيما وقع فيه بنو إسرائيل من ظُلم للناس، فتأتي الآية (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا، وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (٥٨) ما هي الأمانات؟! هل هي القروض أو الديون؟! القرض ما وُثِّق فهو قرض، ولا يُسَمَى أمانة، لأن المُقْرِض يكون عنده وثائق يثبت بها حقه، أما لو اعتمد على ذمة المقترض ولم يكن عنده وثائق، أي لم يوثق ولم يثبت أن له حق، فهذا يُسَمَى أمانة، أي إن المال المُقتَرض ما يضمنه هو خُلُق الأمانة، فسُمِيَ المال باسم الخُلُق الذي يضمنه. وفي آية الدَيْن أمرنا الله، أن نوثق المعاملات المادية، فالله -سبحانه وتعالى- أنزل في سورة البقرة آية هي أطول آية في القرآن، واسمها آية الدَين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ..(٢٨٢) فالله أمر بكتابة الدَين، وبالإشهاد أي وُجُود شهود يشهدون أن المَدين أخذ منك المال، أو يكونون شاهدوا ذلك بأعينهم ويُشَهِدُهم عليه، وأمرنا الله ألا نَكْسل في توثيق الدَين، حتى لو كان مبلغ بسيطاً (وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا (٢٨٢) آية طويلة جداً، كلها حث على توثيق الديون كي لا تضيع حقوق الناس. لكن لا يمكن توثيق كل دين، فهناك حركة في الحياة تحتاج سرعة، فمثلًا شخص يشتري شيئاً من محل، فيعطي البائع المال ويستلم بضاعته التي اشتراها، الله قال (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا) لا يُعْقَل أن أقف لأشتري كيلو طماطم، وأكتب عقد بيع وشراء، وأُحْضِر شهوداً، هنا تدخل الأمانة. مثال: طفل صغير ذهب ليشتري مثلاً طماطم، فأخذ منه البائع المال، ثم تظاهر بأنه مشغول ليضيع الوقت، ثم عاد إلى الطفل يسأله ماذا ترِيد فيقول له: أعطني الطماطم. فيرد عليه: أعطني المال أولًا. فيقول له: قد أعطيتك، فيُنْكِر البائع ذلك. هنا تدخل الأمانة، إذن الأمانة تدخل في التجارة التي تديرونها بينكم، وغير مكتوبة (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) أعط الناس حاجتهم التي دفعوا ثمنها كاملة، ولا تنقص من الميزان، فالتوثيق مهم لكن وجود الأمانة مهم جداً كي تكون المعاملة المادية سليمة، وأحيانًا تكون المعاملة مُوَثَّقَة، ومع ذلك تحدث خيانة، فالأمانة تدخل في كل شيء، ومن بداية السورة كلها ذكر الأمانة (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) أمانة (وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) أمانة، فأنت وصي على مال اليتيم، فعند إرجاعه له لا تبدله بمالك الخبيث، وتأخذ الطيب (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ) أمانة (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) فالأمانة هي حقوق الغير عندك التي تستطيع أن تردها أو لا تردها. فالقرض الذي فيه توثيق ويجبرك أن ترده بالقانون لا يُعْتَبَر أمانة. والأمانة ليست فقط أموالاً وماديات، بل تشمل تقريباً ٩٠٪ من أحكام الإسلام، ﷲ سبحانه وتعالى له عليك حقوق، فهو خلقك وأوجدك ومنحك وأنعم عليك، فحقه عليك أن تؤمنَ به، وأن تشكرَه وأن تُحِبَه وأن تطيعَه وهذا كله أمانة، فتصبح الصلاة أمانة، والصوم أصبح أمانة، والناس لهم عليك حقوق كحقوق الوالدين وحقوق الزوجة، وحقوق الزوج والأولاد، وحقوق الجار، وحق الحاكم على المحكوم، وحق المحكوم على الحاكم، كل ذلك من الأمانات؛ لأنها في يد الإنسان، فيستطيع أن يؤديها أو لا يؤديها، وليس بالضرورة تكون حقوق مادية، وهناك حقوق لنفسك على نفسك، قال النبي ﷺ لعبد الله بن عمرو، وقد بلغه أنه يقوم الليل كله، ونوى أن يصوم الدهر كله، ويختم القرآن في كل ليلة فقال ﷺ (لا تَفْعَلْ، قُمْ ونَمْ، وصُمْ وأَفْطِرْ، فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

25 Nov, 14:45


فيديو ٨٤٠ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة النساء حلقة ٢٧ الآية ٥٨

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

25 Nov, 14:45


https://www.youtube.com/live/dppU3OIW89g?si=nf6WoqtaIHiHooZU

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

24 Nov, 04:49


(وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا) هل تظنون أن الجنة لا شمس فيها؟! هناك شمس بالتأكيد، ولا يوجد أجمل من نور الشمس، ولكن مشكلته أنه يؤذي، ويمكن أن يسبب ارتفاع حرارة الجلد، في الجنة لا توجد منغصات، ماذا يعني هذا؟! وجود شمس، ونور الشمس، وهناك ظل كثير وافر ليس بظل صغير، الشمس جميلة ومنيرة، لكن حرارتها التي تؤذي غير موجودة، إذن حتى الجوانب السلبية التي توجد في المتع والنعم في الحياة الدنيا غير موجودة في الآخرة، فلا يوجد أي منغصات في الجنة، بعكس الدنيا تمامًا، فالدنيا لا تخلو من المنغصات كي ندخل في الجنة، أليس هذا امتحاننا؟! نحن قدمنا إلى الدنيا كي نُمتَحن، فيأتي شخص ما ويخبرك أنه منزعج جدًا مما يحصل في الدنيا، أنت أتيت للدنيا كي تُمتحن وتنجح في الامتحان، فانجح وتوقف عن الشكوى من الامتحان، فإن وقت الامتحان قد شارف على الانتهاء، جعلني ﷲ وإياكم من أهل الجنة.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

24 Nov, 04:49


قال ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُما: "ليسَ في الجنَّةِ شيءٌ مِمَّا في الدُّنيا إلَّا الأسماءُ" أي إن الله يصف الجنات أي الحدائق ليست كحدائق الدنيا نهائيًا، مختلفة تمامًا، وكذلك الأنهار ليست كأنهار الدنيا، فنحن نعرف أن هناك أنهارًا من ماء، وأنهار من عسل، وأنهار من خمر، حتى أنهار الماء لن تكون كأنهار الماء في الدنيا، وفواكه ليست مثل فواكه الدنيا لدينا، ولحم طير كلها مجرد أسماء لمتع الجنة، لتقريب الصورة إلى ذهن الإنسان، لأن الإنسان لا يفهم إلا ما يعرف، أما حقيقة هذه المتع فسندركها في الجنة إن شاء ﷲ، أنا أريد أن أتوقف عند (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) إن مما يحزن الإنسان مثلًا أن يدخل فندق فخم جدًا، وأن يكون في جناح جميل قمة في المتعة، ولكن هناك ما ينغص عليه وهو أنه سيخرج من الفندق في اليومين القادمين، إن كنت سأبقى في المكان عشرة أيام، أو ثلاثة أيام، ولكن طوال مدّة وجودي، فإن يوم الخروج سيقترب بمرور كل يوم، وفي الجنة حتى هذا القدر البسيط من التنغيص لن يكون موجوداً في الآخرة (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) إلى الأبد!
(جنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) مناظر جميلة، من جنات وحدائق مرتفعة على جبال وأنهار تجري في الوديان، تجري من تحتها، منظر جميل جدًا، وما هي هذه الأنهار؟ أنهار من ماء، وأنهار لبن، وأنهار خمر، من خمر الجنة الذي لا يُسكر ولا يؤلم الرأس، وأنهار من عسل، هذا العسل جزاء من عالج قلبه من أمراض القلوب.
إن تدبر القرآن هذا يعالج قلوبنا من أمراض القلوب، ماذا نعني بأمراض القلوب؟! مثل سرعة الغضب، من البخل والشح، والحسد، والكُره، كُره خلق الله، كره الأشياء الجيدة، كرهًا دون داع، ولكن أن تكره الشيطان، أو تكره الشر أو الظلم، هذا كرهًا جيدًا. والخمر لمن قاوم شهوته في الدنيا، لمن استطاع أن يسيطر، ليس من المطلوب أن نقاوم، بل أن نسيطر على هذه الشهوات، ونرضيها في إطار الحلال، واللبن لمن تمسك بالفطرة الصحيحة، في ليلة الإسراء جاء جبريل للنبي ﷺ في المسجد الأقصى (بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ. يقول النبي ﷺ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ. فَقَالَ جِبْرِيلُ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ) فأنهار اللبن لمن تمسك بالفطرة الصحيحة، لمن يعرف الصواب من الخطأ، والماء لمن تمسك بالوحي النازل من السماء، فكان يقرأ القرآن بتدبر ليل نهار، جاء في الحديث (إنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الهُدَى والعِلْمَ -أي هذا الوحي، هو الهدى والعلم- كَمَثَلِ غَيْثٍ -مطر- أَصَابَ أَرْضًا فكانتْ مِنها طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ -أرض خصبة- قَبِلَتْ الماءَ فَأَنْبَتَتِ الكَلَأَ والعُشْبَ الكَثِيرَ -فأخرجت الحشائش، وأطعمت الأغنام والحيوانات- وكَان مِنها أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الماءَ -أرضًا صخرية خزنت الماء وحفظته، فتحول إلى آبار وعيون- فَنَفَعَ الله بها النَّاسَ، فَشَرِبُوا مِنْهَا وسَقَوا وَزَرَعُوا، وأَصَابَ طَائِفَةً مِنها أُخْرَى، إنَّما هِي قِيعَانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً ولا تُنْبِتُ كَلَأً) مستنقعات طين، لا تحوي ماءً نظيفًا للشرب، ولا تنبت شيئاً. إذن الماء يمثل الوحي النازل الذي به تحيا القلوب (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) حققوا شروط النجاة والخلاص (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) تخيل هذا الجمال (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) لا حزن ولا قلق فيها بأنهم سيخرجون منها، هم خالدون فيها أبداً، لن يخرجوا منها نهائياً (لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا) يقول المثل الشعبي (جنة من غير ناس ما تنداس) تخيل لو دخل الإنسان الجنة وَحْدَهُ؟ فلن يستمتع، لكن الله يُزوج الناس، أي أنهم سيكونون أزواجاً، سيكون هناك أناس كثر، الشخص يقابلهم ويضحك معهم، وألطف شيء فيها عندما يجلس الشخص مع أجداده، وأجداد أجداده، تخيل أنهم جميعاً في العمر نفسه، لأن الإنسان سيدخل الجنة في سن ٣٣ وليس في سن الشيخوخة، فتخيل أن تقابل أباك وجدك، وجدتك وأجداد أجدادك، وأن تكونوا أصحابًا وكلهم في عمرك، وتجلس تتحدث معهم، أنه في أيامنا كان عندنا ما يسمى بالإنترنت، فيسألونك ما هذا الإنترنت؟ ثم تشرح لهم ويضحكون غير مصدقين، وهم يحدثونك بما كان على عهدهم، وتضحكون مع بعضكم البعض في سن واحد متآلفين، لأنكم جميعًا شباب، ولكن كلًا منكم قد قدم من زمان مختلف، تتقابلون مع بعض وفرحين ببعض، شيء جميل جدًا (لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ) سيكون الناس هناك أزواجاً، ولا توجد وحدة، فشعور الوحدة غير موجود.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

24 Nov, 04:49


إذا كان هناك حاكم لا يستطيع أن يُقوّم على بعض المواطنين، ويجد أنه من الصعب أن يعاقبهم؛ بسبب قوتهم أو قوة عائلتهم، فهو لا يملك عزة وليس بعزيز، إنما العزيز من لديه القدرة كاملة، كمال القدرة، إن الله كان عزيزًا حكيمًا، حكيمًا أي أنه يعاقب بحكمة، والحكمة هو أن الفعل يحدث ويؤدي المراد منه، فإن كانوا سينالون عذاب الحريق والجلود احترقت، فالحكمة أن يبدل الجلود التي احترقت جلوداً غيرها؛ ليذوقوا أي ليعرفوا تمام المعرفة حقيقة هذا العذاب. لكن حتى تكتمل الصورة يجب أن نعرف ما أعد ﷲ للمؤمنين، كما عرفنا ما أعد الله للكافرين، لأن الدين فيه ترغيب وترهيب!

(والَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (٥٧)

(وَالَّذِينَ آَمَنُوا) لم يقل االمؤمنون الذين آمنوا، أي أنهم اتخذوا قرارهم وآمنوا، فأرجع الفعل لهم، المؤمنين صفتهم مؤمنين، ولكن الذين آمنوا أقوى، لأنهم اتخذوا قرار الإيمان، هناك فعل صدر منهم، ليسوا مؤمنين بالصدفة، حتى من ولد مسلمًا عليه أن يختار البقاء في هذا الدين، فهو من الذين آمنوا ويعلم أنه هو الحق، وأنه مؤمن بالحق (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) مفهوم الخلاص في الإسلام" أي مفهوم النجاة من النار" كالطائر الذي يطير بجناحين، لا يمكن أن يطير بجناح واحد أبدًا، والجناحان هما:
🔸جناح الإيمان
🔸 وجناح العمل الصالح
الإيمان وحده، في معظم الأديان الباطلة يكفي لكي ينجو به الإنسان، يقولون: آمن تنجو، اتخذ المسيح مخلصاً شخصياً لحياتك تنجو وتدخل الملكوت، حتى لو لم تقم بالعمل الصالح!

كنت في مناظرة في واشنطن سنة ٢٠٠٣ والقس الذي يناظرني، كان قس بروتستانتي، قال في أثناء كلمته جملة لن أنساها، قال "إذا عمل المسيحي العمل الصالح، بنية إن هذا سيدخله الملكوت أي الجنة، فهذه خطيئة في حد ذاتها، قال نحن نقوم بالعمل الصالح، لأن المسيح يحبنا، أما النجاة فقد تمت بمجرد الإيمان"
الإسلام معاكس لهذا المفهوم تمامًا، كثيراً جدًا من المفاهيم المسيحية تعاكس المفاهيم الإسلامية تماماً، أما مع اليهودية فنحن نتفق معهم في كثير من العقائد، أما مع المسيحية فلا، وهذا شيء غريب جدًا، إن الإيمان في الإسلام ضروري كي ندخل الجنة، ولكن هذا لا يكفي كما يقول علماء الرياضيات يقول This factory necessary but not sufficient وجود هذا العامل لازم، ولكنه لا يكفي، العمل الصالح هو الذي يصدق الإيمان بالقلب، لا يكفي أن تدعي أنك مؤمن بالله، عليك أن تثبت هذا الإيمان بالعمل الصالح، بإطعام الجائع، وبكسوة العاري.. ، كي تثبت إيمانك لا بد أن تضحي وتقوم بالعمل الصالح، وأن تُحسن إلى خلق ﷲ. أي مفهوم أكثر راحة؟! المفهوم المسيحي الذي يقول إن بالإيمان ننجو؟! أم المفهوم الإسلامي الذي يقول، بالإيمان والعمل الصالح؟! بالتأكيد المفهوم المسيحي أكثر راحة من المفهوم الإسلامي، المفهوم المسيحي أريح بكثير، ولكن ما هي قيمة أو فائدة أن أقول لك شيء مريح لكنه غير حقيقي، فتكون قد نلت أكبر خدعة في حياتك بعدها، أنا من الممكن أن أقول لك اجلس في المنزل وسيأتيك راتبك بأكمله، ولن تضطر للعمل، ثم لا يأتيك راتبك، فماذا استفدت من هذا الكلام المريح، ولكن غير حقيقي؟! (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) أي إن الناس الذين حققوا متطلبات النجاة والخلاص بالإيمان والعمل الصالح (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (٥٧)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

24 Nov, 04:49


٢٦

اليوم عيد الأضحى من عام ١٤٤٣ أوثق هذا التاريخ لمن سيتابع الحلقة في المستقبل ربما بعد سنوات، فأسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناتنا.


(إنَّ الذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنَا سَوفَ نُصلِيهِم نَارًا كُلَّمَا نَضِجَت جُلُودُهُم بَدَّلنَاهُم جُلُودًا غَيرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كانَ عزيزًا حَكِيمًا (٥٦)

هذه الآيات عامة وليست فقط في اليهود، بل عن كل من كفر بآيات ﷲ، الآيات السابقة، تحدثت عن اليهود، فالآيات هذه عن كل من كفر بآيات الله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا) كل من كفر بالله سيجعله الله في النار يشوى بها (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا) الصلي أي الشوي، لذلك لم يقل كلما احترقت جلودهم، بل قال (كُلَّمَا نَضِجَت جُلُودُهُم) أي كلما طُبخت ونضجت جلودهم! تشعر أن كلمة نضجت، فيها تهكم عليهم، لأن من يدخل النار لا ينضج بل يحترق، ولكن لأن الله استخدم كلمة صلي أي شوي، فناسبتها كلمة نضجت، فالنضج شيء جميل بالنسبة للطعام، فتخيل أن يقال عنك أنك ناضج أي محترق. وبسبب هذه الآية، أسلم عميد طب جامعة بانكوك في تايلاند، وله مقطع فيديو مشهور مع الشيخ الزنداني، ينطق بالشهادتين، وذلك لأن خلايا الإحساس بالحرق موجودة في الجلد، وعندما يحترق الجلد لا يشعر الإنسان بالحرق. فالله -سبحانه- يجدد الجلود ليستمر الشعور بالاحتراق (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (٥٦) كلمة ليذوقوا عندما تأتي في الدنيا تحوي معنى معيناً مختلفاً عن المعنى الذي تأتي به عندما تأتي في سياق الآخرة، كيف؟! أن التذوق يحصل به شيئان، أولًا: أن يكون بقدر بسيط فقط للتجربة، أو للتعرف على طعم شيء ما، مثال: قم بتذوق قطعة الشوكولاتة، فإن أعجبتك أشتري لك منها، فمن يتذوق فهو يأخذ نصيب صغير من شيء أكبر. لذلك يقول الله في سورة هود، عن الدنيا وكيف يتذوق الإنسان النعمة والرحمة (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (٩) يذيق الله الإنسان رحمته في الدنيا ثم تُنزع منه، فينزعج ويتضايق، لأنه ذاق شيئاً جميلاً. فأخذ رحمة صغيرة في الدنيا لأن ما في الدنيا هو جزء بسيط، وليست رحمة الله كاملة؛ لأن رحمة الله كلها في الآخرة، ورد في الحديث الشريف (الَلَّهُ أرحمُ بعبادِهِ من الوالدةِ بولدها) وفي الصَّحيحينِ عنْهُ ﷺ
أنَّهُ قالَ (إنَّ اللَّهَ خلقَ الرَّحمةَ يومَ خلقَها مائةَ رحمةٍ أنزلَ منْها رحمةً واحدةً فبِها يتراحمُ الخلقُ، حتَّى إنَّ الدَّابَّةَ لترفعُ حافرَها عن ولدِها من تلكَ الرَّحمةِ، واحتبسَ عندَهُ تسعًا وتسعينَ رحمةً، فإذا كانَ يومُ القيامةِ جمعَ هذِهِ إلى تلكَ، فرحِمَ بِها عبادَهُ) لذلك فإن أي مقدار من الرحمة وأي شيء جميل يعطيه الله لنا هو تذوق، فالتذوق معناه أن الله يعطينا قسماً صغيرًا جدًا منه، وفي سورة هود (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) ولو تذوق نعمة صغيرة بعد ضرر أصابه، كأن يتذوق الغنى بعد الفقر، أو يتذوق الصحة بعد المرض (لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ) يظن أن كل الأشياء السيئة ذهبت عنه، فالمقصود هنا أن أي جزء بسيط من النعمة يُدخل الفرح، فكيف بالنعمة كلها، والرحمة كلها! ويقول ذهب السيئات عني! (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) المهم أنه هنا استخدم التذوق، ليوحي بأن الإنسان نال شيئاً يسيراً من النعمة أو الرحمة. أما عندما يكون التذوق يخص عذاب الآخرة، يقول الله إن الإنسان يذوق العذاب في الآخرة، فلا تعني هنا أنه شيء يسير منها، فما هو معناها إذن؟! التذوق له دوران، أولها أن يأخذ الشخص شيئاً يسيراً، والأمر الثاني أن يعاين الطعم الحقيقي، فعندما يأتي أحدهم، قبل بيعه لك لقطعة من الشوكولاته، يعطيك قطعة صغيرة، وذلك لكي تشعر بطعمها، لأن الطعم لا يوصف بالكلام، ولا بد أن تجرب، فيعطيك قطعة لتتذوق.
فأنت تعاين وتُقّدر لتشعر تمام الشعور بحواسك، أن هذا الطعم موجود بالتجربة، فعندما يقول الله في الآية ٥٦ (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) كلما نضجت جلودهم واحترقت، أبدلهم الله بجلود جديدة؛ كي يستمروا بالشعور (لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ) يستمر الشعور بحقيقة طعم عذاب الحريق، ويكون شعورًا حقيقيًا وكاملًا ومستمرًا.
قد يقول شخص كافر في سره: حتى لو كان ربهم موجود كما يقولون، هل فعلًا سيتمكن من تعذيب كل هؤلاء الناس؟! إن عدد الكفار كثير جدًا بالمليارات، والرد في ذيل الآية (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) عزيزاً، والعزة تقتضي كمال القدرة على معاقبة المجرمين جميعاً.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

24 Nov, 04:49


فيديو ٨٣٩ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة النساء حلقة ٢٦ الآيتان ٥٦ - ٥٧

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

24 Nov, 04:48


https://www.youtube.com/live/B1RSh6vwQ3Y?si=6iinvzEgRfhwzkH7

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

23 Nov, 08:39


وبعد أن وصفهم بأنهم خونة وملاعين وحساد، وشجع على قتالهم، ومع ذلك قال الله أن بعضهم آمن به، وبعضهم صُد عن سبيل ﷲ، بعض اليهود آمن بالنبي ﷺ وأصبحوا من الصحابة ككعب الأحبار، وعبد الله بن سلام.. وغيرهم، كما آمن بعضهم بالأنبياء من قبله، وبعض اليهود صدوا عنه، وبعض اليهود آمنوا بسيدنا عيسى، فالحواريون جميعاً كانوا من بني إسرائيل، وبعض اليهود آمنوا بسيدنا داوود، وكذلك بعض منهم آمنوا بسيدنا سليمان، والبعض الآخر كفر ولم يعدّوهم أنبياء وإنما ملوك فقط! وصدوا عن سبيل ﷲ، والغريب أن الله -سبحانه وتعالى- لم يقل: منهم من آمن ومنهم من كفر، بل قال منهم من آمن، ومنهم من صّد عنه! أي نفّر الناس من الإيمان به، وصدهم ليس أنه كفر فقط بينه وبين نفسه، فكل شخص حر في نفسه، وسيعاقب يوم القيامة، لكنهم ساروا بالكفر وروجوا له بين الناس لمحاربة الإسلام (فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (٥٥) السعير هو الوقود، جهنم لا تبرد، جهنم فيها وقود كاف يجعلها مشتعلة فيهم باستمرار، وأيضاً جهنم نفسها وقود للناس، وقد ذكرنا أن النار تكون موجودة داخل الإنسان نفسه، ليس فقط من الخارج، بل من الداخل أيضًا، فيحترق وتكون النار مشتعلة من داخله، قال تعالى في الآية ١٠ (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) النار داخل بطنه، والدخان يخرج من فمه، عافانا ﷲ وإياكم منها.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

23 Nov, 08:39


(أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (٥٣)

هؤلاء عندما يصبح في أيديهم سلطة (نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْك) يعني أي سلطة، ولو صغيراً (فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) يظلمون الناس ظلمًا شديدًا، لدرجة أن النقير، هو النقرة الصغيرة التي في نواة التمرة - في منتصف النواة، نقطة صغيرة كثقب صغير جدًا- يعني يظلمون الناس، ولا يردون إليهم حقوقهم، حتى لو شيئاً بسيطاً لا قيمة له كنقير النواة، فكر ما الهدف من آية كهذه؟! الآية السابقة تقول أن هؤلاء ملعونون، ومن يلعنه الله لا أحد يستطيع أن ينصره، والآية التي قبلها تقول هؤلاء خونة ومنافقون، ذهبوا إلى قريش وباعوا دينهم، وسجدوا للأصنام، وقالوا لعُّباد الأصنام أنهم أقرب إلى الهدى منكم يا موحدون، وهذه الآية تقول هؤلاء ظلمة، يظلمون الناس بمجرد أن يصبح لهم سلطة، إذن هذا الحال حال تشجيع على القتال! لا بد عندما تقرأ آية، أن تنظر على وقعها على الصحابة الذين تنزلت عليهم، وما أحدثت في قلوبهم، كأن القرآن يقود معركة ويُحّمس قلوب جنوده ويشجعهم، لذلك أنا أتعجب من الناس، الذين يقولون بعد كل ذلك أن كعب بن الأشرف قُتل لأنه قال شعر يسب فيه النبي ﷺ ونساء المسلمين، كلا! نحن نسيء إلى الإسلام بأنفسنا، عند قول ذلك، النبي ﷺ كان يرد على الكلمة بالكلمة، وكان عنده شعراء أقوى من شعراء الجاهلية، من يدرس شعر حسان بن ثابت، وعبد ﷲ بن رواحة، وكعب بن مالك، يجد شعرهم من الناحية البلاغية والتقنية أقوى بكثير من شعر شعراء الجاهلية، ومنهم بالطبع كعب بن الأشرف، اليهود الذي كانوا يلقون شعراً يسبون فيه النبي ﷺ، وعندما أرسل النبي ﷺ سرية لقتل كعب ابن الأشرف لأنه خائن إرهابي، والمفروض أنه أحد مواطني المدينة، يجب أن يكون ملتزمًا بمعاهدة المدينة، ولكنه كوّن خلية إرهابية، وذهب إلى مكة سرًا، وعاهد قريشًا على قتال المسلمين، فعندما يرسل النبي ﷺ سرية بقيادة محمد بن مسلمة لتصفية هذا الإرهابي، وتفكيك الخلية الإرهابية، فلا ينبغي أن نقول إن هذا كان لأنه قال شعرًا سب فيه النبي ﷺ! يخرج علينا من ينتظرون كلمة كتلك ليقولوا: انظروا إلى المسلمين، ليس لديهم حرية تعبير! شخصاً قال شعرًا يسب النبي ﷺ فقتلوه! لا حول ولا قوة إلا بالله!

