أما كتب أفلاطون فقد صاغها في أسلوب الحوار، واتخذ من سقراط بطلًا للكثير الغالب من تلك المناقشات المكتوبة، فيجري على لسانه ما يريد أن يقوله هو من فلسفة مضافة إلى فلسفة سقراط نفسه، وبذلك امتزجت آراء سقراط بآراء أفلاطون؛ حتى لا تستطيع أن تميز بينهما في كثير من المواضع، ولم يكن أفلاطون في كتابته فيلسوفًا فقط بل كان كذلك أديبًا فنانًا، فحواره مملوء حياة بما أودع من خيال حسن وفكاهة لطيفة، وقص حوادث وإدخال أشخاص ذوي شخصيات مختلفة يمثلون أدوارهم تمثيلًا دقيقًا.
وأظهر شيء في أسلوب أفلاطون أنه أسلوب خيالي، فهو لا يشرح فكره بوضوح وبطريقة علمية مباشرة، ولكن يشرحه من طريق الاستعارات والأساطير والقصص، وهي طريقة جميلة في كثير من الأحيان ولكنها مربكة، فكثيرًا ما يتردد الباحث هل هو يريد المعنى الحقيقي لكلامه، أو هو قد أتى به على طريق الاستعارة، وأنه يرمي إلى معنًى آخر، وقد جاء هذا من قِبَل أنه فيلسوف شاعر، أو فيلسوف وأديب معًا، واجتماع الفلسفة والشاعرية خطر؛ لأن غرض الفلسفة فهم الحقيقة وشرحها من الطريق العلمي، وغرض الشاعرية مجرد شعورك بالحقيقة ووصف إحساسك بها بعرض صور واستعارات ومجازات وما إليها، فإذا كان الإنسان فيلسوفًا شاعرًا فهناك الخوف من أنه لا يعمد إلى الحقيقة الخارجية فيشرحها بل يعمد إلى شعوره بها فيشرحه على الطريقة الشعرية، فكان أفلاطون بديعًا في مزج الشعر بالفلسفة فخرج قوله حكيمًا جميلًا، ولكنك لا تدري في كثير من الأحيان أين هو حكيم وأين هو جميل؟ ثم لا تعرف أحكمة هو فتركن إلى ظاهر لفظه، أو خيال وشعر فتحاول أن تتبين ما يرمي إليه.
2