«وقوله ثانيًا: {الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ} إشارة إلى الصفة مرة أخرى، ولا تظن أنه مكرر فلا تكرر في القرآن؛ إذ حد المكرر ما لا ينطوي على مزيد فائدة، وذكر الرحمة بعد ذكر: {الْعَالَمِينَ} وقبل ذكر: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ينطوي على فائدتين عظيمتين في تفصيل مجاري الرحمة:
🔸 إحداهما: تلفت إلى خلق {رَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ فإنه خلق كل واحد منهم على أكمل أنواعه وأفضلها، وآتاه كل ما يحتاج إليه، فأحد العوالم التي خلقها عالم البهائم، وأصغرها البعوض والذباب والعنكبوت والنحل... ».
ثم أخذ رضي الله عنه يفصل القول في عجائب خلق الله في كل من البعوضة والذباب والعنكبوت والنحل، ثم قال:
«وهذه الغرائب لا يمكن أن تستقصى في أعمار طويلة؛ أعني: ما انكشف للآدميين منها، وإنه ليسير بالإضافة إلى ما لم ينكشف واستأثر هو والملائكة بعلمه، وربما تجد تلويحات من هذا الجنس في كتاب الشكر، وكتاب المحبة فاطلبه إن كنت له أهلًا، وإلا فغض بصرك عن آثار رحمة الله ولا تنظر إليها، ولا تسرح في ميدان معرفة الصنع ولا تتفرج فيه، واشتغل بأشعار المتنبي، وغرائب النحو لسيبويه، وفروع ابن الحداد في نوادر الطلاق، وحيل المجادلة في الكلام؛ فذلك أليق بك فإن قيمتك على قدر همتك، {وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} و {مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ}.
ولنرجع إلى الغرض والمقصود؛ فالمقصود التنبيه على أنموذج من رحمته في خلق العالمين.
🔸 وثانيها: تعلقها بقوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}؛ فيشير إلى الرحمة في المعاد يوم الجزاء عند الإنعام بالملك المؤبد في مقابلة كلمة وعبادة! وشرح ذلك يطول». انتهى