(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (٥٤)

استفهام تعجبي، لماذا يحسدون العرب أن جاء منهم نبي (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) هذا فضل ﷲ وحقهم الطبيعي، الله آتى آل إبراهيم (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ) هل أنتم فقط آل إبراهيم؟ كلا، آل إبراهيم هم نسل إسحاق ويعقوب، ونسل إسماعيل، وكذلك محمد من نسل إسماعيل، فما الغريب في هذا؟!
(الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) إشارة إلى النبوة -القرآن والسنة- الكتاب هو الوحي، والحكمة هو ما يتنزل على أي نبي، القرآن والسنة بالنسبة للنبي محمد ﷺ كل رسول كان يؤتى وحيًا شفهيًا في صورة كلام ﷲ، ووحي موحاً به إلى قلبه، يعبر عنه هو بأسلوبه وبكلماته، كالسنة النبوية، في سورة البقرة ذكر عن سيدنا موسى (وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣) فالفرقان هو الوحي الشفهي، هو سنة سيدنا موسى، تناقلها اليهود فيما بعد، وللأسف أضاف عليها ١٠٠٠٠ حاخام، وأصبح اسمه التلمود، وأصبح لا علاقة له بموسى أو تعليم موسى! والموجود فيه من كلام موسى قليل جدًا، وبقيته هو ما أضافه ١٠٠٠٠ حاخام، آخرهم موشى ابن ميمون في عهد الصلاح الدين الأيوبي، وهو أحد مستشار صلاح الدين، كان في الأندلس، وبعد طرد المسلمين واليهود منها نزح إلى مصر، وأصبح له نشاط كبير في مصر (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (٥٤) النبوة فضل من الله، آتاها الله للنبي محمد ﷺ وللعرب أن جاءهم نبي عربي، محمد من آل إبراهيم مثل موسى، ومثل أنبياء بني إسرائيل، فلا ينبغي لهم أن يحسدوه؛ لأنه أوتي القرآن والسنة (وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) والملك أي القوة والسلطة التي جعلت القبائل تُدين له وتدخل في التحالف معهم، ويدخلون بعد ذلك الإسلام تحت حكمه، وأصبح ﷺ حاكماً على الجزيرة العربية، كما حدث مع أنبياء بني إسرائيل، فمنهم من كانوا ملوكًا، وكان ملكهم كبيرًا، كسيدنا سليمان وداوود. وهذا الحسد الذي هم فيه دليل على العنصرية التي تقود إلى الكفر بالله (فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (٥٥)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

23 Nov, 08:39


٢٥
من مدينة مونتريال في كندا، يوم وقفة عرفات من عام ١٤٤٣.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (٥١) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (٥٢) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (٥٣) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (٥٤) فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (٥٥)

ألم تر؟! من جديد القرآن يُشهد النبي ﷺ عليهم، يقول له أرأيت؟! كي تشهد يوم القيامة، أرأيت الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب، كما ذكرنا بالآيات السابقة، عن إشهاد الله للنبي ﷺ بقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ؟! (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا) وطالما أن النبي ﷺ سيشهد، فإن الله يشهده على أمور عدة، وتتكرر جملة (أَلَمْ تَرَ) لأنه سيُسأل (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ) يعني اليهود الذين تلقون شيئًا من الوحي، وكان من المفترض أن يكون ذلك سبباً في هدايتهم وتمسكهم بعقيدة التوحيد، لكنهم للأسف (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوت) ما معنى ذلك؟ الجبت يعني الأصنام وكل خبيث عُبد من دون ﷲ، لذلك سيدنا عيسى لا يُطلق عليه ذلك، لأننا نتكلم عن أي شي خبيث عبد من دون الله، وإن وجد أناس ألَّهُوا شخصًا لكن لا يطلق عليه جبت، والطاغوت من الطغيان وهو الشيطان، وكل شرع ومشرع يطاع من دون شرع ﷲ. ما حدث أن كعب بن الأشرف خرج في ٧٠ راكبًا من اليهود، وحالفوا قريش، ولكن كعب بن الأشرف هو أحد أفراد اليهود في المدينة، إذن توجد اتفاقية موقعة معه -وهي صحيفة المدينة- التي تنص على أن اليهود والمسلمين وكل من يسكن في المدينة في تحالف، لا يحاربون بعضهم، بل ويقفون كلهم جنباً إلى جنب في حالة تعرض المدينة لأي هجوم، لكن هذا الخائن بعد ما حدث في أُحد، كوّن خلية إرهابية، ثم سافر إلى مكة والتقى زعماء قريش، وعرض خدماته عليهم، لأنه ومن معه من داخل المدينة، فمن الممكن أن يفعل الكثير، من الممكن أن يغتالوا النبي ﷺ أو يخطفون بعض الصحابيات أو الصحابة ويسلمونهم لقريش، ويستطيعون أن يفعلوا مصائب كثيرة، لكن قريش قالوا له، كيف نثق بكم وأنتم أهل كتاب، عندكم التوراة؟! يعني هذا يجعلنا قلقين من أنكم ترون أن محمداً وأصحابه الذين يعبدون نفس إلهكم أكثر منا هدى، لأننا نعبد الأصنام، وما تفعلونه معنا الآن ما هو إلا مكيدة، فكيف ستثبتون أن ولاءكم لنا، فالطبيعي أن اليهود أقرب للمسلمين في العقيدة وفي الدين، فرد عليهم كعب بن الأشرف: "أنتم على ما أنتم عليه بعبادتكم لهذه الأصنام، أهدى" يعني أقرب للهداية من محمد وأصحابه، ثم سجد هو ومن معه لأصنام قريش، وأذلوا أنفسهم! فالقرآن يجعل القارئ يتعجب ممن يدعون أن عندهم علم الكتاب، وأن أول تعاليم هذا الكتاب -التوراة- وأول الوصايا العشر [ لا يكن لك آلهة أخرى أمامي، لا تصنع لك تمثالاً منحُوتاً، لا تسجد لهنّ، ولا تعبدهنّ ] هذه تعاليمكم وكتابكم، وأنتم تكذبون على ﷲ، وتقولون إنكم شعب ﷲ المختار، وأنكم أبناء ﷲ وأحباؤه، وقلتم (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى) وكذبتم على الله (وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً) وبعد كل ذلك، ولأجل خلافكم السياسي مع محمد تسجدون للأصنام! وتقولون للمشركين عُبَّّاد الأصنام، أنهم أهدى من المسلمين!! تشعر وأنت تقرأ ما فعلوه، أنك تود أن تقول لهم "يلعنكم الله" وقبل أن تقولها يقول القرآن (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (٥٢) تشعر وكأن القرآن يقود المسلمين في حربهم ضد يهود المدينة والجزيرة العربية؛ عن طريق تحذير المسلمين الدائم منهم ومن مكرهم، وتحذيرهم من الثقة بهم، وعن طريق تشجيع المسلمين وإعطائهم الثقة في أن الله لن ينصر هؤلاء اليهود أبدًا (أولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (٥٢) الآية فيها تشجيعاً للمسلمين، ألا تخافوا منهم، فهذه كلها مناوشات، وكل ذلك لا قيمة له، لأنهم بعد بدر قالوا للنبي ﷺ "لا تظن؛ أنك هزمت قريشًا أنك تستطيع أن تهزمنا، أنت حاربت هواة -ليسوا أهل حرب- إنما نحن أقوى وعندنا سلاح وحلفاء وأموال" الآية ٥٢ تقول للمسلمين، دعكم من هذا الكلام تمامًا، هؤلاء ملعونون، ومن يلعنه الله لا يستطيع أحد أن ينصره أو يقويه لينتصر! إذن الآية فيها تشجيع على قتالهم.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

23 Nov, 08:30


فيديو ٨٣٨ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة النساء حلقة ٢٥ الآيتان ٥١ - ٥٤

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

21 Nov, 09:00


نحن أحياناً نبالغ في تزكية ومدح بعضنا البعض، وبعدها نكتشف أننا كنا مخطئين، بعد أن يتزوج الناس بالخطأ، أو تشارك في أموال ويُستأمنون، ثم تبيّن أنهم غير أهل للأمانة، فلماذا زكيناهم من البداية؟! شيء رائع للغاية، أن يُزوج شخص الناس، قم بتعريف أهل العروس على أهل العريس، وصل الناس بعضُهم ببعض فقط، ثم اخرج أنت من الموضوع، لا تُجمل البضاعة، وتمدح في شخص العريس، وتقول إن لا مثيل له، أو تقول هي عروسة لا مثيل لها، لماذا تفعل هذا؟! دعهم يتعرفون على بعضهم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) هل رأيت؟ كيف مدح اليهود والنصارى أنفسهم؟! كن شاهدًا لأنك ستشهد، ويقولون نحن شعب ﷲ المختار، وأبناء ﷲ وأحباؤه، ولن يدخل غيرنا الجنة (بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٤٩) ولن يظلم أحد، ولو بمقدار ضئيل كالفتلة، فالله يُشهد النبي ﷺ (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (٥٠) هل رأيت؟! كن شاهداً، كيف يفترون على ﷲ. في الآية ٤٨ (إن اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) أكبر افتراء وأكبر كذبة على ﷲ هي الكذب عليه وادعاء أن له شريكاً أو معه آلهة أخرى، أو الادعاء بوجود شيء يمكنه أن يضر أو ينفع (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (٥٠) يكفي هذا الإثم المبين الواضح كي يُعَذبوا بسببه. وقد يقول البعض، هل سيعذبهم الله لأنهم أشركوا معه فقط!؟ نعم يعذبون. الأستاذة كائنات من فلسطين، أرسلت تدبرًا لطيفًا في موضوع التزكية. قالت (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) قالت: في سياق سورة النساء حث على التوحيد وعدم الإشراك بالله، وهذا تطهير للعقيدة من فساد العقيدة، التزكية يعني التطهير، وفي السورة أيضاً حث على الإنفاق وإخراج الصدقات، وهذه تزكية وتطهير للمال، وتأتي الآيات بعدها لتحدثنا عن طهارة الجسد، بالاغتسال والتيمم استعداد للقاء الله في الصلاة، ولقاء الله في الصلاة يزكي النفس، ولا بد من تزكية وتطهير الجسد قبل الدخول على تزكية النفس، ثم تتحدث الآيات عن أهل الكتاب الذين يزكون أنفسهم، فيقول لهم بل الله يزكي من يشاء، لا تدّعوا الطهارة ﷲ هو الذي يطهر، عقيدة التوحيد هي التي تطهر وتزكي، عبادات الإسلام هي التطهير، هذا تدبر فيه فتح من ﷲ، بارك الله فيها.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

21 Nov, 09:00


٢٤

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٤٩) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (٥٠)

ألم تر يعني هل رأيت؟! الرؤية تكون بالعين، لذلك يقول الله أحياناً عن أشياء لم يرها النبي ﷺ (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (١) والنبي ﷺ في تلك الحادثة كان رضيعًا، فهو لم يرَ ما حدث بعينيه، لكن القصد: ألم تر بعقلك، يعني ألم تدرك، ألم تفهم ببصيرتك؟! عندما يقول الله: ألم ترَ بموضوع لم يُرَ، معناه: ألم تفكر بهذا الموضوع؟! لماذا اختار مع النبي فعل” ألم تر “ولم يختر مثلًا، ألم تدرك؟! وذلك لأن النبي ﷺ شاهد على الناس كلها، فسيشهد بما رأى وبما أدرك، فالله يُشهده عليهم، عندما أقول لأحد كن شاهداً أن جارك عمل كذا وكذا، ما معنى هذا؟ معناها أنا غاضب جداً مما عمله الجار، وعندي نية أخذ إجراءات عقابية لأعاقبه، وما دمت لا أظلم أحداً، فكن شاهداً أنه فعل الخطيئة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٤٩) في نفس السورة قال الله (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (النساء ٤١) فالنبي ﷺ شهيد، أي شاهد، سيشهد على خطايا وجرائم كل الأمم الأخرى، لكن الله هو أيضاً شهيد (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (النساء ٣٣) فإن كان الله بذاته شاهداً على ما يفعلونه، فما الحاجة إلى شهادة الرسول ﷺ؟! فكر معي، ما أهمية شهادة النبي ﷺ إذا كان الله شاهداً؟! في السورة نفسها، قال الله (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (النساء ٣٧) مَن الذي يُعاقب؟! الله. فكيف يكون الشاهد، هو القاضي في الوقت نفسه؟! ويفترض أن يكون القاضي غير الشاهد، لأنه يقبل شهادة آخر، أو لن يقبلها، فيوجد تضارب مصالح، يوجد شبهة ظلم، وفي نفس السورة (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ (النساء ٤٠) ولكي لا يظلم الله، أتى بشاهد آخر غيره؛ لأنه هو الحكم، فرغم أن الله شاهد، لكنه سيأخذ بشهادة آخرين، شهادة أنبياء الأمم المختلفة، وشهادة أمة محمد ﷺ عليهم، ثم شهادة النبي ﷺ على الجميع، فلم يعد يوجد شبهة ظلم ولا قدر يسير (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٤٩) لن يُظلموا ولا حتى ظلم صغير، بقدر الفتلة الصغيرة الموجودة في نواة البلح أو التمر، نواة التمر فيها خيط صغير جدًا وخفيف وشفاف جدًا، فمن يفعل ثواباً أو حسنة بهذا المقدار لن يُظلم، وسيجده يوم القيامة! فما هي خطيئتهم؟! وما الفعل الخاطئ الذي اقترفوه؟! (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) الحديث عن اليهود، وكذلك أي شخص يزكي نفسه، هل اليهود شكروا في أنفسهم؟! وسورة البقرة مليئة بفعلهم ذلك؛ وفي سورة المائدة (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ (١٨) جاء رجال من اليهود إلى رسول الله ﷺ بأطفالهم، فقالوا هل على هؤلاء ذنب؟! قال لا. قالوا: "والله ما نحن إلا كهيئتهم، ما عملناه بالنهار، كُفر عنا بالليل، وما عملناه بالليل، كُفر عنا بالنهار" فنزلت الآية (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٤٩) يمدحون أنفسهم، وأنهم هكذا يتطهرون، ويرون أنفسهم كالأطفال، وأنهم أحباب الله! وماذا قالوا أيضًا؟ (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى (البقرة ١١١) اليهود قالوا لن يدخل الجنة إلا اليهود، والنصارى قالوا لن يدخل الجنة إلا النصارى، بل أصبحنا اليوم نرى أناسًا صنعوا مزيجًا منهم، فيما يسمى اليهودية المسيحية Judeo-Christian لكي يتفقوا في أمور سياسية معينة، في حين أنهما دينان متضادان تماماً (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً (البقرة ٨٠) يقول اليهود: إن أسوأ يهودي في الدنيا، الذي صنع صنمًا على شكل عجل وعبده، سيدخل النار سبعة أيام (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ) تخيل أمة، أسوأ خطيئة هي الشرك بالله، خطيئة لا يغفرها الله إلا بعد التوبة منها، وفي ديانة اليهود، مرتكب هذا الفعل يخرج بعد سبعة أيام! كل هذا شكر في أنفسهم لمجرد أنهم من عنصر معين "من بني إسرائيل" فيرون أن نجاتهم بسبب عنصرهم (اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) ﷲ فقط هو الذي يزكي ويطهر، أما المؤمن فيجب ألا يزكي نفسه، ولا يزكي غيره! عندما يُسئل أحد ما عن إنسان جيد، يقول: أحسبه على خير، وﷲ حسيبه. يعني أعتقد أنه جيد، وﷲ وحده هو الذي يعرف حقيقته.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

21 Nov, 08:59


فيديو ٨٣٧ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة النساء حلقة ٢٤ الآيتان ٤٩ - ٥٠

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

21 Nov, 08:59


https://www.youtube.com/live/NIcJFH3BX94?si=sWPZi8qzHt6oToul

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

20 Nov, 08:57


ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ (غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ، كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ؛ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ) يعني امرأة تعمل في أقذر مهنة، مهنة الدعارة، وكلمة مومسة هي كلمة عربية فصحى. القصة هي، أن امرأة مومس مرت على كلب يقف على بئر ماء، ولكن الماء بعيد عنه ويكاد أن يقتله العطش، فخلعت حذاءها وخمارها، وربطت الحذاء بالخمار، وأنزلت الخمار في البئر، وسحبت الماء بالحذاء، وسقت الكلب وأنقذته من الموت عطشاً، فغفر لها الله بذلك. امرأة تبيع شرفها، ولكن الله -سبحانه- غفر لها، لأن الكلب كاد أن يموت من العطش، فأنقذت روحاً ليست روح إنسان بل روح حيوان، وهذا دليل على أهمية الرحمة. في الحديث المتفق عليه (إِنَّما يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبادِهِ الرُّحَمَاءَ) الله يرحم الرحماء، فمن لم يكن في قلبه رحمة، لماذا يرحمه الله؟! إذن الله -عز وجل- ممكن أن يغفر أي ذنب مهما كان كبيراً، لو رأى أن في قلب العبد رحمة، حتى لو العبد لم يتب؟! التوبة شرط صحيح، ولكن في حالة هذه المرأة ربما اطلع ﷲ على قلبها ووجدها تريد أن تتوب، خاصة وأنها غير مشركة، وهي يهودية من بني إسرائيل، وهذا بالنسبة لها لم يكن أسلوب حياة، يعني لم تكن مصاحبة وتمارس الرذيلة مع صاحبها، كلا؛ هذه كانت تقوم بهذا العمل من أجل المال، فربما كانت تعمل هذا العمل، لأن لديها أفواهاً كان يجب أن تطعمها، وإلا ستموت من الجوع. فالرحمة نفسها التي جعلتها تسقي الكلب في خفها كي لا يموت، هي التي جعلتها ترتمي في أحضان المنحرفين، كي لا يموت أبناؤها أو إخوتها من الجوع. هل رأيتم مدى رحمة ﷲ؟! ربما يشعر البعض بالغيظ وهو يقرأ هذا الكلام، أن الله غفر لها على الرغم من عملها. لذلك الحمد لله أننا لن نحاسب بعضنا البعض يوم القيامة، وإلا كنا أدخلنا بعضنا النار جميعاً! ﷲ أرحم بنا من أنفسنا، وهذا في حد ذاته سبب كاف للحمد، نحمد ﷲ على رحمة ﷲ، نحمد الله على أننا لن نحاسب بعضنا يوم القيامة (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (٤٨) ومن يدعي أن ﷲ له شريك فقد اخترع كذبة كبيرة جداً، افترى على ﷲ إثم عظيم. لماذا؟! تخيل أنك أحضرت شخصاً من الشارع كان يقلب في القمامة ويأكل منها، وأعطيته طعاماً فأكل ولم يشكرك، ثم وهو يأكل علق الأكل في حلقه، فأعطيته الماء، فشرب ولم يشكرك، ثم هيأت له مكاناً نظيفاً كي ينام فيه، فدخل وشغل المكيف، ونام على السرير، وأغلق الباب في وجهك دون أن يشكرك. أنت لا تنتظر كلمة شكراً، لكن تخيل لو أنك أحضرت هذا الفقير، وأعطيته طعاماً نظيفاً، فأكل ولم يشكرك، ثم رأى بقرة في الطريق مع فلاح فذهب وشكر البقرة، قال لها: أشكرك جداً أنا كنت أتضور جوعاً. وبعدها أعطيته مياهاً كي يشرب، فشرب ثم وضع الكأس، ونظر إلى تمثال بجانبه وقال له: أشكرك جداً، وبعد ذلك أخذته إلى البيت، وأعطيته غرفة نظيفة ومكيّفة، ففتح الشباك، ونادى على سائقك الذي أوصلكم إلى البيت في السيارة، وشكره جداً على هذه الغرفة الجميلة. بماذا ستشعر؟ هذا ليس إنكاراً للجميل فقط، بل هذا منتهى الجحود (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (٤٨) إن ﷲ ينعم كل هذه النعم، ثم يُشكر غيره؟! لماذا؟ هذا إثم عظيم جداً. ينعم كل يوم على مليار إنسان، طعاماً وشراباً وهواء يتنفسونه، ونِعم لا تعد ولا تحصى، ثم يتركون عبادة ﷲ -عز وجل- ويعبدون البقر! يُنعم كل لحظة على ٢،٥ مليار إنسان، طعام وشراب وهواء يتنفسونه، ونِعم لا تعد ولا تحصى، ثم يسبون ﷲ سبحانه، ويقولون إن عنده ولداً، ويعبدون الولد الذي هو مجرد مرسال جاء يوصل رسالة، والرسالة تقول لا تشركوا بالله شيئاً (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمً (٤٨).

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

20 Nov, 08:57


لذلك في الشريعة الإسلامية العقود التي تُبرم وقت الجمعة باطلة شرعاً، كأنها لم تكن، والبيع والشراء والعمل وأي نشاط باطل في وقت صلاة الجمعة، أما بنو إسرائيل فكان عليهم يوم كامل، ممنوع عليهم أن يقوموا فيه بأي نشاط. نحن أيضاً يُمنع أن نقوم بأي نشاط خلال صلاة الجمعة، فإذا لعبت في حصير المسجد مثلاً فقد لغوت؛ وبهذا تضيع ثواب صلاة الجمعة. فذهبوا وتحايلوا على شرع ﷲ، ونصبوا الشباك وجهزوا الأحواض الخاصة بالسمك للصيد يوم الجمعة، بحيث السمك يدخل يوم السبت ويُصْطَاد فلا يستطيع السمك الخروج من المصائد التي نصبوها، وبعد السبت يجمعون السمك الذي اُصْطِيد يوم السبت، وهذا اسمه حيل. يوجد باب اسمه باب الحيل، كيف يتحايل الإنسان على الشرع. مثل شخص ما عليه زكاة، فيأتي قبل موعد الزكاة بيوم ويعطي أمواله كلها هبة أو هدية لزوجته، فعندما يأتي اليوم الذي يحول عليه الحول يكون هذا الشخص لا مال معه إطلاقا. من الناحية الفقهية لا يوجد عليه زكاة، وبعد ذلك تقوم زوجته بإعادة أمواله له، فيبدأ العداد يعد سنة جديدة، وكأن عمر المال يوم واحد، هذه اسمها حيل، لا أحد يستطيع خداع الله، فالله -سبحانه- لعنهم ومسخهم قردة (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (الأعراف ١٦٦) لما أصروا على التعدي على أحكام الله مسخهم الله قردة خاسئين أي مهانين. في سورة الحج (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (الحج ١٨) الله -سبحانه وتعالى- أهانهم إهانة شديدة.

(إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ، فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (٤٨)

هذه الآية في فهمها هناك إشكاليات كثيرة. أولاً، المعروف هو أن الصغائر تكفرها العبادات، يعني السيئات الصغيرة تكفرها العبادات. قال ﷺ (الصَّلواتُ الخَمسُ والجُمعةُ إلى الجُمعةِ كفَّاراتٌ لِما بينَهنَّ ما لَمْ يَغْشَ الكبائرَ) أي أن صلاة الجمعة للجمعة، ورمضان إلى رمضان، والصلوات الخمسة، تُكفر السيئات الصغيرة، لكن الكبائر كالسرقة، وأكل مال اليتيم، والقتل والزنى.. إلخ، يغفرها ﷲ بالتوبة فقط، وليس لها كفارات. الله تعالى قال (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ، فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (٤٨)

عندما يتوب الإنسان عن الشرك يغفر له الله، إذن ما الفرق بين الكبائر والشرك؟ الشرك يتوب عنه الشخص بالإيمان، فيغفره ﷲ تعالى؟ وكذلك الكبائر ليس لها كفارات والله يغفرها بالتوبة؟ فلماذا الله فرق بين الشرك وبين ما دون ذلك وهي الكبائر؟ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ) بما أن الله يغفر الشرك عندما يتوب عنه أي إنسان يدخل الإسلام، فهو قد تاب من الشرك، فالله -سبحانه- يغفر له. هل معنى هذا أن الكبائر يمكن أن تُكفر من دون توبة؟! قالوا نعم، الأصل أنه لا بد من التوبة عن الكبائر، ولكن من مات قبل أن يتوب عن كبيرة فربما تُغفر له يوم القيامة إذا غلبت حسناته سيئاته. يعني لو ملف الحسنات عنده كان عظيماً جداً وليس عنده من الذنوب إلا القليل حتى لو كبائر، فممكن أن يغفر الله -سبحانه- له هذا، لكن لا يمكن أن يعتمد الإنسان على هذا الأمر، فالنظام عند الله أنه لا بد أن يتوب الإنسان من الكبيرة، لكي يغفرها الله، لكن قد يغفر الله لبعض الناس دون أن يتوبوا عن الكبائر، هي ليست القاعدة العامة، ولكنها ممكنة الحدوث في حالات خاصة.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

20 Nov, 08:57


وكلمة وجوه لها معنى آخر، وجوه من الوجهة، وجهة الإنسان، يلغي الله الوجهة التي توجه لها، ويرده مجدداً إلى المكان الذي جاء منه مهاجراً (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا) بمعنى الوجهة التي سيذهبون إليها (فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا) نعيدها إلى المكان الذي هاجرت منه، كما تقوم حكومة ما بترحيل شخص مهاجر من بلده إلى بلدها، فيأخدوه ويضعوه في طيارة ويُرَحَّل، فيرجع إلى بلده، اليهود جاؤوا إلى الجزيرة العربية من الشام كي ينتظروا ظهور النبي في بلاد العرب، كما تقول النبوءة التوراتية. فالله -عز وجل- قال لهم (آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُم) قبل أن تُرَّحلوا (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا) وجهتكم أن تعيشوا في الجزيرة العربية (فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا) وهذا ما حصل! بنو قينقاع اعتدوا على المرأة المسلمة ونزعوا عنها حجابها، فقالت وامحمداه، ورُحِّلُوا إلى شمال الجزيرة والشام، ثم بنو النضير خانوا المسلمين، وحاولوا أن يعتدوا على نساء المسلمين، ونساء المسلمين قاتلوا، والسيدة صفية عمة الرسول ﷺ قتلت أحدهم أيضاً، وكادوا أن يتسببوا بكارثة، وبنو قريظة حاولوا اغتيال النبي ﷺ فرُحِّلُوا، فرُّدوا على أدبارهم أي خرجوا إلى شمال الجزيرة والشام، ورجعوا من حيث أتوا. وجوه لها عدة معاني: أول معنى هو وجهاء المجتمع، ثانياً معنى هو الوجهة، فوجهتهم كانت الاستقرار في الجزيرة العربية في المناطق التي يوجد فيها نخل وحرّات، وهي نوع معين من الصخور، وهي المنطقة التي سيظهر فيها النبي حسب النبوءات التوراتية. كانوا متوقعين أن النبي سيخرج منهم، لكن نبي آخر الزمان خرج من الجزيرة، المعنى الثالث لكلمة وجوه، هو بمعنى الوجه العادي، وجه الإنسان، فالله يطمس معالم الوجه، ويرده على الدبر، فيصبح الوجه من الظهر؛ لأنهم يوم القيامة سيأخذون كتبهم من وراء ظهورهم؛ ويستطيعون قراءتها (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٤٧) أو أن يلعنهم ﷲ كما لعن أصحاب السبت، لعن بمعنى طرد من رحمة الله تعالى، أصحاب أي جماعة تشترك في شيء معين يجمعها، فيصبحوا أصحاب هذا المكان، أصحاب السبت هم الذين تلاعبوا بأوامر ﷲ في يوم السبت، كان بني إسرائيل ممنوعون من العمل يوم السبت؛ لأن الله فرض عليهم عدم العمل يوم السبت، من مغرب الجمعة حتى ساعة بعد غروب يوم السبت، حوالي ٢٥ ساعة لا يجوز أن يعملوا في تلك الفترة أي شيء، وتجهيز الطعام يتم يوم الجمعة، حتى إضاءة الشموع ونور الغرفة تُجهز سابقاً، لا يجوز لأي أحد أن يعمل شيء في هذا اليوم. فيأكلون ثلاث وجبات معدة من يوم الجمعة، ويجب أن تحتوي وجبة منهم على الأقل على الخبز، بسبب وجود دعاء يشكرون فيه الرب الذي أخرج القمح من الأرض.

Baruch Utah Adana, Slogan Me lech ha'slam

تبارك إلهنا وربنا يا ملك العالم

Hamotzi leched min ha‘Aretz.

