💚 لمسات بيانية للجملة الحادية والعشرين 💚
د. صلاح الخالدي
📝 تحدث القرآن عن معاداة ومشاقة الكافرين لله ورسوله ، وعن عقاب الله لهم بسبب تلك العداوة والمشاقة ، لكن حدث تفاوت في التعبير عن ذلك في آيتين :
📗 قال ﷻ :
﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [اﻷنفال : 12 - 13] .
📗 وقال ﷻ :
﴿وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۖ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾
[الحشر : 3 - 4] .
📝 حكمة حذف كلمة «َرَسُولَهُ» في الحشر :
والفرق في التعبير بين الآيتين أنه قال في آية الأنفال :
﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ ففك الإدغام في الفعل ، وذكر حرفي قاف ، وذكر الله ورسوله ، بينما قال في آية الحشر :
﴿وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّه﴾ فأدغم القاف في القاف ، وأسقط كلمة «َرَسُولَهُ» فما حكمة ذلك ❓
📝 الكلام في آيات الأنفال عن مشركي قريش الذين حاربوا رسول الله ﷺ ، وأشركوا بالله ، وعبدوا معه الأصنام ، وتوجهوا للقضاء على المسلمين في المدينة ، حيث وقعت معركة بدر ، التي هزمهم الله فيها
📝 ولقد كانت عداوة المشركين مزدوجة ،
1⃣ فهي عداوة الله أولًا ،
حيث أشركوا به غيره ، وعبدوا معه الأصنام واﻷوثان ، وجعلوها آلهة !
2⃣ وهي عداوة لرسول الله ﷺ ، وعداوة للنبوة والرسالة ، حيث أنكروا أن يكون نبي من البشر ، وطالبوا أن يكون النبي من الملائكة ، كما أنهم لم يعجبهم شخص محمد ﷺ - أفضل الخلق - لأنه يتيم فقير ، ويريدون أن يكون الرسول رجلاً عظيماً غنياً
📝 ونظراً لعداوة المشركين المزدوجة لله ولرسوله ولدينه ، ذكرت الكلمتان :
﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ •
📝 أما الكلام في آيات الحشر فهو من يهود بني النضير ، الذين نقضوا عهدهم مع رسول الله ﷺ ، فحاصرهم وأجلاهم عن المدينة ، ومعلوم أن اليهود يحاربون الإسلام والدين ، مهما كان نبيه ورسوله ، فلا يهمهم شخص الرسول ﷺ إنما يهمهم حرب رسالته ودينه ، لأنه غير يهودي .ولذلك أسقطت كلمة «َرَسُولَهُ» من آيات الحشر فقال : ﴿وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب . .ِ﴾ •
📝 وهناك حكمة أخرى لذكر «َرَسُولَهُ» في آية الأنفال وحذفها من آية الحشر :
الكلام في آيات الأنفال عن غزوة بدر ، وكان السبب البشري في الغزوة موجود ، وهو جهاد رسول الله ﷺ وأصحابه ، حيث خرجوا للمعركة ، وقاتلوا المشركين فيها ، واشتبكوا معهم على أرضها ، وأنزل الله خمسة آﻻف من الملائكة مدداً للصحابة ، ونظراً لتوفر السبب البشري المادي في الغزوة ذكرت كلمة «َرَسُولَهُ» لتمثل هذا الجانب ، وجاء التعبير في الآية هكذا :﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَه . .﴾ •
📝 أما الكلام في آيات الحشر فهو عن إجلاء يهود بني النضير ، في السنة الثالثة للهجرة ، بعد غزوة أحد ، ولم تنشب المعركة بين الصحابة وبين اليهود ، ولم يقاتل الصحابة اليهود فيها ، إنما حاصروهم حوالي شهر ، ثم قذف الله في قلوب اليهود الرعب ، فاستسلموا بدون قتال ، وتم إجلاؤهم عن ديارهم ، فالسبب المادي البشري في إجلاء بني النضير غير موجود ، ولعله لأجل هذا لم يرد ذكر كلمة «َرَسُولَهُ» في الآية ، ، تلك الكلمة التي مثلت الجانب المادي البشري في غزوة بدر ، والتي وردت في آية الأنفال ، فجاء التعبير المعجز في الحشر ،
﴿وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب . .ِ﴾ [1]•
📙 [1] إعجاز القرآن البياني ودلائل مصدره الرباني (صــ 254 - 255 - 256)