■ تقول المراجع الأمريكية أن ربيع العام 1945م شهد بحثاً يابانيا محموما عن السلام عبر وساطة سوفييتية تُنهي الحرب بين اليابان و الولايات المتحدة, وهو ما كانت تعلمه الآخيرة التي اخترقت شفرة الاتصال اليابانية, فقد كانت جُلّ مطالب اليابان تتمثل في الإبقاء على الإمبراطور, وهو أمر لم يكن يكترث لأهميته الامريكان, لأنه سيكون منصبا شكلياً.
لكن الولايات المتحدة كانت تعلم بأن تردد اليابانيين في الاستسلام, مرجِعَهُ طمعهم في تحقيق مكاسب عند الاجتياح البري لقوات الولايات المتحدة لليابان, والحاق خسائر بها, ولم تكن اليابان تعلم عن القنابل النووية الامريكية شيئاً بالطبع, ومع سقوط ناجازاكي و هيروشيما, حاول العسكريون منع الامبراطور من الاستسلام, و أضطر للإلتفاف عليهم, وبث خطاب اذاعي يُعلن استسلام اليابان, قائلا عبارته الشهيرة :
“لا يهمني ما سيحدث لي شخصيا، لكنني أريد النجاة لجميع رعاياي” .
● هذه المقدمة القصيرة ستُفسّر نفسها بنفسها من خلال هذا المقال, والذي يكشف بدوره عن جوانب لا تراها في المشهد الذي أخذ بالتشكل بين بورتسودان و جدة وأديس أبابا, و مآلاته , وتأثيره على الحرب المشتعلة حاليا في السودان.
● صبيحة الـ25 من اكتوبر 2021م, استيقظ الشعب السوداني على بيان لقائد الجيش, يٌعلن فيه تحفظه على رئيس الوزراء, واعتقاله للقياديين من المكون المدني صاحب النسبة الأعلى في السلطة, حسب الوثيقة الدستورية الحاكمة, وقد كانت خطوة قائد الجيش, واحتمالية قيامه بإنقلاب عسكري أمرا واضحاً للعيان, يهدف للإستفراد بالسلطة , وإعادة النظام البائد إلى الواجهة, والقضاء على الثورة تماما, لذلك أطلق على انقلابه "تصحيح المسار",يشاركه في ذلك نائبه في السلطة , قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو, وبعض قادة الحركات المسلحة, ليشكلوا سلطة أمر واقع بحسب الانقلاب, في ظل تصاعد أبخرة حُمم الخلافات بينهم, والتي بدورها كانت تُنذر بإندلاع صراع مسلح, بسبب الخلافات العميقة بين مكونات الانقلاب و قادة النظام البائد.
● ولعدم الإسهاب, فإن إحتدام الخلافات, وتزايد الخطر, دفع بنائب البرهان إلى إعلان أن ما قاموا به كان انقلاباً, وليس تصحيحا للمسار, وقد سهّل هذا الانقلاب عودة الإسلاميين إلى مفاصل الدولة, وقد فشل في تحقيق المرجو منه, تصريح بهذا الحجم يعني أن قائد الجيش أصبح متهما بتهم تصل عقوبتها إلى الإعدام , مثل تهمة تقويض النظام الدستوري القائم, وبالتالي عدم شرعية أي قرار يصدره, او منصب يتقلده, وما توقيعهما على الاتفاق الإطاري إلا اعترافا ضمنيا بانقلاب الـ25 من اكتوبر.
● أكبر فخ وقع فيه قائد الجيش هو استمراره في الإدعاء بأنه مايزال رئيسا لمجلس السيادة الإنتقالي, و أن كل قراراته مبنية على الوثيقة الدستورية, حتى لا يُثبت حقيقة ان ما قام به كان انقلاباً عسكرياً, وهي نقطة ستشكل محور ما يقوم عليه المقال, في كيف سيضع هذا الفخ البرهان و الجيش في خانة المتمردين على الدولة وفقا للقانون.؟
● في الفصل الأول من الاحكام العامة للوثيقة الدستورية التي يتمسك بها البرهان, فإن المادة الثانية البند (1) تؤكد فيه إلغاء دستور 2005م الانتقالي, مع سريان القوانين الصادرة بموجبه, ومن ضمنها قانوني القوات المسلحة 2007م و قانون الدعم السريع 2017م, يفصّل البند الثاني من ذات المادة أن جميع المراسيم التي اصدرها المجلس العسكري منذ 11 ابريل تظل سارية ما لم تُعدل بواسطة المجلس التشريعي الإنتقالي, ومن ضمنها المرسوم الدستوري 34 الذي أصدره البرهان في 30 يوليو 2019م, والذي قضى بإلغاء المادة 5 ببنودها 1و 2 من قانون الدعم الدعم السريع, وإلغاء تبعية الدعم السريع لقانون القوات المُسلحة بجميع فقراته, وقضى بإعادة ترقيم قانون الدعم السريع الذي أصبح بمقتضى ذلك المرسوم, قوة نظامية و جيشاً موازياً للقوات المسلحة, برضاها , وتوقيع قائدها عبد الفتاح البرهان.
● إلغاء المادة 5 من قانون الدعم السريع ستعني أن قائده وفقا للقانون, لا يمكن عزله , او تحديد إنتشار قواته , او تلقيه أي اوامر, او احتياجه للتنسيق مع أي جهة سواء في اثناء الحرب , او في اوقات السلم, وفقا للمادة 6 البند (2) و المادة (10) والمادة (11) , فقانون الدعم السريع قائم على تعيين قائده من رئيس الجمهورية, وتشكيل مجلس اعلى للدعم السريع يرأسه قائد القوة, ويكون مسؤلا عن قواته امام رئيس الجمهورية, دون أي تدخل للقوات المسلحة, او وزير الدفاع , وأن انقلاب الـ25 من اكتوبر و إن شاركت فيه, فإنها بتوصيفها له بالإنقلاب, فإن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أصبح رجلاً خارجا عن القانون, و مقوضاً للنظام الدستوري بالبلاد وفقا لقانون الدعم السريع 2017م المادة 7 بجميع فقراتها (أ,ب,ج,د), ومشاركة الجيش معه في هذا الانقلاب, يعني تحول الجيش لقوة متمردة أيضا, وان على الدعم السريع الدفاع عن البلاد ضد اي مهدد داخلي او خارجي وفقا للبند (د) من المادة 7, وفقا لتفسيرات قائده, و أوامره المنصوص