"يا مخرج الخبز من الأرض"

فيجب أن يأكلوا وجبة فيها قمح، وهذا الحكم من الأحكام الصعبة التي خففها ﷲ ببعثة النبي ﷺ، في سورة الأعراف (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ (١٥٧) يضع الإصر أي يخفف الحمل، فهناك أحكام صعبة صعّب ﷲ بها الأمر على بني إسرائيل؛ بسبب أسلوبهم وعنادهم، وما فعلوه من عصيان للأوامر. ومن الأمور التي سهلها الله في الشريعة الإسلامية في عهد سيدنا محمد ﷺ أنه استبدل ٢٥ ساعة بساعة واحدة فقط يوم الجمعة، هي التي لا يجوز فيها العمل، لقول ﷲ تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّه)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

20 Nov, 08:57


٢٣

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٤٧)

بعد أن تكلم الله سبحانه عن يهود المدينة وعن أفعالهم القبيحة ومكرهم بالنبي ﷺ وبالصحابة، في هذه الآية يخاطب الله اليهود، هذا يعني أننا يجب ألا نتكلم عنهم وننتقدهم فقط، بل يجب أن ندعوهم أيضاً، لاحظ في الآية ٤٤ و ٤٥ كان الكلام عنهم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (٤٥) لكن في الآية ٤٧ الخطاب موجه لهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ) نلاحظ أيضاً أن الخطاب تغير عندما تكلم عنهم وعن أفعالهم الحقيرة، عندما كانوا يقولون كلام له معنيان، معنى ظاهر وكأنهم يجاملون النبي ﷺ أو يدعون له، ومعنى آخر يقصدون فيه الإساءة، ماذا قال عنهم؟ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ) فعندما كان الكلام عنهم، كان الكلام موجهاً للرسول ﷺ الكلام عنهم وعن أفعالهم المسيئة، قال الله في خطابه (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ) لا تحزن يا محمد، فهؤلاء أنصاف متعلمون ليس لديهم علم الكتاب كله، العلم الحقيقي، لكن عندما كلمتهم الآية، كلمتهم بأسلوب يجعلهم يميلون إلى القراءة، فقال لهم سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ) فيه ثناء عليهم، أي أنه من العيب أن يكون لديكم علم الكتاب ولا تؤمنوا بالكتاب الذي يصدق كتابكم، فعندما تخاطب أحدهم؛ يجب أن تخاطبه بما يناسب الهدف من الخطاب، وأنت هنا تدعوهم، إذن خاطبهم بما يناسب الهدف، هنا يخاطب النبي ﷺ فيقول له: لا عليك، هؤلاء أنصاف متعلمون (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (٤٥) الذين أوتوا الكتاب لها معنيان صحيحان، المعنى الأول: أنهم أوتوا الكتاب بمعنى كتاب الله أو الوحي، فهم أوتوا التوراة فقط، المعنى الثاني: لم يؤتوا علم الكتاب الحقيقي، أو علم الكتاب الكامل، نلاحظ هم أيضاً تحدثوا بقلة أدب وتصرفوا كالأطفال، لاحظ الآية ٤٦ (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ) واسمع غير مسمع لها أكثر من معنى، المعنى الأول، اسمع بمعنى لن نأمرك، وأيضاً معناها سمعت أم لم تسمع لا يهم، وراعنا لها معنى باللغة العبرية أسوأ من فينا، وطعناً بالدين هنا القرآن يدعوهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٤٧)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ) يعني يا أيها الذين أوتوا التوراة، آمنوا بما نزلنا مصدقاً للتوراة، آمنوا بالقرآن وآمنوا بالنبي ﷺ الذي حمل لكم القرآن الذي يصدق كتابكم التوراة، فهو يخاطبهم بالمنطق، ثم تغيرت اللهجة فتكلم معهم بلهجة التهديد..

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٤٧)

هل ستؤمنون أم نطمس وجوهكم؟! نطمس بمعنى نمسح، وجوه لها عدة معاني. الكلام هنا لعلماء اليهود الذين لديهم علم الكتاب، وليس لأنصاف المتعلمين، إذن هم وجوه المجتمع، يعني وجهاء المجتمع، كلمة وجوه بمعنى وجهاء، وفي الفقه يوجد شيء اسمه شركات الوجوه، أي يدخل شريك مع شخص لأجل اسمه وسمعته، ولا يدخل بالمال، وهذا أمر جائز، إذن هنا يكلم الله وجهاء المجتمع، أنتم الذين يتبعكم الناس ويسمعون كلامكم، فإذا عاندتم وأصررتم على الكفر فاحذروا أن يطمس الله الوجوه، أي يطمس وجهاء المجتمع، المتسببين في الضلال، يمسحكم جميعاً من الوجود.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

20 Nov, 08:55


فيديو ٨٣٦ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة النساء حلقة ٢٣ الآيتان ٤٧ - ٤٨

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

20 Nov, 08:55


https://www.youtube.com/live/5xrncApQjmg?si=qgFxohl15LgXnVsN

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

19 Nov, 08:46


(مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (٤٦) لُعِنوا؛ لأنّهم حرّفوا الوحي عن مواضعه وليس لأنّهم يهود، بالتّالي يُمكن أن يُلعَن المسُلِم إذا حرّف الوحي وحرّف دينه. وأيضًا احترام النّبي ﷺ واجب، وأيّ جرأة في الكلام عن النّبي ﷺ فيها عدم احترام له، قد يُلعن بسببها الإنسان. فتخيل شخص مسلمًا يشهد أن محمد رسول الله ثم يُلعن لأنه يتكلم بجرأة عن النبي ﷺ أو يقلل الأدب معه.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

19 Nov, 08:46


(إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (٤) لا تذهب إلى بيت النّبي ﷺ وتناديه من خارجه هكذا، وكأنّه صديقك! عليك أن تعرف مقامه، صحيح أنه إنسان لكنه الإنسان الذي اختاره الله من بين كُلّ البشر ليُبلّغ أعظم كتاب من كُتُبه.
الجامعة تختار أحسن أستاذ فيها حتّى يُدرّس أهمّ مادّة، ولله المثل الأعلى (وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (٤٦) فبدلًا من "سمعنا وعصينا" التي يقولونها كان من الممكن أن تكون (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) وبدلًا من "اسمع غير مسمع" كان من الممكن أن يقولوا (وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا) (وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) أي لا تعذرهم، لأنّهم قالوا كلامًا له معنيان، فقد كان الرسول ﷺ دائماً يعذر الناس ويبرر لهم، كلا! كان من الممكن أن يتجنّبوا هذا الكلام، كان لديهم طرق كثيرة ليتجنبوه، فلم يقولوا هذا الكلام من قلة الكلام، يمكن أن يقولوا شيئًا آخر. فبدلًا من "سمعنا وعصينا" التي يقولونها في قلوبهم، كان من الممكن أن تكون (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) وبدلًا من "اسمع غير مسمع" التي لها معنيان كان من الممكن أن يقولوا (وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا) ولو فعلوا ذلك (لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ) لكان أفضل لهم وأقوم، طريق قويم يعني طريقاً منضبط، لكنّهم ملعونون، لعنهم الله أي طردهم من رحمته. وما ذنبهم، كي يلعنهم الله سبحانه؟! (وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ) بسبب كفرهم، هم كفروا فلُعنوا، فالإيمان والكفر قرار، يتّخذه الإنسان بمنتهى الحُريّة، وبعد ذلك يدفع ثمن قراره (وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (٤٦) موضوعيّة غير معقولة! (فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) لها معنيان:
١- هم لُعِنوا بسبب كفرهم، لكنّهم ليسوا كُفّارًا خالصين، هناك إيمان قليل موجود في قلوبهم، وهو الإيمان بالله وبموسى وبالتّوراة، لكنّهم كفروا بباقي الأنبياء وباقي الكتب، فهم كفروا بسيدنا عيسى وحاولوا قتله، وكفروا كذلك بسيدنا محمد وحاولوا قتله كذلك، كفروا بيحيى وزكريّا وقتلوهما، وكفروا بسليمان وداود واعتبروهم ملوكاً وليس أنبياء، فتجد موضوعيّة حتّى في مسألة الكفر، ليست أبيض وأسود، ولا صح وخطأ، ليسوا جيّدين وسيّئين. كثيراً ما أتلقى هذا السؤال، والمسألة ليست أبيض وأسود فقط.
٢- ولها معنى آخر أيضاً قال به معظم المُفسّرين (فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) وهو: فلا يؤمن هؤلاء اليهود إلّا قليلًا أي إلّا قليل منهم يعتنقون الإسلام، ويصبحون مؤمنين وصحابة مثل عبد الله بن سلام.
أنا أُحبّ أن أتدبّر أيّ آيات عن الأُمم السّابقة، ولا سيّما اليهود، أُحبّ أن أتدبّرها لأنّ فيها تحذيرًا لنا نحن، فمن الوارد أن يحصل منّا نحن أيضًا أي خطأ حصل من بني إسرائيل، فالقرآن يُحذّرنا بأن يقُصّ علينا قصصهم وجزائهم كي نأخذ العبرة ونتّعظ. فلاحظ مثلاً (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) ونحن المسلمون أوتينا أيضًا نصيبًا من الكتاب، يعني من كتاب الله، نصيبًا من الوحي، فيمكن أن تقع أنت أيضاً بهذه المشكلة، فحذارِ أيها المؤمنون أن تتنازلوا عن هذا النّصيب من الوحي من أجل الحصول على الضّلال. بعض المسلمين للأسف يستغلون القرآن للترويج لبعض الظالمين والحشد لتأيديهم، فهو قد باع نصيباً الذي أوتيه من الكتاب بالضلال.

(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (٤٥)

يجب ألا ننخدع بالمظاهر، لأنّ سريرة الإنسان وداخله لا يعلمها إلّا الله.
هناك رجال ملتحون، ونساء منتقبات ومحجّبات، وليسوا معنا ولا يحبّوننا، ولا يريدون حتّى الخير للإسلام نفسه، كم منّا وليس فينا، وكم فينا وليس منّا. وهناك من يركبون سيّاراتٍ فخمة، وملابس أنيقة، يدخلون على النّاس ويأخذون نقودهم بحجّة أنّهم سيستثمرونها لهم ويشاركوهم وهم محتالون، والزي الرسمي الذي يلبسونه غير مدفوع ثمنه، والسّيّارة مُستأجرة لمدّة ٢٤ ساعة ليستعملوها في الاحتيال، فيجب ألا ننخدع بسهولة، كل هذه الآيات تكلمك عن الموضوعية، أن تفكر أيها المسلم.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

19 Nov, 08:46


قلنا أنهم على ضلال وانحراف، ويميلون عن الطّريق المستقيم (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) يُحرِّفون أو يميلون الكلام عن مواضعه، الحرف هو الميل، يحرفون كلام كتبهم، إمّا باستبدال الكلمات بكلمات أُخرى أو بحذف كلمات وفقرات كاملة أو بالتأويل الباطل؛ يعني يفسرونه تفسيرات باطلة وغير صحيحة، هُم يُفسرون معاني التّوراة على مزاجهم، هم أصلًا مُخادعون في كُلّ كلامهم وأسلوبهم، وهذا ليس غريبًا عليهم، هم عندما يُكلمونك -يا محمد- كلامًا عاديًّا، ليس من التوراة، يقولونه بمعنيين، معنى ظاهر وكأنّ كلامهم مُؤدّب، وأنّهم يحبوك ويدعون لك، ومعنى آخر هو الذي في قلبهم ويُعبّر عن كرههم لك، اسمع هذا الكلام إن لم تصدق أنهم يحرفون كتابهم، فانظر لماذا يفعلون ذلك، لأن هذا من طبيعتهم (وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَطَعْنًا فِي الدِّينِ)، تقرأ لهم القرآن يا محمد فيقولون لك سمعنا، وفي قلوبهم يقولون عصينا، هم بوجهين، نيتهم غير ما يُظهِرونه، إذن هُم مُنافقون، فيقولون سمعنا ظاهراً لك، وفي قلوبهم يقولون عصينا! (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) هكذا يقولونها، عندما يُكلّمونك يقولون لك بأدب "اسمع غير مُسمَع" أي بدون أمر، مثل أن يطلب أحدٌ منك طلبًا، فيقول "من فضلك اعمل كذا" كما تقول: لا يأمر عليك ظالم، أي هذا ليس بأمرك، بل تفضّلًا منك (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَع) أي اسمعنا ولا أحد يأمرك أو يجبرك أن تسمع منّا، لكن تفضّلًا منك أن تسمع رأينا، وهم في داخلهم يقصدون الدّعاء عليه "غير مُسمَع" يمكن أن تعطي معنى آخر، وهو: إن شاء الله ما سمعت، إن شاء الله تصبح لا تسمع، وينظرون إلى بعض بضحك، لأنهم يعرفون القصد من هذا الكلام. فيقولون شيئًا بأدب، وهم من داخلهم يقصدون معنى آخر، وهو الدّعاء عليك، حتى يضحكوا عندما يخرجون من عندك، فهم يعرفون أنّ الكلام له معنيان.

جدّي عندما كان يُحبّ أن يمزح مع ضيوفه، يقول لهم "أهلًا وسهلًا، أنتم تستحقّون الذّبح" يعني تستحقّون أن نذبح لكم عجلًا، أو تستحقّون قطع رقبتكم، وهو يضحك معهم، فأحياناً يكون الكلام له معنيين.
(وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ، وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَطَعْنًا فِي الدِّينِ) راعنا، يعني راعينا، انتبه لنا وركّز معنا، نريد أن نستفيد منك ومن علمك، راعينا وجدنا تحت جناحك، وفي الوقت نفسه كلمة "راعنا" بالعبريّة تعني أنت أسوأ من فينا (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) يلوون لسانهم ظانّين ألّا أحد سيفهم العبرية ليبلغ المسلمون، لكن الله -سبحانه وتعالى- أخبرهم! (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ) الله -سبحانه- بلغ النبي ﷺ والمسلمين، فهو -سبحانه- الأعلم بأعدائنا، ويحذّرنا من كرههم وحقدهم علينا ومكرهم (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ) التقليل من شأن النّبي ﷺ طعن في الدّين، لأنّه هو المُبلّغ؛ لذلك احترام النّبي ﷺ تعظيم للدّين من فرائض هذا الدين، احترام النّبي ﷺ وليس حُبّه فقط، نُحبّه ونُجلّه ونحترمه. في سورة الفتح يقول سبحانه (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ… (٩) يعني تنصرونه وتحترموه، وفي الحجرات مسألة احترام النّبي ﷺ واضحة بقوّة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ، وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٢) إياكم أيها المؤمنون أن ترفعوا صوتكم فوق صوت النبي ﷺ في حضرته، يجب أن يكون صوتك منخفضاً، كن مؤدباً! فلا تقل هو بشر مثلنا! لا هذا نبي الله، هذا رسول الله، هذا هو البشر الذي اختاره الله سبحانه ليحمل أعظم كتاب من كتب الله، يجب أن تحترم نفسك بوجوده (وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ)، كان الناس ينادون لبعضهم البعض من بعيد، لكن انتبه، لا يجوز أن تنادي عليه من بعيد، اذهب إليه وتكلم معه، فهل هو صديقك لتنادي عليه من بعيد، أو من نافذة بيتك؟! (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣) الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله ﷺ ويكونون مؤدبين في حضرته، هؤلاء هم الذين نجحوا في امتحان التقوى (أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى) فقط لأنهم احترموا النبي ﷺ ووقروه.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

19 Nov, 08:46


(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤)

السّبيل: هو الطّريق الذي يوصل إلى مكان معين، الذي نريد الوصول له، أو الذي نقصده، طريق السّويس في القاهرة اسمه طريق السّويس، لأنّه يُوصل للسّويس، والإنسان يُحدّد المقصد، قبل أن يخرج إلى الطّريق -الذي هو السّبيل- وأيُّ انحراف صغير في الطّريق سيكبُر ويكبُر وفي النّهاية لن يُوصِل للمقصد، فأي انحراف ولو درجة واحدة، وحافظ الإنسان في سيره على هذا الانحراف فلن يصل، بالتّالي من كان مقصده هو الله يجب أن يتّخذ السّبيل الصّحيح، الصراط المستقيم بدون أيّ انحراف، وإلا فإنه لن يصل إلى الله، لكن عندما تقرأ أنّهم (أهل الكتاب) تشعر بالثّقة؛ لأنّ عندهم علمًا وعقيدة سليمة، طالما أنّهم يتّبعون كتب من كتب الله. فالمفروض أن عقيدتهم سليمة، إذن المفروض أن تشعر بالثقة عندما تقرأ أهل الكتاب، خلاف عندما تقرأ (الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ) أي عندهم شيء من الكتاب، وليس كُلّ الكتاب، هذا يُشعِرُك أنّ هُناك انحرافًا، أنّهم ليسوا على الطّريق الصّحيح؛ لأنّ علمهم ناقص. لماذا ناقص؟! لأنّهم غير مُعتزّين به، لا يعتزون بدينهم وكتابهم، بالعكس هُم يبيعون العقيدة، ويستبدلونها بالضّلالة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ) حتى العقيدة القليلة المتبقية عندهم، يبيعونها ويتنازلون عنها، لم يقل سبحانه اشتروا الضلالة، بل قال يشترون الضلالة بالفعل المضارع، أي أنهم بصفة مُستمرّة يطلبون الضّلالة، ويُضحّون بنصيبٍ من كتاب الله (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) المؤمن الحقيقيّ يدعو النّاس إلى الهُدى، لكنّ هؤلاء يبيعون الهدى الذي عندهم أصلاً ويشترون مكانه الضّلالة، ويدعون النّاس للضّلالة بدل أن يدعوهم إلى الهدى (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) حتى لا يبقوا وحدهم في الضلال، فالإنسان الضال أو الذي على خطأ يريد دائماً معه أناساً آخرين، ليشعر أنه ليس وحيداً. فتجد مثلاً من يشم المخدرات، حتى لو كانت من نوع غال جداً، ومع أنه يتسول ويتعب لجمع ثمنها من هنا وهناك، إلا أنه مستعد لإعطائها مجاناً لمن يريد تجربتها لأول مرة، ليوقعه معه في الإدمان، يعطيه ذرة صغيرة، فيقع في إدمانها. وعندما يسمع أحدنا هذا الكلام، لا يُصدّق أنّ هناك من يدّعي الإيمان بالله، وعنده كتاب سماويّ من كتب الله، ويفعل هذا، لا يُصدّق! لماذا يفعلون هذا؟ تأتي الآية التي بعدها تقرأ تفكيرك، وتساؤلك فتقول:

(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (٤٥)

لا تكونوا سذّجًا، لا تحكموا على النّاس بالظّاهر، لا تثق بأيّ شخص مُلتحي ويلبس طاقيّة، لا تثق بأيّ واحد صوته جميلاً وهو يقرأ القرآن، لا تكن ساذجًا! فليس لأنهم أهل كتاب سيحبوننا، أو تقول إنهم يحبونا أكثر من عُبّاد الأصنام (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا) هل تظنّون لأنّكم تركتم عبادة الأصنام، وآمنتم بموسى مثلهم، وآمنتم بأنّ التّوراة وحيٌ من الله، أنّهم سيفرحون بكم، وينصرونكم؟ بل هم سيقاتلون مع المُشركين ضدكم لو استطاعوا (وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا) الله فقط من سينصركم، فلا تفكر في أحد غيره، ولا تضع أملك على أحدٍ غيره (كَفَى بِاللَّهِ) أي أن الله كافٍ، بعد الله لن تحتاجوا إلى أحدٍ ينصركم أبداً (وَلِيًّا) ينصركم عن ولاية يعني بُحبّ، الولي: من يليك، هو القريب منك (وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا) فهو الذي سينصرك عن حب، لقربك منه، والنّصير هو الشّخص الذي يساعد شخصًا مظلومًا، وقد يكون لا يعرفه، بينما الوليّ هو الذي ينصر -أي يُساعِد- عن ولاية؛ يعني عن حُبّ نتيجة قرب، يليه أي بجانبه، قريب منه (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ) اسمع صفة أعدائك هؤلاء، من هم، وما الذي يفعلونه ليُضِلُّوكم، ولأي درجة يكرهونكم؟!

(مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (٤٦)

لاحظ كيف يُعلّمك القرآن على التفكير الموضوعي، أن تكون موضوعياً، ولا تعمم (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا) ليسوا كلّهم، منهم من يفعل ذلك، خاصّة العلماء، الحاخامات، الشّيوخ النّصابين، منهم وليس كلهم (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) ألم نقل إن سبيلهم أو طريقهم لن يُوصِلنا؟ ها هو الانحراف بدأ (يُحَرِّفُونَ)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

19 Nov, 08:46


٢٢
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ، وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ، وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا، وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (٤٥) مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ، وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَطَعْنًا فِي الدِّينِ، وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا، وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وأنظرنا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ، وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (٤٦)

ما مناسبة هذه الآيات الآن؟ ما علاقتها بما قبلها؟! لماذا يكلمنا الله تعالى فجأة عن أهل الكتاب؟! الآيات التي سبقت هل كان لها علاقة بأهل الكتاب، ففي هذه الآية ذكر الله تعالى أهل الكتاب، وسيستمر هذا الموضوع في ١٢ آية عن اليهود والنصارى؟!
١- الله -سبحانه- نهانا عن الشّرك بالله، وورد في الآية ٣٦ (وَاعْبُدُوا اللَّهَ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، ومن ضمنه أن أهل الكتاب وقعوا في الشرك.
٢- قلنا من ضمن التّفسيرات للآية ٣٧ (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ، وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ…) أنّهم أهل الكتاب، الذين يكتمون براهين نبوّة النّبي ﷺ التي في كتبهم، فهم يبخلون ويأمرون الناس بالبخل، فلا هم عملوا بما في كتبهم، ولا هم نبهوا الناس عما في كتبهم، ليؤمنوا به.
٣- وهذه مهمة جداً ركز معي (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١) خطاباً للنبي ﷺ وطبعاً هذا الكلام يُغيظهم جدًّا، كيف تنزل آية تقول، إن الله سيُحضِر من كُل أمة ومن كل جيل فيهم شهيداً، أي شاهد يشهد عليهم، أنّه بلّغهم بالرّسالة، وهو نبيهم الذي جاءهم، يأتي ويشهد أنه بلغ الرسالة، وهم الذين عصوا الله، وبعد ذلك يأتي محمد بن عبد الله ﷺ يشهد على كفرهم وتكذيبهم، هذا كلام ما نزال بحاجة أن نتكلّم معهم فيه.
٤- تحريم الخمر؛ لأنّها غير مُحرّمة في شريعة أهل الكتاب، هذا معناه -من وجهة نظرهم- أنّ محمد ﷺ بدأ يخرج عن خط التّشريع الموسوي التوراتي، طالما تكلمت الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) تتكلم عن أهل الكتاب، حيث لم يكن الخمر محرماً عندهم، بل أن لديهم عبادة تؤدى بشرب الخمر حتّى السُّكر، وهي ليست من التشريع، لكنها من البدع التي ابتدعوها، سواء اليهود أو المسيحيون. والمسيحيون عندهم شيءٌ اسمه الأفخارستيا أو Eucharist بالإنجليزيّة، اسمه أسرار الكنيسة السبعة، ومنها سرّ التّناول، فيأتي قس الكنيسة ومعه قطعة من الخبز أو البسكويت مغموسة في نبيذ أحمر، يناولهم إيّاها الأب داخل الكنيسة بيده، ويجب أن يعطيهم إياها، لأنه يمثل المسيح، يأكلونها من يده مباشرة، هي قطعة خبز مغموسة بالنبيذ الأحمر، يضعها في فم المسيحي أو المسيحية، لكن يجب أن يؤمنوا أنّ الخُبز تحوّل إلى لحم جسد المسيح -عليه السّلام- والّنبيذ تحوّل إلى دمه، فيجب أن يؤمن المسيحي والمسيحية أنهم يأكلون لحم المسيح ويشربون دمه. هذه أول نقطة، أن الخمر تستخدم في العبادة عندهم، وقلنا أنها لم تكن محرمة في التشريع، ولكن هذه العبادات كلها مخترعة ومضافة إلى التشريع. أمّا اليهود فعندهم عبادة غريبة جداً يشربون فيها في المعبد اليهودي، ويُمجّدون الله ويسبّون الشّيطان، ثمّ يشربون أكثر ويُمجّدون الله، ويسبّون الشّيطان، ثمّ يشربون ويستمرّون على هذا الحال، حتّى يُمجّدوا الشّيطان ويسبّوا الله، فيتوقّفون عندها، ويعرفون أنّهم هكذا وصلوا حدّ السُّكر الذي يجب ألّا يشربوا بعده! وهذه عبادة تؤدى في المعابدة اليهودية! في أمريكا عندما مُنِعت الخمر بالقانون في 1920، وبقيت ممنوعة ١٣ سنة، كانت تُصرف فقط بوصفة طبيب أو بورقة من القِسيس، أو الراباي اليهودي، أو الحاخام لليهود، لأنّها تُستخدم في العبادة، فيذهب رجل دين من كل كنيسة أو معبد، ليأخذ الخمر، وبالتالي نزول آيات تحريم الخمر، تحتاج أنّنا نتكلّم مع أهل الكتاب في الآيات التّالية، لذلك سنتكلم عن أهل الكتاب بداية. أي أنّ تغيّر الموضوع من تشريعات تخصّ الوراثة والأيتام والنّساء، والحفاظ على حقوقهم والزّواج، إلى موضوع اختلافنا مع أهل الكتاب، لم يأتِ فجأة بل كان هناك تمهيد.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

19 Nov, 08:45


فيديو ٨٣٥ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة النساء حلقة ٢٢ الآيات ٤٤ - ٤٦

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

19 Nov, 08:45


https://www.youtube.com/live/XpQPjaRDZHU?si=6WnJrtA0aA8eb6MS

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

18 Nov, 11:39


(فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (٤٣) هل يعقل أن شخصاً جنباً يكفيه أن يتيمم بمسحة على الوجه والكفين، بعد ما كان عليه أن يغتسل بالكامل؟ نعم، أحد الصحابة لم يعرف كيف يتيمم بدل غسل الجنب، فاستلقى على الأرض، وأخذ يتقلب ليمسح جسده كله بالتراب كما تفعل الدابة -أجلّكم الله- إذا كان بها مرضٌ، والصحابي لم يكن لديه ماء ليغتسل به، فاغتسل بالتراب! والتيمم فقط ضربة بالتراب للوجه والكفين، هل يكفي هذا؟ نعم يكفي. (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) هذا عفو من الله، بدلاً من أن نضع جسمنا كله في التراب. وهذا من تيسير الله علينا، إذن علي أن أتخلق أيضًا بأخلاق ﷲ، يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

18 Nov, 11:39


إذا كنتم مسافرين وليس معكم الماء، أو أن الماء الذي معكم قليل يكفي فقط للشرب، والناس تموت في الصحراء، فإذا كان الماء لا يكفي للاغتسال ولا للوضوء، إذن ممنوع أن تقربوا الصلاة، أي لا تصلوا، وقيل المقصود أن تدخلوا مكان الصلاة الذي هو المسجد (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ) هنا ستكون بمعنى لا تدخلوا المسجد، إلا عابري سبيل يعني لو كنتم تحتاجون المرور فقط من داخل المسجد، مجرد مرور فقط، لأن أبواب بيوت بعض الأنصار كانت مقابل المسجد، فعليهم عند الدخول والخروج أن يمروا بالمسجد، ولا يوجد ماء في البيوت، ولكي يذهب ويحضر الماء ليغتسل عليه أن يمر من المسجد مروراً فقط. لاحظ أن كلمة عابري سبيل، وكلمة على سفر، وردتا في الآية، أي لو كنتم مسافرين وليس معكم الماء، وعابروا سبيلاً، أي مضطرين للعبور من المسجد. إذن في حالة المرض الذي يضر معه استخدام الماء، وفي حالة السفر وعدم وجود ماء كافٍ، فالتيمم يكفي للتطهر للصلاة، سواء محدثون حدثاً أصغر أي غير متوضئين أو حدثاً أكبر يعني جنباً، وذلك لأنه قال (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ) أي استعملتم الحمام، فهذا حدث أصغر، والتيمم يكفي إذا لم يوجد الماء أو كان الماء مضراً (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ) معناها العلاقة الحميمة، وقلنا أن لامستم على وزن فاعلتم، من المفاعلة، أي هناك فعل من الطرفين، إذن (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ) معناها العلاقة الحميمة، فأصبحتم جنباً، لذلك كثير من الناس يخطئون في فهم كلمة اللمس والملامسة والمس، فكثيراً ما تأتي هذه الكلمات بمعنى الجماع. السيدة مريم في آل عمران (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ (آل عمران ٤٧) ماذا يعني ولم يمسسني بشر؟! هل إذا لمس إنسان امرأة، سيصبح عندها ولد؟! إذن يمسسني كناية عن الجماع. وهنا يوجد خطأ كبير في الحديث الذي يستخدمه الناس (لَأنْ يُطعَنَ في رأسِ رجلٍ بِمِخْيَطٍ من حديدٍ - أي أن يدخل سيخ من الحديد في رأسه فيموت- خيرٌ من أن يمَسَّ امرأةً لا تَحِلُّ له) وقالوا إن هذا الدليل على تحريم المصافحة بين الرجال والنساء، فنحن لا نصافح؛ لأن النبي ﷺ لم يفعل ذلك، وليس بسبب هذا الحديث، أما هذا الحديث فمعناه أن يدخل سيخ الحديد في رأس الشخص أفضل له من أن يقع في الزنا. ونحن نعلم أن النبي ﷺ لا يبالغ، فلو كان القول إن الموت بسيخ من حديد يدخل الرأس، أفضل من لمس المرأة أو مصافحتها فهذه مبالغة، إذن فلا نصافح من لا يحل لنا تأسياً بالرسول ﷺ لأنه لم يصافح امرأة قط لا تحل له، وهذا حديث صحيح. الآن ماذا يفعل من أراد التيمم؟ (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (٤٣) يجب في التيمم أن يكون بعد دخول وقت الصلاة، فالبعض يقول هيا لنسرع ونتيمم، تبقّى ربع ساعة لأذان العصر، وهذا لا يجوز، يجب أن يؤذن العصر، ولا يوجد الماء، عندها يصح لنا أن نتيمم، ويمكن أن نتيمم ثم يأتي أحد بالماء، فنغتسل. إذن لا بد للتيمم من دخول وقت الصلاة، ونتيمم لكل صلاة. والتيمم يكون بالصعيد الطيب، يعني التراب الطاهر، لذلك يُسن بعد أن يضرب يده بالتراب أن ينفخ عليهما، حتى يطير أي شيء مؤذي قد يكون علق بهما، وقالوا أن الصعيد هو كل ما صعد عن الأرض، فقد يكون حجراً أملساً ليس عليه تراب يجوز التيمم به، وهذا رأي المالكية والأحناف، عندهم الصعيد هو كل ما صعد عن الأرض، فيكفي أي حجر عادي أو رخام، شرط ألا يكون رخاماً قد عُمل به، أي مما يركب في البيت، يجب أن يكون حجراً من أحجار الأرض، أي حجر خام من الأرض. بعض الناس قالوا ضربة واحدة للوجه والكفين تكفي، لأن الله سبحانه قال (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) لم يقل فامسحوا بوجوهكم، وامسحوا بأيديكم، فاعتبروا أن ضربة واحدة على التراب تكفي، والبعض قال ضربتين. ولكن الرأي الأصح عندي هو رأي المالكية، ضربة تكفي وتمسح فيها الكفين، والضربة الثانية سنة، أي إذا ضربت ضربة للوجه، يمكن لها أن تمسح الكفين أيضاً، وإذا أردت أن تقوم بضربة ثانية للكفين فقد أصبت سنة، أيضاً اختلفوا هل مسح اليدين يعني الكفين فقط أم حتى الرسغين؟ الأصح هو الكفان، والسنة حتى الكوع، لأن البعض قالوا يكفي الكفين، بينما قال البعض الآخر للكوع، فلو مسحت للكوع، قد حققت السنة.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

