مَا حُكْمُ الْإِعَانَةِ عَلَى فَتْحِ الْمَعَابِدِ الْكُفْرِيَّةِ وَالْكَنَائِسِ أَوْ بِنَائِهَا؟
الجَوَاب:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَإِخْوَانِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
كُلُّ مَا هُوَ نَجِسٌ مَعْنَوِيًّا يَجِبُ إِزَالَتُهُ لَا تَشْيِيدَهُ حِسِّيًّا أَوْ مَعْنَوِيًّا، وَالتَّعَاوُنُ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ مَعَابِدُ أَهْلِ الْكُفْرِ أَوْ مَعَابِدُ النَّصَارَى أَوِ الْيَهُودِ، أَوْ مَقَرَّاتُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ أَوْ مَقَرَّاتُ الشِّيعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكُلُّ مَنْ حَرَّفُوا الدِّينَ وَأَضَافُوا الزِّيَادَاتِ وَالِاسْتِدْرَاكَاتِ عَلَى الشَّرْعِ، وَفَسَّرُوا الْقُرْآنَ عَلَى غَيْرِ التَّفْسِيرِ الْأَصْلِيِّ، وَشَدُّوا النَّاسَ إِلَى طُرُقِ الضَّلَالِ وَالْغَوَايَةِ، هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ لَا يُتَعَاوَنُ مَعَهُمْ، وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَهُوَ تَعَاوُنٌ عَلَى الْإِفْسَادِ. وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَنَهَانَا عَنِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [الْمَائِدَةِ: 2]. فَكُلُّ تَعَاوُنٍ عَلَى الْإِفْسَادِ لَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَتَعَاوَنَ مَعَهُمْ وَلَوْ بِالْكَلِمَةِ.
وَإِذَا تُوَفَّى مَنْ هُوَ كَافِرٌ، لَابُدَّ أَنْ يُوَارَى التُّرَابَ وَيُدْفَنَ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَدْفنُهُ إِلَّا الْمُسْلِمُونَ، وَيُدْفَنُ بِلَا غُسْلٍ وَلَا تَكْفِينٍ وَلَا صَلَاةٍ. لِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَبِيهِ حِينَ تُوَفَّى: «قُمْ فَوَارِهِ التُّرَابَ» (01)(صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ)، يَعْنِي أَنْ يَأْخُذَهُ فَيَدْفَنَهُ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مُشْرِكٍ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ يَجِبُ أَنْ يُوَارَى التُّرَابَ.
السَّائِلُ:
هَلْ مَنْ يفعل ذَلِكَ أَي: يَتَعَاوُنٍ فِي بِنَاءِ الْمَعَابِدِ الْكُفْرِيَّةِ، هَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ؟
الشَّيْخ:
بِحَسَبِ مَا إِذَا كَانَ يَرَاهُ دِينًا صَحِيحًا، وَ شَيَّدَهَا وَأَعَانَ عَلَيْهَا بِمُعْتَقَدِهِ هَذَا، يَكْفُرُ.
وَإِذَا كَانَ عَامِلًا وَيَقْصِدُ بِهِ التَّكَسُّبَ أَوِ الِاسْتِرْزَاقَ، وَلَيْسَ مِنْ وَرَائِهِ مُعْتَقَدٌ، هَذَا لَا يَكْفُرُ، وَلَكِنْ عَمَلُهُ يَعُدُّ مَعْصِيَةً، وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ مَعْصِيَتَانِ:
الْأُولَى: تَرْكُ السُّؤَالِ و الثَّانيةُ التَّعَاوُنُ عَلَى إِشَادَةِ بِنَاءِ مَعْبَدٍ يُعْبَدُ فِيهِ غَيْرُ اللَّهِ.
وَلَا يَقْتَصِرُ الْحُكْمُ عَلَى هَذَا، بَلْ يَشْمَلُ التَّعَاوُنَ عَلَى بِنَاءِ الْقِبَابِ وَالْأَضْرِحَةِ، وَأَنْ يُرْفَعَ الْقَبْرُ وَمَا يُحَاطُ بِهِ مِنَ الزَّخَارِفِ وَالْأَعْلَامِ فِي الْمُشَارَكَةِ فِي الْبِدْعَةِ، وَهِيَ بِحَسَبِ الِاعْتِقَادِ أَيْضًا. إِذَا كَانَ يَعْتَقِدُ فِيهَا مُعْتَقَدًا يُشْرِكُ فِي الرُّبُوبِيَّةِ، فَهَذَا يَكْفُرُ. أَمَّا إِنْ كَانَ يَبْنِي مُجَرَّدَ الِاسْتِرْزَاقِ أَوِ التَّكَسُّبِ، فَهُوَ تَعَاوُنٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ.
وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَإِخْوَانِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
مِنْ مَجْلِسِ الْقُبَّةِ، بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ 7 رمضان 1446، الْمُوَافِقُ لِـ 07 مَارِسَ 2025م.
___1- «قُمْ فَوَارِهِ التُّرَابَ»
أخرجه البخاري (1264) في "كتاب الجنائز، باب دفن المشرك".
نص الحديث في البخاري: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ، قَالَ: اذْهَبْ فَوَارِهِ التُّرَابَ".
#منقـــول