من الشبهات التي يكثر طرحها من قبل الصوفية قولهم:
(ابن تيمية يبتدع أذكار فلماذا الإنكار على الصوفية)
الصوفية يقولون : أن ابن تيمية ابتدع أذكاراً فلماذا تنكرون على الصوفية , وهذه أذكاره مع تحديد العدد والوقت , وفائدة الذكر , فأين الدليل من الكتاب والسنة على ما يقوله ابن تيمية رحمه الله ؟؟
1- قال ابن القيم رحمه الله تعالى مدارج السالكين (1/448) : ( ومن تجريبات السالكين التي جربوها فألفوها صحيحة :أن من أدمن يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت أورثه ذلك حياة القلب والعقل , وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه شديد اللهج بها جداً وقال لي يوما : لهذين الاسمين وهما (الحي القيوم) تأثير عظيم في حياة القلب , وكان يشير إلى أنهما الاسم الأعظم , وسمعته يقول : من واظب أربعين مرة كل يوم بين سُنَّةِ الفجر وصلاة الفجر على : يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث حصلت له حياة القلب , ولم يمت قلبه " . اهـ
2- جاء في كتاب: (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية للحافظ عمر بن علي البزار( الفصل الرابع: في ذكر تعبده:) وكان قد عرفت عادته ؛ لا يكلمه أحد بغير ضرورة بعد صلاة الفجر , فلا يزال في الذكر يُسمع نفسه وربما يسمع ذكره من إلى جانبه ، مع كونه في خلال ذلك يكثر في تقليب بصره نحو السماء . هكذا دأْبُه حتى ترتفع الشمس ويزول وقت النهي عن الصلاة , وكنت مدة إقامتي بدمشق ملازمه جل النهار وكثيراً من الليل, وكان يدنيني منه حتى يجلسني إلى جانبه ، وكنت أسمع ما يتلو وما يذكر حينئذ ، فرأيته يقرأ الفاتحة ويكررها ويقطع ذلك الوقت كله ـ أعني من الفجر إلى ارتفاع الشمس ـ في تكرير تلاوتها, ففكرت في ذلك ؛ لمَِ قد لزم هذه السورة دون غيرها؟ فبان لي والله أعلم أن قصده بذلك أن يجمع بتلاوتها حينئذ ما ورد في الأحاديث ، وما ذكره العلماء : هل يستحب حينئذ تقديم الأذكار الواردة على تلاوة القرآن أو العكس؟ فرأى رضي الله عنه أن في الفاتحة وتكرارها حينئذ جمعاً بين القولين وتحصيلاً للفضيلتين ، وهذا من قوة فطنته وثاقب بصيرته( .
جواب الشبهة
الحمد لله , وبعد , فابن القيم ذكر أن ذلك من تجريبات السالكين , فهو من باب التداوي , ومن أنواع أدوية القلب لا من باب الذكر التوقيفي , وحينئذ يستعمل ذلك الدواء كغيره من الأدوية إلى أن يزول المرض بخلاف الأذكار فدائمة , والتداوي سواء بالأعشاب ونحوها أو بالقرآن وهو أعظم دواء إذا جرِّب بعدد معين وصحت التجربة فلا حرج في استعماله بذلك العدد , ولو لم يرد عليه دليل في دواء معين منه فالقرآن كله شفاء , فمن جرب آية بعدد معين لمرض معين فوجده نافعاً فلا حرج في ذلك , لذلك تجد الذين يرقون الناس من العين أو المس أو غيرها يقرؤون آيات كثيرة فإذا ما تأثر المريض عند آية معينة كرروها كثيراً فيجدون لها نفعا عظيماً , وكذلك الإنسان إذا رق قلبه عند آية معينة يشرع له تكرارها ولو إلى الصباح , ولكن في نفسي شيء من تحديد ذلك بوقت معين وهو مابين الأذان والإقامة من صلاة الفجر , لم أجد له وجهاً , ولكن لعله التجربة أيضاً, فإنه معلوم عند الأطباء أن من الأدوية ما لا بد من تناوله في وقت محدد , فلعل هذا منه, والله أعلم . وأما تكرار الفاتحة فكتكرار غيرها من القرآن , ولم يجعل له عدداً معين , وله أصل من السنة , ومن أفعال بعض الصحابة , وكثير من السلف , فعن أبي ذر رضي الله عنه يقول قام النبي صلى الله عليه وسلم بِآيَةٍ حتى أَصْبَحَ يُرَدِّدُهَا وَالْآيَةُ : ( إن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لهم فَإِنَّكَ أنت الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة , وله شاهد من حديث أُبي وصححه جمع من أهل العلم , وتكرار سورة الفاتحة أو غيرها أفضل من قراءة سور كثيرة غيرها في نفس الوقت لما في التكرار من التدبر والتأثير , لذلك جاء عن محمد بن كعب القرظي أنه قال : لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بإذا زلزلت والقارعة لا أزيد عليهما , وأتردد فيهما وأتفكر أحب إلي من أن أهُذَّ القرآن ليلتي هذا , أو قال أنثره نثراً . أخرجه أبو نعيم , وكذا لو كرر أحد سورة الإخلاص أو آية الكرسي في بعض الأوقات أو كرر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يشغله ذلك عن واجب أو عن ما هو أفضل فهو خير كثير لما فيها وغيرها من الآيات والسور من فضائل خاصة , وأما الأذكار التي يداوم عليها المسلم فتوقيفية , بخلاف ما يراد للتداوي وعرف بالتجربة , وبه يتبين الفرق بين فعل الشيخ وفعل ضلال الصوفية , فالشيخ يقرر أن الأذكار توقيفية , ويبين كيفية الضلال في الأذكار , وقد سئل رحمه الله عمن يقول : أنا أعتقد أن من أحدث شيئاً من الأذكار غير ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح عنه : أنه قد أساء وأخطأ , إذ لو ارتضى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيه وإمامه ودليله لاكتفى بما صح عنه من الأذكار , فعدوله إلى رأيه واختراعه جهل وتزيين من الشيطان وخلاف للسنة , إذ الرسول لم يترك خيراً إلا دلنا عليه وشرعه لنا , ولم يدخر