18 Nov, 11:39


يعتقد البعض بما أنه لا تقبل له صلاة أربعين يوماً إذا شرب الخمر، فعليه ألا يصلي، وهذا خطأ، بل عليه أن يصلي فوراً عندما يصحو، لكن أن يقبل الله سبحانه صلاته أو لا يقبل فهذا الأمر لله. سكارى أي متأثرين بالسكر الذي أحدثه الخمر، والسكر من التسكير بمعنى الغلق، سكر الباب يعني أغلقه، والخمر تغلق العقل، وتجعل العقل يقفل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) أول مرة حُرّم فيها الخمر في العالم، فلم يستطع أي أحدٍ من تحريمه قبل القرآن ولا حتى بعده، في أمريكا حُرم الخمر في القانون الأمريكي عام ١٩٢٠، لكنهم أعادوه في عام ١٩٣٣ لأن الجرائم زادت، وجريمة التهريب زادت (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) ماذا يعني؟! يعني لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ولا إذا كنتم جنباً (وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) أي إذا كنتم جنباً يجب أن تغتسلوا إلا إذا كنتم مسافرين، فهناك طريقة أخرى إن لم يكن معكم الماء، سنعرفها فيما بعد. لماذا لا يمكن الصلاة للجُنب، مع أن المني الذي يجنب منه الرجل ليس نجساً؟ بينما الغائط والبول الذين يخرجان من السبيلين نجسين جداً، ومع ذلك لا نغتسل منهما، بل ننظف أنفسنا ونتوضأ فقط، أما المني والذي ليس بالنجس، نغتسل منه، لماذا؟ يقول الإمام الشاطبي في كتاب الموافقات، وهو من أعظم ما كتب في مقاصد الشريعة، والشاطبي نسبة إلى شاطبة، وهي بلد في إسبانيا حالياً قرب غرناطة. يقول الإمام الشاطبي الأندلسي: "الأصل في العبادات الاتباع، دون النظر في المعاني والحكم، والأصل في المعاملات التعقل، والنظر في الحكم" ماذا يعني؟ أي أنه عندما يأمرنا الله سبحانه أن نفعل شيئًا، أو نأخذ شيئًا، فإننا نفكر وننظر في الحكمة، لكن في العبادات الأصل هو الاتباع، لأن الأسئلة في العبادات لن تنتهي، والله سبحانه لم يعطنا معلومات كافية نصل منها إلى الحكمة في كل شيء في العبادات، مثلاً لماذا تكون صلاة المغرب ثلاث ركعات، بينما الظهر والعصر والعشاء أربع ركعات؟! لا يستطع أي أحد الإجابة، نصلي المغرب ثلاث ركعات اتباعاً، لأن الأصل في العبادات الاتباع. فإذا كنت أنا أحب الله سبحانه كثيراً، وأشعر أن معدلات الإيمان عندي مرتفعة كثيراً، هل أستطيع أن أصلي المغرب أربع ركعات؟! كلا، هذا حرام، ولو تعمدت أن تصلي المغرب أربع ركعات فصلاتك باطلة، وكأنك لم تصلِ المغرب، ولو كنت إماماً لا يجوز للمأمومين أن يتبعوك، ويجب أن يخلعوك في الصلاة، ويتقدم أحدهم ليؤم الناس ويصلي بهم! لأننا في العبادات نقول آمين، يعني الأصل الاتباع، وليس البحث عن الحكمة، لكن هذا لا يعني ألا تفكر، يمكن أن نفكر، وإذا لم نعرف الحكمة نقول فقط سبحان الله! مثلاً السيدة في أثناء فترة الحيض لا تصلي، وتكتفي بالأذكار وقراءة القرآن دون مس للمصحف، القراءة من الخلوي، ولا تجوز صلاتها، فهناك حالة من طهارة الجسد تكون مطلوبة للصلاة، والزوج أيضاً لا يستطيع الصلاة وهو جنب وكذلك الزوجة، لماذا ما هي الحكمة؟! لا نعلم، نحن نتبع هذه الأحكام تعبداً، ولكن هذا ليس معناه أن التأمل في الحكمة من طريقة العبادات ممنوع، يمكن أن نتأمل، وقد يفتح الله سبحانه عليك بشيء من حكمته. الصحابة أيضاً تحدثوا في مسألة الاغتسال من الجنابة، وهي حالة تحدث بعد الإنزال، عند التقاء الختانين أي العلاقة الحميمية بين الزوج والزوجة، قالوا ربما الحكمة هو أن الشعور في هذه اللحظة، التي يحدث فيها الشعور بقمة اللذة، ينسى فيها الإنسان كل شيء حتى ربه، والكافر عندما يدخل الإسلام، ُيفرض عليه الاغتسال عند النطق بالشهادتين، فكأن الإنسان يغتسل من هذه اللحظة التي غفل فيها عن ربه، وهذا مجرد تفكر لبعض العلماء في المسألة، وليس بالضرورة أن يكون المقصود، لكنه تفكّر لطيفاً، لكن ليس بالضرورة أن يكون هذا صحيحاً، لكن عدم العلم بهذه الحكمة لا يضر، لأنه علم لا يُبنى عليه عمل، فهو علم لا ينفع وجهل لا يضر، وذات الكلام في الآية هنا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

18 Nov, 11:39


فلماذا نصرّ على أن نقرأه ونحن غافلون أيضاً؟ لا نشرب الخمر، لكن لا نفهمه؟ نقرأه بسرعة وبطريقة وكأننا نقصد ألا نفهم القرآن؟! أقرأ بسرعة لأني أُسمّع! وليس من الضروري أن تُسَمّع بسرعة، سمّعه بهدوء. فيقول هذه طريقتي! فهل هذه طريقة لقراءة القرآن؟ هل هذا أسلوبٌ للتدبر؟! وهل يليق هذا بالقرآن؟! قراءة الحافظ من أكبر عوائق التدبر، وهي القراءة للتسميع فقط، فهذا ما يسمى قراءة الحافظ. فمتى سنقرأه حتى نتدبره ونفهمه، ثم متى نطبقه ونشعر به؟ عندما نسّمعه! ثم يعود إلى التسميع من جديد! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) من صفات الشريعة الإسلامية التدرج في التشريع، الشريعة هدفها الأساسي التيسير على الناس، فتجعل حياة الناس أسهل وأيسر، هذا كان الهدف الأساسي للشريعة الإسلامية. الصحابة كانوا يشربون الخمر ويصعب جداً عليهم أن يوقفوا شربه، وحتى ييسر الله سبحانه على الصحابة ترك الخمر، نزلت أول آية في سورة النحل تتكلم عن الخمر (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا (٦٧) من ثمرات النخيل والأعناب تصنعون مشروباتٍ مسكرة، ورزقاً حسناً، الآية هنا لم تقل شيئاً سيئاً عن الخمر، لكنها فصلت المسكرات عن الرزق الحسن فقط، لم تقل حتى إنه رزق سيء، فقط ذكرته بصفته مسكراً، مجرد تجهيز نفسي للصحابة، ثم تنزل هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ (٤٣) فكانوا لا يشربون الخمر أبداً طول اليوم حتى يصلوا العشاء، بعد أن يصلوا العشاء، يكون معهم وقت طويل قبل الصلاة التي بعدها؛ وهي صلاة الفجر، فيمكن لهم أن يشربوا، لكن لا يشربوا كثيراً حتى يتمكنوا من الاستيقاظ لصلاة الفجر، لأن من يشرب الخمر يصبح كمن أخذ ضربة على رأسه، فلا يتمكن من صلاة الفجر، إذن عليهم ألا يكثروا من شرب الخمر، فنسبة الكحول قلت جداً في الدم، بالإضافة للتجهيز النفسي من قبل، وبعدها نزلت الآية (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا (البقرة ٢١٩) إذن ذكر أن الخمر والقمار فيهما إثم كبير، وكذلك فيهما منافع قليلة مثل التجارة والمال، لكن الإثم الذي فيهم أكبر من المنفعة بكثير، بهذا أصبح الناس جاهزين للتحريم، بل احزر من طلب تحريم الخمر؟! الصحابة هم الذين طلبوا أن تُحرم، قال عمر بن الخطاب: "اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً" فنزلت الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (المائدة ٩٠) الاجتناب هو أشد صيغة للتحريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ - وهي الأصنام وَالْأَزْلَامُ -نوع من أنواع القمار- رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) إذن الآيات كانت تنزل تنسخ بعضها بعضاً، كلما أصبح المجتمع جاهزاً، لتلقي التغيير في الأحكام بالتدريج، فينزل الحكم ليجهز المجتمع للحكم الذي يليه وهكذا، هذا ما يسمى نسخاً معنوياً، ماذا يعني؟! يعني أن الحكم نسخ، لكن لفظ الآية بقي موجوداً في القرآن وهي (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) فنسخ الحكم الذي أخذه الناس أنه من الممكن أن يشربوا الخمر، فالآية لم تنهى، لكن حالياً الأمر منهي. لكن لماذا تُركت هذه الآيات، ولم تنسخ نسخاً لفظياً؟ لأن معناها لم ينسخ بالكامل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ (النساء ٤٣) لم يعد معناها أنه يجوز أن نشرب، لأن الخمر حرمت تماماً، لكنها تقول لا يجوز أن تصلوا وأنتم سكارى، وهذا لا يعني أنه يجوز أن تشربوا، فالخمر أصبح محرماً، لكن معنى الآية أصبح تحريم الصلاة بحالة السكر، ما زال معناها أنه لو سكر المسلم، لأسباب كثيرة ممكنة، بسبب تخدير في غرفة العمليات، واستيقظ جزئياً، واقترب موعد أذان المغرب، فقالوا له الحق صلاة العصر! فإذا استيقظ جزئياً، ولكنه مازال يهلوس فلا يصلي، هذا منهي عنه، وهذه الآية تمنعه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) يجب أن يعلم ما يقول، ينتظر حتى يستقيظ تماماً حتى لو فاته صلاة العصر، يجب أن يصبح قادراً على إدراك ما يقرأ في الصلاة. ونفرض أن مسلماً ضعفت إرادته وشرب الخمر، ليس بسبب الإجبار أو تهديد بالسلاح، لكنه ضعف وشرب الخمر وسكر، وحان موعد الصلاة، هل يصلي؟ كلا، يجب أن يكون صاحياً أولاً.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

18 Nov, 11:39


٢١

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (٤٣)

نحن المتدبرون يجب أن لا نتناول القرآن بسطحية كما كنا نفعل سابقاً، يجب أن تشعروا بهزة في المشاعر، بشيء يرنّ في الأذن، لماذا؟ هذه أول مرة تذكر فيها الصلاة منذ زمن، هذه عاشر مرة تذكر فيها الصلاة من أول القرآن. كلمة الصلاة لم تذكر في الفاتحة، وإن كانت سورة الفاتحة نفسها اسمها سورة الصلاة، هكذا سماها ﷲ سبحانه في الحديث القدسي (إني قسمت الصلاة بيني وبين عبدي) وشَرح الفاتحة فقط، إذن الفاتحة تسمى الصلاة، والله سبحانه في الحديث ذكر الفاتحة فقط، ولم يذكر باقي الكلام الذي في الصلاة، ثم ذكرت الصلاة في سورة البقرة تسع مرات، ثمان مرات بمعنى الصلاة عموماً، أي إقامة الصلاة، ومرة عن الصلاة الوسطى أي صلاة العصر (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) وقلنا حسب آراء العلماء معناها صلاة معينة، وليس الصلاة عموماً، منهم من قال يُقصد بها صلاة العصر، والبعض قال صلاة الصبح. إذن كلمة الصلاة بمعنى الصلاة كشعيرة وردت ثماني مرات في البقرة، ولم تذكر ولا مرة في آل عمران، ثم تذكر الصلاة في النساء بنفس ترتيب آخر مرة ذكرت فيها في البقرة. ماذا يعني بالترتيب نفسه؟ ركز معي، في أول سورة البقرة وردت كثاني صفة من صفات المتقين (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) من هم المتقين؟ (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) ثم وردت ثلاث مرات مقترنة بالزكاة (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ) ومرتين بصيغة (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) وآخر مرة ذكرت إقامة الصلاة كنوع من البر، ينال بها الإنسان درجة الأبرار، ركز في الآية ١٧٧ في سورة البقرة (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ -أي الإيمان- وآتى المالَ عَلى حُبِّهِ ذوِي الْقُربَى واليَتَامَى والمسَاكِينَ وابنَ السَّبِيلِ والسَّائِلِينَ وفِي الرِّقَابِ وأَقَامَ الصَّلَاةَ وآَتَى الزَّكَاةَ والْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧) أي أن الأبرار هم الذين:
١- يؤمنون (بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)
٢- يعملون الصالحات مثل الإحسان ل(ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ) يعني العبيد، واسمها في الإسلام (وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) نفس الفئات التي تكلمت عنهم سورة النساء في أولها، ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وملك اليمين، ثم بعدها الصلاة، نفس هذا الترتيب ورد في النساء، فهل هذه إشارة إلى أن من يلتزم بالصلاة أولى به أن لا يأكل حقوق الناس، سواء الأيتام أو النساء أو الفقراء؟! فلن تقبل منه صلاته حتى يعيد حقوق الناس، فلا يظن أنه إذا صلى وأكل حقوق الناس فسيُغفر له ويدخل الجنة، هو واهم! هذه أول ملاحظة عندي، وهذا هو الفرق بين التدبر والتفسير، لو كنا نفسر فقط كنا بدأنا في الحال في الكلام عن الصلاة، عن أحكام الصلاة وعدم الصلاة في أثناء السكر، والكلام في النسخ والتدرج في التشريع، وهذا ما سنتكلم به فعلاً، لكن التدبر هو أن تراقب الآية، وهي تتحرك في قلبك وتؤثر فيه، وبعلاقتها بالآيات الأخرى، فتعود لآخر مرة ذكرت فيها الصلاة والعلاقة بينها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) ماذا يعني حتى تعلموا ما تقولون؟! ماذا نقول نحن في الصلاة؟! القرآن، هل هذا يعني أن الخمر مُنعت، حتى نفهم القرآن؟ نعم! لكن المسلمين اليوم لا يشربون الخمر ولا يفهمون القرآن! الآية تثبت أهمية فهم وتدبر القرآن (تَعْلَمُوا) يجب أن تفهم لتعرف كيف تتعامل مع القرآن، تدرس أهمية تدبر القرآن! فلم يجرؤ أي دين على تحريم الخمر من قبل، وإلا لترك الناس الدين لأجل الخمر، فالخمر شيء أساسي في حياة الناس، فمنع الإسلام الخمر من أجل القرآن! هذا الكتاب لا يليق أن يقرأه إنسان غافل!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

18 Nov, 11:38


فيديو ٨٣٤ من مقاطع حظر التجول تدبر سورة النساء حلقة ٢١ الآية ٤٣

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

18 Nov, 11:37


https://www.youtube.com/live/lpjTWBg5yDc?si=CyRyCbgBn5ftXkbq

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

29 Oct, 12:30


(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٩) القول السديد ليس فقط شهادة الحق، بل يجب أن يكون كل كلامك سديداً، تجتهد أن تنصح في ﷲ، وأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وأن تدعو إلى ﷲ، وأن تقول الصدق وتقف ضد الظلم، ولو أن كل شخص في المجتمع قال كلام سديد في كل المجالات، سينصلح حال المجتمع، لكن هذا يظلم، هذا وذلك يشتم هذا، وهذا يسكت عن الظلم، وذاك ينافق الظالم، فتحول المجتمع إلى صفيحة زبالة مع الوقت.

(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)

من يسرق الناس سيُرمى في نار جهنم، فالنار تحرق الشيء من الخارج للداخل! إذا حدث حريق في الدنيا يجري الناس بعيداً عن النار، لأن النار تحرق من الخارج للداخل، أما من يأكلون مال اليتيم ظلماً، ما وضعهم؟! ركز على (ظلماً) لأن الأكل قد يكون بالمعروف كما تدبرنا سابقاً، كأجر نظير إدارة المال، وقلنا الغني يستعفف، والفقير يأكل بالمعروف، فمن يسرق أموال الأيتام لن تحرقه النار من الخارج للداخل فقط، لأنه هذا الشخص يحترق من الداخل، أين سيهرب! النار تشتعل فيه من داخله، يقال إنه في يوم القيامة يُعرف آكل مال اليتيم عندما يخرج الدخان من فمه، فالنار تشتعل من داخله وخارجه (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠) فالنار متقدة في بطونهم، وفي الخارج يصلون السعير، يتم شواؤهم بنار السعير. وما يثير الغضب، هم من يعترضون على هذه الآيات، ويقولون أين رحمة الله؟! فهذا الكلام مخيف جداً، وهذا غير صحيح، فالكلام هذا يخيف ويطمئن في الوقت نفسه، إذ إنه يخيف القذر الحقير، الذي ينوي أكل مال اليتيم، ويطمئن الناس المظلومة، أن هناك إلهاً قوياً وحازماً وضع قوانين تحميهم، ومن سيتجرأ على سرقتهم؟! حتى لو هرب من عقاب الحاكم في الدنيا، لن يهرب من عذاب ﷲ، هذا الكلام يطمئن الإنسان، إن قُتل في سبيل الله وهو يدافع عن وطنه ودينه وعن الحق، لن يُهضم حق أولاده، وإن قرر أحد ما سرقتهم، فعقاب الله له سيكون شديداً! لو أحدنا يخاف من قطع يد السارق! ماذا سيكون؟! أكيد هو سارق يقلق من العقوبة، أنا أحب أن أعيش في بلد فيها قوانين حازمة تردع الناس، وتجعل من ينوي أن يرتكب الجريمة يفكر ألف مرة قبل فعلها، وهذا أمر مطمئن.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

29 Oct, 12:30


(وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ) سائق أو ممرض أو طفل، كانوا يخدمون هذا الرجل الذي مات، وكانوا يستفيدون من خدمته، سواءً براتب أو بطعام أو مأوى، ويعينوه على قضاء حوائجه، ويلاحقون مواعيد الأدوية، ويحضرون له الطعام، ويقومون على خدمته، وبعد وفاته انقطع مصدر رزقهم لأنه نسي أن يوصي لهم بوصية! ويشهدون قسمتكم للملايين التي تركها لكم أبوكم، والذي كنتم تسألون عنه بالهاتف من بعيد، وهؤلاء العمال أو الخدم كانوا قائمين على خدمته! قد يترك هذا في نفوسهم شيئاً نحوكم، ماذا نفعل في هذه الحالة!؟ قدموا لهم هدية بمبلغ من المال أو قطعة أرض مثلاً ليزرعوها ويعيشون من خيراتها، أو تمنحوهم بيتاً ليعيشوا فيه، ومصاريف معيشة، افعلوا ما ترونه مناسباً لكسر أي مشاعر سلبية قد تثور ضدكم في نفوسهم (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٨) وأنتم تقدمون لهم المال أو الهدية فلا تقولوا [ لهم خذ يا هذا، ولو أنه لا حق لك فيه، ولكن لا بأس سنعطيكم لأن أبانا كان يحبك ] بل قولوا لهم قولًا معروفاً، قولوا لهم لو استطعنا لقدمنا لكم أكثر، وخدماتكم لن تُنسى، وكل أموال الدنيا غير كفيلة بإيصال شكرنا على مجهودكم، وبهذه الطريقة نحافظ على روابط الأخوة والحب في المجتمع.
ولا يوجد قانون وضعي من وضع الإنسان ضم هذا الكلام، حتى القوانين الوضعية التي وضعها الإنسان لن تستطيع تحقيق العدالة المطلقة، وليس لها دخل بالجانب الشعوري، ولا حتى بجانب العدالة المطلقة؛ لأن من كتب هذا القانون مستفيداً منه، فلا يمكن أن يكتبه بطريقة تؤدي إلى تكليفه، بل يجب أن يضع بنوده لتؤدي إلى راحته هو والفئة التي ينتمي إليها، والله سبحانه وتعالى لا يُطبق عليه من الأساس، فهو غير مستفيد.
إذن هؤلاء الذين يحبون أولادهم، ويخافون عليهم لو ماتوا وتركوهم صغاراً أنهم قد يضيعون وتُسرق أموالهم ويظلمون أو يجوعون، فلا يمكلون دخلاً شهرياً ليصرفوا على أنفسهم، فهل يوجد وثيقة تأمين على حياة أبنائهم؟! نقول لهم أن هناك وثيقة تأمين إسلامية على الحياة، عندما يقوم بها الإنسان ويؤدي أقساطها، سيحافظ على أولاده عندما يموت، وسيكونون بخير ويجدون ما يكفيهم..

(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٩)

الآية تُكلم كل من خوطب في الآيات السابقة، سواء زوج يتعامل مع نساء، أو وصي يتعامل مع أيتام ويرعى ثروتهم وأموالهم، أو شخص يقسم تركة على الورثة. وحتى يومنا هذا هنالك مجتمعات لا تورث البنات، يقولون البنت تأخذ ذهب أمها، والولد يأخد أرض أبيه، من أين لكم هذا الكلام الفارغ؟! سيقولون هذه ثقافتنا، سحقًا لثقافتكم، فبعد شرع الله لا يوجد شرع، وبعد كلام الله لا يوجد كلام، فتنزل الآية لتحذر تحذير شديد من انتهاك أوامر ﷲ، وظلم المرأة واليتيم، حتى لا يخاف الإنسان أن يحدث لأولاده ما فعله في الآخرين في غيرهم (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٩) خافوا على أبناء الناس كما تخافون على أبنائكم (وَلْيَخْشَ) هل يعني وليخش ﷲ، أم وليخش من عذاب ﷲ، من المقصود؟ (الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ) كل من يخاف على أولاده الضعفاء بعد موته، ويخاف عليهم من طمع الناس في أموالهم (فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٩) فليتقوا الله في حياتهم، ولا يسمحوا بظلم أحد، لا امرأة ولا طفلاً يتيمًا ولا سفيهًا، فليتقوا ﷲ وليقولوا الحق، لأن هذه الأمور يحدث فيها تجاوز للشريعة، مما ينتج عنه حدوث الكثير من شهادة الزور.

وأظنكم تعرفون فيديو السيدة التي تستفتي الدكتور مبروك عطية، وتقول له جئنا بشهود زور وقمنا بكذا وكذا، تتكلم بفخر وكأنه عمل عادي جداً، أن يأتي الناس بشهود زور، ويقولون هذا الكلام بكل وقاحة، غير خجلين من أنفسهم على عمل حقير كهذا. قَالَ رسول ﷲ: (أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَالَ قَوْلُ الزُّورِ) وورد أيضاً، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ (أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ ـ ثَلاَثًا ـ أَوْ قَوْلُ الزُّورِ. فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَت) الصحابة غير قادرين على سماع الكلام لأنه مؤلم ومخيف، لأن لديهم حساسية، ولكن نحن جلدنا سميك، والبعض منا لا يخيفه هذا الكلام، ويظن نفسه من الناجين يوم القيامة، فهو يصلي خمس مرات في اليوم، فإن لم أنجُ أنا فمن سينجو؟! فيظن أنه يفعل خدمة لله، لأنه يصلي!

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

29 Oct, 12:30


٥

(لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (٧) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٨) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٩) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)

لم يأتِ الإسلام ليُصلح معتقدات الناس ويجعلهم يوحدون ﷲ فحسب، بل ليُصلح عباداتهم ويجعلهم يذكرون الله ويصلون ويصومون ولا يسجدون لصنم، وكذلك جاء ليصلح معاملات الناس وأخلاقهم، وأراد الإسلام أن يتوقف الناس عن الظلم، بل وأن يكرهوا الظلم من دواخلهم ولا يقبلوه، فيصبح الظلم مخالف للفطرة الإنسانية! ومما كان شائعاً من الظلم قبل الإسلام هو عدم توريث الجميع، فعندما يموت إنسان ويترك تركة، فبناته لا يرثن وأولاده الذكور الصغار الأيتام لا يرثون، وطبعاً زوجته لا ترث، بل حتى قد تُورَّث هي نفسها، في بعض الثقافات العربية تعتبر كالمتاع، لا يرث إلا الذكور الأقوياء الذين يحملون السلاح، سواء من أولاده أو إخوته، فنزلت الآية ٧ تصحح هذا الوضع الظالم جداً للنساء وللأيتام (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (٧) سواء ذكور أو إناث كل إنسان له نصيب من تركة الأب أو الأم، ولكن ماذا لو كانت التركة قليلة جدًا، ولن تكفي لتُوزع على جميع الورثة، فهل نعطي الأولاد الكبار فقط لأنهم متزوجون ولديهم بيوت ليقوموا عليها؟! أم يوزع على الجميع؟! فالآية تقول بمنتهى الوضوح (مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ) سواءً ترك ثروة كبيرة، أو حتى رباط حذاء، سيُوزع على الكل ذكوراً وإناثاً، وهذا الكلام فُرض ولا يستطيع الناس تجاهله، فالآية تقول اعلموا إنه (نَصِيبًا مَفْرُوضًا) الثقافة الذكورية أصبحت من الماضي، أصبحت من الجاهلية، وأصبح للضعفاء من يحمي حقوقهم (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ((نَصِيبًا مَفْرُوضًا)) فرض!
ولن يرث الأولاد والمقربون فقط، بل هناك آخرون يوصينا بهم الله، ولكنه ترك لنا مسألة تحديد نصيبهم (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٨) تشريعات الله ليست كتشريعات البشر، فالقوانين الوضعية من وضع البشر توضع بهدف تحقيق العدالة قدر الإمكان بين الناس، لكنها لا تهتم بالعلاقات الإنسانية، ولا بصلات الرحم ومشاعر الناس، أما شرع ﷲ فيشمل جانباً قانونياً، يحقق العدالة المطلقة، وسأقول لكم الآن لماذا لا تحقق القوانين الوضعية التي يكتبها الإنسان العدالة المطلقة؟! شرع ﷲ يحقق العدالة المطلقة، ويحافظ على مشاعر الناس وبقاء روابط الحب وصلات الأخوة بين الناس. يقول الله في الآية ٨ في وقت توزيع التركة على الورثة، قد يحضر بعض الناس الذين كانوا سيستفيدون من التركة، لولا وجود بعض الورثة ففي حالة عدم وفاة المتوفى لظل هؤلاء الناس مستفيدين من تلك الأموال التي كانت توزع، إذا كانوا يعملون لديه قبل وفاته، أو أنهم كانوا سيرثون لولا وجود بعض الورثة، فالولد الذكر يحجب التركة عن الأعمام والعمات، فلو كان أولاد المتوفىَ كلهم إناث لورث أخو الميت -العم- أو كانت ذرية المتوفى بنات، وقبل موته رزق بطفل ذكر صغير، حجب التركة عن أعمامه فيا حبذا وأنتم تقسمون التركة، لو تقدمون هدية لهذا العم الذي قد يكون أيضاً وصياً على أموال هذا اليتيم، بهذا ستكسرون بداخله بعض المشاعر السلبية، التي كان من ممكن أن تتولد تجاه هذا الطفل، الذي بوجوده حُرِم العم الفقير من أن يرث ملايين من أخيه، ويجب مراعاة عدم قول كلمة -المتوفي- بل الكلمة الصحيحة هي المتوفى، لأن كلمة المتوفي للدلالة على الفاعل فالمتوفي هو الله، ويجب الانتباه من القول على الميت المتوفي وهذا الخطأ شائع في مصر للأسف، حتى إن أحد العلماء يقول إنه كان بمصر يحضر جنازة، فأقبل شخص متسائلاً من المتوفي؟! فأجاب العالم: الله، فقال العالم فضربت بالنعال (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى) إذا حظر العم تقسيم التركة فالهدية هنا لها تأثير السحر؛ لأنها غير متوقعة، وتُشعر الإنسان أنه محبوب. قال النبي ﷺ (تهادوا تحابوا) لأنها تزيد المودة.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

29 Oct, 12:29


فيديو ٨١٨ من مقاطع حظر التجول تدبر النساء حلقة ٥ الآيتان ٧-١٠

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

29 Oct, 12:29


https://www.youtube.com/live/nJa3xyObz8s?si=JziRYzU2A7SZgf99

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

27 Oct, 15:28


وبما أن ديننا يحث على الجهاد، إذًا سيصبح هناك أيتام كثر ، ويجب أن تُطمئن المجاهدين على أولادهم، وأن من فقد أب سيجد آباء كُثر يحافظون عليه وعلى أمواله ويُستثمر ماله، وتُسلم إليه عندما يُتَيَقَّن من كمال عقله. والنساء اللاتي لم يكن يرثن، بل كن هم أنفسهم يُوَرَّثُون، فالهدف الحفاظ على الحقوق، والتأكد أن القسط يعم الجميع، والتأكد من عدم ظلم أحد.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

27 Oct, 15:28


(فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) واجعل الشهود يوقعون على تلك الأوراق، فلا أحد يدري ربما مع الوقت يتلاعب شخص بعقل هذا الولد، ويقنعه بأنك قد سرقته ونهبته، فالولد يحمل عليك ويبدأ بالكلام عنك بالسوء أو يشتكيك، عندها سيكون لديك الأوراق التي تثبت صحة وسلامة ونظافة ذمتك المالية (وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) لا أحد يحسب بعدك، ولو أن الدولة لا تُوجد المجلس الحسبي الذي يحاسب الأوصياء على أموال الأيتام، وأفلت من المحاسبين القانونيين في الدنيا (وكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) فاعلم أن الله يحسب ويحصي، فلن تفلت من الحسيب! وطالما تطرقنا لموضوع الحسابات، فهذا يجعلنا نفتح موضوعاً آخر له علاقة بالحسابات وهو موضوع المواريث..

(لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (٧) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٨)

طريقة تداخل الموضوعات في سورة النساء عجيبة، وكأن السورة قماشة مصنوعة من عدة خيوط متداخلة ببعضها، وتُعالج كلها مع بعض في نفس الوقت، في أول السورة بدأ الكلام عن الأيتام، ثم فتح موضوع النساء، دون إغلاق موضوع الأيتام، ثم رجع إلى الأيتام مرة أخرى، ومنه فتح موضوع المواريث لما جاء ذكر كلمة الحسابات، ومن المواريث أكد على حق النساء، ثم عاد إلى ذكر الأيتام مجددًا، هذا شيء مذهل! (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (٢) ثم من الأيتام فتح موضوع النساء والزواج، كيف؟! (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (٣) إن خفت ألا تعدل في الزواج من اليتيمة، دعها وعندك من النساء غيرها كثر، وتزوج مثنى وثلاث ورباع، وطالما فتح موضوع التعدد فقبل الخروج منه عاد مرة أخرى لذكر العدل (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) وقبل ترك موضوع الزواج تحدث عن المهور وحق المرأة، وبعدها أخذك إلى حقوق اليتيم (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤) وطالما تحدث عن الحقوق والأموال يعود بك للحديث عن اليتيم مجددًا (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٥) ثم من موضوع الأيتام تفتح السورة موضوع المواريث، فتقفز بنا السورة عند ذكر (وَكَفَى بِاللّٰهِ حَسِيبًا) وأن هناك نظام مواريث وحسابات يشمل الرجال والنساء، فنناقش ثلاث أو أربع موضوعات مع بعض في الوقت ذاته طوال السورة، وهو أمر في الحقيقة أراه مذهلاً (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (٦) لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (٧) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٨) وطالما تحدثنا عن حقوق الرجال والنساء في تقسيم التركة عدنا إلى التحدث مجددًا عن الفقراء والأيتام والمساكين (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٩) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠) يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) إذن من الواضح أن قماشة السورة مكونة من ثلاث أو أربع خيوط متداخلة، والهدف هو: الحفاظ على حقوق الناس، وخاصة حقوق الضعفاء المهضوم حقهم، الذين لم يكن يناصرهم أحد وهم الأيتام.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

27 Oct, 15:28


٤

(وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٥)

من بداية السورة، يأمرنا الله بأن نعطي الأيتام أموالهم عندما يكبرون (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (٢) ونعطي النساء مهور الزواج، ولا نأخذ منها شيئاً، وفي الآية الثالثة (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) ثم أول مرة نرى أمراً بعدم إعطاء المال:

(وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٥)

سفهاء جمع سفيه، وسفيه يعني خفيفاً، ثوب سفيه: يعني غير منسوج بشكل جيد، فيكون خفيفاً في بعض المواضع، كلمة سفيه تقال للإنسان الذي لا يحسن إنفاق المال ويبذر بشدة، فقد تكون السفاهة بسبب صغر السن أو بسبب جنون أو بسبب عدم رشد وعدم نضج! مثل شخص يرافق الراقصات ويأخذن ماله. وآخر يلازم أصدقاء محتالين يخدعونه ويجعلوه ينفق عليهم، ويمكن أن تكون السفاهة بسبب الغباء وعدم الرشد، أي خفة عقل قال تعالى (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٥) اللفظ عام إذا اعتبرنا أن الله يكلمنا كلنا عن طريقة إنفاق مالنا، فهذا معناه أننا عندما نرى شخصاً سفيهاً لا نعطيه المال، لديك طفل صغير لا تستطيع أن تعطيه ١٠٠ دولار، أو عندك أخ مجنون في مستشفى الأمراض العقلية فلا تعطيه المال في يده، تضعها في حسابه في المطعم الملحق بالمستشفى وهو يطلب وتتابع حسابه، وتغذي الحساب باستمرار، لكن لا تعطي المجنون ولا الطفل المال في أيديهم، لأنهم سوف يبددونه. لو أنه لديك ابن ضال ويتصرف على هواه كما يشاء، فلا تعطه المال، لكي لا تشجعه على الفساد أكثر، وسيشتري بها خمر أو مخدرات! أيضًا تعرف أسرة فقيرة محتاجة طعام وملابس، والأب يُدخن، فأنت تعلم أنك إن أعطيته مال الزكاة نقدًا سيشتري بها سجائر، فقم بشراء الطعام والملابس وأوصلها إليهم، مع أن الزكاة في الأصل هي تمليك المال للفقير، الزكاة المفروض أنها لا تخرج عينية بل تخرج نقداً، لكن في حالة شخص لديه شيء من السفاهة فيمكنك أن تحضر بتلك الأموال أشياء عينية (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٥) هناك تفسير آخر، وهو أنك كوصي على مال اليتيم عندما يكبر، اليتيم ما حكمه؟! في الآية ٢ (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (٢) لكن لو هذا اليتيم سفيه، لا تعطه المال لأنه سيضيعه (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٥)
(وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) أليست أموالهم؟! لماذا قال أموالكم؟ كنت أتوقع، ولا تؤتوا السفهاء أموالهم؟ هي أمواله من حيث الملكية لا من حيث التصرف، هو ليس متصرفًا فيها ولن تُعطَى له، بما أنه مازال سفيهًا. والله نسبها للوصي المتصرف فيها (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) على أساس أن يجعله يحرص على المال كأنه ماله، فلا تقول كوصي أخيرًا الولد كبر فليأخذ ماله، أنا أريد أن أتخلص من هذه المسؤولية (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) اعتبرها أموالك، لو ضاعت سيقع الضرر على المجتمع كله، فكيف سيأكل ويشرب هذا الولد، ومن أين؟! إما أنه سيسرق أو يتسول، فالأفضل أن نحافظ على هذا المال حتى يصل لمرحلة الرشد والنضج (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) هذه الأموال لها قيمة، تقوم بها الحياة، فالإسلام تعامل معه باعتبار أنه مهم، يجب على المسلم أن يستثمر، فيخرج زكاة، وبذلك يقل عدد الفقراء، فالمال تقوم عليه الحياة، فلو ضيعها المشكلة ستعم (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٥) ولو حجرتم عليهم إلى أن تتحسن حالتهم العقلية، ويصبح الفرد منهم راشد أو يشفيه الله، في أثناء منعهم من التصرف في المال لا بد أن تنفقوا عليهم من مالهم، ولكن الإنفاق عليهم لا يكون من أصل المال، بل لا بد أن تحاولوا أن تستثمروا لهم أصل المال فيزيد، وتنفقون عليهم من أرباحه، لذلك قال ارزقوهم فيها وليس وارزقوهم منها.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

27 Oct, 15:28


الآية ٨ تتكلم عن الأقارب والفقراء، إن حضروا قسمة التركة قال (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) ارزقوهم منه أي أعطوهم من هذا المال الذي يُقَسَّم على الورثة، لكن الإنفاق على اليتيم يكون (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٥) ارزقوهم فيها، أي هي نفسها، أصل الأموال نفسها لا بد أن تزيد بالاستثمار (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ) اشتروا لهم ملابس منها وطعام ولوازم الحياة (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا) إن كبر اليتيم وأصبح يطالب بماله ولكنك ترى أنه لا يزال سفيهاً، ويوجد محكمة وقاض، فإن حكموا أنه لا يزال سفيهًا، وأنت قد استطعت أن تحجر عليه حتى ينضج، فلا توبخه وتقول له أنت مجنون وسفيه! لا توجه له الإهانات، لأن هذا لا يساعد على تحسن حالته العقلية النفسية، يجب أن تطيب خاطره وتقول له سأعطيك أموالك إن شاء الله ولكن بعد مدّة، حتى نتأكد أنك لن تضيع تلك الأموال. إذًا عندما يكبر الأطفال ماذا نفعل لكي نعرف متى نعطيهم أموالهم، ونسلمها إليهم ولا نحجر عليهم،؟ هل ننتظر سنتين أو ثلاثة حتى يصلوا لمرحلة النضج؟! اقرأ الآية ٦

(وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (٦)

أعطوهم جزءاً صغير من أموالهم، وراقبوا تصرفاتهم، وانظروا ماذا سيفعلون بالأموال، ويجب أن يكونوا قد بلغوا سن النكاح، وأظهروا الرشد، يعني النضج العقلي، عندها ردوا إليهم كل أموالهم، وذلك هو المقصود بقوله (وَابْتَلُّوْا) فالابتلاء معناه الامتحان والاختبار، كل مدّة تعطيه كمية من المال، وترى ماذا يفعل به، وتعلمه كيف يتصرف وهكذا (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) في هذه الحالة رُدوا إليهم أموالهم (آَنَسْتُمْ) أي ظهر لكم الرشد أي النضج العقلي، يوجد من ينفق على اليتيم من ماله لكن بإسراف، فهذا الوصي أيضًا منتفع من الطعام والشراب، ونوعية الخدمات التي يعطيها لليتيم، فيحذر الله من ذلك (وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا) كأن تشتري طعاماً كثيراً وأنت تعلم أنه لن يأكل كل ذلك، فتأكل معه، أو تشترك له في أسرع وأغلى إنترنت وبالطبع أنت مستفيد، وأسرتك كلها مستفيدة من سرعة النت، فتستهلك أمواله بالإسراف قبل أن يكبر (وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا) فلا تستهلكوها بالإنفاق قبل موعد ردها إليهم، تبادر إلى إنفاقها قبل أن يكبر! كل هذه الحيل معروفة، وهذه فائدة تقوى ﷲ، فأن لم يستطع القانون أن يثبت عليك خطأ، وأفلت من العقوبة في الدنيا، فالله يعلم ما فعلت من سوء استغلال لمال اليتيم، وعقابه شديد في الآخرة (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) إدارة المال هو عمل من الإنسان، فمن يدير لي أموالي يجب أنه يأخذ أجراً في نظير إدارة المال والثروة لشخص آخر، فهل من حق الوصي الذي يدير ويستثمر ثروة اليتيم أن يأخذ أجراً على هذه الإدارة وهذا المجهود الذي يعمله؟ (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) هذا يجوز، لكن إن كنت غنياً تعفف عن مال اليتيم، واستثمر ماله مع مالك من غير أن تأخذ منه مقابل، افعلها لله، إذا كنت فقيراً يمكنك أن تأخذ أجر نظير تعبك وجهدك، فتأخذ بالمعروف أي بالمتعارف عليه، مثلاً إن قام شخص بأخذ ٥٠٪ من الأرباح التي يحققها لليتيم، في إن حين المتعارف عليه والشائع في المجتمع، أن الذي يُشغل للناس أموالهم، ويستثمرها يأخذ ٢٥٪ من الأرباح فقط، إذن نسبة ٥٠٪ نسبة جائرة وظالمة لليتيم الصغير الذي لا يفهم بهذه الأعمال، فلا تستغل كونك صاحب القرار كوصي على ماله، وفي نفس الوقت موظف عنده بأجر، فتعطي نفسك أجراً مبالغاً فيه (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) هذا الكتاب -القرآن- قمة في الدفاع وحماية الضعفاء والغافلين من أطفال صغار وأيتام وأرامل (فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (٦) هنا القرآن يدافع عنك أنت وعن سمعتك، عندما ترد إلى الأيتام أموالهم بعد أن يبلغوا سن الزواج، وتتأكدون أنهم راشدون وعاقلون وناضجون، أحضروا شهوداً ليشهدوا أنكم سلمتوهم أموالهم.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

27 Oct, 15:15


فيديو ٨١٧ من مقاطع حظر التجول تدبر النساء حلقة ٤ الآيتان ٥-٦

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

27 Oct, 15:15


https://www.youtube.com/live/sctMcesYV4g?si=ijAQ6R-YWn8aPs18

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Oct, 07:52


 لكن إذا أحضرت زوجتك لك هدية من المهر الذي دفعته لها وأصبح مالها، أو أعطتك جزءًا من مهرها (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ) عن طيب نفس أعطتك جزءًا منه (مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤) وقالت لك خذ حل به مشكلتك، يجوز لك أنك تأخذ هذا المال، وهو حلالٌ لك، ولو ذهبت تشتري فيه شاورما وتأكلها بالهناء والشفاء (فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) حلال لا أحد يستطيع أن يتكلم إذا لم تكن قد أحرجتها.
هل لاحظت كم الأمر بالمعروف وبالعدل وبالقسط في السورة، ومع الفئات المظلومة المهضومة على مر التاريخ؟! اليتامى الذين ليس لهم ظهر، والنساء اللاتي لا يجدن أحدًا يسندهن ويقف معهن، يدافع الله سبحانه عن حقوقهم ويحذر من ظلمهم، لهذا بدأ السورة في الآية الأولى بأنه يراقب كل كلمة وكل فعل وكل نفس تتنفسوه، فاحذر أن تظلم يتيمًا أو امرأة وتظن أنك ستفلت من العقاب إذا ظلمتهم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١) كلكم رجالًا ونساء، أخوات وأولاد أب واحد وأم واحدة، فاتقوا ﷲ (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) يراقبك ويصورك صوتًا وصورة، وأجهزة التسجيل هذه يمكن لها أن تسجل نيتك أيضاً، أجهزة التصوير الموجودة هذه الأيام تصور صوت وصورة دون النية، لكن الله سبحانه يعلم نيتك.

لاحظ السورة من أولها إلزام للإنسان لكي يعدل، ما الشيء الشديد الذي رأيناه بالإسلام؟! هل أمرنا الله بأي شيء سيئ؟ هل نهانا الإسلام عن أي شيء مفيد؟! وكأن الشرع قد صُمم لمصلحتك، ومن لم يكن له ظهر يسنده أصبح له من يدعمه بالشريعة، ومن لم يكن له أحد يدافع عنه أصبح له من يدافع عنه بالشريعة.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Oct, 07:52


(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (٣) يعني هذا أفضل من أن تظلموا وتأتوا يوم القيامة أمام ﷲ ظالمين، إذن الآية تشجع على التعدد؟ كلا، لكن لا تمنعه، لأن الناس يختلفون وكذلك المجتمعات، ولأكون صريحاً، المجتمعات التي تمارس التعدد وليس عندها مشكلة فيه، فقد حل مشاكل إجتماعية كثيرة جدًا. الحقيقة أنّ التعدد كان مفتوحاً، ورسالة محمد ﷺ هي التي جاءت بتحديد العدد بحد أقصى أربعة، ولن يستطيع كل إنسان أن يعدل، وإذا لم تقم البيوت على أساس العدل سيختل نظام الأسرة، والأسرة هي الأساس واللبنة التي يقوم عليها المجتمع، ولو كانت هذه اللبنة مختلة ستؤثر على المجتمع ككل، والبيوت ستنهار، إذا لم تكن مبنية على أساس العدل سيختل نظامها ونظام المجتمع، وستحدث فتن في البيوت، وسيحدث عقوق للأزواج وللآباء عندما يشعر الأولاد أن أمهم مظلومة، يحملون على آباءهم في قلوبهم، يحزنون لأجل أمهم. فالإسلام هو الذي حدد العدد وليس هو الذي شرّع التعدد، بل التعدد كان موجوداً من قبل، أيضًا لأن الأب مهمته لا تقتصر على فتح البيت والإنفاق عليه، الأب عليه أن يربي ويعطي وقتاً لتربية الأولاد، وليس فقط ينجب الأطفال ولا يراهم، كلا! بل يجب أن يقضي الوقت مع أطفاله، النبي ﷺ كان يقضي أوقاتاً طويلة مع الأطفال، سواء أولاده أو أحفاده أو أولاد زوجاته، يربي ويعلم ويلعب معهم، وركز هنا على كلمة <يلعب معهم> هذا اللعب مع الأطفال أثبت علم النفس أنه يقي من الإلحاد والشذوذ تخيلوا!

كتاب FAITH OF THE FATHERLESS للدكتور Paul Vitz

وهذا الكاتب كان رئيس نقابة الأطباء النفسيين في أمريكا، وذكر في الكتاب عقيدة من لا أب لهم، عتاة الإلحاد الذين اخترعوا الإلحاد من أمثال كارل ماركس، وذكر أن علاقته كان سيئة بأبيه، وأبوه تنصّر أساساً بعد أن كان يهودياً، وكان على وشك أن يصبح حاخاماً، ليس اقتناعاً منه بالمسيحية بل لأنه كان جباناً يخاف من بعض المشاكل، وهو لم يحترم أبوه، ولم يقبل أن يترك دين أجداده ويدخل المسيحية، وعدم احترامه لأبوه لهذا السبب جعله يفسد علاقته بالله نفسها، وكارل ماركس هو من اخترع المذهب المادي والشيوعية، وكذلك تحدث عن نشيتا وهو فيلسوف ألماني له مقولة شهيرة God died الإله مات! وهو فقد أبوه عندما كان عمره ٤ سنوات، فلم يتربى في كنف رجل أساساً. وكذلك فرويد وتوماس هوكس، فالكتاب تحدث عن عتاة الإلحاد الذين لم يكن لهم علاقة جيدة مع والدهم. ولهذا أنصح بالاشتراك في ألعاب مؤسسة جسور مع الأطفال، والعبوا ضدهم وتسابقوا من سيربح، هذا اللعب سيقي من الإلحاد. النبي ﷺ كان ينزل على ركبتيه، ويضع الحسن والحسين على ظهره ويتظاهر أنه الجمل، ويقول ﷺ لهما: (نعم الجمل جملكما!) هذا ليس تضييعاً للوقت فالنبي ﷺ لم يكن لديه وقتاً ليضيعه، هذا اسمه الوقت النوعي Quality time ليس أن تقضي الوقت بنصحهم، انسى! بل عليك أن تقضي الوقت معهم وكأنك في عمرهم، إذا كان عمر الطفل سنتين فتلعب معه وكأنك بعمر السنتين، وإذا كان سبع سنين فتكون كذلك، وإذا كان ١٢ سنة تلعب معه وكأنك ابن ١٢ سنة، واحضن أطفالك وقبلهم كثيراً، الرسول ﷺ كان يقبل الحسن والحسين كثيراً، فقال له أحد الأعراب يوماً: أنا لدي عشر أولاد لم أقبّلهم أبداً! فأجابه النبيﷺ (أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ) أريد أن أقول لكم أن بعض حالات الشذوذ الجنسي تكون لهذا السبب، يقول شاب لم يكن هناك أي حالات تلامس معي، من ثلاثة أيام تكلم معي أحدهم ليقول: كنت أنزل وأقف بالشارع لعل أحداً أعرفه يمر فأسلّم عليه وألمس يده، أو أي أحد من الجيران، كان يريد فقط أن يمسك يد أحدهم! هذا شيء مهم جداً، والأب ليست مهمته مجرد العمل وإنجاب الأطفال ثم لا يعرف أي شيء عنهم، فالدين حدد دور الأب في هذا الأمر.

(وَآَتُوا النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤)

الأيتام والنساء كانوا الفئتين المظلومتين في الجاهلية، وحقهم مهضوم، فجاءت سورة طويلة تدافع عن حقوقهن وتنتزعها لهن، يتزوج ويدفع المهر، وبعد ذلك يغريه المهر الذي في يد زوجته ويريد أن يجدد فيه السيارة فيتحايل عليها، فقد دفع لها المهر من سنة، ويعلم أنها خبئته ولم تستخدمه، ويحرجها أو يجبرها أو يهددها حتى يأخذ المهر، ويبيع سيارته ويضع فوقها ليشتري سيارة أحدث، ويقول لها هو كله لنا ولأولادنا (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ) الصداق: هو المهر، مؤخر الصداق: يعني مؤخر المهر، أعطوا النساء مهورهن (نِحْلَةً) النِحَل يعني المِلل، نحلة: يعني دين، هذا فرض عليكم في الدين، أعطوهن أموالهن، والباقي من الصداق الذي يسموه المؤخر هذا دينٌ عليك يجب أن تدفعه.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Oct, 07:52


وفي ذلك الوقت كان هناك ملكات يمين، وهن الإماء، لكن إذا كنت ستتزوج عدة زوجات فلا مفر من العدل، وهذا أحسن من أن تميل وتظلم. أولاً حتى لا تظلم فلا تتزوج الفتاة التي كنت وصياً عليها، ولديك مجال أن تتزوج زوجة أو اثنتين أو ثلاثة أو أربعة، فإذا خفت ألا تعدل بين الزوجات فتزوج واحدة.
لاحظ كيف أنّ الآية تركز على العدل من الأول للنهاية، والسورة كلها تركز على العدل. بالنسبة لموضوع تعدد الزوجات، فقد كان العدد قبل الإسلام مفتوحاً، ولم يحدد العدد بأربعة إلا برسالة محمد ﷺ، وهذه الآية حددت العدد بأربعة زوجات. بعض الناس فهمت أن الواو للجمع يعني (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) يعني مجموع ٢ و ٣ و٤ = ٩ كلا طبعًا، وقالوا لو أراد الله لقال (مَثْنَى أوَ ثُلَاثَ أوَ رُبَاعَ) نقول لهم: في اللغة (أو) تفيد التخيير، فمن الممكن أن تفهم الآية لو استخدمت (أو) أن الذي يتزوج اثنتين، لا يجوز أن يتزوج ثلاثة، والذي يتزوج ثلاثة، لا يستطيع أن يتزوج أربعة، فاستخدام أو (مَثْنَى أوَ ثُلَاثَ أوَ رُبَاعَ) لا يعطي المعنى، لكن (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) هذه هي الخيارات المتاحة (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) أي يمكن أن تتزوجوا واحدة أو اثنتين، ويمكن ثلاثة أو تتزوج أربعة، لكن ابتعد عن اليتيمة لكي لا تظلمها. طبعًا هذه الآية هي من الآيات التي سببت مشكلة عند نساء كثيرات، يوجد عندي حلقة في التعدد، أرجو أن تشاهدوها، لأن هذا الموضوع يحتاج وقتاً للنقاش، لكن باختصار شديد، التعدد ليس فرضاً، والله سبحانه ترك هذا الأمر لكل مجتمع حسب ثقافته، أنتِ يمكن ألا يعجبك التعدد، لأن ثقافة مجتمعك التي تربيتي فيها لا تقبل هذا الأمر، ولا يوجد مشكلة في أن ترفضي التعدد، لأنك لا ترفضين فرضاً من فرائض الدين، فلا يوجد حرج ألا تقبليه على نفسك، ولا يوجد أي حرج شرعي أبدًا، لكن في نفس الوقت يجب أن تعرفي أن الإسلام هو دين ﷲ لكل الناس، في كل زمان وكل مكان، هذا الدين يطالب الناس في الإسكيمو وآلاسكا باعتناق الإسلام، في غابات إفريقيا الناس مطالبين باعتناق الإسلام، في اليابان وفي إستراليا وفي سان فرانسيسكو الناس مطالبين باعتناق الإسلام، فلا تطالبي بدين مفصل على مقاسك وحدك، أنت لا تريدين التعدد هذا وارد، لكن غيرك يريد التعدد، حتى بعض النساء وليس الرجال فقط، فالرجل الذي يتزوج من أخرى لن يتزوج ابن عمه، بل سيتزوج امرأة مستعدة أن تقبل نصف رجل. ويوجد حلقتين عن تعدد الزوجات، إحداها من برنامج إسلاموفوبيا، والأخرى من دورة رد الشبهات، وهي دورة تعلمك الأسلوب الذي ترد فيه على أي أحد يرمي شبهة في دينك، سترون أن هناك الكثير من الثقافات، ويوجد العديد منها النساء هن اللواتي يزوجن أزواجهم، لا تستهزؤوا بهن ولا تضحكي عليهن، كل شخص حر في ثقافته، ويجب أن نحترم الجميع، وفي هذه المسألة الحكم واسع يسع الجميع. بالنسبة للمرأة التي لا تريد أن يعدد زوجها، يمكن أن تتفق على هذا الشرط قبل العقد، بل وتدرجه في عقد الزواج، هل يجوز هذا؟ نعم يجوز، عند الإمام أحمد بن حنبل، لأن عقود الزواج عند الحنابلة عقود مالية، يمكن إدراج شروط فيها حسب رغبة المتعاقدين، لكن لا يجوز لحاكم أن يمنع التعدد، لأنه يكون قد حرم ما أحل ﷲ، وحرّم ما يحل به بعض الناس مشاكلهم، فهذا لا يجوز شرعاً، ويعتبر هذا تجاوزاً لحدود ﷲ وجرأة شديدة على الشرع. اقرأ الآية، ولاحظ هل تشجع الآية على التعدد وتكثير عدد الزوجات أم لا؟! (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (٣) هذا أفضل من أن تأتوا وأنتم ظالمون يوم القيامة، إذن على ماذا تشجع الآية؟! كل شخص يمكن أن ينظر من منظور مختلف، لكن الآية لا تشجع على التعدد، ولا تقول كذلك ألا تعدد، بل تترك المجال لكل ثقافة، وأنا لا أنصح المرأة التي ليست من هذه الثقافة ولا تتقبل هذا الأمر، أن تجبر نفسها عليه، وتقول لزوجها أن عليه أن يتزوج. الآية تضع العدل شرطاً للزواج من اليتيمة وشرطاً للتعدد، والذي يخاف أنه لن يعدل لا يتزوج من اليتيمة، والذي يخاف ألا يعدل فلا يُعدد.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Oct, 07:52


٣

(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (٣) وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤)

يحذرنا الله سبحانه دائمًا من أكل حقوق الناس وبوجه خاص الأيتام، لكن حقوق الأيتام ليست أموالاً أو تركة ورثوها عن آبائهم فقط، ماذا إذن؟ يحذرنا الله من أكل أموال اليتيم الذي نكون أوصياء عليه في الآية (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (٢) وهو المال الذي تركه لهم والدهم، لكن المال ليس بالضرورة أن يكون مالاً موروثاً وموجوداً، يمكن أن يكون مالاً سيأتي لليتيم، كيف ذلك؟ يمكن أن تكون يتيمة، وعندما تكبر وتنضج ستصبح عروساً، وبصفتها عروس عندما تبلغ اليتيمة سن الزواج يأتي العريس، والعريس سيدفع المهر، الاتفاق على المهر يتم مع من في حالة العروسة اليتيمة التي مات أبوها؟! مع الولي عليها والوصي على شؤونها. والشريعة الإسلامية لا تترك ثغرة يُظلم فيها أحد، نفترض أنّ الوصي أو الولي نفسه أراد أن يتزوجها فليس بالضرورة أن يكون عمها، يمكن أن يكون ابن عمها عمره ٢٢ سنة وهي ١٣ سنة، فيمكن أن يتزوجها، هنا يحصل تضارب مصالح، لأن الوصي عليها يحاول أن يكتب لها أعلى مهر ممكن، فيتناقش مع أهل الخاطب، ليحقق لها مهراً مثل ابنة خالتها أو قريبتها، يحاول أن يحقق لها أعلى مهر، لكن إذا كان في نفس الوقت هو الخاطب أو ابنه الذي من مصلحته أن لا يدفع مهراً غالياً، دخلنا هنا في تضارب المصالح، كيف يقوم نفس الشخص بدورين متعاكسين؟ هكذا يمكن أن يهضم حقوق اليتيمة، فهو كعريس يريد أن يدفع أقل مهر، وكوصي يريد أن يحقق لها الأفضل، فقال الله سبحانه (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) الخوف يكون من شيء متحقق أو مظنون، يعني أظن بإمكانية حدوثه. مثلاً وأنا في البيت أرى ثعباناً يدخل من النافذة، فأخاف من خطر محقق، أو أخاف أن يدخل ثعبان من النافذة فأقفله قبل النوم، لأن بعض الثعابين دخلت عند الجيران، وسمعت منهم هذا الكلام، هنا أنا أخاف من أمر مظنونٍ، أظن أنه وارد الحدوث.
الوصي على أموال أيتام ومنهم بنت بلغت سن النكاح ولديه الرغبة أن يتقدم لها ويخطبها، إذا خاف أنه لن يعدل معها وأنه لن يعطيها أعلى مهر، لأنه كوصي كان سيحاول أن يحقق لها أعلى مهر يُعطى لبنات المجتمع في عمرها، حتى يضمن حقها، فإذا خاف ألا يعدل، تقول له الآية أنه يوجد الكثير من النساء غيرها، ليذهب ويتزوج اثنتين أوثلاثة أوأربعة، لكن ليبتعد عن هذه البنت، حتى لا يظلمها، هذا هو معنى الآية، لكن الكثير من الناس تفهم أنّ هذه الآية تبيح تعدد الزوجات، لكن تعدد الزوجات كان مباحاً قبلها أصلاً، وهذه الآية جاءت لتحدد العدد بأربعة، والآية ليست عن هذا الموضوع أساساً. تقول الآية (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) إذا أردت أن تتزوجها، تعطيها أعلى مهر يدفع للبنات مثلها، ويسمى مهر المثل، المجتمع كله يعرف تقريباً كم هذا المهر، فيكون معروفاً في هذه القرية مثلاً كم يعطى مهر للفتيات اللاتي مثلها، وتزيد عليه أيضاً، لتكون متأكداً ومطمئناً أنك لم تظلمها، إذا لم ترد هذا، فالنساء كثيرات غيرها (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) تزوج غيرها، حتى لو تزوجت اثنتين أو ثلاثة أو أربعة، لكن أبعد نفسك عن الظلم (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) القسط يعني العدل، قسَطَ: يعني عدل؛ لكن أقسط: يعني ظلم، الاسم من قسط هو المقسط الذي يعدل، لكن أقسط يعني ظلم، والاسم منها قاسط أي ظالم. وردت في سورة الحجرات (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(٩) يعني العادلين، وفي سورة الجن (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥) القاسطون: الظالمون.

بما إننا تكلمنا في الزواج، بعد أن كان الكلام أساساً عن الأيتام وللأوصياء عن الأيتام، وقال للوصي على اليتيمة أنها إذا كبرت وبلغت وأردت الزواج بها، إما أن تعطيها أعلى مهر، أو تتركها وتتزوج غيرها، فالمجتمع مليء بالنساء، وبما أنه تطرق لتعدد الزوجات، مثنى وثلاث ورباع، فمن المهم أن نذكر بأهمية العدل بين الزوجات أيضًا، فإذا غلب على ظنّك أنك لن تستطيع أن تعدل.

(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (٣) 

إذا غلب على ظنك إذا جمعت بين عدة زوجات أنك لن تستطيع أن تعدل في الإنفاق وفي المبيت وفي كل شيء مادي تستطيع أن تعدل فيه، فالأفضل لك أن تكتفي بواحدة.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Oct, 07:50


فيديو ٨١٦ من مقاطع حظر التجول تدبر النساء حلقة ٣ الآيتان ٣-٤

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

26 Oct, 07:50


https://www.youtube.com/live/cGgoeDv50XA?si=KRqxb6fsJVaWpm8u

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

24 Oct, 20:12


سؤال قد يبدو غريباً قليلاً، لكن من حقنا أن نسأل، لماذا حذر القرآن من أكل مال الأيتام خاصة؟! القرآن حذر من السرقة وخيانة الأمانة بشكل عام، لماذا لم يكتفي بذلك؟! ولماذا يحذر بشكل خاص، من أكل أموال الأيتام؟! هل هم مفضلون أكثر من غيرهم؟! وكل أفراد المجتمع جميعاً يجب أن يكونوا آمنين، وأموال الناس كلها يحرم أكلها بالباطل أو بالسرقة أو بخيانة الأمانة، ما الفائدة من الاهتمام بالأيتام بشكل خاص؟!
والجواب من وحي سورة آل عمران، ركز معي في سورة آل عمران، النصف الثاني منها كله عن غزوة أُحد والجهاد في سبيل الله، وفيها أمر بالجهاد، المجاهدين في سبيل ﷲ وهم الجنود الذين يدافعون عن المجتمع، عني وعنك، ما هو الشيء الذي يدفعهم للخوف والتقصير في أداء الواجب، والوقوف في وجه الظالم والمعتدي؟! خوفهم على أولادهم الصغار، خوفهم على مستقبلهم، فهذا الاهتمام بالأيتام وبمعاملتهم وباستثمار ظ والحفاظ عليها هو رسالة مبطنة لكل مجاهد، ”أولادك هم أولادنا“ وأموالهم لن يأكلها أحد، والدولة ستحميهم، وبإمكانك أن تطمئن عليهم، لأنهم لو فقدوك كأب، فكل رجل في المجتمع سيكون بمثابة أب لهم.
ذكر الله الأيتام بشكل خاص عدة مرات (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (النساء ٣٦) والأيتام يدخلون بكل هذه الفئات، فقد يكون اليتيم من ذي القربى، ومن الجار ذي القربى، أو الجار الجنب، فجعل لليتامى فضلاً خاصاً ونهى عن إساءة معاملتهم (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (الضحى ٩) نهي عن إساءة معاملتهم، فلا يجب أن تقهر أي إنسان أصلاً، لكن هناك تحذير خاص بخصوص اليتيم، المجتمع المسلم فيه أيتام، وكذلك المجتمع المجاهد، فيجب ألا يخاف الناس على أولادهم ويطمئنوا أن اليتيم لن يُقهر في المجتمع ولن يُساء إليه، وهناك تشديد في عقوبة من يقهر ويسيء لليتيم. قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ (أَنَا وَ كَافِل الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ، إِذَا اتَّقَى اللهَ. وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى) وذهب للنبي ﷺ رجل يشكو قسوة قلبه، يصلي فلا يخشع، يقرأ القرآن فلا يبكي ولا تتحرك مشاعره، فماذا أمره النبي ﷺ لكي يربي الإيمان في قلبه؟ قال له النبي ﷺ (أَتُحِبُّ أَن يَلِينَ قَلْبُكَ، وَتُدرِكَ حَاجَتَكَ؟ اِرحَمِ اليَتيمَ، وَامْسَح رَأَسَهُ، وَأطعِمَهُ من طعامك، يَلِنْ قَلْبَكَ، وتُدرِكَ حَاجَتَكَ).

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

24 Oct, 20:12


كذلك اليتيم الذي كان يتيماً، بالنسبة لك أنت ترعى أمواله وثروته، عندما يبلغ لن يكون يتيماً بالنسبة للمجتمع كله، ما عدا أنت يظل بالنسبة لك اليتيم تحت رعايتك إلى أن يصل لسن الزواج، وتختبر رشده وحكمته، ثم تعيد إليه ماله (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (٢) يحذر الله سبحانه من طمع الناس، فعندما تعيد له ماله، يجب أن تعيده كما هو تماماً، مثلاً إذا كان يتيماً ترك له أبوه ٢٠٠ رأس غنم ترعاهم له، وأنت لديك ١٥٠ رأس غنم، وعندما يكبر الولد عليك أن ترجع ٢٠٠ رأس له، لا تبدل الخبيث بالطيب، فتختار أفضل ١٥٠ لك، وترجع له أضعف ٢٠٠ رأس غنم، وتقول له اختلط الغنم كله، تفضل هذا حقك، كلا، أنت بهذا تجاوزت حدودك (وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) أن تعطي الولد أخبث المال، وتبقي لنفسك أطيب المال، وتقول له أنهم اختلطت؟! كلا هذا لا يجوز، هناك من يأكل أموال اليتامى، فيأكل مال ابن أخيه، يأكل ميراثه لأنه طفل، لاحظ أن الآية ٢ عن اليتيم، وكذلك الآية ٦ و ١٠ فستجد أن السورة مجدولة بطريقة غريبة، آية عن اليتيم، وآية عن النساء، آية عن الميراث وهكذا. في الآية ١٠ قال سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠) لكن المشكلة التي حصلت بعد نزول هذه الآية ٢ (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (٢) أن الناس فهمت أن معناها: لا تضموا أموالهم إلى أموالكم، وهذا صعب! فلو كان عندي ٢٠٠ رأس غنم، وأرعى أيتاماً ترك لهم أبوهم ١٥٠ رأس غنم، يصعب علي أن أفصل غنمهم عن غنمي، فماذا سأفعل؟! هل سأشتري علفاً لغنمهم، وعلف آخر لغنمي؟! هل اعمل حظيرة منفصلة لغنمهم، كي لا يختلط بغنمي؟! وأنا أتحدث هنا عن مجتمع كان يعمل بشكل أساسي برعي الغنم، فهذه هي المشاكل التي كانت تواجههم، حتى في يومنا هذا يوجد نفس المشاكل، فالصحابة تحرّجوا من خلط الأموال ببعض حتى لا يظلموا الأيتام ولا يظلموا أنفسهم، فكانت النتيجة أن الأيتام لم يجدوا أحداً يرعاهم ويرعى مصالحهم، فنزلت الآية ٢٢٠ في سورة البقرة عن المخالطة (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٠) يعني الأفضل بالنسبة لهم أن تصلحوا أموالهم وترعوها، وإذا خالطتم الأموال ببعض فلا يوجد مشكلة هم إخوانكم، لكن انتبهوا! فالله يعلم المفسد من المصلح، يعني لو كان عندي ٢٠٠ رأس غنم، والأيتام الذين أرعاهم عندهم ١٥٠، ممكن أن أخلط الأغنام كلها ببعض في حظيرة واحدة، فأحضر التبن لكل الغنم، وأبيع الصوف واللبن واللحم، لكن أعلم أن نسبة أغنام الأيتام في الحظيرة هي ٤٣٪ لذلك أي تكاليف تتكلفها الأغنام أضع في الحسابات أن ٤٣٪ على حسابهم، وأي أرباح تكسبها تجارة الألبان أو اللحوم يكون نصيبهم في الأرباح ٤٣٪، وعندما نفصل المال بعد أن يكبروا ويأخذوا أموالهم، لا أعطيهم كل الغنم الضعيفة وآخد أنا الغنم السليمة، حتى لا أكون من الذين بدلوا الخبيث بالطيب، وبنفس الوقت لا يوجد ما يجبرني أن آخذ أنا الأغنام الضعيفة وأعطيهم السليمة، يتم تصنيف الغنم وأعطيهم بنفس النسبة ٤٣٪ من الغنم السليمة ومن الغنم الضعيفة حتى لا يُظلم أحد، ويمكن أن أعطيهم أكثر أو أفضل قليلاً، لكي أضمن أني لم أظلمهم إطلاقًا (وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (٢) حوبًا كبيرًا: يعني ذنباً كبيراً جدًا، "واغسل حوبتنا" يعني ذنوبنا، وأكل مال اليتيم هو ذنب كبير جداً، وفي الآية ١٠ (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠) يعني أن النار من الداخل والخارج.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

24 Oct, 20:12


٢
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١) وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (٢)

بعد أن أوصانا الله بالأرحام في الآية الأولى، وأوصانا ببعضنا لأننا كلنا من أب واحد وأم واحدة، ستبدأ آيات كثيرة توصي بالتعامل مع الأيتام والضعفاء والسفهاء أي المجانين أو الناس الأغبياء الذين ليس لديهم الحكمة، وتوصي أيضاً بالآباء والأمهات، وطبعًا توصي بصفة خاصة بالنساء.
الآية ٢ تحدثنا عن الأيتام، واليتيم هو الإنسان الذي مات أبوه وهو طفل صغير لم يبلغ الحلم، أما في الحيوان اليتيم من ماتت أمه، كما يقال في اللغة الإنجليزية Bread winner أي الشخص الذي يسعى لإطعام الأسرة، لأن الأب في الإنسان المفروض أنه هو الذي يسعى لإطعام الأسرة، وفي الحيوان الأم هي التي تفعل ذلك، فمن يموت أبوه يسمى يتيم إلى أن يبلغ، وبعد البلوغ لا تجري عليه أحكام اليتيم، ولا يسمى كذلك باليتيم، لقول النبيﷺ (لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ)

(وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (٢)

ما معنى آتى؟ نحن نقول دفع الزكاة أو إخراج الزكاة، لكن في القرآن دائماً -وآتوا الزكاة- قرن القرآن الكريم الإتيان بالزكاة، أن تؤتي شيئاً يعني تحضره وتوصله للشخص بمنتهى الاحترام، فلم يقل أخرجوا الزكاة أو ادفعوا الزكاة، بل قال آتوا الزكاة: أعطوا الفقراء حقهم، وأوصلوه باحترام إليهم، لا توقفوهم في صفوف لانتظارها (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) لا تعذبوهم كي تعطوهم أموالهم، بل أعطوها لهم باحترام وأوصلوها إليهم، لا تضطروهم للمطالبة بحقوقهم! ماذا يعني (وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)؟ يعني مثلاً أنا لو أصبحت وصياً لطفل يتيم عمره ٤ سنوات، وقد ترك له أبوه ٢٠٠ رأس غنم، طبقًا لهذه الآية
أذهب وأعطيه ٢٠٠ خروف؟! إذا الولد عمره ٤ سنين وأبوه ترك له ١٠ مليون جنيه، وأنا الوصي على الثروة، هل أعطي طفل عمره ٤ سنوات أو حتى لو كان عمره ١٠ سنوات، هل أعطيه ١٠ مليون جنيه فيُخدع ويُحتال عليه؟! كلا، إذن ماذا يجب أن نفعل؟! يقول سبحانه (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) هذا لا يعني أنني عندما أكون وصياً على طفل يتيم أن أعطيه ماله، فما يهمنا في هذه النقطة أول الآية وآخرها (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى: يعني اختبروهم، فعندما يكبر اليتيم ويصل لسن الزواج، ابتلوه، يعني اختبروه وتأكدوا أنه راشد وناضج، وليس متسرعاً يمكن أن يضيع المال (فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) آنست: ظهر لك، يعني إن أصبح ظاهراً لك أنه راشد وناضج، فادفع إليه أموله (فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا(٦) ماذا يعني؟ عندما ترجع له ماله، جهز عقداً ليوقعه، وتحضر شهوداً ليوقعوا ويشهدوا أنك قد أرجعت له ماله، حتى لا تُحاسب عليها فيما بعد.
السؤال الآن: ماذا يعني (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) ألم يكبروا ويبلغوا والرسول ﷺ قال (لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ) لماذا نسميهم أيتام؟! هذا ما نسميه استصحاب الاسم، مثل السحرة في قصة سيدنا موسى، بعد أن آمنوا بموسى عليه السلام، انتفت عنهم صفة السحر، لأن السحر كفر وحرام في كل الرسالات الإسلامية، ومن ضمنها رسالة سيدنا موسى، ومع ذلك قال الله سبحانه (وَأُلْقِيَ السَّحَرَة سَاجِدِينَ (الأعراف ١٢٠) وردت ثلاث مرات في القرآن تقريباً، أسماهم الله سبحانه "السحرة" مع أنهم أسلموا، بعد الإيمان انتفت عنهم صفة السحر، لكن هناك ما يسمى استصحاب الاسم، أي حتى لو انتفت الصفة القديمة، ولكنه عُرف بها، يمكن أن يظل الناس يسموه بها. مثل الشاعر المتنبي، اسمه ليس المتنبي، ولكن اسمه أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكندي الكوفي، أي أنه من الكوفة ومن قبيلة كندا، إذن من أين جاء اسم المتنبي؟! وطبقًا لمعظم المؤرخين، هذا الرجل ادّعى النبوة في شبابه، ومن شعره:

ما مُقامي بِأَرضِ نَخلَةَ إِلّا
كَمُقامِ المَسيحِ بَينَ اليَهودِ
أَنا في أُمَّةٍ تَدارَكَها اللَــهُ
غَريبٌ كَصالِحٍ في ثَمودِ

لكنه تاب وأسلم، وبعد إسلامه أصبح ورعًا وتقيًا جداً، لكن استمر الناس بتلقيبه بالمتنبي، يعني الذي ادّعى النبوة، وهو لم ينفي الاسم عن نفسه، من باب استصحاب الاسم للشهرة، وليس بالضرورة بقاء الوصف.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

24 Oct, 20:11


فيديو ٨١٥ من مقاطع حظر التجول تدبر النساء حلقة ٢ الآية ٢

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

24 Oct, 20:11


https://www.youtube.com/live/EkxV8KFTaCU?si=qGb_VYzwtYTlVB-O

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

23 Oct, 19:53


من المهم الرجوع لقراءة الآية كاملة بعد أن تدبرنا مقاطعها السابقة، كل على حدة لنقرأها بتدبر، يشمل جميع أطرافها وما تحتويه من الاتساع الكبير (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١) فتخاطب الآية الناس كلهم (يَا أَيُّهَا النَّاس) وتدعوهم لتقوى الله (اتَّقُوا رَبَّكُمُ) وهنا الحديث عن علاقة الناس كلهم بربهم (الَّذِي خَلَقَكُمْ) الذي خلقكم كلكم (مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) وهذا أهم بند في علاقة الناس بالله، أن الله هو الخالق، ومن ثم استعرضت تاريخ البشرية من أول خلق آدم، وكيف وصل الأمر إلى انتشار الناس في كل مكان حتى في أستراليا ونيوزلاندا (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) في حالة اتساع كبير، حيث وصلت لجميع أطراف العالم كله، ثم عادت تأمر الناس مرة أخرى بالتقوى، ولكن هذه المرة لم يقل (اتَّقُوا رَبَّكُمُ) بل قال (وَاتَّقُوا اللَّهَ) فمرة ذكرهم بربوبيته، ومرة ذكرهم بألوهيته سبحانه، فربوبيته تستدعي أنه خلقهم وبثهم ونشرهم ورعاهم، وألوهيته تستدعي قدرته عليهم لأنه مطلوب منهم أن يؤدوا بعض الأوامر مثل صلة الرحم وتوصيهم بعدم قطعها، وبعدم ظلم بعضهم البعض، وذلك ما تتحدث عنه باتساع الآيات التي تليها، لأن الله هو الرقيب عليهم، فانتقلت الآية من كم هذا الاتساع الكبير، إلى أن ختمت بأن الله رقيب، يرى كل ما تفعلونه، فاقرأ الآية مجدداً بتدبر واشعر بالغزارة في هذه المعاني (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

23 Oct, 19:53


وقد يخطر للقارئ المتدبر سؤال: هو لماذا قال الله (رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) ولم يقل مثلاً رجالا كثيراً ونساء كثيرات؟ وفي ذلك عدّة أراء في التفسير، لكن الرأي الأبرز فيه والذي أقتنع فيه، هو لأن هذا التعبير متعلق بالبلاغة، فالمقصود هو رجالاً كثيراً ونساء كثيرات، ولكنها لكونها صياغة غير بليغة، وثقيلة في سماع الأذن فحذفت كثيرات، لأنها مفهومة من السياق، ويقول الشيخ الشعراوي حول ذلك، أنه عادة ما يكون الذكور أقل من النساء، فعندما يقول الله رجالًا كثيرًا إذن فعلى الأكيد أن النساء كثيرات، ومن المهم الإشارة إلى أنّ كل ما تقرأه هنا من تدبر هو احتمال؛ لأن هذا ما يأتي لقلبي من رسائل إيمانية عند التدبر، وكل الردود على الأسئلة التي أطرحها في التدبر هي ليست ردوداً جازمة، إنما هي محاولات للرد. فالحقيقة والحق سنعرفه يوم القيامة، لكن لا بد لنا الاستمرار في طلب العلم والتفكر ومحاولة الوصول للمعرفة (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) وهذا سبب آخر لتقوى الله، هو أن الواحد منا يستخدم اسم الله في القسم بالله، أي أنك تستفيد من الله حتى وأنت تستحلف الناس بالله، من خلال أنك تطلب الناس به فتقول: بالله عليك أعطني كذا، فهل من المعقول أن تستحلف الناس به وأنت تغضبه؟! وأنت لست معترفاً به سبحانه؟! تخيل ولله المثل الأعلى إذا كان هناك شخص عاق لأبيه وأمه، وكلما يتحدث مع إخوانه يقول لهم "وحياة بابا أو وحياة ماما" فليس من المنطقي أن يستحلف بهم وهو في الأساس عاق لهم، بصرف النظر أن استخدام هذا التعبير حرام ولا يجوز القسم إلا بالله، لكنني أتكلم بشكل عام في حال كان الشخص غير مسلم أصلاً، أي لا ينفع أن يكون عاقاً لهم ويستحلف إخوانه بهم؟ وكذلك ولله المثل الأعلى، طالما أنكم تستحلفون بعضاً بالله إذن اتقوا ﷲ ولا تغضبوه (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) يعني اتقوا ﷲ أن تغضبوه، واتقوا الأرحام أن تقطعوها، ولا تقطعوا الأرحام والأقارب، بما في ذلك الاعمام والأخوال والخالات وأولادهم وصِلوهم، وخاصة الأب والأم، لأنهم سبب وجودك الثاني بعد ﷲ، فالسبب الأول في وجودك هو الله، (وَالْأَرْحَامَ) أي اتقوا قطع الأرحام والناس كلها لأن كل الناس إخوان لبعضهم البعض، فلا تقطع صلتك بالناس، تقول الآية أن الناس كلهم أرحام (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) فكل الناس رجالاً ونساء من أب واحد وأم واحدة (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١) لماذا لم يقل الله هنا في نهاية الآية، فالله يراكم، أو كان بكم بصيراً؟ كلا؛ بل ذكر (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) فقد يرى الإنسان وهو يمشي في الشارع إنساناً على وجه الصدفة، لكن قال (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) فالرقابة هي أنك ترى عن قصد، فالله ينظر إليك ليرى ما تفعل، وفي ذلك تشديد أكثر، فالذي يراقب عليك في الامتحان مثلاً هو المراقب، أي أن عمله هو أن يراقب، ويأتي لكي يراقب، فلا ينظر لك بالصدفة، بالتالي يقول الله لك في الآية أنه هو الرقيب سبحانه، ينظر إليك عن قصد حتى يرى ما تفعل، لتكون حريصاً أكثر فالله يراقبك فراقب نفسك.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

23 Oct, 19:53


(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١) إذن النداء في الآية، هو خطاب للناس جميعاً، وهذه أول مفاجأة في سورة النساء، إذ أن النداء بـ يا أيها الناس عادة يأتي في القرآن المكي قبل الهجرة، أما في المدني فإنه يخاطب المؤمنين، فيأتي فيه النداء بـ يا أيها الذين آمنوا لأجل الأحكام الفقهية والحلال والحرام، فينادي المؤمنين فقط، لكن النداء هنا في سورة النساء هو للناس جميعًا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) لكن لماذا نتقي الله؟ (الَّذِي خَلَقَكُم) لأنه هو الذي خلقكم، هل ذلك يحتاج لسؤال؟! (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) أي اتقوا غضب ربكم، واتقوا عقاب ربكم، والإنسان عندما يتقي إنساناً، يبتعد عنه، حتى لا يناله منه أذى، أما تقوى ﷲ فتكون بالقرب منه، فكلما اقتربت من ﷲ كلما تجنبت غضبه وعقابه، وتقوى ﷲ تكون بإرضاء ﷲ، وبذكر ﷲ وبحب ﷲ، وقد قلنا أن ما يهم في حب ﷲ، هو أن تجعل ﷲ يحبك فلا يكفي أن تحب أنت ﷲ، فقد قلت أن هناك رقاصات يحبون الله، لكن هذا لا يكفي، فالمهم هو هل يحبك الله أم لا؟! ولكي تعرف ذلك، يجب أن تبحث عن الصفات التي يحبها الله في الإنسان وتتصف بها، وأن تعرف الصفات التي يكرهها ﷲ وتبتعد عنها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) إذن أول رسالة: اتقوا ﷲ، وثاني رسالة: الذي خلقكم، فأول بند في بنود العلاقة بالله هو أنه هو الخالق الذي أوجدكم، وثالث رسالة: كلكم إخوان في الإنسانية، فكلكم أولاد نفس الأب ونفس الأم، وقد كان يقول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [ الناس صنفان :إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ] فلا فضل للأبيض على الأسود، ولا للرجل على المرأة، ولا للغني على الفقير (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) فالأصل واحد، سيدنا آدم ومنه حواء (وَبَثَّ مِنْهُمَا أي منهما رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) ومعنى بث أي نشر (الْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ) يعني الفراش المنتشر في كل مكان، فعندما تنظر إلى الفراش وهي تطير، فهي لا تطير مثل الطيور في نظام واتجاه واحد، بل يكون الفراش مبثوثاً، أي يطير في كل اتجاه، وهو يتجمع حول النور أو حول الضوء (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) أي أن الله نشر ذرية آدم وحواء في كل مكان وفي جميع الأرض، وهذا دليل على اتحاد المصدر، أي أن مصدر الرجال والنساء مصدر واحد، ومصدر الشعوب التي توجد في الأرض هو مصدر واحد، ومن اللافت الإشارة إلى أنّ المقصود في (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) أن الحديث هنا عن آدم و حواء على وجه الخصوص، وبشكل عام ورد تعبير (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) مرتين في القرآن، لكن ما ورد في سورة الأعراف في الآية ١٨٩ - ١٩٠ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠) لا يعني أنهما آدم وحواء خصوصاً، وذلك لأنهما لم يشركا بالله، إنما الكلام هنا عن الإنسان عموماً، الذي جعل الله منهما زوج وزوجة، وكان حالهم أنهم عندما يحتاجون الله يتقونه ويدعونه ويتضرعون إليه، لكن عندما أعطاهم الله إذا هم يشركون به! وهذا الكلام رمزياً وعاماً، وكذلك في سورة الزمر أيضًا في الآية ٦ (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) فالمقصود في تعبير (جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) أي الناس عمومًا، أما في الآية الأولى في سورة النساء (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) فالمقصود في تعبير (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) آدم وحواء على وجه الخصوص.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

23 Oct, 19:53


حتى أن فكرة أن المرأة بعد الزواج تأخذ لقب عائلة زوجها وتفقد لقب عائلتها هو نوع من الاستعباد، لأنّ الرجل كان عندما يشتري عبداً كان يسمى العبد باسم عائلة المالك، فنقول مثلاً إن كان هناك عبد اسمه كونتا كينتي، اشتراه شخص أمريكي اسمه مستر سميث واتسون، يصبح اسم العبد كونتا واتسون، ويفقد اسم عائلته، ويأخذ اسم عائلة سيده، كذلك لو تزوج مستر واتسون امرأة بيضاء أمريكية مسيحية اسمها سونيا جوردان، فإنها ستفقد اسم عائلتها عندما تتزوجه، وسيصبح اسمها سونيا واتسون مثل العبد تماماً، حتى هنا في إنجلترا كان يبيع الأزواج زوجاتهم مثل العبيد تماماً، لغاية بداية القرن العشرين، وأعرف صورة رسمت من ٢٠٠ سنة في القرن التاسع عشر لبيع الزوجات، وقد كتب مؤرخ اسمه جيمس برايس James Bryce في أوائل القرن العشرين، أن بيع الزوجات كان مستمراً حتى هذا الوقت، بل حتى أثبتت امرأة أن زوجها باعها لزميله في العمل بجنيه استرليني واحد، في محاضر شرطة مدينة ليدز في إنجلترا في عام ١٩١٣، وكذلك كان من المستحيل قديماً المشاركة السياسية والتصويت في الانتخابات للنساء، وقد كان أمر مستبعد جداً، حتى اضطرت النساء لتكوين حركات تحرر وإلى اللجوء للعنف، وقد اعتقلت نساء كثيرات ورفعنَ قضايا في المحاكم، حتى نالوا حقهم في التصويت سنة ١٩٢٠ في أمريكا وفي بريطانيا ١٩٢٨، وكذلك كان أول تصويت للنساء في فرنسا ١٩٤٤، أما في سويسرا فقد كان أول تصويت للنساء في ١٩٧١، وبالمقابل في دولة العدل والإحسان التي كان يرأسها النبي محمد ابن عبدالله ﷺ وعاصمتها المدينة، كانت الحرية السياسية موجودة قبل كل هذه الدول بـ ١٤٠٠ سنة، ودون ثورة نسائية، ودون اعتقالات للنساء، ودون محاكم وبدون عنف، ودون أن يَمّنُّ أحد على النساء، لأنّ هذا حق المرأة الذي أعطاه ﷲ لها.
وتحتوي سورة النساء على موضوع العلاقات، بما في ذلك علاقة الرجل بالمرأة، وعلاقة الإنسان بالإنسان، سواء كانوا رجالاً ونساء، وعلاقة الإنسان بالله وبالمجتمع وبالعالم الدولي وبالوحي سواء كان القرآن أو السنة؛ حيث يتعامل الوحي مع الإنسان طولاً وعرضاً وعمقاً وهذا كلام للدكتور القرضاوي، والذي ذكره في كتاب "كيف نتعامل مع القرآن العظيم" وهذا كتاب من أعظم الكتب التي يمكن قراءتها، إضافة إلى كتاب "كيف نتعامل مع السنة النبوية المطهرة" وهما كتابين كان لهما الدور الأبرز في تغيير حياتي، حيث يتعامل الوحي معك بالطول، من قبل أن يتزوج أبوك وأمك، حيث يقول لكل واحد فيهما، كيف يختاروا بعضهم شركاء وأزواج، فقد ورد في السنة النبوية حديث (تُنكَحُ المَرأةُ لأربعٍ: لمالِها، وحَسَبِها، ودِينِها، وجَمالِها؛ فاظفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَداكَ) وكذلك ورد عنه ﷺ (إذا جاءَكُم من تَرضونَ خلقَهُ ودينَهُ فزوِّجوهُ، فإلَّا تفعَلوا تَكُن فتنةٌ في الأرضِ وفَسادٌ عريضٌ) إذن هو يتعامل مع الإنسان من قبل أن يولد، ويبين لهما حقوق الطفل عندما ينجبوه، ففي السنة أنه يؤذن في الأذن اليمين، وتقام الصلاة في الأذن الشمال، وقد حدد لهم موعد تسميتك، وكذلك وضح لهم أن يكون الختان للذكر، وكذلك ما يتعلق بالعقيقة، فوضح الوحي للوالدين حقوق الطفل عليهما، حتى وهو طفل رضيع، بما في ذلك الرضاعة والفطام، ثم لما يَشب الإنسان يوضح الوحي حقوق أهليهم عليهم، وحقوق الوالدين، وكذلك يوضح لهم كيفية اختيار شريك الحياة، ونعود لبداية الدورة، حيث يسير الوحي معك هكذا، منذ الولادة إلى الموت، ويوضح لمن حولك كيف يغسلون الميت ويكفنوه، وكيف يصلون عليه ويدعون له! إذن هكذا يأخذ الوحي جميع مراحل حياتك بالطول، وفي كل مرحلة بالطول ينظمها الوحي، وأيضاً في العرض، أي في لحظة معينة في البيت أنت أب، وأنت كذلك أخ، وأنت ابن، وكيف تتعامل مع والديك حينها؟ وأنت زوج كيف تتعامل مع زوجتك حينها؟ وأنت زميل في العمل، كيف تتعامل مع زميلك في العمل؟ وأنت كذلك رئيس أو مرؤوس، وأنت جار، إذن كل مرحلة في طول حياتك، هناك عرض في المرحلة ذاتها، يوضح لك فيها الوحي دورك، وينظمها لك، أما كيف يتعامل معك في العمق؟ فهو لأنه يتعامل معك كجسد وكروح وكقلب ومشاعر.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)

من المهم في تدبر القرآن، أن نعود للآية الأخيرة في السورة التي قبلها، لنفهم السياق والمعنى، وقد كانت آخر آية في سورة آل عمران، تأمرنا بالصبر والتقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠) لكن لماذا نتقي ﷲ؟ فتُوضح لنا الإجابة الآية التي بعدها، وهي الآية الأولى في سورة النساء.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

23 Oct, 19:53


النساء ١

قسم العلماء سور القرآن إلى [الطِّوال، والمئين، والمثاني، والمُفَصَّل].
-والسبع الطوال هم: سور البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، والتوبة، ورغم أنهم ٨ سور، وذلك لأن علماء العدد اعتبروا سورتيّ الأنفال والتوبة سورة واحدة لعدم وجود البسملة بينهما.
-أما المئين فهي كل سورة عدد آياتها مائة أو تزيد شيئًا أو تنقص شيئاً؛ وهي من أول سورة يونس إلى سورة العنكبوت، ونحن عندما بدأنا بسلسلة مقاطع حظر التجول لتدبر القرآن الكريم، بدأنا بالتدبر من المئين، من يونس إلى العنكبوت وهي ٢٠ سورة تقريباً، وأجلنا السبع الطوال.
-أما المثاني فهم من أول سورة الروم إلى سورة الفتح، ١٩ سورة.
-والنوع الرابع من السور سماه العلماء بالمفصل، وهو كل ما تبقى من السور، وذلك لسرعة الفصل بين سوره بالبسملة التي تعدّ فاصلاً بين السور، وينقسم إلى:
▪️طوال المفصل
▪️ وأوسط المفصل
▪️ وقصار المفصل أو قصار السور وطوال المفصل من الحجرات إلى النبأ ٢٩ سورة، وأوسط المفصل من النبأ إلى الضحى ١٥ سورة، وقصار المفصل من الضحى إلى آخر القرآن ٢٢ سورة، ونحن تدبرنا إلى هذا الجزء بفضل ﷲ كل المئين والمثاني والمفصل، وتدبرنا من السبع الطوال البقرة وآل عمران والأعراف، حيث تدبرناها ونحن في تدبر المثاني، ونبدأ الآن في تدبر سورة النساء، ثم الانتقال إلى سور المائدة ثم الأنعام ثم الأنفال ثم التوبة.

تُعد سورة النساء مدنية، ورقم ترتيبها في المصحف رقم ٤ بعد سور الفاتحة والبقرة وآل عمران، وأما في ترتيب النزول فهي تقريباً سادس سورة، بدأت تنزل آياتها في المدينة، والقصد في سادس سورة هو أنها سادس سورة بدأت تنزل بعض آياتها لأول مرة، مع الإشارة إلى أنها استمرت في النزول لعدّة سنوات، والقصد في ترتيب رقم نزول السورة هو السورة التي بدأ ينزل منها بعض الآيات لأول مرة، وعدد آياتها ١٧٦ آية، وهناك خلاف حول عدد الآيات عند علماء العدد، وذلك لأن بعضهم يجمع عدة آيات بآية واحدة، مع الإشارة إلى أنه لا خلاف على حرف ولا كلمة بينهم، لكن الخلاف هو في دمج الآيات، واعتبار آيتين آية واحدة مثلاً وهكذا؛ فالبعض ذكر أنها ١٧٠ آية والبعض قال أنها ١٧٤ آية، ومنهم من قال أنها ١٧٥ آية، لكن جمهور العلماء ذكر أن سورة النساء تحتوي على ١٧٦ آية، ونزلت كل آيات سورة النساء في المدينة ما عدا آية واحدة هي الآية ٥٨ (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) فقد نزلت هذه الآية في مكة يوم الفتح، فهل هذا معناه أن هذه الآية مدنية أم مكية؟! هذه الآية نزلت في مكة يوم الفتح، تعدّ آية مدنية، لماذا؟! لأن القرآن المكي هو ما نزل قبل الهجرة، وكانت تدور موضوعاته حول التربية والعقيدة، أما المدني فهو ما نزل بعد الهجرة في المرحلة المدنية، بصرف النظر عن مكان نزولها، مع الإشارة إلى أن تقسيم السور بين مدني ومكي يوجد فيه آراء كثيرة، لكنني في سلسلة مقاطع حظر التجول اعتمدت هذا الرأي، والذي أعتقد بأنه أفضل تقسيم بينهم، ولسورة النساء ثلاثة أسماء فقط مع الإشارة إلى أن هناك سوراً لها أسماء كثيرة، فعلى سبيل المثال لسورة الفاتحة ٢٥ اسماً، ولسورة الإخلاص ٢٣ اسم وهكذا، أما النساء فلها ثلاثة أسماء فقط، أما الاسم الأول فهو النساء وهو الاسم الأشهر والمستخدم في المصاحف والدليل هو كلام السيدة عائشة رضي الله عنها في حديث «صحيح البخاريّ» حيث قالت: (وما نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ والنِّسَاءِ إلَّا وأَنَا عِنْدَهُ) أي بعد زواج النبي منها، والاسم الثاني هو سورة النساء الكبرى أو سورة النساء الطولى أي الطويلة، وذلك لأن سورة الطلاق تسمى سورة النساء الصغرى أو سورة النساء القصرى، وقد ورد ذلك في كلام ابن مسعود رضي الله عنه، أما الاسم الثالث فقد ورد في كتب مفسرين للقرآن الكريم، مثل الطبري والرازي والأنباري حيث سموها: السّورة الّتي يذكر فيها النّساء، ونلاحظ أن الثلاثة أسماء لم يخرجوا عن النساء، وهذا لأنّ السورة مليئة بالأحكام الخاصة بالنساء، فالنساء قبل الإسلام كُن محتقرات إلى درجة كبيرة، ليس فقط لأنّ المرأة كانت لا ترث، بل لأنها هي نفسها كانت تُورَّث أيضاً حالها مثل الفرس والجمل، كأنها متاع من متاع البيت، وهذا لا ينطبق على كل القبائل، لكن كان منهم من يفعل ذلك، وهذا ليس في الثقافة العربية فقط، بل كانت معظم الثقافات تضطهد المرأة باستثناء الفرس، وهناك من يحبون الدفاع عن العرب أيام الجاهلية، ويدَّعون أن العرب لم يكونوا يسيؤن معاملة النساء، ويضربون المثل بوجود بعض النساء القويات والغنيات، مثل السيدة خديجة رضي الله عنها، لكن هذه كانت حالات استثنائية جداً، فالعرب بشكل عام كانوا يضطهدون النساء، وكذلك الأوروبيون يعتبرون أكثر من اضطهد المرأة إلى وقت قريب جدًا.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

23 Oct, 19:52


فديو ٨١٤ من مقاطع حظر التجول
النساء حلقة ١ الآية ١

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

23 Oct, 19:50


https://www.youtube.com/live/yU6kPAifLOM?si=Wck-BNwVFbLtLpNO

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

22 Oct, 07:33


بعدها سورة النساء

https://youtube.com/playlist?list=PLukAHj56HNKZY5swarKIstifWY0wf5V_b&si=1fzfK0VBiGwLmGr3

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

22 Oct, 07:32


انتهت سورة آل عمران بفضل الله

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

22 Oct, 07:32


(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا) الصبر على كل ما ورد في السورة من أوامر ونواهي، وعدم التعامل بالربا، العفو عن الناس، وكل ما ورد، الجهاد في سبيل ﷲ للدفاع عن المظلومين، ولأن الحق يحتاج إلى سيف يحميه، كل هذا صبر، مطلوب منك أن تصبر على أمر الله ونواهيه! لكن الكفار أيضاً سيصبرون في القتال، هل ملّوا بعد بدر ؟! ألم يخرجوا في أحد، وأصروا أن يُقاتلوا؟! فماذا نفعل إذا صبر الكفار؟! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا) المصابرة على وزن مفاعلة، أي الفعل من الطرفين، فإذا صبروا هم فاصبروا أنتم أيضاً، استمروا في الصبر وصابروا، كونوا واعيين ومستعدين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا) المرابط: هو الممسك سلاحه وفي وضع الاستعداد، فإذا بدأ العدو بالحرب يتمكن من الرد فوراً. رباط الخيل أي أماكن الخيول، الخيول مربوطة فيها ومستعدة في أي لحظة، فيكون الرباط هو الاستعداد للعدو طوال الوقت، مثل الفلسطينيين الذين في المسجد الأقصى ليل نهار، اسمهم المرابطين، هم لن ينتظروا حتى يهدم الصهاينة المسجد الأقصى ثم بعدها يتحركون، كلا، هم هناك واقفين للدفاع عنه بأرواحهم، يناوبون في الدفاع عنه ليل نهار (وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠) اتقوا ﷲ، قلنا إن الأمر بالصبر والتقوى هما مفتاحي الانتصار، كونوا دائماً حذرين من أن تقعوا في معصية ﷲ، لعلكم تفلحون وتنجحون وتعود عليكم تضحياتكم بالثواب والأجر.
وبذلك تم بفضل ﷲ ختم تدبر سورة آل عمران بما فيها من وقفات تربوية وإيمانية عظيمة جداً، فإن كان خيراً فمن ﷲ، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

22 Oct, 07:32


(لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (١٩٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٩٧)

النبي ﷺ لا يغتر ولا يغره شيء، والكلام موجه للمسلم من خلال توجيهه للنبي ﷺ، إياك أيها المؤمن أن تنخدع عندما ترى الذين كفروا يتنقلون هنا وهناك (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ) تنقل في تجارة، وتنقل في حروب، وتنقل في أساطيل، فهم يتقافزون من مكان إلى مكان، وفي جيوش وفي بنوك، إياك أن تظنّ أن الله ينصرهم بذلك، كلا هذا متاع قليل (مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) سيحاسبهم الله على كفرهم وعلى ظلمهم، إياك أن يغرك حالهم، فهذا استدراج!

(لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (١٩٨)

الذين اتقوا ﷲ، حتى لو لم يروا انتصار الإسلام في الدنيا، وماتوا أو قُتلوا فهم خالدين في جنات تجري من تحتها الأنهار. مصعب بن عمير مات في أحد، وحمزة بن عبد المطلب مات في أحد، كل الذين قتلوا في أحد، وكل الذين قتلوا في بدر، لم يروا تأييد ﷲ للمسلمين في الأحزاب، ولم يشهدوا فتح مكة، ولم يشهدوا فتح الروم وفارس، لكن الأفضل هو ما عند الله، كان سيسرهم لو رأوا هذه الانتصارات، ولكنهم فيما هو أفضل من ذلك كله (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ) ما عند الله خير من كل ما فاتهم، وتتمنى لو أنهم يروك الآن، ومن قال أنهم لا يرونك الآن؟! ومن قال أنهم ليسوا سعداء؟! ولكن ما هم فيه خير لهم.

(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۗ أُولَٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٩٩)

بما أننا تحدثنا عن أهل الكتاب، الذين كفروا وكتموا الحق، فالإنصاف يدعو الكلام أيضاً عن أهل الكتاب، الذين آمنوا بالنبي ﷺ وبالقرآن، ولم يكتموا ما أنزل الله عنه في كتبهم، بل كانت هي سبب إيمانهم به، وحتى اليوم لا نعني من أسلم من يهود المدينة، عبد الله بن سلام وأمثاله، ومن النصارى من أسلم، هو يقول أنني قرأت هذا في كتابنا، واقتنعت أن محمد هو -الباراكليت- أو المُعَزِّي، في الآيات التي تشير للرسول محمد ﷺ في كتبهم، وموجود إلى الآن. ماذا فعل هؤلاء؟! (لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا) لم يقوموا بما قام به الذين باعوا دينهم مقابل ماديات الدنيا، أهل الكتاب الذين آمنوا هؤلاء لهم أجرهم عند ربهم (إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) هذه الآية ترد على كلام يقوله الكثير من الكفار، أنه حتى لو كان كلام المسلمين صحيح، فأرني متى سيأتي الوقت الذي سيحاسبنا الله به؟! ولا يخافون من الحساب الذي يقولون عنه في يوم القيامة، سيكون هناك مليارات الناس، كيف سنحاسب كلنا؟! (إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)
سُئل الإمام علي بن أبي طالب كرم ﷲ وجهه، عن هذه الآية قال: [ كما رزق ﷲ العباد كلهم في وقت واحد، فهو قادر على أن يحاسبهم كلهم في وقت واحد ]
ثم تختم السورة بالأمر الأساسي الذي تكرر في السورة، بالصبر والتقوى، جاءت ثلاث مرات في آخر عشر آيات، تُكرر الآن ولكن بأسلوب آخر:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

22 Oct, 07:31


(فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (١٩٥) وعد الله الجنات التي تجري من تحتها الأنهار للذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم، الذين هاجروا إلى الحبشة والذين اضطروا للخروج من ديارهم إلى المدينة! فهناك هجرتين، وهناك فرق بين هجرة الحبشة والهجرة للمدينة، هجرة الحبشة كانت خطة استراتيجية من النبي ﷺ تدل على التفكير العبقري! لماذا؟! هل الأنبياء ممكن أن يقتلوا أم لا؟ طبعاً من الممكن أن يقتل، لأن هناك أنبياء قُتلوا، والوضع ازداد خطورة في مكة، وازداد التعذيب والقتل، فإن قُتل النبي ﷺ هو وأصحابه فإن الإسلام ينتهي، لأنه آخر نبي! وحفاظاً على دعوة الإسلام، قسَّم الرسول ﷺ المجموعة المومنة معه إلى نصفين، وأرسل نصفهم إلى مكان بعيد، في قارة مختلفة تماماً، بينهم وبينها بحر، والعرب لا يملكون أساطيل بحرية، أرسلهم عند ملك لا يُظلم عنده أحد كما وصفه النبي ﷺ، وأرسل مع هذه المجموعة موارد بشرية تؤهلها للاستمرار، إذا قُتل هو والمجموعة التي معه في مكة فلا يختفي الإسلام ولا يختفي التوحيد، معهم أشخاص متحدثين لبقين ومقاتلين وتجار وأغنياء ونساء وعلماء في القرآن، وأناس عندها القدرة على القيادة، وقال لهم لا ترجعوا حتى أرسل إليكم. فهؤلاء هم الذين هاجروا إلى الحبشة، وليس كما يُدرس للأطفال أنهم فروا بدينهم! من الذي يفر بدينه من بينهم؟! الزبير بن العوام؟! أم جعفر بن أبي طالب؟! هؤلاء فرسان ومقاتلين أشداء. النبي ﷺ كان عنده تفكير استراتيجي، نحن لم يقدم لنا إلا محمد النبي ﷺ، ولكن محمد المُفكر لم يقدم، وكأنه لم يكن يفكر أبداً! وهذا خطر جداً في الواقع، لأنه غير حقيقي. هو ﷺ كان يفكر ويجتهد، يجب أن ندرس كيف كان يفكر، فقسم المجموعة إلى مجموعتين، يكون فيها كل الموارد البشرية والمالية والإدارية بطريقة تؤهلها للاستمرار، ونشر دعوة التوحيد إذا قُتل هو من معه، فهذا تفكير رهيب. (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (١٩٥) إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، بما أن اللفظ عام، فليس من الضرورة أن الذين هاجروا هم الذين هاجروا الحبشة، ولا أن الذين أخرجوا من ديارهم هم الذين أخرجوا من مكة إلى يثرب، بل الذين يهاجرون على مر الزمان، اللفظ عام، يقبل الهجرة من أجل العيش بحرية وممارسة دينهم والحفاظ عليه، وكي لا يؤذوا في سبيل ﷲ ويقاتلوا ويُقتلوا، كل هذا لا يضيع عند الله، ويُكفر سيئاتهم ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار، ولا يوجد ثواب في الدنيا أحسن من ثواب الله، والله عنده حسن الثواب، لماذا؟! لأنه قد يقول شخص: لو لم يخرجوا لما قتلوا كما قال المنافقون، ولكن ثواب الله هو أفضل الثواب (رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (١٩٤) هذا وعد الله، فلا بد أن يؤتي الله الإنسان ما وعده في الدنيا.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

22 Oct, 07:31


(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقُتِلوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (١٩٥)

من هم الذين استجاب لهم الله؟! يقول الله عنهم (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) من هم؟ هؤلاء هم أولوا الألباب الذين رأينا صفاتهم وكيف أنهم يتضرعون إلى ﷲ، ويكررون النداء "ربنا" خمس مرات، ويطلبون أن يتوفاهم مع الأبرار، في الآيات ١٩٠ - ١٩٤ (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) ما هي صفاتهم؟! (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) هم يذكرون الله على كل أحوالهم، ويتفكرون في خلق السموات والأرض، فينتج عن ذلك تضرع إلى الله، ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك (رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (١٩٢) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) أعينهم على منصب يكونون فيه مع الأبرار (رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (١٩٤) فكيف كانت استجابة ﷲ لهذه المناجاة وهذا الدعاء؟! (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) الفاء تفيد السرعة، لم يقل ثم استجاب، ثم معناها على التراخي، ذكر الفاء تفيد السرعة، فاستجاب لهم (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (١٩٥) التدبر يقول: إذا أردت أن يستجيب الله لك فلا تكن غبياً وأعمل عقلك وكن من أولي الألباب، كيف ذلك؟! تفكر في خلق السماوات والأرض وكُن من الذين يذكرون ﷲ قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم.
وبعد كل هذا تقول إحداهن: لماذا لا يستجب الله لدعائي؟! هل تظنين أنك جالسة في مطعم؟ وتطلبين طلبات، والطعام تأخر عنكِ؟! (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) لا بد أن يكون المسلم من الذين يُستجاب لهم من أولي الألباب، انظر للصفات التي يحبها الله، في الصالحين، وفي العلم، وفي أولوا الألباب، هل هذه الصفات متحققة فيك أم لا؟! هو يجلس ويقول لم لا يستجيب الله لي؟! كأنه في مطعم، ولم تصله الوجبة التي طلبها، فيتأمر على الناس في المطعم!
في بعض الأوقات تأتينا طريقة أسئلة غريبة جداً، منتهى الثقة في النفس، أنني أستحق أن يستجاب لي فوراً.
استجاب الله لدعائهم، وتوفاهم مع الأبرار، وغفر ذنوبهم وكفر عنهم سيئاتهم، وأدخلهم الجنة، أليس هذا معنى فاستجاب لكل هذه الدعوات، وأدخلهم الجنة. لماذا؟ لأنه لا يضيع ثواب أي إنسان (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ) لا يضيع ثواب أي عمل، لا تكتب أعمالك الصالحة بنفسك، لأنها كلها مسجلة عند الله، لاحظ أنه من نعم الله علينا أننا ننسى العمل الصالح، تخيل لو كل إنسان يتذكر كل عمل صالح قام به في حياته، وكل صدقة أعطاها، وكل آية قرأها في القرآن، لتوقف عن الأعمال الصالحة، ولشعر بالتكبر والغرور! لذلك الله ينسيك كي لا تتكبر، والله لا يضيع عمل كل إنسان سواء من ذكر أو أنثى، لا يوجد فرق بينكم بعضكم من بعض، أي كلكم تتساوون، وليس ثواب الرجل أكثر من المرأة، وهذا تمهيد لسورة النساء التي فيها أحكام المواريث، وفي أحكام المواريث سنجد فروق، سورة تنصف النساء اللواتي ظُلمن كثيراً. عند استحقاق الثواب لا يوجد فرق بين الرجل والمرأة! هل تظنون أن هذا الكلام كان سهلاً على العرب؟ إن هذا ضد الطبيعة العربية والثقافة الذكورية تماماً، لكن الإسلام نزل لكي يغير المجتمع، فنحن اليوم نحاول أن نغير الإسلام ليصلح مع المجتمع، ولكن الإسلام هو الذي يغير ولا يتغير.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

22 Oct, 07:30


فيديو ٨١٣ من مقاطع حظر التجول تدبر آل عمران حلقة ٥٥ الآيات ١٩٥ - ٢٠٠

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

22 Oct, 07:30


https://www.youtube.com/live/MkmFCURezLE?si=TgUxArb10vBPuuZa

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

21 Oct, 15:35


انظر للآية (رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (١٩٢) إن الله يعرف هذا، هم لم يأتوا بخبر جديد، ولكنهم يناجون الله، يكلمون الله، ونحن نفتقد هذه النقطة (رَّبَّنَاۤ إِنَّنَا سَمِعۡنَا مُنَادِیࣰا یُنَادِی لِلۡإِیمَـٰنِ أَنۡ ءَامِنُوا۟ بِرَبِّكُمۡ فَـَٔامَنَّاۚ) كل هذا مناجاة، وبعدها (رَبَّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرۡ عَنَّا سَیِّـَٔاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبرار) وهو الدعاء.
(سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ ولم يحمَدِ اللهَ، ولم يُصلِّ علَى النَّبيِّ ﷺ فقالَ: عجِلَ هذا، ثمَّ دعاهُ، فقالَ: إذا صلَّى أحدُكم فليبدَأْ بتحميدِ ربِّهِ والثَّناءِ علَيهِ، ثمَّ يصلِّي علَى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ، ثمَّ يدعو بعدُ بما شاءَ) هذا هو أدب الدعاء.

إن كنت ستطلب من صديقك أن يقرضك بعض المال، هل سترسل له رسالة تقول له: أعطيني ١٠ آلاف جنيه؟! أم تقول له: السلام عليكم أخي فلان، أرجو تكون بخير حال، في الحقيقة لم أطلب منك شيئاً من قبل وتأخرت عني، فمن فضلك أن تقرضني ١٠ آلاف جنيه. يجب أن تتحدث معه في البداية قبل أن تقدم طلبك، فهل يعقل أن يفتح الرسائل ويجدك تطلب منه عشرة آلاف جنيه مباشرة!!
ولو تتبعنا كلمة ربنا في آل عمران، سنجدها أتت مع أولي الألباب دائماً بالطريقة التي يدعون ربنا بها، وتكررت أيضاً من مَن؟! من الراسخين في العلم، اقرأ الآيات ١٥ - ١٧ (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (١٧) هؤلاء هم من يدعون الله بنفس الطريقة، ومع الحواريين الذين آمنوا بعيسى بن مريم ﷺ (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣) وفي آخر السورة تكررت كلمة ربنا خمس مرات، فقد تكررت مرات كثيرة جداً، أحد عشر مرة في سورة آل عمران، هذا دليل على أهمية التضرع والتذلل والشعور بالعبودية لله تعالى.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

21 Oct, 15:35


أفضل ما عند ﷲ من ثواب هو للأبرار، جمع بار، لذلك طوال السورة يخاطب الله أولي الألباب ويخبرهم كيف يكونون من الأبرار، لذلك قال في الآية ٩٢ (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) ماذا يعني لن تنالوا البر؟! أي لن تستحقوا لقب الأبرار، أتت في أول السورة سيرة أولي الألباب، فكان هدفهم أن يكونوا من الأبرار، فأخبرهم الله أن لن تنالوا هذه المنزلة إلا بكذا وكذا. وفي نهاية السورة قال لهم (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ)

(رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (١٩٤)

ركز هنا، لأن هناك من يمكن أن يقول أن هذا تضارب؟! لماذا؟ أين التضارب؟! يقولون ربنا آتنا ما وعدتنا به عن طريق رسلك، ولا تخزنا يوم القيامة، فأنت لا تخلف الوعد الذي وعدت به، أليس في هذا تضارب؟! لماذا يطلبون أن يؤتيهم ما وعدهم على رسله إذا كان لا يخلف الميعاد، أي الوعد؟ عندما تفكر تجدها غريبة! ما هو معناها؟ آتني ما وعدتني به، لأنك لا تخلف الوعد. عندما ترى تضارباً في القرآن، فاعلم أن هذا التضارب في عقلك! فهمك أنت هو الذي فيه تضارب، فهمك هو الذي فيه خلل، إياك أن تدع الشيطان يوهمك أنك تستطيع أن تجد خطأ في القرآن، شُكّ في عقلك، وشكّ في عقول الناس كلها، ولا تشُك أبداً في كلام ﷲ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. إذن لنفهم هذه المعضلة، وهي ليست معضلة بالأساس! كيف أن أولوا الألباب يعلمون أن الله لا يخلف الميعاد، ويطلبون منه أن يوفي بوعده لهم؟ (رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (١٩٤) ما هو هذا الوعد الذي وعدنا الله به؟! أن يدخل الناس كلها الجنة؟! كلا طبعاً، لم يعدنا الله أنه سيدخل كل الناس الجنة، الوعد هو أنه يُدخل من آمنوا وعملوا الصالحات الجنة، فأولي الألباب الذين قلوبهم متعلقة بالله ويعبدون الله ويخشون الله، فليس لديهم ثقة أنهم من أولوا الألباب! هل تظن أن أولوا الألباب يرون أنفسهم من أولي الألباب؟! كلا، بل على العكس، هم يرون أنفسهم عصاة وأنهم لا يستحقون، فيدعون ربهم أنه يكونوا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات الموعودون بالجنة، ويقولون: نعلم أنك لا تخلف الميعاد، وأنك ستدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات الجنة كما وعدت، فاجعلنا من الذين ستؤتيهم وعدك، وتوفنا مع الأبرار! أنا يهمني هنا طريقتهم في الدعاء، لماذا تكررت ربنا خمس مرات في هذا المقطع، لذلك هناك من يقول: قل كلمة "ربنا" خمس مرات قبل الدعاء، أنا لست مع هذه الطريقة لتدبر الدعاء، فقد ذكرت كلمة ربنا تقريباً أحد عشر مرة إلى الآن، وكانت على لسان أولوا الألباب أولاً، مع أنه لم يكن وراء كل مرة قالوها دعاء مباشر، وأنا لست مع هذه الطريقة في فهم القرآن، إن تكرار كلمة ربنا كثيراً يدل على أمر آخر، في الآية ١٩١ (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (١٩٢) رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (١٩٣) وجاءت أيضاً في الآيات ٧ - ٩ (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) هم لا يفترون عن استخدام كلمة ربنا، وهذا دليل على أدب الدعاء، دليل على التضرع والتذلل لله وإظهار العبودية لله، لأن العبودية هي التي تطهرك وتحررك من العبودية لكل شيء آخر، لأن العبودية لله هي التي تحررك من الشهوات وتحررك من العبودية لكل شيء آخر، هذه السجدة التي تسجدها لله تمنع عنك أن تسجد لآلاف الطغاة، عبوديتك لله هو ما يحررك من العبودية للطغاة والمجرمين والظالمين وللشهوات ولماديات.

لاحظ أن استخدام كلمة ربنا عند أولي الألباب ليست دائماً في الدعاء، عندما يقولون (رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَـٰذَا بَـٰطِلࣰا سُبۡحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ) هذه تسمى مناجاة، ثم (فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ) دعاء، لكنهم أولاً قالوا لله: ربنا ما خلقت هذا باطلاً، هل الله لا يعلم هذا؟! طبعاً هو يعلمه، ولكن هذه مناجاة، قبل الدعاء يجب أن يكون هناك مناجاة، نحن نرفع أيدينا ونطلب فوراً، وهذا خطأ، يجب أن نرفع أيدينا ونكلم الله دائماً قبل الدعاء.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

21 Oct, 15:35


ونتيجة الانشغال العقلي والقلبي، ماذا قالوا؟ (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١) يا رب لا يمكن كل هذا الخلق والإتقان وهذا الاتساع والتنوع أن يكون باطل، ما خلقت هذا باطلاً، ماذا يعني باطل؟ تتمة الآية ستخبرك (فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) باطل يعني أن الحياة الدنيا هي كل شيء، ولا توجد حياة آخرة يحاسب فيها المصلح ويأخذ ثوابه، ويحاسب فيها المجرم ويأخذ عقابه ويعذب بجرائمه، هو هذا الباطل بعينه لو لم تكن هناك آخرة، فإذا قام الإنسان بإعمال عقله وفكر سيجد أن خالق السماوات والأرض متصف بالحكمة، وليس من الحكمة أنه يخلق مخلوقات قادرة على الاختيار بين العدل والظلم، وبين الإصلاح والإفساد، وبعد كل هذا يموت المصلح مظلوماً دون تكريم، ثم لا يكون هناك حياة أخرى يُكرم فيها، فيكون هذا باطل وظلم، ومن الظلم والباطل أن يموت المُفسد وهو مفسد، وقد أفسد حياة الناس وقتل وسرق وظلم، ثم يموت دون عقاب، ولم يعاقب في الدنيا. الباطل هو أن لا يكون هناك حياة أخرى يحاسب فيها ويعاقب ويعذب كما عذب الناس (ربَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)

(رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (١٩٢)

يا ربنا لا تدخلنا النار، فنحن نعوذ بك من الخزي، لأن من يدخل النار فقد أخزيته، والخزي عكس الفوز أي الخسارة، ونحن نبرأ إليك من الظلم والظالمين، لأننا نعلم أن الظالمين لن يساعدهم أحد يوم القيامة، فنعوذ بك أن نكون منهم، ونعوذ بك من خزي الآخرة، هذا معناه أن الظالمين لهم الخزي، وأن الله سيدخل الظالمين النار ويخزيهم.

(رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (١٩٣)

يا ربنا نحن سمعنا من نادانا للإيمان (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ) من هذا المنادي؟! معظم المفسرين قالوا النبي ﷺ لكن منهم من قال، بل هو القران، فلم يستمع الناس كلهم للنبي ﷺ ونحن لم نرَ النبي ﷺ إذن هذا المنادي الذي ينادينا للإيمان هو القرآن، وأنا لا أرى أن هناك فارق أصلاً، لأن النبي ﷺ هو مبلغ القرآن، فإذا بلغني القرآن الذي ينادي للإيمان فقد بلغني نداء النبي ﷺ فلا يوجد فرق أيضاً (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا) النبي ﷺ بلغنا هذا القرآن، فيكون هذا المنادي هو النبي ﷺ والمنادي هذا هو القرآن، وإذا كان هو القرآن فهو الله سبحانه وتعالى ينادي الناس للإيمان، كان أحد العلماء يقول: إني سمعت الله يقول (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا (١٩٣) ولم يقل ثم آمنا بل فآمنا، الفاء تفيد السرعة، بمجرد أن سمعنا المنادي ينادي للإيمان آمنا يا رب، دون تلكؤ ودون تأخير (رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (١٩٣) قيل الذنوب هي الكبائر، والسيئات هي الصغائر، فيقولون يا رب اغفر لنا ذنوبنا -الكبائر- وكفر عنا سيئاتنا، لأن الله قال في سورة النساء (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (٣١) إذا اجتنبتم الكبائر سنكفر عنكم سيئاتكم -الصغائر- لذلك عندما قالوا (رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا) هي الكبائر التي ليس لها مكفرات (وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (١٩٣) وكفر عنا سيئاتنا -الصغائر- جاء في الحديث (الصَّلَاةُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُنَّ، ما لَمْ تُغْشَ الكَبَائِرُ)

سؤال: لماذا هم يبالغوا في طلبهم، لماذا يسألون الله أن يغفر لهم كل شيء، لماذا ليس ٨٠% أو ٦٠% من الذنوب والسيئات؟! ألا يفترض أن يطلب الإنسان طلبات معقولة، لأنهم يطلبون أقصى شيء، بسبب ذكائهم لأنهم أولوا الألباب، والذي يتفكر في خلق الله، يعرف قدر كرم رب العالمين وعظمته، فإذا سألت عظيماً، فاسأل عظيماً! فلا تذهب إلى إنسان ملياردير، وتطلب منه عشر جنيهات! بل اطلب اقصى ما تستطيع، ولله المثل الأعلى (رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (١٩٣) ما هو هدفهم؟ (وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) لينالنا الموت بعد أن ننال لقب الأبرار. لماذا الأبرار؟ في الآية ١٩٨ (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (١٩٨)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

21 Oct, 15:35


الآيات التالية تصف حالة أولي الألباب القلبية، فهم أولوا ألباب، عندهم عقل، وأولوا قلوب، ذاكرة لا تتوقف عن ذكر ﷲ.

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (١٩٢) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (١٩٣) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (١٩٤)

هل لاحظت تكرار كلمة ربنا؟! كم مرة تكررت كلمة ربنا في هذه الآيات؟! جاءت خمس مرات هنا، وجاءت عدة مرات في سور أخرى، وكذلك كلمة أولو الألباب، وسنتعلم منهم فن الدعاء.
أولاً نريد أن نعرف ما هو التحدي الذي يواجهني في حياتي، كإنسان مسلم؟! وأنا أريد أن أرضي ربي، في سورة البينة (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) أي خير المخلوقات، بهذا فهمت أنني ممكن أن أكون أفضل من البشر وأفضل من الحيوانات، لكن كيف أكون أفضل من الملائكة الذين يذكرون ﷲ بلا انقطاع، في سورة الأنبياء وصفهم الله (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (٢٠) لا يتعبون ولا ينامون، ليل نهار يُسبحون الله، الملائكة مخلوقات نورانية، ليس لديهم شهوات! فالتحدي الذي يواجهك كإنسان مسلم، مخلوق من طين، ومطلوب منه أن يرتقي إلى السماء ليصبح كالملأ الأعلى، بل يصبح أفضل من الملائكة طبقاً لسورة البينة. كيف يكون ذلك؟! وأفضل إنسان في الدنيا، يحتاج أن يأكل وينام ويعمل كي يستلم راتبه في نهاية الشهر، كيف بإمكانه أن يكون أفضل من الملائكة، الذين لا يتوقفون عن ذكر ﷲ لحظة واحدة؟! لن يستطيع أن يعبد الله ويذكره أكثر من ١٢ - ١٥ ساعة كحد أقصى، هذا إن لم يقم بأي عمل إلا الذكر والعبادة، إضافة إلى أن لدينا أجساد، وهذه الأجساد لها مطالب، وهذه المطالب اسمها الشهوات، حتى لو ضبطنا هذه الشهوات عن طريق الشرع بالحلال والحرام، فإن هذا أيضاً سيأخذ وقتاً من العبادة، أنا كمخلوق من طين، فالطين يشدني للأسفل، يشدني للأرض، فأنا مطالب بمقاومة الجزء الطيني هذا، ومقاومة الإسفاف بالتسامي، ومقاومة النسيان بالذكر، ومقاومة الأنانية بالإيثار، الله أوجد لك حل لكل هذا، بأنه جعل وقت العمل عبادة وذكر، فإذا ذكرت الله قبل العمل وبعده، فأنت من الذاكرين، وجعل وقت النوم وقت عبادة وذكر إذا ذكرته قبل النوم وبعده! وجعل وقت الأكل عبادة وذكر، إذا ذكرته قبل الأكل وبعده، إذا لم تكن تحفظ ذكر معين، قل بسم ﷲ قبل أن تنام، إذا لم تكن تحفظ أدعية، قل: بسم الله. وإذا كنت تحفظ الدعاء فقل (بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ) وعندما تستيقظ من النوم تقول الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور، فتُكتب من الذاكرين طوال وقت نومك، وكذلك وقت الأكل وكذلك أيضاً وقت العمل، حتى وقت العلاقة الزوجية، قال رسول الله ﷺ (في بُضعِ أحدِكم صدقةٌ قالوا: يا رسولَ اللهِ، أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكونُ له فيه أجرٌ؟ فقال: أرأَيْتُم لو وضَعها في الحرامِ أكان عليه فيه وِزرٌ فكذلك إذا وضَعها في الحلالِ كان له أجرٌ) حتى هذه العلاقة عبادة، إذا ذكرت الله قبلها وبعدها.

اقرأ ١٩١ وشاهد أول صفة من صفات أولي الألباب (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) يذكرون ﷲ على كل حال، وعند الوقوف والقيام والنوم، سواء قيام الليل أو قياماً وهو واقف، وفي الجلوس يذكر الله، وهو نائم مستلقي، وهذا يصف لك الحالة القلبية لهم، قلوبهم ومشاعرهم متعلقة بالله.
أنا في إحدى مرات السفر، شاهدت شخصاً يذكر الله وهو نائم، القلوب معلقة بالله (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) هذا يصف لك الحالة العقلية لعقلهم، يفكرون في خلق السماوات والأرض، لأن عقله وقلبه مع ﷲ، هو ليس إنسان بسيط ساذج، بل عقله دائماً يفكر في خلق السماوات والأرض، يفكر بالله، يحب أن يتكلم مع الله.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

21 Oct, 15:34


فيديو ٨١٢ من مقاطع حظر التجول تدبر آل عمران حلقة ٥٤ الآيات ١٩١ - ١٩٤

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

21 Oct, 15:34


https://www.youtube.com/live/dP1bFr9lwk4?si=9ygvv8-PFGSdXGaK

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

20 Oct, 13:58


لا تدل على وجود الخالق فقط، بل على الخالق بكل صفاته، وجوده وقدرته وحكمته وعلمه ورحمته! واختلاف الليل والنهار، كيف يدخل الليل في النهار والنهار في الليل، كان من الممكن أن يكون نظام النور والظلام في الأرض ON/OFF فجأة يصبح الجو مضيئاً، والناس بعد الظلام تكون غير قادرة أن تفتح عيونها إلى أن تعود العين على النور، وكذلك فجأة نصبح في ظلام دامس بعد ضوء شديد، والناس تضطرب وتحصل الحوادث، لكن تكوير الليل على النهار والنهار على الليل شيء معجز، في سورة الزمر (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ (٥) تكوير، كرة تدخل في كرة (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) آيات: معجزات وآيات، يعني إشارات دالة تدل الإنسان، لكن ليس أي إنسان يستفيد منها؛ فقط الذين يملكون العقل (لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) جمال هذه الآية هو أنها يلتقي فيها القرآن المسطور والقرآن المنظور، قرآن في السطور وهو آيات الوحي من سورة الفاتحة إلى سورة الناس، وقرآن منظور تراه حولك في الكون، تراه في السماوات والأرض، ونحن لم نتكلم بعد عن الأرض وما فيها من تنوع، ولن أقول انظر في الورود والأزهار فهي وحدها آية، بل أقول: انظر في أوراق الشجر والتنوع الذي فيها، من أحجام وأشكال وألوان، وفي النهاية هو ورق شجر! هل تعرف أن الطاقة التي في جسمك والحرارة التي فيه من الشمس أصلاً؟! معظم الطاقة التي على وجه الأرض من الشمس، فكيف تنتقل الطاقة من الشمس إلى الإنسان؟ عن طريق أوراق الشجر التي تحول الضوء إلى طاقة بمادة الكلوروفيل، ثم تأكلها الحيوانات، ونحن نأكل لحوم الحيوانات، فتنتقل إلينا الطاقة الشمسية، وكذلك نحن نأكل بعض النباتات (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) آيات الوحي في القرآن المسطور تصف آيات قدرة ﷲ في القرآن المنظور، هذه الآية لا يمكن تدبرها في عدة أسطر، هذا مستحيل! السماوات وما فيها من اتساع، وما تحمله كلمات الآية نفسها من معاني وأسرار، لا يمكن للإنسان أن يُلم بما فيها، والأرض ليست مجرد ورق شجر وأزهار، الأرض وما فيها من معادن ونفط وألماس وذهب وأنهار ورمال... الخ، تدل على قدرة الله وحكمته وقوته وعلمه، المسألة كبيرة جداً، ولن يدرك هذه الآيات التي تدل على ﷲ إلا أولوا الألباب، فيدعونا الله أن نكون من أولوا الألباب.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

20 Oct, 13:58


دعوا ﷲ ألا يزيغ قلوبهم بعد الهداية، وألا يكفروا بعد إيمان، وكي لا ينافقوا بعد إخلاص، وطالما أن الله هو الوهاب طلبوا منه أن يهب لهم الرحمة، فبين الله لنا أن الخطر كله يأتي من شهوات النفس (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (١٤) وأن الطريق للسيطرة على هذه الشهوات هو بالذكر، وتذكر أن ﷲ هو (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٢٧) تذكر أن الله مالك الملك، فتسيطر على شهواتك.

ثم ذكر أمثلة للأمم التي ضلت بعد الهداية من أهل الكتاب، فتكلم عن النصارى ومناظرتهم للنبي ﷺ وهروب نصارى نجران من المباهلة، وبعدها تكلم عن يهود المدينة، ومؤامرة الدخول في الإسلام ثم الردة، لعل بعض المسلمين يشكون في دينهم ويرتدون معهم (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (٦١) النصارى هربوا من المباهلة وخافوا، واليهود تآمروا (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢) ثم بعد ذلك أمر الله بالجهاد، لأن الحق يحتاج إلى سيف يحميه، وأوضح أن النصر في الصبر والتقوى في ثلاثة مواضع، ثم جاءت ٦٠ آية عن غزوة أحد، تعلمنا فيها أهمية الصبر والتقوى وخطورة معصية الرسول ﷺ على الأمة بأكملها، وتخلل التعليق على أحداث أُحد دروس فقهية وتربوية، منها منع التعامل بالربا، والحث على خلق العفو (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وخُلق الكرم والعفو (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (١١٠) وخُلق الوحدة وعدم التفرق والاعتصام بحبل ﷲ (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا (١٠٣) ثم حذرنا من خطورة المنافقين في الصف المسلم ودورهم في أُحد، ثم حثنا على اللين وعدم الفظاظة والغلظة (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (١٥٩) ثم تختم السورة بذكر ﷲ، كما بدأت بذكر ﷲ (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) هؤلاء الذين يريدون معجزة حسية، تدل على ﷲ، هل هناك معجزة حسية أكثر من خلق السماوات والأرض، السماوات وما فيها من مجرات، المرصود حتى الآن ١٠٠ مليار مجرة ومتوقع أن يتضاعف العدد إلى ٢٠٠ مليار مجرة، بسبب التقدم الدائم في تكنولوجيا التلسكوبات، مجرتنا اسمها درب اللبانة أو درب التبانة، مجرة واحدة من ١٠٠ مليار مجرة، فيها ١٠٠ مليار كوكب، وهذه الكواكب فقط من غير الشموس، والشموس أيضاً عشرات المليارات، وكل هذه الكواكب والشموس تدور كل واحد منها في مسار ولا تصطدم ببعضها، وإلا سينفجر الكون فوراً (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) إذن خلق السماوات والأرض وحده آية ومعجزة تدل على الخالق (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

20 Oct, 13:58


(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩)

أنتم في ملكه، وهو يرى ويسمع ويعلم كل شيء في ملكه، نحن وصلنا إلى آخر عشر آيات في السورة، وقلنا في مفاتيح التدبر أنك تجد دائماً علاقة بين آخر السورة وأولها، في أول السورة (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥) لماذا؟! لأنه هو الملك (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩) يعلم ما في ملكه، ويعلم ما يحاول الناس أن يخفوه عن بعض (قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (آل عمران ١٦٧) الله يعلم ما في القلوب، لا يخفى عليه شيء لا في الأرض ولا في السماء، وملك ﷲ ليس دلالة فقط على علم ﷲ بكل ما في الكون، بل أيضاً بقدرة ﷲ على كل ما في الكون، فلما تقول الآية السابقة (فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨٨) من يُعذِب العذاب الأليم يجب أن يكون قادر عليه، وله سلطة لكي يُعذب هذا العذاب الأليم، فمن له السلطة؟! (فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨٨) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩) له السلطة وله القدرة، الله عنده Maximum في كل شيء، أي أقصى درجة وأعلاها في كل شيء؛ أقصى رحمة وأقصى مغفرة وأقصى نعمة، وكذلك أقصى عذاب عند الله، فلا يوجد عذاب في الدنيا يقارن بعذاب الآخرة!
ثم تبدأ خواتيم آل عمران في آخر عشر آيات، ورد فيها حديث صحيح (عنْ عُبَيْدُ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُ أنَّهُ قَالَ لعَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهُا: أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِيهِ مِنْ رَسُولِ الله ﷺ قَالَ: فَسَكَتَتْ، ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةً مِنْ اللَّيَالِيِ؛ قَالَ: يَا عَائِشَةُ! ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي. قُلْت: وَالله إنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَك، وَأُحِبُّ مَا يَسُرُّك! قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي) النبي ﷺ استأذن من زوجته كي يقوم الليل، لأن هذا الوقت لها، وتستطيع أن ترفض وتقول له لي حق عليك، لكنه استأذنها في حقها، لأنه كان مشتاق إلى الوقوف بين يدي ﷲ، وقالت له أنا أحب أقعد معك، لكني أحب أنك تكون سعيد بالصلاة، فقام وتوضأ (قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ، قَالَتْ: وَكَانَ جَالِسًا فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الأرْضَ! فَجَاءَ بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ؛ فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي؛ قَالَ: يَا رَسُولَ الله! تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ الله لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ؟! قَالَ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟ لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا! ثم قرأ (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (١٩٢) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (١٩٣) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (١٩٤)
السورة تختم بتعليم القارئ المتدبر دعاء من أدعية أولي الألباب، كما بدأت بتعليم دعاء أولي الألباب أيضاً (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧) ثم قالوا (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٩)

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

20 Oct, 13:58


سؤال: كيف نوفق بين آية آل عمران (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) وبين آية سورة النحل (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً (٩٧) كيف لتبلون؟! وكيف من عمل صالحاً يحيى حياة طيبة؟! إذا كنت تريد أن تفهم سبب "التناقض الظاهر" بين الآيتين، وهو تناقض ظاهر وليس حقيقياً؛ فلا يوجد تناقض في القرآن، ولكي تعرف ذلك، حدد مشكلتك مع أي ألفاظ في كل آية التي ترى فيها تعارضاً، في آل عمران كلمة ”لتبلون“ وآية النحل ”حياة طيبة“ ثم فكر، هل يمكن للإنسان أن يحيا حياة طيبة وهو مبتلى أم لا؟ هل تشك أن النبي ﷺ أحياه ﷲ حياة طيبة، رغم أنه ابتُلي بأكبر الابتلاءات؟! لكن قوة الإيمان في القلب تجعل القلب مطمئناً راضياً هادئاً، حب الناس يجعل الحياة طيبة، تحقيق انتصارات وإنجازات ونجاحات ألا يجعل الحياة طيبة؟! وكل هذا لا يتعارض مع وجود ابتلاءات، وكذلك قد تجد كافراً غير مبتلى في ماله ولا في نفسه ولا صحته، وتجده في عيشة غير طيبة، مليئة بالكآبة وبالكراهية والحقد والغضب والخيانة.

(لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨٨)

الآية التي قبلها تكلمت عن أهل الكتاب الذين كتموا الحق في كتابهم وأدلة نبوة محمد ﷺ فالله يقول للنبي ﷺ لا تظن أن هؤلاء الفرحين بالجريمة التي عملوها، ويحبون أن يمدحهم الناس ويشكروهم على شيء لم يفعلوه، فلا تظن أنهم بعيدون عن العذاب، بل لهم عذاب أليم (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا) هم عملوا جريمة، حرفوا كتبهم، وغيروا النصوص التي تدل على نبوة محمد ﷺ وهم فرحون وفخورون بأنفسهم بتحريفهم (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا) يحبون أن يُقال عنهم أنهم حماة الشريعة والمدافعون عن الدين، وهم عملوا عكس ذلك تماماً، ضيّعوا الدين وضيعوا الشريعة (فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ) المفازة هي الصحراء الواسعة، تسميها العرب مفازة، مشتقة من الفوز، من باب تسمية الشيء بضده على سبيل التفاؤل، العرب تسمي اللديغ الذي لدغته حية أو عقرب فيسموه سليم، تفاؤلاً أنه سيبرأ ولا يموت، الأعمى يسمونه أبا بصير، كذلك الصحراء الواسعة هي مهلكة، ممكن أن يهلك فيها الناس إذا تاهوا أو إذا نفد منهم الماء، فيسموها مفازة من الفوز، مع أنها مهلكة (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ) لا تظن أنهم بعيدون عن العذاب (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨٨) لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ليس بالضرورة أنها عن أهل الكتاب فقط الذين حرفوا كتابهم، فالمنافقون أيضاً مشمولون بهذا الوصف في الآية (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا) الذين يفرحون بنفاقهم ويفخرون بأنهم لم يخرجوا في الجهاد مع النبي ﷺ، ويقولون عن الذين قُتلوا لو سمعوا كلامنا لما ماتوا (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا) يفخرون بجريمتهم، فتجد المحتال يسمي احتياله على الناس ذكاء! المنافقون في غزوة أحد قال الله عنهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا (آل عمران ١٥٦)
(وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا) المنافق يحب أن يمدحه الناس بأشياء لم يعملها أصلاً، ونرى ذلك كثيراً، فنرى شخصاً أعطى لشخص أموال للتبرع بها لملجأ الأيتام، فيتبرع بها على أن الأموال منه بقوله: أريد التبرع بعشرة آلاف جنيه، وهو لم يدفع من أمواله، فيصفق له الناس ويشكروه؛ ويُعرف على أنه رجل البر أبو الأيتام، وهو يحب أنه يحمد بما لم يفعل، هذا نراه بمن يسرق جهد آخرين، ويُقدمه على أنه إنتاجه. فينشر أحدهم قصيدة، وهي أصلاً لشخص آخر غير معروف، فينشرها على أنها له. مثلاً أنا قرأت تفسيراً في كتاب جميل لأحد المفسرين أو سمعت تفسيراً من أحد العلماء، يجب ألا أقدم هذا الكلام على أنه نتيجة تفكيري العميق، والأمانة تقتضي أني أقول للناس أني قرأت في تفسير ابن عاشور والرازي وسيد قطب والبقاعي والقرطبي، وأسمع ياسين رشدي والشعراوي، لماذا أسرق جهد الآخرين؟! المدح أصلاً هو خمر النفس، والإنسان الذي يحب أن يُمدح بأشياء هو عملها يحتاج أن يعالج مسألة الكبر في قلبه، فما بالك بالذي يحب أن يمدح بما ليس فيه أصلاً، فهذا مريض نفسي يحتاج علاج (فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨٨) هذا تحذير شديد، لا تأخذوا هذا الموضوع ببساطة! إياكم أن تظنوا أن الله لا يعلم ما في نفوسكم وقلوبكم.

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

20 Oct, 13:57


فيديو ٨١١ من مقاطع حظر التجول تدبر آل عمران حلقة ٥٣ الآيات ١٨٨ - ١٩٠

تدبر القرآن الكريم فاضل سليمان

20 Oct, 13:57


https://www.youtube.com/live/fgnX6zHOOLs?si=6MCHXJiZ_p_DSTwy

4,599

subscribers

10

photos

22

videos